الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واسطة قلادة الأماثل الأفاخم الذي حصل الكمالات، فدعي بالمحصل، واصل المكرمات، فهو المؤسس والمؤصل، الأكرم الأفخم حمزة آغا محصل حلب ابن طعمة البغدادي، لا زالت من الله تهطل عليه الأيادي، وأضافني بكسوة من الفرق إلى القدم، وأمدّني بنفقة من النقود كثيرة.
وممن زارنا وصاحبنا من علماء حلب، العالم الفريد في قطره، والفذ في عصره ودهره، ذو التحقيقات الباهرة، والتدقيقات الفاخرة، من محاسن حلب وافتخارها، بل هو فريد الدنيا في أرجائها وأقطارها، جامع المنقول والمعقول، وحائز الفروع والأصول، سيدي السيد محمد الطرابلسي نزيل حلب، لا زال أعلام إفادته منشورة على كراهل الطالبين، ولا برحت أظلة تقريراته وارفة، محيطة بالمستفيدين آمين، فقد رأيته بحرا لا ينزف، ووفاء لا يوصف، حوى 57. ب) نهاية الرقة واللطافة، وغاية المحاسن والطرافة، وله كرم يزري بالبحر الزخار، والغيث الهاطل المدرار، وقد أضافني- حفظه الله- في بستان الوزير حسين باشا القازوقجي «1» ، ومعنا في الضيافة السيد الحسيب النسيب السيد يونس الأدهمي، والأكرم الأمجد خليل أفندي عجيمي زاده ومولانا الحاج محمد بن هاشم. وتكلف بأطعمة شتى مع الإكرام والإجلال، ولا سيما ما انضمّ من ذلك من حسن أدبه، بحيث يتلمذ لي. ومن عذوبة منادمته وسرعة بديهته، والله إنه لأذكى من إياس، وله مزاج حسن، ومداعبة لطيفة، بحيث تخلب الألباب، وتذهب بالعقول.
[بستان حسين باشا القازوقجي]
واما البستان المذكورة فهي جنة من جنان الدنيا، ماؤها رقراق، ونهرها دفاق، تصدح فيها الحمائم والبلابل، وتغرّد فيها الشحارير والعنادل، رق نسيمها حتى عاد كالعليل، وطاب
ظلها وهو ظل ظليل، ذات أشجار مختلفة الثمار، تطل على نهر قويق «1» ، وعلى بساتين مد البصر، رفيعة المباني والعمران، مزخرفة بسائر الألوان، فانبسطنا ودام لنا السرور، وحصلنا على الأفراح والحبور. وكان حفظه الله ما بين يوم ويوم يأتي لزيارتي وتحصل بيننا مذاكرات ومحاورات من سائر العلوم من منثور (58 أ) ومنظوم، فالغالب يكون الصواب معي، وهو حفظه الله وافر الإنصاف، مجانب الاعتساف، حتى إنه اتفق لي معه مذاكرة في إنّ العام إذا خصص بغير إلّا هل تكون دلالته ظنية أم قطعية؟ وما الذي رجحه علماء الأصول؟ فامتد البحث بيننا ثلاثة أيام، ووافقه على دعواه الشيخ طه الجبريني مع إقامة الدلائل من الطرفين، والمعارضة من الجانبين، حتى كثر الصخب، وارتفعت الأصوات، مع مراعاة قوانين المناظرة، فاجتمعت به خلال اليوم الثالث، فأول ما وقع نظره عليّ قال لي: يا سيدي إن الصواب معك ونحن مخطئون! وما كفاه هذا إلّا أنه أينما جلس عند الأكابر والأعيان يقول: جرت بيننا وبين الشيخ البغدادي مباحثة والصواب معه ونحن كنا مخطئين، ولم يزل ينوه بذكري، ويقول إنه شيخنا ونحن تلامذته، فلله دره من عالم ما أكثر إنصافه وما أجزل ألطافه وإسعافه مع مداعبته وملاءمته وتفرده في حلب علما وجاها. وأضافني مرة ثانية في بيته ومعنا رفيقنا الشيخ عبد الوهّاب الموصلي الإمام بالحضرة الجرجيسية، والشيخ طه الجبريني، والشيخ عبد الكريم الشراباتي، والشيخ السيد حسين الديري «2» ، وغيرهم. وجرت في ذلك المجلس (58 ب) محاورات ومذاكرات أكثرها عبارات الشيخ ابن حجر «3» في شرح المنهاج عارضني
فيها الشيخ طه الجبريني، وكان الحق معي آخرا. وكان معنا السيد محمد قزيزان «1» ، وهو رجل حسن الصوت، حسن النغمة، معرفته بالألحان الموسيقية تامة، وما سمعته يلحن في إنشاده ولو بحركة. ومن عادته أنه لا ينشد إلا الرقيق من الأشعار، فمما أنشدنا في ذلك المجلس ميمية الشريف الرضي «2» :
يا ليلة السفح هلا عدت ثانية
…
سقى زمانك هطال من الديم
ماض من العيش لو يفدى بذلت له
…
كرائم المال من خيل ومن نعم
لم أقض منك لبانات ظفرت بها
…
فهل لي اليوم إلا زفرة الندم
فليت عهدك إذ لم يبق لي أبدا
…
لم يبق عندي عقابيلا من السقم «3»
تعجبوا من تمني القلب مؤلمه
…
وما دروا أنه خلو من الألم
(59 أ)
ردوا عليّ لياليّ التي سلفت
…
لم أنسهن وما بالعهد من قدم
أقول للائم المهدى ملامته
…
ذق الهوى وإن اسطعت الملام لم
وظبية من ظباء الأنس عاطلة
…
تستوقف العين بين الخمص والهضم «4»
لو أنها بفناء البيت سانحة
…
لصدتها وابتدعت الصيد في الحرم
قدرت منها بلا رقبى ولا حذر
…
على الذي نام عن ليلي ولم أنم
بتنا ضجيعين في ثوبي تقى وهوى
…
يلفنا الشوق من فرع إلى قدم
وأمست الريح كالغيري «5» تجاذبنا
…
على الكثيب فضول الرّيط واللمم
يشي بنا الطيب أحيانا وآونة
…
يضيئنا البرق مجتازا على إضم «1»
وبات بارق ذاك الثغر يوضح لي
…
مواقع اللثم في داج من الظلم
وبيننا عفة بايعتها بيدي
…
على الوفاء لها والرعي للذمم
يولع الطل بردينا وقد «2» نسمت
…
رويحة الفجر بين الضال والسلم «3»
(59 ب)
وأكتم الصبح عنها وهي غافلة
…
حتى ترنم «4» عصفور على علم
فقمت أنفض بردا ما تعبقه «5»
…
غير العفاف وراء الغيب والكرم
وألمستني وقد جد الوداع بنا
…
كفا تشير بقضبان من العنم «6»
وألثمتني ثغرا ما عدلت به
…
أري الجنى ببنات الوابل الرزم
دين عليك فإن تقضيه أحي به
…
وإن أبيت تقاضينا إلى حكم
عجبت من باخل عني بريقته
…
وقد بذلت له دون الأنام دمي
ما ساعفتني الليالي بعد بينهم
…
إلا بكيت ليالينا بذي سلم «7»
لا تطلبن لي الأبدال بعدهم
…
فإن قلبي لا يرضى بغيرهم
ومما أنشدنا ثمة تائية ابن الفارض «8» من قوله