المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فَصْلٌ: مَنْ طَلَبَ زَكَاةً وَعَلِمَ الإمَامُ اسْتِحْقَاقَهُ أَوْ عَدَمَهُ .. عَمِلَ - النجم الوهاج في شرح المنهاج - جـ ٦

[الدميري]

الفصل: ‌ ‌فَصْلٌ: مَنْ طَلَبَ زَكَاةً وَعَلِمَ الإمَامُ اسْتِحْقَاقَهُ أَوْ عَدَمَهُ .. عَمِلَ

‌فَصْلٌ:

مَنْ طَلَبَ زَكَاةً وَعَلِمَ الإمَامُ اسْتِحْقَاقَهُ أَوْ عَدَمَهُ .. عَمِلَ بِعِلْمِهِ،

ــ

غريبة:

حكى ابن الصلاح في (فوائد رحلته) عن كتاب الشيخ عماد الدين بن عبد الله بن عبد الرحمن المروروذي النيهي: أنه لا يصح قبض الزكاة من الأعمى ولا إقباضها لأعمى، بل يوكل وكيلاً فيها؛ لأن التمليك شرط فيها، قال ابن الصلاح: وفساد هذا ظاهر، وعمل الناس على خلافه، وحديث:(أبرص وأقرع وأعمى في الصحيح) يدل للجواز.

فرع:

دفع زكاة لمسكين وهو غير عالم بالمدفوع جنسًا وقدرًا بأن كان فى كاغد ونحوه .. صحح في (الروضة) السقوط، وهو يرد على ما تقدم؛ لأنه كالأعمى إذا قبض.

تتمة:

سئل المصنف عن دفع الزكاة لمن لا يصلي فقال: إن بلغ تاركًا للصلاة واستمر عليه .. لم يجز دفعها إليه؛ لسفهه، ويجوز دفعها إلى وليه، وإن بلغ مصليًا رشيدًا ثم طرأ الترك ولم يحجز عليه .. جاز الدفع إليه، ويصح قبضه بنفسه كما تصح جميع تصرفاته.

وفي (الذخائر): أن تارك الصلاة إن قلنا: لا يكفر .. تدفع إليه الزكاة.

وفي وجه: لا تدفع إليه إلا نفقة مدة الاستتابة، وبالجواز مطلقًا أفتى ابن البزري، وعليه عمل الناس كالمصلي العاجز بغير ذلك.

قال: (فصل:

من طلب زكاة وعلم الإمام استحقاقه أو عدمه .. عمل بعلمه) فيعطي من علم

ص: 453

وَإلَاّ: فَإِنِ ادَّعَى فَقْرًا أَوْ مَسْكَنَةَ .. لَمْ يُكَلَّفْ بَيِّنَةً، وَإِنْ عُرِفَ لَهُ مَالٌ وَادَّعَى تَلَفَهُ .. كُلِّفَ،

ــ

استحقاقه، ويحرم من علم عدم استحقاقه، بل لا يجوز له الصرف إليه ويجب عليه منعه، وهذا لا خلاف فيه.

قال الرافعي: ولم يخرجوه على الخلاف في القضاء بالعلم، قال ابن الرفعة: ولعل سببه أنه ليس بحكم، ولأن الزكاة مبنية على الرفق والمساهلة وليس فيها إضرار بالغير، بخلاف القضاء بالعلم.

قال: (وإلا) أي: وإن لم يعلم استحقاقه ولا عدمه (.. فإن ادعى فقرًا أو مسكنة .. لم يكلف بينة)؛ لعسرها، وكذا إذا ادعى أنه غير كسوب .. يقبل قوله كما تقدم؛ فقد روى أحمد وأبو داوود والنسائي والدارقطني عن عبد الله بن عدي بن الخيار: أن رجلين أتيا النبي صلى الله عليه وسلم يسألانه الصدقة فقال: (إن شئتما .. أعطيتكما بعد أن أعلمكما أنه لاحظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب) فأعطاهما ولم يطالبهما بالبينة، فإذا لم يتهما .. لا يحلفان قطعًا، ولا إن اتهما في الأصح.

وجزم في (الحاوي الصغير) بتحليفهما ندبًا وهو وجه.

قال: (وإن عرف له مال وادعى تلفه .. كلف) أي: بالبينة؛ إذ الأصل بقاؤه.

قال الرافعي: ولم يفرقوا بين دعواه الهلاك بسبب خفي كالسرقة أو ظاهر كالحريق كصنيعهم في الوديعة، وفرق ابن الرفعة بأن الأصل عدم ضمان المودع وهنا عدم استحقاق الصرف، لكن قال المحب الطبري: الظاهر التفريق كالوديعة.

والبينة: رجلان أو رجل وامرأتان.

وقيل: لابد من ثلاثة هنا؛ لحديث مسلم عن قبيصة: (حتى يأتي ثلاثة من ذوي الحجا من قومه) ولا نعلم أحدًا شرط كونهم من قومه، وإنما المراد الاطلاع على حاله ممن لهم خبرة به.

ولا يخفى: أن المراد مال يمتنع معه الصرف إليه، فإن كان قدرًا لا يغنيه .. لم

ص: 454

وَكَذَا إنِ ادَّعَى عِيَالاً فِي الأَصَحِّ. وَيُعْطَى غَازِ وَابْنُ سَبِيلٍ بِقَوْلِهِمَا، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجَا .. اسْتُرِدَّ،

ــ

يطالب ببينة إلا على تلف ذلك المقدار، ويعطى تمام كفايته بلا بينة ولا يمين.

قال: (وكذا إن ادعى عيالاً في الأصح) أي: وأن كسبه لا يفي بنفقتهم؛ لإمكان ما يدعيه.

والثاني: يقبل قوله بلا بينة كما يقبل قوله في فقره، لكن لا بد من اليمين قطعًا.

قال الشيخ: والظاهر: أن المراد بالعيال من تلزمه نفقتهم ومن لا تلزمه ممن تقتضي المروءة والعادة بقيامه بنفقتهم ممن يمكن صرف الزكاة إليه من قريب حر وغيره، وكذا الزوجة؛ لأن نفقتها وإن كانت دينًا فانما تجب يومًا بيوم.

فلو قال: لا كسب لي، وحاله يشهد بصدقه، فإن كان شيخًا كبيرًا أو زمنًا .. أعطي بلا بينة ولا يمين، وإن كان جلدًا وقال: لا مال لي .. فوجهان: الأصح في (التهذيب): لا يحلف.

قال: (ويعطى غاز وابن سبيل بقولهما) ولا يكلفان حلفًا ولا بينة؛ لأن حالهما يظهر بعد الأخذ.

وفي وجه: يحلفان؛ لأنهما قد يكونان كاذبين ويتلف ما أخذاه ولا نجد مرجعًا، ويأتي الخلاف هل هو حتم أو مندوب؟ وخصه ابن الرفعة بحثًا بابن السبيل من البلد وغاز جاء مبتدئًا بعد تجهيز الإمام جماعة.

أما المجتاز ومن عينه الإمام للغزو .. فلا يحلف جزمًا.

قال: (فإن لم يخرجا .. استرد)؛ لأن صفة الاستحقاق قد انتفت.

قال الرافعي: ولم يتعرض الجمهور للقدر الذي يحتمل تأخيره، وقدره السرخسي بثلاثة أيام، فإن لم يخرج فيها .. استرد، قال: ويشبه أنها تقريب، وأن يعتبر ترصده للخروج، وكون التأخير لانتظار الرفقة وتحصيل الآهبة ونحوها.

ص: 455

وَيُطَالَبُ عَامِلٌ وَمُكَاتَبٌ وَغَارِمٌ بِبَيّنَةٍ، وَهِيَ: إِخْبَارُ عَدْلَيْنِ، وَتُغْنِي عَنْهَا الِاسْتِفَاضَةُ،

ــ

وعبارته تفهم: أنه إذا خرج ثم رجع ومعه شيء .. لا يسترد، وليس كذلك، بل يسترد من ابن السبيل مطلقًا، وكذا من الغازي إذا غزا ورجع وفضل معه شيء صالح، وكذلك المكاتب والغارم كما تقدم.

قال: (ويطالب عامل ومكاتب وغارم ببينة)؛ لأنه يدعي أمرًا ظاهرًا تسهل إقامة البينة عليه.

وصورة ذلك: إذا أتى إلى رب المال وطالبه وجهل حاله، أما الإمام .. فلا يطالبه بالبينة؛ لأنه يعلم حاله، وهو الذي يبعثه فلا تأتي البينة فيه، وهكذا المؤلف؛ فإنه الذي يتألفه.

ويستثنى من مطلق الغارم: الغارم لذات البين، فلا حاجة فيه إلى بينة؛ لشهرة أمره، قاله الشيخ أبو حامد والماوردي والقاضي حسين وغيرهم، وجرى عليه ابن الرفعة، وفي كلام (البيان) ما يخالفه.

قال: (وهي: إخبار عدلين) كسائر الشهادات، وهذه العبارة تقتضي: أنه لا يشترط لفظ الشهادة، ولا تقدم دعوى، ولا سماع قاض، بل المراد: إخبار عدلين على صفة الشهود، بل قيل: يكفي واحد إذا حصل الوثوق بقوله، والمقالتان مفرعتان على قبول الاستفاضة.

قال: (وتغني عنها الاستفاضة)؛ لأنها كالبينة، بل أقوى؛ لأنها تفيد العلم غالبًا، واستأنسوا بحديث قبيصة المتقدم فإن أدنى ما تحصل به الاستفاضة ثلاثة، وفي (التنبيه): أقلها اثنان، لكن سيأتي في (الشهادات) أن شرطها: السماع من جمع يؤمن تواطؤهم على الكذب.

وقيل: أراد بالثلاثة رجلاً وامرأتين.

ص: 456

وَكَذَا تَصْدِيقُ رَبِّ الدَّيْنِ وَالسَّيِد فِي الأَصَحّ. ويُعطَى الْفَقِيرُ وَالمِسْكِينُ: كِفَايَةَ سَنَةِ. قُلْتُ: الأَصَحُّ المَنْصُوصُ، وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ: كِفَايَةَ العُمْرِ الْغَالِبِ،

ــ

واختار ابن الرفعة تبعًا للشيخ أبي علي: أنها إن انتهت إلى التواتر المعتبر عند الأصوليين وأفادت العلم الضروري .. اعتبرت، وإلا .. فلا بد من البينة، والرافعي والشيخ عمما ذلك.

قال: (وكذا تصديق رب الدين والسيد في الأصح)؛ لظهور الحق بالإقرار.

والثاني: لا؛ لاحتمال التواطؤ، وصححه الجرجاني وغيره.

ثم الكلام من أول الفصل إلى هنا في الصفات المقتضية للاستحقاق، ومن هنا إلى آخر الفصل في كيفية الصرف وقدره.

قال: (ويعطى الفقير والمسكين: كفاية سنة)؛ لأن الزكاة تتكرر فيحصل بها سد خلة سنة بعد سنة، وأيد بما في (الصحيح):(أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخر لأهله مؤنة سنة) ولم يصحح في (الشرحين) شيئًا، بل ذكر مقالة الطائفتين ثم قال: ووقضيتهما كونهما على وجهين، وأشار في (التتمة) إلى تنزيلهما على حالين: إن إمكن إعطاء ما تحصل منه كفايته .. أعطاه، وإلا .. كفاية سنة، واختارة الشيخ بعد أن توقف فيه.

قال: (قلت: الأصح المنصوص، وقول الجمهور: كفاية العمر الغالب)؛ لأنه تحصل به الكفاية على الدوام، وذلك يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص.

قال الإمام: وهذا قد ينبو عنه القلب قليلاً؛ فإنه إذا كان ابن خمس عشرة .. أدى إلى أن يجمع له مالاً جمًا لا يليق بقواعد الكفايات في مطرد العادات، والقريب من الفقه أن يعطى ما يمكن أن ينصب به غلامًا يحسن التجارة لتحصل به كفايته، فإن عسر هذا .. فالظاهر: أنه لا يزاد على مؤنة سنة.

ويستدل لما صححه المصنف بما روى أبو داوود عن سهل بن أبي حثمة: (أن النبي صلى الله وسلم ودى الأنصاري الذي قتل بخيبر بمئة من إبل الصدقة) وبوب

ص: 457

فَيَشْتَرِي بِهِ عَقَارًا يَسْتَغِلُّهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ

ــ

عليه (باب كم يعطى الرجل الواحد من الزكاة).

ووجه الدليل: أنه أعطاه من الصدقة هذا القدر؛ لعلمه بحاجته، ولو كان بدلاً عن الدية .. لأعطاه من بيت المال لا من الصدقة.

تنبيهان:

أحدهما: محل الخلاف فيمن لا يحسن الكسب بحرفة ولا تجارة، أما المحترف .. فيعطى ما يشتري به أداة حرفته قلت قيمتها أو كثرت، والتاجر رأس مال بقدر ما يحسن أن يحصل من ربحه كفايته غالبًا، ومثلوه بخمسة دراهم للبقلي، وعشرة للباقلاني، وعشرين للفاكهاني، وخمسين للخباز، ومئة درهم للنقلي، وألفًا للعطار، وألفين للبزاز، وخمسة آلاف للصيرفي، وعشرة آلاف للجوهري.

كل هذا في غير المحصورين؛ أما المحصورون .. فلأنهم ملكوا الموجود، وهل يقال: ملكوا ذلك على عدد رؤوسهم، أو على قدر حاجاتهم، أو لا يملكون إلا الكفاية دون الزائد على ذلك؟ فيه نظر.

الثاني: من ملك ما يكفيه أقل من سنة أو أقل من العمر الغالب .. قال الشيخ: الذي يظهر لي من كلام الأصحاب أنه يعطى تكملة ما تحصل به كفايته لبقية السنة على أحد الوجهين، ولبقية العمر الغالب على الأصح، ولا يسلبه ما معه اسم الفقر والمسكنة، وكان بعض فقهاء الزمان يتوهم أنه لا يعطى، وأنه لا بد من اتصافه يوم الإعطاء بصفة الفقر أو المسكنة ثم يعطى حينئذ كفاية سنة على أحد الوجهين وكفاية العمر الغالب على الصحيح، وليس كما توهمه؛ فقد تحققنا من كلام الأصحاب ما ذكرناه، ثم أطال في الاستدلال لذلك.

قال: (فيشتري به عقارًا يستغله والله اعلم) هذا تفسير لكفاية العمر، وأنه ليس المراد منه دفع ما يكفيه عمره دفعة؛ لما في ذلك من الإضرار بالأصناف، وقد لا يتسع المال، بل المراد أن يدفع له ما يشتري به شيئًا تحصل منه كفايته مدة عمره؛ لأن

ص: 458

وَالْمُكَاتَبُ وَالْغَارِمُ: قَدْرَ دَيْنِهِ

ــ

ما يتحصل منه وإن كان شيئًا فشيئًا يكفيه عند حاجته، ولهذا قلنا في القادر على اكتساب ما يكفيه يومًا فيومًا: لا يعطى من سهم الفقر أو المسكنة، وليس المراد أنا نشتريه على ملك المزكي أو المسلمين، ولا يكون للفقير منه إلا الغلة؛ هذا ليس بمراد.

وينبغي أن يقرأ (فيشترى) بضم أوله؛ ليفيد أن المشتري له الإمام، ويشبه أن يكون على الخلاف في أن الغازي يشترى له الفرس، أو يصرف له ليشتري، أو يأذن له الإمام في الشراء.

فرع:

لو أعطى الفقير ما يوصله إلى حد المسكنة، ثم أراد أن يعطيه ما يوصله إلى حد الغنى، فإن كان الذي يعطيه ثانيًا من تلك الزكاة من سهم المساكين .. لم يجز؛ لأنه يكون آخذًا بصفتين، وإن كان من بقية سهم الفقراء .. فيظهر جوازه، أما لو أعطي من زكاة أخرى من سهم المساكين بعد ما أخذ من سهم الفقراء .. فيجوز إن كان وقت وجوبها بعد صيرورته مسكينًا.

وسكتوا عن أقل ما يعطى من الزكاة، وفي (الودائع) لابن سريج: أقله نصف درهم، وأكثره ما يخرج به من صفة الفقر إلى الغنى.

قال: (والمكاتب والغارم: قدرَ دينه) ، فلا يجوز أن يزاد على ذلك؛ لأن الدفع لهما للحاجة، حتى لو كان معهما البعض .. أعطيا التتمة فقط، لكن إذا أخذه المستحق وصار فقيرًا .. يعطى من سهم الفقراء.

وأفراد المصنف الضمير مع العطف بـ (الواو) وهو ضعيف، وعبارة (المحرر):(قدر دينهما) وهي أصوب.

ص: 459

وَابْنُ السَّبِيلِ: مَا يُوَصِّلُهُ مَقْصِدَهُ أَوْ مَوْضِعَ مَالِهِ. وَالْغَازِي: قَدْرَ حَاجَتِهِ لِنَفَقَتِهِ وَكِسْوَتِهِ ذَاهِبًا وَرَاجِعًا وَمُقِيمًا هُنَاكَ وَفَرَسًا وَسِلَاحًا، وَيَصِيرُ ذَلِكَ مِلْكًا لَهُ،

ــ

قال: (وابن السبيل: ما يوصله مقصده أو موضع ماله)؛ لأنه الذي يحتاج إليه.

وشملت عبارة المصنف النفقة والكسوة، لكنه استغنى عن تفصيله بذكره في الغازي، وأفهمت عبارته: أنه لا يعطى للرجوع، والصحيح: أنه يعطى له كالغازي.

وقيل: إن عزم على وصل الرجوع بالذهاب .. أعطي، أو على إقامة مدة .. فلا.

و (المقصد) بكسر الصاد كما ضبطه المصنف.

قال: (والغازي: قدرَ حاجته لنفقته وكسوته ذاهبًا وراجعًا) سواء طال أو قصر؛ لأن كل ذلك مما يحتاج إليه، وسكت الجمهور عن نفقة عياله، وتعرض لها بعض شراح (المفتاح)، قال الرافعي: وإعطاؤه ليس ببعيد؛ لأنا ننظر في استطاعة الحج إلى قدرته على ذلك. اهـ

وبالذي بحثه الرافعي جزم الفارقي وغيره، وهل يعطى جميع كفايته أو ما يزيد بسبب السفر؟ وجهان كالوجهين المذكورين في ابن السبيل.

قال: (ومقيمًا هناك) أي: إلى الفتح، بخلاف ابن السبيل؛ فإنه لا يعطى إلا لإقامة ثلاثة أيام غير يومي الدخول والخروج، والفرق أن اسم الغزو باق مع الإقامة.

قال: (وفرسًا)؛ إذ لابد للمقاتل منه، فيشتريان له؛ لأن الفرس والسلاح لا يكونان من عين المال الذي وجبت فيه الزكاة، فيحمل على أنهما يشتريان له.

قال: (ويصير ذلك ملكًا له) هذا يقتضي: أن يكون الشراء بإذنه وتوكيله، ويكون المعطى الثمن لا الفرس والسلاح، والأمر كذلك إذا رآه الإمام، وإن رأى

ص: 460

وَيُهَيَّأُ لَهُ وَلِابْنِ السَّبِيلِ مَرْكُوبٌ إِنْ كَانَ السَّفَرُ طَويلاً أَوْ كَانَ ضَعِيفًا لَا يُطيقُ الْمَشْيَ، وَمَا يَنْقُلُ عَلَيْهِ الزَّادَ وَمَتَاعَهُ إِلَاّ أَنْ يَكُونَ قَدْرًا يَعْتَادُ مِثْلُهُ حَمْلَهُ بِنَفْسِهِ. وَمَنْ فِيهِ صِفَتَا اسْتِحْقَاقٍ يُعْطَى بِإِحْدَاهُمَا فَقَطْ فِي الأَظْهَرِ

ــ

استئجارها .. فله ذلك، وللإمام أن يشتري ذلك من سهم الغزاة ويقفه في سبيل الله، فله في الفرس والسلاح طرق: الشراء أو الإجارة أو دفع الثمن أو الأجرة إليه أو الوقف على الجهة، ولا يملك إلا في دفع الثمن.

قال: (ويهيأ له ولابن السبيل مركوب إن كان السفر طويلاً أو كان ضعيفًا لا يطيق المشي)؛ لتتم الكفاية، فإن كان قصيرًا وهو قوي .. فلا، كمن بينه وبين مكة دون مرحلتين وهو قوي على المشي .. فإنه يلزمه الحج كذلك.

وأشار بقوله: (يهيأ) إلى أن ذلك بشراء أو كراء، ونقل الشيخان عن السرخسي في ابن السبيل الشراء إن اتسع المال والكراء إن ضاق.

والمراد بـ (المركوب): زيادة على الفرس الذي يقاتل عليه.

قال: (وما ينقل عليه الزاد ومتاعه)؛ لاحتياجه إليه (إلا أن يكون قدرًا يعتاد مثله حمله بنفسه) وأفهمت عبارته: استرداد المركوب منهما إذا رجعا وهو كذلك.

وشملت عبارته: ابنَ السبيل إذا كان في سفر نزهة على ما سبق وهو بعيد، والصواب: استثناء ذلك؛ إذ لا ضرورة إليه.

قال: (ومن فيه صفتا استحقاق) كالفقير الغارم (يعطى بإحداهما فقط في الأظهر)؛ لأن الله تعالى عطف المستحقين بعضهم على بعض، والعطف يقتضي المغايرة، وبهذا قال أبو حنيفة.

والثاني: بهما، لأن للفقير سهمًا وللغارم سهمًا، وهذا فقير وغارم، وإذا قلنا: لا يعطى إلا بواحدة فأخذ بالفقر .. كان للغريم أن يطالبه بدينه فيأخذ ما حصل له، وكذا إن أخذه بكونه غارمًا، فإذا بقي بعد أخذه منه فقيرًا .. فلابد من إعطائه من سهم الفقراء؛ لأنه الآن محتاج، كذا في زوائد (الروضة)، ونازعه الشيخ فيه.

ص: 461

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وعلى الأظهر: إن كان العامل فقيرًا .. فوجهان؛ بناء على أن الذي يأخذه أجرة أم صدقة، إن قلنا: أجرة .. جاز، وإلا .. فلا.

وهذا لا يختص بالصفتين، بل من فيه صفات كذلك.

ولو قال المصنف: أخذ بأحدهما .. كان أولى؛ فقد جزما بأن الخيار للآخذ، والمراد: صفات استحقاق الزكاة، أما صفات الفيء كالغازي يكون هاشميًا .. فإنه يعطى بهما قطعًا كما تقدم.

ولم يذكر المصنف ما تعطى المؤلفة والعامل، فأما الأول .. فيعطى ما يراه الإمام، وأما الثاني .. فيعطى أجرة مثله.

تتمة:

لو عمل على أن لا يأخذ شيئًا .. قال ابن الرفعة: لا يستحق شيئًا على القاعدة، وأورد حديثًا في (أبي داوود) عن ابن الساعدي قال: استعملني عمر رضي الله عنه على الصدقة، فلما فرغت منها وأديتها إليه .. أمر لي بعمالة، فقلت: إنما عملت لله وأجري على الله، فقال: خذ ما أعطيت؛ فإني عملت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فعملني فقلت مثل قولك، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إذا أعطيت شيئًا من غير أن تسأله .. فكل وتصدق) وهو في (الصحيحين) و (النسائي) بلفظ آخر.

قال ابن الرفعة: وطريق الجواب: أن العطاء لم يكن من الصدقات، بل من بيت المال، وللإمام أن يعطي من بيت المال لا على العمل.

قال الشيخ: وهذا يرده قول عمر رضي الله عنه فيه: (فعملني)، ومعناه: أعطاني العمالة، والعمالة: هي الأجرة، والظاهر: أنها مما عمل فيه، ولو كانت من بيت المال .. فلا يجوز أن يعطى من بيت المال على سبيل الأجرة إلا ما هو واجب عليه، قال: وطريق الجواب عندي: أن هذا مفروض من الله لمن عمل لا يفتقر إلى

ص: 462