الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثاني عشر- في الشعر:
15-
ديوان، نوّه به مترجموه، وكان يظن أنه من كتبه الضائعة ثم عثرنا على نسخة منه لدى بعض الفضلاء السويديين، أحفاد المؤلف. وفي خزانتنا نسخة مصورة منه. أوله «الحمد لله الذي نصب مآدب الأدب، وشرّف بالبلاغة من الصنف الإنساني صنف العرب، فخصهم بمزايا البيان، وفضلهم بفصاحة اللسان
…
وبعد فيقول العبد الفقير إلى الله الغني عبد الله بن الحسين بن مرعي بن ناصر الدين الدوري الشافعي المعروف بالسويدي البغدادي: كنت في إبان عصر الشبية. وعنفوان الأوقات المستعذبة الرطيبة أتولع بالنظام، وآتي منه على حسب المرام
…
وكان من شنشنتي المستمرة، وهجيراي المستقرة، أني لا أقيده بمجموع أو ديوان..
فذهب أدراج الرياح.. وذلك لاشتغالي بفنون العلم وأنواعها، وشغفي بالتقاط فرائد الفوائد واستجماعها، وهذا هو الأحرى والأولى، والأفخر الأنفس الأغلى لكن ناداني لسان الحال، وأفصح وقال: ما لا يدرك كله لا يترك كله، وإن الإتيان بالمستطاع أمر ترتاح له الطباع، فشرعت في التقاط ما تبدد، وقيد أوابد ما [ت] شرد، وهو بالنسبة إلى ما ضاع كقطرة في بحر..» .
والنسخة بخط الشيخ أحمد أبي المحامد، وهو ابن الناظم، وقد أضاف إليها قصائد عدة لأبيه لم ترد في أصل الديوان.
ثالث عشر- في موضوعات أخرى:
16-
رسالة فكاهية، جمع فيها بين كتابين زعم أنهما من الجن ألقى الواحد تلو الآخر في دار السيدة صفية بنت حسن باشا وجوابه عنها، ومدار ذلك النيل من القاضي والمفتي، وتاريخ الكتابة سنة 1163 هـ/ 1749 م، وتقع في 11 صفحة. «1»
شخصيته العلمية:
لا تكمن أهمية ما قام به السويدي من شروح وحواش في أنه يسّر متونا تعليمية أساسية
لطلبته، أو للطلبة في عهده عامة، فأعمال كهذه لم تكن بعيدة عن أيدي الدارسين يومذاك، وإنما تكمن أهميتها في أنها احتوت، فيما احتوت، على روح نقدية جديدة لم نكن نلحظها لدى سابقيه، من مواطنيه في الأقل، وبشّرت بولادة اتجاه قوي له (موقف) مما في الكتب الموروثة التي اكتسبت قدسية خاصة لكثرة ما اعتمدها الشيوخ أولا، ثم مما كان يبرز في واقعهم نفسه من ظواهر اجتماعية مختلفة. ولنبدأ هنا بتوضيح المسألة الأولى، فعلى رغم أن السويدي قرّض شرح صحيح البخاري للشيخ إسماعيل العجلوني، وكان عالم دمشق ومحدثها، بناء على طلب مؤلفه، فإنه انتقده بقوة مستهدفا منهجه، إذ وصفه بأنه «مجرد نقول لا محاكمة فيه ولا تحرير معنى ولا ضبط مبنى، بل إنه ينقل عبارة بعض الشروح ثم يعقبها بعبارة شرح آخر، ويكون بين العبارتين مخالفة فما يرجّح أحد القولين على الآخر ولا يجمع بينهما، وتارة تكون العبارتان متفقتين فينقلهما فتؤول إلى التطويل من غير فائدة» وانتقد منهجه في تدريس الشرح بأنه يجري «من غير تقرير ولا تحرير ولا حل إشكال ولا فك تركيب» «1» فما انتقده هنا لم يكن كتابا بقدر ما كان منهجا بأكمله، ولم يكن العجلوني وحده الذي اختصّ بالتأليف وفق هذا المنهج، وإنما كان نهج العديد من المؤلفين قبله أيضا، فعبارة السويدي إذن كانت تحدد موقفا جديدا من مناهج معاصريه ومتقدميه من علماء القرون المتأخرة التي سبقته، وهم الذين عمدوا إلى شرح المتون والتحشية عليها دون أن يكون لهم (موقف) مما يكتبون. ولا شك في أن السويدي تلافى ما رآه نقصا منهجيا حين وضع شرحه على صحيح البخاري، ولكن من المؤسف أن هذا الشرح ضاع فيما ضاع من آثاره، وعلى أية حال فإن في وسعنا تتبع موقفه الفكري هذا في جميع أعماله المتبقية الأخرى، وها هو في شرحه للامية العرب للشنفرى يصرح بأنه تكلم فيها «على دفع انتقاد، وتوضيح مراد، وفك مبنى، وسبك معنى» وإن هذا العمل جاء مهما
في نظره لأنه صار «كالشرح الثاني» بعد أن قام بشرح مفردات القصيدة وإعرابها، وهو ما يقوم به الشارحون عادة. ونحن نلمح في هذا الشرح روحا نقدية عالية، أتى فيها بكلام السابقين، وعقد موازنات بين آرائهم، وانتقد بعضها، وأوضح أسباب ذلك، وأيد البعض الآخر، وبين بواعث تأييده لها، ولم يتردد في الرد على مشاهير العلماء إذا ما ظهر له بطلان ما يستندون إليه من أدلة، وضعف ما توصلوا إليه من نتائج.
وهو في حاشيته على مغني اللبيب، لم يجعل النقد جزءا من منهجه، وإنما منهجه كله، فقد ناقش فيه، مرّة واحدة، أربعة من شارحيه السابقين، بضمنهم مؤلف المتن نفسه، فجعله- كما وصفه المرادي- «محاكمة بين شارحيه» وهذا اللفظ، أعني «المحاكمة» وهو ما نقد كتاب العجلوني عليه لخلوه منه كما رأينا قبل قليل، وهو ما دفعه أيضا إلى تأليف عدة رسائل في الردود، ناقش في بعضها كتبا محددة على طريقة (قال) و (أقول) وهي طريقة تمنح المؤلف قدرا واسعا من الحرية في مناقشة النصوص.
إن هذه الروح الجديدة في تناول النص ومناقشة صاحبه مهما كانت منزلته، هي- في تقديرنا- أهم ما أورثه السويدي لتلامذته العديدين، وهو بهذا يمكن أن يكون رائدا لمدرسة نقدية حقيقية في وسع الباحث أن يتتبع مسارها إبان أواخر القرن الثاني عشر والقرن الثالث عشر للهجرة (18 و 19 للميلاد) .
وهذا بدوره يجرنا للكلام عن المسألة الثانية وهي أثر الاتجاه الذي بشّر به، وبدأه السويدي من خلال كتبه وتلامذته، على الفكر الاجتماعي في ذلك العهد والعهد الذي تلا، فإن ما بدأه السويدي من صياغة (موقف حر) في نقد العلماء (والأدباء من ضمنهم) من خلال نصوصهم، جرّ إلى موقف مشابه من نقد المجتمع من خلال واقعه نفسه. ورغم أن كتابا للسويدي لم يصلنا بهذا المعنى، إلا أن لنا أن نلمح ذلك في ثنايا مقامة أدبية وضعها لينتقد بها شخصيتين اجتماعيتين بارزتين، هما القاضي والمفتي، وربما نجد شيئا أكثر أهمية في نقده الجاد للحياة العلمية والمستوى الفكري في عهده، من خلال هجومه على ما
وصلت إليه المدارس التقليدية من ترد فادح، ومن خلال تعريضه بفئات واسعة النفوذ من العلماء والمشايخ والصوفية ومتولي الأوقاف، بل إنه مضى في ذلك ليشمل في نقده فئات اجتماعية لا صلة لها بالعلم، كالانكشارية ومن يدور في فلكهم، كما أنه انتقد أيضا ما سماه (قانون الأتراك) ويعني به ما كان متّبعا، في عهده، من شراء للمناصب العلمية والتدريسية في المدارس ذات الأوقاف الكثيرة.
إن هذا الموقف من المجتمع، والذي لمحنا بعض بداياته لدى السويدي، استمر، بوضوح أكثر، لدى تلامذته، وبخاصة لدى أبنائه من العلماء، من ذلك أن حفيدا له، هو علي بن محمد سعيد (المتوفّى سنة 1214 هـ/ 1799 م) ألف، بعد نصف قرن من وفاة السويدي، كتابا مهما سماه «العقد الثمين في بيان مسائل الدين» حمل فيه بجرأة مشهودة على مظاهر وعادات وتقاليد اجتماعية سكت العلماء المعاصرون عن معالجتها، ودعا فيه صراحة إلى العودة إلى المنابع الأولى للدين، وهجر كثير مما كان سائدا، أو مألوفا، في عهده، من مزاولة للسحر بضروبه، وسكنى المقابر وتقديسها، والاغتسال بالآبار المباركة، وغير ذلك من أمور، كان التعرض إلى أيّ منها كافيا، لإثارة حفيظة فئات اجتماعية واسعة، وليس صعبا أن نلمح أوجه شبه عديدة، وأساسية، بين أفكار كهذه، وما تضمنته كتب السويدي الجد من طروحات وملاحظات. وعلى أية حال، فإن تيارا نقديا كهذا لم يكن ليتوقف، فقد وجد كتاب (العقد الثمين) انتشارا واسعا بين معاصريه، وجاء محمد أمين ابن مؤلفه علي السويدي ليبلور أفكاره، وينضج مواقفه، في شرحه له، الذي عنونه (التوضيح والتبيين لمسائل العقد الثمين) والذي عد نموذجا لفكر إصلاحي أخذت رياحه تعصف بكثير من التقاليد الموروثة في مجال الحياة الفكرية- الاجتماعية في القرن الثالث عشر الهجري (19 م) حتى وصف بأنه كتاب «تشد إليه الرواحل وتقطع دونه المنازل» . «1»