الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الوديعة
ــ
كتاب الوديعة
هي فعيلة من ودع: إذا ترك، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:(لينتهين أقوام من ودع الجمعات) رواه مسلم.
وفي (النسائي)(دعوا الحبشة ما ودعوكم، واتركوا الترك ما تركوكم).
وحمعها: ودائع، قال الشاعر] من الطويل [:
إذا أنت لم تبرح تؤدي أمانة .... وتحمل أخرى أثقلتك الودائع
واستودعته الوديعة: استحفظته إياها، قال الشاعر] من البسيط [:
استودع العلم قرطاسا فضيعه .... وبئس مستودع العلم القراطيس
وهو اسم لمال يضعه مالكه أو من يقوم مقامه عند آخر ليحفظه، فخرج بذكر المال الكلب الذي يجوز اقتناؤه، والسرجين، وجلد الميتة قبل الدباغ، والخمر المحترمة، ونحو ذلك مما يجوز اقتناؤه والانتفاع به وليس بمال، وخرجت العين في يد الملتقط، والثوب الذي طيرته الريح ونحوه؛ لأن ذلك مال ضائع، وحكمه مغاير لحكم الوديعة.
فالإيداع: توكيل خاص حقيقته: استنابة في حفظ المال، فقول المصنف وغيره:(كتاب الوديعة) يصح حمله على المال المودع وعلى الإيداع.
وافتتحها في (المحرر) بقوله تعالى:} إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها {،وهي وإن نزلت في رد مفتاح الكعبة إلى عثمان بن طلحة .. فهي عامة في جميع الأمانات.
مَنْ عَجَز عَنْ حِفْظِهَا .. حَرُمَ عَلَيْهِ قَبُولُهَا، وَمَنْ قَدَرَ وَلَمْ يَثِقْ بِأَمَانَةِ نَفْسِهِ .. كُرِهَ،
ــ
قال الواحدي: أجمعوا على أن الآية نزلت في رد مفتاح الكعبة، ولم ينزل في جوف الكعبة آية سواها.
وروى الترمذي وأبو داوود والحاكم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك).
وروى البيهقي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: وهو يخطب الناس: (لا يعجبنكم من الرجل طنطنته، ولكن من أدى الأمانة وكف عن أعراض الناس .. فهو الرجل).
والأصح: أنها عقد، وقيل: إذن مجرد، قال الإمام: وليس للخلاف ثمرة فقيهة، وهو قد صرح بثمرة الخلاف في (باب الرهن) فيما إذا أودع عند صبي أو عبد فأتلفه هل يضمن؟
ونتاج البهيمة إن جعلناها عقدا .. فهي وديعة كالأم، وإلا .. فلا، وكذا إذا عزل المودع نفسه، إن قلنا: أمانة .. لغا العزل، وفيما إذا قرنها بشرط فاسد، إن قلنا: عقد .. لغا، وإلا .. فلا.
قال: (من عجز عن حفظها .. حرم عليه قبولها)؛لأنه يعرضها للهلاك، كذا أطلقه الرافعي وغيره، وقيده ابن الرفعة بما إذا لم يطلع المالك على الحال، فإن اطلع .. فلا حرمة ولا كراهة، وبما إذا لم يتعين القبول، فإن تعين .. كان كقبوله القضاء.
ثم إذا قلنا بالتحريم .. فالإيداع صحيح ويكون أمانة في يده، فإن تلفت بغير تفريط .. لم يضمنها، وأثر التحريم مقصور على الإثم فقط.
قال: (ومن قدر ولم يثق بأمانة نفسه .. كره)؛لخشية الخيانة، ولا يلزم من
فَإِنْ وَثِقَ .. اسْتُحِب?. وَشَرْطُهُمَا: شَرْطُ مُوَكِلِ وَوَكِيلٍ. وَتُشْتَرَطُ صِيغَةُ المُودعِ؛ كاسْتَودَعْتُكَ هَذَا، أَوْ اسْتَحْفَظْتُكَ، أَوْ أَنْبَتُكَ فِي حِفْظِهِ
ــ
عدم الوثوق بأمانة نفسه فسق، فإن الشديد الأمانة قد لا يخشى على نفسه الخيانة، وجزمه بالكراهة هنا لم يرجحه في (الروضة) ولا في (الشرح)،بل قالا: ينبغي أن لا يقبلها.
قال: (فإن وثق .. استحب)؛ لما روى مسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه).
أما إذا لم يكن من يصلح لها غيره، وخاف إن لم يقبلها هلكت .. ففي (المهذب) وغيره: أن القبول واجب.
قال الرافعي: وهو محمول على أصل القبول كما بينه السرخسي، دون إتلاف منفعة نفسه وحرزه مجانا.
وقال في (المرشد):لا يجوز في هذه الحالة أخذ أجرة على الحفظ؛ لتعينه عليه.
قال في (المطلب):وللخلاف التفات إلى ما إذا تعين عليه إنقاذ غريق فشرط عليه أجرة .. هل يستحقها؟ وماذا إذا تعين عليه تعليم الفاتحة فأصدقها تعليمها .. هل يصدق الإصداق؟ والأصح فيهما: نعم.
قال: (وشرطهما: شرط موكل ووكيل)؛لأنها استنابة في الحفظ، فلا يجوز استيداع المحرم صيدا ولا استيداع المصحف وكتب العلم عند الكافر.
قال: (وتشترط صيغة المودع؛ كاستودعتك هذا، أو استحفظتك، أو أنبتك في حفظه)،وكذلك ما كان صريحا كهذه الألفاظ، كأودعتك، وهو وديعة عندك، أو احفظه، ونحوها.
وتنعقد بالكناية مع النية كخذه، أو مع القرينة كخذه أمانة، ولا يكفي الوضع بين يديه مع السكوت، فلو قبضه المودع عنده .. ضمنه.
كل هذا في الناطق، أما الأخرس .. فتكفي إشارته.
وَالأَصَح?: أَنَهُ لَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ لَفْظاً، وَيَكْفِي الْقَبْضُ. وَلَوْ أَوْدَعَهُ صَبِي? أَوْ مَجْنُونٌ مَالاً .. لَمْ يَقْبَلْهُ، فِإِنْ قَبِلَ .. ضَمِنَ
…
ــ
ولو دخل شخص الحمام ووضع ثيابه واستحفظ الحمامي .. وجب عليه الحفظ، وإن لم يستحفظه .. لم يجب عليه، وقال القاضي حسين: عندي يجب؛ للعادة.
قال: (والأصح: أنه لا يشترط القبول لفظا، ويكفي القبض) كما في الوكالة، بل الوديعة أولى؛ لأنها أبعد عن مشابهة العقود.
والثاني: يشترط؛ بناء على أنها عقد، ويأتي في كونه على الفور ما سبق في (الوكالة).
والثالث: إن كان الإيجاب بصيغة العقد، كقوله: أودعتك .. وجب، أو بغيرها .. لم يجب، كقوله: احفظ هذا المال، أو هو وديعة عندك.
وإذا قلنا: لا يشترط القبول .. اشترط عدم الرد، فإذا قبضه المودع .. تمت الوديعة، وإن قام ولم يأخذها ولم يقبل .. كان ردا للوديعة، سواء كان المالك حاضرا أم غائبا، لكن يأثم إذا قام وتركها في غيبة المالك.
قال الماوردي: وليس على المودع إذا قبلها معرفة ما فيها، بخلاف اللقطة؛ لما يلزمه من تعريفها.
قال: (ولو أودعه صبي أو مجنون مالا .. لم يقبله)؛لأنه وضع يده على مال غيره بغير إذن معتبر، فكان كالغاصب، ولا يزول الضمان إلا بالرد إلى الناظر في أمره، إلا أن يخاف هلاكه، فيأخذه على وجه الحسبة، صونا له، فالأصح: لا ضمان، كما لو أخذ المحرم أو غيره صيدا من جارحه ليتعهده .. فالأصح: لا ضمان.
وَلَوْ أَوْدَعَ صَبِياً مَالاً فَتَلِفَ عِنْدَهُ .. لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ أَتْلَفَهُ .. ضَمِنَ فِي الأَصَح?. وَالمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِسَفَهِ .. كَصَبَي?. وَتَرْتَفِعُ بِمَوتِ الْمُوَدعِ أَوْ الْمُودَعِ وَجُنُونِهِ وَإِغْمَائِهِ
ــ
قال: (ولو أودع صبيا مالا فتلف عنده) أي: ولو بتفريط (.. يضمن)؛لأنه لا يلزمه الحفظ فلا يلزمه الضمان، كما لو تركها عند بالغ من غير إيداع.
قال: (وإن أتلفه .. ضمن في الأصح)؛لأنه لم يسلطه على إتلافه وهو من أهل الضمان.
والثاني: لا يضمن، كما لو باع منه شيئا وسلمه إليه فأتلفه.
والفرق على الأول: أن البيع يتضمن التسليط على التصرف، بخلاف الإيداع، وهذا الذي ضعفه المصنف هنا صححه في (الروضة)،وأجرى الماوردي الخلاف الذي ذكره المصنف فيما إذا أعار من السفيه شيئا فأتلفه .. هل يضمنه؟ والمسألة في (الشرح) و (الروضة) ذات قولين لا وجهين.
قال: (والمحجوز عليه بسفه .. كصبي) أي: في إيداعه، والإيداع عنده في الضمان، وكذا في التضمين بالإتلاف وفي جريان الخلاف.
فرع:
حكم العبد كالصبي، لكن يفارقه في أنها إن تلفت تحت يده بتفريط .. ضمنها والصبي لا يضمن، وفي أن الصبي لا يودع عنده أصلا ويودع عند العبد إذا أذن سيده.
وإذا أودعه عبد .. لا يبرأ إلا بالدفع إلى السيد، صرح به البغوي والقفال وغيرهما.
قال: (وترتفع بموت المودع أو المودع وجنونه وإغمائه)؛لأنها وكالة في
وَلَهُمَا الاِسْتِرْدَادُ وَالرد كُل وَقْتٍ. وَأَصْلُهَا: الأَمَانَةُ،
ــ
الحفظ أو إذن فيه وكلاهما يبطل بذلك، وترتفع أيضا إذا حجر عليه بسفه، قال في (البيان) و (الحاوي) و (الشامل)،وبعزل المالك، وكذا بعزل المودع نفسه على الأصح؛ بناء على أنها عقد، وبالجحود المضمن، وبكل فعل يتضمن الإقرار بها لآخر، وبنقل المالك الملك فيها ببيع ونحوه.
قال: (ولهما الاسترداد والرد كل وقت)؛لأن المودع مالك والمودع متبرع، وظاهر كلامه: أن لكل منهما الأمرين، وليس كذلك، بل ينبغي أن يقيد جواز الرد للمودع بحالة لا يلزمه فيها القبول ابتداء، أما إذا كانت بحيث يجب القبول في الصورة المتقدمة .. فيظهر تحريم الرد، وإن كانت بحيث يندب القبول .. فالرد خلاف الأولى إذا لم يرض به المالك، فإن طلبها المالك .. وجب ردها إليه كما سيأتي، فإن أخر بلا عذر مع الإمكان .. ضمن.
قال: (وأصلها: الأمانة)؛ لقوله تعالى: {ما على المحسنين من سبيل} والمودع محسن.
وروى عمرو بن شعيب: (لا ضمان على مودع).
وفي حديث آخر: (من استودع وديعة .. لا ضمان عليه) لكنهما ضعيفان، إلا أن الإجماع انعقد على ذلك، وما روى عن عمر: أنه ضمن إنسانا وديعة ذهبت من بيته، فحمله العلماء على حالة التفريط أو التعدي، وسواء كان بجعل أو غيره كالوكالة.
وعلم من هذا: أنه لو أودعه بشرط أن تكون مضمونة عليه .. لم يصح، وكذا على أنه إذا تعدى أو فرط لا ضمان.
وَقَدْ تَصِيرُ مَضْمُونَةً بِعَوارِضَ: مِنْهَا: أَنْ يُودِعَ غَيْرَهُ بِلَا إِذْنِ وَلَا عُذْرٍ، فَيَضْمَنُ، وَقِيْلَ: إِنْ أَوْدَعَ الْقَاضِيَ .. لَمْ يَضْمَنْ
…
ــ
وقوله: (أصل الأمانة) أراد بها أن موضوعها ذلك، وإطلاقه يعم صحيح الوديعة وفاسدها.
وفي (الكافي):لو أودعه بهيمة وأذن له في ركوبها، أو ثوبا وأذن له في لبسه .. فهو إيداع فاسد؛ لأنه شرط فيه ما يخالف مقتضاه، فإذا تلفت قبل الركوب والاستعمال .. لم يضمن، أو بعده .. ضمن؛ لأنها عارية فاسدة.
قال: (وقد تصير مضمونة بعوارض) وهي عشرة، أشرت إليها بقولي] من الرجز [:
عوارض التضمين عشر: ودعها .... وسفر، ونقلها، وجحدها
وترك الإيصاء، ودفع مهلك .... ومنع ردها، وتضييع حكي
والانتفاع، وكذا المخالفه .... في حفظها إن لم يزد من خالفه
قال: (منها: أن يودع غيره بلا إذن ولا عذر، فيضمن)؛لأن المالك لم يرض بغيره، وسواء في ذلك الغير عبده أو زوجته أو ابنه.
وقال أبو حنيفة وأحمد: له أن يودع من عليه نفقته من ولد ووالد، وزوجة وعبد، وإليه ذهب مالك في الزوجة.
قال الشيخ: وينبغي أن يكون محل الخلاف بيننا وبينهم: إذا انفرد هؤلاء باليد، أما إذا استعان بأحدهم ويده عليها لم تزل .. فلا ضمان؛ لقضاء العادة بذلك، فالملوك والأمراء أموالهم بأيدي خزانهم، والعرف قاض بأنها في أيديهم.
فإذا أودع وضمناه .. كان للمالك مطالبة أيهما شاء، فإن تلفت في يد الثاني .. فقرار الضمان عليه إن علم الحال؛ لأنه غاضب، وعلى الأول إن جهله.
قال: (وقيل: إن أودع القاضي) أي: الأمين (.. لم يضمن)؛لأن أمانة القاضي أظهر من أمانته وهو نائب الغائبين، والأصح عند الأكثرين: أنه لا فرق؛ لأنه
وَإِذَا لَمْ يُزِلْ يَدَهُ عَنْهَا .. جَازَتِ الاِسْتِعَانَةُ بِمَنْ يَحْمِلُهَا إِلى الْحِرْزِ أَوْ يَضَعُهَا فِي خِزَانَةٍ مُشْترَكَةٍ. وَإِذَا أَرَادَ سَفَرَاً .. فَلْيَرُدَهَا إِلى الْمَالِكِ أَوْ وَكِيلِهِ،
ــ
إن كان المالك حاضرا .. فلا ولاية للقاضي عليه، أو غائبا .. فلا ضرورة إليه، ولم يرض المالك بيد غيره.
وفي وجه ثالث: إن كان المالك حاضرا أو وكيله .. ضمن، وإلا .. فلا، وبه جزم ابن الصباغ، واختار الشيخ: أن الغيبة وإن كانت قصيرة ولا عذر للمودع من إرادة سفر ونحوه فلا يجوز؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (أد الأمانة إلى من ائتمنك)،لكن إذا كان حاضرا يتيسر الدفع إليه .. لم يلزم القاضي القبول، وإلا .. لزم الدفع إليه في الأصح.
قال الرافعي: ويجريان في وجوب قبضه المغصوب إذا حمله الغاصب إليه، وأولى بالمنع، وقال في (كتاب الشهادات):إنه يجب الانتزاع- وجوز جريان الخلاف فيه، وفي نص الشافعي ما يدل على أن لللآحاد الانتزاع- إذا قدر؛ ليرده، واختاره الشيخ.
قال: (وإذا لم يزل يده عنها .. جازت الاستعانة بمن يحملها إلى الحرز أو يضعها في خزانة مشتركة)؛لأن العادة جرت بذلك ولو كان أجنبيا، كما لو استعان في سقي البهيمة وعلفها.
و (الخزانة) بكسر الخاء: الموضع الذي يخزن فيه، وجمعها: خزائن، قال الله تعالى:} وإن من شيء إلا عندنا خزائنه {.
وخزانة الإنسان قلبه، وخازنه لسانه، قال لقمان لابنه: إذا كان خازنك حفيظا وخزانتك أمينة .. رشدت في أمر دنياك وآخرتك؛ يعني: اللسان والقلب.
قال: (وإذا أراد سفرا .. فليردها إلى المالك أو وكيله)؛لأنه قائم مقامه، سواء كان وكيلا خاصا في استردادها أو في عامة أشغاله.
فَإِنْ فَقَدَهُمَا .. فَالْقَاضِي، فَإِنْ فَقَدَهُ .. فَأَمِينٌ
ــ
قال: (فإن فقدهما .. فالقاضي)؛ لأنه نائب الغائبين، وفقدهما إما لغيبة أو توار أو حبس مع تعذر الوصول إليه، ويجب على القاضي قبولها في هذه الحالة؛ لأن المالك لو كان حاضرًا .. لزمه القبول، فينوب عنه الحاكم عند الغيبة، كما لو خطبت المرأة ووليها غائب.
قال: (فإن فقده .. فأمين) أي: يأتمنه المودع، وكذا غيره في الأصح؛ لئلا يتضرر بتأخير السفر.
روى البيهقي وأصحاب السير: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر .. أمر عليًا أن يتخلف عنه بمكة حتى يؤدي عنه الودائع التي كانت عنده للناس، وأنه أقام ثلاثة أيام ولياليها حتى أداها.
وقيل: إنه صلى الله عليه وسلم سلمها لأم أيمن وأمر عليًا بردها.
ولم يكن أحد بمكة عنده شيء يخشى عليه إلا أودعه النبي صلى الله عليه وسلم لما يعلمون من صدقه وأمانته.
وقال الشيخ: إن هذا لم يكن إيداعًا من النبي صلى الله عليه وسلم عند علي ولا عند أم أيمن، وإنما هو استعانة بهما في رد تلك الودائع إلى أصحابها، كما يستعان في حملها إلى الحرز ونحوه، والرد منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن رد النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ممكنًا، لأنه كان في سفر واجب، وهي الهجرة التي لا عبادة بعد الإيمان أفضل منها.
وهل يجب عليه الإشهاد على الأمين؟ وجهان: فإن أوجبناه فتركه .. ضمن، وإلا .. فلا، قاله الماوردي.
وعلى المذهب: إذا خالف هذا الترتيب، فدفعها إلى الحاكم، أو أمين مع إمكان الدفع إلى المالك، أو وكيله .. ضمن، فإن دفع إلى أمين مع وجود الحاكم .. ضمن في الأصح، وبه قال أحمد؛ لأن عدالة الحاكم متفق عليها.
فَإِنْ دَفَنَها بمَوْضِعٍ وَسَافَرَ .. ضَمِنَ، فَإِنْ أَعْلَمَ بِهَا أَمِينًا يَسْكُنُ الْمَوْضِعَ .. لَمْ يَضْمَنْ فِي الأَصَحِّ
ــ
قال الشيخ: هذا بحسب ما يقتضيه وضع القضاء، وما يجب على الأئمة والناس فيه، وقد رأينا قضاة فجرة يعلم عدم عدالتهم، وهم على مذهب من يرى الانعزال بالفسق - وهو مذهب الشافعي رضي الله عنه ليسوا قضاة، ولكن متغلبين، لا تنفذ أحكامهم، ولا يجوز ائتمانهم.
والوجه الثاني: إذا دفعها إلى أمين مع وجود الحاكم .. لا يضمن، وبه قال مالك؛ لأنه معذور أودع أمينًا، فأشبه ما إذا لم يجد المالك ولا وكيله ولا الحاكم فدفع إلى أمين؛ فإنه لا يضمن.
سؤال:
قال الشافعي رضي الله عنه في عدل الرهن: إذا أراد سفرًا فأودع أمينًا .. ضمن، وفي الوديعة لو أودعها أمينًا عند إرادة السفر .. لا يضمن؟
أجاب بعضهم بأنه إنما يضمن في الرهن؛ لأن للحاكم نظرًا فيه، ولا نظر له في الوديعة فلم يضمن.
قال: (فإن دفنها بموضع وسافر .. ضمن)؛ لأنه عرضها للأخذ، سواء كان الموضع المدفون فيه محرزًا أم لا.
قال: (فإن أعلم بها أمينًا يسكن الموضع .. لم يضمن في الأصح)؛ لأن الموضع وما فيه في يد الأمين، فالإعلام كالإيداع.
والوجه الثاني: يضمن؛ لأنه إعلام لا إيداع.
وصورة المسألة - كما قال المصنف في (نكته) -: عند فقد الحاكم، فإن قدر عليه وقلنا: إذا لم يكن حاكم يضمن .. فهنا أولى.
وَلَوْ سَافَرَ بهَا .. ضَمِنَ
ــ
وقوله: (أعلم بها) يفهم: أنه لا تشترط رؤيتها، وبه صرح الماوردي.
وقوله: (يسكن) ليس بقيد؛ فإن مراقبتها مراقبة الحارس كالسكن، صرح به الرافعي وغيره.
وهل هذا الإعلام إشهاد حتى يجب إشهاد رجلين حضرا الدفن أو رجل وامرأتين، أو ائتمان حتى تكفي امرأة؟ وجهان: أصحهما: الثاني.
قال: (ولو سافر بها .. ضمن)؛ لأن حرز السفر دون حرز الحضر.
قال الرافعي: وفي الخبر: (أن المسافر وماله على قَلَت إلا ما وقى الله) وهو غريب.
وقال المصنف: إنما هو من كلام بعض السلف، وقال الجوهري: إنه من كلام بعض الأعراب.
وقيل: لا يضمن إذا كان الطريق آمنًا، أو سافر في البحر وكان الغالب فيه السلامة ولم ينهه.
هذا إذا أودع حاضرًا، فإن أودع مسافرًا أو منتجعًا فانتجع .. فلا ضمان؛ لأن المالك رضي حين أودعه، فإن أقام بعد ذلك ثم سافر .. ففيه تردد للإمام، وجزم في (الذخائر) بالجواز؛ لوقوع الرضى به ابتداء.
قال: ولو كان عند الإيداع قد قارب بلده، ودلت قرينة الحال على أن المراد: إحراز الوديعة في بلده، فأراد السفر بعد إقامته ببلده .. لم يجز أن يسافر بها.
ثم إن المسافر له أربعة أحوال:
أحدها: مع عدم العذر من حريق أو نحوه، ومع القدرة على المالك، فيضمن، وهذه صورة الكتاب.
إِلَاّ إِذَا وَقَعَ حَرِيقٌ أَو غَارَةٌ وَعَجَزَ عَمَّنْ يَدْفَعُهَا إِلَيهِ كَمَا سَبَقَ. والحَرِيقُ والغَارَةُ فِي البُقعَةِ، وَإِشْرَافُ الحِرْزِ عَلَى الْخَرَابِ .. أعذَارٌ كالسَّفَرِ. وإِذَا مَرِضَ مَرَضاً مخُوفاً .. فليَرُدَّهَا إِلَى الْمَالِكِ أو وَكِيلِهِ، وَإِلَاّ .. فالحَاكِمِ أَوْ أَمِينٍ أَوْ يُوَصِي بِهَا،
ــ
الثانية: عكسها، وهي وجود العذر كالحريق، وفقد المالك وغيره، فلا ضمان، وإليها أشار المصنف حيث قال:
(إلا إذا وقع حريق أو غارة وعجز عمن يدفعها إليه كما سبق)، فحينئذ يلزمه السفر بها، وإلا .. كان مضيعًا، ومثل ذلك لو عزم على السفر في وقت عجز فيه عن المالك والوكيل والحاكم فسافر بها .. فالأصح: لا ضمان؛ لئلا ينقطع عن مصالحه وينفر الناس عن قبول الودائع، وهذه هي الحالة الثالثة، وهي واردة على اعتبار الشرطين.
قال: (والحريق والغارة في البقعة، وإشراف الحرز على الخراب .. أعذار كالسفر) أي: في جواز الإيداع؛ لظهور العذر، وقد تقدم في آخر (السلم): أن الفصيح إغارة، وأن غارة لغة قليلة.
الحالة الرابعة: العذر وعدم الفقد فيضمن، وذلك يفهم من اشتراط الشرطين، ويأتي فيه الوجه الضعيف المتقدم من باب أولى.
قال: (وإذا مرض مرضًا مخوفًا .. فليردها إلى المالك أو وكيله، وإلا .. فالحاكم أو أمين أو يوصي بها) كما إذا أراد السفر.
وحكم الحبس للقتل حكم المرض المخوف.
وقال البغوي: تكفي الوصية وإن أمكنه الرد إلى المالك؛ لأنه لا يدري متى يموت.
والشرط في الموصى إليه: أن يكون أمينًا، فإن وصى إلى فاسق .. كان كما لو لم يوص فيضمن.
والمراد بالإيصاء: أن يعلم بها ويصفها بما تتميز به، أو يشير إلى عينها، أو يأمر
فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ .. ضَمِنَ، إِلَاّ إِذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ بِأَنْ مَاتَ فَجْأَةً
ــ
بالرد إن مات، لا أن يسلمها إلى الوصي ليردها؛ فإنه في حكم الإيداع، فلو لم يبين بل قال: عندي وديعة .. فهو كما لو لم يوص.
قال: (فإن لم يفعل .. ضمن)؛ لأنه عرضها للفوات؛ إذ الوارث يعتمد ظاهر اليد فيدعيها لنفسه.
وقيد ابن الرفعة ذلك بما إذا لم تكن بالوديعة بينة باقية؛ لأنها كالوصية، قال الرافعي: وإنما يتحقق ذلك بالموت فيتبين به التقصير في أول مرضه فضمناه، أو يلحق التلف بعد الموت بالتردي بعد الموت في بئر حفرها متعديًا، قال الشيخ: ومقتضاه: أنها إذا تلفت قبل الموت .. لا تضمن، كسائر الوصايا لا يثبت حكمها إلا بعد الموت، ويمكن أن يأتي فيه وجه، ثم صحح: أنها إذا تلفت قبل الموت في المرض بغير تفريط .. لا يضمن.
قال: (إلا إذا لم يتمكن بأن مات فجأة)، وكذا إذا قتل غيلة، وقد أحسن أبو سهل الصعلوكي في جواب ذلك حيث قال: لا إن مات عرضًا، نعم إن مات مرضًا، ومراده ما قررناه.
وجميع الأمناء كالمودع في هذا الحكم، وأما عامل القراض إذا مات ولم يوجد مال القراض في تركته .. فقد تقدم في خاتمة بابه.
كل هذا في غير القاضي، أما القاضي، فإنه إذا مات ولم يوجد مال اليتيم في تركته .. لم يضمنه، قاله ابن الصلاح، قال: وإنما يضمن إذا فرط، سواء مات فجأة أم لا؛ لأنه أمين الشرع، بخلاف سائر الأمناء، ولعموم ولايته، لكن صرح الماوردي بتقييده بالقاضي العدل المأمون، أما غيره .. فيضمن قطعًا.
كل هذا إذا كانت عنده كالوديعة عند المودع، فإن كان لا يضع التركات عنده بل
وَمِنْهَا: إِذَا نَقَلَهَا مِنْ مَحَلَّةٍ أَوْ دَارٍ إِلَى أُخْرَى دُونَهَا فِي الْحِرزِ .. ضَمِنَ، وَإِلَاّ .. فَلَا
ــ
لها مكان يخصها كما هو المعهود الآن .. فهو أولى بنفي الضمان.
ولو مات ولم يذكر: أن عنده وديعة، فوجد في تركته كيس مختوم أو غير مختوم مكتوب عليه: إنه وديعة لفلان، أو وجد في تركته: أن لفلان عندي كذا وديعة .. لم يجب على الوارث تسليمه بمجرد ذلك، وكذا إذا وجد فيه بطاقة كتب فيها ذلك، وإنما يلزمه ذلك بإقراره، أو إقرار مورثه، أو وصيته، أو إقامة بينة بالإيداع.
ولو كان المودع ادعى الرد أو التلف قبل موته ولم يحلف .. لم يلزم الوارث الوفاء، خلافًا لابن داوود.
وإذا لم يوص المريض بالوديعة، فادعى صاحبها: أنه قصر، وقال الوارث تلفت قبل أن ينسب إلى تقصير .. نقل الشيخان عن الإمام: أن الظاهر براءة الذمة، قال في (المهمات): والصحيح عند الإمام خلاف ما نقلاه فيها عنه.
قال: (ومنها: إذا نقلها من محلة أو دار إلى أخرى دونها في الحرز .. ضمن)؛ لأنه عرضها للتلف، وسواء نهاه عن النقل، أو عين له ذلك المحل، أو أطلق، فلهذا أطلقه المصنف.
واحترز بقوله: (من دار إلى أخرى) عما إذا نقله من بيت إلى بيت في دار واحدة أو خان واحد؛ فإنه لا ضمان وإن كان الأول أحرز، قاله البغوي.
ولو نقلها من ظرف إلى ظرف، كما لو نقلها من كيس إلى كيس، أو من صندوق إلى صندوق، فإن كانت الظروف للمالك .. فتصرفه فيها بالنقل المجرد ليس بمضمن، إلا إذا فض الختم أو فتح القفل فيضمن في الأصح، وإن كان الظرف للمودع .. فحكمه حكم البيت في النقل إلى الأحرز أو المثل أو الأضعف.
قال: (وإلا .. فلا) أي: إذا نقلها إلى مثلها في الحرز أو كان المنقول إليه أحرز .. لم يضمن؛ لعدم تفريطه.
وَمِنْهَا: أَنْ لَا يَدْفَعَ مُتْلِفَاتِهَا، فَلَوْ أَوْدَعَهُ دَابَّةً فَتَرَكَ عَلْفَها .. ضَمِنَ،
ــ
ومحل عدم الضمان: إذا لم ينهه وتلف، لا بالنقل بأن انهدم عليه الثاني، أو سرق منه، أو نهاه عن النقل فنقل بلا ضرورة .. ضمن.
وقيل: إن نقلها مع النهي إلى مثل الأول أو أحرز منه .. لم يضمن، ولو نقلها من قرية إلى قرية أخرى بلا ضرورة .. ضمن إن كان بينهما مايسمى سفرًا، وإلا .. فكذلك إن كان فيها خوف، أو كان المنقول عنها أحرز، وإلا .. فلا.
نعم؛ يستثنى من إطلاق المصنف: ما لو نقلها بظن الملك؛ فإنه لا يضمن، بخلاف ما لو انتفع بها ظانًا: أنها ملكه فتلفت؛ فإنه يضمنها، قاله في (الكفاية).
قال: (ومنها: أن لا يدفع متلفاتها)؛ لأن الواجب عليه الدفع عنها.
وفي (فتاوى القفال): لو وقع في خِزانة المودع حريق فبادر إلى نقل أمتعته فاحترقت الوديعة .. لم يضمن، كما لو لم يكن فيها إلا ودائع فبادر بنقل بعضها فاحترق ما تأخر نقله، قال في (المطلب): وهذا ظاهر إن كان ما نقله أولاً هو الذي يمكن الابتداء به، أما إذا كان يمكن الابتداء بغيره فيما إذا كانت عنده ودائع.
فيخرج على ما إذا قال: اقتل أحد الرجلين، أو طلق إحدى الزوجتين؛ لأن في تقديم أحدهما ترجيحًا مع إمكان الآخر، وأما في مال نفسه والوديعة .. فلا؛ لأنه مأمور أن يبدأ بنفسه.
قال (فلو أودعه دابة فترك علفها .. ضمن)، سواء أمره به أو أطلق؛ لتعديه، ولو نقصت .. ضمن النقص؛ لأنه ينسب بذلك إلى العدوان.
و (العلف) هنا بإسكان اللام، والمراد: أنه يتركها مدة يموت مثلها فيها، فإنه يلزمه أن يعلفها لحق الله تعالى، وبه يحصل الحفظ الذي التزمه بقبولها، وسواء
وَإِنْ نَهَاهُ عَنْهُ .. فَلَا عَلَى الصَّحِيحِ
ــ
هلكت أو بقيت وماتت بغير ذلك، وإن ماتت قبل المدة وبها جوع سابق .. ضمن إن علمه، وإلا .. فلا في الأصح.
وإذا ضمن .. فهل هو الكل أو النصف؟ وجهان كما لو استأجر بهيمة فحملها أكثر مما شرط. والسقي كالعلف.
وقول المصنف: (ضمن) يقتضي دخولها في ضمانه بمجرد ترك العلف وإن لم تمت، وبه صرح الرافعي، ونقله المصنف في (نكته) عن البغوي، وعبارة (التنبيه) تفهم: أنه لا يضمن إلا عند موتها.
قال: (وإن نهاه عنه .. فلا على الصحيح) كما لو قال: اقتل دابتي فقتلها.
والثاني: يضمن؛ لعدوله عما أوجبه الشرع؛ لأن الحيوان لا رخصة في تضييعه بالإجماع، ففي الحديث:(إن امرأة عذبت في هرة ربطتها)، وإلى هذا الوجه ذهب الإصطخري وابن أبي هريرة، وصححه الماوردي، وضعفه الإمام، وقال: إنه يقتضي وجوب الضمان فيما إذا قال: اقتل عبدي أو أحرق ثوبي، وهو خرق للإجماع.
وقال ابن الرفعة: لا إجماع في ذلك وإن الخلاف فيه وفي العبد.
أما لو كان بالبهيمة تخمة أو قولنج يضر بها معه العلف أو السقي .. لزمه امتثال نهيه، فلو خالف قبل زوال العلة فماتت .. ضمن، كذا جزم به الشيخان، وكان ينبغي التفريق بين أن يعلم المودع أن بها علة أم لا، والخلاف مخصوص بالضمان، أما الإثم .. فلا خلاف أنه يأثم.
قال الماوردي: وعليه أن يأتي الحاكم ليجبر مالكها على علفها إن كان حاضرًا،
فَإِنْ أَعْطَاهُ الْمَالِكُ عَلَفاً .. عَلَفَهَا مِنْهُ، وَإِلَاّ .. فَيُرَاجِعُهُ أَوْ وكِيلَهُ، فَإِنْ فُقِدَا .. فَالْحَاكِمَ،
ــ
أو يأذن له في النفقة ليرجع عليه إن كان غائبًا.
قال: (فإن أعطاه المالك علفًا .. علفها منه، وإلا .. فيراجعه أو وكيله، فإن فُقدا .. فالحاكم)، كما إذا هرب الجمال وكعلف اللقطة ونحوها فيؤجرها ويصرف الأجرة في علفها، فإن عجز .. اقترض على المالك إن لم يكن له مال، أو باع جزءًا منها، أو كلها إن رآه؛ لئلا تستغرقها النفقة.
والقدر الذي يعلفه ما يصونها عن التلف والعيب لا ما يحصل به السمن، قاله الإمام.
والعبد المودع كالبهيمة في جميع الأحوال، ومحل الرجوع على المالك: إذا قال: أنفق وارجع، فإن قال: أنفق، ولم يتعرض للرجوع .. فوجهان، كمن قال: أدِّ ديني، ولم يشترط الرجوع، والأصح: الرجوع.
قال ابن الرفعة: ويظهر جريان مثلهما في الحاكم إذا قال: أنفق على الوديعة ولم يقل: بشرط أن ترجع على مالكها، فلو عجز عن الحاكم وأنفق من مال نفسه وأشهد .. ففي الرجوع خلاف، ولو لم يشهد .. فالمشهور القطع بأنه لا يرجع.
ولو اختلفنا في النفقة .. فالقول قول المودع، وحكى الماوردي فيما إذا اختلفا في قدرها في مسألة هرب الجَمَّال ثلاثة أوجه:
أحدها: القول قول المنفق.
والثاني: القول قول الغارم.
والثالث: القول قول من يصدقه العرف والعادة فيهما، ويظهر مجيء ذلك هنا.
ولو أودعه أشجارًا فاحتاجت إلى السقي .. فوجهان:
وَلَوْ بَعَثَهَا مَعَ مَنْ يَسْقِيهَا .. لَمْ يَضْمَنْ فِي الأَصَحِّ. وَعَلَى الْمُودَعِ تَعرِيضُ ثِيَابِ الصُّوفِ لِلرِّيحِ؛ كَيْلَا يُفْسِدَهَا الدُّودُ، وكَذَا لُبْسُهَا عِنْدَ حَاجَتِهَا. وَمِنْهَا: أَنْ يَعْدِلَ عَنِ الْحِفْظِ الْمَامُورِ بِهِ وَتَتْلَفَ بِسَبَبِ الْعُدُولِ .. فَيَضْمَنُ،
ــ
أحدهما: أن حكمها حكم الدابة في العلف.
والثاني: أنه لا يضمن بترك السقي إن لم يأمره به، والفرق: تأكد حرمة الحيوان.
قال: (ولو بعثها مع من يسقيها .. لم يضمن في الأصح)؛ لأنه لم يفرط إذا كانت العادة جارية بذلك، لأن ذلك استعانة لا إيداع.
ومحل الوجهين: إذا كان المبعوث معه أمينًا ولا خوف، فإن كان غير ذلك .. ضمن قطعًا.
والثاني: يضمن؛ لإخراجها من حرزها على يد من لم يأتمنه المالك، أما إذا كان المالك يخرج دوابه للسقي لضيق ونحوه .. فلا ضمان قطعًا.
قال: (وعلى المودع تعريض ثياب الصوف للريح؛ كيلا يفسدها الدود، وكذا لبسها عند حاجتها) إذا لم يندفع إلا بذلك، وكذلك ثياب الخز المعمول من حرير وصوف والبسط والأكسية واللباد بسبب رائحة الآدمي.
فإن لم يفعل وفسدت .. ضمن سواء أمره المالك أو سكت، فإن نهاه ففسدت .. كره ولم يضمن خلافًا للإصطخري، وهو موافق لما تقدم عنه في إتلاف البهيمة، وكذلك الحكم لو كانت في صندوق مقفل .. فله فتحه لذلك ولا ضمان في الأصح، فإذا لم يعلم أن فيه ثيابًا أو كانت مربوطة ولم يعلم بها .. فلا ضمان، وما ذكره من لبسها ظاهر إذا كانت ثياب مثله، فإن لم تكن .. ألبسها من تليق به مع ملاحظته، وتمشية الدابة عند الخوف عليها من الوقوف كنشر الثياب.
قال: (ومنها: أن يعدل عن الحفظ المأمور به وتتلف بسبب العدول، فيضمن)؛ لتعديه.
فَلَوْ قَالَ: لَا تَرْقُدْ عَلَى الصُّنْدُوقِ، فَرَقَدَ وَانْكَسَرَ بِثِقَلِهِ وَتَلِفَ مَا فِيهِ .. ضَمِنَ، وَإِنْ تَلِفَ بِغَيْرِهِ .. فَلَا فِي الأَصَحِّ، وكَذَا لَوْ قَالَ: لَا تُقْفِلْ عَلَيْهِ قُفْلَيْنِ فَأَقْفَلَهُمَا
ــ
قال: (فلو قال: لا ترقد على الصندوق فرقد وانكسر بثقله وتلف ما فيه .. ضمن)؛ لأنه تلف بفعله المنهي عنه.
قال: (وإن تلف بغيره .. فلا في الأصح)؛ لأنه زيادة في الحفظ والاحتياط.
والثاني: يضمن، وبه قال مالك؛ لأنه بالرقاد عليه يوهم السارق نفاسة ما فيه.
وصورته: أن يكون في بيت محرز وأخذه اللص مطلقًا، أو كان في صحراء فأخذه من رأس الصندوق.
وقيل: إن قاله تخفيفًا عليه .. لم يضمن قطعًا، أو خشية الإغراء .. فالوجهان.
أما إذا كان في الصحراء فأخذه السارق من جانب الصندوق .. فإنه يضمن في الأصح.
قال الرافعي: وإنما يظهر لو أخذه من جانب لو لم يرقد عليه .. لرقد هناك؛ بأن كان يرقد قدام الصندوق فتركه فانتهز السارق الفرصة، أو أمره بالرقاد أمامه فرقد فوقه فسرق من أمامه.
قال: (وكذا لو قال: لا تقفل عليه قفلين فأقفلهما) .. لم يضمن أيضًا؛ لأنه زاد في الحفظ ولم يقصر، وكذا لو قال: لا تغلق باب البيت، فأغلقه.
والثاني: يضمن؛ لأنه إغراء للسارق.
ومحل الخلاف: في بلد لم تجر عادتهم بذلك، وإلا .. لم يضمن قطعًا، وهذا يشكل على ما سيأتي من: أنه إذا قال: احفظها في كمك فجعلها في جيبه .. فإنه لا يضمن مع أن فيه إغراء للسارق.
وقوله: (تقفل) هو بضم التاء وسكون القاف، وكسر الفاء، من أقفل.
وَلَوْ قَالَ: ارْبِطِ الدَّرَاهِمَ فِي كُمِّكَ فَأَمْسَكَهَا في يَدِهِ فَتَلِفَتْ .. فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهَا إِنْ ضَاعَتْ بِنَوْمٍ ونِسْيَانٍ .. ضَمِنَ، أَوْ بِأَخْذِ غَاصِبٍ .. فَلَا،
ــ
قال: (ولو قال: اربط الدراهم في كمك فأمسكها في يده فتلفت .. فالمذهب: أنها إن ضاعت بنوم ونسيان .. ضمن، أو بأخذ غاصب .. فلا)؛ لأن اليد أحرز من الكم بالنسبة إلى الغاصب، وتسلط الغاصب عليها ليس من فعل المودع ولا ناشيء عنه، وضياعها بالنوم أو النسيان ناشيء عن فعل المودع؛ لأنها لو كانت مربوطة في الكم ما ضاعت بهذا السبب، فالتلف حصل بسبب المخالفة، ونقل المزني عن الشافعي رضي الله عنه: أنه لا ضمان، ونقل الربيع عنه: الضمان، فنزل الأصحاب النصين على هاتين الحالتين، وهذه طريقة المراوزة.
والثانية: إجراء القولين فيهما وهي في كتب العراقيين.
وجه الأول: أن اليد أحرز؛ لأن الطرار يأخذ من الكم لا من اليد.
ووجه الثاني: أن ما في اليد يضيع بالنسيان وفتح اليد، بخلاف ما في الكم.
ومحلهما: ما إذا لم ينهه عن الحفظ في اليد، فإن نهاه .. خرجه الإمام على الخلاف فيما إذا قال: احفظه في هذا البيت ولا تنقل، فنقل منه إلى مثله أو أحرز.
أما إذا أطلق .. فله الوضع في الجيب واليد والربط في الكم، ولو امتثل فربطها في كمه .. لم يحتج إلى إمساكها باليد، ثم إن جعل الخيط خارج الكم فأخذها الطرار .. ضمن، أو استرسلت .. لم يضمن إذا أحكم الربط، وإن جعله داخله .. فبالعكس، واستشكله الرافعي؛ بأن المأمور به مطلق الربط، فإذا فعله .. لم ينظر إلى جهات التلف.
وقضيته: أنه لو قال: احفظ في هذا البيت فوضعه في زاوية منه فانهدمت .. يضمن؛ لأنه لو كان في غيرها لسلم، وهو بعيد.
وفرق ابن الرفعة؛ بأن جهات الربط مختلفة وجهات البيت مستوية، فإن فرض اختلافها في البناء أو القرب من الشارع ونحوه .. فقد يقال: يختلف الحكم، ثم قال: والحق: أن استشكال الرافعي على وجهه؛ لأن الربط في الكم حرز كيف كان ولا يجب الحفظ في الأحرز.
وَلَوْ جَعَلَهَا فِي جَيْبِهِ بَدَلاً عَنِ الرَّبْطِ فِي الْكُمِّ .. لَمْ يَضْمَنْ، وَبِالْعَكْسِ .. يَضْمَنُ. وَلَوْ أَعْطَاهُ دَرَاهِمَ بِالسُّوقِ وَلَمْ يُبَيِّنْ كَيْفِيَّةَ الْحِفْظِ فَرَبَطَهَا فِي كُمِّهِ وأَمْسَكَهَا بِيَدِهِ أَوْ جَعَلَهَا فِي جَيْبِهِ .. لَمْ يَضْمَنْ،
ــ
قال الشيخ: وقد يقال: الربط من فعله وهو حرز من وجه دون وجه، وقوله: اربط، مطلق لا عام، والبيت عام، وإذا جاء التلف من الربط بالسبب الذي اختاره وفعله ولا عموم في كلام المالك يشمله .. ضمن، بخلاف زوايا البيت.
وقوله: (اربط) المشهور فيه كسر الباء، وحكى الجوهري ضمها.
و (الكم) جمعه: أكمام وكممة.
وقوله: (بنوم ونسيان) كان الأحسن أن يأتي بـ (أو) كما في (المحرر)؛ لأنه يكفي أحدهما.
قال: (ولو جعلها في جيبه بدلاً عن الربط في الكم .. لم يضمن)؛ لأنه أحرز، اللهم إلا أن يكون واسعاً غير مزرور.
و (الجيب): فتحة القميص، والمغاربة يفعلون ذلك في ثيابهم كثيرًا.
قال: (وبالعكس .. يضمن)؛ لأن الجيب أحرز، وفيه ما سبق من الإشكال.
قال: (ولو أعطاه دراهم بالسوق ولم يبين كيفية الحفظ فربطها في كمه وأمسكها بيده أو جعلها في جيبه .. لم يضمن)؛ لأنه بالغ في الحفظ، وشرط الجيب: أن يكون ضيقًا أو واسعًا مزرورًا، فإن كان واسعًا غير مزرور .. ضمن؛ لسهولة التناول باليد منه.
فإن كان الجيب مثقوبًا ولم يشعر به فسقطت .. ضمنها، وفي (الكافي) في (باب الغصب): إن كان الثقب موجودًا حين جعلها فيه .. ضمن، وإن حدث بعد جعلها .. فلا، هذا كله ما لم يكن بفعله.
ولو نفض كمه فسقطت .. ضمن وإن كان سهوًا، قاله القاضي حسين.
وَإِنْ أَمْسَكَهَا بِيَدِهِ .. لَمْ يَضْمَنْ إِنْ أَخَذَهَا غَاصِبٌ، وَيَضْمَنُ إِنْ تَلِفَتْ بِغَفْلَةٍ أَوْ نَوْمٍ، وَلَوْ قَالَ: احْفَظْهَا فِي الْبَيْتِ .. فَلْيَمْضِ إِلَيْهِ وَيُحْرِزْهَا فِيهِ، فَإِنْ أَخَّرَ بِلَا عُذْرٍ .. ضَمِنَ
ــ
وإن أعطاه في البيت وقال: احفظها في البيت فربطها في كمه وخرج أو لم يخرج مع إمكان الصندوق .. فإنه يضمن.
ولو أودعه في البيت ولم يقل شيئًا .. فمقتضى كلامهم: جواز الخروج به مربوطًا.
قال الرافعي: ويشبه أن يرجع فيه إلى العادة.
وقوله: (في كمه) مثال، فلو ربطها على التكة .. لم يضمن، قاله القاضي حسين، بخلاف ما لو وضعها في كور عمامته ولم يشدها.
قال: (وإن أمسكها بيده .. لم يضمن إن أخذها غاصب، ويضمن إن تلفت بغفلة أو نوم)؛ لأنه حصل بسبب من جهته بخلاف الأول.
أما لو وضعها في الكم ولم يربطها فسقطت، فإن كانت خفيفة لا يشعر بها .. ضمن؛ لتفريطه في الإحراز، وإن كانت ثقيلة يشعر بها .. لم يضمن، قال الماوردي وصاحب (التهذيب).
قال الرافعي: ويلزم طرده في صور الاسترسال كلها.
هذا كله ما دام في السوق، فإن رجع إلى بيته .. فعليه إحرازها فيه، ولا يكون ما ذكرناه حرزًا لها حينئذ؛ لأن منزله أحرز، فلو خرج بها في كمه أو جيبه أو يده .. ضمن، قاله الماوردي.
قال: (ولو قال: احفظها في البيت .. فليمض إليه ويحرزها فيه، فإن أخر بلا عذر .. ضمن)؛ لتفريطه.
وَمِنْهَا: أَنْ يُضَيِّعَهَا؛ بِأَنْ يَضَعَهَا فِي غَيْرِ حِرْزِ مِثْلِهَا، أَوْ يَدُلَّ عَلَيْهَا سَارِقاً أَوْ مَنْ يُصَادِرُ الْمَالِكَ
ــ
قال الشيخ: وينبغي أن يرجع فيه إلى العرف، ويختلف ذلك باختلاف نفاسة الوديعة وطول زمان التأخير وضدهما.
ولو أودعه وهو في حانوت فوضعها بين يديه فسرقت .. قال الماوردي: إن كان وضعها ليرتاد لها مكانًا يحرزها فيه .. لم يضمن؛ لعدم تفريطه، وإن كان استرسالاً وإهمالاً .. ضمن.
قال: (ومنها: أن يضيعها؛ بأن يضعها في غير حرز مثلها) ولو قصد بذلك الإخفاء؛ لأن ذلك تضييع في العرف.
قال: (أو يدل عليها سارقًا)؛ لأنه مأمور بحفظها، ولو قال ظالمًا .. كان أعم.
وظاهر عبارته: التضمين بمجرد الدلالة، حتى لو ضاعت بغير السرقة أو المصادرة .. ضمنت، وبه صرح السنجي في (باب الغصب) من (شرح التلخيص).
وقال الرافعي: لو سرق الوديعة من أخبره بها، أو من أخبره من أخبره .. ضمن، ولو تلفت بسبب آخر .. لم يضمن، ذكره أبو الفرج الزاز، ثم قال: وزاد العبادي على هذا فقال: لو أن رجلاً من عرض الناس سأل المودع: هل عندك لفلان وديعة؟ فأخبره بها .. ضمنها؛ لأن كتمانها من حفظها.
قال: (أو من يصادر المالك)؛ لأن كل ذلك تضييع وقد التزم الحفظ وهي في يده فيضمن، ولهذا لو أعلم من يصادر المالك غير المودع .. لم يضمن؛ لأنه لم يلتزم حفظها، لكنه يأثم.
ولو سأله ظالم عنها .. وجب عليه إنكارها وإن كان الكذب حرامًا لكنه يجوز
فَلَوْ أَكْرَهَهُ ظَالِمٌ حَتَّى سَلَّمَهَا إِلَيْهِ .. فَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُهُ فِي الأَصَحِّ،
ــ
لمصلحة تترتب عليه، كالكذب للزوجة تحفظًا لحسن عشرتها ولإصلاح ذات البين، وقد يجب إذا سأله ظالم عن وديعة يريد أخذها، أو معصوم يريد قتله أو قطعَ طرفه وهو مستتر يعرف موضعه، وكذا إذا سأله عن امرأة أو صبي يريد منه الفاحشة.
قال: (فلو أكرهه ظالم حتى سلمها إليه .. فللمالك تضمينه في الأصح)؛ لأن الضمان لا يفترق فيه الحال بين الاختيار والاضطرار.
وليس له أن يفدي نفسه بمال غيره، كما لو ألقى في البحر مال غيره لنجاته.
والثاني: ليس للمالك تضمينه؛ لأنه لا يلزمه أن يقي مال غيره بنفسه.
هذا إذا لم يقدر على دفع الظالم، فإن قدر على دفعه ولو بإخفاء الوديعة فلم يفعل .. ضمن.
وإن حلفه الظالم عليها .. وحب أن يحلف وتلزمه الكفارة على الصحيح.
ولو أكرهه على أن يسلمها أو يحلف بالطلاق أو العتاق .. فقد أكرهه على أحد الأمرين، فإن حلف .. فالمشهور: أن طلاقه يقع، بخلاف ما لو أخذ القطاع مال رجل وقالوا: لا نتركك حتى تحلف بالطلاق: أنك لا تخبر بنا أحدًا، فحلف وأطلقوه، وأخبر بهم؛ فإنه لا يحنث، لأنهم أكرهوه على نفس الحلف.
قال الشيخ: ووقعت لنا مسألة، وهي: متغلِّب أتى إلى بلد فدُلَّ على من عنده وديعة، فطلبه وأكرهه على تسليمها إليه، فسملها .. فتوقفتُ في تضمينه؛ لأنه في هذه الحالة في مثل من لا فعل له فتسليمه كلا تسليم، وإنما أشهدوا عليه أنه سلم، وهو لو لم يسلم .. أخذوها؛ لأنه وإياها في قبضة المتغلب، فينبغي أن يستثنى هذا من صورة التسليم.
واحترز بقوله: (سلمها إليه) عما إذا أخذت منه قهرًا؛ فإنه لا ضمان عليه بلا
ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى الظَّالِمِ. وَمِنْهَا: أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا؛ بِأَنْ يَلْبَسَ أَوْ يَرْكَبَ خِيَانةً، أَوْ يَاخُذَ الثَّوْبَ لِيَلْبَسَهُ أَوِ الدَّرَاهِمَ لِيُنْفِقَهَا .. فَيَضْمَنَ
ــ
خلاف، كما لو سرقت منه، أما لو أكره فلم يسلمها ولكن دل عليها فأخذها ..
قال الماوردي: مذهب الشافعي رضي الله عنه أنه لا يضمن، كالمحرم إذا دل على صيد .. لا يضمنه؛ تقديمًا للمباشرة على السبب.
وقال بعض البصريين: يضمن؛ لأنه بالدلالة مضيع لها.
قال الشيخ: والذي قاله بعض البصريين يجب القطع به؛ لأجل اليد والتزام الحفظ، وليس ذلك كالمحرم الذي لم يضع يده على الصيد، ولا كالدلالة المجردة التي توجد من غير المودع، فتلك هي التي تقدم المباشرة عليها، فالقول بأن مذهب الشافعي رضي الله عنه في هذه الحالة المذكورة عدم الضمان عجيب، إلا أن يقال: إن الإكراه أبطل حكم التزام الحفظ وصارت اليد كلا يد وانفردت الدلالة فصار كالمحرم والأجنبي، فهذا محتمل، والإكراه يحصل بما سنذكره في (الطلاق).
والأرجح في (الروضة): حصوله بإتلاف مال نفسه وحينئذ فلابد من النظر لقدر المالين، وما يحتمل إتلافه وما لا يحتمل، هذا بالنسبة إلى التضمين.
أما الإثم .. فجزم ابن الصباغ بأن الإكراه يبيح تسليم الوديعة.
قال: (ثم يرجع) أي: هو (على الظالم)؛ لأن قرار الضمان عليه، لأنه المستولي على المال عدوانًا.
وحاصل المسألة: أن له تضمين كل منهما.
وقيل: لا يضمن إلا الظالم وقرار الضمان عليه.
قال: (ومنها: أن ينتفع بها؛ بأن يلبس أو يركب خيانة، أو يأخذ الثوب ليلبسه أو الدراهم لينفقها .. فيضمن)؛ لوجود العدوان في اللبس، والركوب والإخراج في الثاني.
وَلَوْ نَوَى الأَخْذَ وَلَمْ يَاخُذ .. لَمْ يَضْمَنْ عَلَى الصَّحِيحِ
ــ
واحترز بقوله: (خيانة) عما إذا لبس الصوف لإصلاحه، أو ركب دابة شرسة للسقي أو خشية زمانتها، لكن قال الإمام: لو استعملها على ظن أنها ملكه .. ضمن، بخلاف إخراجها من الحرز بهذا الظن؛ فلا يضمن.
واحترز بقوله: (الدراهم) عما إذا أخذ منها درهمًا لينفقه ثم يرده؛ فإنه يصير مضمونًا وحده دون الباقي على الأصح، فلو تلف الجميع .. لم يلزمه إلا درهم، فلو عبر بصيغة الإفراد .. كان أولى.
وإنما مثل بمثالين؛ لأن الأول لنية الاستعمال، والثاني لنية الأخذ والإمساك.
فرع:
أودعه كتابًا فقرأ فيه .. ضمن، فإذا غصب بعد ذلك .. كان عليه الضمان، كذا أفتى به البغوي.
فرع:
أودعه خاتمًا فلبسه، فإن جعله في غير الخنصر .. لم يضمن، أو في الخنصر .. فاحتمالان للقاضي حسين:
أحدهما: يضمن، وعلله الرافعي بكونه استعمالاً.
والثاني: إن قصد الحفظ .. لم يضمن، أو الاستعمال .. ضمن، واختار المصنف: أنه يضمن مطلقًا إلا إذا قصد الحفظ.
قال: (ولو نوى الأخذ ولم يأخذ .. لم يضمن على الصحيح)؛ لأنه قصد مجرد عن فعل فلا أثر له وإن كان له أثر في الإثم إذا صمم عليه، لكن لا أثر له في الضمان.
والثاني: يضمن، كما لو أخذ الوديعة بنية الخيانة في الابتداء، وكما لو أخذ الملتقط بنية الخيانة .. فالأصح: أنه يضمن.
وَلَو خلَطَهَا بِمَالِهِ وَلَم تَتَمَيَّزْ .. ضَمِنَ. وَلَوْ خَلَطَ دَرَاهِمَ كِيسَيْنِ لِلمُودِعِ .. ضَمِنَ فِي اُلأَصَحٌ
ــ
والفرق على الوجه الآخر: أن ائتمان المالك عارض قصده، والوجهان جاريان فيما لو نوى أن لا يرد الوديعة بعد طلب المالك.
وقيل: يضمن هنا قطعًا؛ لأنه يصير ممسكًا لنفسه.
وموضع الخلاف أيضًا: إذا نوى بعد القبض، فإن نواه ابتداء .. ضمن قطعًا، وإذا تعدى وبقيت في يده مدة .. لزمه أجرة مثلها.
قال: (ولو خلطها بماله ولم تتميز .. ضمن)؛ لأنه لم يرض به، سواء قل المخلوط أو كثر.
وقال مالك: إن خلطها بمثلها أو أجود منها .. لم يضمن.
واحترز عما إذا تميزت بسكة أو نحوها، أو كانت دراهم فخلطها بدنانير .. فلا ضمان؛ لتميزها منها.
قال في (الكفاية): اللهم إلا أن يحصل نقص بسبب الخلط فيضمنه كما صرح به الماوردي، وليس الضابط التمييز بل سهولته، حتى لو خلط حنطة بشعير .. كان مضمنًا فيما يظهر.
قال: (ولو خلط دراهم كيسين للمودع .. ضمن في الأصح)؛ لأنه ربما ميز بينهما لغرض دعا إليه.
والثاني: لا؛ لأن جميعه ملك مالك واحد.
وصورة المسألة: أن يكونا مفتوحين، وإلا، فإن حل شدَّهما .. صار بأول الحلِّ ضامنًا على الصحيح وإن لم يخلطهما كما تقدم.
وإن كانا متميزين كدراهم ودنانير .. لم يضمن.
وَمَتَى صَارَتْ مَضْمُونَةً بِانْتِفَاعٍ وَغَيْرِهِ ثُمَّ تَرَكَ الْخِيَانَةَ .. لَمْ يَبْرَا، فَإِنْ أَحْدَثَ لَهُ الْمَالِكُ اسْتِئْمَاناً .. بَرِئَ فِي الْأصَحِّ ......
ــ
فرعان:
الأول: أتلف بعض الوديعة، فإن كان منفصلاً عن الباقي كأحد الثوبين .. لم يضمن إلا ما أتلفه، وإن كان متصلاً به كما لو قطع بعض الثوب أو طرفًا من الحيوان، فإن فعل ذلك عمدًا .. ضمن الجميع، وإن كان خطأ .. ضمن ما فوته، وفي الباقي وجهان:
أصحهما: لا يضمنه.
الثاني: أودعه عشرة دراهم فسرق ابن المودع منها خمسة فضم أبوه خمسة إلى الخمسة الباقية وردها على مالكها، قال البغوي: إن كان ما سرق باقيًا في يده .. لم يبرأ، وإن كان تالفًا .. بريء.
قال: (ومتى صارت مضمونة بانتفاع وغيره ثم ترك الخيانة .. لم يبرأ) كما لو جحدها ثم اعترف بها.
وقال أبو حنيفة: يبرأ ويعود أمينًا.
والمراد بـ (ترك الخيانة): أن يردها إلى مكانها، أما إذا ردها للمالك ثم أوعده ثانيًا .. فإنه يصير أمينًا.
قال: (فإن أحدث له للمالك استئمانًا .. بريء في الأصح)؛ لأن التضمين كان لحق المالك وقد رضي بسقوطه.
والثاني: لا يعود أمينًا؛ لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: (على اليد ما أخذت حتى تؤديه).
والخلاف قولان، فكان ينبغي التعبير بالأظهر، والخلاف شبيه بالخلاف فيما إذا
وَمَتَى طَلَبَهَا الْمَالِكُ .. لَزِمَهُ الْرَدُّ؛ بِأَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا،
ــ
حفر بئرًا في ملك غيره عدوانًا ثم أبرأه المالك عن ضمان الحفر.
واحترز بقوله: (أحدث) عما لو قال في الابتداء: أودعتك، فإن خنت ثم تركت الخيانة عدت أمينًا لي فخان وضمن ثم ترك الخيانة .. فإنه لا يعود أمينًا بلا خلاف؛ لأنه إسقاط ما لم يجب وتعليق للوديعة.
وموضع الخلاف الذي ذكره المصنف: إذا صارت مضمونة بغير التلف، أما إذا أتلفها ثم أحدث له المالك استئمانًا .. فإنه لا يبرأ بلا خلاف؛ لأنه الواجب عليه أن يرد ذلك البدل إلى المالك ثم يحدث له استئمانًا.
قال: (ومتى طلبها المالك .. لزمه الرد)؛ لقوله تعالى: {فليُؤدِ الذي اؤتُمنَ أمانته} ، ولقوله صلى الله عليه وسلم:(أد الأمانة إلى من ائتمنك) حسنه الترمذي، وعلم منه أنه ليس له إلزام المالك الإشهاد وإن كان أشهد عليه عند الدفع، وهو الأصح من أوجه ثلاثة سبق بيانها في (باب الوكالة)؛ فإنه مصدق في الرد.
وفي معنى المالك: وارثه، فإذا طلبها بعد موته .. كان الحكم كذلك، حتى لو امتنع المودَع من الرد وقال: لا آمن أن تكون في ماله وصية ثم تلف .. قال القفال: يضمن؛ لتعديه بالمنع من الوارث وهو مستحق في الظاهر.
لكن يستثنى من إطلاقه: ما إذا كان الذي أودعه حاكم ثم طالبه .. فعليه أن يشهد له بالبراءة؛ لأنه لو عزل .. لم يقبل قوله، قال الإصطخري في (أدب القضاء).
ويستثنى أيضاً: ما إذا طلبها وكيل المودع .. فإن له التأخير لطلب الإشهاد؛ لأنه لا يقبل قوله في دفعها إليه.
قال: (بأن يخلي بينه وبينها) فلا يجب عليه نقلها، وليس عليه مؤنة ردها، بل هي على المالك باتفاق الأصحاب.
هذا إذا كان المردود عليه أهلاً للقبض، فإن كان محجورًا عليه لسفه أو مرض أو فلس .. لم يلزمه الرد، بل لا يجوز ويضمن، ثم بعد هذا لا يختص بمطالبة
فَإنْ أَخَّرَ بِلَا عُذْرٍ .. ضَمِنَ. فَإِنِ ادَّعَى تَلَفَاً وَلَمْ يَذْكُرْ سَبَبَاً، أَوْ ذَكَرَ خَفِيْاً كَسَرِقَةٍ .. صُدِّقَ بِيَمِينِهِ. وَإِنْ ذَكَرَ ظَاهِرَاً كَحَرِيقٍ؛ فَإِنْ عُرِفَ الْحَرِيقُ وَعُمُومُهُ .. صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ،
ــ
المالك، بل لو طلب المودع المالك بأخذ وديعته .. لزمه أخذها، كما قاله في (نكت التنبيه) نقلاً عن (البيان).
ومحل وجوب الرد: إذا لم يكن له شريك فلو أودعه رجلان ثم جاء أحدهما يسترد نصيبه .. فقيل: يدفع إليه، والأصح: لا؛ لأنهما اتفقا في الإيداع فكذا في الاسترداد.
قال: (فإن أخر بلا عذر .. ضمن)؛ لتعديه، فمن الأعذار الصلاة والطهارة والأكل والشرب وملازمة الغريم ونحو ذلك، وأفهم: أنه مع العذر لا يضمن، وهو الذي صرح به الأكثرون.
وشملت عبارته: ما إذا كان المودع مشهورًا بأنه لص وغلب على ظن المودع أنه لغيره وطالبه به.
قال الروياني: يحتمل أن يقال: يلزمه الرد إليه، وهو القياس، ويحتمل أن يقال: يتوقف ويطلب صاحبه، فإن ظهر، وإلا .. رده إليه.
قال: (فإن ادعى تلفًا ولم يذكر سببًا، أو ذكر خفيًا كسرقة .. صدق بيمينه) بالإجماع؛ لتعذر إقامة البينة عليه ولا يلزمه بيان السبب، وكذا رب المال مع عامل القراض.
نعم؛ عليه أن يحلف له أنه تلف بغير تفريط.
وفي معنى السرقة: ما لو ذهب به الفأر كما أفتى به البغوي.
وليس للمودع حفر داره إلا أن يكون متعديًا في وضعه فيحفر، كالدينار يقع في المحبرة.
قال: (وإن ذكر ظاهرًا كحريق) ونهب؛ (فإن عرف الحريق وعمومه .. صدق بلا يمين)؛ لاحتمال ما يدعيه.
وَإِنْ عُرِفَ دُونَ عُمُومِهِ .. صُدِقَ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ جُهِلَ .. طُولِبَ بِبَيِّنَةٍ، ثُمَّ يُحَلَّفُ عَلَى الْتَلَفِ بِهِ. وَإِنِ ادَّعَى رَدَّهَا عَلَى مَنِ ائْتَمَنَهُ .. صُدِّقَ بِيَمِينِهِ
ــ
قال: (وإن عرف دون عمومه .. صدق بيمينه) فيحلف؛ لاحتمال ما ادعاه.
قال: (وإن جهل .. طولب ببينة) يعني: على السبب الظاهر.
قال: (ثم يحلف على التلف به)؛ لاحتمال أنها لم تتلف به.
وعد المتولي موت الحيوان والغصب من الأسباب الظاهرة، والأقرب ما في (الرافعي)، وهو: إلحاق الغصب بالسرقة.
قال: (وإن ادعى ردها على من ائتمنه .. صدق بيمينه)؛ لأنه أمينه، سواء أشهد عليه عند الدفع أم لا، خلافًا لمالك.
واحتج عليه ابن المنذر بإجماعهم على تصديقه دعوى التلف فكذلك الرد.
وعبارة المصنف وغيره تشمل: الرد على من له الإيداع من مالك وولي ووصي وقيم وحاكم؛ لأنه ائتمنه كالمالك، حتى الجابي لو ادعى تسليم ما جباه للذي استأجره على الجباية .. فالقول قوله كما أفتى به ابن الصلاح، وكذلك الوكيل يدعي تسليم الثمن لموكله.
قال الرافعي: ولو أودعها الأمين لعذر السفر فادعى الأمين الرد عليه .. صدق، ولو كان المالك عين أمينًا فقال: إذا سافرت فاجعلها عند فلان، ففعل .. فالحكم بالعكس: إن ادعى الرد على المالك .. صدق، أو على المودع الأول .. لم يصدق.
كل هذا إذا استمر المودع على أمانته، فلو ضمنها بتفريط أو عدوان .. لم تقبل دعواه الرد، وهذا الحكم يطرد في كل أمين؛ من وكيل وشريك وعامل قراض وولي محجور وملتقط لم يتملك، إلا المرتهن والمستأجر؛ فإنهما يصدقان في دعوى التلف دون الرد، ولا يصدق الولي ونحوه في الرد؛ لادعائه ذلك على غير من ائتمنه.
أَوْ عَلَى غَيْرِهِ كَوَرَاثِهِ، أَوْ ادَّعَى وَارِثُ الْمُودِعِ الْرَّدَّ عَلَى الْمَالِكِ، أَوْ أَوْدَعَ عِنْدَ سَفَرِهِ أَمِيناً فَادَّعَى الأَمِينُ الْرَّدَّ عَلَى الْمَالِكِ .. طُولِبَ بِبَيِّنَةٍ. وَجُحُودُهَا بَعْدَ طَلَبِ الْمَالِكِ مُضَمِّنٌ
ــ
قال: (أو على غيره كوارثه، أو ادعى وارث المودع الرد على المالك، أو أودع عند سفره أمينًا فادعى الأمين الرد على المالك .. طولب ببينة)؛ لأن الأصل عدم الرد ولم يأتمنه، وقد استدل بعض الأصحاب لهذه المسألة والتي قبلها بقوله تعالى: {فليُود الَّذِي اؤتُمِنَ أمانَتَهُ) دلت على: أن من اؤتمن .. يؤدي الأمانة بنفسه من غير إشهاد، فيقبل قوله في الرد.
وشملت عبارة المصنف: من طيرت الريح ثوبًا إلى داره فقال: رددت على المالك، أو ادعاه الملتقط .. فلا يصدق إلا ببينة.
قال: (وجحودها بعد طلب المالك مضمن)؛ لأنه خائن بذلك.
وخرج بـ (طلب المالك) طلب غيره؛ فإنه غير مضمن ولو كان بحضوره، فإن الوديعة يسعى في إخفائها، أما إذا قال ابتداء: لا وديعة لأحد عندي، أو جوابًا لسؤال غير المالك أو في غيبته .. لم يضمن، لأنه سعى في إخفائها.
ولا يخفى أن هذا إذا لم تقم قرينة: أن المالك أراد بالطلب غير حقيقته، فلو ظلم المالك ظالم فطالبه بالوديعة فجحدها دفعًا للظالم .. فالظاهر: أنه لا يضمن.
وحكى شريح في التضمين في هذه الحالة وجهين.
ولو قال بعد الجحود: كنت غلطت أو نسيت الوديعة .. فالمنقول: أنه لا يبرأ عن الضمان إلا أن يصدقه المالك.
ومن أنكر وديعة .. صدق بيمينه، فإن أقام المدعي بينة على الإيداع .. لم يصدق في دعوى الرد؛ لتناقض كلامه وظهور خيانته.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأما في دعوى التلف .. فيصدق، ولكنه كالغاصب فيلزمه الضمان.
فرع:
أودعه قبالة وقال: لا تدفعها إلى زيد حتى يعطيك ديناراً فدفعها إليه قبل أن يعطيه .. فعليه قيمة الكاغد أبيض وأجرة الوراق، ولابد من اعتبار أجرة الشهود، سواء كتبوا رسم شهادتهم أم لا.
قاعدة:
في (التلخيص) و (اللباب) و (ترتيب الأقسام) وغيرها: كل مال تلف في يد أمين من غير تعد .. فلا ضمان عليه، إلا في صورة واحدة، وهي: السلطان إذا استسلف زكاة للمساكين قبل حولها وتلفت في يده .. فإنه يضمنها للمساكين، نص عليه.
وتلتحق بها ثانية، وهي: ما لو اشترى عينًا وحبسها البائع على الثمن ثم أودعها عند المشتري فتلفت .. فإنها تتلف من ضمانه ويستقر عليه الثمن، وليس لنا وديعة تضمن بالتلف غيرهما.
تتمة:
سئل الغزالي عن رجلين أودعا رجلاً صرتين، كلٌّ أودعه صرة فيها عشرة، ثم جاءا إليه فطلبا صرتيهما، فأعطى هذا صرة وهذا صرة، فادعى أحدهما: أنه وجد صرته زيوفًا وأن التي كانت له لم تكن كذلك، وهما يصدِّقان المودَع عنده على أنه ما تعدّى؟
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فتوقف فيها، ثم أجاب بأنهما يتحالفان ولا شيء على المودَع. أهـ
وهذا ينبني على أنا هل نضمن المودع بالنسيان أو لا؟ فإن ضمناه، وهو الأصح .. فيضمن؛ لأنه قصر في نسيانه ما لكل منهما، وإن لم نضمنه .. فلا خصومة لهما معه وإنما الخصومة بينهما، فإن اصطلحا، وإلا .. فهو كمالٍ في يديهما على الصحيح، فتنزع العشرة الجيدة من يد آخذها إلى أن تنفصل خصومتهما.
وفي (التجريد) لابن كج: وديعة عند رجلين اختلفا عند من تكون منهما؟ فقال: عندي تقسم بينهما كالوصيين، وبه قال أهل العراق، ويحتمل أن لا تقسم وتكون في موضع يدهما عليه.
*
…
*
…
*
خاتمة
سئل الشيخ عز الدين عن رجل تحت يده وديعة مضت عليها مدة طويلة، ولم يعرف صاحبها، وأيس من معرفته بعد البحث التام؟
فقال: يصرفها في أهم مصالح المسلمين، ويقدم أهل الضرورة ومسيس الحاجة، ولا يبني بها مسجدًا، ولا يصرفها إلا فيما يجب على الإمام العادل صرفها فيه، فإن جهله .. فليسأل أورع العلماء وأعرفهم بالمصالح الواجبة التقديم.