المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فَصْلٌ: أَوْصَى بِشَاةٍ .. تَنَاوَلَ صَغِيَرةَ الجُثَةِ وَكَبِيرتَهَا، سَلِيمَةٌ وَمَعِيبَةٌ، ضَاناً - النجم الوهاج في شرح المنهاج - جـ ٦

[الدميري]

الفصل: ‌ ‌فَصْلٌ: أَوْصَى بِشَاةٍ .. تَنَاوَلَ صَغِيَرةَ الجُثَةِ وَكَبِيرتَهَا، سَلِيمَةٌ وَمَعِيبَةٌ، ضَاناً

‌فَصْلٌ:

أَوْصَى بِشَاةٍ .. تَنَاوَلَ صَغِيَرةَ الجُثَةِ وَكَبِيرتَهَا، سَلِيمَةٌ وَمَعِيبَةٌ، ضَاناً وَمَعْزاً،

ــ

والإعتاق، وفيه طريقان: أصحهما: القطع بأنه للعبد، بل ادعى للبندنيجي: أنه لا خلاف فيه؛ لأنه استحق العتق استحقاقا مستقرا لا يسقط بوجه.

وقال الرافعي والمتولي: هو قبل العتق ملك للوارث قولا واحدا، ومساقه أن كسبه يكون للوارث، وقد حكى الروياني في كسبه قولين:

أحدهما: للوارث.

والثاني: للعبد المعتق؛ تنزيلا له منزلة الموصى له.

وقيل: للعبد قولا واحدا، قال: وهو الأصح، وسيأتي (في التدبير) إن شاء الله تعالى الفرق بين هذه وبين مسألة هناك.

قال: (فصل:

أوصى بشاة .. تناول صغيرة الجثة وكبيرتها، سليمة ومعيبة، ضأنا ومعزا)؛لصدق الاسم على جميع ذلك، ولاشك أن للوصية أحكاما لفظية وأحكاما معنوية، وهذا الفصل معقود لأحكامها اللفظية؛ لأن تغيير العبارات يغير الاعتبارات.

واحترز بـ (صغير الجتة) عن صغيرة السن كما سنذكره.

ومراده بـ (التناول):الصدق، والأصوليون يفرقون بين الصلاحية، والصدق، والتناول، والشمول، والاستغراق، وتجويز المعيب هنا مخالف لقولهم في (البيع) و (الكفارة) و (الزكاة):إن الإطلاق يقتضي السلامة.

والجواب: أن ذلك لأمر زائد على مقتضى اللفظ، ألا ترى أنه في الزكاة يجوز إخراج المعيب عن المعيب، وهنا لا يزاه عليه؛ لعدم الدليل عليه، فلو أراد الوارث أن يعطيه أرنبا أو ظبيا .. لم يكن له وإن وقع عليه اسم شاة؛ لأن العرف خصه بالضأن أو المعز وليس للموصى له قبوله.

ولو قال: شاة من شياهي وليس له إلا ظبي .. فهل ينزل على واحدة منها أو تبطل

ص: 269

وَكَذَا ذَكَرٌ فِي الأَصَح?، لَا سَخْلَةٌ وَعَنَاقٌ فِي الأَصَح?

ــ

الوصية؟ فيه وجهان، صحح في (الكفاية) الثاني، ورجح المصنف الأول.

قال: (وكذا ذكر في الأصح)؛لأنه اسم جنس كالإنسان.

و (الهاء) في (الشاة) للوحدة، ولهذا حمل قوله صلى الله عليه وسلم:(في أربعين شاة شاة) على الذكر والأنثى، ويؤيده جواز إخراج الذكر في خمس من الإبل على الأصح؛ لشمول الإسم.

والثاني: لا يعطى إلا الأنثى؛ للعرف، وهو منصوص (الأم)،وبه قال القاضي أبو الطيب وغيره من العراقيين، فحكاية ذلك وجهين فيه نظر.

وموضع الخلاف: إذا لم يقترن بالكلام ما يقتضي أحدهما، فإن اقترن به .. عمل به، كقوله: ينتفع بدرها ونسلها؛ فإنه لا يعطي إلا الأنثى تصلح لذلك، أو بشاة ينزيها على غنمه، أو كبشا، أو تيسا؛ فإنه يتعين الذكر.

ولو قال: ينتفع بصوفها .. حمل على الضأن، أو بشعرها .. حمل على المعز.

ولو قال: اشتروا له شاة .. قال البغوي: لا تشتري له معيبة، كالتوكيل في شرائها، وحكى الإمام فيما إذا أوصى بشراء عبد من ماله وجهين في جواز شراء المعيب، ونسب جوازه إلى الأكثرين.

قال: (لا سخلة وعناق في الأصح)؛لأن اسم الشاة لا يتناولهما، كما لا يسمى الطفل رجلا ولا امرأة، وهذا قول الصيدلاني.

وقال الرافعي: إنه الأظهر، وتبعه المصنف.

قال الإمام: وهو خلاف ما صرح به الأصحاب أجمعون.

والثاني: يتناولهما؛ لأن اسم جنس، وهو قول أئمة العراق ومعظم المراوزة وصاحب (التقريب)،ومقتضى النص، فلذلك اختاره الشيخ.

و (السخلة):الأنثى من ولد الضأن والمعز.

ص: 270

وَلَوْ قَالَ: أَعْطُوهُ شَاةٍ مِنْ غَنَمِي وَلَا غَنَمَ لَهُ .. لَغَتْ، وَإِنْ قَالَ: مِنْ مَالِي .. اشْتُرِيَتْ لَهُ، وَالجَمَلُ وَالنَاقَةُ يَتَنَاوَلَانِ الْبَخَاتِي? وَالْعِرَابَ، لَا أَحَدُهُمَا الآخَرَ. وَالأَصَحُ: تَنَاوُلُ بَعِيرِ نَاقَةْ،

ــ

و (العناق):الأنثى من ولد المعز ما لم تكمل سنة، فإذا امتنع في الأنثى .. ففي الذكر أولى.

قال: (لو قال: أعطوه شاة من غنمي ولا غنم له .. لغت)؛لأنه كلام مهمل، أما إذا لم تكن له حالة الوصية ثم ملكها قبل الموت .. فالأصح: صحتها، كما لو أوصى ولا مال له ثم ملك مالا.

قال: (وإن قال: من مالي .. اشتريت له)؛عملا بقوله، أما إذا كان له غنم .. فللوارث أن يعطيه منها وله أن يعطيه من غيرها وعلى غير صفتها، بخلاف قوله: من غنمي.

وحاصله: أنه إذا قال: من غنمي وله غنم .. تعين منها، وإلا .. لغت، ومن مالي وله غنم .. لم يتعين منها، ويقاس بما ذكرناه: رأسا من رقيقي، ورأسا من مالي، أما إذا اقتصر على قوله: أعطوه رأسا .. فليست في ((الشرحين)) ولا في ((الروضة))،لكنها كقوله: أعطوه رقيقا، ولم يقل: من مالي .. قال البغوي: لا يكون وصية، ورجح المتولي: أنها وصية ولا يتعين أرقاؤه.

قال: (والجمل والناقة يتناولان البخاتي والعراب)؛لصدق الاسم، وكذا السليم والمعيب، والصغير والكبير كما تقدم في الشاة.

قال: (لا أحدهما الآخر) أي: لا يتناول الجمل الناقة؛ لأنه كالرجل، ولا الناقة الجمل؛ لأنها كالمرأة.

قال: (والأصح: تناول بعير ناقة)؛لأنه اسم جنس كالإنسان، وسمع: حلبت بعيري، وصرعتني بعيري، وهو كالخلاف في تناول الشاة الذكر وإن كان عكسه في الصورة.

ص: 271

لَا بَقَرَةِ ثَوْراً، وَالْثَوْرُ لِلذ?كَرِ

ــ

والثاني: المنع؛ تنزيلا للبعير منزلة الجمل، وهو المحكي عن النص، قال الرافعي: وهو المعروف في كلام الناس، وخلافه كلام العرب، والخلاف جاز في اسم البغلة أيضا، قال الرافعي: وربما أفهمك كلامهم توسطا؛ وهو: تنزيل النص على ما إذا عم العرف باستعمال البعير بمعنى الجمل، والعمل تقتضيه اللغة إذا لم يعم.

قال الشيخ: وتصحيح خلاف النص في هذه المسائل بعيد؛ لأن الشافعي رضي الله عنه أعرف باللغة، فلا يخرج عنها إلا بعرف مطرد، فإن صح عرف بخلاف قوله .. اتبع، وإلا .. فالأولى: اتباع قوله.

وقد تقدم في (الزكاة):أن بعيرها مختص بالذكر، أما لو قال: أعطوه راحلة أو مطية .. فإنه يتناول الذكر والأنثى جزما.

قال: (لا بقرة ثورا)؛لأن اللفظ موضوع للأنثى.

والثاني: يتناول، و (الهاء) للوحدة كقوله: تمرة وزبيبة، وفي (الحاوي) و (المعتمد) و (الكفاية):لا تدخل الجواميس في البقر إلا إذا قال: من بقري، وليس له غيرها.

قال الرافعي: وقياس تكميل نصاب البقر بالجواميس في (الزكاة):دخولها هنا، فإن لم يكن له إلا بقرات وحش .. فوجهان كما في الظباء.

ولو قال: أعطوه عشر بقرات .. لم يعط فيها الذكر، سواء أدخل فيها (التاء) أم لا.

قال: (والثور للذكر)؛لأن اللفظ موضوع له.

وقيل: يتناول الأنثى: حكاه ابن يونس، سمي ثورا؛ لإثارته الأرض، وبقرة؛ لأنها تبقرها، أي: تشقها، وجمع الثور: ثورة وثيرة وثيران.

ص: 272

وَالْمَذْهَبُ: حَمْلُ الد?ابَةِ عَلَى فَرَسٍ وَبَغْلٍ وَحِمَارٍ

ــ

فرع:

لفظ الكلب والحمار يختص بالذكر عند الغزالي وغيره، وصوبه المصنف، واختار الرافعي شمولهما للأنثى بحثا، فإن أتى فيها بـ (الهاء) كالكلبة والحمارة .. لم يجز فيها الذكر.

قال: (والمذهب: حمل الدابة على فرس وبغل وحمار)؛لأنها تقع لغة على كل ما دب على الأرض من أي شيء، واشتهر استعمالها بمصر فيما يركب من البهائم والخيل والبغال والحمير.

والوصية تنزل على العرف، وإذا ثبت عرف في بلد .. عم البلاد، كما لو حلف: لا يأكل خبزا .. حنت بأكل خبز الأرز في غير طبرستان على الصحيح، هذا هو المنصوص، وهو الأظهر عند الأئمة.

وقال ابن سريج: إنما ذكره الشافعي رضي الله عنه هذا على عرف أهل مصر في ركوبها جميعا، واستعمال لفظ (الدابة) فيها، أما حيث لا يستعمل إلا في الفرس كالعراق .. فإنه لا يعطي سواها.

وقيل: إن قاله بمصر .. لم يعط إلا حمارا، حكاه في (البحر).

وقيل: تتناول الوصية حمر الوحش، وينبغي أن يكون على ما سبق في البقر.

وقال ابن الرفعة تفقها: لو لم يكن له إلا حمر الوحش .. فالأشبه: الصحة؛ حذرا من إلغائها.

ويدخل في لفظ (الدابة):الصغير والكبير، والذكر والأنثى، والسليم والمعيب.

وقال المتولي: لا يعطى ما لا يمكن ركوبه؛ لأنه لا يسمى دابة، وإن قال: من دوابي وله جنسان منها .. تخير الوارث، أو جنس .. تعين، أو لا شيء .. بطلت.

ص: 273

وَيَتَنَاوَلُ الر?قِيقُ: صَغِيراَ وَأُنْثَى وَمَعِيباً وَكَافِراً وَعُكُوسَهَا، وَقِيلَ: إِنْ أَوْصَى بِإِعْتَاقِ عَبْدٍ .. وَجَبَ المُجْزِئُ كَفَارَةَ. وَلَوْ أَوْصَى بِأَحَدِ رَقِيقِهِ فَمَاتُوا أَوْ قُتِلُوا قَبْلَ مَوْتِهِ .. بَطَلَتْ، وَإِنْ بَقِيَ وَاحِدٌ .. تَعَيَنَ،

ــ

هذا كله إذا أطلق، أما إذا قال: دابة للكر أو الفر أو للقتال .. فهي الفرس، ولو قال: للحمل عليها .. حمل على البغال والحمير، إلا أن يكون ببلد جرت العادة بالحمل فيه على البراذين فيعم، قال المتولي: ولو عهد فيها الحمل على الجمال أوالبقر .. فيجوز أن يعطى جملا أو بقرة، ولم يصوبه الرافعي.

قال: (ويتناول الرقيق: صغيرا أو أنثى ومعيبا وكافرا وعكوسها)؛لإطلاق لفظه على ذلك، وحكى في (البحر) في جواز الخنثى وجهين.

قال: (وقيل: إن أوصى بإعتاق عبد .. وجب المجزئ كفارة)؛لأنه المعروف في الإعتاق، بخلاف ما إذا قال: أعطوه عبدا؛ فإنه لا عرف فيه، واختاره الماسرخسي وأبو الطيب والروياني، وجعل غيره غلطا.

وفرع الماوردي الخلاف على: أن النذر ينزل على جائز الشرع أو واجبه، قال: وإذا قلنا بهذا الوجه .. هل يجزئ الخنثى؟ وجهان.

قال: ويجوز أن يعتق عنه أبا نفسه، سواء كان العتق تطوعا أم واجبا.

وانتصب (كفارة) على الحال؛ لأنه نفسه كفارة، أو على التمييز، وإن استعمل (كفارة) بمعنى (تكفيرا) .. صح أن يكون المفعول من أجله، وحيث دفع العبد .. لا يجب دفع ثيابه قطعا، وينبغي أن يكون على الخلاف في البيع؛ نظرا للعرف.

قال: (ولو أوصى بأحد رقيقه فماتوا أو قتلوا قبل موته .. بطلت)؛لأنه لا رقيق له، وفي القتل المضمون وجه: أنه ينتقل إلى القيمة.

قال: (وإن بقي واحد .. تعين)؛لصدق الاسم عليه.

واحترز المصنف عما إذا قتلوا بعده، فإن كان ذلك بعد القبول .. انتقل حقه إلى

ص: 274

أَوْ بِإعْتَاقِ رِقَابٍ .. فَثَلَاثٌ، فَإِنْ عَجَزَ ثُلُثُهُ عَنْهُنَ .. فَالْمَذْهَبُ: أَنَهُ لَا يُشْتَرَى شِقْصٌ

ــ

قيمة أحدهم بخيرة الوارث، وأما قبل القبول .. فكذلك إن ملكناه بالموت أو توقفنا، وإلا .. بطلت.

فرع:

وصى بعتق عبد فقتل قبل موت الموصي .. بطلت، ولو قتل بعد موته وقبل العتق .. حكى المزني: أنه يشتري بقيمته عبد يعتق مكانه، كمن نذر أضحية فأتلفها متلف، قال: ويحتمل بطلان الوصية.

والفرق: أن الحق في العتق للعبد وقد فات، وفي الأضحية للمساكين وهم باقون.

وفي (الأم):ولو وصى أن يحجوا عنه رجلا فمات الرجل .. أحج عنه غيره.

قال: (أو بإعتاق رقاب .. فثلاث)؛لأنه أقل الجمع، كذا قطعوا به، وقياس من قال: أقل الجمع اثنان: جواز الاقتصار عليهما، وقد قيل بمثله في (الإقرار) على وجه حكاه الهروي في (الإشراف).

وخمسة رخاص أولى من أربعة غوال؛ لما فيهمن تخلص الرقاب من الرق، بخلاف الأضاحي.

قال الماوردي: والمستحب أن يشتري للعتق المكد دون المترفه عند ملاكه، والأعف أولى من غيره، فلو صرف ما وصى به إلى رقبتين مع إمكان ثلاث .. ضمن الوصي الثالثة، لكن بثلث ما وصى به أو بأقل ما يمكن؟ فيه خلاف، كالخلاف فيما إذا صرف نصيب صنف الزكاة إلى اثنين، وكان ينبغي أن لا يصح شراء الاثنين.

قال: (وإن عجز ثلثه عنهن .. فالمذهب: أنه لا يشتري شقص)؛ لأنه ليس برقبة فصار كما لو قال: اشتروا بثلثي رقبة وأعتقوها فلم يجدوا رقبة لا يشتري الشقص، ولأن نفاسة الرقبة مرغوب فيها.

ص: 275

بَلْ نَفِيسَتَانِ بِهِ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَنْفَسِ رَقَبَتْينِ شَيْءٌ .. فَلِلْوَرَثَةِ. وَلَوْ قَالَ: ثُلُثِي لِلِعتْقِ .. اشْتُرِيَ شِقْصٌ .....

ــ

والثاني: وبه قال أبو إسحاق-:أنه تشتري رقبتان وشقص؛ تكثيرا للعتق، واختار هذا الغزالي، ومال إليه ابن الرفعة، وجعله من الحمل على الحقيقة والمجاز الجائز عند الشافعي رضي الله عنه، ورجحه الشيخ بأنه أقرب إلى غرض الموصي من الصرف إلى الورثة.

وكان الصواب: التعبير بالأصح، لا بالمذهب؛ فإن المسألة ذات وجهين لا طريقين.

وموضع الخلاف: إذا أمكن شراء رقبتين وشقص كما يقتضيه سياقه، فلو لم يوجد بما نفذت فيه الوصية إلا شقص .. لا يشتري قطعا.

ومقتضى إطلاقهم: أنه لا فرق في امتناع شراء الشقص بين أن يكون باقيه حرا أو رقيقا، ويحتمل الجواز إذا كان باقيه حرا، كما في نظائره من الكفارة ونحوها.

قال: (بل نفيستان به)؛لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أفضل الرقاب، فقال:(أنفسها ثمنا) متفق عليه.

قال: (فإن فضل عن أنفس رقبتين شيء .. فللورثة)،وتبطل الوصية فيه.

وهذا تفريع على المذهب، أما إذا قيل: يشترى شقص .. اشتري، فإن لم يوجد إما لعدمه أو لقلة الباقي .. فحينئذ تبطل الوصية ويرد إلى الورثة، وفي وجه: يوقف إلى الوجدان.

قال: (ولو قال: ثلثي للعتق .. اشتري شقص)؛لأنه أقرب إلى غرض الموصي، فلو قال: اشتروا عبدا وأعتقوه، فلم يخرج من الثلث إلا ما يشترى به شقص .. اشتري.

ص: 276

وَلَوْ وَصَى لِحَمْلِهَا فَأَتَتْ بِوَلَدَيْنِ .. فَلَهُمَا، أَوْ لِحَي? وَمَيِتِ .. فَكُلُهُ لِلِحَي? فِي الأَصَح?. وَلَوْ قَالَ: إِنْ كَانَ حَمْلُكِ ذَكَراً- أَوْ قَالَ: أُنْثَى- فَلَهُ كَذَا، فَوَلَدَتْهُمَا .. لَغَتْ. وَلَوْ قَالَ: إِنْ كَانَ بِبَطْنِهَا ذَكَرٌ، فَوَلَدَتْهُمَا .. اسْتَحَقَ الذ?كَرُ، ....

ــ

قال: (ولو وصى لحملها فأتت بولدين .. فلهما)،لما انقضى الكلام في الأحكام اللفظية المتعلقة بالموصى به .. شرع في المتعلقة بالموصى له، فإذا أتت بولدين .. كان لهما بالسوية الذكر والأنثى؛ لإطلاق حملها عليهما، كما لو هب لرجل وامرأة، سواء ولدتهما معا أو واحدا بعد آخر وبينهما دون ستة أشهر.

قال: (أو لحي وميت .. فكله للحي الأصح)؛لأن الميت كالعدم، بدليل البطلان بانفصال الواحد ميتا، ولا يصرف إلى ورثته شيء.

والثاني: له النصف والباقي لورثة الموصي، أخذا بالأسوء في حقه؛ لأن الميت لو كان حيا .. لم يستحق هذا إلا النصف.

قال: (ولو قال: إن كان حملك ذكرا- أو قال: أنثى- فله كذا، فولدتهما .. لغت)؛لأنه شرط صفة الذكورة أو الأنوثة في جملة الحمل ولم يحصل.

وإن ولدت غلامين .. فقال الغزالي: لا شيء لواحد منهما؛ لأن التنكير يشعر بالتوحيد.

وقيل: يقسم بينهما، قال في (الروضة):وهو المختار، دون ما إذا قال: إن كان حملك ابنا .. فله كذا، وإن كان بنتا .. فلها كذا، فولدتهما؛ فإن المختار: أنه لا شيء.

والفرق: أن الذكر والأنثى اسما جنس فيقع على الواحد والعدد، بخلاف الابن والبنت.

قال الرافعي والشيخ: والفرق ليس بمتضح، والقياس: أن لا فرق.

قال: (ولو قال: إن كان ببطنها ذكر، فولدتهما .. استحق الذكر)؛لأنه لم يحصر الحمل فيه.

ص: 277

أَوْ وَلَدَتْ ذَكَرَيْنِ .. فَالأَصَحُ: صِحَتُهَا وَيُعْطِيهِ الْوَارِثُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا

ــ

قال: (أو ولدت ذكرين .. فالأصح: صحتها)؛لأنه لم يحصر الحمل في واحد، ولا مزية لأحدهما على الآخر.

والثاني: المنع؛ لاقتضاء التنكير التوحيد.

قال: (ويعطيه الوارث من شاء منهما) كما لو أبهم الموصى به .. يرجع فيه إلى بيانه؛ لأنه يخلفه في حقوقه.

والثاني: يقسم بينهما.

والثالث: يوقف إلى أن يبلغا فيصطلحا.

فروع:

أحدها: أوصى بضعف نصيب أحد ولده .. قال مالك: هي كالوصية بمثل نصيبه.

وقال أبو ثور: له ثلاثة أمثال نصيبه.

وقال الشافعي وأكثر الأئمة: له ضعف نصيبه فحسب، فعند الشافعي رضي الله عنه هو الشيء ومثله، فإذا أوصى بمثل نصيب ابنه وله ابن واحد .. فهي بالثلثين، ولو أوصى لزيد بمئة ولعمرو بضعفها .. فالثانية بمئتين.

وضعفا الشيء ثلاثة أمثاله، وثلاثة أضعافه أربعة أمثاله، وأربعة أضعافه خمسة أمثاله.

الثاني: أوصى بسهم من ماله للعلماء .. فيها تسعة أقوال:

قال عمر بن عبد العزيز: هي باطلة.

وقال أبو حنيفة: يعطى نصيب أقل الورثة، إلا أن يزيد على السدس، فيتقدر حينئذ به.

وقال صاحباه: إلا أن يزيد على الثلث، فيتقدر به.

وقال أبو ثور: يعطى جزءا من أربعة وعشرين جزءا.

ص: 278

وَلَوْ وَصَى لِجِيرَانِهِ .. فِلأَرْبَعِينَ دَاراً مِنْ كُلِ جَانِبِ

ــ

وقال شريح: يزداد سهما على سهام المسألة.

وقال قتادة: يعطى نصيبا أقل ذكر من الورثة.

وقال أبو عثمان الأنصاري: أقل نصيب أنثى من الورثة.

وقال الحسن البصري: يدفع إليه السدس فقط.

وقال الشافعي رضي الله عنه: لا يتقدر ويرجع فيه إلى بيان الورثة، وكذلك الحكم عنده لو وصى بجزء أو نصيب أو حظ أو قسط أو شيء أو قليل أو كثير .. يرجع في تفسير الجميع إلى الورثة، فلو عينوا قدرا وادعوا الموصى له: أن الموصي أراد أكثر .. حلف الوارث: أنه لا يعلم إرادة الزيادة.

وقال البغوي: يحلف: أنه لا يعلم استحقاقه الزيادة.

الثالث: قال: أعطوه كذا وكذا .. أعطاه الورثة ما شاؤوا من جوزتين أو لوزتين أو سيفين أو عبدين أو أمتين أو غير ذلك، قاله القاضي أبو الطيب.

ولو قال: من دنانيري .. أعطي دينارين، وإن لم يكن له دنانير .. بطلت الوصية.

قال: (ولو وصى لجيرانه .. فلأربعين دارا من كل جانب) أي: من الجهات الأربعة، كذا نص عليه في (الأم) وهو إمام عارف باللغة وكلامه فيها حجة، ويدل له ما روى أبو داوود مرسلا عن ابن شهاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أربعون دارا جار)،قال الأوزاعي: قلت لابن شهاب: وكيف أربعون دارا؟ قال: أربعون عن يمينه وعن يساره وعن خلفه وبين يديه.

وفي (مسند أبي يعلي الموصلي) عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (حق الجوار إلى أربعين دارا هكذا وهكذا وهكذا وهكذا يمينا وشمالا وقداما وخلفا)

والثاني: (الجار):من لاصق داره داره، وادعى الإمام: أنه ظاهر المذهب.

والثالث: أهل المحلة التي هو فيها.

والرابع: الملاصق والمقابل وإن كان بينهما شارع نافذ.

والخامس: أهل الزقاق غير النافذ، حكاها في (المطلب).

ص: 279

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والسادس: من ليس بينه وبينه درب يغلق.

والسابع: من يصلي معه في المسجد ويدخل حمامه، حكاه العراقي شارح (المهذب).

والثامن: القبيلة، حكاه في (البيان).

وحكى في (المطلب) عن بعض العلماء وعن بعض أصحاب الشافعي: أن جميع أهل البلد جار؛ لقوله تعالى:} ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا {.

ورورى الحافظ أبو عمر في ترجمة أبي سعيد الأنصاري: أنه قال: (البر والصلة وحسن الجوار عمارة للديار، وزيادة في الأعمار)

ثم على المذهب: لا فرق بين مسلمهم وكافرهم، وغنيهم وفقيرهم، ويقسم على عدد الدور لا على عدد السكان، قاله في زيادات (الروضة)،وسبقه إلى الفارقي وابن الصلاح.

قال الشيخ: وينبغي أن يزاد فيه: وتقسم حصة كل دار على عدد سكانها.

قال القاضي أبو الطيب: وعدد الدور من الجوانب الأربعة مئة وستون دارا، وفي هذا نظر؛ لأن دار الموصي قد تكون كبيرة في التربيع فيسامتها من كل جهة أكثر من دار لصغر المسامت لها، أو يسامتها داران يخرج من كل منهما شيء عنها فيزيد العدد، وقد يكون في الزوايا دور أخرى، والاعتبار بالساكن لا بالمالك.

ثم المتبادر من كلام الشيخين وغيرهما: وجوب الاستيعاب، وفي (الحاوي) إشعار بعدم وجوبه، فلو رد بعض الجيران .. فالظاهر: أن يرد على الباقين، ولو كان للموصي داران .. صرف إلى جيران أكثرهما سكنى، فإن استويا .. فإلى جيرانهما، وينبغي أن يصرف إلى جيران من كان فيها حالة الموت أو حالة الوصية.

ص: 280

وَالْعُلَمَاءُ: أَصْحَابُ عُلُومِ الشَرْعِ مِنْ تَفْسِيرٍ وَحَدِيثٍ وَفِقْهِ،

ــ

قال: (والعلماء أصحاب علوم الشرع من تفسير وحديث وفقه) فما سوى الحديث والقرآن والفقه في الدين حطام فان.

والمراد: إذا أوصى للعلماء أو لأهل العلم .. صرف إلى أصحاب هذه العلوم.

أما (التفسير) .. فهو: بيان معنى اللفظة الغريبة أو الخفية، و (التأويل):مرد الكلام ومرجعه إلى ما يحتمله، من آل يؤول: إذا رجع، وحقيقته: معرفة معاني الكتاب العزيز وما أريد به، وهو بحر لا ساحل له، وكل عالم يأخذ منه على قدره، وهو على قسمين:

قسم لا يعلم إلا بتوقيف.

قسم يدرك من دلالات الألفاظ بواسطة علوم أخر؛ كاللغة، وغيرها، وهو شرعي أيضا؛ لتوقفه على اللفظ المستفاد من الشرع، ووراء القسمين فهم يؤتيه الله تعالى للعبد، وهو شرعي أيضا، أما من عرف التفسير ولم يعلم أحكامه .. فلا يصرف له شيء؛ لأنه كناقل الحديث.

وأما (الحديث) .. المراد به: معرفة معانيه، وهو من أجل العلوم بعد القرآن، فالعالم به من أجل العلماء، وكذا العالم برجاله وطرقه وصحيحه وسقيمه وعلله وما يحتاج إليه، والعالم بهذه الأشياء من علماء الشرع، أما من اقتصر على السماع المجرد .. فليس من العلماء.

والمراد بـ (الفقه):معرفة الأحكام الشرعية نصا واستنباطا، ولهذا لا تدخل فيه الظاهرية كما أجاب به ابن سريج، وأفتى به القاضي حسين وغيره؛ لأن الفقه الفهم، وأفهامهم تقاصرت عن إدراك المعاني الشرعية.

وقال ابن الرفعة: ينبغي بناؤه على أن الإجماع هل ينعقد بدونهم أو لا؟

ص: 281

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقال الماوردي: ولو أوصى لأعلم الناس .. صرف للفقهاء؛ لتعلق الفقه بأكثر العلوم، وقال شارح (التعجيز):الفقهاء أولى الناس.

و (الفقه في الدين):نور يقذفه الله تعالى في القلب، وهذا القدر قد يحصل لبعض أهل العناية موهبة من الله تعالى، وهو المقصود الأعظم، بخلاف ما يفهمه أكثر أهل الزمان؛ فذلك صناعة.

وقال ابن الرفعة: (الفقيه):من عرف من أحكام الشرع من كل نوع شيئا، والمراد من كل باب من أبواب الفقه، دون ما إذا عرف طرفا منه، كمن يعرف أحكام الحيض أو الفرائض وإن سماها الشارع نصف العلم، ولو أوصى للفقهاء أو المتفقهة .. فعلى ما تقدم من (الوقف)،وفي (الإحياء):يدخل الفاضل في الفقه، دون المبتدئ من شهر ونحوه، والمتوسط بينهما درجات يجتهد المفتي فيها، والورع لهذا المتوسط: ترك الأخذ منها وإن أفتاه المفتي بدخوله فيها، وفي (التتمة) فيه وجهان: أحدهما: المرجع في ذلك إلى العادة، فمن سمي فقيها .. يدخل فيه.

استفتي الحسن البصري في مسألة فأجاب، فقيل له: إن فقهاءنا لا يقولون ذلك! فقال: وهل رأيت فقيها قط، (الفقيه):القائم ليله، الصائم نهاره، الزاهد في الدنيا، الذي لا يداري ولا يماري، ينشر حكمة الله، فإن قبلت منه .. حمد الله، وإن ردت عليه .. حمد الله، وفقه عن الله أمره ونهيه، وعلم ما يحبه وما يكرهه، فذلك هو العالم الذي قيل فيه:(من يرد الله به خيرا .. يفقه في الدين)،فإذا لم يكن بهذه الصفة .. فهو من المغرورين.

وفي (شرح المنتخب) للقرافي: أن بعض الناس قال: من عرف ثلاثة أحكام .. سمي: فقيها.

ص: 282

لَا مُقْرِئٌ وَأَدِيبٌ وَمُعَبِرٌ وَطَبِيبٌ

ــ

تتمة:

الراسخ في العلم: من برت يمينه، وصدق لسانه، واستقام قلبه.

وقيل: من جمع أربع خصال: التقوى فيما بينه وبين الله تعالى، والتواضع فيما بينه وبين الناس، والزهد فيما بينه وبين الدنيا، والمجاهدة فيما بينه وبين نفسه.

والصواب: أنه العالم بتصاريف الكلام، وموارد الأحكام، ومواقع المواعظ؛ لأن الرسوخ الثبوت في الشيء.

ولو أوصى لأجهل الناس .. قال المتولي: تعطي للإمامية الذين ينتظرون خروج الإمام، وعند الروياني: تصرف لعبدة الأوثان.

قال الشيخ: لا شك أن الكفار أجهل الناس، لكن في صحة الوصية نظر وإن كان لا تشترط جهة القربة، إلا أن هذا قصد فاسد لا غرض فيه فينبغي أن يبطل، ولو أوصى لأجهلهم وأسفلهم .. فالنص: أنه لمن يسب الصحابة رضي الله عنهم، قال الشيخ: أما جهالته وسفالته .. فلا شك فيهما، وينبغي أن لا يصرف إليه شيء وتبطل الوصية.

قال الشيخ: ولو أوصى لسيد الناس .. فهو الخليفة، كذا قاله الماوردي، وأبخل الناس عند القاضي يحتمل أن تعطي لمن لا يؤدي الزكاة، وأن تصرف إلى من لا يقري الضيف.

وأما الوصية للصوفية .. فعلى ما سبق في (الوقف).

قال: (لا مقرئ وأديب ومعبر وطبيب)؛ لأن أهل العرف لا يعدونهم علماء.

قال في (المطلب):والمراد بـ (المقرئ):التالي، أما العالم بالروايات ورجالها .. فكالعالم بطرق الحديث.

ص: 283

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقال الشيخ: العلماء بالقراءات علماء قطعا، يصرف إليهم من الوصية لهم، ومن الوقف عليهم، كما قاله ابن الرفعة، بل هم أولى الناس به.

والذي بحثه الشيخ صرح به شارح (التعجيز)،فألحق المقرئ العالم بالمفسر، والعالم بمآخذ القراءات ورواياتها بالمحدث العالم بالطرق.

وأما (الطبيب) .. فلا يدخل في عداد العلماء؛ لأن الطب ليس علما شرعيا، وكذا الحساب والهندسة وعلم النحو والتصريف والعروض والقوافي، ولم يتعرض الفقهاء لها كأنهم أدخلوها في علم الأدب، وكذا علم المعاني والبديع والموسيقا ونحوها.

و (المعبر):الذي يحسن تعبير الرؤيا، وهو علم شريف، ليس منهم عند الأكثرين، وعده ابن الرفعة منهم، وخالفه الشيخ في ذلك؛ لأن حقيقته راجعة إلى معرفة معنى رؤية المنام، وليس معرفته بالاكتساب بل هو موهبة من الله تعالى، وانظر إلى تعبير يوسف عليه الصلاة والسلام.

وكان نبينا عليه الصلاة والسلام يقول: (من رأى منك الليلة رؤيا؟)، وكان لأبي بكر في ذلك حظ وافر، ولابن سيرين فيه باع طويل ويحق له ذلك؛ فإنه رأى ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فاهتدى بهديهم.

فائدة:

قال الزمخشري رحمه الله: وحقيقة تعبير الرؤيا ذكر وعاقبتها وآخر أمرها، كما تقول: عبرت النهر: إذا قطعته حتى تبلغ آخر عرضه، ونحوه: أولت الرؤيا: إذا ذكرت مآلها ومرجعها، وعبرت الرؤيا بالتخفيف هو الذي اعتمده الأثبات، ورأيتهم ينكرون عبرت بالتشديد، وقد عثرت على بيت أنشده المبرد في (الكامل)

ص: 284

وَكَذَا مُتَكَلِمٌ عِنْدَ الأَكْثَرِينَ

ــ

لبعض الأعراب] من السريع [:

رأيت رؤيا ثم عبرتها .... وكنت للأحلام عبرا

وأما الأدب فعلمه وإن كان يستعان به في فهم الكتاب والسنة لكنه حاصل للمتقدمين بالطبع السليم، وللمتأخرين بالكسب من علوم اللغة، وإنما العلم النافع الذي يبقى بعد الموت.

قال: (وكذا متكلم عند الأكثرين)؛لأنه بدعة وخطر، وأهل العرف لا يعدون أهله علماء، ونقل العبادي في آخر (زياداته) ذلك عن النص.

وقال المتولي: المتكلم يدخل في علماء الشرع، قال الرافعي: وهو قريب، وللشيخ في ذلك كلام نفيس حاصله: أن العلم بالله وصفاته، وما يجب له وما يستحيل عليه؛ ليرد على المبتدعة، ويميز بين الاعتقاد الفاسد والصحيح، وتحقيق الحق ونصره .. فذلك من أجل العلوم الشرعية، والعالم به من أفضلهم، وتصرف له الوصية للعلماء والوقف عليهم.

ومن دأبه الجدال والشبه وخبط عشواء وتضييع الزمان فيه والزيادة عليه؛ بأن يكون مبتدعا، أو داعيا إلى ضلالة .. فذاك باسم الجهل أحق، وللشيخ رحمه الله كلام نفيس في ذلك سيأتي في أول (كتاب السير).

قال: وهكذا الصوفية منقسمون كانقسام المتكلمين، فإنهما من واد واحد؛ فمن كان مقصوده معرفة الرب سبحانه، وصفاته وأسمائه، والتخلق بما يجوز التخلق به منها، والتحلي بأحوالها، وإشراق الأنوار الإلهية عليه، والأحوال السنية لديه .. فذلك من أعلم العلماء لا محالة، ولذلك عد الغزالي في مقدمة (المستصفى) من العلم الديني علم الباطن أي: علم القلب وتطهيره من الأخلاق الذميمة.

قال الشيخ: ومن كان هؤلاء الصوفية المتأخرين كابن عربي وابن سبعين

ص: 285

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والقطب القونوي والعفيف التلمساني .. فهؤلاء ضلال جهال خارجون عن طريق الإسلام، فضلا عن العلماء.

فروع:

وصى للقراء .. صرف إلى من يقرأ جميع القرآن، دون من يحفظ بعضه فقط، ولا يصرف إلى من لا يحفظ ويقرأ في المصحف على الأصح.

وأعقل الناس وأكيسهم (الزهاد)،وهم: الذين نبذوا الدنيا وراء ظهورهم، ورغبوا في الآخرة، وفي الحديث:(الكيس: من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت).

وقال الغزالي: الزهد ينقسم إلى: فرض وهو: الزهد في الحرام، وإلى نفل وهو: الزهد الحلال، وغاية الزهد: قصر الأمل، وحسن العمل.

ص: 286

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقال شقيق: سألت سبع مئة شيخ عن الزهد، فكلهم يقول: الزاهد من لا يحب الدنيا.

روى أحمد في (الزهد) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الزهد في الدنيا راحة القلب والبدن، والرغبة في الدنيا تطيل الهم والحزن، وما قصر عبد في طاعة الله إلا ابتلاه الله بالهم).

وإذا وصى للحجيج .. صرف إلى فقرائهم وأغنيائهم على النص، أو لليتامى، فأشبه الوجهين: أنه لا يصرف إلى الأغنياء منهم، والوصية للعميان والزمني كالوصية للأيتام.

وقطع صاحب (العدة) بعدم اشتراط الفقر في الزمني كالوصية للأيتام، قال: ومثله الوصية للغازين والمسجونين وتكفين الموتى وحفر القبور، ويدخل في ذلك كله الفقير والغني.

قال المصنف: والمختار: طرد الخلاف.

ولو أوصى للأرامل .. دخل فيه كل امرأة بانت عن زوجها بموت أو طلاق أو غيرهما دون الرجعيات، وكذا التي لم تزوج على الصحيح، وقيل: يدخلون، ولا يدخل الرجل الذي لا زوجة له على الصحيح.

والثاني: يدخل؛ لقول جرير] من البسيط [:

كل الأرامل قد قضيت حاجتها .... فمن لحاجة هذا الأرمل الذكر؟

وعزاه الجوهري وغيره للحطيئة، وهو وهم.

قال ابن السكيت: (الأرامل):المساكين من الرجال والنساء، قال: ويقال لهم وإن لم يكن فيهم أنثى.

وإذا أوصى للأيامى .. دخل فيها كل خلية عن الزوج، وفي دخول الأغنياء منهم

ص: 287

وَيَدْخُلُ فِي وَصِيَةِ الْفقَراءِ وَالمَسَاكِينُ وَعَكْسُهُ،

ــ

في اللفظين الوجهان المتقدمان في أغنياء الأيتام، وجزم الأستاذ أبو منصور بعدم استحقاقهم.

ولو أوصى للشيوخ .. أعطي من جاوز الأربعين، أو للفتيان أو للشباب .. فلمن جاوز البلوغ إلى الثلاثين، أو الكهول .. فلمن جاوز الثلاثين إلى الأربعين، وقيل: يرجع في ذلك إلى اللغة.

ولو أوصى للصبيان أو الغلمان .. صرف إلى من لم يبلغ، وكذا الأطفال والذراري، ويدخل في لفظ الذرية الأحفاد، ولا يدخلون في لفظ الأولاد، ولا يشترط الفقر في الشيوخ والصبيان اتفاقا.

قال: (ويدخل في وصية الفقراء المساكين وعكسه)،فيصرف لهؤلاء من الوصية لهؤلاء، فأما دخول الفقراء في الوصية للمساكين .. فمتفق عليه عندنا؛ لأنهم أشد احتياجا منهم، ويشهد له نص القرآن في المساكين في الظهار واليمين، ولا خلاف في جواز الصرف فيهما للفقراء، ودخول المساكين في الوصية للفقراء هو الصحيح المنصوص، وحكى بعضهم: أن المزني حكى قولا عن الشافعي خلافه، ولم يثبت.

أما المكفي بنفقة غيره اللازمة .. فإنه فقير في نفسه، لكن الأصح: عدم دخوله في الوصية للفقراء وفي الوقف عليه.

وإطلاق المصنف (الفقراء والمساكين) يقتضي: صرفه لمن كان منهم من أهل الذمة، والذي جزم به ابن سراقة وغيره: أنه يختص بالمسلمين كالزكاة.

فائدة:

قال الشيخ: الذي عندي: أن المسكين مأخوذ من السكون، فيطلق على أغنى الناس إذا كان فيه خضوع لله: أنه مسكين، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم

ص: 288

وَلَوْ جَمَعَهُمَا .. شُرِكَ نِصْفَيْنِ، وَأَقَلُ كُلِ صِنْفِ ثَلَاثَةُ، وَلَهُ التَفْضِيلُ

ــ

أحيني مسكينا وأمتني مسكينا)،ولا محمل لهذا الحديث عندي غير ذلك، وقرينة الحال ترشد إليه، وأما قوله تعالى:} إنما الصدقات للفقراء والمساكين {.. اقتضت القرينة فيه عدم الملك، وكذلك القرينة في الوصية والوقف عليهم.

وأصل الوضع إنما هو للأعم، ولا يجوز أن يطلق على النبي صلى الله عليه وسلم: أنه فقير ولا مسكين بحسب ما يفهم من تفسير الفقراء من عدم المال؛ فالدنيا عند النبي صلى الله عليه وسلم لا تزن جناح بعوضة، وكان متمكنا منها فلم يرضها، وقلبه أغنى القلوب بالله، ولم يكن حاله ناقصا عن الكفاية صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم.

قال: (لو جمعهما .. شرك نصفين) كما في الزكاة، ولا يجوز حرمان أحد الصنفين، بخلاف ما إذا أوصى لبني زيد وبني عمرو؛ فإنه يقسم على عددهم ولا ينصف.

ولو أوصى لسبيل الله .. فهم الغزاة الذين تصرف إليهم الزكاة والرقاب المكاتبون، ولو أوصى للغارمين أو لابن السبيل .. صرف إلى من تصرف إليه الزكاة منهم.

قال: (وأقل كل صنف ثلاثة) كالزكاة، ولأنه أقل الجمع، وقياس من جعل أقل الجمع اثنين: أن يجوز الصرف إليهما، وقد ذكروا- فيما إذا أوصى لأقاربه وله قريب واحد .. هل يكون له الجميع أو النصف أو الثلث- خلافا، فليكن هنا نظيره.

هذا إذا لم يكونوا محصورين، فلو دفعه الموصى إلى اثنين .. غرم لثالث الثلث أو أقل جزء على الخلاف في نظيره من الزكاة، وليس له دفع ما يغرمه إلى الثالث، بل عليه أن يسلمه إلى القاضي؛ ليصرفه أو يرده إليه ويأذن له في صرفه إلى ثالث نيابة عنه؛ لأنه لما صار من الذمة .. لا يتعين إلا بقبض صحيح.

قال: (وله التفضيل) أي: بين آحاد الصنف بحسب الحاجة، ولا تجب التسوية

ص: 289

أَوْ لِزَيْدِ الْفُقَرَاءِ .. فَالمْذْهَبُ: أَنَهُ كَأَحَدِهِم ِفي جَوَازِ إِعْطَائهِ أَقَلَ مُتَمَوَلِ، لَكِنْ لَا يُحْرَمُ

ــ

بل يتأكد تفضيل الأشد حاجة، والأولى: تقديم أقارب الموصي الذين لا يرثون، ثم جيرانه، ثم معارفه، والأصح: جواز نقل ما وصى به للفقراء والمساكين عن بلد المال، والرافعي بناه على جواز نقل الزكاة، ومقتضاه المنع، فلو عين فقراء بلد ولم يكن فيها فقير .. بطلت.

وقال الشيخان: الوصية للعلماء وسائر الموصوفين كالوصية لأصناف الزكاة في أنه لا يجب الاستيعاب ويقتصر على ثلاثة، والأولى: استيعاب الموجودين عند الإمكان كما في الزكاة، وهذا مخالف لما قرراه هناك.

حادثة:

أوصى أن يقف موضع كذا على القراء بموضع كذا ولم يذكر مآلا .. قال ابن الصلاح: تصح الوصية والوقف وإن لم يذكر جهة يتم بها الاتصال، ويوقف على الجهة المعينة ويجعل لها مآلا؛ لأن هذا الإيصاء مطلق، ومن شأن ما يؤذن فيه أو يوصى به مطلقا أن يحمل على الصحيح دون الفاسد، والأولى للموصي: أن يذكر مآلا، وهو جهات الخير.

قال: (أو لزيد والفقراء .. فالمذهب: أنه كأحدهم في جواز إعطائه أقل متمول)؛لأنه ألحقه بهم في الإضافة، وذلك يقتضي التسوية.

فإن قيل: قد يكون فقيرا فيتناوله لفظ الفقراء فلا تبقى لذكره فائدة .. قلنا: لذكره فائدتان: منع الإخلال به، وعدم اعتباره فقره، ولهذا نبه عليه المصنف فقال:(لكن لا يحرم) أي: وإن كان غنيا، هذا هو المنصوص هنا، ولم يذكر في (الروضة) طرقا، بل حكى سبعة أوجه:

أصحها: أنه كأحدهم، فيجوز أن يعطى أقل متمول.

والثاني: أنه يعطي سهما من سهام القسمة، فإن قسم المال على أربعة من الفقراء .. فله الخمس، أو خمسة .. فله السدس، وهكذا.

ص: 290

أَوْ لِجَمْعِ مُعَيَنِ غَيْرِ مُنْحَصِرِ كَالعَلَوِيَةِ .. صَحَتْ فِي الأَظْهَرِ،

ــ

والثالث: له الربع والباقي لهم، وبه قال مالك.

والرابع: له النصف، وبه قال أبو حنيفة وأحمد.

والخامس: كذلك إن كان غنيا، وإلا .. فكأحدهم.

والسادس: له الربع إن كان غنيا، وإلا .. فالثلث.

والسابع: الوصية في حق زيد باطلة؛ لجهالة ما أضيف إليه، وهو ضعيف جدا، ولابد على اختلاف الأوجه من ثلاثة من الفقراء.

كل هذا إذا أطلق ذكر زيد، فإن وصفه بصفتهم كزيد الفقير، فإن كان غنيا .. لم يعط شيئا ونصيبه للفقراء إن جعلناه كأحدهم، وإلا .. فهو لورثة الموصي، وإن كان فقيرا .. ففيه الأوجه.

وإن وصفه بغير صفتهم، فقال: لزيد الكاتب وللفقراء .. فقال أبو منصور: له النصف قطعا.

قال الرافعي: ويشبه أن يأتي فيه القول بأن له الربع إن لم يأت باقي الأوجه.

ولو وصى لزيد وللفقراء والمساكين، فإن جعلناه كأحدهم في الصورة السابقة .. هكذا هنا، وإن قلنا: له النصف، فهنا له الثلث أو الربع .. فههنا السبع.

ولو وقف على إمام ومدرس وعشرة فقهاء .. فالقياس: أنه يقسم على ثلاثة: للعشرة ثلث، وللإمام ثلث، وللمدرس ثلث.

ولو وصى لزيد بدينار وللفقراء بثلث ماله .. لم يصرف إلى زيد شيء آخر وإن كان فقيرا؛ لأنه قطع اجتهاد الوصي بالتقدير، وفيه وجه.

ويشترط في الفقراء والمساكين الموصى لهم: أن يكونوا أحرارا، فلا مدخل للمماليك في ذلك، نص عليه.

قال: (أو لجمع معين غير منحصر كالعلوية) ومثله: الطالبيون والهاشميون (.. صحت في الأظهر) وبه قال أحمد كالوصية للفقراء والمساكين.

ص: 291

وَلَهُ الاِقْتِصَارُ عَلَى ثَلَاثَةِ. أَوْ لِأَقَارِبِ زَيْدِ .. دَخَلَ كُلُ قَرَابَةِ وَإِنْ بَعُدَ،

ــ

والثاني- وبه قال أبو حنيفة-:أنها باطلة؛ لأن التعميم يقتضي الاستيعاب وهو ممتنع، بخلاف الفقراء؛ فإن عرف الشرع خصهم بثلاثة فاتبعناه.

ولو أوصى لزيد ولله تعالى .. فهل يكون لزيد الجميع وذكر الله للتبرك، أو له النصف والباقي للفقراء، أو له النصف والباقي يصرف في وجوه القرب، أو يرجع النصف إلى ورثة الموصي؟ فيه أربعة أوجه: أصحها: الثالث؛ لأنه لو قال: أوصيت بثلث مالي لله عزوجل .. صرف في وجوه البر.

ولو قال: لزيد وجبريل، أو لمن لا يملك كالريح .. فالأصح: أن لزيد النصف، وتبطل الوصية في الباقي.

والثاني: أن الجميع لزيد، ويلغوا ذكر غيره.

قال: (وله الاقتصار على ثلاثة) يعني: إذا فرعنا على الصحة، ولم يقل أحد: إنه يصح ويجب التعميم؛ لأنه غير ممكن، وكذلك لا تجب التسوية بين الثلاثة، ولا يشترط قبولهم كسائر الجهات العامة.

قال: (أو لأقارب زيد .. دخل كل قرابة وإن بعد)؛لشمول الاسم واستوائهم في تناول اللفظ، ولا فرق بين الوارث وغيره، ولا بين الذكر والأنثى، والمحترف وغيره، الغني والفقير.

وقال أبو حنيفة: لا يدخل الغني، ولا غير المحرم، ولا يسوى بين البعيد والقريب بل يقدم الأقرب فالأقرب، ولا يصرف إلى العم شيء مع ولد الأخ.

وقال مالك: لا يدخل غير الوارث.

وقال أحمد: لا يدخل الكافر.

وظاهر قوله: (كل قريب):وجوب استيعابهم، وهذا إذا انحصروا، وإلا .. فكالوصية للعلوية غير المحصورين، وقد استشكل إدخال البعيد مع أن أقارب جمع أقرب، وهي أفعل تفضيل.

وأجيب بأن التسوية ثابتة بالعرف، وقد قال تعالى:} وأنذر عشيرتك الأقربين {فدخل فيه كل قريب وبعضهم أقرب من بعض.

ص: 292

إِلَا أَصْلَا وَفَرْعاَ فِي الأَصَحِ، وَلَا تَدْخُلُ قَرَابَةُ أَمْ فِي وَصِيَةِ الْعَرَبِ فِي الأَصَحِ،.

ــ

قال: (إلا أصلا وفرعا في الأصح)؛لأنهم لا يسمون أقارب عرفا، بل (القريب):من ينتمي إليه بواسطة؛ بدليل قوله تعالى:} للوالدين والأقربين {،والعطف يقتضي المغايرة، حتى ادعى الأستاذ أبو منصور: إجماع الأصحاب على هذا.

والثاني: يدخلون؛ لدخولهما في الوصية لأقرب أقاربه، فكيف يكون أقرب ولا يكون قريبا؟ وبه قطع أبو الفرج الزاز؛ بدليل قولهم في (النفقات):تجب النفقة بالقرابة، ولا يريدون إلا الأصول والفروع.

قال الشيخ: وهذا هو الأقرب نقلا وبحثا، ودعوى أبي منصور الإجماع ممنوعة؛ فقد جزم أبو الطيب وابن الصباغ والماوردي ونصر المقدسي بدخولهم، فالصواب: التعبير بإجماع الصحابة كما عبر به الرافعي إلا الإجماع المطلق، ولأنه لما نزل قوله تعالى:} وأنذر عشيرتك الأقربين {كانت فاطمة رضي الله عنها من جملة المنذرين.

والثالث: لا يدخل الأبوان والأولاد، وتدخل الأجداد والأحفاد؛ لأن والوالد والولد لا يعرفان بالقريب، بل (االقريب):من بينه وبينه واسطة، وصحح المصنف في (أصل الروضة) هذا الوجه، ونقل تصحيحه عن الأكثرين، فهو مخالف لما أقر الرافعي عليه هنا، اللهم إلا أن يريد بقوله:(أصلا وفرعا) الوالد والولد؛ لأنه إن أتى به مفردا فلا يتناقض كلامه.

قال: (ولا تدخل قرابة أم في وصية العرب في الأصح) أي: إذا كان الموصي عربيا، وبه قال أحمد؛ لأن العرب لا تفتخر بها ولا تعدها قرابة.

قال الشيخ: وما قاله الأصحاب في ذلك ليس بصحيح، فلا خلاف: أن قرابة الأم تدخل في لفظ الرحم عند العرب والعجم جميعا، هكذا صرح به الرافعي، ولاشك أن الرحم هي القرابة، وقال صلى الله عليه وسلم في القبط: (إن لهم ذمة

ص: 293

وَالْعِبْرَةُ بِأَقْرِبَ جَدِ يُنْسَبُ إِلَيْهِ زَيْدُ، وَتُعَدُ أَوْلَادُهُ قَبيلَةَ

ــ

ورحما)؛لأن أم إسماعيل عليه الصلاة والسلام منهم.

وروى الترمذي وصححه الحاكم على شرط الشيخين: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسعد: (هو خالي) وسعد من بني زهرة وهم أخوال النبي صلى الله عليه وسلم.

والوجه الثاني: تدخل كما في وصية العجم، قال في (الشرحين) و (التذنيب):وهذا الوجه هو الأقوى، وهو ظاهر نصه في (المختصر)،وأجاب به العراقيون.

قال: والأول أظهر عند الغزالي والبغوي، وتبعهما في (المحرر)،فتبعه المصنف هناك في (أصل الروضة)،فصحح الثاني، فخالف ما في الكتاب.

فرع:

لو لم يكن لزيد إلا قريب واحد .. أخذ الجميع، وقيل: النصف، وقيل: الثلث.

وليس ولد الرضاعة ولا الزوج ولا الزوجة من الأقارب، ويدخل في المحارم كل محرم بنسب أو مصاهرة أو رضاع.

قال: (والعبرة بأقرب جد ينسب إليه زيد، وتعد أولاده قبيلة) أي: أولاد ذلك الجد، فيرتقي من بني الأعمام إليه، ولا يعتبر من يرثه، فإذا أوصى لأقارب حسني، أو أوصى حسنى لأقارب نفسه .. لم يدخل الحسينيون في الوصية، والوصية لأقارب الشافعي في زمانه تصرف إلى أولاد شافع، ولا يدخل فيها أولاد علي والعباس وإن كان شافع وعلي والعباس كلهم أولاد السائب بن عبيد، وإلا .. لأدى ذلك إلى دخول جميع الناس؛ فإن آدم يجمعهم.

وقال أحمد: يرتقي إلى الجد الثالث، وحكى الماوردي وجها: أنه يرتقي إلى

ص: 294

وَيَدْخُلُ فِي أَقْربِ أَقَارِبِهِ الأَصْلُ وَالْفَرْعُ. وَالأَصَحُ: تَقْدِيمُ ابْنِ عَلَى أَبِ،

ــ

الجد الرابع، وحكى الزبير قولا عن بعض العلماء: أنه يرتقي إلى الجد السابع؛ فإنه لما نزل قوله تعالى:} وأنذر عشيرتك الأقربين {.. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا بني كعب بن لؤي)،فأنذر ولد هذا الأب ورأى أنهم الأقربون.

وخرج بقوله: (ينسب إليه) جد الأم؛ فإنه لا ينسب إليه.

قال: (ويدخل في أقرب أقاربه) الضمير يعود على زيد المتقدم أو على الموصي (الأصل والفرع)؛لأنه ليس ثم أقرب منهما، وهذا مقطوع به، والمراد: دخولهم في الجملة، فإن قيل: كيف قال: ويدخل، وليس أقرب الأقارب غيرهما؟ وهي عبارة (الشرح) و (الروضة) والغزالي وغيرهم، فلو قال: وأقرب الأقارب الأصل والفرع .. كان أحسن .. أجاب الشيخ بأنهما أقرب على الإطلاق بل بالنسبة إلى الموصي لأقاربه .. فقد لا يكونان، وله أقارب غيرهما، وأقربهم إليه مثلا الأخ أو العم، فتكون الوصية له، فلهذا تكون عبارة الكتاب أحسن.

والأصل والفرع يشمل: الأب والأم وأصولهما، والابن والبنت وفروعهما، لكن من أدلى بشخص .. فذلك الشخص أقرب منه، وإذا كان الأقرب واحدا .. انفرد بالوصية، وإن كانوا عددا .. اشتركوا فيها بالسوية.

قال: (والأصح: تقديم ابن على أب)؛لأنه أقوى إرثا وتعصبيا، فيقدم الأولاد، ثم أولادهم وإن سفلوا، ويسوي بين أولاد البنين وأولاد البنات، ثم الأبوان، ثم الأجداد إن لم يكن له أخ أو أخت.

والثاني: يستويان؛ لاستواء درجاتهما، وهذا أقوى، وتوجيه الأول مشكل؛ لأنه إنما وصى للأقربية وهما فيها سواء، ولم يوص لأقواهما، قال الرافعي: ومقتضى هذا: إطلاق تقديم أولاد البنين على أولاد البنات، ولم يقولوا به، فعلى الأصح: يقدم الأب على ابن الابن.

ص: 295

وَأَخِ عَلَى جَدِ .. وَلَا يُرَجَحُ بِذُكُورةٍ وَوِرَاثَةٍ، بَلْ يَسْتَوِي الأَبُ وَالأُمُ، وَالِابْنُ وَالبِنْتُ، وَيُقَدَمُ ابْنُ البِنْتِ عَلَى ابْنِ ابْنِ الاِبْنِ. وَلَوْ أَوْصَى لِأَقَارِبِ نَفْسِهِ .. لَمْ تَدْخُلْ وَرَثَتُهُ فِي الأَصَحِ

ــ

قال: (وأخ على جد)؛لأن تعصيبه تعصيب الأولاد فقدم عليه، وليس لنا موضع يقدم فيه الأخ على الجد إلا هنا وفي (الولاء).

وعطف المصنف على المسألة على التي قبلها يقتضي: أن الخلاف وجهان، وصرح في (الشرح) بأنهما قولان، فكان ينبغي التعبير بالأظهر أو المذهب، وسواء في ذلك الأخ الشقيق وأخو الأب، وسواء الجد للأب والجد للأم.

والثاني: يستويان؛ لاستواء الأولين في الرتبة، والآخرين في الإدلاء بالأب، وهما كالقولين في الولاء.

والطريق الثاني: القطع بالثاني، فإن قلنا بالتساوي .. فالجد أولى من الأخ، وإن قدمنا الأخ .. قدم ابنه وإن سفل، وأجرى الخلاف في ابن الأخ مع أبي الجد.

والأخت في جميع ما تقرر كالأخ، صرح به الروياني، وأخو الأم كالأخ للأب على الصحيح، وكذلك جد الأم كجد الأب.

ولو كان له أخ وبنت أخت وعشرة أعمام .. قال الماوردي: كان للأخ ثلث المال، ولبنت الأخت ثلث آخر، والثلث الثالث للأعمام العشرة بالسوية مقسوما بينهم على ثلاثين سهما.

قال: (ولا يرجع بذكورة ووراثة، بل يستوي الأب والأم، والابن والبنت)،والأخ والأخت، كما يستوي المسلم والكافر، وكذا الفقير والغني، والمحرم وغيره.

نعم؛ يقدم الشقيق على غيره قطعا، وقيل قولان، وذهب بعض العلماء إلى: أنه يرجح بالذكورة، فيعطي للذكر مثل حظ الأنثيين.

قال: (ويقدم ابن البنت على ابن ابن الابن)؛لأن الاستحقاق منوط بزيادة القرب وابن البنت أقرب.

قال: (ولو أوصى لأقارب نفسه .. لم تدخل ورثته في الأصح)؛اعتبارا بعرف

ص: 296

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الشرع لا بعموم اللفظ، ولأن الوارث لا يوصى له غالبا ولا يدخل في عموم اللفظ، فعلى هذا: تختص الوصية بالباقين.

والثاني: يدخلون؛ لتناول اللفظ لهم، ثم يبطل نصيبهم ويجعل الباقي لغير الورثة.

ولو قال: ضع ثلثي حتى أراك الله، أو فيما رأيت .. ليس له وضعه في نفسه، والأولى: صرفه إلى أقارب الموصي الذين لا يرثونه، ثم إلى محارمه من الرضاع، ثم إلى جيرانه.

فرع:

قال الأستاذ أبو منصور البغدادي وغيره آباء فلان أجداده من الجهتين، وأمهاته جداته من الجهتين، وأقام الإمام الخلاف وجهين، وأصحهما عنده: لا يدخل الأجداد من جهة الأم في الآباء، والجدات من جهة الأب في الأمهات، ولا خلاف في شمول الأجداد والجدات من الطرفين، كذا قاله الرافعي ولم يتعرض له أحد بعده، وينبغي دخول الأب دخولا أوليا؛ لأن الآباء جمع أب، وهو إما حقيقة أو مجازا، فكيف خرج الأب من هذا الحكم؟ إلا أن يقال: لما جمع الآباء والأمهات .. علم إرادة المجاز؛ لأن الإنسان ليس له إلا أب واحد وأم واحدة، فرجح المجاز على الحقيقة فاعتبر.

تتمة:

له ثلاث أمهات أولاد فأوصى لأمهات أولاده والفقراء والمساكين بشيء .. قال المتولي: الصحيح: أنه يقسم على أصناف أثلاثا.

ص: 297