الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
ومن محاسن حلب ومزاراتها جامعها الكبير «1» ، وفيه مرقد سيدنا زكريا «2» - على نبينا وعليه وعلى سائر الأنبياء الصلاة والسلام- وقد زرته واستشفعت به لي ولسائر محبي.
وعلى ضريحه جلالة ومهابة، قال أبو ذر في تأريخه «3» : سيدنا زكريا نبي الله- صلى الله عليه وسلم نشر بالمناشير، وبعض أهل حلب يقول: إن نشره كان مكان العامود الأسود في صحن الجامع الكبير، ولا أعرف صحته. وقطعة من رأسه الشريف بجانبها في الحائط القبلي بالقرب من المحراب الكبير، وعليه ستر وعليه جلالة، وقد شوهد النور عدة مرات يخرج من ذلك المحراب. أخبرني من شاهد ذلك، وفي بعض السنين ختم صحيح البخاري في الجامع، فخرج النور فشاهده الحاضرون، وضج الناس بالتسبيح والتهليل. وقد أخبرنا صاحبنا الشيخ طه الجبريني قال: كنت أقرأ البخاري عند المحراب الأصفر في مصلى الشافعية عن يسار المستقبل، فخرج نور من جهة قبره- صلى الله عليه وسلم ولا زال يرى حتى وقف على المحراب المذكور ربع ساعة، والمستمعون يشاهدونه (107 أ) عيانا. قال الشيخ طه: إلّا أني لم أشاهده لكوني مستدبر القبلة ومستقبل الجماعة، وذلك عام خمس
وخمسين ومائة وألف «1» ، انتهى.
وفي تاريخ ابن الشحنة «2» إنّه قال: ولأبي بكر الصنوبري قصيدة مدح فيها حلب «3» ، وذكر فيها المسجد:
حلب بدر دجى
…
أنجمها الزهر تراها
حبذا المسجد الجا «4»
…
مع للنفس تقاها
موطن يرسي ذوو
…
البر بمرساه جباها
قبلة كرمها الله
…
بنور وحباها
ورآها ذهبا في
…
لازورد من رآها
ومراقي منبر أعظم
…
شيء مرتقاها
شرفات أنقا
…
ت مدّ للطّرف مداها «5»
وذرى مئذنة طا
…
لت ذرى النجم ذراها
ولفوارته «6» ما لم
…
تراه لسواها
أبدا تستقبل السحب
…
بحب من غشاها «7»
فهي تسقى الغيث إن لم
…
يسقها أو إن سقاها
كنفتها قبة
…
يضحك منها «1» كفناها
قبة أبدع بانيها
…
بناء «2» مذ بناها
ضاهت الوشي نقوشا
…
فحكته وحكاها
لو رآها مبتني قبة
…
كسرى ما ابتناها
فبذا الجامع سور
…
يتناهى من تناهى «3»
حييا السارية الخضراء
…
منه حيياها
قبلة المستشرف «4»
…
الأعلى إذا قابلتماها
حيث يأتي حلقة إلا
…
داب منا من أتاها
من رجالات حبى لم
…
يحلل الجهل حباها
من رآهم من سفيه
…
باع بالجهل «5» السفاها
وهي طويلة: ثم قال: وهذه السارية الخضراء كان يجتمع إليها المشتغلون بالأدب ومن قراء النحو واللغة، وقد ذهبت في الحريق. انتهى.
سميت البلدة بحلب باسم بانيها، وهو حلب من بني عمليق. وقيل إنما سميت حلب بفعل سيدنا إبراهيم الخليل، عليه السلام وعلى سائر الأنبياء الصلاة والسلام، وذلك لما كان يرعى غنما له حول تل كان بها وهو الآن قلعتها، وكان له وقت يحلب فيه الغنم وتأتي الناس إليه في ذلك الوقت فيقولون حلب إبراهيم، وسميت لذلك. وتلقب قلعتها والبلدة بالشهباء والبيضاء وذلك لبياض أرضها وأحجارها، لأن غالب أبنيتها كانت من الحجارة
الحوارة «1» ، وفي ثمارها ومائها وسائر أقواتها من البركة مما لا يخفى على الفطن. قلت:
فو الله إني رأيت نهرها وهو صغير جدا بحيث لو أراد أدنى الناس قطعة لقطعه، وهو يزيد على كفاية حلب مع ما فيها من كثرة البساتين والقساطل والخانات والبرك والأحواض، بحيث لو شاهد أحد ذلك لاعتقد أن دجلة تعجز عنه. ورأيت كرومها وأشجار التين والزيتون والفستق واللوز تعيش بلا ماء، كذلك البطيخ الأخضر والأصفر. ورأيتهم يبذرون في ترابها وهو جاف غاية الجفاف فينبت، وما ذلك إلّا لطيب تربتها، الناشىء جميع ذلك من دعوة سيدنا إبراهيم الخليل- عليه الصلاة والسلام قال ابن العديم «2» في تاريخ حلب:
كان فيها مقام إبراهيم الخليل واستوطنها، وكانت له، ثم أمر بالمهاجرة إلى الأرض المقدسة، فخرج عنها، فلما بعد عنها ميلا نزل وصلى هناك، وهو إلى الآن يعرف ذلك المكان بمقام (108 ب) إبراهيم الخليل، قبل حلب، فلما أراد الرحيل التفت إلى مكان استيطانه كالحزين الباكي لفراقها، ثم رفع يديه وقال: اللهم طيب ثراها وهواءها وحببها لأبنائها، فاستجاب الله دعاءه فيها، فصار كل من أقام في بقعة حلب ولو مدة يسيرة أحبها، وإذا فارقها التفت وبكى، انتهى. قلت: ومن نعم الله تعالي أني أحببتها حبا يوازي حب وطني، ولما فارقتها تأسفت عليها وحزنت، ولما بعدت عنها نحو ميل التفت إليها متباكيا اقتداء بالسيد إبراهيم الخليل. أما قلعتها فهي على تل عال، وهو الذي (كان)«3» يسكن فيه إبراهيم الخليل، وله فيها مقامان، أعلى بالمسجد الجامع، وهو الموضع الذي كان يحلب فيه الغنم، وموضع أسفل. وفي الجامع أيضا رأس يحيى بن زكريا موضوع في جرن. وقد زرت جميع ذلك