المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الحاكمُ معَ ذَلِكَ قد اجتهدَ في المستدركِ بنفسهِ وغيرهِ، واستروحَ - النكت الوفية بما في شرح الألفية - جـ ١

[برهان الدين البقاعي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة التحقيق

- ‌البقاعي وكتابه النكت

- ‌طلبه للعلم

- ‌شيوخه:

- ‌تلامذته:

- ‌مصنفاته

- ‌ثناء العلماء عليه:

- ‌نقد العلماء له والكلام عليه:

- ‌وفاته:

- ‌دراسة كتاب " النكت الوفية بما في شرح الألفية

- ‌نشأة علم مصطلح الحديث وتطوره حتى زمن البقاعي

- ‌وصف النسخ المعتمدة فِي التحقيق

- ‌منهج التحقيق

- ‌صور المخطوطات

- ‌أَقْسَامُ الْحَدِيْثِ

- ‌أَصَحُّ كُتُبِ الْحَدِيْثِ

- ‌الْمُسْتَخْرَجَاتُ

- ‌مَرَاتِبُ الصَّحِيْحِ

- ‌ نَقْلُ الْحَدِيْثِ مِنَ الكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ

- ‌القِسْمُ الثَّانِي: الْحَسَنُ

- ‌(القِسْمُ الثَّالِثُ: الضَّعِيْفُ)

- ‌ المرفوع

- ‌المسند

- ‌المتصل والموصول

- ‌الموقوف

- ‌المقطوع

- ‌المرسل

- ‌الْعَنْعَنَةُ

- ‌تَعَارُضُ الْوَصْلِ وَالإِرْسَالِ، أَو الرَّفْعِ وَالوَقْفِ

- ‌التدليس

- ‌الشَّاذُّ

- ‌المنكر

- ‌الاعتبار والمتابعات والشواهد

- ‌زيادات الثقات

- ‌الأفراد

- ‌المعلل

- ‌المضطرب

- ‌المُدْرَجُ

- ‌الموضوع

- ‌المقلوب

- ‌تنبيهات

- ‌معرفة صفة من تقبل روايته ومن ترد

الفصل: الحاكمُ معَ ذَلِكَ قد اجتهدَ في المستدركِ بنفسهِ وغيرهِ، واستروحَ

الحاكمُ معَ ذَلِكَ قد اجتهدَ في المستدركِ بنفسهِ وغيرهِ، واستروحَ ابنُ حبانَ في صحيحهِ إلى أنْ جاءَ المستدركُ أقلَّ تساهلاً، قيلَ: الأصلُ عدمُ هذا، واستعمالُ كلٍ منهما مبلغَ علمهِ في كتابهِ، والواقعُ أَنَّ الكتابينِ كذلكَ)).

قولهُ:

‌الْمُسْتَخْرَجَاتُ

33 -

وَاسْتَخْرَجُوا عَلى الصَّحِيْحِ (كَأَبي

عَوَانَةٍ) (1) وَنَحْوِهِ، وَاجْتَنِبِ

34 -

عَزْوَكَ ألفَاظَ المُتُونِ لَهُمَا

إذْ خَالَفتْ لَفْظاً وَمَعْنىً رُبَّمَا

35 -

وَمَا تَزِيْدُ فاحْكُمَنْ بِصِحَّتِه

فَهْوَ مَعَ العُلُوِّ مِنْ فَائِدَتِهْ

36 -

وَالأَصْلَ يَعْني البَيْهَقي وَمَنْ عَزَا

وَلَيْتَ إذْ زَادَ الحُمَيدِي مَيَّزَا

لو مَثَّلَ الشيخُ بأبي نعيمٍ أحمدَ بنِ عبدِ اللهِ الأصبهانيِّ كانَ أولى؛ لانفرادهِ عن من (2) ذكرهُ بالاستخراجِ على كلٍ مِن الصحيحينِ؛ فكأن يقولُ: ((نعيماً)) موضعَ ((عوانةَ)). والإسماعيليُ أبو بكرِ بنِ أحمدَ بنِ إبراهيمَ (3)، والبَرْقانيُّ (4) أبو بكرٍ أحمدُ بنُ محمدٍ (5)، وأبو عوانةَ يعقوبُ بنُ إسحاقَ الإسفرايينيُّ.

(1) صُرِف لضرورة الوزن.

(2)

((من)) لم ترد في (ف).

(3)

هو الإمام الحافظ الثبت أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل الإسماعيلي الجرجاني المتوفى سنة

(371)

هـ. انظر: تاريخ جرجان: 108، وتذكرة الحفاظ 3/ 947.

(4)

نسبة إلى بَرْقان بفتح أوله وبعضهم يقول بكسره. انظر: معجم البلدان 1/ 306.

(5)

هو الإمام أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب أبو بكر الخوارزمي المعروف بالبرقاني توفي سنة (425) هـ. انظر: تاريخ بغداد 4/ 373، والأنساب 1/ 337.

ص: 144

قولهُ (1): (المستخرجُ موضوعهُ) إلى آخرهِ (2)، ظاهرهُ أنَّهُ لا يُسمَّى مُستخرجاً إلا إنْ كانَ على الصحيحِ، وأنَّه لم يُستخرَجْ إلا على الصحيحِ، وليسَ كذلكَ، فقدِ استخرجَ على "سننِ أبي داودَ" محمدُ بنُ عبدِ الملكِ بنِ أيمنَ، وعلى الترمذيِّ أبو عليٍّ الطوسيُّ، واستخرجَ أبو نعيمٍ على " التوحيدِ " لابن خزيمةَ (3). وعُذرُ المصنِّفِ في ذَلِكَ: أَنَّ كلامهُ سابقاً ولاحقاً في الصحيحِ، وحقُّ العبارةِ

أَن يقالَ: موضوعهُ أنْ يأتي المصنِّفُ إلى كتابٍ مِنْ كُتبِ / 33أ / الحديثِ، فيخرجَ .... إلى آخرهِ.

قولهُ: (موضوعهُ)(4) ليسَ المرادُ الموضوعَ المصطلحَ عليهِ، إنما المرادُ حقيقةُ المستخرجِ ومعناه، وأمّا موضوعه بحسبِ الاصطلاحِ: فأحاديثُ الكتابِ الذي استخرج عليهِ، فموضوعُ مُستخرَجِ أبي نُعيمٍ على البخاريِّ: كتابُ البخاريِّ أسانيدهُ ومتونهُ؛ لأنَّهُ يبحثُ في المستخرج عن كلٍ منهما.

قولهُ: (أو منْ فوقهُ)(5) قالَ شيخُنا: ((إذا اجتمعَ المستخرجُ مع صاحبِ الأصلِ في مَنْ فوقَ شيخهِ لا يُسمَّى مستخرجاً، إلا إذا لم يجدْ طريقاً توصلُهُ إلى شيخهِ، وتفيدُ ما تفيدهُ الطريقُ التي أوصلتهُ إلى مَنْ فوقه. وحاصلهُ: أنَّهُ يشترطُ أنْ لا يصلَ إلى الأبعدِ معَ وجودِ السندِ إلى الأقربِ إلا لعذرٍ مِنْ علوٍ، أو زيادةِ حكمٍ مهمٍ، أو نحوِ ذلكَ، ولذلكَ يقولُ أبو عوانةَ في "مستخرجهِ على صحيحِ مسلمٍ" بعد أنْ يسوقَ طُرقَ مسلمٍ كلَّها: ((مِنْ هنا لمخرجهِ))، ثمَّ يسوق أسانيدَ يجتمعُ فيها مع مسلمٍ فيمنْ فوقَ ذلكَ، وربما قالَ:((مِنْ هنا لم يخرجاه)). قالَ: ولا نظن أنَّهُ يعني

(1) من قوله: ((لو مثل الشيخ بأبي نعيمٍ

)) إلى هنا لم يرد في (ك).

(2)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 121.

(3)

انظر: البحر الذي زخر 3/ 903 - 904.

(4)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 121.

(5)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 121.

ص: 145

البخاريَّ ومسلماً، فإني استقرأتُ صنيعَهُ في ذَلِكَ، فوجدتهُ إنما يعني مسلماً وأبا الفضلِ أحمدَ بنَ سلمةَ (1)؛ فإنَّهُ كانَ قرينَ مسلمٍ، وصنّفَ مثلَ مسلمٍ، وربما أسقطَ المستخرجُ أحاديثَ لم يجدْ له بها سنداً يرتضيهِ، وربما ذكرها مِنْ طريقِ صاحبِ الكتابِ)) (2).

قولهُ: (إذ)(3) تعليليةٌ؛ لأَنَّ الأصلَ في المستخرجِ أنْ يخالفَ في الألفاظِ، وربما وافقَ، فإذا خالفَ فتارةً يخالفُ في المعنى أيضاً، وتارةً يوافقُ / 33 ب /.

قولهُ: (ربما متعلقٌ بمخالفةِ المعنى فقط)(4) قالَ شيخُنا: ((يمكنُ أنْ يتعلقَ بالشيئينِ؛ لأنهمُ اختلفوا في ((رُبَّ)) هل هي للتقليلِ أو للتكثيرِ؟ والأصحُ أنها لا تختصُ بأحدهما، كما قالَ في "جمعِ الجوامعِ"(5) بل تكونُ لهذا تارةً، ولهذا أخرى (6)، فإذا جعلناها هنا (7) للتكثيرِ، رددناها إلى الألفاظِ، أو للتقليلِ رددناها إلى المعاني، فيكونُ تقديرُ الكلامِ حينئذٍ: إذ خالفت لفظاً، أو معنى (8) كثيراً وقليلاً. وتكونُ مِن استعمالِ المشتركِ في مَعنييهِ (9)، لفاً ونشراً مرتباً.

(1) هو أحمد بن سلمة بن عبد الله، أبو الفضل البزاز المعدل النيسابوري أحد الحفاظ المتقنين قال الذهبي:((له مستخرج كهيئة صحيح مسلم)) توفي سنة (286) هـ.

انظر: تاريخ بغداد 4/ 186، وتذكرة الحفاظ 2/ 637.

(2)

انظر: البحر الذي زخر 3/ 898.

(3)

التبصرة والتذكرة (34).

(4)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 122.

(5)

انظر: تشنيف المسامع بجمع الجوامع 1/ 266.

(6)

قال ابن هشام في مغني اللبيب 1/ 118: ((ترد للتكثير كثيراً، وللتقليل قليلاً)).

(7)

لم ترد في (ك).

(8)

في (ف): ((ومعنى)).

(9)

عبارة: ((من استعمال المشترك في معنييه)) لم ترد في (ك).

ص: 146

قلتُ: والأحسنُ أنْ تقرأَ ((رُبَما)) (1) مخففةً؛ لئلا تفحشَ المخالفةُ حينئذٍ (2) في القافيةِ، لا يقالُ: إنَّ إعرابَ هذا البيتِ مشكلٌ، لأنَّ (رُبَّ) لها صدرُ الكلامِ (3)، فكيفَ يتقدّمُ متعلقُها عليها؟ لأنّا نقولُ: نقلَ الرضيُّ عن ابنِ السراجِ أَنَّ النحاةَ كالمجمعينَ على أَنَّ (رُبَّ) جواب لكلامٍ (4)، إمّا ظاهرٌ أو مقدرٌ فهيَ في الأصلِ: موضوعةٌ لجوابِ فعلٍ ماضٍ منفيٍ (5)، وقالَ: إن الفعلَ قد يحذفُ بعدها عندَ القرينةِ، فحينئذٍ يكونُ المعنى على التعجبِ هنا، كأنهُ لما نهى عن عزوِ ألفاظِ متونِ المستخرجاتِ إلى الكتابِ المستخرجِ عليهِ؛ لأنَّ المستخرجاتِ خالفتهُ لفظاً ومعنىً، استبعدَ السامعُ هذا؛ لأنَّ المستخرجَ عليهِ نفسُ المستخرجِ، فكيفَ يكونُ استخراجُ الشيءِ موجباً لتغيرهِ، فقالَ: ما خالفتُ في شيء مِنْ ذلكَ فقالَ: ربما خالفتَ هذا على ما قررهُ شيخُنا، وعلى ما قررهُ المصنِّفُ يكونُ ذلكَ خاصاً بالمعنى؛ لأنَّ الاستبعادَ فيهِ أشدُّ.

قولهُ: (بمقابلتهِ / 34أ / عليهِ)(6) عبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((فليسَ لكَ أنْ تنقلَ حديثاً منها، وتقولَ هوَ على هذا الوجهِ في كتابِ البخاريِّ، أو كتابِ مسلمٍ، إلا أنْ تُقابلَ لفظَهُ، أو يكونَ الذي خرَّجهُ قد قالَ: أخرجهُ البخاريُّ بهذا اللفظِ (7) بخلافِ الكُتبِ المختصرةِ من "الصحيحينِ"، فإنَّ مصنِّفيها نقلوا فيها ألفاظَ "الصحيحينِ"،

(1) كتب ناسخ نسخة (أ) فوقها: ((خف)).

(2)

لم ترد في (ك).

(3)

انظر: مغني اللبيب 1/ 119.

(4)

في (ف): ((الكلام)).

(5)

انظر: تاج العروس 2/ 478.

(6)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 122.

(7)

انظر: نكت الحافظ ابن حجر 1/ 310.

ص: 147

أو أحدهما (1) غيرَ أَنَّ "الجمعَ بينَ الصحيحينِ" للحميديِّ الأندلسيِّ منها يشتملُ على زيادةِ تتماتٍ لبعضِ الأحاديثِ، كما قدَّمنا ذكرَهُ (2)، فربما نقلَ .. )) (3) إلى آخرهِ.

قولهُ: (فقط)(4)، أي: متعلق بهذا القسمِ وحدَهُ، وهو ما انضمَّ فيهِ إلى مخالفةِ اللفظِ مخالفةُ المعنى، ولم يرد أَنَّ مخالفةَ المعنى قد توجدُ بدونِ مخالفةِ اللفظِ، بدليلِ قولهِ قبلُ:(وربما وقعتِ المخالفةُ أيضاً في المعنى)(5) فقولهُ: ((أيضاً)) يفهمُ أَنَّ ذلك مضمومٌ إلى ما قدّمهُ مِنْ مخالفةِ اللفظِ، واللهُ الموفقُ (6).

قولهُ: (لأنها خارجةٌ مِنْ مَخرجِ الصحيحِ)(7) قالَ شيخُنا: ((هذا مُسلّمٌ في الرجلِ الذي التقى فيهِ إسنادُ المستخرجِ، وإسنادُ مصنفِ الأصلِ، وفيمنْ بعدهُ، وأما مَنْ بينَ المستخرِجِ وبينَ ذلكَ الرجلِ، فيحتاجُ إلى نَقدٍ؛ لأنَّ المستخرجَ لم يلتزمِ الصحةَ في ذلكَ، وإنما جلُّ قصدهِ العلوُ، فإنْ حَصَلَ وَقعَ على غرضهِ، فإنْ (8) كانَ مع ذَلِكَ صحيحاً، أو فيهِ زيادةٌ أو نحو ذَلِكَ، فهوَ زيادةُ حسنٍ حصلتْ اتفاقاً، وإلا

(1) انظر: نكت الحافظ ابن حجر 1/ 312، وبتحقيقي:124.

(2)

انظر: نكت الزركشي 1/ 230 - 231.

(3)

معرفة أنواع علم الحديث: 91 - 92.

(4)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 122.

(5)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 122.

(6)

من قوله: ((لا يقال: إنّ إعراب هذا البيت .... )) إلى هنا لم يرد في (ك).

(7)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 122.

أقول: قد قلت في تعليقي هناك: ((فيه نظر، فالأمر ليس على هذا الإطلاق الذي أطلقه المصنف، ومن قبله ابن الصلاح، ومن اعتنى بكتابه، إذ ينبغي اجتماع شرائط الصحة بين المخرج وبين الراوي الذي اجتمع به مع صاحب الكتاب، وقد خرج بعض أصحاب المستخرجات لبعض الضعفاء)).

(8)

في (ف): ((وإن)).

ص: 148

فليسَ ذلكَ مِنْ همتهِ، واللهُ أعلمُ. قالَ: وربما لم يقعْ لهُ بعض الأحاديثِ إلَاّ بنزولٍ، فيرويهِ كذلكَ، وربما لم يقعْ لهُ إلا مِنْ طريقِ المصنِّفِ، فيسوقهُ مِنْ طريقهِ / 34ب / اضطراراً؛ لإتمامِ الكتابِ، وجلُّ قصدهِ الأولُ كما قرّرنا، قالَ: وقد وقعَ لابنِ الصلاحِ هنا فيما فرَّ منهُ مِنْ عدمِ التصحيحِ في هذا الزمانِ (1)؛ لأنَّهُ أطلقَ تصحيحَ هذهِ الزياداتِ، فشَملَ ذلكَ ما نصَّ عليهِ إمامٌ معتمدٌ، أو وجدَ في كتابِ مَنِ التزمَ الصحةَ، وما ليسَ كذلكَ، ثمَّ عللهُ بتعليلٍ هوَ أخصُّ مِنْ دعواهُ، وهو قوله:

((لأنها خارجةٌ مِنْ مخرجِ الصحيحِ)) (2)، فإنَّهُ قد تقدّمَ أنها لا تتعلقُ بمخرجِ الصحيحِ إلا مِنْ ملتقى الإسنادِ إلى منتهاهُ)) (3).

قولهُ: (فلو رواه أبو نعيمٍ مثلاً مِنْ طريقِ مسلمٍ)(4) يوجدُ في كثيرٍ مِنَ النسخِ: البخاري، وكذا في الثلاثةِ الألفاظِ بعدهُ.

قالَ شيخنا: ((كانت كذلكَ، ثمَّ التمسنا منَ المصنفِ تغييرَها، فغيَّرها لأجلِ صحةِ المثالِ الذي مثَّلَ بهِ، فإنَّ البخاريَّ لم يخرجْ لأبي داودَ الطيالسيِّ في "صحيحهِ" إلا تعليقاً (5)(6). قالَ: ولو مثَّلَ بمن أخرجا له لكانَ أولى، فعبدُ الرزاقِ لو رَوَى أبو نعيمٍ عنهُ حديثاً مِنْ طريقِ البخاريِّ أو مسلمٍ، لم يصل إليهِ إلا بأربعةٍ، وإذا

(1) وقد سبق قولي بأن ابن الصلاح لم يرد غلق باب التصحيح إنما أراد تعسير الأمر وصعوبته، وأنه دين يجب أنْ يحتاط له.

(2)

انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 92.

(3)

انظر: النكت على كتاب ابن الصلاح 1/ 292 وما بعدها.

(4)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 123.

(5)

عبارة: ((إلا تعليقاً)) لم ترد في (ك).

(6)

انظر على سبيل المثال: صحيح البخاري 1/ 169 عقب (664) و2/ 158 (1495) و6/ 3 (4416).

ص: 149

رواهُ عن الطبراني، عنِ الدبَريِّ (1) - بالموحدةِ المفتوحةِ عنه -، وصلَ باثنينِ كما ترى.

قولهُ: (إلا هاتينِ)(2) أما في كتابِ "علومِ الحديثِ " فمسلَّمٌ، وإلا فقد ذكرَ الفائدةَ التي زادها الشيخُ في مقدمةِ "شرحهِ لمسلمٍ". قال: ويشكلُ (3) على ذَلِكَ بأنَّ اللامَ في قولهِ: ((خارجةٌ مِنْ مخرجِ الصحيحِ)) للعهدِ، أي: صحيحِ البخاريِّ أو مسلمٍ، ويمتنعُ معهُ زيادةُ العددِ على ما في الصحيحِ، فإنّا قد شرطنا في الاستخراج أنْ يصلَ المستخرجُ إلى شيخِ / 35 أ / المصنِّفِ، أو مَنْ فوقهُ، فلم يأتِ المستخرجُ إلا بسندِ ذلكَ المصنفِ، فامتنعَ التعددُ. قالَ: والانفصالُ عَنهُ بأنَّ شيخَ المصنِّفِ قد يضمُ (4) في طريقِ المستخرجِ شخصاً آخرَ فأكثرَ، معَ الذي حدَّثَ (5) مصنِّفُ الصحيحِ عنه فيأتي التعددُ، وربما ساقَ له طرقاً أخرى إلى الصحابي بعدَ فراغهِ مِنْ استخراجهِ، كما قدَّمنا عن أبي عوانةَ. قالَ: وقد أبلغتُ الفوائدَ إلى عشرٍ أو أكثرَ، فمنها: أنْ يكونَ مصنِّفُ الصحيحِ رَوَى عن مختلطٍ ولم يُبَيّنْ هل سماعُ ذلكَ الحديثِ منه في هذهِ الروايةِ قبلَ الاختلاط، أو بعده؟ فيبينهُ المستخرجُ، إما تصريحاً، أو بأنْ يرويهُ عنهُ مِنْ طريقِ منْ لم يسمعْ منهُ إلا قبلَ الاختلاطِ، ومنها: أَن يُروَى في "الصحيحِ" عن مدلسٍ بالعنعنةِ، فيرويهِ المستخرِجُ بالتصريحِ بالسماعِ فهاتانِ فائدتانِ جليلتانِ، وإنْ كنا لا نتوقفُ في صحةِ ما رُوِيَ في الصحيحِ مِنْ ذلكَ،

(1) وهو الشيخ العالم أبو يعقوب، إسحاق بن إبراهيم بن عباد الصنعاني الدَّبَري راوية عبد الرزاق وسمع تصانيفه منه، توفي سنة (285) هـ. انظر: الأنساب 2/ 216، وسير أعلام النبلاء 13/ 416.

(2)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 123.

(3)

في (ف): ((ويشكك)).

(4)

من قوله: ((قال: والانفصال)) إلى هنا تكرر في (ف).

(5)

لم ترد في (ك).

ص: 150

غيرَ مبينٍ، ونقولُ: لو لم يطّلعْ مصنِّفهُ مِن البخاريِّ، أو مسلمٍ أنهُ روى عنهُ قبلَ الاختلاطِ، وأَنَّ المدلسَ سمعَ (1)، لم يخرجاهَ، فقد سألَ السبكيُّ المزيَّ: هل وُجِدَ لكلِ ما روياهُ بالعنعنةِ طرقٌ مصرحٌ فيها بالتحديثِ؟ فقالَ: كثير مِنْ ذلكَ لم يوجدْ، وما يسعنا إلا تحسينُ الظنِ. ومنها: أَنْ يروى عن مبهمٍ كأن يقولا: حدثنا فلانٌ، أو رجلٌ، أو فلانٌ وغيرهُ، أو غيرُ واحدٍ، أو نحو ذلكَ، فيعينهُ المستخرجُ.

ومنها: أَن يرويَ عن مهملٍ نحوَ حدثنا محمدٌ / 35 ب / مِنْ غيرِ ذكرِ ما يميزهُ عن غيرهِ منَ المحمدينَ، ويكونُ في مشايخِ مَنْ رواهُ كذلكَ، مَن يشاركهُ في الاسمِ، فيميزهُ المستخرجُ (2).

ثم نَقلَ شيخُنا عن الحافظِ شمسِ الدينِ بنِ ناصرِ الدينِ أنَّهُ نيّفَ (3) بالفوائدِ عن الخمسَ عشرَةَ (4)، فأفكرَ ملياً، ثم قالَ: عندي ما يزيدُ على ذلكَ بكثيرٍ، وهوَ أَنَّ كلَّ علةٍ أُعلَ بها حديثٌ في أحدِ الصحيحينِ، جاءت روايةُ المستخرجِ سالمةً منها، فهي مِنْ فوائدِ المستخرجِ، وذَلِكَ كثيرٌ جداً، واللهُ الموفقُ.

قولهُ: (والأصلَ يعني البيهقي)(5) لا شكَّ أَنَّ الأحسنَ تركُ هذا، والاعتناء بالبيانِ فراراً مِنْ إيقاعِ منْ لا يعرفُ الاصطلاحَ في اللبسِ، بتوهمهِ أَنَّ هذا لفظُ البخاريِّ مثلاً، ولا شكَّ أَنَّ الملامةَ (6) في إطلاقِ ذَلِكَ على الفقيهِ أشدُّ منها على المحدِّثِ.

(1) لم ترد في (ك).

(2)

انظر: نكت ابن حجر 1/ 321 - 323، وبتحقيقي: 132 - 134.

(3)

في (أ): ((يقف)).

(4)

في جميع النسخ: ((الخمسة عشر))، وهذا خلاف القاعدة.

(5)

التبصرة والتذكرة (36).

(6)

في (ف): ((الملازمة)).

ص: 151

وقد نبّهَ ابنُ دقيقِ العيدِ على هذا بتفصيلٍ حسنٍ، وهو: أنَّكَ إذا كنتَ في مقامِ الروايةِ، فلكَ أنْ تقولَ: أخرجهُ البخاريُّ مثلاً، ولو كانَ مخالفاً، فإنَّهُ قد عرفَ أَنَّ جلَّ قصدِ المحدِّث السندُ، والعثورُ على أصلِ الحديثِ دونَ ما إذا كنتَ في مقامِ الاحتجاجِ، فمنْ روى في المعاجمِ، والمشيخات، ونحوها فلا حرجَ عليهِ في الإطلاق، بخلافِ مَنْ أوردَ ذلكَ في الكتبِ المبوبةِ، لا سيَّما إنْ كانَ الصالحُ للترجمةِ قطعةً زائدةً على ما في الصحيحِ. وهذا نظرٌ بديعٌ، فما أحسنَ فهمَ الأشياءِ بحسبِ الإيماءِ إلى المقاصدِ! رحمَ اللهُ ابنَ حبانَ! حيثُ نظرَ مثلَ هذا النظرِ وفصَّلَ كهذا التفصيلِ، / 36 أ / وإنْ لم يكنْ في هذا المهيعِ، فقالَ في الترجيح:((إنَّ المخالفةَ بينَ الروايتينِ (1)، إنْ كانتْ في السندِ رجَّحنا قولَ المحدِّث على قولِ الفقيهِ؛ لأنَّهُ بالسندِ أقعدُ، وإنْ كانت في المتنِ فبالعكسِ؛ لأنَّ الفقيهَ أكثرُ عنايةً بالمتنِ؛ ولهذا ربما ذكرَ المحدِّثُ بعدَ السندِ طرفاً يسيراً منَ المتنِ (2)، ثمَّ قالَ: الحديثَ، والفقيهُ ربما حذفَ السندَ)) (3).

قلتُ: فإذا كانَ الذي دلَّ على الحكمِ إنما هو قطعةٌ مِنَ الحديثِ، ليسَ في ألفاظِها تخالفٌ في واحدٍ مِنَ الكتابينِ، فإنْ ذكرت تلكَ القطعةَ فقطْ (4)، فلا شكَّ في حسنِ العزوِ، وإنْ ذكرَ جميعَ الحديثَ، فينبغي أيضاً أن يسوغَ العزو، كما لو لم يقعْ في شيءٍ مِنَ الحديثِ، ولو وقعَ التخالفُ في بقيتهِ؛ لأنَّ المقصودَ بالذاتِ في ذلكَ المقامِ إنما هو القطعةُ التي سيقَ الحديثُ للاحتجاجِ بها.

(1) في (ف): ((الراوين)).

(2)

لم ترد في (ك).

(3)

ذكر ابن حبان ما يؤيد هذا الكلام في معرض كلامه عن زيادات الألفاظ والأسانيد في مقدمة صحيحه 1/ 159.

(4)

لم ترد في (ك).

ص: 152

قولهُ: (وليتَ إذ زادَ الحميديْ ميزا)(1) قالَ: قد حصلَ هذا المُتَمَنَّى (2) - وللهِ الحمدُ - مِنَ الحُميديِّ إجمالاً، وتفصيلاً، أمّا إجمالاً فقالَ في خطبةِ الجمعِ:((وربما زدتُ زياداتٍ مِنْ تتماتٍ، وشرحٍ لبعضِ ألفاظِ الحديثِ، ونحوِ ذَلِكَ وقفتُ عليها في كتبِ مَن اعتنى بالصحيحِ كالإسماعيليِّ، والبرقانيِّ)) (3).

وأمّا تفصيلاً فعلى قسمينِ: جلي، وخفي، أمّا الجليُّ: فيسوقُ الحديثَ، ثمَّ يقولُ في أثنائهِ: إلى هنا انتهتْ روايةُ البخاريِّ مثلاً، ومن هنا زادهُ البرقانيُّ مثلاً، وأمّا الخفيُ: فإنَّهُ يسوقُ الحديثَ كاملاً أصلاً وزيادةً، ثمَّ يقولُ: أما مِنْ أولهِ إلى كيتَ وكيتَ (4) فرواهُ فلانٌ، وما عدا ذلكَ زادهُ فلانٌ، أو يقولُ (5): لفظة كذا

/ 36 ب / زادها فلانٌ، ونحو ذلكَ.

وكلامُ ابنِ الصلاحِ واقعٌ على الثاني، وتعبيرهُ يميز في قولهِ:((فربما نقلَ منْ لا يميزُ)) (6)، يشعرُ بأنَّ هذا مرادُهُ، وإلا لقالَ: فربما نقلَ الناقلُ (7)، ونحو ذلكَ مِنَ العباراتِ الدالةِ على التعميمِ، وإنما يقعُ مَنْ لا يميزُ في ذَلِكَ؛ لأنَّهُ ينظرُ الحديثَ كاملاً فيعزوهُ إلى البخاريِّ مثلاً، منْ غيرِ أنْ ينظرَ ما بعدهُ، فيخطئَ (8).

(1) التبصرة والتذكرة (36).

(2)

في (ف): ((التمني)).

(3)

الجمع بين الصحيحين 1/ 74 - 75، ونقله هنا باختصار.

(4)

((وكيت)) لم ترد في (ك).

(5)

من قوله: ((أما من أوله)) إلى هنا لم يرد في (ف).

(6)

معرفة أنواع علم الحديث: 92.

(7)

لم ترد في (ك).

(8)

انظر: النكت على كتاب ابن الصلاح 1/ 300 - 310، وبتحقيقي: 115 - 123.

ص: 153