الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كبير واسع، وفي باطنه خان آخر فيه بركة ماء أكثر من عشر في عشر، وفيه أيضا خان آخر للشتاء، وفيه مراحيض يجري الماء إليها بسواق فيسوق النجاسات، وفي صحن المراحيض بركتا ماء جار، وفي الخان جامع كبير.
يخطب فيه، وله والجوامع المتقدمة منارات، صليت فيه، وجمعت بين الظهر والعصر جمع تقديم، ونويت الاعتكاف فيه.
وفي هذا الخان قلعة صغيرة وخانقاه يصنع فيها طعام للمسافرين، واليوم إنما يطعمون الظلمة، وللمتولي (125 ب) بيت فوقاني ذو شبابيك تطل على البر والبساتين، مفرح في غاية حسن الموقع «1» ، وقف جميع ذلك سنان باشا «2» رحمه الله تعالى.
[دمشق]
وتليها مرحلة دمشق. دخلناها ضحى يوم الثلاثاء الثاني والعشرين من شعبان «3» ، والمسافة تسعة فراسخ.
ونزلنا في دار سيدنا ورفيقنا في الطريق الحاج مصطفى بكداش الحلبي ثم الدمشقي، وهو الذي أوصاه فينا في حلب إسماعيل آغا ميرو زاده «4» فأكرمنا في الطريق غاية الإكرام، وأعزّنا فوق ما يرام منذ خرجنا من حلب إلى دمشق، فما أحوجنا إلى أكل وشرب في الطريق، بل إنه يطعمنا الأطمعة الفاخرة، وكلما وجد من المأكولات في المراحل اشتراه لنا، وأطعمنا إياه، وخدمنا بنفسه وولديه النجيبين السعيدين الأمجدين سيدي ذي المفاخر محمد شاكر، وسيدي ذي الطبع الباهر الأعز عبد القادر، وبأخيه الأنجب الأكرم السعيد
سيدي محمد سعيد، فو الله الذي لا إله إلا هو، عالم السر وأخفى، أنهم خدمونا وأكرمونا، وأعزونا بحيث لو كانوا «1» أولادي لما حصل لي منهم ما حصل، بأخلاق (126 أ) رضية، وطباع سنية، ورقة ولين جانب، مع البشر وطلاقة الوجه، حتى إن الحاج مصطفى بكداش مع- جلالة قدره- بنفسه يركبني الدابة، وينزلني منها، وبنفسه يسقيني الماء وقهوة البن، وكل وقت وساعة يسألني عن حالي ويمتن، حيث وفقه الله لخدمتي، ولم نزل نحن ضيوفه منذ دخلنا الشام إلى أن توجه الحاج، كل ليلة يعشينا في بيته، وإذا خرجنا من داره، يشيعنا إلى آخر الزقاق، وهو يحمد الله على أن وفقه لأكرامنا، ويحث علينا، ويؤكد بالعود الليلة الآتية كل ليلة، هذا دأبه فما والله نسي هذه العادة، ولا ذهل عنها، حتى إنا انقطعنا ليلة من الليالي فتألم كثيرا، وعاتبنا معاتبة كثيرة، وقال: والله الدار دار كم ونحن خدامكم، وو الله إنا نتأنس بكم، ونتشرف بقدومكم. فإذا رأى منا البطء، عيّن ولديه النجيبين وأخاه السعيد يفتشون علينا، فو الله إني لا أستطيع حصر أوصافه، ولا ضبط مكارمه وألطافه، جعله الله وولديه وأخاه من سعداء الدارين بمحمد المصطفى سيد الكونين (126 ب) والثقلين والفريقين، وجعل داره معمورة بالمسرات، مغمورة بالنعم والمبرات، وجزاه عنا خير الجزاء، وأسبغ عليه النعم والآلاء. وأما صاحبنا صالح أفندي دقوز زاده الموصلي «2» فإنا، منذ دخلنا دمشق إلى أن توجه الحاج، نبيت في داره، وفي بعض الأوقات نتعشى عنده، وكل ليلة من ليالي رمضان ندخل داره المعمورة بعد صلاة التراويح، ولم يزل يعللنا «3» ويسامرنا وينادمنا، ويذكر لنا أحوال الغربة، ويسلينا وينصحنا إلى أن يأتي وقت السحور، فيخرج لنا الألوان من الأطعمة الفاخرة، ونكرر فناجين قهوة البن إلى أن يقرب زمن نومنا، فيدخل إلى حرمه، وكل ليلة بل كل ساعة يقول: والله إن هذه السنة مباركة علينا، ولم يحصل لي
سرور، [في] عمري قط، مثلما يحصل لي سرور بمحبتكم، وكل ليلة يعيّن لنا قريبة الشاب الصالح العابد الناسك الأواه «1» ، سيدي الشيخ عبد الله، فيأتي نحو باب الجامع، ويؤكد علينا بالمجيء إلى الدار، حتى إنا إذا أبطأنا يتألم كثيرا ويعاتبنا، ويقول: والله، ثم والله! إني إذا لم أركم تنقبض نفسي، وتضيق (127 أ) بي الدنيا، ولكم إذا جئتم عليّ منة عظيمة، حيث إن الله وفقني لخدمتكم، وهو- حفظه الله- تغرب كثيرا، وجاب البلاد، فكل ليلة يسامرنا وينقل لنا الوقائع الغريبة، والحوادث العجيبة، حتى يمضي من الليل ثماني ساعات، ولم يزل هذا دأبنا ودأبه إلى أن خرج الحاج، حتى والله إني أعد بيته أحسن من بيتي، وإكرامه أحسن من إكرام أولادي، فلم يزل يشهينا بالأطعمة الفاخرة حتى تأنست في بيته، بحيث إنا ننام بعد أن نصلي الفجر إلى أذان الظهر، كأننا في بيوتنا، متقيد علينا بكل ما نحتاجه حتى غسل ثيابنا، ويخدمنا بنفسه ما عدا خدمة ولده السعيد النجيب سيدي محمد آغا، أنشأه الله على الأخلاق الحميدة، والنعوت الجليلة السديدة، وجعله سعيدا ذا إقبال وافر، وسعد ظاهر زاهر، وأمد الله في حياة الجميع، وحصنهم بحصنه الحصين المنيع، فوالله لو انفقت عمري ما أستطيع مكافأته، بل ولا العشر منها، فالله تعالى يكافئه ويجازيه «2» ويعافيه، وكذلك أخو زوجته الشاب الصالح سيدي الشيخ عبد الله حفظه الله وأبقاه، فإنه- والله- خدمنا خدمة ما خدمني بها أولادي (127 ب) ، مع مودة ومحبة ولين جانب ورقة طبع، جعله الله من السعداء، ومنحه النعم الوافرة، وسوابغ الآلاء، آمين، وكتبت منها «3» عدة كتب، كتابين لولدي وأهلي، وكتابا لحسين بك، وكتابا إلى الحاج محمد هاشم، وكتابا للسيد يونس الأدهمي، وكتابا لعبد الله آغا ميرو زاده، وكتابا لأولاد عجمي
زاده، لكني ما قيدتها في المسودة لضيق الوقت، مع أن غالبها مشحون بالسجع البليغ، والنظم الحسن.
وكتبت كتابا إلى حلب لسيدى الشيخ محمد الطرابلسي، وصورته: تحيات دلت بالمطابقة على الاتحاد، وتضمنت وجوب مراعاة الوداد، تلازمها أشواق كلية الإيجاب، سالبة الذهول عن ادّكار «1» الأحباب، لا يقاس عليها إذ لم يقارنها في المحاكاة قياس اقتراني، ولا يشذ فذ عنها لشمولها، فأين القياس الاستثنائي، تقدم بين يدي مصدر «2» الأفعال الصحيحة السالمة عن الإعلال، المجردة عن نقص الجهل، فهو المرفوع على منصة التميز في كل حال، نصب نفسه للإفادة، فانخفضت بالإضافة إليه وقائع (128 أ) الأحوال، العالم الذي جمع علماء العصر تحت لوائه، والفاضل الذي اهتدت الفضلاء بنور تحقيقه وضيائه، فلو أدرك عصر التفتازاني، والشريف السيد الجرجاني، لما شاع ذكرهما في الأقطار، بل كان هو الحري دونهما بالاشتهار، ينشدنا لسان حاله وهو الصادق، وإن كان لسان مقاله ليس بناطق:
علامة الدنيا على الإطلاق، وفهامة ما تحت الخضراء بالاتفاق، علامة العلماء، واللج الذي لا ينتهي، ولكل لج ساحل، شيخنا العلم المفرد، والجهبذ الأوحد، الشيخ الجليل السيد محمد، لا زالت أظلة رفادته على الطالبين، وريفة، وأعلام تقريراته شامخة سامية منيفة، أما بعد فيا أيها العالم الذي لا يجارى، والحبر الذي لا يناوى ولا يمارى، إن الأشواق زفيرها، تأجج، وسعيرها تضرم وتوهج، لم تألف جنوبي المضاجع، منذ (127 ب) نفدت من عيوني المدامع، شوقا إلى تلك الربوع الزاهرة، ونزوعا إلى تلك المغاني التي هي بالمسرات والافراح مغمورة عامرة.
فلله درها من بلدة لا عيب فيها سوى أن الغريب ينسى أوطانه، ولا وصم فيها سوى أن
الحزين يسلو أحزانه وأشجانه.
طالما جررت بها ذيول الأفراح، وطردت بنزهتها جيش»
الأتراح، وكانت عين الزمان عنا عمياء، فلم نخش رقيبا، وكان العيش غضا صافيا، ودهرنا مطيعا مجيبا، فبددت شملنا غدرات الزمان، وأبانتنا عنها خطوب الحدثان «2» ، فاليوم لا نشاهدها إلّا بعيون الخيال، ونسوّف بالعود إليها، (128 أ) وهو محال.
فأباننا عنها الزمان بسرعة
…
وغدت تعللنا بها [الأيام]«3»
إلى الله أشكو من دهر إذا أساء أصر على إساءته، وإذا أنعم ندم عليه من ساعته.
ولما غلب الوجد عليّ، أنشدت ما حضر لديّ، لكن لضيق المقام، لم يبلغ التمام.
دار بها الدين والإسلام مشتهر
…
والعلم فسطاطه في ربعها نصبا
فيا له جامعا «4» تمحى الذنوب به
…
فضلا ويعفى عن الإنسان ما اكتسبا
والمأمول من الشيخ الجليل تبليغ الأدعية المستجابة، والأثنية المستطابة، حضرات مشايخنا الكرام، وأساتيذنا الفخام، أفراد الدهر، وأفذاذ العصر «5» ، ذوي التحقيق، والنظر الدقيق، العلماء العاملين، والنسّاك العارفين، بحور الفنون الزاخرة، (129 أ) وشموس العلوم الزاهرة، شيخنا الشيخ علي أفندي المفتي، وأخويه الشيخ عثمان والشيخ يوسف، والشيخ طه الجبريني، والشيخ عبد الكريم الشراباتي وأولاده، والشيخ السيد حسين الديري، وأخيه وابنه، والشيخ محمد الزّمار، والشيخ السيد عبد الكافي، والشيخ السيد عبد السلام الحريري، والشيخ عبد القادر الديري، والشيخ قاسم البكرجي، والشيخ «6» السيد علي
العطّار، والشيخ الصالح الشيخ محمد المواهبي القادري، والشيخ عبد الغني المقدسي، والشيخ فتيان، والسيد محمد قزيزان، والشيخ محمود الكردي، وسيدنا النجيب السعيد مخدومنا ولد كم السيد مصطفى، بلغه الله منازل أجداده الشرفا. ثم إني ذكرت نبذة مما حدث في دمشق، وجاءني من حلب، من السيد محمد الطرابلسي كتاب صورته: أربت قضايا تحيات، موجبة لدوام المحبة، غير منحرفة عن قانون الصداقة والصحبة، أحكمت دلائلها فلا يعتريها نقص ولا إبطال، ولا يحوم حول حماها قلب دليل ولا نقص إعلال، أسوار إخلاصها «129 ب» موجبات «1» كلية، وإشكال اختصاصها مبرهنة بالدلالة العقلية، أحاط بها محدد الاتحاد بميله المستدير على شكل «2» الوداد، المركب من الهيولى القلبية، والصور الجسمية والنوعية، المتحركة دواعيها بالحركة الكمية، زيادة لا ذبولا، الآخذة بمجامع القلب مكانا طبيعيا، فزاد الجسم نحولا، أدارت دواعيها بالميل الطبيعي على الدوام، فلا يعتريها خلل ولا انخرام، مبرهن على ذلك بأقيسة اقترانية، مقدماتها صدق المقال وإخلاص الطوية، غير أنه على إحكام أشواقها لا يقاس، لأنها مخصوصة تحاشت عما به الالتباس، فلذا حق لها أن ترفعها يد الابتداء إلى منصات «3» نصبتها يد الحال للتمييز والاهتداء، كي تجر منها بإضافة الرد إلى فاضل ليس له ند، مخصوص بكنه علم لا يحد، ومزايا نكات لا تعد، تعجز الكاتب أوصافه، ويناديه بالعجز إنصافه. لا يدرك الواصف المطري خصائصه.
فعند ذلك يرفع راحة الآمال، إلى الله الملك المتعال، (130 أ) بأن يبقيه ماجدا يثبت المسائل بالدلائل، ويكبح المعترض ويجيب السائل، ويسفر عن وجوه الإعجاز بيد تحريره، ويوشّح صفائح البيان ببنان تقريره، مكالمته، تغني اللبيب عن المغني «4» ، وإعلالاته تكيد
المكودي «1» ، وتلطش «2» ابن جني «3» لو سمع تقريره سيبويه «4» لعض بالنواجذ عليه، ولو عاصره السعد «5» والجرجاني «6» لكان الأول وأحدهما الثاني، فلله دره كم نثر في الشهباء درا، ونظم عقود علوم صارت له ذخرا، وأنعم الأذان فضلا، وأزال بقدومه عن أهلها جهلا، وبين أن في الزوايا خبايا، وأظهر أن الفضل من أعظم العطايا امد الله ظلال حياته، وأمدنا بوافر بركاته، كما أنه أنعم بذلك البرد «7» المحبر، بل العقد المجوهر، الذي سمطه «8» سحر البيان، ودره على غاية الإتقان، فحق له أن يقلد به الأعناق، ويقع على تفرده الاتفاق، فعرض به العبد في المواكب، وهز من طرب به المناكب، وبلغ كل ندب «9» منه سلامه، واستحسن كل أديب نظامه، وكل واحد منهم على انفراده يخص المولى بأنواع التحية البهية، وأجناس الأدعية المرضية، خصوصا الفاضل الكامل، زين (130 ب) الدروس والمحافل، جناب أخينا المكرم الشيخ طه، فإنه مقيم على وده، حالتي قربه وبعده، غير أني فهمت منه نوع عتاب، بعدم تخصيصه بكتاب، وهو واصل إليكم فاعتذر بالذي تراه عذرا،