المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فَصْلٌ: لَهُ الرُجُوعُ عَنْ الوَصِيةِ وَعَنْ بَعْضِهَا بِقَوْلِهِ: نَقَضْتُ الْوَصِيَةَ، أَوْ - النجم الوهاج في شرح المنهاج - جـ ٦

[الدميري]

الفصل: ‌ ‌فَصْلٌ: لَهُ الرُجُوعُ عَنْ الوَصِيةِ وَعَنْ بَعْضِهَا بِقَوْلِهِ: نَقَضْتُ الْوَصِيَةَ، أَوْ

‌فَصْلٌ:

لَهُ الرُجُوعُ عَنْ الوَصِيةِ وَعَنْ بَعْضِهَا بِقَوْلِهِ: نَقَضْتُ الْوَصِيَةَ، أَوْ أَبْطَلْتُهَا، أَوْ رَجَعْتُ فِيْهَا، أَوْ فَسَخْتُهَا، أَوْ هَذَا لِوَارِثِيِ .....

ــ

قال: (فصل:

له الرجوع عن الوصية وعن بعضها)؛ لأنها عطية لم يزل عنها ملك معطيها، فأشبهت الهبة إذا لم تقبض.

وروى البيهقي بإسناد صحيح عن عمر وعائشة رضي الله عنها: يغير الرجل من وصيته ما شاء، وحكى الأستاذ أبو منصور فيه: الإجماع.

واحترز بـ (الوصية) عن التبرعات المنجزة في مرض الموت وإن كانت من الثلث؛ فليس له رجوع عنها.

قال: (بقوله: نقضت الوصية، أو أبطلتها، أو رجعت فيها، أو فسختها)؛لأن كل ذلك صريح فيها، وكذا رفعتها، ورددتها، ولو قال: هو حرام على الموصى له .. فالمشهور: أنه رجوع، وكذا حرمته عليه، وفيه وجه: أنه ليس برجوع.

ولو قال: هو تركتي .. فالأصح: أنه ليس برجوع، ولو سئل عنها فأنكرها .. فالأصح في (الروضة):أنه ليس برجوع.

وكلام الرافعي كالصحيح في أنه إن قال ذلك لغرض .. لم يكن رجوعا، وإلا .. فرجوع كما في (الوكالة)،وصححا في (باب التدبير):أنه لا يكون رجوعا.

ولو قال: لا أدري .. لم يكن رجوعا، خلاف لأبي حنيفة رحمه الله.

قال: (أو هذا لوارثي) أي: بعد موتي؛ لأن كونه لوارثه بعد الموت ينافي كونه وصية، وكذلك الحكم لو قال: هو ميراث عني، قال الرافعي: كذا قيل، لكن سنذكر فيما إذا أوصى بشيء لزيد ثم أوصى به لعمرو .. لم يكن رجوعا، بل يشتركان، فكان يجوز أن يقال به هنا، فيبطل نصف الوصية، وأسقط هذا من (الروضة).

ص: 315

وَبَبْيِعٍ وَإِعْتَاقٍ وَإِصْدَاقٍ،

ــ

قلت: الجواب: أن قوله: هذا لوارثي بعد موتي .. مفهوم صفة، أي: لا لغيره، وأما قوله: هو لعمرو، بعد أن قال: هو لزيد .. فمفهوم لقب، والصحيح: أنه ليس بحجة، فلذلك قيل بالتشريك في هذه دون تلك.

قال: (وببيع وإعتاق وإصداق)،الذي تقدم كان في صيغ الرجوع، وهذا في تصرفات تتضمن الرجوع.

فمنها البيع والإعتاق والإصداق؛ لأنها مزيلة للملك، وكذا جعله أجرة أو عوض خلع؛ لأت تصرفات صادف الملك فنفذ، و (الوصية):تمليك عقد بالموت، فإذا لم يبق ملك الموصي في الموصى به .. لغت، كما لو هلك الموصى له.

قال في (المهمات):كذا علله الرافعي، وهو فاسد؛ لأن من لا يملك شيئا أصلا .. تصح وصيته اعتمادا على ما سيملكه، وأيضا الأصح: أنه تصح وصيته بعين لا يملكها، فعدم الملك ليس مانعا من الابتداء، ففي الدوام أولى، فإذا عادت إلى

ص: 316

وَكَذَا هِبَةٌ أَوْ رَهْنٌ مَعَ قَبْضٌ، وَكَذَا دُونَهُ فِي الأَصَح?. وَبِوَصِيَةِ هَذِهِ الْتَصَرُفَاتِ،

ــ

ملكه .. ولم تعد الوصية قطعا، ولم يخرجوه على الخلاف في الزائل العائد.

ولو لم يتم البيع وفسخ في زمن خيار المجلس .. فكذلك، وعن الأستاذ أبي منصور: أنا إن وقفنا زوال الملك على انقضاء الخيار .. لا يكون رجوعا.

وكتابة الرقيق الموصى به .. جزم الرافعي بأنها رجوع، والمنصوص: أن التدبير رجوع أيضا.

قال: (وكذا هبة أو رهن مع قبض)؛لما قلناه، واشتراط القبض عائد إليهما، أما في الهبة .. فلزوال الملك، وأما في الرهن .. فلأجل لزومه.

وفي وجه: أنه ليس برجوع؛ لأنه لا يزيل الملك، وإنما هو نوع انتفاع كالاستخدام، وهذا الوجه في الرهن لا في الهبة.

كل هذا في الهبة الصحيحة؛ فإن الإطلاق يقتضي ذلك، أما الفاسدة .. ففيها أوجه: ثالثها: إن اتصل بها القبض .. كان رجوعا، وإلا .. فلا.

قال في (الكفاية):وعبارة (الحاوي) تفهم طردها في الرهن الفاسد أيضا.

قال: (وكذا دونه في الأصح) أي: إذا وهب ولم يقبض .. فالأصح: أنه رجوع لقصده الصرف عن الموصى له.

والثاني: ليس برجوع؛ لعدم زوال الملك.

وقال الإمام: إنه لا يستجيز عده في المذهب.

قال: (وبوصية بهذه التصرفات) أي: بالبيع، وما ذكر معه مما هو رجوع كما لو وجدت من الموصي.

وفي وجه: أنه كما لو أوصى لزيد بشيء ثم أوصى به لعمرو فيكون رجوعا في النصف.

وفرق الغزالي؛ بأن الموصى به ثانيا هنا ليس من جنس الأول حتى يحمل على التشريك، ولذلك لا ينتظم الجمع بينهما في صيغة التشريك، بأن يقول: أوصيت به

ص: 317

وَكَذَا تَوْكِيلٌ فِي بَيْعِهِ وَعَرْضِهِ عَلَيْهِ فِي الأَصَح?

ــ

لفلان وأعتقوه، بخلاف قوله: أوصيت به لهما.

قال الرافعي: وهذا الفرق غير مجد.

قال: (وكذا توكيل في بيعه وعرضه عليه في الأصح)؛لأنه توسل إلى أمر يحصل به الرجوع.

والثاني: لا؛ لأنه قد لا يوجد.

وحاصل ترتيب الخلاف: أن العرض على البيع كالتوكيل به والتوكيل به كالوصية به والمقابل للجميع الرجوع بالنصف فقط، هذا مقتضى مافي (الشرح) و (الروضة)،فلا يحسن إطلاق الكتاب في التوكيل والعرض، ولا (الروضة) في العرض.

ثم جميع ما ذكره المصنف في الوصية بمعين، أما إذا أوصى بثلث ماله ثم تصرف في جميع ما يملكه ببيع أو إعتاق أو غيرها .. فإنه لا يكون رجوعا، وكذا لو هلك جميع ماله .. لم تبطل الوصية؛ لأن الثلث مطلقا لم يختص بما عنده حال الوصية بل العبرة بما يملكه عند الموت زاد أو نقص.

فروع:

الأول: أوصى له بدار أو بخاتم ثم أوصى بأبنية الدار أو بفص الخاتم لآخر .. فالعرصة والخاتم للأول، والأبنية والفص بينهما تفريعا على المشهور.

ولو أوصى لزيد بدار ثم أوصى لآخر بسكناها أو بعبد ثم لآخر بخدمته .. فعن الأستاذ: أن الرقبة للأول، والمنفعة للثاني.

قال الرافعي: ويجوز أن يشتركا في المنفعة كما في الفص والأبنية.

وفرق ابن الرفعة؛ بأن المنفعة معدومة والفص والأبنية موجودان وهما موصى بهما؛ لاندراجهما تحت الاسم، والمنفعة غير مندرجة تحت اسم العبد والدار.

الثاني: أوصى لرجل بأمة حامل ثم أوصى بحملها لآخر .. كانت الأمة للأول، والحمل مشتركا بينه وبين الثاني.

ص: 318

وَخَلْطُ حِنْطَةٍ مُعَيْنَةٍ رُجُوعٌ، وَلَوْ أَوْصَى بِصَاعٍ مِنْ صُبْرَةٍ فَخَلَطَهَا بِأَجْوَدَ مِنْهَا .. فَرُجُوعٌ،

ــ

ولو أوصى بحملها للأول ثم أوصى بها للثاني .. كان الحمل بينهما، والجارية للثاني؛ لأن الأصح: أن الحمل في الوصية يتبع الأم.

الثالث: تزويج العبد والأمة الموصى بهما، وإجارتهما، وختانهما، وتعليمهما، والإعارة، والإذن في الإجارة والاستخدام وركوب الدابة ولبس الثوب .. ليس برجوع.

الرابع: أوصى بجارية ثم وطئها .. ففي كونه رجوعا ثلاثة أوجه:

أصحها: أنه ليس برجوع.

وثالثها- لابن الحداد-:أنه إن أنزل .. كان رجوعا، وإلا .. فلا.

الخامس: أوصى ببيع شيء ثم صرف ثمنه للفقراء، ثم أوصى ببيعه وصرف ثمنه للمساكين .. لم يكن رجوعا ويصرف الثمن لهما نصفين، بخلاف ما لو أوصى بشيء للفقراء ثم وصى ببيعه وصرف ثمنه للمساكين؛ فإنه رجوع.

السادس: ارتد الموصي .. تبطل الوصية على الصحيح.

قال: (وخلط حنطة معينة رجوع)؛لتعذر تسليمها، سواء خلطها بمثلها أو بأجود أو بأردأ؛ لتعذر التسليم.

وقيل: خلطها بالمثل والأردأ ليس برجوع.

وصورة المسألة: أن تكون الحنطة المعينة موصى بها كلها، فخلطها بغيرها، فإن كان الموصى به صاعا منها من غير تعيين .. فسيأتي، وكان الصواب أن يقول: وخلطه، كما عبر في (الروضة)،فإن غيره لو خلطها بغير أمره .. لم يؤثر.

قال: (ولو أوصى بصاع من صبرة فخلطها بأجود منها .. فرجوع)؛لأنه لا يلزمه تسليم الزيادة ولا يمكن بدونها.

قال الرافعي: وقد ذكرنا في البناء المستحدث في الدار وجها: أنه يدخل الوصية؛ لأنه صار من الدار، وذلك الوجه هنا أقرب منه في البناء وإن لم يذكروه،

ص: 319

أَوْ بِمِثْلَهَا .. فَلَا، وَكَذَا بِأَرْدَأ فِي الأَصَح?. وَطَحْنُ حِنْطَةٍ وَصَى بِهَا، وَبَذْرُهَا، وَعَجْنُ دَقِيقٍ، وَغَزْلُ قُطْنٍ، وَنَسْجُ غَزْلٍ، وَقَطْعُ ثَوْبِ قَمِيصاً، وَبِنَاءٌ وَغِرَاسٌ فِي عَرْصَةٍ .. رُجُوعٌ

ــ

ورده الشيخ؛ بأن الدار هي المقصودة والبناء المستحدث صفة تابعة، بخلاف كل من الخليطين.

قال: (أو بمثلها .. فلا)؛إذ لا زيادة، وهذا مقطوع به.

قال: (وكذا بأردأ في الأصح) كما لو عيب الموصى به أو أتلف بعضه.

والثاني: أنه رجوع؛ لأنه غير الموصى به عما كان، فأشبه الخلط بالأجود، وهذا أورده القاضي أبو الطيب ونسبه إلى عامة الأصحاب، واختاره الإمام.

قال: (وطحن حنطة وصى بها، وبذرها، وعجن دقيق، وغزل قطن، ونسج غزل، وقطع ثوب قميصا، وبناء وغراس في عرصة .. رجوع)؛لأن ذلك يبطل اسم الموصى به، والوصية متعلقة بذلك الاسم، وهذه التصرفات مشعرة بقصد التمليك.

قال الرافعي: ولو أوصى بلحم فشواه .. كان رجوعا قطعا، وفيه وجه في (البحر).

تتمة:

أوصى لزيد بشيء معين ثم أوصى به لعمرو .. لم يكن رجوعا على النص، بل يكون بينهما نصفين، ولو أوصى به لثالث .. كان بينهم أثلاثا، ولو أوصى به لرابع كان بينهم أرباعا .. وهكذا، وبهذا قال الأئمة الثلاثة؛ لاحتمال إرادة التشريك، فتنزل الوصايا منزلة ما لو قال دفعة واحدة: أوصيت لهما.

وحكى المتولي وجها: أن الوصية الثاني رجوع.

وقال ابن بنت الشافعي: تبطل الوصية لهما؛ لإشكال حالهما.

وعلى المذهب: لو رد أحدهما .. كان للآخر الجميع، بخلاف ما إذا أوصى به لهما دفعة واحدة، ولو أوصى به لواحد وبنصفه لآخر، فإن قبلاه .. فثلثاه للأول وثلثه للثاني، وإن رد الأول .. فنصفه للثاني، وإن رد الثاني .. فجميعه للأول.

ص: 320