الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مترابطة، «1» وهي روح أثرت إلى حد عميق في شخصية السويدي، وابنه المؤرخ الأديب عبد الرحمن، إلى الحد الذي رشح الأول إلى تمثيل أهل بغداد في مؤتمر النجف سنة 1156 هـ/ 1743 م ودفع الثاني إلى تزعم أهل حيّه في عدد من المناسبات والظروف، وخاصة ما اتصل منها بفتنة عجم محمد سنة 1190 هـ/ 1776. «2»
دوره في الحياة العامة:
وتزامن ذيوع شهرة عبد الله السويدي في بغداد، مع تولي أحمد باشا بن حسن باشا (1136- 1160 هـ/ 1723- 1747 م) الحكم. وسرعان ما اتصل نجمه بنجم أحمد باشا الصاعد، وكان الأخير يرغب في تقريب العلماء والأدباء إليه، رغبة منه في خلق مجتمع بغدادي مثقف، يسانده في مشاريعه وخططه، كما رأى فيه هؤلاء نموذجا جديدا لحاكم عراقي طموح لم تشهد البلاد مثله منذ أمد بعيد، فنشأت بين الباشا والشيخ صداقة وثيقة، كان من آثارها عدد من القصائد الطوال التي مدح بها الأخير واليه، وأرّخ فيها الأحداث العامة المهمة التي جرت في عهده «3» وجاء اندلاع الحرب العثمانية- الإيرانية سنة 1135 هـ/ 1732 م لتؤجج مشاعر العراقيين وتذكيها، فقد اندفعت قوات عراقية كبيرة، بقيادة والي بغداد حسن باشا، إلى داخل إيران مفتتحة كرمنشاه ومدنا إيرانية أخرى، منهية بذلك عهدا كاملا مليئا بأنواع الاعتداءات الإيرانية على أرض العراق، وكان تولي أحمد
باشا، ولده، قيادة القوات المحاربة سنة 1136 هـ/ 1723 م ونجاحه في فتح همذان عاصمة الصفويين آنذاك، مدعاة لفخر العراقيين الذين أسهموا، بصيغ مختلفة، في تحقيق هذا النصر الباهر. وقد أبدى السويدي إعجابه بقابليات الوالي الشاب القيادية وتابع أخباره باهتمام شديد، وكانت له آراؤه فيما جرى يومذاك من أحداث، وقد نقل ابنه عبد الرحمن عنه آراء سديدة في تفسير ما تعرّض له الجيش العثماني من نكسات. «1»
وحينما حاصر نادر شاه بغداد صيف سنة 1145 هـ/ 1732 م لم يتخل السويدي وأسرته، عن دوره في الدفاع عنها، فقد كانت خطة المهاجمين تعتمد على إحداث حركة تطويق على الجانب الغربي من بغداد، وهو أمر أدى إلى قيام أهل هذا الجانب بتحصين جانبهم على عجل. ولما كانت دار السويدي تطل على الفضاء القريب، خارج السور، فقد خرج هو ورجال عشيرته لصد المهاجمين وإفشال تعرضهم على تلك الناحية، وشارك الجميع، بحماسة منقطعة النظير، في معركة دفاع باسلة، وصفها ابنه عبد الرحمن- فيما بعد- وكان شاهد عيان لها بقوله «كنت على علية في دارنا مشرفة على محل الوقعة، فانظر إلى الخيل تعثر في الرجال وإلى السيوف تخطف رؤوس الأبطال حتى صار العدو أضعافهم، وكثر فناؤهم فأبصرت خيل عسكرنا (يريد: العسكر العثماني النظامي) ولت على أدبارها، وجدّت في جريها لفرارها، وأبصرت رجالنا ثبتوا ثبات الرجال، وقارعت الأبطال منهم الأبطال، وقاتلوا قتال من لا يريد الحياة، وكثر الرهج من جميع الجهات» «2» فكانت تلك الملحمة مبعث ذكريات وطنية مشتركة ظلت تتردد في أفواه الناس أجيالا متعاقبة. ومن ناحية أخرى فإن فشل نادر شاه في اقتحام المدينة الصامدة، واضطراره إلى الانسحاب منها، كان بشير تحسن في أحوال السويدي نفسه، وإيذانا بتبدل أوضاعه المعيشية والاجتماعية، فقد لفتت شهرة الشيخ العلمية، وكفاءته الشخصية، انتباه أحمد
باشا، صحيح أن السويدي سبق له أن اتصل به مهديا إياه بعض قصائده، إلا أن الأمر لم يزد يومذاك عما يدخل في نطاق صلات الأدباء بولاتهم، أما الآن، فإن نظرة الوالي إليه أخذت طابعا أكثر تقديرا وجدية. وما أن مضت مدة قصيرة، حتى أمر بتعيينه مفتيا في قصبتي النجف وكربلا، وهو منصب رفيع، ومهم، يومذاك، فغادر الشيخ وأسرته بغداد ليستقر- فيما ظهر- في قصبة كربلا، وليمضي هناك مدة ثلاثة شهور هانئة «مسرورين بقرب أولئك الأكابر، مغبوطين بأولي الشرف الظاهر» . «1»
على أن الأيام لم تمض هانئة سعيدة، إذ سرعان ما تواردت الأنباء بتعرض إيراني جديد على العراق، واضطر السويدي إلى مغادرة كربلا، مع متوليها، على عجل، صحبة القوات الخاصة بمدينة الحلة، وسلك طريق شفاثة الصحراوي، ليصل، بعد حين، إلى الموصل التي كانت تتمتع بظرف أكثر أمنا، بعد أن استطاعت قواها العسكرية المحلية سنة 1145 هـ/ 1732 م أن تلحق هزيمة منكرة بقوة إيرانية أرادت احتلالها. «2»
وبانتهاء الحركات العسكرية، وتقهقر الجيوش الإيرانية، عاد عبد الله السويدي إلى كربلاء ليتولى وظيفة فيها، ولكنه لم يلبث أن انتقل بأسرته إلى بغداد، ليستقر فيها بصفة نهائية.
وشهدت المدة التالية من حياته نشاطا كبيرا في مجال العلم والتعليم، بل في توجيه الحركة الفكرية في بغداد يومذاك، فقد تقلّد أرفع المناصب العلمية، إذ تولى التدريس في مدرسة جامع الإمام أبي حنيفة النعمان، «3» فكان ثاني من درّس فيها بعد إعادة افتتاحها في منتصف القرن الثاني عشر الهجري (18 م) ، «4» كما تولى التدريس أيضا في المدرسة
المرجانية، «1» التي سبق أن تلقى العلم فيها أيام الطلب، وكان التدريس فيها معقودا «لأعلم أهل بغداد» . «2»
ثم أنه تولى سنة 1155 هـ/ 1742 م التدريس في مدرسة جامع الشيخ عبد القادر الكيلاني، بعد تجديدها، في المدة نفسها «3» «فانتفعت به الطلبة علما وعملا» . «4»
وجاء عدوان نادر شاه الجديد على العراق سنة 1156 هـ/ 1743 م ليلقي على كاهل السويدي، وقد بلغ الخمسين من العمر، مسئولية كبرى ومهمة صعبة، ففي ذلك العام قدم نادر شاه إلى العراق «بجحافل متواترة وجنود متوافرة عدد الرمل والحصى، وبث سراياه وعساكره في تلك الأراضي، فأبقى لحصار بغداد نحو سبعين ألفا «5» . وفي ظل ظروف حصار قاس طويل، وتحركات معادية مستمرة، انتدب السويدي للسفر- في مهمة شاقة وخطيرة- إلى معسكر نادر شاه، ممثلا للجانب العثماني، في المؤتمر المعقود هناك تحت ذريعة التوفيق بين المذاهب الإسلامية. وقد سجّل لنا السويدي نفسه، يوميات ذلك المؤتمر وما جرى فيه من جدال وحوار، وما انتهى إليه هو من نجاح في المهمة التي انتدب من أجلها. «6» ولا نشك في أن اختيار أحمد باشا للسويدي دون غيره من علماء بغداد المعاصرين كان دليلا على الشهرة العريضة التي حققها الأخير، والإجماع الذي انعقد عليه بوصفه أعلم أهل بغداد وأكثرهم كفاءة ومقدرة على رد الخصوم.