المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فَصْلُ: تَصِحُ بِمَنَافِعِ عَبْدِ وَدَارِ وَغَلَةِ حَانُوتِ، وَيمْلِكُ المُوصَى لَهُ مَنْفَعَةَ - النجم الوهاج في شرح المنهاج - جـ ٦

[الدميري]

الفصل: ‌ ‌فَصْلُ: تَصِحُ بِمَنَافِعِ عَبْدِ وَدَارِ وَغَلَةِ حَانُوتِ، وَيمْلِكُ المُوصَى لَهُ مَنْفَعَةَ

‌فَصْلُ:

تَصِحُ بِمَنَافِعِ عَبْدِ وَدَارِ وَغَلَةِ حَانُوتِ، وَيمْلِكُ المُوصَى لَهُ مَنْفَعَةَ الْعَبْدِ، ......

ــ

وعن أبي علي الثقفي: أنه يقسم على خمسة؛ لأن أمهات الأولاد محصورات يجب استيعابهن، والفقراء والمساكين غير محصورين، فيجعل كل واحد من الصنفين مصرفا، وكل واحدة منهن مصرفا.

قال: (فصل):هذا عقده لبيان الأحكام المعنوية، فقال:

(تصح بمنافع عبد ودار وغلة حانوت) سواء أبد ذلك أم أقته؛ لأن هذه أموال تقابل بالأعواض فكانت كالأعيان، ولم يخالف في ذلك إلا ابن أبي ليلى والزبيري من أصحابنا، وهما محجوجان بإجماع غيرهما، وهذا ذكره في أول الباب حيث قال:(وبالمنافع)،لكن كرره؛ لأجل ترتب الأحكام الآتية عليه.

قال: (ويملك الموصى له منفعة العبد) كما يملك الموقوف عليه منفعة العين الموقوفة، فله أن يؤجر ويعير ويوصي بها، ولو مات في يده .. لم يضمنه، وجعلها أبو حنيفة إباحة لازمة لا ملك فيها.

وإطلاق المصنف يقتضي: عدم الفرق بين المؤقتة والمؤبدة، والذي في (الشرح) و (الروضة):أن هذا في المؤبدة أو المطلقة، أما إذا قال: أوصيت لك بمنافعه حياتك .. فهو إباحة لا تمليك فيها، فليس له الإجارة، لكن قطعا في (باب الإجارة) بالصحة، وهو المفتى به، فصح إطلاق المصنف.

ولملك العين دون المنفعة فوائد:

منها: عتقه وبيعه من الموصى له.

عن الشيخ عز الدين قال: مازلت أستشكل ملك الرقبة دون المنفعة وأقول: هذا دائما ينتفع ويملك المنافع، فما الذي يبقى لمالك الرقبة؟ حتى رأيت في النوم قائلا يقول: لو ظهر بالأرض معدن .. ملكه مالك الرقبة دون المنفعة.

ص: 298

وَأَكْسَابَهُ المُعُتَادَة، َ وَكَذَا مَهْرَهَا فِي الأَصَحِ،

ــ

قال: (وأكسابه المعتادة)؛لأنها بدل المنافع المملوكة.

واحترز بـ (المعتادة) عن النادرة، كاتهابه والتقاطه، فلا يملكها الموصى له في الأصح؛ لأنها لا تقصد بالوصية، وصحح الماوردي والروياني مقابله، فلو غصب العبد الموصى بمنفعته .. كان للموصى له أجرة المدة التي كانت في يد الغاصب على المذهب.

قال: (وكذا مهرها في الأصح) كما إذا تزوجت أو وطئت بشبهة؛ لأنه من فوائد الرقبة كالكسب، وهذا نقلاه عن العراقيين والبغوي؛ وبه جزم الأكثرون.

والثاني- وهو الأشبه في (الشرح) و (الروضة) -:أنه لورثة الموصي؛ لأنه بدل منفعة البضع وهي لا يوصى بها، وهذا ينتقض بالموقوفة؛ فإن مهرها للموقوفة عليه ومنفعة البضع لا توقف.

وسكت الشيخان عن أرش البكارة لو كانت بكرا، والظاهر: أنه كالمهر.

قال ابن الرفعة: وما قاله الشيخان منتقض بمهر الموقوفة؛ فإنه للموقوف عليه وإن كان لا يصح وقف منفعة البضع، أما وطؤها .. فلا يجوز للموصى له جزما، وإن وطئها .. فجزم الرافعي هنا بأنه لا يحد، واقتصر في (كتاب الوقف) على: أنه يحد.

قال ابن الرفعة: والصحيح: ما صححه هنا، يعني: عدم الحد، وعليه اقتصر القاضي والماوردي.

ولو أولدها بالوطء .. لم تصر أم ولد، لكن الولد حر على الصحيح؛ للشبهة، وقيل: رقيق.

ص: 299

لَا وَلَدَهَا ِفي الأَصَحِ، بَلْ هُوْ كَالأُمِ؛ مَنْفَعَتُهُ لَهُ، وَرَقَبَتُهُ لِلْوَارِثِ، وَلَهُ إِعْتَاقُهُ،

ــ

قال: (لا ولدها في الأصح، بل هو كالأم؛ منفعته له، ورقبته للوارث)؛لأنه جزء من الأم فيجري مجراها.

والثاني: أنه للموصى له كولد الموقوفة وهو كسبها؛ لأنه عليه الصلاة والسلام سمى ولد الرجل كسبا له.

والفرق على الصحيح: أن الملك في الوقف قهري، وهنا اختياري، فسرى القهري إلى الولد دون الاختياري.

والثالث: الولد ومنفعته للورثة، وقد تقدم في الموقوفة وجه: أنه يملك ولد الأمة دون ولد الفرس والحمار، ولا يبعد مجيئه هنا، ثم إن الشيخين أطلقا الخلاف، وينبغي أن يكون فيما إذا أطلق الوصية بالمنافع أو وصى بالركوب والحمل، فإن خصه بالنسل .. ملكه قطعا كما صرح به الماوردي في ولد الموقوفة؛ والأصح: أن الموصى له ينفرد بالمسافرة بالموصى بمنفعتها؛ لاستغراقه المنافع، فإن كانت أمة .. فإنه يجوز له السفر أيضا مع توقي الخلوة كما في الحضر، وليس للوارث كتابة هذا العبد عل الأصح؛ لأن أكسابه مستحقة.

قال: (وله إعتاقه) المراد: أن للوارث أن يعتق العبد الموصى بمنفعته؛ لأن رقبته خالصة له، لكنه إعتاق لا يجزئ عن الكفارة على الأصح؛ لعجزه عن الكسب، فإذا أعتق .. فالأصح: أن الوصية تبقى بحالها، وتبقى المنافع مستحقة للموصى له كما كانت.

وقيل: تبطل الوصية؛ لأنه يبعد أن تكون منفعة الحر مستحقة للموصى له كما كانت.

فعلى هذا: في رجوع الموصى له على الوارث بقيمة المنفعة وجهان، صحح المصنف منهما: الرجوع.

ص: 300

وَعَلَيْهِ نَفَقَتُهُ إِنْ أَوْصَى بِمَنْفَعَتِهِ مُدَةْ، وَكَذَا أَبَدا فِي الأَصَح?، وَبَيْعِهِ إِنْ لَمْ يُؤَبِدْ كَالمُسْتَأَجِرِ، وَإِنْ أَبَدَ .. فَالأَصَح?: أَنَهُ يَصِحُ بَيْعُهُ لِلمُوصَى لَهُ دُوْنَ غَيْرِهِ،

ــ

وينبغي أن يكون محل الخلاف في الموصى بمنفعته مؤبدا، أما المؤقت .. فله إعتاقه قطعا، ثم شرط العتق أن يكون منجزا.

قال: (وعليه) أي: على الوارث (نفقته إن أوصى بمنفعته مدة) كالمستأجر؛ لأنه مالك الرقبة، وهذا لا خلاف فيه.

قال: (وكذا أبدا في الأصح)؛لأنه ملكه وهو متمكن من دفع الضرر عنه بالإعتاق.

والثاني- وبه قال أبو حنيفة وأحمد والإصطخري-:أنها على الموصى له؛ لأنه ملك منفعته على التأبيد، فأشبه الزوج.

والثالث: أنه في كسبه، فإن لم يكتسب أو لم يف بها .. ففي بيت المال، والفطرة كالنفقة فيها الأوجه.

فرع:

عمارة الدار الموصى بمنفعتها وسقى البستان إن تراضيا عليه أو تطوع به أحدهما .. فذاك وليس للآخر منعه، وإن تنازعا .. لم يجبر واحد منهما، بخلاف النفقة؛ لحرمة الزوج.

قال: (وبيعه إن لم يؤبد كالمستأجر) فيصح في الأصح، والجامع استحقاق المنفعة مؤقتة، وقيد ابن الرفعة والشيخ الخلاف بما إذا كانت المدة معلومة، فإن كانت مجهولة كحياة زيد .. فيتعين القطع بالبطلان كدار المعتدة بالأقراء.

قال: (وإن أبد .. فالأصح: أنه يصح بيعه للموصى له دون غيره)؛لوجود المنفعة له دون غيره.

والثاني: يصبح مطلقا؛ لكمال الملك.

والثالث: لا يصح مطلقا؛ لسلب المنفعة فصار كالحشرات، وهذا عليه معظم الأصحاب.

ص: 301

وَأَنَهُ تُعْتَبَر قِيْمَةُ الْعَبْدِ كُلَهَا مِنْ الْثُلُثِ وَإِنْ وَصَى بِمَنْفَعَتِهِ أَبَداً،

ــ

والرابع: يصح بيع العبد والأمة؛ للتقرب بإعتاقهما دون البهيمة والجمادات، أما الماشية الموصى بنتاجها .. فيصح بيعها للصوف واللبن والظهر، فلم تستغرق الوصية منافعها، وهل تباع حاملا؟ خرجه ابن الرفعة على بيع الحامل بحر.

هذا إذا لم يجتمعا على البيع من غيرهما، فإن اجتمعا .. فالقياس: الصحة، وحكى الدرامي فيها وجهين.

ولو أراد صاحب المنفعة بيعها .. فقياس ما سبق: الصحة من الوارث دون غيره، وبه جزم الدرامي.

فرع:

يجوز تزويج الأمة الموصى بمنفعتها، وفيمن يزوجها ثلاثة أوجه:

أحدها: الوارث استقلالا.

والثاني: الموصى له.

والأصح: الوارث بإذن الموصى له.

وفي (المعاياة) للجرجاني: أوصى لرجل بجارية ويحملها لآخر وقبلا ثم أعتق الجارية صاحبها .. لم يعتق الحمل، قال: وهذه النوادر؛ أمة حبلى بمملوك تعتق ولا يعتق ولدها.

قال: (وأنه تعتبر قيمة العبد كلها) أي: رقبة ومنفعة (من الثلث إن أوصى بمنفعته أبدا)؛لأن لم تبق له قيمة، وقد حال بينها وبين الوارث، والحيلولة كالإتلاف؛ لأن الغاضب يضمن بها.

والثاني: أن المعتبر ما بين قيمته بمنافعه ومسلوبها، وصحح هذا الغزالي وطائفة؛ لأن الرقبة باقية للوارث لا معنى لاحتسابها على الموصى له.

فعلى هذا: تحسب قيمة الرقبة على الوارث في الأصح.

ص: 302

وَإِنْ أَوْصَى بِهَا مْدَةَ .. قَو?مَ بِمَنْفَعَتِهِ ثُمَ مَسْلُوبِهَا تِلْكَ المْدَةَ، وَيُحْسَبُ النَاقِصُ مِنْ الثُلُثِ. وَتَصِحُ بِحَجِ تَطَوُعِ فِي الأَظْهَرِ،

ــ

مثاله: أوصى بعبد قيمته بتمام منافعه مئة ودون المنافع عشرة .. فعلى الأصح: تعتبر من الثلث المئة، ويشترط أن يكون له سوى العبد مئتان، وعلى الثاني: المعتبر التسعون، فيشترط أن يبقى للورثة ضعفها مئة وثمانون.

قال: (وإن أوصى بها مدة .. قوم بمنفعته ثم مسلوبها تلك المدة، وبحسب الناقص من الثلث)،فإذا قومناه بالمنفعة بمئة ومسلوبها تلك المدة بثمانين .. فالوصية بعشرين.

والثاني: أن الحكم كما في الوصية المؤبدة.

والثالث: تعتبر أجرة تلك المدة عكس مسألة الكتاب أن يوصى برقبة دون منفعتها، فتعطي الرقبة للموصى له، فإن أراد عتقها لا عن كفارة .. جاز، وإن أراد بيعها .. جاز من مالك المنفعة دون غيره على الأصح، وفي نفقتها وجهان: أصحهما: أنهما على الموصى له بالرقبة.

ولو أوصى لزيد بمنفعة عبد ولآخر برقبته فرد الموصى له بالمنفعة الوصية .. فهل تعود إلى الموصى له بالعين أو إلى الورثة؟ فيها وجهان: أشبههما- واختاره الشيخ-:أنها للورثة، وقيل: للموصى له الآخر.

وإذا غصب العبد الموصى بمنفعته .. فالأصح: أن أجرته للموصى له.

ولو انهدمت الدار الموصى بمنفعتها فأعاداها الوارث بآلتها .. ففي عود حق الموصى له وجهان: صحح المصحف منهما: العود، ويجريان فيما لو أراد الموصى له أن يعيدها بآلتها، ولو قال للورثة: استخدموا عبدي سنة بعد موتي ثم هو بعد السنة وصية لفلان .. جاز، ولا تقوم خدمة السنة على الورثة؛ لأنهم استخدموا ملكهم، قاله في (البحر).

قال: (ولا تصح بحج تطوع في الأظهر)؛بناء على دخول النيابة فيه، وهو الأظهر.

والثاني: المنع؛ لأن النيابة إنما دخلت في الفرض للضرورة ولا ضرورة إلى

ص: 303

وَيُحَجُ مِنْ بَلَدِهِ أَوْ الْمِقَياتِ كَمَا قَيَدَ، وَإِنْ أَطْلَقَ .. فَمِنْ الِميقَاتِ فِي الأَصَحِ. وَحَجَةُ الإِسْلَامِ مِنْ رَاسِ المَالِ، فَإِنْ أَوْصَى بِهَا مِنْ رَاسِ المَالِ أَوْ الثُلُثِ .. عُمِلَ بِهِ، وَإِنْ أَطْلَقَ الوَصِيَةَ بِهَا .. فَمِنْ رَاسِ الْمَالِ، وَقِيْلَ: مِنْ الْثُلُثِ، ......

ــ

التطوع والعمرة في جميع ذلك كالحج.

واحتزر بـ (التطوع) عن الفرض؛ فيصح قطعا.

قال: (ويحج من بلده أو الميقات كما قيد)؛عملا بالوصية.

هذا لا نزاع فيه إذا بلغ ثلثه الحج من بلده، فإن لم يبلغ .. حج عنه من حيث بلغ، نص عليه في (عيون المسائل).

قال: (وإن أطلق .. فمن الميقات في الأصح)؛حملا على أقل الدرجات.

والثاني: من بلده؛ لأن الغالب: أن السفر للحج والتجهيز يكون من البلد؛ فإذا قال: أحجوا عني بثلثي .. فعل ما يمكن به ذلك من حجتين أو أكثر، فإن فضل مالا يمكن أن يحج به .. فهو للورثة، فإن قال: أحجوا عني بثلثي حجة واحدة وكان ذلك أكثر من أجرة المثل .. لم يجز أن يصرف ذلك إلى وارث يحج؛ لأن الحج بأكثر من أجرة المثل محاباة، وذلك ممتنع للوارث.

قال: (وحجة الإسلام من رأس المال) أي: إذا لم يوص بها كسائر الديون.

وقال أبو حنيفة: تسقط بالموت، وكذا يقول في الزكاة، وقوله بالسقوط في الحج أظهر منه في الزكاة؛ لأن الحج فعل والزكاة مال في الذمة، ولكن السنة دلت على جواز الحج عن الميت، فلا التفات إلى القياس مع السنة.

قال: (فإن أوصى بها من رأس المال أو الثلث .. عمل به) كما لو أوصى بقضاء دين من ثلثه، وفائدة جعلها من الثلث: مزاحمة الوصايا.

قال: (وإن أطلق الوصية بها .. فمن رأس المال) كما لو لم يوص، وتحمل الوصية بها على التأكيد.

قال: (وقيل: من الثلث)؛لأنه لما وصى به .. أخرجه مخرج الوصايا، فكان من الثلث كما لو صرح به.

ص: 304

وَيُحَجُ مِنْ الْمِيْقَاتِ. وَللأَجْنَبِيً أَنْ يَحُجَ عَنْ المَيْتِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فِي الأَصَح? .....

ــ

ثم ظاهر إطلاق المصنف يقتضي: أن الخلاف وجهان، وفي (الروضة) عبر بالمذهب.

قال: (ويحج من الميقات) أي: ميقات بلده؛ لأن لو كان حيا .. لم يلزمه سواه.

وهذا مجزوم به إن قلنا: من رأس المال، وكذا إن جعلناه من الثلث على الأصح، أما الحجة المنذورة في الصحة .. فالأصح: أنها كحجة الإسلام؛ لوجوبها، وقيل: كالتطوع؛ لأنها لا تلزم بأصل الشرع، وأما التي نذرها في مرض الموت .. فمن الثلث قطعا، صرح به الفوراني وغيره، وهو ظاهر، والخلاف جار في الكفارات والصدقة المنذورة.

قال: (وللأجنبي أن يحج عن الميت بغير إذنه في الأصح) كما لو كان عليه دين فقضاه عنه.

والثاني: المنع؛ لأن الحج عبادة تفتقر إلى النية، ولا تصح النية إلا باستنابته أو استنابة نائبه، وصححه المصنف في نظير المسألة من الصوم كما سبق، والفرق مشكل.

وإطلاق المصنف (الحج) يوهم: أن للأجنبي أن يحج عن الميت المتطوع بغير إذنه، والأصح: أنه لا يصح إذا لم يكن بإذنه لا إذن وارثه كما صرح به في (شرح المهذب)،بل قال: إنه لا خلاف فيه،، فيجب حمل كلام المصنف على حج الفرض.

وعلم من هذا أن الاعتمار عن الميت الذي اعتمر عن نفسه غير جائز، وأن ذلك يقع للمعتمر لا للميت، إلا أن يوصي الميت به، وكثيرا ما يغلط الناس في ذلك فيعتمرون تطوعا عن أموات لم يوصوا بذلك.

ص: 305

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيه:

أفهم قوله: (للأجنبي):أن للقريب ذلك قطعا وإن لم يكن وارثا، ويؤيده ما سبق في (الصوم) عنه، لكن قيده في (الشرح) و (الروضة) بالوارث، وذكره الحج مثال؛ فإن الزكاة كذلك، فيجوز للأجنبي أن يؤدي عنه زكااة الفطر وزكاة المال في الأظهر، حكاه الروياني عن النص، وهل يثاب الميت عليه؟ قال القاضي أبو الطيب: إن كان قد امتنع ولا عذر له في التأخير لم يثب، وإلا .. أثيب.

واقعة:

أوصى أن يحج عنه بألف ولم يعين شخصا، فاستؤجر عنه شخص بخمس مئة، ولم يعلم المستأجر صورة الحال وحج .. تبين بطلان الخمس مئة الزائدة، ووقعت في زمن ابن الرفعة، فاقتضى نظره بعد إمعان الفكر: أن القدر الموصى به إن كان قدر أجرة المثل .. فتصح الإجارة والباقي للورثة، وإلا .. فله ويكون وصية، كما لو أوصى بشراء عبد بألف ويعتق عنه فاشترى بخمس مئة وأعتق والبائع جاهل بالحال ..

ص: 306

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فإن الماوردي قال: إن ساوى ألفا .. فالباقي للورثة، أو خمس مئة .. فللبائع؛ لأنه وصية له، أو سبع مئة .. فله ثلاث مئة والمئتان للورثة، وكذا قال القاضي حسين.

وهذه تشبه واقعة في زمن القفال بمدينة مرو في شخص أوصى أن تشتري عشرة أقفزة حنطة بمئتي درهم ليتصدق بها، فوجدوا من أجود الحنطة عشرة أقفزة بمئة، فمن فقهاء مرو من أفتى برد الزيادة للورثة، ومنهم من جعلها وصية لبائع الحنطة، ومنهم من قال: تشتري بالزيادة حنطة ويتصدق بها، وقيل: هذا لا يتصور في الحج.

ووقع في (فتاوي ابن الصلاح):أن الورثة لو استأجروا من يحج عن مورثهم حجة الإسلام الواجبة ولم يكن أوصى بها ثم تقايلوا مع الأجير .. لم تصح الإقالة؛ لوقوع العقد لمورثهم.

فروع:

الأول: إذا امتنع المعين من الحج عنه .. أحج عنه غيره بأجرة المثل أو أقل إن كان الموصى به حجة الإسلام، فإن كان تطوعا .. فهل تبطل الوصية؟ فيه وجهان:

أحدهما: نعم، كما لو قال: اشتروا عبد فلان فأعتقوه، فلم يبعه فلان .. لا يشتري عبد آخر.

والثاني- وهو الأصح-:لا؛ لأن المقصود هنا الحج، والمقصود في العبد عتقه وهو حق له.

الثاني: يجوز أن يكون أجير التطوع عبدا أو صبيا، بخلاف حجة الإسلام، وفي المنذورة خلاف مبني على ما يسلك به.

الثالث: في (زيادات العبادي):أوصى لأول من يحج عنه بكذا، فحج عنه اثنان، ثم ثالث .. لا يستحق واحد منهما شيئا، أما الأولان .. فلأنه لم يحج عنه

ص: 307

وَيُؤدي الْوَارِثُ عَنْهُ الْوَاجِبَ المَالِي? فِي كَفَارَةِ مُرَتَبَةٌ، وَيُطْعِمُ وَيَكْسُو فِي الْمُخَيَرَةِ، وَالأَصَحُ: أَنَهُ يُعْتِقُ أَيْضاً، وَأَنْ لَهً الأَداءَ مِنْ مَالِهِ إِذاَ لَمْ تَكُنْ ترَكِةَ،

ــ

واحد منهما، أما الثالث .. فلأن السبق لم يوجد من جهته، وسيأتي في أوائل (كتاب العتق) نظير هذا الفرع، وأن الأول يطلق على المتعدد.

قال: (ويؤدي الوارث عنه الواجب المالي) كالعتق والإطعام والكسوة (في كفارة مرتبة) ككفارة القتل والظهار والوقاع؛ لتبرأ بذلك ذمته وتبرد جلدته.

والمصنف أطلق (الأداء) ومراده: من التركة، ويكون الولاء للميت إذا أعتق والواجب منها يلتفت إلى الخلاف في اعتبار حال الوجوب أو الأداء أو الأغلظ ثم.

وإطلاقه يشمل: ما إذا أدى الوارث من ماله مع وجود التركة، قال الشيخ: وهو كذلك فيما يظهر لي، ويكون الولاء للميت، قال: ثم وجدت في (البيان) ما يوافقه.

وقال الرافعي تفقها: يشبه أن يكون كالأجنبي.

قال: (ويطعم ويكسو في المخيرة) أي: الوارث من التركة.

و (المخيرة):كفارة اليمين، ونذر اللجاج، وتحريم عين الأمة.

و (الواو) في قوله: (ويكسو) بمعنى (أو).

قال: (والأصح: أنه يعتق أيضا)؛لأنه خليفته، فإعتاقه كإعتاقه.

والثاني: لا؛ إذ لا ضرورة لإلحاق الولاء بالميت، وليس كالإطعام والكسوة؛ إذ لا محذور فيهما.

هذا كله إذا خلف الميت تركة، فأدى الوارث منها، أو من ماله مع وجودها على ما بحثه الشيخ مع الرافعي، ولم يتعرضوا هنا للأجنبي.

قال: (وأن له الأداء من ماله إذا لم تكن تركة)؛لأنه قائم مقامه.

والثاني: لا؛ لعبد العبادة عن النيابة.

والثالث: يمتنع الإعتاق فقط؛ لبعد إثبات الولاء للميت.

والرابع: يجوز الإعتاق في المرتبة دون المخيرة، وهذا مخرج.

ص: 308

وَأَنَهُ يَقَعُ عَنْهُ لَوْ تَبَرَعَ أَجْنَبِيٌ بِطَعَامٍ أَوْ كِسْوَةٍ، لَا إِعْتَاقٍ فِي الأَصَح?

ــ

قال: (وأنه يقع عنه لو تبرع أجنبي بطعام أو كسوة) كما في قضاء الديون.

والثاني: لا؛ لبعد العبادة عن النيابة.

والوجهان إذا جوزنا ذلك للوارث، وإلا .. فالأجنبي أولى.

والمراد بـ (الأجنبي):غير الوارث وإن كان قريبا.

قال: (لا إعتاق في الأصح)؛لاجتماع عدم النيابة وبعد إثبات الولاء للميت.

والثاني: يقع عنه كالوارث.

ومحل الخلاف الذي حكاه المصنف في الكفارة المخيرة، وأما المرتبة .. فالصحيح فيها .. الجواز كما قرره الشيخان في كفارة اليمين، وغير العتق يجوز التبرع به في الأصح، والوارث فيه أولى بالصحة.

وجميع ما ذكرناه محله: إذا قلنا: إن الكفارة لا تسقط بالموت كما هو المذهب، فلو لم يكن على الميت عتق أصلا فأعتق عنه وارثه أو غيره .. لم يصح عن الميت، بل يقع العتق والولاء للمعتق.

قال الشافعي رضي الله عنه: وأرجو أن يوصل الله للميت خير العتق ولا ينقص حق الحي.

وفي البيهقي مرسلا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له رجل: أعتق عن أبي وقد مات؟ قال: (نعم)،وقال له آخر: إن أمي هلكت، فهل ينفعها أن أعتق عنها؟ قال:(نعم).

وسئل ابن عباس عن الرجل يعتق عن والده، هل له في ذلك من أجر؟ قال:(نعم).

ص: 309

وَتَنْفَعُ الْمَيْتَ صَدَقَةٌ

ــ

فروع:

أحدها: مات وعليه دين ولا تركة فقضاه الوارث من عنده .. وجب على المستحق قبوله، بخلاف ما إذا تبرع به أجنبي

قال الإمام: وغالب ظني أني رأيت فيه خلافا، ذكره الرافعي في (باب القسامة).

الثاني: أدى الوصي من ماله الدين ليرجع في التركة .. جاز إن كان وارثا، وإن لم يكن وارثا .. نفذ، ولا يرجع؛ لأن الدين لا يثبت في ذمة الميت، قاله العبادي.

الثالث: الصحيح: وجوب إخراج كفارة القتل عن الصبي ونفقة القريب إن طولب بها، وتؤدي زكاة ماله.

قال الشيخ: وأما القاضي الشافعي .. فلا رخصة له في ترك إخراجها، وكان بعض القضاة الشافعية الموثوق بدينهم- وهو كمال الدين النشائي- لا يخرجها، ويقول: إذا بلغ .. أعرفه الخلاف في ذلك، فإن شاء .. أخرج عن نفسه، وتبعه عمي صدر الدين يحيى على ذلك، قال: وأردت أنا أن أفعل ذلك لما وليت قضاء الشام، ثم لم أفعل؛ خشية من مفسدة، ثم استقر رأيي على أن ترك إخراجها خطأ وتصير مضمونة للأصناف على الولي، وكذا على القاضي إذا كانت في يده وفعل ذلك من غير اجتهاد، وإن كان حنفيا .. ارتفع عنه الإثم والضمان.

قال: (وتنفع الميت صدقة) الأصل: أن لا ينفع الإنسان في آخرته إلا ثواب عمله الصالح دون فعل غيره؛ لقوله تعالى:} وأن ليس للإنسان إلا ما سعى {،واستثنى من ذلك أشياء:

منها: الصدقة عنه؛ فإنها تنفعه بإجماع الفقهاء، ولا اعتبار بإنكار بعض المتكلمين لها.

ونقل القرطبي في تفسير الآية عن مالك أنه قال: لا تجوز الصدقة عن الميت،

ص: 310

وَدُعَاءٌ

ــ

وضعفه؛ لنقل ابن عبد البر الإجماع على خلافه، وقع هنا في (الوسيط):أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي رضي الله عنه لما قضى دين ميت: (الآن بردت جلدته)،وصوابه: أنه قال لأبي قتادة رضي الله عنه.

قال الشافعي رضي الله عنه: وفي وسع الله أن يثيب المتصدق أيضا.

قال الأصحاب: يستحب أن ينوي المتصدق الصدقة عن أبويه؛ فإن الله تعالى ينيلهما الثواب ولا ينقص من أجره شيئا.

وقال الإمام: ينبغي أن تقع صدقة المتصدق عنه وينال الميت بركته، كما يقع الدعاء عبادة من الداعي وينال الميت بركته.

قال الشيخ عز الدين: وظاهر السنة ما قاله الأصحاب، فتقع الصدقة عن الميت وللمتصدق ثواب بره للميت، بخلاف الدعاء؛ فإنه شفاعة أجرها للشافع ومقصودها المشفوع له.

ودخل في إطلاق المصنف الوقف عنه، وحكاه الرافعي عن صاحب (العدة) في وقف المصحف.

قال: وينبغي أن يلحق به كل وقف، وفيه نظر؛ لاستداعائه دخوله في ملكه ثم يملكه الغير ولا نظير له.

قال: (ودعاء) أجمعوا عليه أيضا؛ لقوله تعالى:} والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان)،فأثنى عليهم بدعائهم لهم، ولأن الصلاة على الميت واجبة وهي دعاء.

وفي (الصحيحين): (أو ولد صالح يدعو له).

وقد تقدم في (الجنائز) حديث ابن عباس رضي الله عنهما: مثل الميت في قبره كالغريق المتغوث، وهذا في الحقيقة ليس مستثنى من الأصل المذكور؛ فإن ثواب

ص: 311

مِنْ وَارِثٍ وَأَجْنَبِي?

ــ

الدعاء للداعي، فالمدعو له يحصل له المدعو به، ففي الدعاء شيئان:

أحدهما: نفس الدعاء وثوابه للداعي لا للميت.

والثاني: حصول المدعو به إذا قبله الله، وذلك ليس من عمل الميت ولا يسمى ثوابا، بل هو فضل من الله تعالى في استجابته. ومعنى نفعه للميت: حصول المدعو به إذا استجابه الله تعالى.

نعم؛ دعاء الولد يحصل ثوابه بنفس الدعاء للوالد الميت؛ للحديث المذكور، ويستثنى هذا من انقطاع العمل إذا وصل نفس الدعاء، أما المدعو به .. فليس من عمله.

قال: (من وارث وأجنبي)؛لما روى الشيخان عن سعد بن عبادة رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله؛ إن أمي ماتت أفأتصدق عنها؟ قال: (نعم) قال: أي الصدقة أفضل؟ قال: (سقي الماء).

ووقع في (الوسيط):أن سعد بن أبي وقاص القائل ذلك، والصواب: ابن عبادة.

والأجنبي قيس على الوارث؛ لأنها معاونة على الخير، وقد حث الشارع عليها، ولأن النفوس متشوفة إلى انتفاع الموتى بالصدقة، ومقتضى الشرع الحث على ذلك.

ومعنى الدعاء: الاستغفار، روى أحمد بإسناد صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله ليرفع الدرجة للعبد في الجنة، فيقول: يارب أنى لي هذه؟ فيقال: باستغفار ولدك لك).

أما التضحية عن الميت .. فذكرها المصنف في آخر بابها، وسيأتي فيه بيانها.

وأما الصلاة .. فلا تفعل عن الميت تطوعا ولا قضاء، أوصى به أم لا، ونقل المصنف على ذلك الإجماع.

ص: 312

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وفيه وجه ضعيف: أنها تفعل عنه، واختاره ابن أبي عصرون، واستثنى ابن القاص ركعتي الطواف؛ فإن المستأجر يأتي بهما عن المحجوج عنه.

أما الصوم .. فلا يتطوع به عن الميت، وفي قضاء واجبه عنه قولان سبقا في بابه.

وأما الاعتكاف عنه .. فتقدم في بابه.

تتمة:

اشتهر عن الشافعي وابن مالك رضي الله عنهما: أن قرءة القرآن لا تصل للميت.

وعن أبي حنيفة وأحمد رضي الله عنهما: أنها تصل، وهو وجه عندنا، حكاه في (الأذكار) و (شرح مسلم) في (باب النهي عن الرواية عن الضعفاء)،واختاره ابن أبي عصرون في (الانتصار) وصاحب (الذخائر) وابن أبي الدم وابن الصلاح والمحب الطبري، وعليه عمل الناس سلفا وخلفا، وما رآه المسلمون حسنا .. فهو عند الله حسن.

ونص الشافعي رضي الله عنه على: أنه يقرأ عند القبور ما تيسر من القرآن ويدعو لهم عقبها، فقال الأصحاب: لكون الدعاء عقب القراءة أقرب إلى الإجابة، ويكون الميت كالحاضر ترجى له الرحمة والبركة، وأما ثواب القراءة .. فللقارئ، ولو أنه سأل الله تعالى أن ينقل ذلك الثواب الذي حصل له إلى الميت كما جرت به القراء .. فقال الشيخ: عندي أنه لا يمنع، وهو كسائر الدعاء، وإنما يحمل منع الشافعية والمالكية على ما إذا نوى القارئ بقراءته أن يكون ثوابها للميت من غير دعاء، وهذا الذي اختاره عبد الكريم الشالوسي، بالشين المعجمة في أوله كما قاله ابن السمعاني لا كما قاله المصنف في (تهذيبه):إنه بالمهملتين.

وشذ ابن عبد السلام في بعض فتاويه فقال: لا يجوز ذلك؛ لأنه تصرف في الثواب من غير إذن من الشرع فيه، وحكى القرطبي عنه في (التذكرة):أنه رؤي بعد

ص: 313

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وفاته في النوم، فسئل عن ذلك، فقال: كنت أقول ذلك في الدنيا، والآن بان لي أن ثواب القراءة يصل إلى الميت.

وقال ابن الصلاح والشيخ محب الدين الطبري: ينبغي أن يقول إذا أراد ذلك: اللهم أوصل ثواب ما قرأته لفلان، قال الشيخ: والذي دل عليه الخبر بالاستنباط أن بعض القرآن إذا قصد به نفع الميت وتخفيف ما هو فيه .. نفعه؛ إذ ثبت: الفاتحة لما قصد بها القارئ نفع الملدوغ نفعته، وأقر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله:(وما يدريك أنها رقية)،وإذا نفعت الحي بالقصد كان نفع الميت بها أولى.

وفي (فتاوى القفال):إذا أوصى أن يختم القرآن على قبره .. لا يلزم، فإن قال: إذا مت فاستأجروا من مالي من يختم القرآن على رأس قبري، أو قال: أعطوا رجلا يقرأ .. فإن ذلك يلزم، وقد تقدم في (الإجارة) طرف من هذا.

وأما إهداء ثواب القرآن للنبي صلى الله عليه وسلم .. فمنعه ابن تيمية محتجا بأنه لا يتجرأ على الجناب الرفيع إلا بما أذن فيه ولم يأذن إلا في الصلاة عليه وسؤال الوسيلة، وخالفه الشيخ محتجا بأن ابن عمر رضي الله عنهما كان يعتمر عن النبي صلى الله عليه وسلم عمرا بعد موته من غير وصية.

وحكى في (الإحياء) عن علي بن الموفق- وكان في طبقة الجنيد-:أنه حج عن النبي صلى الله عليه وسلم حججا، وعدها القضاعي ستين حجة، وعن محمد بن إسحاق السراج النيسابوري: أنه ختم عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من عشرة آلاف ختمة، وضحى عنه مثل ذلك.

ص: 314