المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فَصْلٌ: إِذَا لَمْ يُقِرَّ اللَّقِيطُ بِرِقٍّ .. فَهُوَ حُرٌّ إِلَاّ أَنْ - النجم الوهاج في شرح المنهاج - جـ ٦

[الدميري]

الفصل: ‌ ‌فَصْلٌ: إِذَا لَمْ يُقِرَّ اللَّقِيطُ بِرِقٍّ .. فَهُوَ حُرٌّ إِلَاّ أَنْ

‌فَصْلٌ:

إِذَا لَمْ يُقِرَّ اللَّقِيطُ بِرِقٍّ .. فَهُوَ حُرٌّ إِلَاّ أَنْ يُقِيمَ أَحْدٌ بَيِّنَهً بِرِقِّهِ، وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ لِشَخْصٍ فَصَدَّقَهُ .. قُبِلَ إِنْ لَمْ يَسْبِقْ إِقْرَارُهُ بِحُرِّيَّةٍ

ــ

قال: (فصل:

إذا لم يقر اللقيط برق .. فهو حر)؛ لقول عمر: (هو حر) وعلينا نفقته وحكى ابن المنذر على ذلك الإجماع، ولأن الرق في الآدميين خلاف الأصل؛ لأنهم خلقوا ليسخِّروا لا ليسخَّروا، ولأن غالب الناس أحرار فيعمل بذلك؛ لأنه الأصل والغالب، لكن الشافعي قال في (المختصر): لو قذفه قاذف .. لم أحده حتى أسأله، فإن قال: أنا حر .. حددت قاذفه، فتستثنى هذه الصورة من إطلاق المصنف.

قال: (إلا أن يقيم أحد بينة برقه) فيعمل بها كما سيأتي.

قال: (وإن أقر به لشخص فصدقه .. قبل إن لم يسبق إقراره بحرية) كسائر الأقارير.

وفي قول: لا يقبل؛ للحكم بحريته بالدار فلا ينقض.

واحترز عما إذا كذبه؛ فإن الرق لا يثبت، وكذا لو عاد بعد ذلك وصدقه؛ لأنه لما كذبه .. ثبتت حريته بالأصل فلا يعود رقيقًا.

ولو أقر بالرق لزيد فكذبه فأقر لعمرو .. ففي تخريج ابن سريج: أنه يقبل كما لو أقر بمال لزيد فكذبه فأقر به لعمرو، والمذهب المنصوص: المنع؛ لأن الإقرار

ص: 76

وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَسْبِقَ تَصَرُّفٌ يَقْتَضِي نُفُوذُهُ حُرِّيَّةً كَبَيْعٍ وَنِكَاحٍ، بَلْ يُقْبَلُ إِقْرَارُهُ فِي أَصْلِ الْرِّقِّ وَأَحْكَامِهِ الْمُسْتَقْبَلَةِ لَا الْمَاضِيَةِ الْمُضِرَّةِ بِغَيْرِهِ فِي الأَظْهَرِ،

ــ

الأول تضمن نفي الملك لغيره، فإذا رد المقر له .. خرج عن كونه مملوكًا له أيضًا فصار حرًا بالأصل، والحرية مظنة حقوق الله تعالى والعباد فلا سبيل إلى إبطالها بالإقرار الثاني.

واحترز المصنف أيضًا عما إذا سبق إقرار بعد البلوغ بالحرية .. فإنه لا يقبل الثاني على الأصح؛ لأنه بالإقرار الأول التزم أحكام الأحرار في العبادات وغيرها فلم يملك إسقاطها، وقيل: يقبل كما لو أنكرت المرأة الرجعة ثم أقرت.

تنبيه:

ينبغي اعتبار الرشد في المقر، ففي (فتاوى) صاحب (الإقليد) عن شيخه ابن عبد السلام: أن اعتراف الجواري بالرق لا يقبل؛ لأن الغالب عليهن السفه وعدم المعرفة، وهذه العلة موجودة في غالب العبيد إلا أن الشرع كلفنا بالعمل الظاهر.

قال: (والمذهب: أنه لا يشترط أن لا يسبق تصرف يقتضي نفوذه حرية كبيع ونكاح، بل يقبل إقراره في أصل الرق وأحكامه المستقبلة لا الماضية المضرة بغيره في الأظهر).

إذا وجدت من هذا المقر تصرفات يقتضي نفوذها الحرية كالبيع والنكاح وغيرهما ثم قامت بينه برقه .. نقضت تصرفاته المقتضية للحرية، وجعلت صادرة [عن عبد] لم يأذن له سيده، ويسترد ما قبضه من زكاة أو ميراث وما أنفق عليه من بيت المال، وتباع رقبته فيها، فلو لم تقم بينة، ولكن أقر بالرق وقلنا بالصحيح - وهو قبول إقراره - .. ففيه طرق ملخصها ما ذكره المصنف: أنه تثبت له أحكام الأرقاء في المستقبل.

ص: 77

فَلَوْ لَزِمَهُ دَينٌ فَأَقَرَّ بِرِقٍّ وَفِي يَدِهِ مَالٌ .. قُضِيَ مِنْهُ، وَلوِ ادَّعَى رِقَّهُ مَنْ لَيْسَ في يَدِهِ بِلَا بَيِّنَةٍ .. لَمْ يُقْبَلْ،

ــ

وثانيهما: قولان: ثانيهما: أنه يبقى في أحكام الحرية مطلقًا؛ لأنه محكوم بحريته بظاهر الدار وتعلقت به حقوق لله تعالى وللعباد فلا يقبل إقراره بما يسقطها.

وقيل: يبقى فيما يضر بغيره كما لو قال: لزيد علي ألف ولي عنده رهن .. فيقبل في الدين دون الرهن.

وأما الماضي .. فيقبل إقراره فيما يضر به من التصرفات السابقة قطعًا مؤاخذة له، لكن يستثنى من هذا ما لو كان اللقيط امرأة وتزوجت ثم أقرت بالرق والزوج ممن لا يحل له نكاح الأمة .. فإنه لا ينفسخ نكاحه على الأصح في زوائد (الروضة) كالحر إذا وجد الطول بعد نكاح الأمة، ومقتضى قبول إقراره في المستقبل - وإن أضر بالغير - قبوله لكن النكاح كالمقبوض المستوفى.

قال: (فلو لزمه دين فأقر برق وفي يده مال .. قضي منه)؛ هذا تفريع على الأظهر، وهو أنه يقبل إقراره فيها؛ لكونه يضر به دون ما يضر بغيره، فيقضي الدين مما في يده، فإن بقي معه شيء .. فهو للمقر له، وإن بقي من الدين شيء .. فهو في ذمته حتى يعتق، ولا فرق فيما ذكرناه بين أن يقر بالرق ابتداء وبين أن يدعي رقه شخص فيصدقه.

ولو ادعى رجل رقه فأنكره ثم أقر له .. ففي قبوله وجهان؛ لأنه بالإنكار لزمه أحكام الأحرار، وقال في (الروضة): ينبغي أن يفصل، فإن قال: لست بعبد .. لم يقبل إقراره بعده، وإن قال: لست بعبد لك .. فالأصح: القبول؛ إذ لا يلزم من هذه الصيغة الحرية.

قال: (ولو ادعى رقه من ليس في يده بلا بينة .. لم يقبل) بلا خلاف؛ إذ الظاهر الحرية فلا تترك إلا بحجة بخلاف النسب؛ فإن قبوله مصلحة للصبي وثبوت حق له، وهنا القبول إضرار له وإثبات رق عليه.

ص: 78

وَكَذَا إِنِ ادَّعَاهُ الْمُلْتَقِطُ فِي الْأَظْهَرِ. وَلَوْ رَأَيْنَا صَغِيرًا مُمَيِّزًا (أَوْ غَيْرَهُ) فِي يَدِ مَنْ يَسْتَرِقُّهُ وَلَمْ يُعْرَفِ اسْتِنَادُهَا إِلَى الْتِقَاطٍ .. حُكِمَ لَهُ بِالرِّقِّ، فَإِنْ بَلَغَ وَقَالَ: أَنَا حُرٌّ .. لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ إِلَاّ بِبَيِّنَةٍ

ــ

قال: (وكذا إن ادعاه الملتقط في الأظهر)؛ لأن الأصل الحرية فلا يخالف بمجرد الدعوى، ويد الملتقط لا تدل على الملك.

والثاني: يقبل قوله ويحكم له بالرق، كما لو التقط مالاً وادعى أنه له ولا منازع له .. فيقبل قوله حتى يجوز شراؤه منه.

وفرق الجمهور بأن المال مملوك وليس في دعواه تغيير صفة له، واللقيط حر ظاهرًا وفي دعواه تغيير صفته، وخص الماوردي الخلاف بما إذا ادعاه قبل التقاطه، فإن ادعاه بعده .. لم يقبل قطعًا، فاجتمع من ذلك ثلاثة أوجه: أصحها: عدم القبول.

وحيث قلنا: لا يقبل .. فنقل المزني في (جامعه الكبير): أنه لا ينزع منه، وقال الماوردي: الذي أراه وجوب انتزاعه؛ لأنه قد خرج بدعوى رقه عن الأمانة في كفالته، وربما صارت استدامة يده ذريعة إلى رقه.

قال: (ولو رأينا صغيرًا مميزًا (أو غيره) في يد من يسترقه ولم يعرف استنادها إلى التقاط .. حكم له بالرق) أي: إذا ادعاه؛ عملاً باليد والتصرف.

وقيل: لا، كالملتقط فإن كان غير مميز .. حكم له بالرق قطعًا.

وتقييده بـ (المميز) يعلم منه: أن غيره من باب أولى، وإنما يحكم برقه إذا حلف لخطر شأن الحرية، وهذا الحلف واجب على النص، وقيل: مستحب.

قال: (فإن بلغ وقال: أنا حر .. لم يقبل قوله في الأصح إلا ببينة)؛ لأنا قد حكمنا برقه في حال الصغر فلا يرفع ذلك الحكم إلا بحجة، لكن له تحليف السيد وإقامة البينة على حريته.

ص: 79

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والثاني: يقبل قوله إلا أن يقيم مدعي الرق بينة على رقه؛ لأن الرق إنما جرى عليه حين لا قول له ولا منازعة، فإن صار معتبر القول .. فلابد من إقراره أو البينة عليه، أما لو ادعى أنه حر الأصل .. فلا يقبل جزمًا، وكذلك لو أقر بالرق لغير صاحب اليد.

فروع:

الأول: اشترى بالغًا عاقلاً فادعى أنه حر الأصل .. صدق بيمينه، فإذا حلف .. رجع المشتري على بائعه بالثمن، وحكى البغوي في (فتاويه) عن القاضي: أنه لا يرجع؛ لأن يده ما أزيلت ببينة إلا أن يقيم ببينة أنه حر الأصل، والاحتياط لمن اشترى عبدًا بالغًا: أن يسأله عن رقه لبائعه ويشهد عليه، وإن ادعى أن سيده أعتقه .. لم يسمع قوله.

الثاني: صغيرة في (يد رجل) يدعي نكاحها فبلغت وأنكرت .. يقبل قولها وعلى المدعي البينة، وهل يحكم في صغرها بالنكاح؟ قال ابن الحداد: نعم كالرق، والأصح: المنع.

وفرق الأصحاب بأن اليد في الجملة دالة على الملك، ويجوز أن يولد وهو مملوك والنكاح طارئ فيحتاج إلى البينة.

الثالث: إذا قذف لقيطًا .. عزر، وإن كان بالغًا .. حد إن اعترف بحريته، فإن ادعى رقه فقال المقذوف: (بل أنا حر .. فالقول قول المقذوف] على الأظهر، وقيل: قطعًا. ويجري القولان فيما إذا قطع طرفه حر وادعى رقه وقال: بل أنا حر، وقيل: يجب القصاص قطعًا؛ لأن الحد يغني عنه التعزيز لاشتراكهما في الزجر، فإن لم نوجب القصاص .. أوجبنا الدية في اليدين، ونصفها في إحداهما على الأصح، وعلى الثاني: القيمة أو نصفها.

ولو قذف اللقيط واعترف بأنه حر .. حُدّ حَدّ الأحرار، وإن ادعى أنه رقيق وصدقه المقذوف .. حُدَّ حَدَّ العبيد، وإن كذبه .. فالأصح: حد الأحرار.

ص: 80

وَمَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِرِقِّهِ .. عُمِلَ بِهَا، وَيُشَتَرَطُ أَنْ تَتَعَرَّضَ الْبَيِّنَةُ لِسَبَبِ الْمِلْكِ، وَفِي قَوْلٍ: يَكْفِي مُطْلَقُ الْمِلْكِ. وَلَوِ اسْتَلْحَقَ اللَّقِيطَ حُرٌّ مُسْلِمٌ .. لَحِقَهُ

ــ

قال: (ومن أقام بينة برقه .. عمل بها)؛ لظهور فائدتها، سواء كان هو الملتقط أو غيره.

قال: (ويشترط أن تتعرض البينة لسبب الملك) لكونه عن إرث أو شراء أو غير ذلك؛ لأنا لا نأمن أن يكون اعتماد الشاهد على ظاهر اليد.

قال: (وفي قول: يكفي مطلق الملك) كسائر الأموال، ولم يرجح الرافعي في (الشرحين) شيئًا من القولين، ونقل في (الروضة) الترجيح عن (المحرر)، والرافعي لم يفصح فيه بترجيح بين، وهذه الشهادة تقبل هنا من رجل وامرأتين على القولين؛ لأن الغرض إثبات الملك، وإذا اكتفينا بالشهادة على أنه ولد أمته .. قبل من أربع نسوة أيضًا؛ لأن الشهادة على الولادة ثم يثبت الملك في ضمنها كثبوت النسب في ضمن الشهادة على الولادة.

قال: (ولو استلحق اللقيط حر مسلم .. لحقه) ولا يحتاج إلى بينة ولا قافه لكن بالشروط السابقة في الإقرار، وادعى الإمام فيه الإجماع، وسواء الرشيد والسفيه؛ لأنه أقر له بحق لا ضرر فيه على غيره فأشبه ما لو أقر بمال، والمعنى فيه: أن الإشهاد على النسب يعسر فلو لم يحصل بالدعوى .. لضاعت الأنساب.

وسواء في ذلك اللقيط وغيره، لكن يستحب أن يقال للملتقط: من أين هو لك؟ ليخبر عن جهة صحيحة يلحق النسب بها كالنكاح والوطء في ملك اليمين أو نكاح فاسد، وإن لم يسأله .. جاز، كذا قاله الصيمري في (شرح الكفاية).

وينبغي أن يجب الاستفسار؛ لأن كثيرًا من الناس يعتقدون أن ولد الزنا يلحق، وإذا استلحقه .. حكم بأنه ولده، وتجري بينهما أحكام النسب من الميراث والإنفاق ودفع الزكاة والولاية في المال والنكاح وغير ذلك.

ص: 81

وَصَارَ أَوْلَى بِتَرْبِيَتِهِ، وَإِنِ اسْتَلْحَقَهُ عَبْدٌ .. لَحِقَهُ، وَفِي قَوْلٍ: يُشْتَرَطُ تَصْدِيقُ سَيِّدِهِ، وَإِنِ اسْتَلْحَقَتْهُ امْرَأَةٌ .. لَمْ يَلْحَقْهَا فِي الأَصَحِّ،

ــ

وقول المصنف: (مسلم) لا مفهوم له؛ فإن الكافر يستلحق من حكم بكفره؛ لاستوائهما في الجهات المثبتة للنسب كما تقدم، وإنما كلامه هنا في لقيط محكوم بإسلامه، لكن لابد أن يكون ذكرًا كما سيأتي.

قال: (وصار أولى بتربيته) أي: من الملتقط؛ فإن كفالة الأجنبي كانت للضياع وقد زالت بوجود الأب، و (أولى) هنا من باب قولهم: فلان أولى بماله يعنى: أنه لا حق لغيره فيه، وإنما عبروا بذلك للفرق بين الحر والعبد.

قال: (وإن استلحقه عبد .. لحقه) أي: في النسب خاصة؛ لأنه في أمر النسب كالحر؛ لإمكان حصوله منه بنكاح أو وطء شبهة، لكن لا يسلم إليه لاشتغاله عنه بخدمة السيد، ولا نفقة له عليه؛ إذ لا مال له، إنما ينفق عليه من بيت المال.

قال: (وفي قول: يشترط تصديق سيده)؛ لما فيه من الإضرار به بسبب الإرث المتوهم على تقدير عتقه.

وقيل: لا يلحقه قطعًا، وقيل: يلحقه قطعًا إن كان مأذونًا له في النكاح ومضى زمن إمكانه، وإلا .. فالقولان، والمذهب: اللحوق مطلقًا.

ويجري الخلاف في إقرار العبد بأخ أو عم، وقيل بالمنع هنا قطعًا؛ لأن لظهور نسبه طريقًا آخر وهو إقرار الأب والجد.

قال: (وإن استلحقته امرأة .. لم يلحقها في الأصح) سواء كانت ذات زوج أم لا، وبه قال أبو حنيفة؛ لأنه يمكنها أن تقيم البينة على الولادة بطريق المشاهدة والرجل لا يمكنه فمست الحاجة إلى إثبات النسب من جهة بمجرد الدعوى، ولأنها إذا أقرت بالنسب .. كأنها تقر بحق عليها وعلى غيرها إذا كانت فراشًا لزوج، وبطل إقرارها في حق الزوج فيبطل جميعه؛ لأن الإقرار الواحد إذا بطل بعضه .. بطل كله.

ص: 82

أَوْ اثْنَانِ .. لَمْ يُقَدَّمْ مُسْلِمٌ وَحُرٌّ عَلَى ذِمِّيٍّ وَعَبْدٍ. فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ .. عُرِضَ عَلَى الْقَائِفِ فَيَلْحَقُ مَنْ أَلْحَقَهُ بِهِ،

ــ

والثاني: يقبل ويلحقها؛ لأنها أحد الأبوين، وعزاه في (التقريب) إلى ابن سريج، ويستدل له بقصة داوود وسليمان حين تحاكم إليهما امرأتان لهما ابنان فذهب الذئب بأحدهما وادعى كل منهما أن الباقي ابنها، فحكم به داوود للكبرى وحكم به سليمان للصغرى بمجرد الدعوى منهما.

والثالث: يلحق الخلية دون المزوجة؛ لتعذر الإلحاق بها دونه.

وعن أحمد روايتان كالوجه الثاني والثالث.

وإذا قلنا باستلحاقها ولها زوج .. لم يلحقه في الأصح، وقال أبو الطيب بن سلمة: يلحقه.

واستلحاق الأمة كاستلحاق الحرة إذا جوزنا استلحاق العبد، وقال القاضي أبو الفرج: إن صححنا استلحاق المرأة .. صح استلحاق الخنثى وثبت نسبه، ولو مات هذا الطفل .. ورثه الخنثى ميراث أم.

وليس المراد بالزوج من هي في عصمته، بل كونها فراشًا لشخص لو ثبت نسب اللقيط منها بالبينة .. لحق صاحب الفراش، سواء كانت في عصمته أم في العدة، حكاه في (الكفاية) عن البندنيجي.

وإذا أقامت بينة .. لحقها قطعًا، وكذا يلحقه إن أمكن وشهدت بالولادة على فراشه، وإلا .. فأصح الوجهين عند المصنف: المنع.

قال: (أو اثنان .. لم يقدم مسلم وحر على ذمي وعبد)؛ لأن كلاًّ منهما أهل لو انفرد فأشبه المسلمين أو الحرين، وهذا تفريع على أن العبد من أهل الاستلحاق وهو الأظهر.

وقدم أبو حنيفة المسلم على الذمي والحر على العبد كالحضانة، وفرق أصحابنا بأن الحضانة لحق الطفل والنسب لحق الله تعالى.

قال: (فإن لم تكن بينة .. عرض على القائف فيلحق من ألحقه به)؛ لأن للقافة أثرًا في الانتساب عند الاشتباه كما سيأتي في موضعه.

ص: 83

فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَائِفٌ، أَوْ تَحَيَّرَ، أَوْ نَفَاهُ عَنْهُمَا، أَوْ أَلْحَقَهُ بِهِمَا .. أُمِرَ بِالِانْتِسَابِ بَعْدَ بُلُوغِهِ إِلَى مَنْ يَمِيلُ طَبْعُهُ إِلَيْهِ مِنْهُمَا،

ــ

وقيل: لا مدخل للقافة في الإلحاق بالأم، وهذا ما لم يقم الآخر بينة، فإن أقامها .. فالأصح: أنها تقدم على إلحاق القائف.

قال: (فإن لم يكن قائف) أي: في البلد أو دون مسافة القصر، وقال الإمام: مسافة العدوى، وقال الماوردي: المراد أن لا يوجد في الدنيا.

قال: (أو تحير، أو نفاه عنهما، أو ألحقه بهما .. أمر بالانتساب بعدد بلوغه إلى من يميل طبعه إليه منهما) بالميل الطبعي الذي يجده الولد إلى الوالد والقريب إلى القريب بحكم الجبلة لا بحكم التشهي؛ لما روى البيهقي: أن رجلين ادعيا رجلاً لا يدري أيهما أبوه، فقال عمر رضي الله عنه:(اتبع أيهما شئت) وقال: إسناده صحيح.

وقيل: لا يشترط البلوغ، بل بالتمييز كما يخير الولد بين أبويه في تلك الحالة، والمصنف أطلق الانتساب، وهو مشروط بما إذا كانا حيين عند الانتساب وعرف الصبي حالهما قبل البلوغ وكان فطنًا ذكيًا، فإن انتفى ذلك .. لم ينسب، قاله الماوردي.

وتعبيره بـ (الأمر) يقتضي أنه واجب وهو كذلك، فإن امتنع منه .. حبس.

فروع:

نفقته في مدة الانتظار عليهما، فإذا انتسب إلى أحدهما .. رجع عليه الآخر، كذا قاله الرافعي في (باب القافة)، وقيده في (باب العدة) بما إذا أنفق بإذن الحاكم، وقيل: لا يرجع؛ لأنه يقول: إنما أنفقت على ولدي، والأول أصح.

قال القاضي: ولو كان التداعي بين امرأتين .. لم ترجع الأخرى لما أنفقته قطعًا.

ص: 84

وَلَوْ أَقَامَا بَيِّنَتيْنِ مُتَعَارِضَتَيْنِ .. سَقَطَتَا فِي الأَظْهَرِ

ــ

وإذا مات الولد .. قام والده مقامه في الانتساب، قال ابن اللبان: وكذا إن كان معتوهًا، وقال القاضي حسين: إذا كان مجنونًا .. لا ينتسب ابنه كما لا يخلفه في سائر الحقوق، ولو كانا ولدين انتسب كل منهما لواحد .. دام الإشكال، فإن رجع أحدهما إلى الآخر .. قبل.

ولو ألحقه قائف بذا آخر بذاك .. فالصحيح: أنه ابن الأول، وقيل: يتعارضان ويصير كأن لا قائف.

هذا إذا لم يكن سبب اختلافهما الشبه، فإن كان بأن اعتبر أحدهما الشبه الخفي كالخلق وتشاكل الأعضاء والآخر الشبه الظاهر كالبياض والسواد .. فالأصح: تقدم الشبه الخفي.

ولو ألحقه القائف بأحدهما فأقام الآخر بينة .. قدمت البينة على الصحيح؛ لأنها حجة في كل خصومة، ولو بلغ فانتسب إلى أحدهما وألحقه القائف بالآخر في وقت واحد فهل الأولى الانتساب أو الإلحاق؟ وجهان: أصحهما: الثاني.

قال: (ولو أقاما بينتين متعارضتين .. سقطتا في الأظهر)؛ لعدم إمكان العمل بهما فيصير كما لو لم تكن بينة ويعرض على القائف.

وعن ابن أبي هريرة: لا تسقطان وترجح إحداهما بقول القائف.

هذا كله على التساقط، ومن المعلوم: أنه لا يأتي هنا قول القسمة ولا الوقف؛ لما في ذلك من ضياع مصلحة الطفل، وهل يأتي قول القرعة؟ وجهان: أصحهما: لا؛ لأن القرعة لا تعمل في النسب، وحينئذ فلا حقيقة لهذا القول هنا، ولهذا قال المصنف في (نكته): ليس لنا موضع تسقط فيه الأقوال الثلاثة في استعمال البينتين إلا في هذا الموضع ومسألة الشك في النجاسة.

ص: 85

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تتمة:

عند تعارض البينتين لو اختص أحد المتداعبين بيد .. قال الرافعي: لم ترجح بينة بها، بخلاف الأملاك حيث قدم فيها بينة ذي اليد.

وفي (الإيضاح) للمسعودي و (أمالي أبي الفرج الزاز): أنه لو أقام أحدهما بينة بأنه في يده من سنة والثاني بينة بأنه في يده من شهر وتنازعا في نسبه .. فصاحب المتقدمة التاريخ مقدم، لكن هذا كلام غير مهذب؛ فإن ثبوت اليد لا يقتضي ثبوت النسب، قال ابن الرفعة: بل هو كلام مهذب؛ فإن كان أحدهما صاحب يد .. فقدمت بينته كبينة الداخل، قال: وهذا أمر لابد منه، ولعلهم أهملوه لمعرفته من القواعد.

*

*

*

خاتمة

إذا تنازعا في اللقيط فذكر أحدهما أن على ظهره شامة أو علامة وأخبر بالذكورة أو الأنوثة وأصاب ذلك فيها .. لم يتقدم على الآخر بذلك، وقال أبو حنيفة: يتقدم.

لنا: أنهما لو تنازعا في اللقطة ووصفها أحدهما .. لم يرجح بذلك فكذلك هنا، ولو ألحقه القائف بأحدهما ثم بالآخر .. لم ينقل إليه؛ لأن الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد، وقال الرافعي: إن هذا فيما إذا عرض عليه معهما، أما لو كان العرض مع أحدهما فألحقه به ثم عرض على الآخر فألحقه به .. فالمنصوص: أنه لا يثبت نسبه من واحد منهما وإن ألحقته قافة.

ص: 86