المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فَصلٌ: الْغَنِيمَةُ: مَالٌ حَصَلَ مِنَ الكُفَّارِ بِقِتَالٍ وَإِيجَافٍ ــ قال: (فصل: الغنيمة: مال حصل - النجم الوهاج في شرح المنهاج - جـ ٦

[الدميري]

الفصل: ‌ ‌فَصلٌ: الْغَنِيمَةُ: مَالٌ حَصَلَ مِنَ الكُفَّارِ بِقِتَالٍ وَإِيجَافٍ ــ قال: (فصل: الغنيمة: مال حصل

‌فَصلٌ:

الْغَنِيمَةُ: مَالٌ حَصَلَ مِنَ الكُفَّارِ بِقِتَالٍ وَإِيجَافٍ

ــ

قال: (فصل:

الغنيمة: مال حصل من الكفار بقتال وإيجاف) أي: إيجاف خيل وركاب.

(الغنيمة) من الغنم كما تقدم.

وقوله: (ما حصل) يعم الكاب التي تقتنى، وسيأتي حكمها في (السير) حيث ذكرها المصنف.

وفي بعض النسخ: (مال حصل)، وهي موافقة لقول (المحرر): الغنيمة المال الحاصل من الكفار، فتخرج الكلاب؛ فإنها ليست بغنيمة على الصحيح المنصوص كما سيأتي.

وقال الإمام: ينبغي أن تكون الكلاب للجميع، كما أنَّ من مات وله كلب .. لا يستبد به بعض ورثته، واختاره الشيخ.

وفرق ابن الرفعة بين الغنيمة والإرث؛ بأن الإرث سبب قوي لا يقبل الرد فامتنع الاختصاص، بخلاف الغنيمة، وهو فرق صحيح، لكنه لا يمنع أصل الإلحاق.

وجلد الميتة قد يقال: إنه كالكلب؛ لعدم المالية وقد يقال: لا؛ لإمكان تطهيره.

والمراد بـ (المال): الذي كانوا يملكونه، فإن كانوا أخذوه من المسلمين أو أهل الذمة واستولوا عليه .. وجب رده إلى أصحابه وليس بغنيمة؛ لأنهم لم يملكوه.

ودخل في المال: النساء والصبيان؛ فإنهم يرقون بنفس الأسر كما سيأتي في (السير).

وقوله: (حصل) المراد للمسلمين، أما ما حصل لأهل الذمة من أهل الحرب بقتال .. فالنص: أنه ليس بغنيمة ولا ينزع منهم.

وقوله: (بإيجاف) خيل وركاب جرى فيه على الغالب، وإلا .. فما أخذ بقتال

ص: 403

فَيُقَدَّمُ مِنْهُ السَّلَبُ لِلْقَاتِلِ،

ــ

الرجالة وفي السفن غنيمة ولا إيجاف فيه، وكذا إذا التقى الصفان فانهزم الكفار قبل شهر السلاح وتركوا مالهم .. فهو غنيمة كما قاله الإمام.

لكن قد يرد ما تركوه بسبب حصول خيلنا وركابنا في بلادهم وضرب معسكرنا فيها .. فالأصح: أنه ليس بغنيمة مع وجود الإيجاف، ثم لا فرق بين أن يكون الغزو بإذن الإمام أم لا على المشهور، وقيل: إن كان بغير إذنه .. لا يخمس.

أما المسروق والمأخوذ اختلاسًا وعلى هيئة اللقطة .. فسيأتي في (كتاب السير) إن شاء الله تعالى: أن الأصح: أنها غنيمة، وينبني على ذلك عدم جواز وطء السراري اللواتي يؤتى بهن من الروم والهند ونحو ذلك؛ لأنهن لا يخمسن وسيأتي حكم ذلك في خاتمة (باب الاستبراء) إن شاء الله تعالى.

فرع:

إذا أهدى الكفار للمسلمين شيئًا، فإن كان ذلك والحرب قائمة .. فهو غنيمة لجماعة المسلمين، وإن كان بعد انقضائها أو قبل الخروج من دار الإسلام .. اختص بها من أهديت له، كذا نصه في (حرملة).

وفي (أبي داوود) وغيره: أن عياض بن حمار أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم هدية فردها عليه، وقال:(إنا لا نقبل زبد مشرك)، وقد قبل هدية المقوقس والنجاشي وأكيدر دومة.

قال: (فيقدم منه) أي: من أصل المال (السلب للقاتل)، سواء شرطه الإمام أم لا؛ لما روى الشيخان عن أبي قتادة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قتل قتيلاً له عليه بينة .. فله سلبه).

وروى أبو داوود: أن أبا طلحة قتل يومئذٍ عشرين قتيلاً وأخذ أسلابهم.

وقال مالك وأبو حنيفة - ورواية عن أحمد -: لا يكون السلب للقاتل إلا بنداء الإمام بذلك.

فإن قيل: روى مسلم عن عوف بن مالك: أن رجلاً من حمير قتل رجلاً من

ص: 404

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

العدو فأراد سلبه، فمنعه خالد بن الوليد وكان أميرهم، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم عوف بن مالك فأخبره، فقال لخالد:(ما منعك أن تعطيه السلب؟) قال: استكثرته يا رسول الله، قال:(ادفعه إليه)، فمرَّ خالد بعوف بن مالك يجر رداءه ويقول: ألم أفِ لك؟ فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستغضب وقال:(لا تعطه يا خالد، لا تعطه يا خالد، هل أنتم تاركوا لي أمرائي!) فلو كان السلب مستحقًا .. لم يقل: لا تعطه .. فالجواب: أن هذا كان على سبيل التأديب.

وقيل: حيث كانت العقوبة بالمال.

وقيل: إن الغنائم كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ملكًا له يعطي منها ما أراد لمن أراد.

ولا فرق في استحقاق السلب بين أن يقتل العدو في المبارزة، أو ينغمس في صف العدو فيقتله.

وضابط مستحق السلب: كل من يستحق السهم في الغنيمة راجلاً كان أو فارسًا، والمذهب: أن العبد والمرأة والصبي يستحقونه، ولا يستحقه الذمي على المذهب، وإذا قلنا: لا تستحق المرأة فكان القاتل خنثى .. وقف السلب حتى يتبين.

وإذا حضر الذمي بغير إذن الإمام .. فلا سلب له قطعًا، ولا سلب للمخذل قطعًا، والتاجر إذا قلنا: لا سهم له كالصبي.

هذا إذا كان المقتول رجلاً، فإن كان امرأة أو صبيًا، فإن لم يقاتل .. فلا سلب؛ للنهي عن قتله، وإن قاتل .. استحق في الأصح، وألحق البغوي العبد بالمرأة، وقال الإمام: يستحق سلبه قطعًا، وليس القتل بشرط؛ لما سنذكره.

ص: 405

وَهُوَ: ثِيَابُ الْقَتِيلِ وَالْخُفُّ والرَّانُ، وآلات الحَرْبِ كَدِرْعٍ وَسِلَاحٍ، وَمَرْكُوبٍ.

ــ

قال: (وهو: ثياب القتيل والخف والران، وآلات الحرب كدرع وسلاح، ومركوب)؛ لثبوت يده على ذلك كله، وسواء في المركوب ما كان راكبه أو نزل عنه لحاجة في القتال إذا كان عنانه بيده وهو يقاتل راجلاً إذا نزل، وفيه احتمال للإمام، لكن لو كان لمركوبه مهر يتبعه .. لم يدخل في السلب؛ لأنه منفصل، قاله ابن القطان في (فروعه).

و (الران) براء مهملة ثم ألف ثم نون: خف يلبس للساق خاصة ليس له قدم، وعبارة (الروضة): رانات، قال الشيخ: ولم أره في كتب اللغة.

وفي (تفسير القرطبي) في قوله تعالى: {كلا بل ران على قلوبهم} : عن ابن عباس: أنه الران الذي يجعل تحت الخف، وهو غريب.

و (درع الحديد) مؤنثة، قال ابن الأثير: وهي الزردية، وقد تقدم في (باب الرهن) الكلام على درع النبي صلى الله عليه وسلم، وأنها الدرع التي لبسها داوود حين قتل جالوت، وجمعها في القلة: أدرع وأدراع، فإذا كثرت .. فهي الدروع، وتصغيرها: دريع على غير قياس؛ لأن قياسه بالهاء.

وحكى أبو عبيدة معمر بن المثنى: أن الدرع تذكر وتؤنث، ودرع المرأة قميصها مذكر، والجمع: أدراع.

ومما يدخل في السلب بلا خلاف: المهماز ومرد الدابة.

تنبيه:

عبارته تقتضي: أن الخف والران ليسا من الثياب، وكذلك الدرع إذا كان لابسها، وهذا عكس ما قالوه فيما إذا أوصى بثيابه: أنه يدخل كل ما على بدنه، ومنها الخف والران والطيلسان.

وفي (البيع) صرحوا بحرمة بيع السلاح للحربي وهو أعم من الدرع، وهنا غايروا بينهما، لكنه قال في (شرح مسلم) في حديث رهن الدرع من اليهود: فيه جواز

ص: 406

وَسَرْجٍ وَلِجَامٍ، وَكَذَا سِوَارٌ وَمِنْطَقَةٌ وَخَاتَمٌ، وَنَفَقَةٌ مَعَهُ، وَجَنِيبَةٌ تُقَادُ مَعَهُ فِي الأَظْهَرِ،

ــ

رهن السلاح من أهل الذمة، فسمى الدرع سلاحًا.

وعد في (الذخائر)(الكبور) من السلاح، وهو: شيء يلبس من الحديد إلى حد السرة.

وفي (المحكم): السلاح اسم جامع لآلة الحرب، وخص بعضهم به الحديد، وبعضهم به السيف وحده.

قال: (وسرج ولجام)؛ لأن يده عليه حسًا؛ لما رواه أبو داوود من حديث عوف بن مالك في الرومي الذي خرج وعلى فرسه سرج مذهب، فاستكثره خالد، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بدفعه إليه، وهذه الأمور لا خلاف فيها.

قال: (وكذا سوار ومنطقة وخاتم، ونفقة معه، وجنيبة تقاد معه في الأظهر)، وكذلك الطوق؛ لأنها منسوبة إليه ومسلوبة بسببه وطمع المقاتل يمتد إليها، ولأن البراء بن مالك حين حمل على المرزبان وقتله .. أخذ منطقته وسواره فبلغت قيمتهما ثلاثين ألفًا، رواه الطبراني.

ولما أتي عمر رضي الله عنه بسواري كسرى ألبسهما سراقة بن مالك وقال له: (استقبل القبلة وكبر، وقل: الحمد لله الذي سلبهما كسرى بن هرمز، وألبسهما سراقة بن مالك أعرابيًا من بني مدلج) فسماه عمر سلبًا.

وسبب إلباسهما سراقة: أنه يوم فتح مكة حسر عن ذراعيه وكان أشعرهما فخجل، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم:(كأني بك وقد ألبست سواري كسرى) فأراد عمر تحقيق ذلك.

ولأنه قد يحتاج إلى الجنيبة في الكر والفر، وقطع بعضهم فيها بالمنع كذوات الحمل.

والثاني: أنها ليست سلبًا؛ لأنه ليس مقاتلاً بها فهي كثيابه وأمتعته المخلفة في

ص: 407

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

رحله، ولأن عمر رضي الله عنه منع البراء بن مالك من أخذ المنطقة والسوار.

وإذا جعلنا الجنيبة سلبًا .. ففي السلاح الذي عليها تردد للإمام، وإنما يستحق جنيبة واحدة، قاله أبو الفرج الزاز، قال المصنف: وفيه نظر، فإن تعددت .. قال الرافعي: فعلى هذا: ينبغي أن يرجع إلى تعيين الإمام أو يقرع، قال المصنف: الصواب المختار: أن القاتل يختار. أهـ

وهذه الاحتمالات الثلاث ذكرها الإمام في (النهاية)، ولم يقف عليها الشيخان.

واحترز بـ (النفقة التي معه) عن التي في خيمته؛ فإنه لا يستحقها كما سيأتي، وبقوله:(تقاد معه) عما أعدت لأن تجنب، وعما يحمل عليها ثقله؛ فإنه لا يستحقها، وهو أحسن من قول (المحرر) و (الشرح) بين يديه.

وظن صاحب (الحاوي الصغير): أن هذا القيد للاحتراز عن الجنيبة التي تقاد خلفه، فقال: وجنيبة أمامه، وهو مردود؛ فلا فرق بين ما خلفه وأمامه، وتعليلهم بالاستعانة بها يوضحه.

أما مملوكه الذي يجنبها .. فجزم القاضي أبو الطيب بأنه ليس سلبًا.

قال الإمام: ولو كان سلاحه يحمله غلامه ويعطيه متى شاء .. كان ذلك السلاح بمنزلة الفرس المجنوب، ويجوز أن لا يكون كذلك.

ولا فرق في السلب بين الجليل والحقير؛ لأن خالدًا باع سلاح الهرمزان بمئة ألف.

قال الشافعي رضي الله عنه: وأما ما روي عن عمر رضي الله عنه: أنه كان يخمس ما استكثر من السلب .. فليس من روايتنا، وإذا ثبت عن رسول الله صلى الله عليه

ص: 408

لَا حَقِيبَةٌ مَشْدُودَةٌ عَلَى اَلْفَرَسِ عَلَى اَلْمَذْهَبِ. وَإِنَّما يَسْتَحِقُ بِرُكُوبِ غَرَرٍ يَكْفِي بِهِ شَرَّ كَافِرٍ فِي حَالِ اَلْحَرْبِ،

ــ

وسلم - بأبي هو وأمي - شئ .. لم يجز تركه، ولم يستثن النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا قلَّ ولا جلَّ.

و (المنطقة): الحياصة، وأصله ما يشد به الوسط.

قال: (لا حقيبة مشدودة على الفرس على المذهب)؛ إذ ليست من لباسه ولا حليته، ولا مشدودة على بدنه، ولا من حلية فرسه، ومراده: مع ما فيها من نقد ومتاع.

والطريق الثاني: طرد القولين كالجنيبة، واختار الشيخ دخول ما فيها؛ لأنه إنما حملها على فرسه لتوقعه الاحتياج إليها.

وهى بفتح الحاء المهملة وكسر القاف: وعاء يجمع فيه المتاع يجعل على حقو البعير، وجمعها: حقائب.

قال نصيب يمدح (سليمان بن) عبد الملك (من الطويل):

أقولُ لركبٍ صادرينَ لقيتُهم .... قِفا ذاتَ أوشال ومولاك قاربُ

قفوا أخبرونى عن سليمانَ إِنني .... لمعروفهِ مِن أهل ودان طالبُ

فعاجوا فأثنوا بالذي أنتَ أهلهُ .... ولو سكتوا أثنتْ عليكَ الحقائبُ

ومعناه: إذا لم يذكروا إحسانك .. فما زودتهم به من الأمتعة التي وضعوها في الحقائب تثني عليك.

ولو أعرض مستحق السلب عنه .. فسيأتي في (كتاب السير): أن الأصح: أنه لا يسقط حقه.

قال: (وإنما يستحق بركوب غرر يكفي به شر كافر في حال الحرب)؛ لأن ذلك هو الباعث على الهجوم على قتل الكافر.

ولأن عبد الله بن مسعود قتل أبا جهل وكان قد أثخنه شابان من الأنصار يوم بدر،

ص: 409

فَلَوْ رَمَى إِلَى حِصْنِ أَوْ مِنَ اَلْصًفً أَوْ قَتَلَ نَائِمًا أَوْ أَسِيرًا أَوْ قَتَلَهُ وَقَدِ انْهَزَمَ الْكُفَّارُ .. فَلَا سَلَبَ

ــ

وهما معاذ ومعوِّذ ابنا عفراء، فدفع صلى الله عليه وسلم سلبه إليهما، وقيل: إلى أحدهما كما سيأتي، ولم يدفعه لابن مسعود.

وقوله: (به) يعود على (ركوب) أو (على غرر) وهما سواء، ثم شرع المصنف في بيان ذلك، فقال:

(فلو رمى إلى حصن أو من الصف أو قتل نائمًا أو أسيرًا أو قتله وقد انهزم الكفار .. فلا سلب)؛ لأنه في مقابلة التغرير بالنفس في القتل، ولم يوجد هاهنا من ذلك شيء، وهذا تفسير للقيد الأول من الضابط المتقدم.

وقال أبو ثور: لا يشترط أن تكون الحرب قائمة، واختاره ابن المنذر؛ لحديث سلمة بن الأكوع في اتباعه بعض الكفار في غزوة حنين، وأخذه بخطام ناقته، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم سلبه، قال ابن المنذر: وهذا الحديث لم يبلغ الشافعي رضي الله عنه؛ إذ لو بلغه .. لقال به؛ لما ظهر لنا من مذهبه.

وفي (تعليق القاضي حسين): أن من أغرى كلبًا على مشرك فقتله .. استحق السلب؛ لأنه خاطر بروحه بصبره في مقاتلته حتى عقره الكلب.

قال في (المطلب): وما قاله قد يخالف فيه.

والمراد بـ (الأسير): من أسره غيره، أما من أسره هو .. فسيأتي.

ص: 410

وَكِفَايَةُ شَرِّهِ: أَنْ يُزِيلَ امْتِنَاعَهُ بِأَنْ يَفْقَأَ عَيْنَيْهِ

ــ

وعبارة (المحرر): أو رمى من حصن أو من وراء الصف، وكذا كتبها المصنف، ثم ضرب على (وراء) ، وفي (الروضة) و (الشرحين) الصورتان، فأتى بما ليس في أصله؛ ليفهم منه ما أصله من باب أولى.

وفي معنى (النائم): المشتغل بالأكل، ونحوه.

والمراد بـ (المنهزم): أن يكون غير متحرف لقتال أو متحيز إلى فئة، فلو قتله وهو مول ليكر أو ليتحيز إلى فئة .. استحق سلبه؛ لأن الحرب كر وفر.

وفي (التهذيب): إذا قاتله فهرب منه فقتله مدبرًا .. استحق، وصححه الإمام، ونقله الرافعي عن الأصحاب واقتصر عليه.

أما لو قتل هذا المنهزم غير قرنه؛ فإنه لا يستحق سلبه واحد منهما، بخلاف ما لو كان الكافر يقاتل مسلمًا فجاء آخر من ورائه وقتله؛ فإن سلبه له، لأن أبا قتادة هكذا فعل، وقضى له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسلب.

قال: (وكفاية شره: أن يزيل امتناعه)؛ لما روى الشيخان عن عبد الرحمن بن عوف في الغلامين اللذين قتلا أبا جهل، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم:(أيكما قتله؟) فقال كل منهما: أنا قتلته، فقال:(هل مسحتما سيفيكما؟) قالا: لا، فنظر في السيفين وقال:(كلاكما قتله) فأعطى صلى الله عليه وسلم السلب للمثخن مع القاتل، فدل على: أن المناط كفاية الشر، وسيأتى في (كتاب الجنايات) - عند قوله:(وإن أنهاه رجل إلى حركة مذبوح) - وجهُ هذا الحديث والجواب عنه.

والذي قاله المصنف أراد به تفسير القيد الثاني، وعبارة (المحرر): أن يقتله أو يزيل امتناعه، وكذا كتبه المصنف بخطه ثم ضرب عليها، فالذي في الكتاب أخصر، وعبارة (المحرر) أحسن؛ فإنه ذكر محل النص وألحق به ما في معناه.

قال: (بأن يفقأ عينيه) قال الشيخ: كذا ذكره الأصحاب ويحتاج إلى دليل، فكم

ص: 411

أَوْ يَقْطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ أَسَرَهُ أَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ في الأَظْهَرِ

ــ

من أعمى شرٌّ من بصير، وعبارة (الروضة): بأن يعميه، وهي أحسن؛ لشمولها من بعين واحدة، ومن ضرب رأسه فأذهب ضوء عينيه.

قال: (أويقطع يديه ورجليه) كذا نص عليه في (الأم).

فإن قيل: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من قتل قتيلاً .. فله سلبه)، وما ذكرتموه ليس بقتيل .. قيل: الحديث خرج على الغالب؛ فإن الجارح غالبًا هو المذفف، وتؤيده قصة أبي جهل، أما إذا قطع اليد والرجل .. فلا؛ لأنه بعد القطع يمكنه المشي والركوب والقتال.

قال: (وكذا لو أسره أو قطع يديه أو رجليه في الأظهر) ، أما الأسر .. فلأنه أبلغ من القتل، والمراد: أنه أسره فقتله الإمام أو غيره؛ فإن سلبه للذي أسره، وأما القطع .. فكما لو فقأ عينيه.

والثاني: لا، أما في الأسير .. فلأن شره كله لا يندفع به، وأما في الباقي .. فلأنه قد يقاتل راكبًا بعد قطع الرجلين بيديه، وبعد قطع اليدين بأن يهرب ويجمع القوم، والخلاف جار أيضًا: فيما لو قطع يدًا ورجلاً، وإذا قتله بعد أسره .. قال الرافعي لا يستحق سلبه، وقال الماوردي: إن كانت الحرب قائمة .. فله سلبه، وإلا .. فوجهان.

فروع:

اشترك اثنان فأكثر في قتله أو إثخانه .. فالسلب مشترك، وقيل: إن وقع بين جمع لا ترجى نجاته منهم .. لم يستحق قاتله سلبه؛ لأنه صار مكفي الشر، ولو أمسكه واحد وقتله آخر .. فالسلب بينهما؛ لأن كفاية شره حصلت بهما، ويخالف القصاص كما سيأتي.

قال الرافعي: وكأن هذا التصوير فيما إذا منعه من أن يذهب لوجهه ولم يضبطه، فأما الإمساك الضابط .. فإنه أسر، وقتل الأسير لا يستحق به السلب. اهـ

وقد تقدم: أن قتل الأسير على قسمين: أسير أسره غيره وأسير أسره هو،

ص: 412

وَلَا يُخَمَّسُ السَّلَبُ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَبَعْدَ الْسَّلَبِ تُخْرَجُ مِنْهُ مُؤْنَةُ الْنَّقْلِ وَالْحِفْظِ وَغَيْرِهِمَا، ثُمَّ يُخَمَّسُ الْبَاقِي:

ــ

فالأول: لا خلاف أنه لا يستحق القاتل سلبه، والثاني الأظهر: أنه يملك سلبه بنفس الأسر.

وقيل: لا يملك ففي كلام الرافعي إطلاق.

ثم إن القاتل يستحق مع السلب سهمه من الغنيمة في الأصح.

والثاني: إن كان السلب قدر السهم أو أكثر .. فلا شيء له غيره، وإن كان أقل منه .. تمم له قدر السهم.

ولو ادعى رجل أنه قتل هذا القتيل وطلب سلبه .. لم يقبل إلا ببينة.

قال: (ولا يخمس السلب على المشهور)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى به للقائل ولم يخمسه، رواه أبو داوود، وصححه ابن حبان، وفي (صحيح مسلم) معناه.

والثاني: يخمس كسائر أموال الغنيمة، فيدفع خمسه إلى أهل الخمس والباقي للقاتل؛ لأن عمر رضي الله عنه فعل ذلك في سلب البراء بن مالك، وهو أول سلب خمس في الإسلام وقد تقدم جوابه.

قال: (وبعد السلب تخرج منه مؤنة النقل والحفظ وغيرهما)؛ لأنها أمور لازمة محتاج إليها، هذا إذا لم يوجد متطوع بذلك، فإن وجد .. لم يجز صرفها، قال الماوردى: ولا يزيد على أجرة المثل.

قال: (ثم يخمس الباقي) هذا لا خلاف فيه، وهذه القسمة حق واجب على الإمام والمسلمين؛ لقوله تعالى:{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} الآية.

فإذا أخرج من ماله خمسه .. كان مقسومًا على خمسة، فيقسم المنقول بعد السلب والمؤن خمسة أقسام متساوية، وتؤخذ خمس رقاع يكتب على واحدة لله أو للمصالح وعلى الأربعة للغانمين وتدرج في بنادق من طين أو شمع متساوية ويخفيها ويخرج لكل

ص: 413

فَخُمُسُهُ لِأَهْلِ خُمُسِ الْفَيْءِ يُقَسَّمُ كَمَا سَبَقَ

ــ

سهم رقعة، فما خرج عليه سهم الله .. جعله بين أهل الخمس على خمسة، ويقسم الباقي بين الغانمين كما سيأتي.

ويقدم القسمة بين الغانمين على قسمة الخمس؛ لأنهم حاضرون محصورون.

وعبارة المصنف تفهم أنه ليس للإمام صرف بعضه في الكراع والسلاح، والأظهر في (الشرح) و (الروضة) خلافه.

ولا تكره قسمة الغنائم في دار الحرب، بل يستحب ذلك، بل قال صاحب (المهذب) وغيره: يكره تأخيرها إلى دار الإسلام من غير عذر.

والصواب: استحباب التعجيل بقدر الإمكان لا خصوص القسمة في دار الحرب.

قال: (فخمسه) أي: خمس المال الباقي (لأهل خمس الفيء يقسم كما سبق) أي: في الفيء، فيجعل خمسة أقسام متساوية، واحد منها للمصالح، والثاني لذوي القربى، والثالث لليتامى، والرابع للمساكين، والخامس لابن السبيل كما تقدم.

فإن قيل: المذكور في الآية ستة، فهلا قسم الخمس عليها كما صار إليه بعض العلماء وجعل ما لله مصروفًا إلى رتاج الكعبة؟! قيل: السنة بينت أن المصارف خمسة.

قال ابن عباس وابن عمر: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم الخمس على خمسة)، وعلى هذا: اسم الله ذكر للتبرك.

وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما لي مما أفاء الله إلا الخمس، والخمس مردود فيكم) فلو كان مقسومًا على ستة .. قال: إلا السدس.

ص: 414

وَالأَصَحُّ: أَنَّ النَّفَلَ يَكُونُ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ الْمُرْصَدِ لِلْمَصَالِح إِنْ نَفَلَ مِمَّا سَيُغْنَمُ فِي هَذَا الْقِتَالِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُنَفِّلَ مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ الْحَاصِلِ عِنْدَهُ،.

ــ

فرع:

لو شرط الإمام للجيش ألا يخمس عليهم .. بطل شرطه ووجب تخميس ما غنموه، سواء شرط ذلك لضرورة أم لا، وقيل: إن شرطه لضرورة .. لم يخمس.

قال: (والأصح: أن النفل يكون من خمس الخمس المرصد للمصالح)؛ لما روى الشافعي رضي الله عنه عن ابن المسيب أنه قال: كان الناس يعطون النفل من الخمس، أي: خمس الخمس، وعن مالك بن أوس بن الحدثان: ما أدركت الناس ينفلون إلا من الخمس.

والثاني: أنه من أصل الغنيمة، ويجعل ذلك كأجرة الكيال ونحوها، ثم يقسم الباقي.

الثالث: من الأخماس الأربعة، ثم إذا نفل من خمس الخمس .. فلا كلام، وإن نفل من غيره .. فقد حصل النقص على الباقيين.

و (النفل) بفتح النون والفاء مخففة وتسكن أيضًا.

قال: (إن نفل ما سيغنم من هذا القتال)؛ وفاء بالشرط أو الوعد، ويغتفر الجهل به للحاجة، فيشترط الثلث أو الربع أو غيرهما.

قال: (ويجوز أن ينفل من مال المصالح الحاصل عنده) بلا خلاف، وفي هذا لا تغتفر الجهالة، بل لا بد أن يكون معلومًا، وهذا لا يختص بالحاصل عنده، بل يجوز أن يعطي مما يتجدد منه.

وضبط المصنف بخطه (نفل) بتخفيف الفاء؛ لأن معناه جعل النفل، وهو كذلك إذا عديته لواحد، ويجوز فيه التشديد إذا عديته إلى اثنين.

ص: 415

وَ (النَّفَلُ): زِيَادَةٌ يَشْرِطُهَا الإِمَامُ أَوِ الأَمِيرُ لِمَنْ يَفْعَلُ مَا فِيهِ نِكَايَةٌ فِي الْكُفَّارِ، وَيَجْتَهِدُ فِي قَدْرِهِ

ــ

قال: (و (النفل): زيادة يشرطها الإمام أو الأمير لمن يفعل ما فيه نكاية في الكفار) كالتقدم طليعة، أو الهجوم على قلعة، أو الدلالة عليها، سواء كان ذلك واحدًا أو جماعة، معينًا أو غيره، كمن فعل كذا فله كذا، والمراد: نكاية زائدة على ما يفعله بقية الجيش، وهذا أحد قسمي النفل.

والثاني: ينفل من صدر منه أثر محمود كمبارزة وحسن إقدام، ولكن هنا يتعين من سهم المصالح مما عنده، أو من هذه الغنيمة.

و (النفل) في اللغة: الزيادة، وبذلك سميت النافلة؛ لأنها زيادة على الفريضة.

قال: (ويجتهد في قدره) وذلك بحسب كثرة العمل وقلته وخطره وضده؛ لأنه ليس له حد مضبوط، لكن يجتهد فيه ويجعله على قدر العمل.

روى الترمذي وابن ماجه عن عباده بن الصامت: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفل في البداءة الربع، وفي الرجعة الثلث).

والمراد بـ (البداءة): السرية التي يبعثها الإمام قبل دخول دار الحرب، و (الرجعة): السرية التي يأمرها بالرجوع بعد توجه الجيش إلى دار الإسلام.

وفي (الصحيحين): (أن النبي صلى الله عليه وسلم نفلهم بعيرًا بعيرًا) ، والبعير غير مقدر، وكانت سهمانهم اثني عشر بعيرًا، وهذا معنى قول ابن عمر: نفلنا نصف السدس أي: نصف سدس السهم، ولذلك قال الرافعي: تجوز الزيادة على الثلث والنقص عن الربع بحسب الإجتهاد.

فلو قال الإمام أو الأمير: من أخذ من الغانمين شيئًا فهو له .. فعن الأئمة الثلاثة: أن ذلك يصح، وللشافعي رضي الله عنه قول بذلك، وصححه ابن الفركاح، والمعروف عندنا: أنه لا يصح.

احتج من أجازه بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال مثل ذلك يوم بدر،

ص: 416

وَالأَخْمَاسُ الأَرْبَعَةُ عَقَارُهَا وَمَنْقُولُهَا لِلْغَانِمِينَ، وَهُمْ: مَنْ حَضَرَ الْوَقْعَةَ بِنِيَّةِ الْقِتَالِ وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْ

ــ

والجواب: أن غنائم بدر كانت ملكًا له صلى الله عليه وسلم.

قال: (والأخماس الأربعة عقارها ومنقولها للغانمين)؛ للآية، وعملاً بفعله صلى الله عليه وسلم في أرض خيبر.

وروى البيهقي بسند صحيح: أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الغنيمة فقال: (لله خمسها، وأربعة أخماسها للجيش؛ فما أحد أولى به من أحد).

وخالف مالك فقال بوقفها.

وقال أبو حنيفة وسفيان وأبو عبيد وغيرهم: يتخير الإمام بين قسمتها على الغانمين ووقفها.

قال: (وهم: من حضر الوقعة بنية القتال وإن لم يقاتل)؛ لما روى الشافعي رضي الله عنه عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أنهما قالا: الغنيمة لمن شهد الوقعة، قال الماوردي ولا مخالف لهما من الصحابة.

والمراد ممن يسهم له، وإلا .. فالعبد والمرأة والصبي والكافر ليسوا منهم وإن شملهم هذا الضابط، ولعل إهماله له؛ لكونه معلومًا.

قال الشيخ: ويحتمل إبقاء كلام المصنف على عمومه، ومن يرضخ لهم هم من جملة الغانمين فلا حاجة إلى إخراجهم؛ لأن الأصح: أن الرضخ من الأخماس الأربعة.

واحترز بقوله: (بنية القتال) عما إذا هرب أسير من أيدي الكفار وحضر الصف لخلاص نفسه لا بنية القتال؛ فإنه لا يستحق إلا إذا قاتل، وكذا الغلمان ونحوهم ممن ينوي القتال وما قاتل، ولكن يرد على المصنف المخذل والمرجف إذا فرضت النية مع ذلك مع أنهما لا يستحقان سهمًا ولا رضخًا كما تقدم، فإن لم تكن نية .. فلا إيراد حينئذ.

ص: 417

وَلَا شَيْءَ لِمَنْ حَضَرَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْقِتَالِ، وَفِيمَا قَبْلَ حِيَازَةِ الْمَالِ وَجْهٌ. وَلَوْ مَاتَ بَعْضُهُمْ بَعْدَ انْقِضَائِهِ وَالْحِيَازَةِ .. فَحَقُّهُ لِوَارِثِهِ،

ــ

قال: (ولا شيء لمن حضر بعد انقضاء القتال)؛ لأن الله تعالى جعل الغنيمة لمن غنم وهذا لم يغنم، ولأن أبان بن سعيد بن العاصي كان النبي صلى الله عليه وسلم بعثه على سرية من المدينة قبل نجد، فقدم هو وأصحابه على النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر بعدما افتتحها فلم يقسم لهم بعد ما سأله أبان القسم.

أما أبو هريرة فقسم له النبي صلى الله عليه وسلم منها؛ لأنه حضرها على الأصح كما رواه البخاري وغيره، لكن البخاري رواه بنزول؛ لأنه لم يجد الزيادة التي تدل على ذلك إلا كذلك كما نبه عليه الخطيب والشيخ وغيرهما.

قال: (وفيما قبل حيازة المال وجه)؛ لأنه لحق قبل تمام الاستيلاء فيستحق، كذا في (المحرر): أنه وجه، وفي (الروضة): أنه قول، ولم يرجح في (الشرح) واحدًا منهما.

وفي وجه ثالث: أنه إن خيف رجعة الكفار .. استحق، وإلا .. فلا.

والخلاف الأول راجع إلى أن الغنيمة تملك بانقضاء الحرب أو به وبالحيازة، فعلى الوجه الأول: لا يستحق، وعلى الثاني: يستحق، قاله ابن الرفعة.

و (الحيازة) و (الحوز): الجمع والضم، حازه يحوزه واحتازه.

قال: (ولو مات بعضهم بعد انقضائه والحيازة .. فحقه لوارثه) كسائر الحقوق، وهذا على قولنا: إنه ملك بالانقضاء أو بالحيازة واضح، وأما على قولنا: لا يملك إلا بالقسمة أو باختيار الملك على ما هو الصحيح في (السير) .. فجوابه: تأكد حقه بهما، فانتقل لوارثه ذلك الحق، فقول المصنف والرافعي في كتبهما:(فحقه لوارثه) عبارة مخلصة؛ لشمولها المال وغيره.

ص: 418

وَكَذَا بَعْدَ الِانْقضَاءِ وَقَبْلَ الْحِيَازَةِ فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ مَاتَ فِي الْقِتَالِ .. فَالْمَذْهَبُ: أَنَهُ لَا شَيْءَ لَهُ. وَالأَظْهَرُ: أَنَّ الأَجِيرَ لِسِياسَةِ الْدَّوَابِّ وَحِفْظِ الأَمْتِعَةِ، وَالْتَاجِرَ وَالْمُحْتَرِفَ يُسْهَمُ لَهُمْ إِذَا قَاتَلُوا

ــ

قال: (وكذا بعد الانقضاء وقبل الحيازة في الأصح) هما مبنيان على القولين السابقين، فإن قلنا: إنها تملك بانقضاء الحرب .. فنعم، أو به وبالحيازة .. فلا.

قال: (ولو مات في القتال) أو في أثنائه (.. فالمذهب: أنه لا شيء له) هذا هو المنصوص، ونص في موت الفرس على أنه يستحق سهمها، والأصح: تقريرهما؛ لأن الفارس متبوع والفرس تابع، فإذا مات التابع .. أخد المتبوع سهمه، وإذا مات المتبوع .. فلا شيء له.

وقبل: قولان، وجه الاستحقاق شهود بعض الوقعة، ووجه المنع اعتبار آخر القتال؛ فإنه وقت الخطر أو الظفر.

والطريق الثالث: إن حصلت الحيازة بذلك القتال .. ثبت الاستحقاق، أو بقتال جديد .. فلا.

ولو حضر الوقعة صحيحًا فمرض .. استحق، سواء كان مرضًا يرجى زواله أو لا على الأصح.

وأطلق في (التنبيه) عدم الاستحقاق بطروء المرض، وأقره المصنف عليه.

وطرآن الجنون كالموت في إسقاط السهم، وفي طروء الإغماء وجهان بناء على أنه هل يقضي الصوم أو لا إذا أغمي عليه، فإن قلنا يقضي .. أسهم له، وإلا .. فلا.

ولو بعث الإمام جاسوسًا فغنم الجيش قبل رجوعه .. شاركهم على الأصح، لأنه فارقهم لمصلحتهم، وخاطر بأعظم مما هو من شهود الوقعة.

قال: (والأظهر: أن الأجير لسياسة الدواب وحفظ الأمتعة، والتاجر والمحترف يسهم لهم إذا قاتلوا)؛ لأنهم شهدوا الوقعة وكثروا سواد المسلمين، فلم يكن لحرمانهم معنى.

والثاني: لا يسهم لهم؛ لأنهم لم يحضروا بقصد الجهاد ولم يقاتلوا، هذه طريقة الغزالي وبعض الأصحاب.

ص: 419

وَللرَّاجِلِ سَهْمٌ، وَلِلْفَارِسِ ثَلَاثَةٌ

ــ

والطريقة الثانية - وهي طريقة القاضي أبي حامد -: أن القولين في التجار والمحترفين إذا لم يقاتلوا، فإن قاتلوا .. استحقوا قولاً واحدًا.

وفي الأجير قول ثالث: إنه يخير بين الأجرة وسهم الغنيمة، إن إختار الأجرة .. فلا سهم له، وإن اختار السهم .. سقطت الأجرة.

والأظهر في الجميع: الاستحقاق كما قاله المصنف، وأضعفها القول الثالث في الأجير؛ فإن الإجارة عقد لازم فكيف يخير فيها؟ ومتى يخير فبل شهود الوقعة أو بعده؟

فإذا قيل بسقوط الأجرة .. فهل هي أجرة جميع المدة أم كيف الحال؟

ومحل الخلاف حيث قاتلوا، فإن لم يقاتلوا .. لم يسهم لهم قطعًا.

وأشار بـ (سياسة الدواب) إلى الإجارة المتعلقة بمدة كشهر مثلاً وحضر في تلك المدة؛ ليخرج العمل في الذمة بغير مدة كخياطة .. فله السهم قطعًا.

واحترز به عن الأجير للجهاد حيث تصح الإجارة له فلا سهم له .. ولا رضخ، وإلا .. ففي السهم وجهان: قطع البغوي بالمنع وإن قاتل، ورجحه في (الشرح الصغير)، وإذا قلنا: لا يسهم للتاجر .. فالأصح: أنه يرضخ له.

فرع:

أسلم كافر والتحق بجند الإسلام .. استحق السهم قاتل أو لم يقاتل؛ لأنه قصد إعلاء كلمة الله وشهد الوقعة فيقبح حرمانه.

وعن (الرقم) للعبادي: أنه إن قاتل .. استحق، وإلا .. فلا.

قال الرافعي: وأصل هذه المسألة: أن القصد إلى الجهاد هل هو شرط في الابتداء؟ واختلاف جواب الأئمة يوجب الخلاف في ذلك، قال الرافعي: وينبغي طرد الأقوال فيه.

والذي بحثه الرافعي حكاه القاضي والإمام طريقة.

قال: (وللرجل سهم، وللفارس ثلاثة) وإلى هذا ذهب جمهور الصحابة

ص: 420

وَلَا يُعْطَى إِلَاّ لِفَرَسٍ وَاحِدٍ

ــ

والتابعين، وبه قال مالك وأهل المدينة والأوزاعي وأهل الشام والليث وأهل مصر وأحمد وأهل الحديث.

وقال أبو حنيفة: للفارس سهمان: سهم له وسهم للفرس، وسبقه إلى ذلك أبو موسى الأشعري.

لنا: ما رواه البخاري عن عبيد الله بن عمر بن حفص بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (أسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم للفرس سهمين ولصاحبه سهمًا هكذا رواه عبيد الله المصغر وهو المكبر ضبطًا وحفظًا.

وفي رواية لأبي داوود: (أنه صلى الله عليه وسلم أسهم لرجل ولفرسه ثلاثة أسهم: سهمًا له وسهمين لفرسه).

وروى عبد الله المكبر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين جعل للفارس سهمين وللراجل سهمًا).

والمعنى في إعطاء سهمين للفرس: ما يتكلفه الفارس من فضل النفقة على فرسه.

والمراد بـ (الفارس): من حضر الوقعة وهو من أهل فرض القتال بفرس يقاتل عليه مهيأ للقتال، سواء قاتل أم لا، وكذلك لو قاتل في البحر يسهم لفرسه؛ لأنه ربما احتاج إليه، وحمله ابن كج على من بقرب الساحل واحتمل أن يخرج ويركب، وإلا .. فلا.

ولا يجوز عندنا أن يفضل بعض الفرسان على بعض، ولا بعض الرجالة على بعض، وعند أبي حنيفة ومالك: يجوز للإمام أن يفعل ذلك.

قال: (ولا يعطى إلا لفرس واحد)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعط الزبير إلا لفرس واحد وكان معه يوم حنين أفراس ، رواه الشافعي رضي الله عنه وغيره.

ص: 421

عَرَبِيّاً كَانَ أَوْ غَيْرَهُ،

ــ

ووقع في (الرافعي): (يوم خيبر) بالراء، والصواب:(حنين) بالنون، فأعطاه أربعة أسهم سهمين لفرسه، وسهمًا لنفسه، وسهمًا لذوي القربى؛ أي: لأمه صفية عمة الرسول صلى الله عليه وسلم.

وفي قول غريب: إنه يعطى لفرسين بلا زيادة؛ لما روى سعيد بن منصور، عن الأوزاعي مرسلاً:(أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يسهم للرجل فوق فرسين).

قال: (عربيًا كان أو غيره)؛ لأنه تعالى قال: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} فلم يفرق بين العربي وغيره، ولم يرد في شيء من الأحاديث تفرقة مثل قوله صلى الله عليه وسلم:(الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة: الأجر والمغنم)، و:(أذن في لحوم الخيل) متفق عليهما.

ولأنا سوينا بين الناس وهم مختلفون اختلافًا كثيرًا، ولأن الكر والفر صالح بكلها، ولا يضر تفاوتها كتفاوت الفرسان في الشجاعة والرأي، ولعموم قوله عليه السلام:(للفرس سهمان).

وفي قول شاذ: أنه لا يسهم للبرذون؛ لأنه لا يعمل عمل العربي.

وروى مكحول: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: (عربوا العربي وهجنوا الهجين) وهو مرسل لا تقوم به الحجة.

وعن عمر رضي الله عنه: أنه فضل العربي على الهجين، ولا يصح، قال الشافعي رضي الله عنه: لو كنا نثبت مثل هذا .. ما خالفناه.

أصح الروايتين عن أحمد: أنه لما سوى العربي سهم لا سهمان، وهذا لا دليل

ص: 422

لَا لِبَعيرٍ وَغَيْرِهِ. وَلَا يُعْطَى لِفَرَسٍ أَعْجَفَ وَمَا لَا غِنَاءَ فِيهِ،

ــ

له، وإطلاق حديث ابن عمر يرده ويرد القول قبله.

وغير العربي (برذون) وهو: من أبواه أعجميان، و (هجين) وهو: من أبوه عربي، و (مقرف) وهو: من أبوه عجمي وأمه عربية، وبنو آدم كذلك.

وقل من تعرض لسن الفرس الذي يسهم له، لكن في كلام الرافعي في (المسابقة): أنه الجذع أو الثني على الأصح.

قال: (لا لبعير وغيره) كالبغل والفيل والحمار؛ لأن هذه الدواب لا تصلح لما تصلح له الخيل من الحرب، ولأن الإرهاب إنما يكون بالخيل، وحكى الإمام وصاحب (الشامل) فيه الإجماع.

لكن في (الشامل) عن الحسن البصري: أنه يسهم للإبل؛ لقوله تعالى: {فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} إلا أن راكب هذ الدواب يعطى سهمه ويرضخ لها، ويكون رضخ الفيل أكثر من رضخ البغل، ورضخ البغل أكثر من رضخ الحمار، ويرضخ للصبي والذمي أكثر ما يرضخ لو كانا راجلين.

وقال أحمد: لراكب الفرس ثلاثة أسهم، ولراكب البعير سهمان، ولغيرهما سهم.

قال: (ولا يعطى لفرس أعجف وما لا غناء فيه)؛ لعدم الفائده في إحضاره، بل هو كَلٌّ على مولاه، بخلاف الشيخ من الناس؛ فإنه ينتفع برأيه ودعائه.

و (الأعجف): المهزول، وليس المراد كل أعجف، إنما المراد: الأعجف البين.

و (الغناء) بفتح الغين وبالمد: النفع، ولو اقتصر المصنف عليه .. كفى؛ لأن الأعجف لا غناء فيه.

ص: 423

وَفِي قَوْلِ: يُعْطَى مَا لَمْ يُعْلَمْ نَهْيُ الأَميِرِ عَنْ إِحْضَارِهِ

ــ

قال: (وفي قول: يعطى ما لم يعلم نهي الأمير عن إحضاره) كالشيخ الهم الضعيف إذا حضر، وقد تقدم الفرق، والمراد بعدم إعطائه: السهم، وإلا .. فيرضخ له.

هذا إذا حضر بالصفة المذكورة، فإن أحضره صحيحًا ثم طرأ له العجف .. فكطروء موته، بل أولى بالاستحقاق، وإن أحضره أعجف فصح .. فينبغى أن يقال: إن كان حال حضور الوقعة صحيحًا .. أسهم له، وإلا .. فلا.

فروع:

يسهم للمستعار والمستأجَر، ويكون للمستعير والمستأجر، وقيل: سهم المستعار للمعير.

والأصح: أنه يسهم للفرس المغصوب؛ لحصول النفع به.

وقيل: لا؛ لأن إحضاره حرام.

وعلى الأصح: هل هو للمالك أو الراكب؟ قولان: أصحهما عند الرافعي: الثاني؛ لأن الراكب هو الذي أحضره وشهد به الوقعة، وصحح الشيخ الأول؛ لأن منافع الفرس وفوائده للمالك، وقول الصحابة:(أسهم النبي صلى الله عليه سلم للفرس سهمين) جعلوا السهمين للفرس.

ونظير المسألة ما لو غصب كلبًا أو شبكة أو قوسًا واصطاد بها .. فالأصح: أن الصيد للغاصب، وعليه أجرة المثل للمالك.

ولو حضرا بفرس مشترك فهل يعطى كل منهما سهم فرس أو لا يعطيان؟ أو يعطيان سهم فرس مناصفة؟ أوجه: صحح المصنف والشيخ الثالث، فلو ركبا .. فقيل: كفارس، وقيل: كراجلين.

وقيل: لهما أربعة أسهم: سهمان لهما وسهمان للفرس، وصححه الشيخ.

وقيل: إن قوي بهما على الكر والفر .. فأربعة، وإلا .. فسهمان، واستحسنه المصنف.

ص: 424

وَالْعَبْدُ وَالْصَّبِىُّ وَالْمَرْأَةُ وَالْذِّمِّيُّ إِذَا حَضَرُوا .. فَلَهُمُ الْرَّضْخُ،

ــ

وإن دخل دار الحرب راجلاً فحصل فيها فرسًا بشراء أو غيره .. أسهم له ولفرسه.

ولو كان له فرس ولم يعلم به .. أسهم له، وقال ابن كج: عندي يسهم له إن كان يمكنه ركوبه.

ولو عار فرسه فلم يجده إلا بعد الحرب .. لم يسهم له على الصحيح.

قال: (والعبد والصبي والمرأة والذمي إذا حضروا .. فلهم الرضخ) سواء أذن أولياؤهم والزوج أم لا؛ لما روى أبو داوود وغيره عن عمير مولى آبي اللحم قال: شهدت خيبر مع سادتي، فكلموا فيَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر بي فقلدت سيفًا فإذا أنا أجره، فأخبر أني مملوك، فأمر لي من خُرثي المتاع، قال الترمذي: حسن صحيح.

و (الخرثي): متاع البيت وأثاثه وأسقاطه، والرضخ لسيد العبد وإن لم يأذن له.

وروى البيهقي مرسلاً: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى النساء والصبيان).

ولم يذكروا المبعض، ويحتمل أن يجعل كالعبد أو كالحر، والأقرب: أنه إن كان له مهايأة وحضر في نوبته .. استحق، وإلا .. فلا، كل هذا في صبيان المسلمين ونسائهم.

أما صبيان أهل الذمة .. ففيهم أوجه: يرضخ لهم، لا يرضخ لهم، يرضخ لهم إن نفعوا المسلمين، ثم محل الرضخ للمذكورين إذا كان فيهم نفع، فإن لم يكن .. ففيه تردد للأصحاب حكاه الإمام.

وشملت عبارة المصنف: ما لو إنفرد الصبيان والنساء والعبيد ودخلوا دار الحرب وغنموا مالاً، لكن الأصح: أنه يخمس ويقسم الباقي بينهم كالرضخ.

ص: 425

وَهُو: دُونَ سَهْمٍ يَجْتَهِدُ الإِمَامُ فِي قَدْرِهِ،

ــ

ولو كان معهم واحد من أهل الكمال .. أرضخ لهم والباقي لذلك الكامل.

وأما المرأة .. ففي (صحيح مسلم): (أن النبي صلى الله عليه وسلم أرضخ للنساء).

وفي (أبي داوود) عن يزيد بن هرمز قال: كتب نجدة الحروري إلى ابن عباس يسأله عن النساء، فكتب: أنه كان يرضخ لهن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والخنثى كالمرأة، فإذا بانت رجولته .. صرف له سهم الراجل.

قال الإمام: ولا يرضخ للمجنون اتفاقًا، وقال الماوردي: يرضخ له كالصبي.

وحكى الإمام في الرضخ للمرأة والصبي اللذين لا نفع فيهما ترددًا للأصحاب، قال: والقياس المنع.

ويرضخ للأعمى والزمن ومقطوع اليدين والرجلين، وقيل: يسهم لهم، وهذا الرضخ مستحق على المشهور، وقيل: مستحب.

قال: (وهو: دون سهم).

و (الرضخ) في اللغة: هو العطاء القليل، وفي الشرع: ما ذكره المصنف.

واتفقوا على أنه لا يصل إلى سهم راجل إن كان الذي يرضخ له راجلاً، فإن كان فارسًا فهل يبلغ به سهم الراجل؟ فيه وجهان يبنيان على الخلاف في جواز أن يبلغ بتعزير الحر حد العبيد ، والمنع أظهر عند الماوردي، وقطع به في (السير).

قال: (يجتهد الإمام في قدره) ، لأنه لم يرد فيه تحديد، فيرجع إلى رأي الإمام، ويفضل بعضهم على بعض على حسب ما يرى من نفعهم وقتالهم، فالمقاتل يزيده على غير المقاتل، والأكثر قتالاً على الأقل، والمرأة التي تداوي الجرحى

ص: 426

وَمَحَلَّهُ: الأَخْمَاسُ الأَرْبَعَةُ فِي الأَظْهَرِ. قُلْتُ: إِنَّمَا يُرْضَخُ لِذِمِّىِّ حَضَرَ بِلَا أُجْرَةٍ، وَبِإِذْنِ الإِمَامِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَاللهُ أَعْلَمُ ..

ــ

وتسقي العطشى يزيدها على التي تحفظ الأمتعة، بخلاف الغنيمة التي يسوى فيها بين المقاتل وغيره؛ لأن الغنيمة منصوص عليها والرضخ مجتهد فيه فجاز أن يختلف، كدية الحر لما كانت منصوصًا عليها .. لم تختلف، وقيمة العبد مجتهد فيها فاختلفت.

قال: (ومحله: الأخماس الأربعة في الأظهر)؛ لأنه سهم من الغنيمة مستحق بالحضور، إلا أنه ناقص فكان من الأخماس الأربعة المختصة بالغانمين الذين حضروا الوقعة.

والثاني: أنه من أصل الغنيمة كأجرة النقل والحفظ والحمل؛ لأن حضورهم لمصلحة الغنيمة والغانمين، لأنهم يسقون الماء ويحفظون الرحال ويكفون المؤن فيتفرغ الغازون لشأنهم.

والثالث: أنه من خمس الخمس سهم المصالح؛ لأنهم ليسوا من أهل أربعة أخماس الخمس ولا هم بصفات الغانمين، فكان الدفع إليهم من المصالح.

هذا في العبيد والصبيان والنساء، أما أهل الذمة .. ففيهم طريقان:

أصحهما: أنهم كذلك، وعلى هذا: يصح ذكر المصنف الذمي معهم.

والثانية: القطع بأنهم يعطون من خمس الخمس؛ لأنهم يعطون لمجرد المصلحة وغيرهم لحضور الوقعة، واختار الشيخ هذه الطريقة، قال: وكيف يقال بأن الذمي يستحق من الأخماس الأربعة المختصة بالغانمين وهم المسلمون؟

وحيث قلنا: الرضخ من أصل الغنيمة .. فنبدأ به كما نبدأ بالسلب.

قال: (قلت: إنما يرضخ لذمي حضر بلا أجرة، وبإذن الإمام علي الصحيح والله أعلم) فإن حضر بأجرة .. فله الأجرة فقط، ولا رضخ له بلا خلاف؛ لأنه أخذ عن حضوره بدلاً فلا يقابل ببدل آخر، وإذا حضر بغير إذن الإمام .. لم يرضخ له عند الجمهور.

وإطلاق المصنف الذمي يدخل فيه الرجل والمرأة والصبي وهو كذلك.

ص: 427

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والأصح: أن نساء أهل الذمة إذا حضرن بإذن الإمام .. كان لهن الرضخ.

تتمة:

لو زال نقصان أهل الرضخ قبل انقضاء الحرب بأن أسلم الكافر وبلغ الصبي وعتق العبد .. أسهم له، وإن كان بعده فقال الماوردي: ليس له إلا الرضخ، وقال الرافعي: ينبغي أن يأتي في الزوال بعد انقضاء الحرب وقبل حيازة المال الخلاف الآتي فيمن حضر من أهل الكمال بينهما.

ولو بانت رجولية الخنثى .. قال البندنيجي: يستحق السهم من حين البيان.

* * *

خاتمة

في (فتاوى المصنف): أن السلطان إذا أعطى رجلاً من الجند من المغنم شيئًا: فإن لم يكن السلطان خمسه ولم يقسم الباقي قسمة شرعية .. وجب الخمس في الذي صار إلى هذا، ولا يحل له الانتفاع بالباقي حتى يعلم أنه حصل لكل من الغانمين قدر حصته من هذا.

فإن تعذر عليه صرف ما صار إليه إلى مستحقه .. لزمه دفعة إلى القاضي كسائر الأموال الضائعة، هذا إذا لم يعطه ذلك على سبيل النفل بشرطه.

وعمت البلوى بالغنائم التي يغنمها السلاجقة من الأتراك والمسلمون من النصارى بثغور الشام، وسيأتى في آخر (باب الاستبراء) ما قاله الشيخ أبو محمد والقفال في ذلك، والله أعلم.

ص: 428