المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كِتَابُ الْجِعَالَةِ ــ كتاب الجعالة هي فعالة من الجعل بضم الجيم وسكون العين - النجم الوهاج في شرح المنهاج - جـ ٦

[الدميري]

الفصل: ‌ ‌كِتَابُ الْجِعَالَةِ ــ كتاب الجعالة هي فعالة من الجعل بضم الجيم وسكون العين

‌كِتَابُ الْجِعَالَةِ

ــ

كتاب الجعالة

هي فعالة من الجعل بضم الجيم وسكون العين الذي هو العوض، ويجوز في جيمها ثلاث لغات: الأشهر: كسرها، وجمعها جعائل.

ومن الأصحاب من أوردها عقب الإجارة كصاحب (المهذب) و (الشرح) و (الروضة)؛ لأن لها شبهًا ظاهرًا بالإجارة، لأنها عقد على عمل، والجمهور أوردوها هاهنا؛ لأنها تقع في الأغلب على الضوال والعبيد الآبقين فحسن وصلها باللقطة واللقيط.

واستأنسوا لها بقوله تعالى: {وَلِمَن جَاءَ بِهِ حِملُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعيمٌ} وكان حمل البعير معلومًا عندهم كالوسق، وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد في شرعنا ما يخالفه.

وفي (الصحيحين): أن رهطًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نزلوا بحي من أحياء العرب فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم، فلدغ سيد ذلك الحي فسعوا له بكل شيء، فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا بكم لعل أن يكون عندهم شيء ينفع صاحبكم، فقال بعضهم: إن سيدنا لدغ فهل عند أحد منكم رقية؟ فقال رجل من القوم: أنا أرقي، ولكن استضفناكم فأبيتم أن تضيفونا، ما أنا براق حتى تجعلوا لي جعلاً، فجعلوا له ثلاثين رأسًا من الغنم، فقرأ عليه بأم الكتاب وتفل عليه فكأنما نشط من عقال فأوفاهم جعله الذي صالحوه عليه، فقال الذي

ص: 89

هِيَ كَقَوْلِهِ: مَنْ رَدَّ آبِقِي .. فَلَهُ كَذَا،

ــ

رقى - وهو أبو سعيد الخدري -: لا تفعلوا حتى نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فنستأمره، فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:(أحسنتم، اضربوا لي معكم بسهم).

فقوله: (سعوا له) من السعي، والصواب: فشفوا له بكل شيء؛ أي: عالجوه بكل ما يستشفى به، فوضع الشفاء موضع العلاج والمداواة.

وانعقد الإجماع على جوازها، وقال الغزالي: هي معاملة صحيحة، ولم يقل معاقدة؛ لأنها غير مفتقرة إلى القبول.

قال: (هي كقوله: من رد آبقي .. فله كذا) وإن لم يكن فيه خطاب لمعين كما في الآية، واحتمل إبهام العامل؛ لأنه ربما لا يهتدي إلى تعيين الراغب في العمل.

وهي تفارق الإجارة من أربعة أوجه:

جوازها على عمل مجهول.

وصحتها مع غير معين.

وكونها جائزة لا لازمة.

ولا يستحق العامل الجعل إلا بالفراغ من العمل، فلو شرط له تعجيل الأجرة .. فسد العقد.

ومثل المصنف بالغائب المبهم؛ ليعلم منه: أنه لو خاطب به إنسانًا فقال: رد عبدي ولك كذا، أو عين فقال: إن رده زيد فله كذا .. كان أولى بالاستحقاق، وهو كذلك بالاتفاق.

فإن قيل: لابد فيها من الإذن، والصيغة التي ذكرها المصنف لا تقتضيه .. فالجواب: أن ذلك يدل عليه عرفًا؛ لأن الترغيب في الشيء يدل على طلبه.

وشرط القائل: أن يكون مطلق التصرف، وشرط المجعول له: أهلية العمل

ص: 90

وَيُشْتَرَطُ صِيغَةٌ تَدُلُّ عَلَى الْعَمَلِ بِعِوَضٍ مُلْتَزَمٍ، فَلَوْ عَمِلَ بِلَا إِذْنٍ أَوْ أَذِنَ لِشَخْصٍ فَعَمِلَ غَيْرُهُ .. فَلَا شَيْءَ لَهُ

ــ

فيشمل الصبي والعبد، وبه صرح الماوردي في (باب اللقيط)، وخالف في (السير) فقال: لا يستحقه الصبي إذا رده، وكذا العبد بغير إذن، فإن رده بإذنه .. استحقه السيد.

قال الشيخ: ويظهر في السفيه استحقاق الجعل إذا عمل؛ لأنه تحصيل مجرد، ولو قال: من رد عبدي فرده من لم يسمع النداء ولم يبلغه ذلك .. لم يستحق شيئًا.

قال: (ويشترط صيغة تدل على العمل بعوض ملتزم)؛ لأنها معاوضة فافتقرت إلى صيغة تدل على المطلوب، وإشارة الأخرس المفهمة تقوم مقامها، وعلم منه: أنه إذا لم يذكر عوضًا .. لم يستحق شيئًا وهو المنصوص، وأجرى بعضهم فيه خلاف الغسال.

وشرط الصيغة: عدم التأقيت، فلو قال: من رده اليوم .. لم يصح؛ لأنه ربما لا يظفر به فيه، ولهذا امتنع تأقيت القراض، ولو قال: من رد عبدي فله درهم قبله .. بطل، قاله الغزالي في (كتاب الدور).

قال: (فلو عمل بلا إذن أو أذن لشخص فعمل غيره .. فلا شيء له)؛ لأنه عمل لم يلتزم له المالك عوضًا فيقع تبرعًا، سواء كان معروفًا بالرد أم لا، خلافًا لأبي حنيفة، لكن يستثنى عبده؛ فإن يده كيده، فإذا رده عبد المقول له .. استحق سيده الجعل، قال الشيخ: هذا ظاهر إن استعان به سيده فيه، وإلا .. ففيه نظر، لاسيما إن لم يعلم بالنداء.

ص: 91

وَلَوْ قَالَ أَجْنَبِيٌّ: مَنْ رَدَّ عَبْدَ فُلَانٍ فَلَهُ كَذَا .. اسْتَحَقَّهُ الرَّادُّ عَلَى الأَجْنَبِيِّ، وَلَوْ قَالَ: قَالَ زَيْدٌ: مَنْ رَدَّ عَبْدِي فَلَهُ كَذَا وَكَانَ كَاذِبًا .. لَمْ يَسْتَحِقَّ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى زَيْدٍ.

ــ

قال: (ولو قال أجنبي: من رد عبد فلان فله كذا .. استحقه الراد على الأجنبي)؛ لأنه التزمه فصار كخلع الأجنبي، وكما لو التمس إلقاء متاع الغير في البحر لخوف الهلاك وعليه ضمانه، وليس كما إذا التزم الثمن في بيع غيره أو الثواب في هبة غيره؛ لأنه عوض تمليك فلا يتصور وجوبه على غير من حصل له الملك، والجعل ليس عوض تمليك، والله أعلم.

تنبيهات:

أحدها: استشكل ابن الرفعة تصوير المسألة بأنه لا يجوز لأحد وضع اليد على مال الغير بقول الأجنبي فكيف يستحق الأجرة بل قال الماوردي: إن من رد بغير إذن المالك .. يضمن؟ والجواب: أن ذلك يتصور بصورتين:

إحداهما: إذا أذن السيد في الرد والتزم الأجنبي الجعل.

والثانية: أن يكون للأجنبي ولاية على المالك.

الثاني: قوله: (فله كذا) ليست صيغة التزام إلا إذا قال: فله علي كذا، لأنه يحتمل أن يريد: فله كذا على مالكه .. فيكون فضوليًا، وهذا لم يتعرض له الأصحاب إلا شارح (التعجيز) فإنه قال: يكتفى بذلك، وكأنهم جعلوه عند الإطلاق التزامًا لسبقه إلى الفهم.

الثالث: استثنى الماوردي من الاستحقاق على الأجنبي: ما إذا كان الراد قد صدق المنادي على أن السيد أمر بذلك .. فلا يرجع على المنادي بشيء.

قال: (ولو قال .. قال زيد: من رد عبدي فله كذا وكان كاذبًا .. لم يستحق عليه ولا على زيد) أما عليه .. فلأنه لم يلتزم، وأما على زيد .. فلتصوير المسألة في

ص: 92

وَلَا يُشْتَرَطُ قَبُولُ الْعَامِلِ وَإِنْ عَيَّنَهُ. وَتَصِحُّ عَلَى عَمَلٍ مَجْهُولٍ، وَكَذَاَ مَعْلُومٌ فِي الأَصَحُ

ــ

الكذب، فإن كان صادقًا وكان ممن يعتمد خبره .. فإنه يستحق إذا رده.

قال: (ولا يشترط قبول العامل) أي: لفظًا (وإن عينه) بل يكفي القبول بالفعل، أما غير المعين .. فبلا خلاف كما في الوقف على الجهة العامة، وأما المعين .. فعلة المشهور؛ لما فيه من التضييق، وحكى الرافعي فيه الخلاف في (باب المسابقة)، ولم يذكره هنا.

وعلى القول بالاشتراط هل يشترط فيه الفور؟ قال ابن الرفعة: يشبه أن يكون كالوكيل، وعلى القول بعدم الاشتراط هل يرتد بالرد؟ يشبه أن يقال: إن ألحقناه بالوكالة .. ارتد فلا يستحق بعد ذلك إلا بإذن جديد.

قال: (وتصح على عمل مجهول)؛ لأن الجهالة احتملت في القراض لحصول زيادة فاحتمالها في رد الحاصل أولى، والرافعي والمصنف أطلقا المسألة، قال ابن الرفعة: هذا فيما لا يمكن ضبطه كقوله: من رد عبدي .. فله كذا، فأما ما يمكن ضبطه كما إذا قال: من بنى لي حائطًا .. فلابد من بيان موضع البناء وطول الحائط وسمكها وارتفاعها وما يبنى به، وفي الخياطة يعتبر وصف الثوب والخياطة.

قال: (وكذا معلوم في الأصح)؛ لأنه إذا جاز مع الجهل .. فمع العلم أولى.

والثاني: المنع؛ للاستغناء بالإجارة، وصححه الإمام والغزالي.

وإنما تصح على العمل المعلوم إذا كان مما يقابل بأجرة وأن يكون غير واجب عليه، فلو قال: من رد مالي فله كذا فرده من كان في يده، فإن كان فيه كلفة

ص: 93

وَيُشتَرَطُ كَوْنُ الجُعلِ مَعْلُومًا، فَلَوْ قَالَ: مَنْ رَدَّهُ فَلَهُ ثَوْبٌ أَوْ أُرْضِيهِ .. فَسَدَ الْعَقْدُ وَلِلرَّاد أُجْرَةُ مِثْلِهِ

ــ

كالآبق .. استحقه، وإلا كالدراهم والدنانير .. فلا؛ لأن ما لا كلفة فيه لا يقابل بعوض.

ولو قال: من دلني على مالي فله كذا فدله عليه من هو بيده .. لم يستحق؛ لأنه واجب عليه، وإن دله على من هو بيده .. استحق؛ للحوق المشقة بالبحث عنه.

ولو قال: من أخبرني بضالتي فله كذا فأخبره بها إنسان .. لا يستحق شيئًا؛ إذ لا كلفة فيه.

ولو قال لغيره: إن أخبرتني بخروج فلان من البلد فلك كذا فأخبره .. قال القفال: إن كان له غرض في خروجه .. استحق، وإلا .. فلا، قال الرافعي: وهذا يقتضي أن يكون صادقًا، بخلاف قوله لزوجته: إن أخبرتني بكذا فأنت طالق .. فإنه لا يشترط صدقها، وينبغي أن ينظر أيضًا هل يناله تعب أم لا؟

فرع:

لو حبس ظلمًا فبذل مالاً لم يتكلم في خلاصه بجاهه أو بغيره .. جاز، قال المصنف في (الفتاوى): وهذه جعالة مباحة.

قال: (ويشترط كون الجعل معلومًا)؛ لأنه عوض كالأجرة والمهر.

فإن قيل: (حمل بعير) في الآية مجهول .. فالجواب: أنه كان عندهم معلومًا كالوسق، ولأن أحدًا لا يرغب في العمل مع جهالة العوض، بخلاف المردود فإنه لا تضر جهالته، فلو قال من رد أحد الآبقين فله كذا، فإذا رد أحدهما .. استحق.

قال: (فلو قال: من رده فله ثوب أو أرضيه .. فسد العقد وللراد أجرة مثله) كالإجارة الفاسدة، وكذلك لو جعل له خمرًا أو خنزيرًا، فلو جعل له مغصوبًا .. قال

ص: 94

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الإمام: يحتمل قولين كالصداق:

أحدهما: أجرة المثل.

والثاني: قيمته، ويحتمل القطع بالأجرة، ورجحه في (البسيط).

ويستثنى من إطلاق المصنف: ما إذا جعل الإمام لمن دله على قلعة الكفار جعلاً؛ فإنه يجوز أن يكون مجهولاً للحاجة إليه كما سيأتي في آخر (السير).

ويستثنى: الحج بالنفقة مع جهالتها كما أطلقه في (الروضة) في بابه، لكن نص الشافعي فيها في (الأم) على البطلان، فعلى هذا: لا يستثنى، وسيأتي في تتمة الباب ما له تعلق بهذا.

فرع:

لو قال: من رد عبدي فله ثيابه أو سلبه .. قال المتولي: إن كانت معلومة أو وصفها بما يصيرها معلومة .. جاز، وإلا .. فيستحق أجرة المثل، وأقره الشيخان على ما إذا لم تكن معلومة ووصفت، وهو خلاف الصحيح؛ لأن الشيء المعلوم لا يقوم وصفه مقام رؤيته.

ولو قال: من رده فله نصفه أو ربعه .. صححه المتولي ومنعه السرخسي.

قال الرافعي: وهو قريب من استئجار المرضعة بجزء من الرضيع بعد الفطام، ولم يرتض في (الكفاية) هذا التشبيه، ورأى تنزيل الأول على حالة العلم به وبمكانه، والثاني على حالة الجهل بذلك.

ص: 95

وَلَوْ قَالَ: مِنْ بَلَدِ كَذَا فَرَدَّهُ مِنْ أَقْرَبَ مِنْهُ .. فَلَهُ قِسْطُهُ مِنَ الْجُعْلِ. وَلَوِ اشْتَرَكَ اثْنَانِ فِي رَدِّهِ .. اشْتَرَكَا فِي الْجُعْلِ

ــ

قال: (ولو قال: من بلد كذا فرده من أقرب منه .. فله قسطه من الجعل) فمن رده من نصفها .. استحق النصف، أو الثلث .. فالثلث؛ لأن جميع الجعل في مقابلة العمل فبعضه في مقابلة بعضه، وهذا مفروض فيما إذا تساوت الطريق في السهولة والحزونة.

واحترز بقوله: (أقرب منه) عما إذا رده من أبعد منه .. فلا يستحق للزيادة شيئًا؛ لعدم الالتزام.

قال: (ولو اشترك اثنان في رده .. اشتركا في الجعل)؛ لحصول سبب الاستحقاق، ويقسم الجعل بينهما بالسوية وإن امتازا في العمل.

هذا إذا عمم النداء كمن رده فله كذا، أو قال لنفر: إن رددتموه فلكم كذا، وعلم منه أنه لا يزاد بزيادة الراد بخلاف ما لو قال: من دخل داري فأعطه درهمًا فدخلها جمع .. استحق كل واحد درهمًا؛ لأن كل واحد داخل، وليس كل واحد رادًا للعبد بل الجميع ردوه، فلذلك اشتركوا في الجعل على عدد الرؤوس؛ لأن العمل في أصله مجهول لا يوزع عليه، وقال الإمام: لا يبعد التوزيع على أجور أمثالهم؛ فإن الأجرة إنما تدفع إليهم عند تمام العمل، فإذا تم .. فقد انضبط ما صدر من كل منهم.

فروع:

قال لرجلين: إن رددتما عبديَّ فلكما كذا فرد أحدُهما أحدَهما .. لم يستحق إلا الربع، ولو قال: أول من يرد عبدي فله دينار فرده اثنان .. استحقاه.

وإذا كان لرجلين عبد لواحد ثلثه ولآخر ثلثاه فأبق، فجعلا لمن رده دينارًا .. قال القاضي حسين في (باب الشفعة): يحتمل وجهين: أصحهما: أنه بينهما أثلاثًا على قدر الملك.

ص: 96

وَلَوِ الْتَزَمَ جُعْلاً لِمُعَيَّنٍ فَشَارَكَهُ غَيْرُهُ فِي الْعَمَلِ؛ إِنْ قَصَدَ إِعَانَتَهُ .. فَلَهُ كُلُّ الْجُعْلِ، وَإِنْ قَصَدَ الْعَمَلَ لِلْمَالِكِ .. فَلِلأَوَّلِ قِسْطُهُ، وَلَا شَيْءَ لِلْمُشَارِكِ بِحَالٍ.

ــ

ولو قال لواحد: إن رددته فلك كذا، ولآخر إن رددته فلك كذا، ولثالث إن رددته فلك كذا فاشتركوا في الرد .. قال الشافعي: لكل واحد منهم ثلث ما جعل له اتفقت الأحوال أو اختلفت.

قال المسعودي: هذا إذا عمل كل واحد لنفسه، أما لو قال أحدهم: أعنت صاحبيَّ وعملت لهما .. فلا شيء له، ولكل منهما نصف ما شرط له.

ولو قال اثنان: عملنا لصاحبنا .. فلا شيء لهما وله جميع المشروط.

وقال الرافعي: قول الشافعي: (لكل واحد الثلث) تصريح بالتوزيع على الرؤوس، فلو رده اثنان منهم .. فلكل منهما نصف المشروط له.

وإن أعان الثلاثة رابع في الرد .. فلا شيء له، ثم إن قال: قصدت العمل للمالك .. فلكل واحد من الثلاثة ربع المشروط له، وإن قال: أعتنهم جميعًا .. فلكل واحد منهم ثلث المشروط له كما لو لم يكن معهم غيرهم.

وإن قال: أعنت فلانًا وفلانًا .. فلكل واحد منهما ربع المشروط له وثمنه، وللثالث ربع المشروط له.

قال: (ولو التزم جعلاً لمعين فشاركه غيره في العمل؛ إن قصد إعانته .. فله كل الجعل)؛ لأنه قد يحتاج إلى الاستعانة بغيره ولا شيء لذلك الغير على المعين إلا أن يلتزم له أجرة ويستعين به، فإذا شاركه اثنان وقصدا إعانته .. فله تمام الجعل، وإن قصد العمل للمالك .. فله الثلث، وإن قصد أحدهما إعانته والآخر العمل للمالك .. فله الثلثان، أو ثلاثة .. فله الربع.

قال: (وإن قصد العمل للمالك .. فللأول قسطه، ولا شيء للمشارك بحال)؛ لأن المالك لم يتلزم له شيئًا، ورأى الإمام أن التوزيع على العمل لا على القسط.

ص: 97

وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الْفَسْخُ قَبْلَ تَمَامِ الْعَمَلِ،

ــ

فائدة:

كثيرًا ما يسأل عن إمام مسجد يستنيب فيه .. أفتى ابن عبد السلام والمصنف بأنه لا يستحق معلوم الإمامة لا المستنيب؛ لعدم مباشرته، ولا النائب؛ لعدم ولايته.

واستنبط الشيخ من استعانة المجعول له: أن ذلك جائز، وأن المستنيب يستحق جميع المعلوم إذا قصد النائب إعانته، لكن يشترط أن يكون النائب مثل المستنيب أو خيرًا منه؛ لأنه إذا لم يكن بصفته .. لم يحصل الغرض به، والاستنابة في الإمامة تشبه التوكيل في المباحات، وفي معنى الإمامة: كل وظيفة تقبل الاستنابة كالتدريس، وهذا في القدر الذي لا يعجز عن مباشرته بنفسه، فإن عجز عن المباشرة .. فلا شك في جواز الاستنابة.

حادثة:

كان الشيخ فخر الدين ابن عساكر مدرسًا بالعذراوية، وهو أول من درس بها والتقوية والجاروخية، وهذه الثلاثة بدمشق، والمدرسة الصلاحية بالقدس، يقيم بهذه أشهرًا وبهذه أشهرًا في السنة، هذا مع علمه وورعه.

وقد سئل في هذا الزمان: عن رجل ولي تدريس مدرستين في بلدين متباعدين كحلب ودمشق .. فأفتى جماعة بجواز ذلك ويستنيب، منهم: قاضي القضاة بهاء الدين أبو البقاء السبكي، والشيخ شهاب الدين أحمد بن عبد الله البعلبكي، وشمس الدين الغزي، والشيخ عماد الدين الحسباني، ومن الحنفية والمالكية والحنابلة آخرون، ومنع ذلك طائفة وغيرهم وهو الأشبه؛ لأن غيبته في إحداهما لأجل الحضور في الأخرى ليست بعذر.

قال: (ولكل منهما الفسخ قبل تمام العمل)؛ لأنه عقد جائز من الطرفين كالقراض والشركة.

هذا إذا كان المجعول له معينًا؛ لأنه الذي يتصور منه الفسخ، فإن كان غير

ص: 98

فَإِنْ فُسِخَ قَبُلَ الشُّرُوعِ أَوْ فَسَخَ الْعَامِلُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فَلَا شَيْءَ لَهُ،

ــ

معين .. فلا يتصور فسخها من جهته في الابتداء بل بعد الشروع، فالتعبير بـ (الفسخ) المراد به: رفع العقد ورده.

قال: (فإن فسخ قبل الشروع أو فسخ العامل بعد الشروع .. فلا شيء له) أما في الأولى .. فلأنه لم يعمل شيئًا، ولم يحصل شيء من غرض المالك، وأما في الثانية .. فلأن الجعل يستحق بتمام العمل وهو فوت عمله باختياره، ولا فرق في ذلك بين أن يقع بعض العمل مسلمًا كما لو شرط الجعل في مقابلة تعليم القرآن أو بناء الحائط فعلم أو بنى بعضه، أو غير مسلم كرد الآبق، غير أنه يستثنى من إطلاق المصنف ما إذا زاد الجاعل في العمل ولم يرض العامل بها ففسخ لأجل ذلك .. فإنه يستحق أجرة المثل كما قاله الرافعي في آخر (باب المسابقة) في نظير المسألة.

فائدة:

تلخص أن الجعالة إذا وردت على بذل المنافع في تحصيل شيء .. فلها صورتان:

إحداهما: أن يكون الجعل على تحصيل شيء واحد كقوله: من خاط لي ثوابًا أو بنى لي حائطًا أو علمني سورة كذا فله كذا فخاط بعض الثوب أو بنى بعض الحائط أو أقرأه بعض السورة .. لا يستحق شيئًا؛ لأنه لم يحصل غرضه.

والثانية: أن يكون على تحصيل شيئين ينفك أحدهما عن الآخر كقوله: من رد عبديَّ فله كذا فرد أحدهما .. استحق نصف الجعل، وعلى هذا تتخرج غيبة الطالب عن الدرس بعض الأيام إذا قال الواقف: من حضر شهر كذا فله كذا فإن الأيام أشياء متفاضلة .. فيستحق بقسط ما حضر، ولذلك كان شيخ الإسلام الشيخ تقي الدين القشيري إذا بطل يومًا غير معهود البطالة في مدرسة .. لا يأخذ لذلك اليوم معلومًا، وسألت شيخنا رحمه الله تعالى عن ذلك مرتين فقال: إن كان الطالب في حال انقطاعه مشتغلاً بالعلم .. استحق، وإلا .. فلا.

ص: 99

وَإِنْ فَسَخَ الْمَالِكُ بَعْدَ الشُّرُوعِ .. فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ فِي الأَصَحِّ. وَلِلْمَالِكِ أَنْ يَزِيدَ وَيَنْقُصَ فِي الْجُعْلِ قَبْلَ الْفَرَاغِ، ......

ــ

قال: ولو حضر ولم يكن بصدد الاشتغال .. لم يستحق؛ لأن المقصود نفعه بالعلم لا مجرد حضوره، وكان يذهب إلى أن ذلك من باب الإرصاد كما تقدم نقله عنه في (باب الإجارة) عند قول المصنف:(ولا عبادة تجب لها نية).

قال: (وإن فسخ المالك بعد الشروع .. فعليه أجرة المثل في الأصح)؛ لئلا يحبط عمله بفسخ غيره، ولأنه استهلك منفعته بشرط العوض فلزمه أجرته كما لو فسخ المضاربة بعد الشروع في العمل.

والثاني: لا شيء للعامل كما لو فسخ بنفسه.

والثالث: أن العامل يتخير فإن فسخ .. استحق أجرة المثل، وإلا .. وجب له حصة ما عمل من المسمى.

ولك أن تقول: ما رجحوه هنا من استحقاق أجرة المثل مشكل بقولهم: إذا مات العامل أو المالك في أثناء العمل ينفسخ ويستحق القسط، وأي فرق بين الفسخ والانفساخ؟

ولو أعتق السيد العبد قبل الرد .. قال في (المطلب): يظهر أن لا رجوع عليه إذا رده بعد العتق وإن لم يعلم؛ لحصول الرجوع ضمنًا، وهو أقوى منه صريحًا، ولذلك ينعزل به الوكيل قطعًا.

قال: (وللمالك أن يزيد وينقص في الجعل قبل الفراغ) كما يجوز في البيع في زمن الخيار، فإذا قال: من رده فله عشرة، ثم قال: فله خمسة .. فالاعتبار بالأخير

ص: 100

وَفَائِدَتُهُ بَعْدَ الشُّرُوعِ: وُجُوبُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ. وَلَوْ مَاتَ الآبِقُ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ أَوْ هَرَبَ .. فَلَا شَيْءَ لِلعَامِلِ،

ــ

بشرط الإعلان كما تقدم، وكذلك يجوز تغيير جنسه قبل الفراغ أيضًا، فإذا قال: من رده فله دينار، ثم قال: من رده فله عشرون درهمًا .. جاز واعتبر الأخير.

قال: (وفائدته بعد الشروع: وجوب أجرة المثل)؛ لأن النداء الأخير فسخ للأول، والفسخ في أثناء العمل يقتضي الرجوع إلى أجرة المثل.

وصورة المسألة: أن يسمع العامل النداء الأول والثاني، فلو سمع الثاني وحده .. استحقه قطعًا، أو الأول وحده .. فنقل الرافعي عن (الوسيط): يحتمل الرجوع إلى أجرة المثل وأقره، ـ لكنه ذكر قبله: أنه إذا عمل غير عالم بالفسخ .. لا يستحق شيئًا على الصحيح، والنداء الثاني لم يسمعه.

قال: (ولو مات الآبق في بعض الطريق أو هرب .. فلا شيء للعامل)؛ لأنه لم يرده والاستحقاق معلق برده.

وقوله: (بعض الطريق) مثال، فلو هرب أو مات بقرب دار مولاه .. كان الحكم كذلك وعليه اقتصر في (الروضة)، وفي معناه: تلف الثوب الذي عين للعمل في يد العامل قبل التسليم، ويخالف موت الأجير في الحج في أثناء العمل؛ فإنه يستحق قسط ما عمل في الأصح؛ لأن القصد بالحج الثواب وقد حصل للمحجوج عنه بعضه، والقصد هنا الرد ولم يوجد.

وما أطلقه من (الهرب) محله: إذا لم يسلمه إلى الحاكم، فلو لم يجد المالك وسلمه للحاكم فهرب .. استحق، ذكره ابن القطان في (فروعه)، قال: وكذا لو هرب السيد وسلمه للحاكم .. استحق جعله بلا خلاف، وإن لم يكن حاكم .. أشهد واستحق.

ص: 101

وَإِذَا رَدَّهُ .. فَلَيْسَ لَهُ حَبْسُهُ لِقَبْضِ الْجُعْلِ. وَيُصَدَّقُ الْمَالِكُ إِنْ أَنْكَرَ شَرْطَ الْجُعْلِ أَوْ سَعْيَهُ فِي رَدِّهِ، فَإِنِ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْجُعْلِ .. تَحَالَفَا.

ــ

قال: (وإذا رده .. فليس له حبسه لقبض الجعل)؛ إذ الاستحقاق بالتسليم ولا حبس له قبله، وكذلك ليس له حبسه إذا أنفق عليه بإذن الإمام خلافًا لأبي حنيفة، ويحتمل أن يقال: له الرفع إلى الحاكم فيهما إذا خاف الفوت؛ ليلزم بالتسليم والتسلم.

قال: (ويصدق المالك إن أنكر شرط الجعل أو سعيه في رده)؛ لأن الأصل عدمهما وبراءة ذمته.

قال: (فإن اختلفنا في قدر الجعل .. تحالفا) كنظيره من الإجارة والقراض، وكذا إذا اختلفا في قدر العمل بأن قال: شرطت ألفًا على رد عبدين، فقال: بل على هذا فقط، وإذا تحالفا .. وجبت أجرة المثل.

تتمة:

صورة المسألة: أن يقع الاختلاف بعد فراغ العمل والتسليم الذي به الاستحقاق، فإن حصل قبل الشروع في العمل .. فلا تحالف؛ إذ لا استحقاق، وقد يختلفان قبل الفراغ في صورة يكون للعامل فيها قسط ما عمل من المسمى.

*

*

*

خاتمة

مما يتعلق بالباب وتدعو الحاجة إليه: إذا كان رجلان ببادية ونحوها، فمرض أحدهما وعجز عن المسير .. لزم الآخر المقام معه إلا أن يخاف على نفسه .. فله تركه، وإذا أقام .. فلا أجرة له، وإذا مات فأخذ الآخر ماله وأوصله إلى قريبه .. لا يكون مضمونًا.

وقال الرافعي: نفقة العبد والدابة مدة الرد لم أجدها مسطورة، وتعجب منه في

ص: 102

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

(الروضة) فقال: ذكره ابن كج وقال: إذا أنفق عليه .. كان متبرعًا وهو جار على القواعد. اهـ

وقد صرح به الماوردي والروياني، وقال الروياني: لا يجوز له ركوب الدابة المردودة، فإن ركبها فتلفت .. ضمنها؛ لأن يده على ما معه يد أمانة.

ص: 103