المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فَصُلٌ: إِذَا ظَنَنَّا الْمَرَضَ مَخُوفًا .. لَمْ يَنْفُذْ تَبَرُّعٌ زَادَ عَلَى - النجم الوهاج في شرح المنهاج - جـ ٦

[الدميري]

الفصل: ‌ ‌فَصُلٌ: إِذَا ظَنَنَّا الْمَرَضَ مَخُوفًا .. لَمْ يَنْفُذْ تَبَرُّعٌ زَادَ عَلَى

‌فَصُلٌ:

إِذَا ظَنَنَّا الْمَرَضَ مَخُوفًا .. لَمْ يَنْفُذْ تَبَرُّعٌ زَادَ عَلَى الثُّلُثِ،

ــ

وتوقف خمسة وعشرون، فإن حضر الغائب .. أعطى الموصى له الموقوف، وإن تلف الغائب .. قسمت الخمسة والعشرون أثلاثًا، فللموصى له ثلثها وهي ثمانية وثلث، والباقي للورثة.

تتمة:

أوصى لشخص بدينار كل سنة .. صحت الوصية في السنة الأولى، وفيما بعدها قولان: أظهرهما عند الرافعي والشيخ: الصحة، وعلى هذا للورثة التصرف في ثلثي التركة لا محال، وفي ثلثها وجهان:

أحدهما: لهم التصرف فيه بعد إخراج الدينار الواحد.

والثاني: أنه موقوف، فإذا قلنا بالوقف وبقى الموصى له حيًا حتى استوعب الثلث .. فذاك، وإن مات قبله .. سلم بقية الثلث إلى ورثة الموصي، وفيه بحث طويل للشيخ مذكور في (التوشيح) و (الفتاوى).

قال: (فصل): عقده لبيان الأمراض المخوفة وما يعتري البدن من الأعراض، والمرض الحاصل للإنسان إن انتهى إلى حالة يقطع فيها بموته في الحال، كما لو شخص بصره عند النزع، أو بلغت الروح الحنجرة، أو قطع حلقومه ومريه، أو قد نصفين، أو شق بطنه وخرجت حشوته، أو غرق ولا يحسن السباحة .. لم يعتبر كلامه في وصية ولا تصرف ولا إسلام ولا توبة، وحركته حركة المذبوح.

وإن لم ينته إليها، فإن لم يندر منه الهلاك .. فهو المخوف المقتضي للحجر في التبرعات، وإن ندر منه .. فليس بمخوف.

وأخذ المصنف في بيان ذلك فقال:

(إذا ظننا المرض مخوفًا .. لم ينفذ تبرع زاد على الثلث) بل يكون موقوفًا؛ لأنه

ص: 250

فَإِنْ بَرَأَ .. نَفَذَ

ــ

محجور عليه بمجرد المرض المخوف، كذا قاله الغزالي والرافعي.

قال الشيخ: فإن أراد في نفس الأمر .. فصحيح، لكن لا فرق بين أن نظنه أو لا إذا بان مخوفًا؛ إذ المناط نفس المرض المخوف لا ظننا، وإن أراد في الظاهر .. فهو مخالف للأكثرين حيث قالوا: إذا أعتق في مرضه أمة .. يجوز لوليها أن يزوجها؛ لأنها حرة في ظاهر الحال.

ولا اعتبار باحتمال ظهور دين، فإن تحققنا نفوذ العتق .. استمرت الصحة، وإلا، فإن رد الورثة أو أجازوا وقلنا: هي عطية مبتدأة .. بان الفساد، أو تنفيذ .. فكما لو خرجت من الثلث.

و (المخوف): كل ما يستعد به الإنسان لما بعد الموت بالإقبال على الأعمال الصالحة.

وضبطه الماوردي بما لا تتطاول بصاحبه مع الحياة.

والأحسن أن يقال: كل ما اتصل به الموت.

وقال الإمام: لا يشترط في كونه مخلوفًا غلبة حصول الموت به، بل يكفي أن لا يكون نادرًا بدليل البرسام.

قال ابن الرفعة: وهو خلاف ما عليه الجمهور.

وقوله: (لم ينفذ) يجوز أن يقرأ بفتح الياء وسكون النون وضم الفاء، وأن يقرأ بضم الياء وفتح النون وتشديد الفاء، وكلاهما صحيح.

وعلم من ذلك: أن المريض المتبرع ليس له أن يرجع في تبرعه اللازم كما في حال الصحة؛ لأنه قد يبرأ فيكون التبرع لازمًا.

ثم قوله: (الثلث) إن حمل على الثلث المعتبر عند الموت وهو مجهول الآن .. فلا خلاف فيه لكنه لا يشترك فيه الظن، وإن حمل على الثلث الحاصل على التبرع .. كان خلاف قول الأكثرين.

قال: (فإن برأ .. نفذ)؛ لأنه تبين حصة تبرعه، والمراد: استمر نفوذه، وقياس قول ابن الحداد: أنا نحكم الآن بنفوذه، أو نتبين أنه نفذ من ذلك الوقت فيما

ص: 251

وَإِنْ ظَنَنَّاهُ غَيْرَ مَخُوفٍ فَمَاتَ: فَإِنْ حُمِلَ عَلَى الْفَجْأَةِ .. نَفَذَ، وَإِلَّا .. فَمَخُوفٌ.

ــ

يقبل الوقف، وإلا .. فالنكاح لا يأتي فيه ذلك.

قال: (وإن ظنناه غير مخوف فمات: فإن حمل على الفجأة .. نفذ)، وكذا على سبب خفي، كما إذا مات من وجع الضرس أو العين.

وإدخال (الألف) و (اللام) على فجأة غير معروف في اللغة، بل المعروف تنكيرها مع المد والهمز، وقال في (المحكم): استعملها ثعلب بـ (الألف) و (اللام)، ولا أدري من كلام العرب أم من كلامه، لكن في الحديث:(موت الفجأة أخذة أسف).

فرع:

لو لم يبرأ المتبرع لكن مات بهدم أو غرق أو ترد أو قتل .. قال الماوردي: ينفذ، وقال القاضي حسين والبغوي: يحسب من الثلث، واختاره الشيخ، وذكر نصًا يعضده.

قلت: هذا الفرع ينبني على أصل بين الأشاعرة والمعتزلة، فعند المعتزلة: أن من مات بهذه الصفة لم يمت بأجله وإنما قطع عمره، وعند أهل السنة: انتهى أجله، ولما كان الماوردي له ميل إلى مذهب المعتزلة في بعض المسائل .. سرى إليه هذا التفريع، وهو يوافق مذهبهم، وما قاله القاضي يوافق مذهب أهل السنة.

قال: (وإلا .. فمخوف) أي: إن لم يحمل على فجاءة، ومثلوه بإسهال يوم أو يومين، فإنا كنا نظن أن القوة تحتمله فبان خلافه، ونازعه الشيخ في ذلك، وسيأتي: إن إسهال يوم أو يومين غير مخوف.

ص: 252

وَلَوْ شَكَكْنَا فِي كَوْنِهِ مَخُوفًا .. لَمْ يَثْبُتْ إِلَّا بِطَبِيبَيْنِ حُرَّيْنِ عَدْلَيْنِ

ــ

قال: (ولو شككنا في كونه مخوفًا .. لم يثبت إلا بطبيبين حرين عدلين)؛ مراعاة للعدد مع أهلية الشهادة؛ لأنه تعلق به حق آدمي، ويشترط علمهما بالطب؛ لأن قول الجاهلين غير مقبول.

قال الماوردي: وإذا اختلف في كونه مخوفًا .. رجع إلى قول الأعلم، فإن أشكل .. فالأكثر عددًا، فإن استووا .. رجع إلى قول من شهد بالخوف.

واكتفى المصنف بوصف العدالة عن ذكر الإسلام والتكليف؛ فإنهما من شروط العدالة.

وذكروا في جواز العدول عن الماء إلى التيمم بقول الصبي المراهق والفاسق وجهًا: أنه لا يشترط العدد، وصححوه هناك.

وعن الخطابي وجه: أن ينتقل إلى التيمم بقول الطبيب الكافر، كما يجوز شرب الدواء من يده.

قال الرافعي: ولا يبعد أن تطرد هذه الاختلافات هنا، والصحيح: أن الكافر غير مقبول؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا حدثكم أهل الكتاب بشيء .. فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم) رواه أبو داوود [3639] والطبراني [طب 22/ 350] من حديث أبي نملة الأنصاري.

وأما قول الرجل الواحد والنسوة .. فلا يثبت به ذلك إلا إذا كانت العلة باطنة بالمرأة لا يطلع عليها الرجال غالبًا؛ فإنه يثبت بقولهن.

وعبارته صريحة في قبول شهادتهما بكونه غير مخوف، وهي ظاهر كلام الأكثرين.

وقال المتولي: إنما تقبل شهادة الطبيب إذا قال: المرض مخوف، فإن قال: غير مخوف .. فإن شهادته على النفي، وكلام الرافعي مصرح بخلافه.

وإذا كان التبرع في مرض غير مخوف ثم طرأ عليه المخوف ومات منه .. قال الإمام: إن قال أهل الخبرة: إن ذلك المرض يفضي إلى المخوف .. فهو أيضًا مخوف، وإن قالوا: لا يفضي إليه غالبًا .. فتبرعه فيه كالتبرع في الصحة، وفي نص

ص: 253

وَمِنَ الْمَخُوفِ: قُولَنْجٌ، وَذَاتُ جَنْبٍ، وَرُعَافٌ دَائِمٌ،

ــ

الشافعي رضي الله عنه ما يؤيد ذلك.

وإذا اختلف الوارث والمتبرع عليه في كونه مخوفًا .. صدق المتبرع عليه؛ لأن الأصل السلامة، إلا أن يقيم الوارث شاهدين.

قال: (ومن المخوف: قولنج) نص عليه الشافعي رضي الله عنه والأصحاب، وهو: أن تنعقد أخلاط الطعام في بعض الأمعاء فلا تنزل، ويصعد بسببه البخار إلى الدماغ فيهلك، وقد ينشأ من القولنج الوسواس والمالنخوليا والصرع.

و (القولنج) بضم القاف وإسكان الواو وفتح اللام، ويقال فيه: قولولن، وليس بعربي، ووقع في (العباب): أنه بكسر اللام، والمعروف فتحها.

ويسمى القولنج الذي في الأمعاء الرقيقة: أبلاويس، ومعناه: رب ارحم، وهو مما يستعاذ منه، والسلامة منه نادرة.

وينفع القولنج: التين، والزبيب، والخبز الخشكار، وترك الغداء، والمبادرة إلى التنقية بالأسهال من فوق، ويضره: كل غليظ من اللحم، وحبس الريح، وشرب الماء البارد، والبقول إلا السذاب والسلق.

قال: (وذات جنب) وسماها الشافعي رضي الله عنه: ذات خاصرة، وهي من الأمراض الرديئة؛ لأنها قروح تحدث في داخل الجنب بوجع شديد، ثم تنفتح في الجنب ويسكن الوجع، ذلك وقت الهلاك.

ومن علامتها: الحمى اللازمة، والوجع الناخس تحت الأضلاع، وضيق النفس وتوتراه، والنبض المنشاري، والسعال، وإنما كان مخوفًا؛ لقربه من القلب والكبد، وهما رئيسان، ولما كانت من سيء الأسقام .. قال صلى الله عليه وسلم:(لم يكن الله ليسلطها علي). ومثلها القروح التي تحدث في الصدر والرئة.

قال: (ورعاف دائم)؛ لأنه يسقط القوى، وابتداؤه غير مخوف، بل هو من مصالح الدماغ؛ فإنه عضو رئيس ويصعد البخار إليه، والمواد يعرض لها غليان،

ص: 254

وَإِسْهَالٌ مُتَوَاتِرٌ، وَدِقٌ، وَابْتِدَاءُ فَالِجٍ،

ــ

فاحتاج أن يكون لها منافذ تدفع فضوله، وقد تقدم في صلاة المسافر: أن (رعف) مثلث العين.

قال: (وإسهال متواتر)؛ لأنه ينشف رطوبات البدن، فإن كان يومًا أو يومين ولم يدم .. فليس بمخوف إلا أن يكون معه دم، أو يضم إليه انخراق البطن فلا يمسك الطعام ويخرج غير مستحيل، أو ومعه دم كثير كما سيأتي.

قال: (ودق) وهو: داء يصيب القلب فلا تطول معه الحياة غالبًا، وهو بكسر الدال.

قال: (وابتداء فالج) وهو: استرخاء عام لأحد شقي البدن طولًا، وسببه: غلبة الرطوبة والبلغم، فإذا هاج .. ربما أطفأ الحرارة الغريزية وأهلك، فإذا استمر .. فليس بمخوف، سواء قارنه ارتعاش أم لا؛ لأنه حينئذ لا يخاف منه الموت عاجلًا، وفي الحديث:(الفالج داء الأنبياء).

ويطلق الفالج أيضًا على استرخاء أي عضو كان.

وألحق صاحب (التهذيب) بالفالج (السل)، ويقال له: الهلاس وهو: قرحة في الرئة يلزمها إفراط هزال البدن وإصفراره، ومجموع ما فيه ثلاثة أوجه:

أشبهها: أنه ليس بمخوف مطلقًا؛ لأنه لا يخاف منه الموت عاجلًا كالشيخوخة.

والثاني -وهو اختيار الغزالي وتبعه (الحاوي الصغير) -: أن انتهاءه مخوف وابتداءه غير مخوف، وهذا هو الظاهر من حيث التجربة.

والثالث: عكسه، وهو الذي مال إليه البغوي، وأول من مات مسلولًا إلياس بن مضر، ولما مات .. أسفت زوجته خندف أسفًا شديدًا، ونذرت أن لا تقيم ببلد مات فيه ولا تستظل، وأن تبكيه كل يوم خميس من طلوع شمسه إلى غروبها؛ لأنه مات فيه، فلم تزل كذلك حتى هلكت حزنًا.

ص: 255

وَخُرُوجُ الطَّعَامِ غَيْرَ مُسْتَحِيلٍ، أَوْ كَانَ يَخْرُجُ بِشِدَّةٍ وَوَجَعٍ، أوْ وَمَعَهُ دَمٌ، وَحُمَّى مُطْبَقَةٌ

ــ

قال السهيلي: يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تسبوا إلياس بن مضر؛ فإنه كان مؤمنًا).

قال: ويروى: أنه كان يُسمع من ظهره تلبية النبي صلى الله عليه وسلم بالحج.

قال: (وخروج الطعام غير مستحيل، أو كان يخرج بشدة ووجع) ويسمى: الزحير والزحار.

وقوله: (غير) منصوب على الحال، ولا يجوز جره على الصفة؛ لأنه نكرة وما قبله معرفة.

قال: (أو ومعه دم) أي: من الكبد ونحوه من الأعضاء الرئيسة؛ لأنه يسقط القوى، وكان ينبغي للمصنف أن يذكر هذه الأشياء عقب قوله:(وإسهال متواتر)؛ فإنه من تتمته كما فعل في (المحرر).

قال: (وحمى مطبقة) وهي: الدائمة التي لا تفارق ليلًا ولا نهارًا، لأنها تذيب القوى التي هي دوام الحياة، واستدل له الماوردي بقوله صلى الله عليه وسلم:(الحمى رائد الموت)، وهو في (معجم الطبراني) بسند ضعيف.

ومعنى (رائد الموت) أي: رسوله الذي يتقدمه.

فحمى يوم ويومين وثلاثة ليست مخوفة؛ لأنها قد تكون من تعب الأعضاء.

وفي وجه: أن الحمى من أول حدوثها مخوفة.

وفي (مسند الشهاب القضاعي)[62] عن ابن مسعود: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (حمى يوم كفارة سنة). قيل: لأنه يتألم منها جميع أعضاء البدن، وهي ثلاث مئة وستون عضوًا.

ولما ذكر عليه الصلاة والسلام كفارات الذنوب بالحمى .. سأل الله زيدُ بن ثابت

ص: 256

أَوْ غَيْرُهَا إِلَّا الرِّبْعَ

ــ

وأبي بن كعب أن لا يزالا محمومين، فلم تكن الحمى تفارقهما حتى مات، رواه أحمد والطبراني بسند مستقيم.

ولما قدم زيد بن مهلهل في وفد طيء سنة تسع .. قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ما اسمك؟) قال: زيد الخيل، قال: أنت زيد الخير، فلما انصرف .. قال النبي صلى الله عليه وسلم:(نعم الفتى إن لم تدركه أم كلبة).

وروى: أنه قال: (يا زيد الخير؛ تقتلك أم كلبة) يعني: الحمى، فلما رجع إلى أهله حم ومات رضي الله عنه.

والمصنف رحمه الله ضبط (المطبقة) بكسر الباء وفتحها، ولم يذكر في (التحرير) تبعًا للجوهري سوى الفتح، وهو الأشهر.

قال: (أو غيرها إلا الربع)، الحمايات ضربان: مطبقة وغيرها، فالمطبقة تقدمت، وأما غيرها .. فهو خمسة أنواع:

(الورد) وهي: التي تأتي كل يوم وتذهب.

و (الغب): التي تأتي يومًا بعد يوم.

و (الثلث): التي تأتي يومين وتذهب في الثالث.

و (الأخوين): التي تأتي يومين وتقلع يومين.

و (الربع) بكسر الراء: التي تأتي يومًا وتقلع يومين، وتسميها العامة: المثلثة، وقد يقال: إنه أصوب من تسمية الفقهاء لها بالربع، لكن اللغويون ألحقوها بربع الإبل في ورود الماء في اليوم الثالث، وهو نظير المنقول عن ابن عباس في عاشوراء: أنه اليوم التاسع.

فالورد والثلث مخوفان دون الربع؛ لأنه يقوى في يومي الإقلاع، وأما الغب .. فمخوف على الأصح.

ص: 257

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقال المتولي: إن امتدت .. فهي مخوفة، وأما حمى الأخوين .. فقال القاضي والرافعي: إنها مخوفة، وجعلها المتولي كالغب.

فائدة:

نقل الجوهري عن الحسن البصري: أنه فسر قوله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة رضي الله عنه: (زر غبًا تزدد حبًا): أنها في كل سبع أيام ويوم.

قال: و (الغب): أن ترد الإبل يومًا وتدع يومًا، وكذلك الغب في الحمى، وفي الحديث:(أغبوا في زيارة المريض) أي: زوروا يومًا ودعوا يومًا.

فروع:

(البرسام) و (السرسام) مرضان رديئان مخوفان، فالذي بالباء من أمراض القلب، والذي بالسين من أمراض الدماغ، و (سر) بالفارسية: الرأس، و (سام): المرض، و (بر): الصدر، و (سام): المرض، وسائر اللغات غير العربية يقدمون المضاف إليه على المضاف، فمعناه: مرض الرأس.

واقتصر الفقهاء على ذكر البرسام؛ لأنه قد يبقي معه العقل في وقت، فإذا تصرف فيه .. نفذ من الثلث، والسرسام لا يبقى معه عقل، فلا فائدة لذكره هنا؛ لأنه لا يعتبر تصرفه لا من الثلث ولا من غيره.

وفي (زيادات العبادي): أن المرأة إذا وهبت صداقها من زوجها وهي مريضة إن كانت لا تقوم إلا بمعين وماتت .. لا يصح، وإن كانت تقوم بغير معين .. فلها حكم الأصحاء.

والمعروف من زيادات المرض الجراحة إن كانت على مقتل أو نفذت إلى جوف أو لها ضربان شديد وحصل معها تورم وتآكل .. فهي مخوفة.

ص: 258

وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ يُلْحَقُ بِالْمَخُوفِ: أَسْرُ كُفَّارٍ اعْتَادُوا قَتْلَ الأَسْرَى، والْتِحَامُ قِتَالٍ بَيْنَ مُتَكَافِئَيْنِ،

ــ

والقيء إن كان معه دم أو بلغم أو غيرهما من الأخلاط .. فهو مخوف.

وقال الشافعي رضي الله عنه: الطاعون مخوف، وفسره بعضهم بانصباب الدم إلى عضو مخوف، والأكثرون فسروه بهيجان الدم في جميع البدن وانتفاخه.

وقال قوم: إنه مرض عام، سببه: فساد الهواء، فتفسد به الأمزجة والأبدان، وقريب منه هيجان المرة الصفراء.

هذا حكمه إذا وقع في البدن، أما إذا وقع ببلد وفشا فيها .. فهو مخوف في حق من لم يصبه في الأصح، كذا أطلق تصحيحه في (الروضة) و (الشرح) و (الحاوي الصغيرين)؛ لأنه يشبه حالة التحام الحرب.

أما الجرب ووجع الضرس ووجع العين والصداع .. فغير مخوفة.

وقال الجرجاني: الاعتبار في الصحة والمرض بحال الإيقاع دون حال الوقوع، فإذا قال لعبده في حال الصحة: إن دخلت الدار فأنت حر، فدخلها في حال المرض .. عتق من رأس المال، ولو قال في حال الصحة: إن دخلت في مرضي، فدخل في مرضه .. عتق من الثلث، لقصد إيقاع العتق في مرضه.

قال: (والمذهب: أنه يلحق بالمخوف: أسر كفار اعتادوا قتل الأسرى)؛ لأنه يستعقب الهلاك غالبًا، أما إذا لم يعتادوا كالروم .. فهو غير مخوف.

قال: (والتحام قتال بين متكافئين)؛ لقوله تعالى: {ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون} ، ولذلك قال عمير بن وهب يوم بدر: رأيت البلايا تحمل المنايا، وكقول الحارث بن هشام [من الكامل]:

ووجدت ريح الموت من تلقائهم .... في مأزق والخيل لم تتبدد

(المأزق): المضيق، ومنه سمي موضع الحرب: مأزقًا.

ص: 259

وَتَقْدِيمٌ لِقِصَاصٍ أَوْ رَجْمٍ، وَاضْطِرَابُ رِيحٍ، وَهَيَجَانُ مَوْجٍ فِي رَاكِبِ سَفِينَةٍ،.

ــ

و (الالتحام) في الحرب: اختلاط بعضهم ببعض، كاشتباك لُحمة الثوب بسداه، أو لأن بعضهم يلحم بعضًا، أي: يقتله، أو لكثرة لحوم القتلى.

واحترز بـ (الالتحام) عما قبله؛ فإنه غير مخوف وإن تراموا بالنشاب والحراب.

ولا فرق في الالتحام بين أن يكون الفريقان كفارًا أو مسلمين، أو أحدهما مسلمين والآخر كفارًا.

واشتراط التكافؤ في التحام القتال من زيادة الكتاب على (المحرر)، وهي في (الشرح)، فزادهما المصنف ولابد منها.

وكذا القريبان من التكافؤ، وإلا .. فلا خوف في حق الغالبين قطعًا.

قال: (وتقديم لقصاص أو رجم، واضطراب ريح، وهيجان موج في راكب سفينة).

أما التقدم للقتل قصاصًا .. فالنص فيها: أنه غير مخوف، وفي الباقي: أنه مخوف، والأصح: قولان في الجميع: أصحهما: أنها مخوفة.

ومنهم من فرق في التقديم للرجم بين أن يثبت الزنا بالبينة أو بالإقرار؛ لاحتمال الرجوع، ورد بإطلاق النص.

قال الشيخ: وينبغي أن لا يشترط التقديم، بل بمجرد ما يحصل ذلك منه ويعزم على الإقرار يعتبر من الثلث، لأن هذا أشد من المرض، لأن ذلك يتوقع البرء، وهذا لا يتوقع الحياة مع عزمه على الإقرار، وكذا من تحتم قتله في المحاربة.

وقوله: (اضطراب ريح، وهيجان موج) هما شيء واحد، واحترز بذلك عما إذا كان البحر ساكنًا .. فإنه ليس بمخوف، ولم يفرقوا بين من يحسن السباحة وغيره –وللفرق اتجاه لاسيما الماهر بها القريب من الساحل- ولا بين راكب البحر والأنهار العظيمة كالنيل والفرات.

ص: 260

وَطَلْقُ حَامِلٍ، وَبَعْدَ اٌلْوَضْعِ مَا لَمْ تَنْفَصِلِ اٌلْمَشِيمَةُ

ــ

وأجرى الماوردي القولين فيما إذا أدركه سيل، أو نار، أو أفعى قتالة، أو أسد وهو وحده ما لم يجد محيصا.

قال: (وطلق الحامل) سواء كان لولادة أو إسقاط؛ لصعوبة أمرها، ولهذا كان موتها بذلك شهادة كما تقدم في (الجنائز).

وقيل: ليس بمخوف؛ لأن الغالب السلامة.

وقيل: مخوف في الأبكار والأحداث، لا من توالت ولادتها من كبار النساء.

واحترز بـ (طلق الحامل) عن الحمل نفسه؛ فإنه ليس بمخوف.

وقال مالك: إذا بلغت ستة أشهر

دخلت في الخوف.

فائدة:

روى النقاش في آخر تفسير (سورة الأحقاف) عن ابن عباس أنه قال: (إذا عسر على المرأة ولادتها

فيكتب في صحيفة ثم تغسل وتسقى: بسم الله الرحمن الرحيم، لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب السموات ورب العرش العظيم،} كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحها {،} كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بالغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون {.

وفي (خصيصي الزبد ما يسهل ولادة الولد بقدرة الواحد الأحد):إذا وضع على فخذها، كما أشار إليه الحريري في المقامة التاسعة والثلاثون.

قال: (وبعد الوضع ما لم تنفصل المشيمة)؛لأنه أشد خطرا من حالة الطلق، فإذا انفصلت المشيمة

زال الخوف، ولذلك تسميه النساء: الخلاص، ومحل زول الخوف: إذا لم تحصل بالولادة جراحة أو ضربان شديد، فإن حصل ذلك

استمر الخوف.

ص: 261

أَوِ ادفَعُوا إِلَيْهِ، أَوِ ادْفَعُوا إِلَيْهِ، أَوْ أَعْطُوهُ بَعْدَ مَوْتِي أَوْ أَعْطُوهُ بَعْدَ مَوْتِي، أَوْ جّعَلْتُهُ فَلَوِ اٌقْتَصَرَ عَلَى قَولِهِ فَلَوِ اٌقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: هُوَ لَهُ

فَإِقْرَارٌ

ــ

الشيخ الذي ينتظر الموت يوما بيوم عطاياه من رأس المال بلا خلاف، ولعل الفرق بينه وبين المسائل المتقدمة: أن تلك أسباب طارئة غير معتادة، بخلاف سن الهرم؛ فإنه لا يلتحق بذلك.

فرع:

الشيخ الذي ينتظر الموت يوما بيوم عطاياه من رأس المال بلا خلاف، ولعل الفرق بينه وبين المسائل المتقدمة: أن تلك أسباب طارئة غير معتادة، بخلاف سن الهرم؛ فإنه لا يلتحق بذلك.

قال: (وصيغتها: أوصيت له بكذا، أو ادفعوا إليه، أو أعطوه بعد موتي، أو جعلته له، أو هو له بعد موتي)،هذا هو الركن الرابع، وهذه الألفاظ صرائح في الباب، أما لو قال: أوصيت له بكذا

فلاشك في صراحته، وأما البواقي .. فكذا أطلقها في (الروضة)،وظاهر إطلاقه الصراحة.

وقال الشيخ في (ادفعوا إليه):إنه إذن في الدفع، فإن دل دليل على أنه وصية

اتبع، وإلا، فلو لم يخرج من الثلث، وقال المدفوع إليه: لم يرد الوصية بل كان ذلك لي عنده، واحتمل ذلك .. ينبغي أن يقبل إلا أن يكون قال: من مالي، وأما (أعطوه) .. فلا يأتي فيه هذا؛ لأن لفظ الإعطاء يقتضي التمليك، كما قالوه في (الخلع).

قال المصنف في (التحرير)(أعطوه) بهمزة قطع، من وصلها .. فقد غلط.

قال: (فلو اقتصر على قوله: هو له .. فإقرار)؛لأنه من صرائحه، ولهذا لو قال: هذا لفلان، ثم قال: أردت الوصية .. لم يقبل.

ص: 262

إِلا? أَنْ يَقْولَ: هُوَ لَهُ مِنْ مَالِي، فَيَكُونُ وَصِيَة. وَتَنْعّقِدُ باٌلْكِنَايَةِ، وَاٌلْكِتَابَةُ كِنَايَةٌ.

ــ

قال: (إلا أن يقول: هو له من مالي، فيكون وصية)؛لأنه لا يصلح للإقرار، وكان ينبغي له أن يقول: فيكون كناية عن الوصية، كما صرح به في (الروضة)،وناقشه الشيخ في ذلك وقال: إنه صريح، فحينئذ استقام كلام المصنف، أما إذا قال: هو له من مالي بعد موتي .. فهو وصية قطعا.

وإن اقتصر على قوله: وهبته منه .. فالأصح: أنه ليس بكناية.

قال: (وتنعقد بالكناية) أي: بالنون، كعينت هذا لزيد، أو عبدي هذا له، ونحوه، كما ينعقد البيع بها، بل أولى؛ لأنها تقبل التعليق بالإغرار، وتصح بالمجهول وغير الملك، ولا يأتي فيه الخلاف في البيع، وفي (الروضة):تنعقد بالكناية مع النية بلا خلاف.

ووقع في (المحرر) حكاية خلاف فيه حيث عبر بالأظهر، وهو غريب، فلذلك حذفه المصنف.

قال الشيخ: وينبغي حمل قوله في (المحرر):الأظهر، على أنه الظاهر، لا على أن فيه خلافا، وعبارة الإمام: الظاهر عندي.

ومن هنا يعلم أن قولهم: الأظهر والظاهر، لا يستدعي خلافا إلا إذا قالوا: أظهر الوجهين ونحوه، وهنا اعترض ابن الفركاح على المصنف اعتراضا منطقيا من جهة تركيب اللفظ.

قال: (والكتابة كناية)،فإذا كتب وقال: نويت الوصية لفلان، أو اعترف ورثته به بعد الموت .. وجب أن يصح، كذا ذكره الرافعي بحثا، ونقل عن المتولي: أنه إذا كتب: أوصيت لزيد بكذا .. لم تصح إن كان ناطقا، قال في (المطلب):وهو المشهور.

وقيل: تصح بالكتابة مطلقا؛ لحديث ابن عمر: (إلا ووصيته مكتوب عند رأسه)؛فإنه يشهر باعتبارها.

ص: 263

وَإنْ وَصَى لِغَيْرِ مُعَيَنِ كَاٌلْفُقَرَاءِ .. لَزِمَتْ بِاٌلْمُوْتُ بِلَا قَبُولٍ، أَوْ لِمُعَيَنِ .. اشْتُرِطَ الْقَبُولُ

ــ

أما إذا اعتقل لسانه .. فإنه يصح إيصاؤه بالإشارة، كما روي: أن أمامة بنت أبي العاصي أصمتت فقيل لها: لفلان كذا ولفلان كذا، فأشارت؛ أن نعم، فجعل ذلك وصية، كما استدل به الرافعي وغيره، وهو غريب.

ولو وكل بعقد الوصية .. جاز.

حادثة:

أراد نصر بن أحمد من أمراء خرسان أن يوصي ولا يطلع على وصيته أحد، فشاور العلماء، فلم يفت له بذلك إلا محمد بن نصر المروزي؛ فإنه قال: يكفي الإشهاد عليه بها، ونقل عنه أنه قال: تكفي الكتابة المجردة، واحتج بحديث ابن عمر.

قال الشيخ: فإن وجد مع الوصية شهادة: أن هذه وصية أو أنها عطية وإن لم يعلما ما فيها .. يصح عند محمد بن نصر، واختار قوله في ذلك.

فرع:

قال: كل من ادعى علي بعد موتي فأعطوه ما يدعيه ولا تطالبوه بالحجة، فادعى اثنان بعد موته حقين مختلفي القدر ولا حجة .. كان كالوصية يعتبر من الثلث، فإذا ضاق عن الوفاء .. قسم بينهما على قدر حقيهما، قال في (البحر) و (الإشراف).

قال: (وإن وصى لغير معين كالفقراء .. لزمت بالموت بلا قبول)؛لتعذره منهم.

قال: (أو لمعين .. اشترط القبول) قال الإمام: بلا خلاف، وقال الرافعي: يأتي فيه خلاف من قولنا: إنه يملك بالموت، وقوي الشيخ كلام الرافعي بأبحاث عديدة، وظاهر كلام المصنف: أن لابد من القبول اللفظي، ويشبه الاكتفاء

ص: 264

وَلَا يَصِحُ قَبُولٌ وَلَا رَدٌ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي، وَلَا يُشْتَرَطُ بَعْدَ مَوْتِهِ الْفَوْرُ

ــ

بالفعل، وهو الأخذ كالهدية، فلو قبض البعض دون البعض .. ففيه احتمالان للغزالي: الأرجح منهما: البطلان، ويأتي فيه ما تقدم في قبول بعض الموهوب.

ومراد المصنف بـ (المعين):المحصور، فإن كان غير محصور كالعلوية .. لم يشترط القبول في حقهم كالفقراء، والظاهر: أنهم أرادوا بالمعين الآدمي.

كل هذا في غير العتق، فلو قال: اعتقوا عبدي بعد موتي .. لم يفتقر إلى قبول العبد؛ لأن فيه حقا لله فكان كالجهة العامة، ومثله التدبير إذا قلنا: إنه وصية .. فإنه يتنجز بالموت من غير توقف على قبول، كما صرح به الرافعي في الكلام على رهن المدبر، أما لو قال: أوصيت له برقبته .. ففي افتقاره إلى القبول وجهان: أصحهما: نعم؛ لاقتضاء صيغة القبول، ذكره الرافعي قبيل المسائل الحسابية.

قال: (ولا يصح قبول ولا رد في حياة الموصي)؛لأن له أن يرجع في وصيته، ولأنه لا حق للموصي له قبل الموت.

وأفهمت عبارته صحة ذلك بعد الموت، وهو كذلك في القبول، أما الرد، فإن كان قبل القبول .. صح قطعا، أو بعد القبول والقبض .. فلا قطعا، أو بعد القبول وقبل القبض .. فالأصح في (الشرح) و (الروضة):المنع، وفي (تصحيح التنبيه):الصحة، وهو المنصوص في (الأم)؛لأن ملكه قبل القبض لم يتم.

قال الشيخ: لم يتكلم أصحابنا في صيغة الرد، ورأيت في كتب الحنابلة: أنه يحصل بقوله: رددت الوصية، وقوله: لا أقبلها، وما أدى هذا المعنى. (ولا يشترط بعد موته الفور)؛لأن الفور إنما يشترط في العقود الناجزة التي يعتبر بها ارتباط القبول بالإيجاب.

ص: 265

فَإِنْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَهُ .. بَطَلَتْ، أَوْ بَعْدَهُ .. فَيَقْبَلُ وَارِثُهُ ......

ــ

وفي وجه- حكاه المستظهري-:أنه يشترط.

والثالث: يمتد ثلاثة أيام، حكاه في (البحر)،وهما شاذان.

تنبيه:

قضية كونه على التراخي: تركه على اختياره حتى يشاء، وقد يتضرر الوارث بذلك، فالصواب: أنه يجبر على القبول أو الرد، فإن أبى .. حكم الحاكم عليه بالرد، وقد صححوا في (الشفعة) –إذا قلنا: إنها على التراخي-:أن للمشتري إذا لم يأخذ الشفيع ولم يعف .. أن يرفعه للحاكم؛ ليلزمه الأخذ أو الرد.

قال: (فإن مات الموصي له قبله .. بطلت)؛لعدم لزومها.

وقال الحسن البصري: تكون لورثة الموصى له.

قال: (أو بعده .. فيقبل وارثه)؛لأنه فرعه، فقام مقامه في القبول كالشفعة، وليس لنا عقد لا يفوت بموت القابل إلا الوصية.

وحكى الشاشي: أن القبول يبطل بموت الموصى له ولا يورث عنه، وبه قال أبو حامد من الحنابلة.

وقال أبو حنيفة: تلزم الوصية بموته.

واحتج الأصحاب بأن وارث الموصى له فرع له، فإذا لم يملك الأصل بغير قبول .. فالفرع أولى.

وأطلق المصنف الوارث؛ ليشمل الخاص والعام، فلو مات من غير وارث .. قام الإمام مقامه في ذلك، فإذا قبل .. كان المال للمسلمين، كما صرح به الزبيلي في (أدب القضاء).

ولو قال المصنف: قام وارثه مقامه .. كان أولى؛ لأنه يقوم مقامه في القبول والرد.

ص: 266

وَهَلْ يَمْلِكُ الْمُوصَى لَهُ بِمَوْتِ الْمُوصِي، أَمْ بِقَبُولِهِ، أَمْ مَوْقُوفٌ؛ فَإِنْ قَبِلَ .. بَانَ أَنَّهُ مَلَكَ بِالْمَوتِ، وَإِلا? .. بَانَ لِلْوَارِثِ؟ أَقْوَالٌ: أَظْهَرُهَا: الثّالِثُ، وَعَلَيْهَا تُبْنَى الثَمَرَةُ وَكَسْبُ عَبْدٍ حَصَلَا بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْقَبُولِ، وَنَفَقَتُهُ وَفِطْرَتُهُ،

ــ

قال: (وهل يملك الموصى له بموت الموصي، أم بقبوله، أم موقوف؛ فإن قبل .. بان أنه ملك بالموت، وإلا .. بان للوارث؟ أقوال: أظهرها: الثالث)؛لأنه لا يمكن جعله للميت؛ لأنه جماد، ولا للوارث؛ لأنه لا يملك إلا بعد الدين والوصية، ولا للموصى له، وإلا .. لما صح رده كالميراث، فتعين وقفه مراعاة.

وجه الأول: أنه لا يشترط القبول؛ لأنه استحقاق يتعلق بالموت، فأشبه الميراث والتدبير.

ووجه الثاني: كما لو أوصى بعتق عبد معين .. فالملك فيه إلى أن يعتق الوارث اتفاقا، فإذا قلنا بالقبول .. فالملك فيه قبله للوارث في الأصح، وقيل: للميت.

تنبيه:

قال الشيخ: صناعة العربية تقتضي: أنه إذا سئل بـ (هل) أن يؤتى بـ (أو) لا بـ (أم)،قال: وعذر المصنف فيه أن (هل) هنا وقعت موقع (الهمزة)؛لأن (هل) يسأل بها عن وجود أحد الأشياء وليس مرادا هنا، بل المراد السؤال عن التعيين فحقه (أم) و (الهمزة)،والفقهاء يضعون (هل) في مثل ذلك موضع (الهمزة).

قال: (وعليها) أي: على الأقوال (تبنى الثمرة وكسب عبد حصلا بين الموت والقبول، ونفقته وفطرته)،فإن قلنا: الملك حصل بالموت .. فالثمرة والكسب للموصى له وعليه النفقة والفطرة، وإن قلنا: بالقبول .. فلا يكون له ولا عليه نفقة ولا فطرة، وإن قلنا: موقوف .. فموقوف أيضا، فإن قبل .. فله وعليه، وإلا .. فلا.

وقال في (الوسيط):النفقة على الموصى له إن قبل على كل قول، وعلى الورثة إن رد على قول، والمشهور: طرد الخلاف؛ بناء على الخلاف.

ص: 267

وَيُطَالِبُ الْمُوصَى لَهُ بِالنَفَقَةِ إِنْ تَوَقَفَ فِي قَبُولِهِ وَرَدهِ

ــ

ولو أوصى بمن يعتق عليه .. لم يعتق قبل القبول في الأصح، وقيل: يعتق قبله؛ بناء على أنه يملك بالموت.

وله رد الوصية في الأصح، وقيل: لا إن ملكناه بالموت.

ولو أوصى بخدمة عبد لإنسان سنة، وقال: هو حر بعد سنة، فرد الموصى له .. لم يعتق قبل السنة خلافا لمالك.

قال: (ويطالب الموصى له بالنفقة إن توقف في قبوله ورده)،كمن أسلم على أكثر من العدد الشرعي من النساء، وكمن طلق إحدى امرأتيه وامتنع من التعيين، فإن أراد الخلاص .. فليرد، كذا جزم به الشيخان، وهو مشكل؛ فإن التفريع على أنه لا يملك إلا بالقبول، وهو قبله ملك الوارث، فكيف يطالب بنفقة غيره؟! لا جرم قال ابن الرفعة: إن هذا مفرع على قولنا: إن الملك له، كما صرح به في (النهاية) و (الوسيط).

ويتجه على قول الوقف: أن يجب عليهما كاثنين عقدا على امرأة وجهل السابق.

كل هذا في وصية التمليك، أما لو أوصى بعتق عبد معين بعد موته .. فالملك فيه للوارث إلى أن يعتق بلا خلاف، كذا قاله الشيخان.

تتمة:

أوصى بوقف عقار فتأخر إيقافه إلى مدة وحصل منه ريع .. فلمن يكون ذلك للوارث أم لمستحق الوقف؟

أجاب سيد المتورعين قاضي القضاة عماد الدين السكري بأنه للموقوف عليهم، وأجاب بعض من عاصره بأنه للورثة، والظاهر: الأول، كمن مات وله عقار له أجرة وعليه ديون، فشرع الوارث يستغل ذلك الريع مدة، ثم أثبت الدين، وأخذ أصحابه العقار وبقي لهم شيء .. فالذي عليه الأئمة الأربعة: أنه لا رجوع لهم على الوارث بما أخذه، وشبهها القمولي بكسب العبد الموصى بعتقه بين الموت

ص: 268