المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌معرفة صفة من تقبل روايته ومن ترد - النكت الوفية بما في شرح الألفية - جـ ١

[برهان الدين البقاعي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة التحقيق

- ‌البقاعي وكتابه النكت

- ‌طلبه للعلم

- ‌شيوخه:

- ‌تلامذته:

- ‌مصنفاته

- ‌ثناء العلماء عليه:

- ‌نقد العلماء له والكلام عليه:

- ‌وفاته:

- ‌دراسة كتاب " النكت الوفية بما في شرح الألفية

- ‌نشأة علم مصطلح الحديث وتطوره حتى زمن البقاعي

- ‌وصف النسخ المعتمدة فِي التحقيق

- ‌منهج التحقيق

- ‌صور المخطوطات

- ‌أَقْسَامُ الْحَدِيْثِ

- ‌أَصَحُّ كُتُبِ الْحَدِيْثِ

- ‌الْمُسْتَخْرَجَاتُ

- ‌مَرَاتِبُ الصَّحِيْحِ

- ‌ نَقْلُ الْحَدِيْثِ مِنَ الكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ

- ‌القِسْمُ الثَّانِي: الْحَسَنُ

- ‌(القِسْمُ الثَّالِثُ: الضَّعِيْفُ)

- ‌ المرفوع

- ‌المسند

- ‌المتصل والموصول

- ‌الموقوف

- ‌المقطوع

- ‌المرسل

- ‌الْعَنْعَنَةُ

- ‌تَعَارُضُ الْوَصْلِ وَالإِرْسَالِ، أَو الرَّفْعِ وَالوَقْفِ

- ‌التدليس

- ‌الشَّاذُّ

- ‌المنكر

- ‌الاعتبار والمتابعات والشواهد

- ‌زيادات الثقات

- ‌الأفراد

- ‌المعلل

- ‌المضطرب

- ‌المُدْرَجُ

- ‌الموضوع

- ‌المقلوب

- ‌تنبيهات

- ‌معرفة صفة من تقبل روايته ومن ترد

الفصل: ‌معرفة صفة من تقبل روايته ومن ترد

‌معرفة صفة من تقبل روايته ومن ترد

(1)

قولهُ: (منْ تقبلُ روايتهُ ومنْ تردُّ)(2).

قولهُ: (أجمع)(3) عبارةٌ مَهُولةٌ بلفظِ الإجماعِ، ومحطُّها على قولِ الجمهورِ، ومثلهُ لا يعدُّ إجماعاً اصطلاحاً وكان هذا فيه نظرٌ فتارة (4) يمكنهُ أن يقول: قد قالَ: جمهور (5).

قولهُ: (في قبولِ ناقلِ الخبرِ)(6) ليسَ كذلكَ، لم يشترطوا هذا في القبولِ بل في الصحةِ، وأما مطلقُ القبولِ المبيحِ للاحتجاجِ فيكفي في ناقلهِ مطلقُ اليقظةِ منْ غيرِ أنْ يشترطَ في يقظتهِ نفيُ الغفلةِ عنهُ، فلو كانَ فيهِ غفلةٌ يسيرةٌ لم يخرجهُ عن مطلقِ القبولِ، وكذا مَنْ يَهِمُ يسيراً، أو يُخالفُ (7) الثقاتِ كذلكَ، كما تقدّمَ في بحثِ الصحيحِ والحسنِ.

(1) انظر في صفة من تقبل روايته ومن ترد:

معرفة أنواع علم الحديث: 212، والإرشاد 1/ 273، والتقريب: 90 - 100، ورسوم التحديث: 99، والمنهل الروي: 63، والخلاصة: 88، واختصار علوم الحديث 1/ 280 وبتحقيقي: 161، والشذا الفياح 1/ 235، ومحاسن الاصطلاح: 119، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 326، وتنقيح الأنظار: 187، ونزهة النظر: 119، والمختصر: 155، وفتح المغيث 1/ 262، وألفية السيوطي: 96 - 112، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 127، وفتح الباقي 1/ 305، وتوضيح الأفكار 2/ 114، وظفر الأماني: 78، وشرح شرح نخبة الفكر: 725، واليواقيت والدرر 2/ 351، ولمحات في أصول الحديث:320.

(2)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 326.

(3)

التبصرة والتذكرة (257).

(4)

عبارة: ((وكان هذا فيه نظر فتارة)) لم ترد في (ب).

(5)

لم ترد في (ب).

(6)

التبصرة والتذكرة (257).

(7)

في (ف): ((يسيراً ويخالف)).

ص: 588

ولعلَّ الحجةَ في قولِ الشافعيِّ: ((لا تقومُ الحجةُ)) (1) لمعهودٍ هوَ الحجةُ الموصوفةُ بالصحةِ، فلو قالَ (2):((في توثيقِ ناقلِ الخبرِ)) سَلِمَ من الاعتراضِ؛ فإنَّ الثقةَ مَن جَمعَ الوصفينِ: العدالةَ، وتمامَ الضبطِ. ومنْ نزلَ عن التمامِ إلى أوّلِ درجاتِ النقصانِ، قيلَ فيهِ: صدوقٌ، أو لا بأس بهِ ونحوُ ذلكَ، ولا يقالُ فيه (3) ثقةٌ، إلاّ / 193ب / مع الإردافِ بما يزيلُ اللبسَ.

قولهُ: (يقظاً)(4)، أي: فطناً، وهو كما قالَ في " الشرح "(5) -بضمِّ القافِ وكسرها-، وكذا فعلهُ. قالَ في " القاموسِ " (6):((يقظَ كَعَلِمَ وكَرُمَ)). وقالَ ابنُ القطاعِ في " الأفعالِ "(7): ((يقظَ يقظاً ويقاظةً ويقظةً تنبه للأمورِ)).

قولهُ: (ذا عقل)(8) قالَ في " القاموسِ (9) "(10): ((الحقُ أنَّه نورٌ روحانيٌّ، به تُدْرِكُ النفسُ العلومَ الضروريةَ والنظريةَ، وابتداءُ وجودِهِ عندَ اجتنانِ الولدِ، ثمّ لا يزالُ ينمو إلى أنْ يكملَ عندَ البلوغِ)). انتهى.

ومادةُ ((عقلَ)) بكلِ ترتيبٍ تدورُ على عقالِ البعيرِ، ويلزمهُ المنعُ والتعلّقُ

(1) الرسالة فقرة (1000).

(2)

جاء في حاشية (أ): ((أي: في النظم)).

(3)

لم ترد في (ب).

(4)

التبصرة والتذكرة (258).

(5)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 327.

(6)

القاموس المحيط مادة (يقظ).

(7)

الأفعال 3/ 372.

(8)

التبصرة والتذكرة (261).

(9)

من قوله: ((يقظ يقظاً ويقاظة .. )) إلى هنا لم يرد في (ف).

(10)

القاموس المحيط مادة ((عقل)).

ص: 589

والانفكاكُ والرمي إذا نشطَ، فمنَ المنعِ خصوصُ ترتيب ((عقلَ)) وقد يلزمهُ النفاسةُ والكرمُ (1). ومنهُ العقيلةُ للمرأةِ المخدرةِ، والعقلُ للثوبِ الأحمرِ، ومنَ المنعِ القَواعِلُ للجبالِ الطوالِ، والقلعةُ للحصنِ المعروفِ، ومنَ التعلّقِ ترتيبُ علق كله، وكذا لقعه بعينهِ إذا أصابهُ بها، وكذا ألعقَ ويلزمُ هذا الفراغُ، ومنهُ: لعقَ إصبعَه إذا ماتَ، ومن الانفكاكِ القعالُ: وهو ما تناثرَ منْ نورِ العنبِ والفاغيةِ (2) ونحوهِ، وترتيبُ قلعَ، ومنَ الرمي ترتيبُ لقعَ.

وفي " شرحِ آدابِ البحثِ " المنسوبِ إلى الشيخِ سعدِ الدينِ التفتازاني - وقد أضفتُ إليه شيئاً من كلامهِ في غيرهِ - العقلُ عندَ الحكماءِ: ((جوهرٌ مجردٌ عن المادةِ (3)، متعلقٌ بالبدنِ تعلّقَ التدبيرِ والتصرفِ))، وقالَ غيرُهم:((نورٌ في الباطنِ تدركُ بهِ حقائقُ المعلوماتِ، كما يُدرَكُ /194أ/ بالنورِ الحسي المبصراتُ))، وعرّفه الشاشيُّ:((بأنَّه قوةٌ يحصلُ بها العلمُ بالأشياءِ، أي: هي السببُ القريبُ لحصولِ العلمِ الأعمِّ من القطعيِّ وغيرهِ))، وقالَ غيرُهُ:((هو نورٌ يضيءُ بهِ طريق يبتدأُ بهِ منْ حيثُ ينتهي إليهِ دركُ (4) الحواسِ فيبتدي المطلوبُ للقلبِ، أي: نورٌ يحصلُ بإشراقِ العقلِ، الذي أخبر النبيُّ صلى الله عليه وسلم فيما رواهُ الطبرانيُّ (5)، وأبو الشيخِ عنْ أبي أمامةَ رضي الله عنه. وأبو نعيمٍ في " الحليةِ "(6) عن عائشةَ رضي الله عنها أنّهُ أولُ

(1) تكررت في (ب).

(2)

الفاغية: نور الحناء، أو يغرس غصن الحناء مقلوباً، فيثمر زهراً أطيب من الحناء. القاموس المحيط مادة (فغا).

(3)

لم ترد في (أ).

(4)

في (ب): ((دراك)).

(5)

المعجم الكبير (8086).

(6)

حلية الأولياء 7/ 318.

ص: 590

المخلوقاتِ، فكما أنّ العينَ مدركةٌ بالقوةِ فإذا وجدَ النورُ الحسيُّ يخرجُ إدراكَها إلى الفعلِ، فكذا القلبُ، أي: النفسُ الإنسانيةُ مع هذا النورِ العقليِّ)).

وقولهُ: ((يبتدأ بهِ)) فابتدَاءُ إدراك الحواسِ ارتسامُ المحسوسِ في الحاسةِ الظاهرةِ، ونهايةُ (1) ارتسامهِ في الحواسِ الباطنةِ (2)، وهيَ خمسٌ.

زعم الحكماءُ أنّ الدماغَ ثلاثُ طبقاتٍ:

الأولى: قسمانِ: مقدمهما الذي في الناصيةِ الحسُ المشتركُ، والثاني: خزانةُ الخيالِ.

الطبقةُ الثانيةُ: المفكرةُ.

الثالثةُ: قسمانِ: أولهُما: الواهمةُ، ثانيهما: الحافظة، وهي (3) القسمُ الأخيرُ المقابلُ للحسِ المشتركِ؛ فالحسُ المشتركُ: قوةٌ تُدرِكُ صورَ المحسوساتِ بأسرِها تتأدَى إليها منْ طرقِ الحواسِ الظاهرةِ، فتشتركُ فيها الحواسُّ الظاهرةُ والباطنةُ (4)، والخيالُ: قوةٌ تحفظُ تلكَ الصورَ المؤداةَ /194ب/ إليها، من الحسِ المشتركِ بعد غيبتها عنهُ (5)، والواهمةُ: قوةٌ تُدرِكُ المعانيَ الجزئيةَ الموجودةَ في الأمورِ المحسوسةِ، منْ غيرِ أنْ تتأدَى إليها منْ طرقِ الحواسِ، وبها تُدرِكُ الحيواناتُ مضارَها ومنافعَها، كعداوةِ الذئبِ ونحوِها.

والحافظةُ: قوةٌ تحفظُ ما يُدرِكهُ الوهمُ (6). والمتصرفةُ: هي التي تُحلِّلُ

(1) في (ف): ((ونهايته)).

(2)

في (ف): ((الباطنية)).

(3)

في (ب): ((وهم)).

(4)

انظر: التعريفات للجرجاني: 86.

(5)

انظر: التعريفات للجرجاني: 102.

(6)

انظر: التعريفات للجرجاني: 81.

ص: 591

وتُركبُ الصورَ المأخوذةَ عنِ الحسِ والمعاني المدركة بالوهمِ، وليسَ منْ شأنها أنْ يكونَ عملُها منتظماً، بل النفسُ تستعملُها على أيِّ نظامٍ تريدُ، فإنِ استعملَتْها بواسطةِ القوةِ العاقلةِ وحْدَها، أو معَ القوةِ الوهميةِ فهي المفكرةُ، وإنِ استعملَتها بواسطةِ القوةِ الوهميةِ فقط، فهي المتخيلةُ، ومنِ اختراعاتها أشياء لا حقائقَ لها كإنسانٍ له رأسانِ، وكأنيابِ الغولِ ونحوِ ذلكَ (1).

هذا نهايةُ إدراكِ الحواسِ، فإذا تمَّ هذا تنتزعُ النفسُ الإنسانيةُ منَ المفكرةِ علوماً، مثلَ أنْ تنتزعَ الكلياتِ منْ تلكَ الجزيئاتِ المحسوسةِ، إذْ تدرِكُ الغائبَ منَ الشاهدِ فهاهنا بدايةُ تصرّفِها بواسطةِ إشراقِ العقلِ، ولهذا التصرّفِ مراتبُ: استعداده لهذا الانتزاعِ كما للأطفالِ، ويُسمَّى العقلُ الهيولانيُّ (2)، ثمَ علمُ البديهياتِ على وجهٍ يوصِلُ إلى النظرياتِ - والبديهةُ: المعرفةُ الحاصلةُ للنفسِ لا بسببِ الفكرِ - / 195أ / ويُسمَّى العقلُ بالملكةِ، ثمَ علمُ النظرياتِ منها، ويُسمَّى العقلُ بالفعلِ، ثمَ استحضارها بحيثُ لا تغيبُ (3) ويُسمَّى العقلُ المستفادُ (4).

قولهُ: (الحلمَ)(5) هوَ - بضمِّ المهملة وإسكانِ اللامِ - قالَ في " القاموسِ "(6): ((الجماعُ في النومِ، والاسمُ الحُلُمُ كعُنقٍ، والحِلمُ - بالكسرِ - الأناةُ والعقلُ)).

قولُ الشافعيِّ: (خبرُ الخاصةِ)(7)، أي: خبرُ الواحدِ، والأصلُ في خبرِ

(1) انظر: التعريفات للجرجاني: 200.

(2)

في (ف): ((البيولاني))، وهو خطأ.

(3)

عبارة: ((ويسمى العقل بالفعل، ثم استحضارها بحيث لا تغيب)) تكررت في (ف).

(4)

انظر: التعريفات للجرجاني: 151 - 152.

(5)

التبصرة والتذكرة (261).

(6)

القاموس المحيط مادة (حلم).

(7)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 327.

ص: 592

الواحدِ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يُرسل رسلَهُ إلى الآفاقِ وحداناً بأوامرهِ ونواهيهِ التي تُستباح بها الدماءُ والأموالُ وغيرُها، بكُتبٍ وبغيرِ كُتبٍ، ولم يشهدْ على شيءٍ من ذلكَ اثنينِ، وكانَ يأمرُ بقبولِ أخبارهم، في كتابِ قيصرَ:((أسلِمْ تَسلمْ، فإنْ تولَّيتَ فإنَّ عليكَ إثمَ الأرِيسِيَّين (1)(2). وقالَ لمعاذٍ رضي الله عنه حين أرسلهُ إلى اليمنِ: ((فادعُهم إلى شهادةِ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ فإنْ هُمْ أطاعوا لذلكَ

)) (3) إلى آخرهِ، وغير ذلكَ. وأيضاً فقد قَبِلَ (4) صلى الله عليه وسلم الواحدَ في هلالِ شهرِ رمضانَ، فصامَ وأمرَ الناسَ بالصيامِ بمجرّدِ خبرهِ، مع أنَّ المرجحَ عندَنا: أنَّ الإخبارَ برؤيةِ الهلالِ شهادةٌ لا روايةٌ، فَنظَرْنا فوَجدْناها فارقتِ الشهادةَ في المعنى ووافقتِ الروايةَ أيضاً؛ لأنَّهُم عرّفوا الشهادةَ بأنها: خبرٌ يختصُ بمعينٍ / 195ب /. والروايةَ بأنها: خبرٌ لا يختصُ بمعينٍ. فلما جامعتِ الروايةُ هذا المعنى، وكانَ تعلقُ الفرضِ بالكذبِ في ما هذا سبيلهُ بعيداً، جَمعَهما الشارعُ صلى الله عليه وسلم (5) في الاكتفاءِ في كلِّ منهما بالواحدِ، ثم ألحقنا بالروايةِ ما شاركَها في هذا المعنى -وهو بُعدُ القصدِ بالكذبِ- كالإخبارِ بأنَّ المرضَ يُبيحُ التيممَ، وكذا إخبارُ القائفِ (6) بالنسبِ، ومثلُ ذلكَ واردٌ على منعِ تعريفِ الشهادةِ، وجمعِ تعريفِ الروايةِ الماضيينِ، فصحّحَ بأنَّ الشهادةَ: خبرٌ لتصحيحِ

(1) قال النووي في شرحه لصحيح مسلم عقب الحديث (1773): ((واختلفوا في المراد بهم على أقوال: أصحها وأشهرها: أنهم الأكارون، أي: الفلاحون والزراعون ومعناه: أن عليك إثم رعاياك الذين يتبعونك وينقادون بانقيادك، ونبه بهؤلاء على جميع الرعايا؛ لأنهم الأغلب؛ ولأنهم أسرع انقياداً، فإذا أسلم أسلموا، وإذا امتنع امتنعوا، وهذا القول هو الصحيح)).

(2)

أخرجه: البخاري 1/ 5 (7)، ومسلم 5/ 163 (1773)(74)، وغيرهم من حديث أبي سفيان رضي الله عنه.

(3)

صحيح البخاري 2/ 130 (1395)، وصحيح مسلم 1/ 37 (19)(29) و (30).

(4)

في (ب): ((قبل النبي)).

(5)

لم ترد في (ب).

(6)

هو الذي يعرف النسب بفراسته ونظره إلى أعضاء المولود. التعريفات للجرجاني: 171.

ص: 593

دعوى عندَ حاكمٍ تقدّمَ العلمُ بهِ عليها- أي: بمضمونهِ على الدعوى-فخرجَ الإخبارُ في نحوِ مسألةِ التيممِ، بقولهِ:((لتصحيحِ دعوى))، وخرجَ مثلَ مسألةِ القائفِ، بقولهِ:((تقدمَ العلمُ بهِ عليها))، والروايةُ خبرٌ لا لذلك.

قولهُ: (عاقلاً لما يحدث بهِ)(1)، أي: فاهماً يقالُ: عَقلَ الشيءَ، أي: فهمهُ.

((عالماً))، أي: ذا علمٍ، أي: صفةٍ وملكةٍ راسخةٍ بذلكَ.

قولهُ (وافقَ حديثَهم)(2) عبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((فإنْ وجدنا رواياتهِ موافقةً، ولو مِن حيثُ المعنى لرواياتِهم أو موافِقةً لها في الأغلبِ، والمخالفةُ نادرةٌ عَرفنا حينئذٍ كونَهُ ضابطاً ثَبْتاً، وإنْ وجدناهُ كثيرَ المخالفةِ لهم عَرفنا اختلالَ ضبطهِ، ولم يحتجَّ (3) بحديثهِ)) (4).

قولهُ: (مثبتٌ من حَدّثهُ)(5) الظاهر أنَّه من ثَبتَ تثبيتاً من قولِ المحدّثينَ / 196أ /: ((حدثني فلانٌ بكذا وثبتني فيهِ فلانٌ)) إذا كانَ قد سمعَ منْ أحدٍ شيئاً فلم يتقنهُ كما يجبُ؛ فأعادَهُ له بعضُ مَنْ سمعَهُ فجعلَهُ متقِناً لهُ ثابتاً فيهِ بعدَ أنْ كانَ مزلزلاً.

وقولهُ: (ومثبتٌ على من حدّث عنهُ)(6) هو من أثبتَ، أي: مثبتٌ عليهِ ذلكَ القولَ الذي حدّثَ بهِ عنهُ بمعنى أنَّه جعلَهُ منسوباً إليهِ لازماً لهُ ماكثاً عليهِ لا يتعدّاهُ، وكلٌّ منهما لا بدَّ فيهِ مما وصفهُ به (7) الشافعيُّ، وإلا لم يثبتْ بخبرهِ شيءٌ لا لمنْ

(1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 327.

(2)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 327.

(3)

المثبت في طبعتنا لمعرفة أنواع علم الحديث: ((نحتج)) بالنون أول الحروف من بعض النسخ، وكان عندنا في نسختين:((يحتج)).

(4)

معرفة أنواع علم الحديث: 217، وانظر فيما يتعلق بالضبط: جامع الأصول 1/ 72 - 74.

(5)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 327.

(6)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 327.

(7)

لم ترد في (ب).

ص: 594

حدّثهُ، ولا على مَن حدّثَ عنهُ. وكِلا الفعلينِ منْ ثَبتَ القولُ إذا صحَّ، وهوَ يرجعُ إلى المكثِ على حالةٍ لا تزول (1).

قولهُ: (مما يخرمُ المروءةَ)(2) قال الشيخُ في " النكتِ ": ((وقد اعترضَ عليهِ - أي: ابنُ الصلاحِ - (3) بأنَّ المروءةَ لم يشترطْها إلاّ الشافعيُّ وأصحابهُ (4)، وليسَ على ما ذَكَرَهُ المعترضُ، بل الذينَ لمْ يشترطوا على الإسلامِ مزيداً، لم يشترطوا ثبوتَ العدالةِ ظاهراً، بل اكتفوا بعدمِ ثبوتِ ما ينافي العدالةَ.

فمَن ظَهرَ منه ما ينافي العدالةَ لم يقبلوا شهادتَهُ ولا روايتَهُ. وأمَّا مَنِ اشترطَ العدالةَ - وهُم أكثرُ العلماءِ - فاشترطوا في العدالةِ المروءةَ، ولم يختلفْ قولُ مالكٍ وأصحابهِ في اشتراطِ المروءةِ في العدالةِ مطلقاً)) (5).

قولهُ: (بخلاف الشهادة)(6)، أي: فإنَّ الحريةَ شرطٌ فيها عندَ أكثر أهل العلم.

قولهُ: (لمْ يشترطِ البلوغَ)(7)، أي: في الروايةِ. وأمّا الشهادةُ فإنَّها غيرُ مقبولةٍ من الصبيِّ المميزِ عندَ أصحابِ الشافعيِّ والجمهورِ / 196ب /، كما قالَهُ الشيخُ في " النكتِ "(8).

قولهُ: (إلا أنّه قيد الوجهينِ في التيمُّمِ)(9)، أي: في مسألةِ الاعتمادِ في كونِ

(1) انظر: لسان العرب مادة (ثبت)، وتاج العروس مادة (ثبت).

(2)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 327.

(3)

ما بين الشارحتين جملة اعتراضية من البقاعي.

(4)

انظر: البحر المحيط 4/ 274.

(5)

التقييد والإيضاح: 136 - 137.

(6)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 328.

(7)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 328.

(8)

التقييد والإيضاح: 137

(9)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 328.

ص: 595

المرضِ مرخصاً على واحدٍ، وعبارتهُ:((وفي وجهٍ يُقبلُ في ذلكَ خبرُ الصبيِّ المراهقِ (1) والفاسقِ أيضاً، ولا فرقَ بينَ الحرِّ والعبدِ والذكرِ والأنثى؛ لأنَّ طريقَهُ الخبرُ، وأخبارُهم مَقبولةٌ، ولا يشترطُ العددُ)) (2). فَجعلَهُ من بابِ الخبرِ لا الاجتهادِ، والذي يظهرُ أنهُ اجتهادٌ. ولم يبينْ في " الروضةِ " كونهُ خبراً أو اجتهاداً، وعبارتهُ:((فرعٌ: يجوزُ أنْ يعتمدَ في كونِ المرضِ مرخصاً معرفةَ (3) نفسهِ إنْ كانَ عارفاً، ويجوزُ اعتمادُ طبيبٍ حاذقٍ، بشرطِ الإسلامِ، والبلوغِ، والعدالةِ، ويعتمدُ العبدُ والمرأةُ. ولنا وجهٌ شاذٌ: أنَّه يعتمدُ الصبيُّ المراهقُ، والفاسقُ)) (4).

قولهُ: (وقيَّدهُ في استقبالِ القبلةِ)(5) ذكرَ ذلك في البابِ المذكورِ في مكانينِ: أحدهما: في أنَّ العاجزَ عن معرفةِ القبلةِ يقيناً يجوزُ لهُ الأخذُ بقولِ من يخبرُهُ عنها عن عِلمٍ، وعبارتهُ:((ولكنَّ قبولَ الخبرِ منْ أهل الروايةِ، وليس منَ التقليدِ في شيءٍ)) ثمَّ قالَ: ((وفي الصبيِّ بعد التمييزِ وجهانِ كما في روايةِ أخبار الرسولِ صلى الله عليه وسلم، والأكثرون على أنَّه لا يُقبلُ)) (6) والثاني: في تَفقّدِ ألفاظِ " الوجيزِ " في مسألةِ تقليدِ الأعمى لمكلفٍ قالَ: ((فليعلمَ لفظ المكلفِ بالواو؛ لأنَّ في كلامِ الأصحابِ وجهاً أنَّهُ يجوزُ تقليدُ / 197أ / الصبيِّ، وهو كالخلافِ المذكورِ في الرجوعِ إلى أخبارهِ)) (7). انتهى.

ولا يلزمُ من التشبيهِ (8) أنْ يتساوَى الوجهانِ في الموضعينِ في القوةِ.

(1) المراهق: صبيٌّ قارب البلوغ، وتحركت آلته واشتهى. التعريفات للجرجاني:208.

(2)

انظر: فتح العزيز شرح الوجيز 2/ 275.

(3)

في الروضة: ((على معرفة)).

(4)

روضة الطالبين 1/ 103.

(5)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 328.

(6)

فتح العزيز 3/ 226.

(7)

فتح العزيز 3/ 231.

(8)

في (ف): ((التنبيه)).

ص: 596

وعبارةُ " الروضةِ " في الموضعِ الأولِ: ((فإنْ وَجدَ مَن يخبرُهُ بالقبلةِ عن عِلمٍ اعتمدَ قولَهُ، ولم يجتهدْ، بشرطِ عدالةِ المخبرِ، يستوي (1) الرَّجلُ والمرأةُ والعبدُ. ولا يُقبلُ كافرٌ قطعاً ولا فاسقٌ، ولا صبيٌّ مميزٌ على الصحيحِ فيهما)) (2).

وفي الثاني: ((وجهٌ شاذٌ، لهُ تقليدُ صبيٍّ مميزٍ، والتقليدُ قبولُ قولِ (3) المستندِ إلى الاجتهادِ)) (4).

قولهُ: (كالإفتاءِ)(5) في جَعْلِ الإفتاءِ مِنْ قَبيلِ الإخبارِ المجرَّدِ كالروايةِ

نظرٌ، بل هو وإنْ كانَ إخباراً فلهُ شبهٌ بالاجتهادِ من أجلِ احتياجهِ إلى عِلمٍ وفهمٍ تُنزَل بهِ الصورةُ المستفتَى عنها على العموماتِ التي ذَكَرها العلماءُ.

قولهُ: (والذي يوجبهُ القياسُ)(6) زادَ في " النكتِ "(7) وهو قولُ أبي حنيفةَ، وكأنَّهُ يشيرُ -واللهُ أعلمُ- إلى حديثِ سؤالِ بريرةَ (8) فيقولُ -واللهُ أعلمُ -: لو لمْ يكنْ كلامُ بريرةَ مقبولاً في حقِ الصدِّيقةِ رضي الله عنها في كلٍّ من الجانبينِ لما سَألها صلى الله عليه وسلم فعُلِمَ منْ سؤالِها قبولُ الجرحِ والتعديلِ منَ المرأةِ، ومَن حُكِمَ بعدالتهِ قُبلَت شهادتُهُ كما قُبِلَتْ روايتُهُ؛ لأنَّ العدالةَ لا تتجزأُ، فإنْ كانَ هذا الذي أشارَ إليه ففيهِ نظرٌ.

(1) في الروضة: ((يستوي فيه)).

(2)

روضة الطالبين 1/ 217.

(3)

لم ترد في (ب).

(4)

روضة الطالبين 1/ 217.

(5)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 328.

(6)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 329.

(7)

التقييد والإيضاح: 134، وعبارته:((وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف)).

(8)

الحديث أخرجه: أحمد 6/ 194، والبخاري 5/ 148 (4141)، ومسلم 8/ 112 (2770)(56)، والنسائي في " الكبرى "(11360).

ص: 597

أمّا أولاً: فلا يلزمُ من سؤالِها الاعتمادُ على قولهِا، بلْ يكونُ المرادُ التنبيهَ على وجهٍ ليتتبعَ، وكذا وقعَ، فإنَّها لما أخبرَتْ بما تعرفُ من العدالةِ تأيَّد بها للاستصحابِ، فخطبَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وأسندَ براءَتها (1) إلى علمه وما سَترَهُ / 197ب / منْ أحوالِها، لا (2) إلى خبرِ بريرةَ رضي الله عنها فقالَ: ما علمتُ على أهلِي إلاّ خيراً

، إلى آخرِ خطبتهِ صلى الله عليه وسلم.

وأمّا ثانياً: فلا مانعَ من أنَّ العدلَ يكونُ مقبولاً في شيءٍ دونَ شيءٍ، كما تُقبلُ المرأةُ في الأموالِ وما لايطَّلعُ عليهِ الرجالُ غالباً، وتُردُّ في العقوباتِ وما يطَّلعُ عليهِ الرجالُ غالباً كالطّلاقِ والنِّكاحِ، وسيأتي التقييدُ في كلامهِ نفسهِ بما تُقبلُ شهادتُها فيهِ.

قولهُ: (وهو مخالفٌ لما نقلهُ)(3) ليس فيهِ مخالفةٌ؛ لأنَّ النقلَ عنِ الأكثرينَ مطلقاً لا يخالفُ النقلَ عنهم بقيدِ كونهم فقهاءَ.

قولهُ: (بخلافِ الشهاداتِ)(4)، أي: لضيقِ الأمر فيها لكونَّهِا في حقوقِ العبادِ غالباً؛ ولأنَّها محلُّ الأغراضِ. وأمّا الخبرُ فيبعدُ فيهِ الغرضُ؛ لعمومهِ، ويندرُ تعلّقُ الغرضِ مِنْ متشرّعٍ بإلزامِ جميعِ الناسِ حكماً؛ فلذا قُبِلَ فيها الواحدُ نقلاً، وكذا تزكيتُهُ، فإنْ كانَ جرحُهُ وتعديلُهُ مستنداً إلى نقلٍ، فهوَ مِنْ بابِ الخبرِ، والخبرُ يكفي فيهِ الواحدُ؛ وإنْ كانَ مستنداً إلى اجتهادهِ، فهو منْ بابِ الحكمِ، والحاكمُ لا يشترطُ تعددهُ.

(1) في (ب) و (ف): ((واستند برأيها)).

(2)

لم ترد في (ب).

(3)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 329.

(4)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 329.

ص: 598

قولهُ: (وصححَ استغناءُ ذي الشهرةِ عن)(1) في نسخةٍ بخطِ شيخنا (وصححوا استغناءَ) وعَن شيخِنا البرهانِ الحلبيِّ أنَّ المصنفَ جَعَلها جمعاً بعدَ قراءتهِ الألفيةَ عليهِ / 198أ /.

قولهُ في شرحهِ في قولِ ابن عبدِ البرِّ: (حَتى يتبينَ جرحهُ)(2) عجيبٌ مع استدلالهِ بالحديثِ، فإنَّ الحديثَ لا يدلُّ على ذلكَ إلا إذا كانَ خبراً، وإذا كانَ خبراً ثَبَتَ مضمونُهُ فلم يقدحْ فيمن عدلهُ تجريحُ أحدٍ كائناً مَنْ كانَ.

قولهُ: (مُعَان بن رفاعةَ السَّلامي)(3) بالتخفيفِ (4) الدمشقي، ويقالُ: الحمصيُّ، هو منْ رجالِ ابن ماجهْ، قالَ أحمدُ:((لا بأسَ بهِ)) (5)، وكذا مَشَّاهُ غيرُهُ (6). قالَ أبو حاتمٍ:((حمصيٌّ يُكتبُ حديثهُ ولا يُحتجُّ بهِ)) (7)، وقال ابنُ معينٍ:((ضعيفٌ)) (8) وقالَ الجوزجانيُّ: ((ليس بحجةٍ)) (9)، وقالَ يعقوبُ بنُ سفيانَ: ((لينُ

(1) التبصرة والتذكرة (264).

(2)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 331، وكلام ابن عبد البر في التمهيد 1/ 28.

(3)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 332.

(4)

أي: بتخفيف اللام كما نص عليه الحافظ ابن حجر في التقريب (6747) إذ قال: ((مُعان، بضم أوله وتخفيف المهملة، ابن رفاعة السلامي، بتخفيف اللام، الشامي: لين الحديث، كثير الإرسال)).

(5)

تهذيب الكمال 7/ 149.

(6)

ممن مشّاه على بن المديني فقال: ((ثقة، روى عنه الناس))، ودحيم فقال عنه:((ثقة)) ومحمد بن عون فقال: ((لا بأس به))، وأبو داود فقال:((ليس به بأس)). انظر: تهذيب الكمال 7/ 149.

(7)

الجرح والتعديل 8/ 422، وتهذيب الكمال 7/ 149.

(8)

تهذيب الكمال 7/ 149.

(9)

تهذيب الكمال 7/ 149.

ص: 599

الحديثِ)) (1)، وقالَ ابنُ حبانَ:((منكرُ الحديثِ، يروي مراسيلَ كثيرةً، ويحدثُ عنْ أقوامٍ مجاهيلَ، لا يُشبهُ حديثهُ حديثَ الأثباتِ؛ فلما صارَ الغالبُ في حديثهِ ما ينكرُهُ الثبتُ استحقَّ تركَ الاحتجاجِ بهِ)) (2)، وقالَ ابنُ عديٍّ:((عامةُ ما يرويهِ لا يُتابعُ عليهِ)) (3). وعنِ الذهبيِّ: ((أنَّهُ ماتَ مع الأوزاعيِّ (4)، والأوزاعيُّ (5) ماتَ سنةَ سبعٍ وخمسينَ ومئةٍ)) (6).

قولهُ: (تحريفَ الغالينَ)(7) التحريفُ: التغييرُ (8)، والغالي من غَلا في الأمرِ غلواً، أي: جاوزَ حدَّهُ (9).

وانتحالَ من قولهم: انتحلَهُ، أي: ادّعاهُ لنفسهِ وهوَ لغيرهِ. والمبطلُ مِنْ أبطلَ إذا أتى بغيرِ الحقِ.

و ((تأويلِ)) منْ آلَ إليه أولاً ومآلاً رَجَعَ. وأولهُ إليه رجعهُ وأولَ الكلامَ تأويلاً، وتأولهُ: تدبّرهُ وقدّرهُ وفسّرهُ؛ فالمعنى - واللهُ أعلم -: يبعدونَ عنهُ تغييرَ مَنْ يفسِّرُهُ بما يتجاوزُ فيهِ /198ب/ الحدَّ فيخرج بهِ عن قوانينِ الشرعِ، وادّعاء منْ يدّعي فيهِ شيئاً يكونُ باطلاً لا يطابقُهُ (10) الواقعُ.

(1) المعرفة والتأريخ 2/ 451.

(2)

المجروحين 3/ 36، وتهذيب الكمال 7/ 149.

(3)

الكامل 8/ 37، وتهذيب الكمال 7/ 149.

(4)

ميزان الاعتدال 4/ 134، ولعل مصدر البقاعي في هذه الترجمة تهذيب الكمال، فكذا جاءت به الترجمة، ثم أضاف لذلك قول الذهبي، والله أعلم.

(5)

من قوله: ((عامة ما يرويه .. )) إلى هنا لم يرد في (ف).

(6)

كذا أرخ وفاته الحافظ ابن حجر في التقريب (3967).

(7)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 332.

(8)

انظر: القاموس المحيط مادة (حرف).

(9)

انظر: تاج العروس مادة (غلا).

(10)

في (ف): ((لا يقابله)).

ص: 600

وكأنَّهُ يشيرُ بالجملةِ الأولى إلى مَنْ يفسرُ حديثَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بغيرِ تفسيرهِ تعمُّداً وتلبيساً، وبالثانيةِ إلى منْ يكذبُ على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فإنَّهُ بادعائهِ تحديثَ مَن لم يحدثهُ والسَماعَ ممن لم يسمعْ منهُ منتحلٌ ذلكَ باطلاً. وبالثالثةِ إلى مَنْ يفسِّرهُ، وهو غيرُ عالمٍ.

قولهُ: (مرسلٌ أو معضلٌ ضعيفٌ)(1) أمَّا احتمالُ كونهِ مرسلاً؛ فلكونِ إبراهيمَ تابعياً، وذكرهُ ابنُ حِبانَ في "الثقاتِ" (2) وقالَ:((يروي المراسيلَ)) وساقَ حديثَهُ هذا منْ طريقِ حمادِ بنِ زيدٍ، عنْ بقية، عنْ معانٍ، عنهُ.

وأمّا احتمالُ كونهِ معضلاً فلكونهِ قالَ في بعضِ الرواياتِ: حدثنا الثقةُ منْ أصحابِنا، ومرةً قالَ: من مشايخنا، فَغَلبَ على الظنِّ أنَّ من حَدَّثهُ غيرُ صحابيٍّ؛ لكونهِ لم يعبرْ بما يدلُّ على أنَّ مَنْ حدَّثهُ صحابيٌّ بدلَ ما يدلُّ على أنَّهُ صاحبٌ لهُ أو شيخٌ.

وأمّا كونُهُ ضعيفاً فلأنَّ الذهبيَّ وصفَ إبراهيمَ بأنَّهُ مُقلٌّ واهي لا يُدرَى مَن هو (3).

قولهُ: (ابن القطَّانِ)(4)، أي: في كتابِ " بيانِ الوهمِ والإيهام "(5).

قولهُ: (والسَّعدي)(6) في " النكتِ "(7) التعبير عنهُ بالجوزجانيِّ.

(1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 332.

(2)

الثقات 4/ 10.

(3)

عبارة الذهبي في الميزان 1/ 45: ((ما علمته واهياً)).

(4)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 332.

(5)

بيان الوهم والإيهام 3/ 40 عقب (691).

(6)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 333.

(7)

التقييد والإيضاح: 139.

ص: 601

قولهُ: (وكلُّها ضعيفةٌ)(1) تتمةُ كلامهِ في " النكتِ ": ((لا يثبتُ منها شيءٌ، وليسَ فيها شيءٌ يُقوّي المرسلَ المذكورَ)). (2) انتهى (3).

وقد بقي عليهِ أسامة بن زيدٍ رضي الله عنهما فقد قرأتُ بخطِّ بعضِ الفضلاءِ من أصحابنا: ((أوردَ الحافظُ صلاحُ /199أ/ الدينِ العلائيُّ هذا الحديثَ عنْ أسامةَ بنِ زيدٍ (4) مرفوعاً: وقالَ فيهِ: حديثٌ حسنٌ غريبٌ، وصحّحهُ ابن حِبانَ)) (5).

قولهُ: (منْ وجهينِ)(6) قد أبديتُ ثالثاً: وهوَ أنَّه لو كانَ خبراً لم يُسمعِ الجرحُ أصلاً فيبقى قولهُ: ((حَتى يتبينَ جرحهُ)) مناقضاً لاستدلالهِ.

قولهُ: (ابن أبي حاتمٍ)(7)، أي: الإمامُ أبو محمدٍ في مقدمةِ كتابِ " الجَرْحِ والتعديلِ "(8) قالَ الشيخُ في " النكتِ ": ((ومما يُستغربُ (9) في ضبطِ هذا الحديثِ أنَّ ابنَ الصلاحِ حَكَى في " فوائدِ الرحلةِ " لهُ أنَّهُ وجدَ بنيسابورَ في كتابٍ يشتملُ على مناقبِ ابنِ كَرَّامٍ جمعُ محمد بن الهيصمِ، قالَ فيهِ: سمعتُ الشيخَ أبا جعفرَ أحمدَ بنَ جعفر (10) يقولُ: سمعتُ أبا عمرو محمدَ بنَ أحمدَ التميميَّ، يروي هذا الحديث

(1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 334.

(2)

التقييد والإيضاح: 139.

(3)

لم ترد في (ب).

(4)

الحديث من هذا الطريق أخرجه: الخطيب في " شرف أصحاب الحديث "(53).

(5)

بغية الملتمس: 34 للعلائي، وفي النقل تصرف.

(6)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 334.

(7)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 335.

(8)

الجرح والتعديل 2/ 17.

(9)

في (ب): ((لا يستغرب)).

(10)

في المطبوع من التقييد: ((محمد أحمد بن جعفر)).

ص: 602

بإسنادهِ فيضمُّ الياءَ منْ قولهِ ((يُحملُ)) على أنَّه فعلٌ لما لمْ يُسمَّ فاعلُهُ، ويرفعُ الميمَ من ((العلمِ))، ويقولُ:((منْ كلِ خلفٍ عَدولَه))، - مفتوحُ العينِ واللامِ وبالتاءِ - ومعناه أنَّ الخلفَ، هو العدولةُ بمعنى: أنَّهُ عادلٌ، كما يقالُ: شكورٌ: بمعنى: شاكرٍ، وتكونُ الهاءُ للمبالغةِ، كما يقال: رجلٌ صررورةٌ (1).

والمعنى أنَّ العلمَ يحملُ عنْ كلِ خلفٍ كاملٍ في عدالتهِ. وأمَّا أبو بكرٍ المفيدُ فإني قد حفظتُ عنهُ: ((يَحمل)) مفتوح الياء ((منْ كل خلفٍ عُدولُهُ)) مضموم العين، واللام مرفوعاً. هكذا نقلتهُ منْ خطِّ ابنِ الصلاحِ في "رحلتهِ")) (2). انتهى /199ب/.

قولهُ: (ومنْ يوافقْ غالباً)(3).

قولهُ - أي: في الشرح -: (4)(فنادر)(5)، أي: فَوِفاقهُ نادرٌ.

قولهُ: (وصححوا قبولَ تعديل)(6).

قولهُ: (أن يتعدَّ)(7)، أي: خشيةَ أنْ تثقلَ الأسبابُ عليهِ، أي: ذكرها (8).

(1) جاء في حاشية (أ): ((الصررورة هو الذي لم يحج)).

(2)

التقييد والإيضاح: 139.

(3)

التبصرة والتذكرة (267).

(4)

عبارة: ((أي: في الشرح)) من (أ) فقط، ولولا أن نسخة (أ) قرئت على البقاعي رحمه الله وعليها خطه لقلت: إن هذه العبارة من النساخ.

(5)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 335.

(6)

التبصرة والتذكرة (268).

(7)

التبصرة والتذكرة (268).

(8)

من قوله: ((قوله: (أن يتعد)

)) إلى هنا لم يرد في (ف).

ص: 603

قولهُ: (إلا مفسراً)(1)، أي: كلٍّ منهما. وكأنَّهُ حذفَهُ؛ لوضوحهِ، ثم رأيتُها في نسخةٍ قرئتْ على المصنِّفِ أصلحتْ مُفسَّرَينِ.

قولهُ: (أهوَ قادحٌ أم لا)(2) تتمةُ كلامِ ابنِ الصلاحِ: ((وهذا ظاهرٌ مقررٌ في الفقهِ وأصولهِ)) (3) وسيأتي في آخرِ شرحِ هذه الأبياتِ: ((وذَكرَ (4) الخطيبُ (5) الحافظُ: أنَّه مذهبُ الأئمةِ منْ حُفّاظِ الحديثِ (6) مثل البخاريِّ ومسلمٍ، وغيرِهما، ولذا (7) احتجَّ البخاريُّ بجماعةٍ سَبَقَ من غيرهِ الجرحُ لهم)) (8) إلى آخرِ ما سيأتي في شرحِ الأبياتِ التي بعدها، ثمّ قالَ:((وذلكَ دالٌّ على أنَّهم ذهبوا إلى أنَّ الجرحَ لا يثبُتُ إلا إذا فُسِّرَ سببُهُ. ومذاهبُ النُّقّادِ للرجالِ غامضةٌ مختلِفةٌ)) (9).

قولهُ: (فما يلزم من ركضهِ)(10) ربما يلزمُ منهُ خَرْمُ مروءتهِ، وذلكَ إذا كانَ في موضعٍ أو حالٍ لا يليقُ بذلكَ، وعليهِ تُحملُ رؤيةُ شعبةَ تحسيناً للظنِّ بهِ، لما ثَبتَ منْ جلالتهِ واتساعِ معرفتهِ، حتى قالَ الإمامُ أحمدُ:((إنَّهُ أمةٌ وحدهُ في هذا الشأنِ)) يعني: في الرجالِ وبصرِهِ بالحديثِ وتثبتهِ وتنقيتهِ للرجالِ، ولا يُحصَى مَنْ أثنى عليهِ،

(1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 335.

(2)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 336.

(3)

معرفة أنواع علم الحديث: 217.

(4)

رجع الكلام من هنا لابن الصلاح.

(5)

الكفاية (178 - 179ت، 108هـ). وانظر: البرهان 1/ 560، والبحر المحيط 4/ 294.

(6)

بعد هذا في " معرفة أنواع علم الحديث ": ((ونقاده)).

(7)

في " معرفة أنواع علم الحديث ": ((ولذلك)).

(8)

معرفة أنواع علم الحديث: 218، وانظر: نكت الزركشي 3/ 338 وما بعدها.

(9)

معرفة أنواع علم الحديث: 218، وانظر: الكفاية (179 - 180ت، 108 - 109هـ).

(10)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 336.

ص: 604

فحالهُ أشهرُ منْ أنْ يُذكرَ (1).

/ 200أ / قولهُ: (أن لا يعلم هو)(2)، أي: لأجلِ عدمِ علمهِ، أي: لأجلِ أنَّهُ يحتملُ عدمُ علمهِ بذلك، أو يكونُ التقديرُ: خشيةَ أنْ لا يعلمَ. والورعُ ما فعلَ شعبةُ؛ لأنَّ الطُّنْبورَ لا يُضربُ في بيتِ أحدٍ إلا بعلمِهِ، أو بأنْ يعرفَ أهلُهُ منه السماحَ فيما يقاربُ ذلكَ مما يخرمُ المروءةَ إنْ لم يكنْ مفسِّقاً، وهوَ جعلُ ذلكَ علةً لعدمِ سماعهِ منهُ لا لإثباتِ جرحهِ. والمنهالُ في الدرجةِ السُّفلى منَ الثقةِ؛ فلذلكَ لم يستبعدْ شُعبةُ علمَهُ بهِ. ورأيتُ بخطِّ بعضِ أصحابِنا أنَّهُ وثّقهُ ابنُ معينٍ والنسائيُّ واحتجَّ بهِ البخاريُّ في صحيحهِ (3).

قولهُ: (كان كثيرَ الكلامِ)(4) يحملُ ذلك على أنَّهُ فيما لا يعنيهِ مما يخرمُ المروءةَ، فإنَّ الحكمَ في العبادةِ والفضلِ وسعةِ العلمِ ممن لا يظنُّ بهِ إلا ذلكَ، فقد أثنى عليهِ الأكابرُ بأنَّهُ ما بينَ لابتيها أفقهُ منهُ (5)، وبأنَّهُ كانَ في مسجدِ الخيفِ (6)، وعلماءُ الناس عيالٌ عليهِ، وبأنَّهُ ما كانَ بالكوفةِ بعدَ إبراهيمَ والشعبيِّ مثلُهُ، ومثلُ حَمّادٍ.

(1) جاء في حاشية (أ): ((الحمد لله بلغ صاحبه الشيخ شهاب الدين بن الحمصي الشافعي قراءة في البحث وسمع الجماعة وكتبه مؤلفه إبراهيم البقاعي)).

(2)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 337.

(3)

انظر: فتح الباقي1/ 313، وتهذيب الكمال 7/ 239 (6805).

(4)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 337.

(5)

انظر: الجرح والتعديل 3/ 124.

(6)

مسجد الخيف في منى، وهو بالقرب من الرجم، وما زال معروفاً بهذا الاسم، وقد منَّ الله عليَّ بصلوات فيه، والحمد لله رب العالمين.

ص: 605

وأمّا زاذانُ فهو في الدرجةِ السُّفلى من الثقةِ وفيهِ شيعيةٌ، وقد قالَ ابنُ حبانَ في " الثقاتِ ":((كانَ يخطئُ كثيراً)) (1) انتهى. وقد قيلَ: مَنْ كَثُرَ كلامُهُ كَثُرَ سقطُهُ، أي (2): ولو كانَ متحرّزاً فكيفَ إذا كانَ كثيرَ الخطأ.

قولهُ: (يبول قائماً)(3) يُحملُ على أنَّهُ في مكانٍ يخرمُ المروءةَ البولُ فيهِ، ككونهِ في الطريقِ / 200ب / وبحيثُ يراهُ الناسُ؛ فإنَّ جريرَ بنَ عبدِ الحميدِ من سعةِ العلمِ والجلالةِ والثقةِ بحيثُ لا يُظنُّ بهِ إلاّ ذلكَ.

وأمّا سِماك فإنَّهُ في الدرجة الدُّنيا من الثقةِ، وقد تغيّرَ بأخرةٍ.

وبقيةُ كلامِ جريرٍ يرشدُ إلى خوفِ الاختلاطِ، فإنَّهُ قالَ: أتيتُهُ فرأيتُهُ يبولُ قائماً فرجعتُ، ولم أسألْهُ عن شيءٍ قلتُ: قد خرفَ.

قولهُ: (لو رأيتَ لحيتَه .. )(4) إلى آخرهِ، يُحمَلُ على أنَّ مرادَهُ أنَّكَ لمجرّدِ ذلكَ تقضي عليهِ بالعدالةِ توسّماً، فكيفَ إذا تأملتَ دينَهُ ومروءتَهُ وضبطَهُ، وهذا منْ وادي قولِ عبدِ اللهِ بنِ سلامٍ رضي الله عنه في النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فلما تأملتُهُ عرفتُ أنَّ وجههُ ليس بوجهِ كَذّابٍ.

ومثلُ هذا كثيرٌ في كلامِ الناسِ؛ فإنَّ أحمدَ بنَ يونسَ قد أمر الإمام أحمدَ بالرحلةِ إليهِ، ووصفهُ بأنَّهُ شيخُ الإسلامِ.

وأمّا عبدُ اللهِ - مكبراً - ابنُ عُمرَ بنِ حفصٍ العُمريُّ فإنَّهُ وإنْ كان الصحيحُ فيهِ أنَّهُ ضعيفٌ، ولكن أثنى عليهِ غيرُ واحدٍ، فقالَ ابنُ معينٍ - فيما نقلهُ عنهُ عثمانُ الدارميُّ -:((إنَّهُ صالحٌ ثقةٌ))، وقالَ الحافظُ أبو يَعلَى الخليليُّ: ((ثقةٌ، غير أنَّ

(1) الثقات 4/ 265.

(2)

لم ترد في (ب).

(3)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 337.

(4)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 338.

ص: 606

الحفاظَ لم يرضوا حفظهُ)) (1). وأوردَ لهُ يعقوبُ بنُ شيبةَ الفحلُ في " مسندهِ " حديثاً (2)، فقالَ:((هذا حديثٌ حسنُ الإسنادِ مدنيٌّ)). وقالَ في موضعٍ آخرَ: ((هو رجلٌ صالحٌ مذكورٌ بالعلمِ والصلاحِ، وفي حديثهِ بعضُ الضعفِ والاضطرابِ (3)، ويزيدُ في الأسانيدِ (4) كثيراً)).

وقالَ ابنُ حِبانَ / 201أ /: ((كانَ ممن غَلبَ عليهِ الصلاحُ حَتىّ غفلَ عن الضبطِ فاستحقَّ التركَ)) (5).

قولهُ: (كما رواهُ الخطيبُ عنهُ في " الكفايةِ ")(6) قالَ في " النكتِ ": ((بإسنادهِ الصحيحِ)) (7).

قولهُ: (فإنْ يُقلْ قَلَّ بيانُ منْ جرح)(8) هو على حذفِ مضافٍ، أي: بيانُ جرحِ مَنْ جَرحَ، وهوَ غيرُ مُفهِمٍ للمرادِ إلَاّ بأنْ يضافَ إليه، نحو أنْ يقالَ: واشتراطُ البيانِ مسقطٌ لكلامِهم المبهمِ، وذلك موجبٌ لردِّ الجرحِ في الأغلبِ، وهو خلافُ ما عليهِ عملُهم، كذا اشتراطُ بيانِ القادحِ مسقطٌ لقولِهم إذا قالوا المتنُ: لم يصحَّ، وأبهموا وهو مخالفٌ لعملِهم، فعملُهم في رَدِّ ذلكَ مخالفٌ لقولِهم: لا يُقبلُ الجرحُ مبهماً.

(1) الإرشاد 1/ 193.

(2)

في (ف): ((حدثنا)).

(3)

في (ب): ((الاطراب)).

(4)

في (ب): ((الاسناد)).

(5)

المجروحين 2/ 7.

(6)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 339.

(7)

التقييد والإيضاح: 141.

(8)

التبصرة والتذكرة (272).

ص: 607

قولهُ: (وأبهموا)(1) حالٌ منْ فاعلِ ((قالوا))، أي: وأبهموا الجهةَ التي منْ أجلِها وصفوهُ بعدمِ الصحةِ فلم يفسّروها.

قولهُ: (أنْ يجب الوقف)(2) هو على حذفِ الجارِّ والتأويلِ بالمصدرِ، أي: بوجوب الوقفِ، أي: بأنَّهُ يجبُ أنْ يقف للاحتجاجِ بذلكَ الراوي إذا وجدَ منْ يريدُ الاحتجاجَ بهِ فيهِ ريبةٌ، كما صَرّحوا بذلك، والجرحُ المبهمُ يوجبُ ريبةً، فعدمُ الاحتجاج للتوقفِ لا لقبولِ الجرحِ المبهمِ.

قولهُ: (حَتى يُبين)(3) هو منْ أبانَ، و ((بحثهُ)) فاعلهُ و ((قبولهُ)) مفعولهُ، أي: حَتىّ يتبينَ بالبحثِ أنَّ راويَ ذلك الخبرِ مقبولٌ، وأنَّ ذلك الجرحَ غيرُ مؤثرٍ فيهِ.

قولهُ: (كمن أولوا)(4) مثالٌ للراوي الذي أبانَ البحثُ قبولهُ.

قولهُ: (عكرمة)(5) / 201ب / هو مبتدأٌ خبرُهُ ((في البخاريِّ)) و ((واحتجاجاً)) تمييزٌ. أي: فعكرمةُ مُخرجٌ لهُ في البخاريِّ من جهةِ الاحتجاجِ، لا منْ جهةِ المتابعةِ ونحوِها.

قولهُ: (وغير ترجمة)(6) يجوزُ أنْ يكونَ مجروراً عطفاً على ((ابن مرزوقٍ))، وأنْ يكونَ مرفوعاً عطفاً على ((عكرمةَ)).

والترجمةُ: الاسمُ منْ إطلاقِ السببِ على المسبَّبِ؛ فإنَّ الاسمَ سببٌ لبيانِ حالِ المسمَّى، وتفسيرُ ما أبهمَ منْ أمرهِ منْ نسبٍ، وغيرهِ من جميعِ أوصافهِ، أخذاً

(1) التبصرة والتذكرة (273).

(2)

التبصرة والتذكرة (273).

(3)

التبصرة والتذكرة (274).

(4)

التبصرة والتذكرة (274).

(5)

التبصرة والتذكرة (275).

(6)

التبصرة والتذكرة (275).

ص: 608

من الترجمانِ: وهو المفسِّرُ للسانِ. ووزنهُ في " القاموسِ "(1) بثلاثةِ أوزانٍ: عُنفُوان وزَعْفَران ورَيْهُقان قالَ: وقد ترجمهُ، وعنهُ والفعلُ يدلُّ على أصالةِ التاءِ.

قولهُ: (إذ (2) بجرْحٍ) (3)، أي: احتجَّ بنحو سويدٍ؛ لأنَّهُ ما اكتفى في إسقاطهِ بجرحٍ قيلَ فيهِ.

قولهُ: (واختاره)(4) الضمير فيهِ يعودُ على المصدرِ المفهومِ منْ ((قالَ))، أي: اختارَ هذا القولَ، وهو الحكمُ بما أطلقَهُ العالمُ.

قولهُ: (أنْ يحكمْ بما)(5) بإسكانِ الميمِ، وإخفائِها بغنةٍ عندَ الباءِ، وكذا ((العالمُ بأسبابها)) على حدِّ الإقلابِ، وهو قَلبُ النُّونِ الساكنةِ، ميماً خالصةً ساكنةً، ثمَ إخفاؤها بغنَّةٍ نحو {مِنْ بَعْدُ} (6)، و {صُمٌّ بُكْمٌ} (7) وقد سكَّنَ أبو عمرٍو (8) كلَّ ميمٍ تحرّكَ ما قبلها ولقيها أولَ الكلمةِ الأخرى باءٌ ثم أخفاها (9) بغنةٍ نحو:

(1) القاموس المحيط مادة (ترجم).

(2)

تحرفت في (ف) إلى: ((إن)).

(3)

التبصرة والتذكرة (276).

(4)

التبصرة والتذكرة (277).

(5)

التبصرة والتذكرة (278).

(6)

جزء من آية في سورة البقرة آية 230، وسورة الأنفال آية: 75، وسورة الروم آية: 4، وسورة الأحزاب آية: 52، وسورة الحديد:10.

(7)

جزء من آية في سورة البقرة 18 و171.

(8)

هو النحوي، اللغوي المقرئ: زبان، وقيل: العريان، أبو عمرو بن العلاء بن عمار التميمي المازني البصري من مشايخه: أنس بن مالك، ويحيى بن معمر، ومجاهد، ومن تلامذته: شعبة، وحماد بن زيد، وعبد الله بن المبارك، قال أبو عبيدة: كان أعلم الناس بالأدب والعربية والقرآن والشعر. انظر: الموسوعة الميسرة في تراجم أئمة التفسير والإقراء والنحو واللغة 1/ 914 ترجمة (1265)، تأليف صديقنا الشيخ وليد الحسين نفع الله به.

(9)

المثبت من (ف) وفي باقي النسخ: ((إخفائها)).

ص: 609

{بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} (1) وذلك لما بينَ الميمِ والباءِ منَ المجانسةِ في المخرجِ، والمقاربةِ في المخرجِ والصفةِ.

قولهُ: (وهما)(2)، أي: هذان البيتان ردٌّ على السؤالِ، ليسَ هذا الردُّ بجيدٍ / 202أ / أمَّا أولاً: فإنَّهُ يمكن حَملُ كلامِ إمامِ الحرمينِ وَمن معهُ على ما قالَ ابنُ الصلاحِ منَ التوقفِ منْ غيرِ حكمٍ بالجرحِ.

وأمَّا ثانياً: فإنَّهُ يلزمُ منه لو حَملناهُ على الحكمِ بالجرحِ أحدُ أمرينِ: إمّا تبقيةُ الأمرِ على إشكالهِ، وإمّا تصحيحُ القولِ الرابعِ في شرحِ الأبياتِ قبلهُ، وتضعيفُ القولِ الأولِ الذي عليهِ الجمهورُ؛ لأنَّهُ إنْ كانَ المعنى: الحقُ أنْ يحكمَ بما أطلقهُ، أي: ذَكَرَهُ العالم بالأسبابِ مع بيانِ السببِ، فهوَ الأمرُ الأولُ، وإنْ كانَ المعنى أنَّه يحكمُ بما ذَكرَهُ مطلقاً غيرَ مبينٍ السببَ فهوَ الأمرُ الثاني، وليس ذلكَ بجيدٍ.

والحقُ في الجوابِ عنْ هذا الإشكالِ التفصيلُ في حالِ المجروحِ، فإنْ كانَ قد وثّقهُ أحدٌ من أئمةِ هذا الشأنِ لم يُقبلْ فيهِ الجرحُ منْ أحدٍ كائناً مَنْ كانَ إلا مفسَّراً؛ لأنَّهُ قد ثَبتتْ لهُ رتبةُ الثقةِ فلا يُزحزحُ عنها إلا بأمرٍ جليٍّ؛ فإنَّ أئمةَ هذا الشأنِ لا يُطلقونَ الثقةَ إلا على مَنْ اعتبروا حالَهُ في دينهِ، ثم اعتبروا حديثَهُ وعرضوهُ على حديثِ الحفّاظِ وتفقدوهُ على ما ينبغي، وهُم أيقظُ الناسِ فلا يُنقَضُ حكمُ أحدِهم إلا بأمرٍ صريحٍ تكونُ فيهِ قوةُ النقضِ، ومهما كانَ الجرحُ مبهماً كانَ محتملاً لوجوهٍ من الاحتمالاتِ يَضعفُ بها عنْ أنْ يكونَ ناقضاً لما أثبتَهُ الموثِّقُ. انظر إلى ما جُرِحَ بهِ سويدُ بنُ سعيدٍ لمّا بُحثَ عنهُ، كيفَ انكشفَ عمّا لا يقدحُ فيهِ أصلاً، ويقدحُ في بعضِ حديثهِ دونَ بعضٍ.

(1) جزء من آية من سورة الأنعام: 53: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} ، وانظر: معجم القراءات القرآنية 2/ 272.

(2)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 344.

ص: 610

وانظر إلى ما ذُكِرَ في / 202ب / شرحِ الأبياتِ التي قبلَ هذهِ منَ التفسير بركضِ البرذونِ (1) وغيرهِ، ولهذه العلة أخرجَ صاحبا " الصحيحِ " وغيرُهما حديثَ مَنْ طعنَ فيهِ بعضُ (2) الأئمة طعناً غيرَ مُفسَّرٍ؛ فعكرمةُ مولى ابنِ عباسٍ، قد وثّقهُ ابنُ عباسٍ رضي الله عنهما في النقلِ عنهُ، فقالَ:((ما حدّثكم عني عكرمةُ فصدِّقوهُ؛ فإنَّهُ لن يكذبَ عليَّ))، وقال لهُ:((انطلقْ فَأَفتِ الناسَ)).

وقال جابرُ بنُ زيدٍ: هذا عكرمةُ مولى ابنِ عباسٍ، هذا أعلمُ الناسِ، وقيلَ لسعيدِ بنِ جبيرٍ:((تعلمُ أحداً أعلمُ منكَ؟ قالَ: نَعَم، عكرمةُ)). وقالَ يحيى بنُ أيوبَ: ((سألني ابنُ جُريجٍ: هل كَتبتُمْ عن عكرمةَ؟ قلتُ: لا قالَ: فاتكُم ثُلثا العلمِ))، وقالَ ابنُ معينٍ:((إذا رأيتَ إنساناً (3) يقعُ في عكرمة فاتّهمْهُ على الإسلامِ))، وقالَ محمدُ بنُ نصرٍ المروزيُّ:((سألتُ إسحاقَ عن الاحتجاجِ بحديثهِ فقالَ: عكرمةُ عندَنا إمامُ الدنيا، وتعجّبَ مِنْ سؤالي إياهُ))، وقالَ ابنُ منده:((أمّا حالُ عكرمةَ في نفسهِ فقد عدّلَهُ أمةٌ منَ التابعينَ، منهم: زيادة على سبعينَ رجلاً منْ خيارِ التابعينَ، ورفعائِهم، وهذه منْزلةٌ لا تكادُ توجدُ لكبيرِ أحدٍ منَ التابعينَ، على أنَّ من جَرحَهُ منَ الأئمةِ لم يُمسكْ عن الروايةِ عنهُ))، وقالَ أبو عمرَ بنُ عبدِ البرِّ:((عكرمةُ من جلةِ العلماءِ، ولا يقدحُ فيهِ كلامُ مَنْ تكلّمَ فيهِ، لأنَّهُ لا حجةَ معَ أحدٍ تكلّمَ فيهِ)) ذَكرَ ذلك شيخُنا في مقدمةِ / 203أ / "شرحِ البخاري"(4) وأشبعَ في ذلك، وذَكرَ قولَ مَن

(1) البرذون: يطلق على غير العربي من الخيل والبغال، ويعرف باسم (الكديش).

انظر: معجم متن اللغة 1/ 269، والمعجم الوسيط:48.

والركض: هو استحثاث الدابة على العدو بأن يضرب جنبيها برجله.

(2)

((بعض)) من (ف) فقط.

(3)

في (ب): ((أحداً)).

(4)

هدي الساري: 428 - 429.

ص: 611

جَرحَهُ وبيّنَ أنَّهُ لايُقدَحُ فيهِ بعد ما ثبتَ لهُ منَ الرُّتبِ السنيةِ.

وإسماعيلُ بنُ أبي أويسٍ: عبد اللهِ بن عبدِ اللهِ وهو ابنُ أختِ الإمامِ مالكٍ، اختلفَ فيهِ قولُ ابنِ معينٍ فقالَ مرةً:((لا بأسَ بهِ))، وقالَ مرةً:((ضعيفٌ))، ومرةً:((كانَ يسرقُ الحديثَ))، وقالَ أبو حاتمٍ:((محلُّهُ الصدقُ وكانَ مغفلاً))، وقالَ أحمدُ بنُ حَنْبلٍ:((لا بأسَ بهِ))، وقالَ الدارقطنيُّ:((لا أختارُهُ في الصحيحِ))، وضعَّفهُ النسائيُّ، واختارَ شيخُنا أنَّهُ لا يُحتجُّ بشيءٍ منْ حديثهِ غيرَ ما في الصحيحِ منْ أجلِ قدحِ النَّسائيِّ وغيرهِ (1) إلاّ إنْ شاركهُ فيه غيرُهُ، والذي في "الصحيحِ" صحيحٌ؛ لأنَّ البخاريَّ كَتبَ عنهُ من أصولهِ فلم يكتبْ إلا ما عَلِمَ صحتَهُ.

وعاصمُ بنُ عليِّ بنِ عاصمِ بنِ صُهيبٍ الواسطيُّ، قالَ أحمدُ:((ما كان أصحَّ حديثه عن شعبةَ!))، وقالَ أيضاً:((ما أقلَّ خطأه!))، وقالَ العجليُّ:((شَهدتُ مجلسَ عاصمِ بن عليٍّ فحرر (2) مَنْ شَهدهُ، وكانوا مئةَ ألفٍ وستينَ ألفاً، وكان ثقةً، وثّقهُ ابنُ سعدٍ وقالَ المروزيُّ (3): قلتُ لأحمدَ: إنَّ يحيى بنَ معينٍ يقولُ: كلُّ عاصمٍ في الدنيا ضعيفٌ، فقالَ: ما أعلمُ في عاصمِ بنِ عليٍّ إلاّ خيراً، كانَ حديثُهُ صحيحاً))، وضَعّفهُ ابنُ معينٍ والنسائيُّ. وأوردَ له ابنُ عديٍّ أحاديثَ قليلةً عن شعبةَ، وقالَ:((لا أعلمُ لهُ شيئاً منكراً إلَاّ هذه الأحاديثَ)) (4) انتهى.

فيمكنُ حَملُ تضعيفِ مَنْ ضَعّفهُ على / 203ب / هذه الأحاديثِ خاصةً لكونهِ أخطأَ فيها، وهو معنى قولِ أحمدَ:((ما أقلَّ خطأهُ!)).

(1) هدي الساري: 391.

(2)

في جميع النسخ الخطية: ((فحرر)) برائين، وفي هدي الساري:((فحزر)) بزاي ثم راء.

(3)

في (ف): ((المروذي)) بالذال المعجمة.

(4)

الكامل 6/ 409.

ص: 612

وعمرُو بنُ مرزوقٍ الباهليُّ أثنى عليهِ سليمانُ بنُ حربٍ، وأحمدُ بنُ حَنْبلٍ، قالَ ابنُ معينٍ:((ثقةٌ مأمونٌ))، ووثّقهُ ابنُ سعدٍ، وقالَ ابنُ المدينيِّ:((اتركوا حديثَهُ))، وعن يحيى بنِ سعيدٍ: أنَّهُ كانَ لا يرضاهُ. وقالَ الساجيُّ كانَ أبو الوليدِ يتكلّمُ فيهِ، وقالَ الدارقطنيُّ: كثيرُ الوهمِ.

قالَ شيخُنا: ((لم يُخرجْ عنهُ البخاريُّ في الصحيحِ سوى حديثينِ مقروناً بغيرهِ في كلٍّ منهما)) (1).

وأمّا تكذيبُ ابنِ معينٍ لسويدِ بنِ سعيدٍ فيحتمل أنْ يكونَ أرادَ بهِ مجرّدَ تخطئتهِ، أي: نقله ما لا يُطابقُ الواقعَ غير متعمدٍ، فإنَّهُم قد يطلقونَ الكذبَ على ذلكَ، وهو منْ إطلاقِ الاسمِ على جزءِ معناهُ بدلالةِ التضمن.

قولهُ: (وقد تقدمَ نقلهُ)(2)، أي: في ذكرِ القولِ الثالثِ.

وقولهُ:

279 -

وَقَدَّمُوا الجَرْحَ، وَقِيْلَ: إنْ ظَهَرْ

مَنْ عَدَّلَ الأكْثَرَ فَهْوَ المُعْتَبَرْ

لو قالَ:

وقدَّمْوا الجَرْحَ، وقيل: إنْ تجِدْ

مَنْ عَدّلَ الأكثرَ قولهُ اعتمِد

لكانَ أحسنَ.

قولهُ (3): (ففيهِ ثلاثة أقوال)(4) لا بدَّ من التقييدِ بأنْ يكونَ الجرحُ مفسّراً. وأمّا إنْ كانَ مُبهماً، فإنَّهُ لا يُعارضُ التعديلَ.

(1) هدي الساري: 412.

(2)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 344.

(3)

لم ترد في (ب).

(4)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 344.

ص: 613

قولهُ: (مصدقٌ للمعدلِ)(1) ليسَ كذلكَ؛ فإنَّ مجرد الجرحِ لا يتضمنُ ذلكَ بل أكثر ما فيهِ أن يتضمنَ السكوتَ عن التعديلِ.

قولهُ:

280 -

وَمُبْهَمُ التَّعْدِيْلِ لَيْسَ يَكْتَفِيْ

بِهِ (الخَطِيْبُ) والفَقِيْهُ (الصَّيْرَفِيْ)

281 -

وَقِيْلَ: يَكْفِي، نَحْوُ أنْ يُقالا:

حَدَّثَنِي الثِّقَةُ، بَلْ لَوْ قَالَا:

282 -

جَمِيْعُ أشْيَاخِي ثِقَاتٌ لَوْ لَمْ

أُسَمِّ، لَا يُقْبَلُ مَنْ قَدْ أَبْهَمْ

283 -

وَبَعْضُ مَنْ حَقَّقَ لَمْ يَرُدَّهُ

مِنْ عَالِمٍ في حَقِّ مَنْ قَلَّدَهُ

قولهُ: (بل / 204أ /لو قالا)(2) يُفهِمُ أنَّ الثاني أعلى منَ الأولِ كما هو مفَادُ ((بَلْ)) التي تُفتتَحُ بها الجملُ، قال الرضيُّ:((وأما التي تليها الجملُ ففائدتها الانتقالُ منْ جملةٍ إلى أخرى أهمُّ منَ الأولى)). (3) انتهى.

والأهميةُ هنا هي كونُ التعديلِ في الجملةِ الثانيةِ أرفعَ منه في الأولى، وليسَ الأمرُ كذلكَ هنا بل الأولُ أعلى (4) فإنَّهُ لا (5) يطرقهُ احتمالُ أن لا يكونَ المرادُ توثيقهُ، وأمّا إذا قالَ: جميعُ مَشايخي ثقاتٌ، ثم رَوَى عن شيخٍ ساكتاً عنْ توثيقِهِ بخصوصهِ، فإنَّهُ يطرقُهُ احتمالُ أن لا يكونَ أراد توثيقهُ؛ لكونهِ قالَ ذلك على سبيلِ الأغلبِ، أو لكونهِ ذاهلاً عما التزمَهُ مِنْ ذلكَ، أو طَرأَ لَهُ مَا غيّرَ الالتزامَ لأجلِهِ، ونحو ذلكَ.

فلو قالَ الشيخُ: بدلَ قولهِ: (بل لو) أو أن، فقالَ: حدثني الثقةُ أو إن قالا، كانَ أحسنَ.

(1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 345.

(2)

التبصرة والتذكرة (281).

(3)

شرح الكافية 2/ 379.

(4)

عبارة: ((بل الأول أعلى)) من (ف) فقط.

(5)

لم ترد في (ب).

ص: 614

قولهُ: (لم يردهُ)(1) قافيتُهُ (2) متداركٌ (3)، وقافيةُ ((قلدهُ)) متراكبٌ (4)، فلو قالَ:

وبعضُ منْ حقق قال حَتم

قبوله في حقِّ منْ يأتم (5)

أو قالَ: واجبٌ في حقِّ منْ يصاحبُ.

قولهُ: (من يحتجُ بالمرسلِ)(6)، أي: لأن الظنَّ يقعُ بأنَّ المرسلَ لو لم يكن ذلكَ الذي حذفهُ حجةً عندَهُ لما حَذفَهُ، فكأنّهُ بحذفهِ وثَّقهُ، وهذا أولى؛ لأنَّهُ صرّحَ بتوثيقهِ بخلافِ المرسلِ.

ورأيتُ بخطِّ بعضِ أصحابِنَا أنّهُ وقعَ في عبارةِ ابنِ كثيرٍ أنّ: ((المبهمَ الذي لم يسمَّ، أو منْ سمي ولا تعرفُ عينُهُ لا يَقبلُ روايتَهُ أحدٌ عَلمناهُ، ولكنّهُ / 204ب / إذا كانَ في عصرِ التابعينَ، والقرونِ المشهودِ لها بالخيرِ فإنَّهُ يُستأنَسُ (7) بروايتهِ ويُستضَاءُ بها في مواطنَ، وقد وَقعَ في "مسندِ الإمامِ أحمدَ " وغيرِه منْ هذا القبيلِ

كثيرٌ)) (8) انتهى.

(1) التبصرة والتذكرة (283).

(2)

القافية: هي من آخر البيت إلى أول ساكن يليه مع المتحرك الذي قبل الساكن، وقيل: هي آخر كلمة في البيت أجمع. انظر: الكافي في العروض والقوافي: 149.

(3)

المتدارك: حرفان متحركان بين ساكنين. انظر: الكافي في العروض والقوافي: 148.

(4)

المتراكب: ثلاثة أحرف متحركة بين ساكنين. انظر: الكافي في العروض والقوافي: 148.

(5)

في حاشية (أ) بيت شعر غير واضح نصه:

وبعض من حقق قال واجب

قبوله في حقّ من يصاحب

(6)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 346.

(7)

في (ف): ((ليستأنس)).

(8)

اختصار علوم الحديث 1/ 293 وبتحقيقي: 167، وفي النقل تصرف يسير.

ص: 615

قولهُ: (ريبةٌ توقعُ تردداً)(1)، أي: من جهةِ أنهُ يكونُ معتقداً؛ لأنَّهُ ثقةٌ، ويعرفُ أنهُ مجروحٌ عندَ غيرهِ فهو يُخفيهِ خوفاً منْ عدمِ قبولهِ إذا سمّاهُ، فيؤدي ذلك إلى ضياعِ ما حَمَلهُ عنهُ منَ الحديثِ، وهو يَعتقدُ أنّهُ مُصيبٌ في ثقتِهِ، وأنّ غيرَهُ مُخطىءٌ في جرحهِ.

قولهُ: في الشرح (بل) تُفهمُ الانتقالَ كما سَلَفَ بالإضرابِ منْ أدنى إلى أعلى وهو مُسلّمٌ في الأولِ دونَ الثاني، وهو قولُهُ:((بل زادَ الخطيبُ)) إلى آخرهِ، فإنَّهُ لا يشكُّ أن توثيقَ جميعِ المشايخِ على الإجمالِ يطرقُهُ منَ الاحتمالِ (2) مالا يطرقُ التوثيقَ للواحدِ المعينِ.

قولهُ: (بخلافِ العدالةِ)(3) مُتعلّقٌ بـ ((نعرفه))، أي: بجوازِ أنْ نعرفَهُ بخلافِ العدالةِ إذا ذَكرهُ باسمهِ.

قولهُ: (ابن أبي المخارقِ)(4) هو عبدُ الكريمِ بنُ أبي المخارقِ: قيسٌ (5)، ويقالُ: طارقٌ أبو أُميةَ المعلمُ البصريُّ (6)، قالَ معمرٌ:((ما رأيتُ أيوبَ اغتابَ أحداً قطُّ إلاّ عبدَ الكريمِ أبا أميةَ فإنَّهُ ذَكرهُ، فقالَ: (رحمه الله، كانَ (7) غيرَ ثقةٍ، لقد سألني عن حديثٍ لعكرمةَ، ثم قالَ: سمعتُ عكرمةَ)) (8)، وقالَ عمرو بنُ عليٍّ: ((سألتُ عبدَ / 205أ / الرحمانِ عنْ حديثٍ منْ حديثهِ، فقالَ: دَعهُ، فلما قامَ ظننتُ أنّهُ

(1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 346.

(2)

عبارة: ((يطرقه من الاحتمال)) لم ترد في (ف).

(3)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 346

(4)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 347.

(5)

لم ترد في (ف).

(6)

في (ب): ((البصري المعلم)).

(7)

((كان)) من (ف).

(8)

مقدمة صحيح مسلم: 21.

ص: 616

يحدّثني بهِ، فسألتُهُ، فقالَ: فأينَ التقوى؟)) (1)، وقالَ ابنُ عديٍّ (2):((الضعفُ على رواياتهِ بيّنٌ))، وقالَ ابنُ حبانَ (3):((كانَ كثيرَ الوهمِ، فاحشَ الخطأ، فلما كَثُرَ ذلكَ منهُ (4) بطلَ الاحتجاجُ بهِ))، وقالَ ابنُ عبدِ البرِّ (5):((غَرَّ مالكاً سمتُهُ، ولم يكنْ منْ أهل بلدهِ، ولم يخرجْ عنهُ حكماً، إنّما ذكرَ عنهُ ترغيباً)) ونقلَ بعضهم أنَّ الشيخينِ أخرجا لهُ في كتابِ الحجِ (6)، وهو وهمٌ، إنما هو عبدُ الكريمِ الجزريُّ، وقال المزيُّ:((إنَّ مسلماً رَوَى لَهُ في المتابعاتِ (7))) وُردَّ ذلكَ عليهِ، وقالَ الحافظُ المنذريُّ:((لم يخرجْ له مسلمٌ شيئاً أصلاً لا متابعةً ولا غيرها وإنّما أخرجَ لعبدِ الكريمِ الجزريِّ)) (8) ماتَ سنةَ سبعٍ أو ستٍ وعشرينَ ومئةٍ (9).

قولهُ: (أحدهما .. )(10) إلى آخرهِ هذا القولُ هو الذي تقدّمَ آنفاً أنّ ابنَ الصباغِ حَكاهُ عن أبي حنيفةَ.

قولهُ: (مخرمةَ بن بكير)(11) هو ابنُ عبدِ اللهِ بنِ الأشجِّ، أبو المسورِ المدنيُّ، وهو صدوقٌ، وروايتُهُ عنْ أبيهِ وجادةً (12) من كتابهِ، وقالَ ابنُ المدينيِّ: ((سمعَ من

(1) الجرح والتعديل 6/ 76.

(2)

الكامل 7/ 37 و41 وعبارته: ((والضعف بين على كل ما يرويه)).

(3)

المجروحين 2/ 128.

(4)

((منه)) من (ف) فقط.

(5)

التمهيد 20/ 65.

(6)

انظر: الجمع بين رجال الصحيحين لابن القيسراني 1/ 324.

(7)

تهذيب الكمال 4/ 543.

(8)

تهذيب التهذيب 6/ 332.

(9)

انظر: تهذيب الكمال 4/ 542.

(10)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 347.

(11)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 348.

(12)

جاء في حاشيةِ (أ): ((الوجادة: أن يجد بخط أحد شيئاً فيرويهِ ويقولُ: وجدتهُ بخطِ فلانٍ)).

ص: 617

أبيهِ قليلاً)) (1) ماتَ سنةَ تسعٍ وخمسينَ ومئةٍ (2).

قولهُ: (فقيلَ: الثقةُ عبدُ اللهِ بن وهب)(3) هو (4) بخطِّ بعضِ أصحابِنا وقعَ عندَ مالكٍ: عنِ الثقةِ عندهُ، عن سليمانَ بنِ يسارٍ، في الزكاةِ (5)، قالَ شمسُ البِرماوي (6):((وقالَ ابنُ وهبٍ: كلُّ ما في كتابِ مالكٍ: أخبرني منْ لا أتهمُ منْ أهل العلمِ فهو ليثُ بنُ سعدٍ)) (7).

قولهُ: (فهو ابنُ أبي فديكٍ)(8) هو محمدُ بنُ إسماعيلَ بنِ مسلمِ بنِ أبي فُديكٍ - بالفاءِ مصغراً -، الديليُّ مولاهمُ المدنيُّ، أبو إسماعيلَ، صدوقٌ، ماتَ سنةَ مئتينِ، رَوَى لَهُ الجماعةُ (9).

قولهُ: (فهو يحيى بن حسان)(10) يعني: التّنيسيَّ بكسرِ المثناةِ والنونِ الثقيلةِ، وسكونِ التحتانيةِ ثمَ مهملةٍ: أبو زكريا البكريُّ، أصلُهُ منَ البصرةِ، وهوَ ثقةٌ، رَوَى لَهُ

(1) الكامل 8/ 178، وفي النقل تصرف يسير.

(2)

تقريب التهذيب (6526).

(3)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 348.

(4)

كتب ناسخ (ف) في الحاشية: ((هنا بياض قيد سطرين)).

(5)

الموطأ (724) برواية الليثي.

(6)

هو محمد بن عبد الدائم بن موسى بن عبد الدائم، البِرماوي -بكسر أوله، نسبة إلى بِرمة وهي: بليدة ذات أسواق في كورة الغربية من أرض مصر- كان قائماً بنشر العلم تصنيفاً وإقراءاً، توفي سنة (831) هببيت المقدس.

انظر: معجم البلدان 1/ 319، والضوء اللامع 7/ 280 - 282.

(7)

تاريخ بغداد 13/ 7، وفي النقل تصرف يسير، ونقل السيوطي في تدريب الراوي 1/ 312 النص كما هو هنا.

(8)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 348.

(9)

تقريب التهذيب (5736).

(10)

شرح التبصرة والتذكرة1/ 348.

ص: 618

الشيخانِ ماتَ سنةَ ثمانٍ ومئتين (1).

قولهُ: (فهو أبو أسامة)(2) حمّادُ بنُ أسامةَ بنِ زيدٍ القرشيُّ مولاهم، الكوفيُّ، مشهورٌ بكنيتهِ، ثقةٌ ثَبتٌ رَوَى لهُ الجماعةُ، وربما دلّسَ، وكانَ بأخرةٍ يحدّثُ مِنْ كُتبِ غيرهِ، ماتَ سنةَ إحدى ومئتينِ (3).

قولهُ: (فهو عمرو بن أبي سلمةَ)(4) يعني: التنيسيَّ، بفوقانيةٍ ثمّ نونٍ ثمّ تحتانيةٍ ثمّ مهملةٍ، أبو حفصٍ الدمشقيُّ، مولى بني هاشمٍ، أخرجَ لَهُ الجماعةُ، وهو صدوقٌ لَهُ أوهامٌ، ماتَ سنةَ ثلاثٍ وعشرينَ ومئتينِ أو بعدَها (5).

قولهُ: (فهو مسلمُ بن خالدٍ)(6) هو المخزوميُّ مولاهم، المكيُّ، المعروفُ بالزنجيِّ، رَوَى لَهُ أبو داودَ، وابنُ ماجه، وهو فقيهٌ صدوقٌ / 206أ / كثيرُ الأوهامِ، ماتَ سنةَ تسعٍ وسبعينَ ومئةٍ أو بعدها (7).

قولهُ: (فهو إبراهيم بن أبي يحيى)(8) هو إبراهيمُ بنُ محمدِ بنِ أبي يحيى: سمعانَ الأسلميُّ مولاهم، أبو إسحاقَ المدنيُّ، متروكٌ، لم يروِ عنهُ منَ الستةِ إلاّ ابنُ ماجه، وماتَ سنةَ أربعٍ وثمانينَ ومئةٍ، وقيلَ: سنةَ إحدى وتسعينَ (9)، وقالَ بشرُ بنُ

(1) تقريب التهذيب (7529).

(2)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 348.

(3)

تقريب التهذيب (1487).

(4)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 349.

(5)

تقريب التهذيب (5043).

(6)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 349.

(7)

تقريب التهذيب (6625).

(8)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 349.

(9)

تقريب التهذيب (241).

ص: 619

المفضلِ: ((سألتُ فقهاءَ أهل المدينةِ عنهُ فكلّهم يقولُ: كذابٌ)) (1)، وقالَ عبدُ اللهِ بنُ أحمدَ عنْ أبيهِ:((كانَ قدرياً معتزلياً جهمياً، كلُّ بلاءٍ فيهِ)) (2)، وقالَ الربيعُ:((سمعتُ الشافعيَّ يقولُ: كانَ إبراهيمُ بنُ أبي يحيى قدرياً، قيلَ للربيعِ: فما حَملَ الشافعيَّ على أنْ رَوَى عنهُ قالَ: كانَ يقولُ: لأن يخرَّ إبراهيمُ منْ بُعدٍ أحبُّ إليهِ من أنْ يكذبَ وكانَ ثقةً في الحديثِ)) (3)، وقالَ أبو أحمدَ بنُ عديٍّ (4):((سألتُ أحمدَ بنَ محمدِ بنِ سعيدٍ - يعني: ابنَ عقدةَ - (5) فقلتُ لهُ: تعلمُ أحداً أحسنَ القولِ في إبراهيمَ غيرُ الشافعيِّ؟ فقالَ: حدثنا أحمدُ بنُ يحيى الأزديُّ (6)، سمعتُ حمدانَ بنَ الأصبهانيِّ، قلتُ: أتدينُ بحديثِ إبراهيمَ بنِ أبي يحيى؟ قالَ: نَعَمْ، ثمّ قالَ لي أحمدُ بنُ محمدِ بنِ سعيدٍ: نظرتُ في حديثِ إبراهيمَ كثيراً، وليسَ بمنكرِ الحديثِ))، قالَ ابنُ عديٍّ:((وهذا الذي قالهُ كما قالَ، وقد نظرتُ أنا أيضاً في حديثهِ الكثيرَ فلم أجد فيهِ منكراً / 206ب / إلاّ عنْ شيوخٍ يحتملونَ، وإنما يُروى المنكرُ منْ قِبَلِ الراوي عنهُ أو منْ قِبَلِ شيخهِ وهو في جملةِ من يكتبُ حديثهُ ولهُ الموطأ أضعافُ " موطأ مالكٍ ")) (7)، وقالَ عليُّ بنُ المدينيِّ:((كذابٌ، وكانَ يقولُ بالقدرِ)) (8)، وقالَ ابنُ حبانَ (9): ((كانَ يرى القدرَ

(1) تهذيب الكمال 1/ 133.

(2)

تهذيب الكمال 1/ 133.

(3)

الكامل 1/ 357.

(4)

الكامل 1/ 357 - 358.

(5)

ما بين الشارحتين جملة توضيحية من البقاعي.

(6)

كذا في جميع النسخ الخطية والذي في المطبوع من الكامل: ((أحمد بن يحيى الأودي))، وكذلك ذكره البخاري في التأريخ الصغير 2/ 303، ولم نقف على ترجمة لأحمد بن يحيى الأزدي، ولعل الخطأ من البقاعي نفسه، والله أعلم.

(7)

الكامل 1/ 358، وفي النقل اختصار.

(8)

سؤالات محمد بن عثمان بن أبي شيبة لعلي بن المديني: 124.

(9)

المجروحين 1/ 102.

ص: 620

ويذهبُ إلى كلامِ جهمٍ، ويكذبُ في الحديثِ)) إلى أنْ قالَ:((وأما الشافعيُّ فإنَّهُ كانَ يجالسُ إبراهيم في حداثتهِ ويحفظُ عنهُ، فلما دخلَ مصر في آخرِ عمرهِ وأخذ يصنفُ الكتبَ احتاجَ إلى الأخبارِ ولم تكن كتبهُ معهُ، فأكثرُ (1) ما أُودِعَ في الكتبِ فمن حفظهِ، وربما كنّى عن اسمهِ))، وقالَ العقيليُّ (2):((قالَ إبراهيمُ بنُ سعدٍ: كُنا نُسمّي إبراهيمَ بنَ أبي يحيى ونحنُ نطلبُ الحديثَ خرافةً))، وقالَ عبدُ الغني بنُ سعيدٍ المصريُّ:((هو إبراهيمُ بنُ محمدِ بنِ أبي عطاء الذي حدّثَ عنهُ ابنُ جريجٍ، وهو عبدُ الوهابِ الذي يحدّثُ عنهُ مروانُ بن معاوية، وهو أبو الذئبِ الذي يحدثُ عنهُ ابن جريجِ)) (3)(4)، وقال العجليُّ:((كانَ قدرياً معتزلياً رافضياً، وكانَ منْ أحفظِ الناسِ، وكانَ قد سمعَ علماً كثيراً)) (5)، وقالَ البزارُ:((كانَ يضعُ الحديثَ، وكانَ توضعُ لهُ مسائلُ فيضعُ لها إسناداً، وكانَ قدرياً (6)، وهو منْ أستاذِيّ الشافعيّ وعزَّ علينا))، وقالَ الشافعيُّ في كتابِ " اختلافِ الحديثِ ": ابنُ أبي يحيى أحفظُ منِ الدراورديِّ (7)، وقال إسحاقُ بنُ راهويه:((ما رأيت أحداً يحتجُّ بابنِ أبي يحيى مثلَ الشافعيِّ، قلتُ للشافعيِّ: وفي الدنيا أحدٌ يحتجُّ بإبراهيمَ / 207أ / بنِ أبي يحيى!)) (8)، ورأيتُ بخطِّ بعضِ الآخذينَ عن شيخِنا منْ أصحابِنا: أنَّ في " مسندِ الشافعيِّ " إذا قالَ أخبرني الثقةُ فهو يحيى بنُ حسانَ (9)، وإذا قالَ: أخبرني منْ لا

(1) في (ب): ((قلما كثر)).

(2)

الضعفاء الكبير 1/ 62.

(3)

تهذيب التهذيب 1/ 144.

(4)

من قوله: ((وهو عبد الوهاب

)) إلى هنا لم يرد في (ف).

(5)

تهذيب التهذيب 1/ 144.

(6)

من قوله: ((رافضياً، وكان من أحفظ

)) إلى هنا لم يرد في (ف).

(7)

اختلاف الحديث: 178.

(8)

تهذيب التهذيب 1/ 144 - 145.

(9)

في جميع النسخ: ((يحيى بن أبي حسان)) وهذا خطأ.

ص: 621

أتهمُ، فهو إبراهيمُ بنُ أبي يحيى، وقالَ: قالَ شيخنا: يوجدُ في كلامِ الشافعيِّ، أخبرني الثقةُ، عنْ يحيى بنِ كثيرٍ، والشافعيّ لم يأخذْ عنْ أحدٍ ممنْ أدركَ يحيى بنَ كثيرٍ فيحتملُ أنَّهُ أرادَ بسندهِ إلى يحيى، قالَ: وذكرَ عبد اللهِ بن أحمد (1): أنَّ الشافعيّ إذا قالَ: أخبرنا الثقةُ، وذكرَ أحداً منَ العراقيينَ فهو يعني: أباه (2). انتهى.

قالَ: ثمّ رأيتُ في " منتخبِ تاريخِ ابنِ عساكرَ " للذهبيِّ بخطِّهِ: قالَ عبدُ اللهِ: كلُّ شيءٍ في كتابِ الشافعيِّ: أخبرنا الثقةُ، فهو عن أبي، رواها ابنُ أبي حاتمٍ عنْ عبدِ اللهِ بنِ أحمدَ كتابةً. انتهى ما وجدتُ بخطِّ صاحبِنا.

قولهُ: (ولم يروا فتياهُ)(3).

قولهُ: (ولم يَرَوا فتيا العالمِ على وفقِ حديثٍ، حكماً منهُ بصحةِ ذلكَ الحديثِ)(4) قالَ ابنُ كثيرٍ في " مختصرِ ابنِ الصلاحِ ": ((فيهِ نظرٌ إذا لم يكنْ في البابِ غيرُ ذلكَ الحديثِ إذا (5) تعرّضَ للاحتجاجِ بهِ في فتياه أو حكمهِ و (6) استشهدَ بهِ عندَ العملِ بمقتضاهُ)). (7) انتهى.

وهو ظاهرٌ في أنَّ ذلكَ حكمٌ منه بكونهِ محتجاً بهِ أعمَ منْ أنْ يكونَ صحيحاً أو حسناً، ولا يقدحُ في ذلكَ احتمالُ أنْ يكونَ لذلكَ دليلٌ آخر منْ قياسٍ أو إجماعٍ تركَ ذكره وذكرَ هذا على سبيلِ الاستئناسِ بهِ؛ لأنَّ ذلكَ احتمالٌ ضعيفٌ، فإنَّ المسألةَ مفروضةٌ فيما إذا صرّحَ باحتجاجهِ بالحديثِ، لكنْ لا بدَّ أنْ يكونَ ذلكَ العالمُ

(1) جاء في حاشية (أ): ((أي: أحمد بن حنبل)).

(2)

تدريب الراوي 1/ 314.

(3)

التبصرة والتذكرة (284).

(4)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 349.

(5)

في اختصار علوم الحديث: ((أو)).

(6)

في اختصار علوم الحديث: ((أو)).

(7)

اختصار علوم الحديث 1/ 291 وبتحقيقي: 166.

ص: 622

/ 207ب /ممنْ لا يَرى العملَ بالحديثِ الضعيفِ مقدّماً على القياسِ، كما تقدّمَ حكايةُ ذلكَ (1) عنْ أبي داود تبعاً للإمامِ أحمدَ، قالَ الشيخُ في " النكتِ ":((وحملَ بعضهم هذا على أنَّهُ أريدَ بالضعيفِ هنا - أي: في قولِ أحمدَ وأبي داودَ أنّهُ مقدّمٌ على رأي الرجالِ - الحديثُ الحسنُ)) (2) أي: فإنَّهُ دونَ الصحيحِ فهوَ ضعيفٌ بالنسبةِ إليه ضعفاً لغوياً قالَ ابنُ الصلاحِ: ((وليست مخالفتهُ - أي: مخالفةُ العالمِ - للحديثِ ليستْ قدحاً في صحتهِ، ولا في راويهِ)) (3).

قالَ بعضُ أصحابِنا: ونقلَ ابنُ كثيرٍ عبارةَ ابنِ الحاجبِ (4): ((أنَّ حكمَ الحاكمِ المشترطِ العدالةَ بالشهادةِ (5) تعديلٌ باتفاقٍ، وأما إعراضُ العالمِ عنِ الحديثِ المعينِ بعدَ العلمِ بهِ فليسَ قادحاً في الحديثِ باتفاقٍ؛ لأنَّهُ قد يعدلُ عنهُ لمعارضٍ أرجحَ عندَهُ منِ (6) اعتقادِهِ صحتَهُ)) (7).

قولهُ: (الثاني: أنه تعديلٌ)(8) عبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((وقالَ بعضُ أهلِ الحديثِ، وبعضُ أصحابِ الشافعيِّ: يجعلُ ذلكَ تعديلاً منهُ؛ لأنّ ذلكَ يتضمنُ التعديلَ)). (9) انتهى.

(1)((ذلك)) من (ف) فقط.

(2)

التقييد والإيضاح: 145.

(3)

معرفة أنواع علم الحديث: 223.

(4)

منتهى الوصول والأمل 2/ 66.

(5)

عبارة: ((بالشهادة)) لم ترد في (ف)، وهي غير واردة في منتهى الوصول ولا في اختصار علوم الحديث.

(6)

في اختصار علوم الحديث: ((مع)).

(7)

اختصار علوم الحديث 1/ 292 وبتحقيقي: 166.

(8)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 349.

(9)

معرفة أنواع علم الحديث: 222، أقول: هذا مذهب الحنفية، وإحدى الروايتين عن أحمد، وفي النقل عن الشافعيّ خلاف، ونسبه الشيرازي إلى بعض أصحاب الشافعيّ، وهو اختيار الآمدي، ونقلهُ الإسنوي عن ابن الحاجب. انظر: الكفاية (150 ت، 89هـ)، واللمع: 47، والتبصرة في أصول الفقهِ: 339، وإحكام الأحكام 2/ 80، ونهاية السول 3/ 48، ودراسات في الجرح والتعديل:209.

ص: 623

وعبارةُ ابن حبانَ تنطبقُ على هذا بلْ على أعمِّ منهُ، فإنَّهُ قال - فيما نقلَ عنْ خطِّ شيخِنا -:((العدلُ منْ لمْ يتقدّمهُ الجرحُ إذ الجرحُ ضدُّ التعديلِ، فمَنْ لم يُعرفْ بجرحٍ فهو عدلٌ حتى يتبيّنَ ضدُّهُ)) (1).

قولهُ: (تعريفٌ لهُ)(2)، أي: مطلقُ تعريفٍ حتى كأنّهُ قالَ: في الناسِ شخصٌ يُسمّى بكذا حدّثني بكذا، وأمّا التعديلُ فلا بدّ أنْ يُعرفَ فيهِ أنّهُ اختبرَ حالهُ اختباراً / 208أ / يكونُ مثلهُ صالحاً لأنْ يعرفَ بهِ (3) بواطنَ أمورهِ، ولم يرَ منها إلاّ حسناً جميلاً.

قولهُ: (بل ولو عدلهُ)(4) إلى آخرهِ، غيرُ منتظمٍ معَ ما قبلَهُ، فإنَّ الأولَ: في أنَّ مجرّدَ الروايةِ عنِ المبهمِ لا يكونُ تعديلاً، والثاني: في أنَّ تعديلَ المبهمِ لا يقبلُ؛ فالمحكومُ عليهِ وبهِ في كلٍّ منهما غيرُ ما في الآخرِ، وهو واضحٌ، ومرادُ الشيخِ رحمه الله: أنّهُ إذا كان التصريحُ بتعديلهِ لم ينفعهُ كانَ الاقتصارُ على الروايةِ عنهُ أولى بأنْ لا ينفعَهُ، واللهُ أعلمُ.

قولهُ: (واختلفوا هل يقبلُ المجهولُ)(5).

قولهُ: (خبرةُ بعضٍ)(6) هو مبتدأٌ ضميرهُ (7) فاعلُ ((تعذرت))، التقدير: في كتبٍ من الحديثِ مشهورةٍ تعذرتْ خبرةُ بعضِ منْ ذكرَ فيها من الرواةِ في باطنِ الأمرِ.

(1) الثقات 1/ 13، بتصرف يسير.

(2)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 349.

(3)

((به)) لم ترد في (ف).

(4)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 350.

(5)

التبصرة والتذكرة (286).

(6)

التبصرة والتذكرة (292).

(7)

عبارة: ((مبتدأ ضميره)) لم ترد في (ف).

ص: 624

قولهُ: (مستوراً)(1) منصوبٌ بنزعِ الخافضِ أو يُضمنُ (2)((يَشْهَرُ)) معنى يُسمّي ويكونُ مفعولاً ثانياً لهُ.

قولهُ: (منْ لم يرو عنهُ إلاّ راوٍ واحدٌ)(3)، أي: وسماهُ ذلكَ الراوي، وحكمهُ حكمُ المبهمِ الذي لم يسمَّ، وإنما جعلَ مثلَ هذا مجهولَ العينِ؛ لأنَّهُ لما كانَ مبنى الدّينِ على الاحتياطِ والتحرّي، عدَّ تعريفَ الواحدِ الذي لم يتأيّدْ بغيرهِ عدماً؛ لأنَّ الشياطينَ أعداءُ الدينِ، ولهم قوةُ التشكّلِ، فيحتملُ أنْ يكونَ هذا الذي حدّثهُ شيطاناً.

قولهُ: (إنّهُ لا يقبل)(4)، أي: ولو كانَ الراوي عنهُ لا يروي إلاّ عنْ ثقةٍ لتلكَ الاحتمالاتِ التي تخصُّ منْ يقولُ: كلُّ منْ أروي عنهُ ثقةٌ.

قولهُ: (على الإسلام)(5) هذا مُسلّمٌ فيمن ثبتَ إسلامهُ وأمّا / 208ب / هذا فأنّى لهُ بذلكَ؛ لأنَّهُ عُدَّ (6) مجهولَ العينِ، والإسلامُ حالٌ من أحوالهِ، ومعرفةُ الحالِ فرعُ معرفةِ العينِ.

قولهُ: (واكتفينا (7) في التعديلِ بواحد) (8)، أي: كما سبقَ أنّهُ الصحيحُ لكنَّ الصحيحَ: أنَّ هذا ليسَ بتعديلٍ؛ لأنَّهُ ليسَ صريحاً فيهِ؛ لما يطرقهُ منَ الاحتمالاتِ التي قدّمتها.

(1) التبصرة والتذكرة (293).

(2)

في (ف): ((تضمن)).

(3)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 350.

(4)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 350.

(5)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 351.

(6)

في (ب): ((هذا عدل))، وفي (أ) بياض قبل ((عدّ)).

(7)

هكذا هي في (ف)، وشرح التبصرة والتذكرة، وفي باقي النسخ:((اكتفينا)).

(8)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 351.

ص: 625

قولهُ: (مشهوراً في غيرِ (1) العلمِ بالزهدِ والنجدةِ) (2) أي: ونحو ذلكَ، فإدخالُ (3) هذا القولِ في هذه المسألةِ عجيبٌ؛ فإنَّهُا مفروضةٌ فيمن لم يرو عنهُ مطلقاً إلاّ راوٍ واحد، والمشهورُ بحالٍ من الأحوالِ لا بدَّ منْ (4) أنْ يكونَ رَوَى عنهُ تلكَ الحالَ منْ بلغوا الكثرةَ التي تصيّرُهُ في عدادِ المشهورينَ فلا يكونُ حينئذٍ مجهولَ العينِ، ثمّ نقولُ: إنْ كانَ في حالهِ التي اشتهرَ بها ما يتضمنُ العدالةَ فقد زالتْ عنهُ جهالةُ الحالِ أيضاً، وانطبقَ عليهِ قولهُ فيما تقدّمَ:((وصحّحوا استغناءَ ذي الشهرةِ عن تزكيةٍ)) وإلَاّ فهوَ مجهولُ الحالِ، وسيأتي في ردّهِ لمنْ قالَ: إنَّ مرداساً وربيعةَ الأسلميينِ مجهولانِ ما يؤيدُ هذا من أنَّ الشهرةَ تزيلُ الجهالةَ.

قولهُ: (وهو اختيارُ أبي الحسنِ بن القطانِ)(5) وهو الذي صحّحهُ شيخُنا (6) تلميذُ المصنّفِ، بل وصحّحَ قبولَهُ أيضاً إذا كانَ الراوي عنهُ هو المعدّلُ له، وهو الحقُّ؛ لأنَّهُ تقدّمَ أنَّ الصحيحَ الاكتفاءُ في التعديلِ بواحدٍ، ولم يفرّقوا هناكَ بينَ المجهولِ وغيرهِ.

قولهُ: (ومَنْ لم يُعرفْ)(7) عبارتهُ في " النكتِ " نقلاً عن الخطيبِ (8): ((ولا عَرَفهُ العلماءُ بهِ ولم يعرفْ حديثهُ)) (9) فأَسقطَ ((مَن)) وهو أحسنُ.

(1) سقطت من (أ).

(2)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 351.

(3)

في (ب) و (ف): ((وإدخال)).

(4)

لم ترد في (ف).

(5)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 351، وانظر: بيان الوهم والإيهام 4/ 20 عقب (1438).

(6)

في نزهة النظر: 135 (طبعة الحلبي): ((فإن سمي الراوي وانفرد راوٍ واحد بالروايةِ عنه فهو مجهول العين كالمبهم، فلا يقبل حديثهُ إلا أنْ يوثقه غير من ينفرد عنه على الأصح، وكذا من ينفرد عنه إذا كان متأهلاً لذلك)).

(7)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 351.

(8)

الكفاية (149 - 150 ت، 88 هـ)، و ((من)) موجودة.

(9)

التقييد والإيضاح: 146.

ص: 626

قولهُ: (عمرو ذي مرٍّ)(1) ذُو مُرٍّ / 209أ /: كأنَّهُ لقبٌ لهُ، وهوَ ((ذو)) الذي بمعنى صاحبٍ، و ((مُر)) بضمِ الميمِ وتشديدِ الراءِ.

قالَ شيخُنا في "التقريبِ": ((عمرو ذو مُرٍّ الهمدانيُّ، الكوفيُّ، مجهولٌ، من الطبقةِ الثالثةِ)) (2). وقالَ في أصلهِ " تهذيبِ التهذيب " عنْ علي في قصةِ غديرِ

خمٍّ (3): ((وعنهُ أبو إسحاقَ السبيعيُّ وحدَهُ، قالَ البخاريُّ: لا يعرفُ، وقالَ ابنُ عديٍّ: هو في جملةِ مشايخِ أبي إسحاقَ المجهولينَ الذينَ لا يحدِّثُ عنهم غيرُهُ، قالَ شيخُنا: وقال البخاريُّ: فيهِ نظرٌ، وقال مسلمٌ، وأبو حاتمٍ: لم يروِ عنهُ غيرُ أبي إسحاقَ، وقالَ ابنُ حبانَ: في حديثهِ مناكيرُ، وقالَ العجليُّ: تابعيٌ ثقةٌ)) (4).

قولهُ: (وجَبّارُ الطائيُّ)(5) قال شيخُنا في " لسانِ الميزانِ": ((جبارُ بنُ فلانٍ الطائيُّ، عنْ أبي موسى (6)، ضعّفهُ الأزديُّ، انتهى، وقالَ ابن أبي حاتمٍ: جبارُ بن القاسمِ الطائيُّ، رَوَى عن ابنِ عباسٍ، رَوَى عنهُ أبو إسحاقَ، ولم يذكرْ فيهِ جرحاً، وكذا ذَكَرهُ ابنُ حبان في " الثقاتِ " بروايتهِ عن ابنِ عباسٍ، وكذا ذَكرَهُ البخاريُّ في التاريخِ؛ فينظرُ من أينَ للمؤلفِ أنهُ يروي عن أبي موسى الأشعريِّ، ثم وجدتهُ (7) تَبعَ في ذَلِكَ ابنَ الجوزيِّ، وابنُ الجوزيِّ تبعَ الأزديَّ، والأزديُّ صحّفهُ، فقالَ: جَنَان

(1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 351.

(2)

تقريب التهذيب (5142).

(3)

هو بين مكة والمدينة، على ثلاثة أميال من الجحفة، وقيل: على ميل، وهناك مسجد للنبي صلى الله عليه وسلم. مراصد الاطلاع 1/ 482.

(4)

تهذيب التهذيب 8/ 120 - 121، وانظر: المجروحين 2/ 33.

(5)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 351.

(6)

عبارة: ((عن أبي موسى)) تحرفت في (ف) إلى: ((عن أبي إسحاق رضي الله عنه).

(7)

جاء في حاشية (أ): ((ابن حجر)).

ص: 627

بنونينِ، وقد ذَكرهُ الذهبيُ في " المشتبهِ " في جبّار، بموحدةٍ ثقيلةٍ وآخرهُ راءٌ وهذا هوَ الصواب ُ- (1) وذكرهُ النَّباتيُّ (2) في "الحافلِ" تبعاً للأزديِّ، ولم ينبه على تصحيفهِ، وأوردَ لهُ من طريقِ الثوريِّ، عن أبي إسحاقَ، عن أبي موسى، رفعهُ:((إذا كانَ يومُ القيامةِ كنتُ أنا / 209ب / وعليٌّ وفاطمةُ والحسنُ والحسينُ في قبةٍ تحتَ العرشِ)) (3))) (4)، انتهى.

ورأيتُ بخطِّ بعضِ أصحابنا ما صورتَهُ: ححبارُ الطائي، وعلّم تحتَ أولهِ علامة الحاءِ المهملةِ، ثم قالَ: بالجيمِ عند الدارقطنيِّ (5).

قولهُ: (وعبد الله بن أعزّ)(6) قالَ الشيخُ في " النكتِ ": ((فرقَ الخطيبُ بينهُ وبين مالك بن أعزّ، أي: الآتي، وكلاهما بالعينِ المهملةِ والزاي، وجعلهما

ابنُ ماكولا في "الإكمالِ"(7) واحداً، وأنهُ اختلف اسمهُ على أبي إسحاق، فالله أعلم)) (8).

(1) مابين الشارحتين جملة اعتراضية توضيحية من البقاعي.

(2)

هو الإمام الفقيه الحافظ الطبيب أبو العباس، أحمد بن محمد بن مُفرج الإشبيلي الأموي، مولاهم، الحزمي الظاهري، كان بصيراً بالحديث ورجاله، توفي سنة (637) هـ.

انظر: سير أعلام النبلاء 23/ 58 - 59.

(3)

هذا الحديث ذكره الهيثمي في " مجمع الزوائد " 9/ 174، وقال عنه:((رواه الطبراني، وفيه جبار الطائي، ولم أعرفه)) وقد تحرف ((جبار)) في طبعة دار الكتاب العربي إلى: ((حيان))، وفي طبعة دار الريان للتراث تحرف إلى:((حبان)).

(4)

لسان الميزان 2/ 94.

(5)

المؤتلف والمختلف 1/ 402.

(6)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 351.

(7)

الإكمال1/ 101.

(8)

التقييد والإيضاح: 147.

ص: 628

قولهُ: (والهيثمُ بن حنشٍ)(1) يعني: بمهملةٍ، ثمَّ نونٍ، ثم معجمةٍ، قال شيخُنا في " لسانِ الميزانِ ":((قال الخطيبُ في " الكفايةِ " (2): لم يروِ عنه غيرُ أبي إسحاقَ السبيعيِّ)) (3). انتهى. وغَفلَ عما ذَكرَ الشيخُ هنا أنَّهُ رَوَى عنه أيضاً سلمةُ ابنُ كهيلٍ (4) كما قالَ أبو حاتمٍ (5).

قولهُ: (ومالك بن أعزّ)(6) قالَ في " لسانِ الميزانِ ": ((عنهُ أبو إسحاقَ السبيعيُّ قالهُ في " الكفايةِ " (7)، قالَ: وذَكرَهُ عليُّ بن المدينيِّ في شيوخِ أبي إسحاقَ الذين لا يُعرفونَ)) (8).

قولهُ: (وسعيد بن ذي حُدّانَ)(9) قال شيخُنا في " التقريبِ ": ((بضمِّ المهملةِ، وتشديدِ الدالِ، - أي: المهملةِ - كوفيٌّ مجهولٌ منَ الثالثةِ)) (10)، أي (11): ممن تُوفي بعدَ المئةِ من الهجرةِ وهوَ من الطبقةِ الوسطَى من التابعينَ، وقالَ في " التهذيبِ":((كوفيٌّ رَوَى عن سهلِ بن حنيفٍ، وعليِّ، وقيلَ عن من سمعَ علياً، وعنْ علقمةَ، وعنهُ أبو إسحاق السبيعيُّ ذكرَهُ ابنُ حبانَ في " الثقاتِ" (12) وقالَ: ربما

(1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 351 - 352.

(2)

الكفاية (149 ت، 88هـ).

(3)

لسان الميزان 6/ 205.

(4)

في (ب): ((سهيل)) خطأ.

(5)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 352، وانظر: الجرح والتعديل 9/ 79.

(6)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 352.

(7)

الكفاية (149ت، 88هـ).

(8)

لسان الميزان 5/ 3.

(9)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 352.

(10)

تقريب التهذيب (2300).

(11)

في (ب): ((أو)).

(12)

الثقات 4/ 282.

ص: 629

أَخطأَ، قالَ (1): وقالَ ابنُ المدينيِّ في حديثهِ عن سهلِ بنِ حُنيفٍ في جَعلِ الحجِّ عمرةً: لا أدري سمعَ منْ سهلِ بن حُنيفٍ أم لا؟ / 210أ / وهو رجلٌ مجهولٌ، لا أعلمُ أحداً رَوَى عنهُ إلا أبا إسحاقَ)) (2).

قولهُ: (وقَيسُ بن كُرْكُم)(3)، قالَ في (4) " لسانِ الميزانِ ":((الأحدبُ المخزوميُّ الكوفيُّ، قالَ الخطيبُ (5): تفرّدَ عنهُ أبو إسحاقَ، انتهى، وقالَ الأزديُّ: ليسَ بذاكَ لا أحفظُ لهُ حديثاً مسنداً)) (6).

قولهُ: (خَمْر بن مَالكٍ)(7)، قالَ شيخُنا في "رجالِ الأئمةِ الأربعةِ" ممن (8) رُقمَ لهُ علامةُ الإمامِ أحمد:((خُمير بن مالكِ - يعني: بمعجمةٍ مصغرٌ - ويقال: خَمرُ الهمدانيُّ الكوفيُّ، عنْ عليٍّ وابنِ مسعودٍ رضي الله عنهما (9) وعنهُ أبو إسحاقَ السبيعيُّ وعبدُ الله بنُ قيسٍ (10)، وثّقهُ ابنُ حبان (11)، وقالَ ابنُ سعدٍ:((لهُ حديثانِ)) (12) خُميرُ بنُ مالكٍ الكلاعيُّ الحميريُّ عنْ عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو - رضي الله

(1) أي: ابن حجر.

(2)

تهذيب التهذيب 4/ 26.

(3)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 352.

(4)

لم ترد في (ب).

(5)

الكفاية (149ت، 88هـ).

(6)

لسان الميزان4/ 479.

(7)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 352.

(8)

في (ف): ((فيمن)).

(9)

(رضي الله عنهما) لم ترد في (ب).

(10)

عند البخاري في " التاريخ الكبير " 3/ 194، وعند ابن حبان في "الثقات" 4/ 214:

((عبد الله بن عيسى))، وعند ابن حجر في " تعجيل المنفعة ": 118: ((عبد الله بن قيس)).

(11)

الثقات 4/ 214.

(12)

الطبقات 6/ 216.

ص: 630

عنهما - (1)، عِدادُهُ في المصريينَ قالَهُ الدارقطنيُّ (2)، قالَ شيخُنا: ولا يبعدُ أنْ يكونَ هو الذي قبلَهُ)) (3). ورَقَمَ لهذا تمييزاً.

قولهُ: (و (4) مثلُ سمعانَ بن مُشنَّجٍ) (5)، قالَ في " التقريبِ ":((بمعجمةٍ ونونٍ ثقيلةٍ)) (6) قالَ الشيخُ في " النكتِ "(7): ((مفتوحةٍ ثم جيمٍ))، وقيلَ: مُشَمرِج كوفيٌّ صدوقٌ من الثالثةِ (8)، أي: ممنْ تُوفيَ بعدَ المئةِ وهوَ منْ أوساطِ التابعينَ، وقالَ في " التهذيبِ ":((العمريُّ، ويقالُ: العبديُّ الكوفيُّ، رَوَى عن سمرةَ بن جُندبٍ رضي الله عنه (9)، وعنهُ الشعبيُّ، قالَ البخاريُ:((لا نعرفُ لسمعانَ سماعاً منْ سمرةَ، ولا للشعبيِّ سماعاً منهُ)) (10) وذَكرَهُ ابنُ حبانَ في " الثقاتِ "(11)، وقالَ ابنُ مَاكُولا: ثقةٌ ليسَ لهُ غيرُ / 210ب / حديثٍ واحدٍ رواهُ أبو داودَ (12) والنسائيُّ (13)، وهوَ: أنَّ

(1) لم ترد في (ب).

(2)

المؤتلف والمختلف: 2/ 672.

(3)

تعجيل المنفعة: 118.

(4)

الواو لن ترد في (أ) و (ب).

(5)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 352.

(6)

" التقريب "(2632).

(7)

انظر: التقييد والإيضاح: 147.

(8)

" التقريب "(2632).

(9)

لم ترد في (ب).

(10)

" التاريخ الكبير " 4/ 175.

(11)

" الثقات " 4/ 345.

(12)

في " سننه "(3341).

(13)

في " المجتبى " 7/ 315.

ص: 631

الميتَ مأسورٌ بدينِهِ (1)، قالَ شيخُنا: وقالَ العجليُّ: كوفيٌّ تابعيٌّ ثقةٌ، وقالَ الخطيبُ في " رافعِ الارتياب ": وَهِمَ فيهِ الجراحُ بن مليحٍ فقالَ: المشنّجُ بنُ سمعانَ)) (2).

قولهُ: (والهَزْهَاز بن مَيزن)(3) لم أجدْهُ، وقولُ الشيخِ بعدَ ذلكَ:((ولعلَ بعضهُم أمالَهُ)) (4) ذَكرَ في " النكتِ على ابنِ الصلاحِ ": أنَّ ابنَ الصلاحِ تَبعَ الخطيبَ في تسميةِ أبيهِ مَيزناً بالياءِ التحتانيةِ، ثم قالَ:((والذي ذَكرَهُ ابنُ أبي حاتمٍ في كتابِ " الجرحِ والتعديلِ " (5) أنَّه مازِنٌ - بالألفِ - وفي بعضِ النُسخِ بالياءِ، ولعلَ بعضَهم أمالَهُ في اللفظِ فكتبَ بالياءِ، واللهُ أعلمُ)) (6).

قولهُ: (ومثلُ: بَكرِ بنِ قِروَاشٍ)(7)، قالَ في " اللسانِ ":((عنْ سعدِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه (8)، لا يعرفُ، والحديثُ منكرٌ، رَوَى عنهُ أبو الطفيلِ رضي الله عنه (9)، قالَ ابنُ المدينيِّ: لم أسمعْ بذكرهِ إلا في هذا الحديثِ يعني: في

(1) لفظ الحديث كما عند أبي داود في " السنن "(3341): ((عن الشعبي، عن سمعان، عن سمرة، قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: هاهنا أحدٌ من بني فلان؟ فلم يُجبه أحد، ثم قال: هاهنا أحدٌ من بني فُلان؟ فلم يجبه أحدٌ، ثم قال: هاهنا أحدٌ من بني فلان؟ فقام رجلٌ، فقال: أنا يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: ((ما منعك أن تجيبني في المرتين الأوَليَيْن، أما إني لم أنَوّه بكم إلا خيراً، إن صاحبكم مأسور بدينه))، فلقد رأيته أدى عنه حتى ما بقي أحد يطلبه بشيء)).

والحديث صححه العلامة الألباني في " أحكام الجنائز ": 15.

(2)

" تهذيب التهذيب " 4/ 237 - 238.

(3)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 352.

(4)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 352.

(5)

" الجرح والتعديل " 9/ 122.

(6)

" التقييد والإيضاح ": 146.

(7)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 353.

(8)

لم ترد في (ب).

(9)

لم ترد في (ب).

ص: 632

[ذكرِ](1) ذي الثُديةِ (2)، انتهى، قالَ: وكنتُ أظنُّ أن أبا الطفيلِ شيخهُ، وهو بينهُ وبينَ سعدٍ، وأما الذي يروي ذلكَ الحديثَ فقتادةُ، كذا ذكرهُ ابن حبان في " الثقاتِ "(3) ثم تبينَ أن الذي في كتابِ ابنِ حبانَ خطأٌ، والصوابُ ما في الأصلِ فقد ذَكرَ ابنُ المديني أنَّهُ لا راويَ له سوى أبي الطفيلِ، وقالَ ابنُ عديٍّ:((ما أقلَّ مَا لهُ من الرواياتِ!)) (4) وروايةُ أبي الطفيلِ عنهُ منْ روايةِ الصحابةِ عن التابعينَ / 211أ / وقد ذَكَرهُ بعضُهم في الصحابةِ، فإنْ صحَّ فهي مِنَ الأقرانِ)). (5) انتهى.

وأغفلَ ما قالَ الشيخُ في هذا الشرحِ أنَّهُ رَوَى عنهُ أيضاً قتادةُ (6)، وقالَ (7) في " النكتِ "(8) كما ذَكَرهُ البخاريُّ في " التاريخِ الكبيرِ "(9).

(1) ما بين المعكوفتين من " لسان الميزان ".

(2)

الحديث هو: عن بكر بن قرواش، عن سعد بن أبي وقاص، قال:((ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذا الثُّدَيَّةِ، فقال: شيطان الرَّدْهَةِ، راعي الجبل - أو راعي للجبل - يحتدره رجلٌ من بَجيلة، يُقال له: الأشهب - أو ابن الأشهب - علامةٌ في قومٍ ظَلَمةٍ)).

أخرجه: الحميدي (74)، وأحمد 1/ 179 من طريق أبي الطفيل، عن بكر بن قرواش، به.

والحديث ضعَّفه العلامة الألباني في " ضعيف الجامع الصغير "(3422).

(3)

" الثقات " 4/ 75.

(4)

" الكامل " 2/ 195.

(5)

" لسان الميزان " 2/ 56.

(6)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 353.

(7)

في (ف): ((قال)).

(8)

" التقييد والإيضاح ": 147.

(9)

" التاريخ الكبير " 2/ 94.

ص: 633

قولهُ: (وحَلاّم بن جَزْلٍ)(1) قالَ الشيخُ في " النكتِ ": ((بفتحِ الحاءِ المهملةِ وتشديدِ اللامِ وآخرُهُ ميمٌ (2))) (3).

قولهُ: (عامرُ بن واثلة)(4) قالَ ابنُ عبدِ البرِّ في أبي الطفيلِ من الكنى: ((الكنانيُّ، وقيلَ: عَمرُو بنُ واثلةَ، قالهُ معمرٌ، والأولُ أكثرُ وأشهرُ وهوَ عامرُ بنُ واثلةَ بنِ عبدِ اللهِ بنِ عَمرِو بنِ جَحشِ بنِ جُريِّ بنِ سَعدٍ بن ليثِ بنِ بَكرٍ بنِ عَبدِ مناةَ بنِ (5) عليِّ بنِ كنانةَ، وقالَ: الليثيُّ المكيُّ وُلِدَ عامَ أُحُدٍ، وأدركَ منْ حياةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثمان سنينَ، نَزلَ الكوفةَ وصَحبَ علياً رضي الله عنه في مشاهدِهِ كلِّها، فلمَّا قُتِلَ عليٌّ رضي الله عنه انصرفَ إلى مكةَ، فأقامَ بها حتى ماتَ سنةَ مئةٍ، ويقالُ: إنَّهُ آخرُ مَن ماتَ ممن رَأَى النبيَّ صلى الله عليه وسلم، ثم قالَ: وكانَ شاعراً محسناً وهو القائلُ:

أيدعونَني شيخاً وقد عشتُ حقبةً

وهنَّ منَ الأزواجِ نحوي نَوازعُ

وما شابَ رأسي منْ سنينَ تتابعَتْ

عليَّ ولكِنْ شَيبتْني الوَقائعُ

ثمَّ قالَ: وكانَ فاضلاً عاقلاً حاضرَ الجوابِ فصيحاً، قدمَ يوماً على معاويةَ بالمدينةِ، فقالَ لهُ: كيفَ وجْدُكَ على خليلِكَ / 211ب / أبي الحسنِ؟ قالَ: كَوَجْدِ أُمِّ موسَى على موسَى، وأشكو إلى اللهِ التقصيرَ، فقالَ لهُ معاويةُ: كنتَ فيمن حَصرَ عثمانَ؟ قالَ: لا، ولكنّي كنتُ فيمنْ حَضَرَهُ، قالَ: ما مَنعَكَ منْ نَصرِهِ؟ قالَ: وأنتَ ما منعكَ منْ نصرِهِ إذْ تربصتْ بهِ ريبُ المنونِ، وأنتَ في أهلِ الشامِ، وكلُّهم تابعٌ لكَ فيما تريدُ؟ فقالَ معاويةُ: أَوَ ما تَرى طَلبي لدمِهِ نصرةً لهُ؟ قالَ: بَلَى، ولكنّكَ كما قالَ أخو بني جُعفٍ:

(1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 353.

(2)

أشار ناسخ (ف) في هذا الموضع إلى وجود بياض إذ كتب في الحاشية عبارة: ((هنا بياض متوسط)).

(3)

" التقييد والإيضاح ": 147.

(4)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 352.

(5)

في جميع النسخ الخطية: ((وهو))، والمثبت من " الاستيعاب ".

ص: 634

لا أَلفينّكَ بعدَ الموتِ تندبُني

وفي حياتيَ مازوّدتني زادي)). (1)

قولهُ: (ومثلُه: يَزيدٍ بن سُحَيمٍ)(2).

قولهُ: (ومثلُ: جُرَي)(3) قالَ شيخُنا في " التقريبِ ": ((تَصغيرُ جروٍ، ابنُ كليب السدوسيُّ البصريُّ، عن عليِّ بنِ أبي طالبٍ رضي الله عنه (4): مقبولٌ مِن الثالثةِ)) (5)، أي: من الطبقةِ الوسطى من التابعينَ ممنْ ماتَ بعدَ المئةِ، وقالَ في " التهذيبِ ":((حديثُهُ في أهلِ المدينةِ، رَوَى عن عليٍّ رضي الله عنه (6) وبشيرِ (7) بنِ الخصاصيةِ، وعنهُ قتادةُ وكانَ يثني عليهِ خيراً، وقالَ همامٌ، عنْ قتادةَ: حدثني جُريُّ ابنُ كليبٍ وكانَ منَ الأزارقةِ (8)، وقالَ ابنُ المدينيّ: مجهولٌ ما رَوَى عنهُ غيرُ قتادةَ، وقالَ العجليُّ: بصريٌّ تابعيٌّ ثقةٌ، وصحَّحَ الترمذيُّ حديثَهُ (9))) (10)، وقالَ البزارُ:

(1) الاستيعاب 4/ 115 - 118.

(2)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 352.

(3)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 352.

(4)

لم ترد في (ب).

(5)

التقريب (920).

(6)

لم ترد في (ب).

(7)

في جميع النسخ الخطية: ((كثير))، والتصويب من " تهذيب التهذيب ".

(8)

جاء في حاشية (أ): ((من الخوارج)).

(9)

حديثه هو: ((عن قتادة، عن جُري بن كليب السدوسي، عن علي، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُضحى بأعضب القرن والأذن، قال قتادة: فذكرت ذلك لسعيد بن المسيب، فقال: العَضبُ ما بلغ النصف فما فوق ذلك)).

أخرجه: الترمذي (1504) وقال عنه: ((هذا حديث حسن صحيح)).

وأخرجه: أحمد 1/ 83 و101 و127 و129 و137، وأبو داود (2805)، وابن ماجه (3145)، وعبد الله بن أحمد في " زياداته " 1/ 150، والبزار (875) و (876)، والنسائي 7/ 217 - 218، وأبو يعلى (270)، والطحاوي في " شرح المعاني " 4/ 169، والبيهقي 9/ 275.

والحديث إسناده ضعيف؛ فإن جُري بن كليب مقبول حيث يُتابع، ولم يُتابع.

(10)

تهذيب التهذيب 2/ 78.

ص: 635

((لا أَعلمُ قتادةَ رَوَى عن جُريٍّ إلَاّ حديثينِ)) (1) يعني: حديثَ العضباءِ، أي: الأضحيةِ بعضباءِ الأذنِ، وحديثَ المتعةِ (2) / 212 أ /، ثم ذَكرَ عنْ أبي داودَ في ترجمةِ جُريّ بنِ كليبٍ النهديِّ الكوفيِّ أنَّهُ قالَ:((جُريُّ بنُ كُليبٍ صاحبُ قتادةَ سدوسيٌّ بصريٌّ لم يروِ عنهُ غيرُ قتادةَ)) (3).

قولهُ: (ومثلُ: عُمَير بن إسحاقَ)(4) قالَ في " التقريبِ ": ((أبو محمدٍ مولى بني هاشمٍ: مقبولٌ منَ الثالثةِ)) (5)، وقالَ في " التهذيبِ ":((رَوَى عن المقدادِ بنِ الأسودِ وعمرِو بنِ العاصِ والحسنِ بنِ عليٍّ رضي الله عنهم (6) - وَعَدَّ جماعةً -، وعنهُ عبدُ اللهِ بنُ عونٍ، قالَ أبو حاتمٍ، والنسائيُّ: لا نعلمُ رَوَى عنهُ غيرُهُ، وقالَ ابنُ معينٍ: لا يُساوي شيئاً ولكنْ يُكتبُ حديثُهُ، وقالَ ابنُ عديٍّ: لا أعلمُ رَوَى عنهُ غيرُ ابنِ عونٍ ولهُ منَ الحديثِ شيءٌ يسيرٌ ويُكتبُ حديثُهُ)) (7).

قولهُ: (رَوَى عنهُ الثوريُّ)(8) قالَ الشيخُ في " النكتِ ": ((اعترضَ على المصنِّفِ بأنَّ الثوريَّ لم يروِ عن الشعبيِّ نفسِهِ، فكيفَ يروي عن شيوخهِ؟ وقد

(1) البحر الزخار 3/ 97 عقب (877)، وفي النقل تصرف يسير.

(2)

الحديث هو: ((عن قتادة، عن جُري بن كليب السدوسي، قال: رأيت عثمان بن عفان ينهى عن المتعة، وعلي بن أبي طالب يأمر بها، فأتيت علياً، فقلت: إن بينكما لشراً، أنت تأمر بها وعثمان ينهى عنها، فقال: ما بيننا إلا خيراً، ولكن خيرنا اتبعنا لهذا الدين)).

أخرجه: البزار في " مسنده " 3/ 97 (877).

(3)

سنن أبي داود عقب الحديث (2805).

(4)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 352.

(5)

تقريب التهذيب (5179).

(6)

لم ترد في (ب).

(7)

تهذيب التهذيب 8/ 143.

(8)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 352.

ص: 636

يقالُ: لا يلزمُ منْ عدمِ روايتهِ عن الشعبيِّ عدمُ روايتهِ عن الهزهازِ، ولعلَّ الهزهازَ تأخّرَ بعدَ الشعبيِّ، ويقوي ذلكَ أنَّ ابنَ أبي حاتمٍ ذَكرَ في "الجرحِ والتعديلِ" أنَّهُ رَوَى عن الهزهازِ هذا: الجراحُ بنُ مليحٍ، والجراحُ أصغرُ منَ الثوريِّ وتأخّرَ بعدَهُ مدةَ سنينَ، واللهُ أعلمُ)) (1).

قولهُ: (منهم: مرداسٌ الأسلميُّ)(2) قالَ شيخُنا في " تهذيبِ التهذيبِ ": ((مرداسُ بنُ مالكٍ الأسلميُّ كانَ منْ أصحاب الشجرةِ (3) رضي الله عنهم (4)))، وقالَ ابنُ عبد البرِّ:((كانَ ممنْ بايعَ تحتَ الشجرةِ، ثم سكنَ الكوفةَ وهو معدودٌ في أهلِها)). (5) انتهى. ((رَوَى (6) عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم حديثَ: ((يذهبُ الصالحونَ)) (7)، وعنهُ قيسُ بنُ أبي حازمٍ وزيادُ بنُ علاقةَ، قالَ شيخُنا: مرداسُ الذي رَوَى عنهُ زيادُ ابنُ

(1) التقييد والإيضاح: 146، وانظر: التاريخ الكبير 8/ 250 - 251، والجرح والتعديل 9/ 122.

(2)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 353.

(3)

تهذيب التهذيب 10/ 85.

(4)

لم ترد في (ب).

(5)

الاستيعاب 3/ 438 (هامش الإصابة).

(6)

تهذيب التهذيب 10/ 85 - 86. عاد البقاعي إلى كلام ابن حجر بعد أن أقحم فيه كلام ابن عبد البر.

(7)

الحديث هو: ((عن قيس بن أبي حازم، عن مرداس الأسلمي، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: يذهب الصالحون الأول فالأول، ويبقى حُفالةٌ كحُفالةِ الشعير أو التمر لا يُباليهم الله بالةً)).

أخرجه: أحمد 4/ 193، والدارمي (2722)، والبخاري 8/ 114 (6434)، مرفوعاً.

وأخرجه: البخاري 5/ 157 (4156) من طريق قيس، عن مرداس الأسلمي، موقوفاً.

قال ابن بطال: ((في الحديث أنَّ موت الصالحين من أشراط الساعة، وفيه الندب إلى الاقتداء بأهل الخير، والتحذير من مخالفتهم خشية أنْ يصير من خالفهم ممن لا يعبأ الله به، وفيه أنَّه يجوز انقراض أهل الخير في آخر الزمان حتى لا يبق إلا أهل الشر)). فتح الباري عقب الحديث (6434).

ص: 637

علاقةَ إنما هو مرداسُ بنُ عروةَ صحابيٌّ آخرُ ذكرهُ البخاريُّ (1) وأبو حاتمٍ (2) وابنُ حبانَ (3) / 212ب / وابنُ منده وغيرُ واحدٍ، وصرّحَ مُسلمٌ وأبو الفتحِ الأزديُّ وجماعةٌ أنَّ قيسَ بنَ أبي حازمٍ تفرّدَ بالروايةِ عنْ مرداسِ بنِ مالكٍ الأسلميِّ، وهو الصوابُ، لكنْ قالَ ابنُ السكنِ: إنَّ بعضَ أهلِ الحديثِ زعمَ أنَّ مرداسَ بنَ عروةَ هو مرداسٌ الأسلميُّ الذي رَوَى عنهُ قيسُ بنُ أبي حازمٍ، قال: والصحيحُ أنَّهما اثنانِ (4))). (5) انتهى. وقد تبيّنَ منْ ذلكَ وجهُ نظرِ الشيخِ في قولِ المزيِّ: إنَّ زيادَ بنَ علاقةَ رَوَى عنهُ (6).

قولهُ: (منهم: ربيعةُ)(7) قالَ شيخُنا: ((ابنُ كعبِ بنِ مالكٍ الأسلميُّ، أبو فراسٍ المدنيُّ: كانَ منْ أصحاب الصفةِ رضي الله عنهم (8) خَدَمَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ورَوَى (9) عنهُ)) (10). قالَ ابنُ عبدِ البرِّ (11): ((وكانَ يلزمُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم في السفرِ والحضرِ، وصَحِبَهُ قديماً وعمَّرَ بعدَهُ، وهو الذي سألَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم مرافقتَهُ في الجنةِ، فقالَ: أَعنّي

(1) التاريخ الكبير 7/ 308.

(2)

الجرح والتعديل 8/ 401.

(3)

الثقات 3/ 398.

(4)

لم ترد في (ب).

(5)

تهذيب التهذيب 10/ 86.

(6)

تهذيب الكمال 7/ 67.

(7)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 353.

(8)

لم ترد في (ب).

(9)

في (ب): ((روى)).

(10)

تهذيب التهذيب 3/ 234.

(11)

الاستيعاب 1/ 506 (هامش الإصابة).

ص: 638

على نفسِكَ بكثرةِ السجودِ (1))). انتهى. قالَ (2) شيخنا: ((وعنهُ أبو سلمةَ بن عبدِ الرحمانِ، ومحمدُ بن عمرو بن عطاءٍ، وحنظلة بن عليٍّ الأسلميُّ، ونعيم المجمر، ويقال: إنَّهُ أبو فراسٍ الذي رَوَى عنهُ أبو عمرانَ الجوني، وقد رَوَى عن أبي عمرانَ، عنْ ربيعةَ الأسلميِّ، ذكرَ غيرُ واحدٍ أنَّهُ ماتَ سنةَ ثلاثٍ وستينَ بعد الحرَّةِ (3)، لهُ في الكتبِ حديثٌ واحدٌ فيهِ:((أعنّي على نفسِكَ بكثرةِ السجودِ)) /213أ / - قالَ شيخُنا -: وصوَّبَ الحاكمُ أبو أحمدَ وابنُ عبدِ البرِّ تبعاً للبخاري أنَّ ربيعةَ بنَ كعبٍ غيرُ أبي فراسٍ الذي رَوَى عنهُ أبو عمرانَ، وذكرَ مُسلمٌ والحاكمُ في "علومِ الحديثِ" أنَّ ربيعةَ تفرّدَ بالروايةِ عنهُ أبو سلمةَ، وليسَ ذلكَ بجيدٍ لما تراهُ منْ ذكرِ روايةِ هؤلاءِ عنهُ، لكنَّ قولَ المزيِّ (4): إنَّ محمدَ بنَ عمرِو بنِ عطاءَ رَوَى عنه، ليس بجيدٍ لأنَّهُ لم يأخذ عنه، وإنما رَوَى عن نعيمِ المجمرِ عنهُ (5) كما هو في "مسندِ أحمدَ "(6) وغيرهِ. هكذا تعقّبهُ شيخُنا في " النكتِ " على ابنِ الصلاحِ، وقد وردتْ روايةُ محمدِ بنِ عمرِو بنِ عطاءَ، عن أبي فراسٍ الأسلميِّ عندَ ابنِ منده في "المعرفةِ " وغيرهِ، فمَنْ قالَ: إنَّ أبا فراسٍ (7) هو ربيعةُ فَوَحَّدهما، أثبتَ روايةَ محمدِ بنِ عمرِو بن عطاءَ

(1) الحديث هو: ((عن أبي سلمة، قال: حدثني ربيعة بن كعب الأسلمي قال: كنتُ أبيتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيته بوَضوئه وحاجته، فقال لي: سَلْ، فقلت: أسألك مُرافقتك في الجنة، قال: أو غير ذلك، قلت: هو ذاك، قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود)).

أخرجه: مسلم 2/ 52 (489)، وأبو داود (1320)، والنسائي 2/ 227 وفي " الكبرى "، له (637).

(2)

في (ف): ((وقال)).

(3)

في جميع النسخ الخطية: ((الهجرة))، والتصويب من " تهذيب التهذيب ".

(4)

تهذيب الكمال 2/ 473، وانظر تعليق الدكتور بشار عواد عليه.

(5)

لم ترد في (ب).

(6)

انظر: مسند الإمام أحمد 4/ 59.

(7)

في (ب): ((أبا فراس الأسلمي)).

ص: 639

عنهُ بهذا، ومَنْ زعمَ أنهما اثنانِ أنكرَ كما قالَ الشيخُ.

لكنِ الحديثُ الذي أوردهُ ابنُ منده هو متنُ الحديثِ الذي أوردهُ مسلمٌ لربيعةَ ابنِ كعبٍ، وإنْ كان في ألفاظهِ اختلافٌ فيقوى أنَّهُ واحدٌ.

وكذلك رَوَى الحاكمُ في "المستدركِ"(1) من طريقِ المباركِ بنِ فضالةَ، قالَ: حدثني أبو عمرانَ الجوني، قالَ: حدثني ربيعةُ بنُ كعبٍ الأسلميُّ، قالَ: كنتُ أخدمُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقالَ لي: يا ربيعةُ، ألا تَزوَّجُ، وهذا هو الحديثُ الذي رُوِيَ عن أبي عمرانَ، عن أبي فراسٍ، فيتجهُ أنَّهُ هو، والله أعلمُ)). (2) انتهى.

وقد تبيّنَ بهذا أنَّ الشيخينِ ما رَوَيا عن مثلِ هذينِ / 213 ب / مصيراً منهما إلى الاكتفاءِ في نفيِ الجهالةِ بروايةِ واحدٍ؛ فقد تبيّنَ أنَّ كلاً منْ هذين صُحبتُهُ مشهورةٌ، وهذا مرادُ الشيخِ محيي الدينِ -رحمه الله في اعتراضهِ على ابنِ الصلاحِ بأنَّ مرداساً وربيعةَ صحابيانِ، والصحابةُ كلُّهمُ عدولٌ أي صحبةُ هذينِ عندَ أهلِ الفنِّ مشهورةٌ لا كلامَ فيها، ولم يَشرِطْ أحدٌ وجهاً معيناً في شهرتهِ.

قالَ الشيخُ في "النكتِ ": ((والحقُ أنَّهُ إنْ كانَ معروفاً بذكره في الغزواتِ أو في مَنْ وفدَ من الصحابةِ أو نحو ذلكَ فإنَّهُ تثبتُ صحبتهُ وإنْ لم يروِ عنهُ إلا راوٍ واحدٌ)). (3) انتهى.

قولهُ: (غير أبي هانئ)(4) بل رَوَى عنهُ غيرُهُ، قال شيخُنا في "تهذيبهِ": ((عمرُو بنُ مالكٍ الهمدانيُّ المراديُّ، أبو عليٍّ الجَنْبيُّ المصريُّ، رَوَى عنْ فضالةَ بنِ عبيدٍ وأبي سعيدٍ الخدريِّ وأبي ريحانةَ على خلافٍ فيهِ، رَوَى عنهُ أبو هانىءٍ حميدُ بنُ

(1) المستدرك 2/ 172 و3/ 521، وأخرجه أيضاً: أحمد 4/ 58.

(2)

تهذيب التهذيب 3/ 262 - 263.

(3)

التقييد والإيضاح: 148، وقد سقط غالب هذا النص من المطبوع.

(4)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 354.

ص: 640

هانىءٍ ومحمدُ بنُ شميرٍ الرعيني، قالَ الدوريُّ، عن ابن معينٍ:((ثقةٌ))، وذَكرَهُ ابنُ حبانَ في " الثقاتِ "(1)، قالَ ابنُ يونسَ:((يقالُ: توفيَ سنةَ ثلاثٍ ومئةٍ))، وقالَ الحسنُ بنُ عليٍّ الخلال (2):((ماتَ سنةَ اثنتينِ)) - قالَ شيخنا -: ووثقهُ العجليُّ والدارقطنيُّ، وقالَ ابنُ حبانَ:((رَوَى عنْ عقبةَ بنِ عامرٍ الجهنيِّ)))) (3) انتهى.

فقد /214أ / بَانَ بهذا أنَّهُ ارتفعتْ جهالتُهُ وبانَتْ عدالتُهُ بروايةِ غيرِ أبي هانىءٍ، وتوثيقِ أهلِ الفنِّ لهُ، لكنَّ المقصودَ منْ سوقِ الشيخِ لذلكَ عن ابنِ مسعودٍ إنَّما هو أنَّ منْ كانَ معروفاً في قبيلتهِ لا يكونُ مجهولاً، ولو أنَّهُ ما رَوَى عنهُ إلَاّ واحدٌ، وقالَ الشيخُ في "النكتِ": إنَّهُ جَمعَ منْ رَوَى لهُ الشيخانِ أو أحدُهما منْ غيرِ الصحابةِ، ولم يروِ عنهُ إلا راوٍ واحدٌ، وقالَ: منهم عندَ البخاريِّ جويريةُ بنُ قدامةَ تفرّدَ عنهُ أبو جمرةَ رجّحَ شيخنا في " تهذيبهِ"(4): أنهُ جاريةُ عمُّ الأحنفِ، وممنْ صرّح بذلك ابنُ أبي شيبةَ في مصنفهِ (5)، وجاريةُ بنُ قدامةَ صحابيٌّ رَوَى عنهُ الأحنفُ بنُ قيسٍ، والحسنُ البصريُّ (6) ثم ذكرَ عنهُ أشياءَ تدلُّ على أنَّهُ منَ الشهرةِ بمحلٍ كبيرٍ قالَ الشيخُ: وزيدُ بن رباحٍ الذي تفرّدَ عنهُ مالكٌ، قالَ أبو حاتمٍ:((ما أرى بحديثهِ بأساً)) (7) وذَكرَهُ ابنُ حبان في الثقاتِ (8)، وقال

(1) الثقات 5/ 183.

(2)

في تهذيب التهذيب: ((العداس)).

(3)

تهذيب التهذيب 8/ 95 - 96.

(4)

تهذيب التهذيب 2/ 54 و55 و125.

(5)

مصنف ابن أبي شيبة (30493) إلا أن الذي في المصنف: (( .. أبي حمزة، عن جويرية بن قدامة السعدي .. )).

(6)

في (ف): ((الحسن بن علي)).

(7)

الجرح والتعديل 3/ 563.

(8)

الثقات6/ 318.

ص: 641

ابنُ البَرقي (1) والدارقطنيُّ: ثقةٌ، وقالَ ابنُ عبدِ البرِّ:((ثقةٌ مأمونٌ)) (2)، فانتفتْ عنهُ الجهالةُ بتوثيقِ هؤلاءِ. قالَ: والوليدُ بنُ عبدِ الرحمانِ الجاروديُّ (3) تفرّدَ عنهُ ابنهُ المنذرُ بنُ الوليدِ، ذَكرَ شيخُنا أموراً تخرجهُ عن الجهالةِ منها: أنهُ نسبهُ فقالَ: ابنُ عبدِ الرحمانِ بن حبيبِ بنِ عامر بنِ حبيب بنِ الجارودِ العبديُّ /214ب / الجاروديُّ البصريُّ، ومنها: أنَّ ابنَ حبانَ ذَكرَهُ في "الثقاتِ"(4)، ومنها: أنَّ الدارقطنيَّ قال: ثقةٌ.

قالَ الشيخُ: ومنهم عندَ مُسلمٍ جابرُ بنُ إسماعيلَ الحضرميَّ تفرَد عنهُ عبدُ الله ابنُ وهبٍ، قالَ شيخُنا: إنَّ (5) ابنَ حِبانَ ذَكرَهُ في " الثقاتِ"(6)، وإنَّ (7) ابنَ خزيمةَ أخرجَ له في "صحيحهِ"(8) وصرّحَ أنهُ ممن يحتجُّ بهِ، قالَ: وخبابُ صاحبُ المقصورةِ تفرّد عنهُ عامرُ بنُ سعدِ بنِ أبي وقاصٍ، قالَ شيخُنا: قال ابنُ ماكولا: أدركَ الجاهليةَ، وكذا قالَ ابنُ عبد البر في "الاستيعاب":((خبابُ مولى فاطمةَ بنتِ عتبةَ بنِ ربيعةَ، أدركَ (9) الجاهليةَ واختُلِفَ في صحبتهِ)) (10) وذَكرَهُ ابنُ منده وأبو نعيمٍ في

(1) الإمام الحافظ، أبو عبد الله، محمد بن عبد الله بن عبد الرحيم بن سعيد الزهري، مولاهم المصري، له كتاب " الضعفاء "، توفي سنة (249) هـ.

انظر: سير أعلام النبلاء 13/ 46.

(2)

التمهيد 6/ 15.

(3)

في (ب): ((الجاروردي)).

(4)

9/ 225.

(5)

لم ترد في (ب).

(6)

8/ 163.

(7)

لم ترد في (ب).

(8)

أخرج له ابن خزيمة في مختصر المختصر عند الحديثين (146) و (969).

(9)

في (ف): ((إدراك)).

(10)

الاستيعاب 1/ 424 (بهامش الإصابة).

ص: 642

الصحابةِ وساقَ ابنُ منده منْ طريقِ عبدِ اللهِ بنِ السائبِ بنِ خبابٍ، عنْ أبيه، عنْ جدهِ رضي الله عنه (1) قالَ:((رأيتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم متكئاً على سريرٍ .. )) (2) الحديث، فهذهِ أمورٌ أخرجتْهُ عن الجهالةِ وأوجبتْ ثقتَهُ.

قولهُ: (في غيرِ حملِ العلمِ)(3) ليس قيداً، بل بيانٌ للواقعِ؛ فإنَّ الأمرَ مفروضٌ فيمنْ لم يروِ عنهُ العلمَ غيرُ واحدٍ، على أنَّهُ يُفهمُ ارتفاعَ الجهالةِ بالشهرةِ في العلمِ منْ بابِ الأولى (4).

قولهُ: (غير مقبولةٍ)(5)، أي: لأنَّ مجردَ الروايةِ عنهُ لا تكونُ تعديلاً.

قولهُ: (تقبلُ مطلقاً)(6) هذا يُشبهُ أنْ يكونَ قولُ مَنْ يجعلُ روايةَ العدلِ / 215أ / عن الراوي تعديلاً لهُ، لكنَّ هذا أوسعُ؛ لأنَّهُ ما شَرَطَ فيهِ عدالةَ الراويينِ، ورأيتُ بخطِّ بعضِ أصحابنا أنَّ ابنَ كثيرٍ عزاهُ لابنِ حبانَ (7)، قال: فإنَّهُ حَكَى عنِ الخطيبِ (8) أنَّ جهالةَ العينِ تزولُ بروايةِ اثنينِ وأنّهُ لا تثبتُ عدالتُهُ بروايتهِما، قال:((وعلى هذا النمطِ مشى ابنُ حبانَ وغيرهُ بل حَكمَ له بالعدالةِ بمجرّدِ هذه الحالةِ)) (9). انتهى.

(1) لم ترد في (ب).

(2)

انظر: الإصابة 2/ 260.

(3)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 354.

(4)

لم ترد في (ب).

(5)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 354.

(6)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 354.

(7)

اختصار علوم الحديث 1/ 293 وبتحقيقي: 167.

(8)

الكفاية (149ت، 88هـ).

(9)

اختصار علوم الحديث 1/ 293 وبتحقيقي: 167.

ص: 643

قولهُ: (الإمام سليم)(1) عبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((وهو قولُ بعض الشافعيينَ، وبهِ قَطَعَ منهم الإمامُ سُليمُ بنُ أيوبَ الرازيُ، قال: لأنَّ أمر الأخبارِ مبنيٌّ على حسنِ الظنِّ)) (2) إلى آخرِ كلامهِ.

قولهُ: (ويشبهُ أن يكونَ العملُ على هذا)(3) لم يبيّنْ وجهَ الشبهِ وليسَ بيّناً، ولعلهُ بناء على مثلِ قولهِ إنَّ البخاريَّ ومسلماً رَوَيا عنْ مجهولِ العينِ مصيراً منهما إلى أنَّ الجهالةَ ترتفعُ بروايةِ واحدٍ، والبيِّنُ في كلامِ أهل الفنِّ أنهم لا يحتجونَ إلَاّ بمصرَّحٍ بتوثيقهِ، ولا فرقَ بينَ القديمِ والحديثِ، وما ذكرهُ الشيخُ بعدَهُ من كلامِ الشافعيِّ بَيِّنٌ في ذلكَ.

قولهُ: (فيهِ نظر)(4)، أي: في تسميتهِ مستوراً، وتوجيهُه النظرَ بكلامِ الشافعيِّ ليسَ بواضحٍ، فإنَّ الحكمَ بشهادتِهما قد لا (5) يخرجهما عن السترِ، ولعلَّ الذي سوّغَ الحكمَ أنَّ المحاكماتِ تكونُ فيها الأخصامُ وهم (6) يجتهدونَ في ردِّ حججِ أخصامِهم ويزيدونَ / 215ب / في البحثِ عنْ أحوالِهمْ فالظاهرُ: أنهُ لولا عجزُهم عنْ قادحٍ لما سكتوا عنهُ، وعجزُهم مع شدةِ بحثهم قرينةٌ مقويةٌ للحكمِ عليهم بشهادتِهم، ولعلَّ هذا الذي قالهُ الشافعيُّ في جوابِ السؤالِ إنما بحثَهُ مع خصمٍ فألزمَهُ بمقتضى قولهِ. وقد أقرَّ الشيخانِ (7) البغويَّ (8) على تسميةِ من جُهِلتْ عدالتُهُ

(1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 355.

(2)

معرفة أنواع علم الحديث: 223.

(3)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 355.

(4)

التبصرة والتذكرة (293).

(5)

لم ترد في (ب) و (ف).

(6)

في (ب): ((وهو)).

(7)

أي: الرافعي والنووي.

(8)

انظر: التهذيب في فقه الإمام الشافعي 5/ 263، وشرح السنة 1/ 269.

ص: 644

الباطنةُ مستوراً. وعبارةُ " الروضةِ ": ((فرعٌ: ينعقدُ النكاحُ بشهادةِ المستورينَ على الصحيحِ، والمستورُ (1) منْ عُرفتْ عدالتُهُ ظاهراً لا باطناً)) (2).

قولهُ: (فعلى هذا)(3) ليس ذلكَ بلازمٍ كما بيّنتُ أنهُ لا منافاةَ بينَ السترِ والحكمِ بقولِ مَنِ اتصفَ بالسترِ، ولا شكَّ أنَّ مَنْ خفي باطنُ حالهِ يُسمَّى مستوراً لذلكَ.

قولهُ: (نعم في كلامِ الرافعيِّ)(4) مرادهُ أنَّ عبارةَ الرافعيِّ موافقةٌ لقولِ البغويِّ، وقد صرّحَ بذلكَ في " النكت "(5) وذلكَ أنها تقتضي أنهُ لا بدَّ منَ البحثِ عنِ الباطنِ ليرجعَ فيهِ إلى المزكِّينَ، وهذا حينئذٍ يغيّرُ في وجهِ ما نظرَ فيهِ منْ قولِ ابنِ الصلاحِ في المستورِ.

قولهُ: (ونقل الرويانيُّ (6)) (7) مرادهُ بذلكِ تأييدُ كلامهِ، وليسَ مؤيداً لهُ؛ فإنّ قولَ الشافعيّ:((ولا يعرفُ حالهما)) يُحملُ على الباطنِ ليوافقَ ما قرّرهُ مِنْ (8) عدمِ الاحتجاجِ بالمجهولِ، ويؤيدُ ذلكَ قولُ الشافعيّ:((انعقدَ النكاحُ بهما في الظاهرِ)) أي: كما أنهما عدلانِ في الظاهرِ نقولُ ينعقدُ / 216أ / في الظاهرِ، وقد كانَ الحالُ يقتضي عدمَ الاعتدادِ بهما لكنْ فَعَلنا ذلك؛ لأنَّ شدةَ البحثِ في مثلِ هذا تؤدي إلى

(1) في (ب): ((والمستورين)).

(2)

روضة الطالبين 7/ 46.

(3)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 356.

(4)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 356.

(5)

التقييد والإيضاح: 145.

(6)

هو أبو المحاسن، عبد الواحد بن إسماعيل بن أحمد الشافعي، توفي سنة (502 هـ).

انظر: وفيات الأعيان 3/ 198، وسير أعلام النبلاء 19/ 210.

(7)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 356.

(8)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 356.

ص: 645

الحرجِ في أمرِ النكاحِ المفضي إلى العنتِ، وهو مما تعمُّ بهِ البلوى، وتكونُ في مواضعَ ليسَ بها مَنْ فيهِ أهليةُ البحثِ، ومبناهُ على التراضي بخلافِ الأحكام، ويزيدُ هذا التأييدَ وضوحاً أنَّ الشيخَ محيي الدينِ صوّبَ في "الروضةِ"(1) عدمَ الانعقادِ بمستورِ الظاهرِ، فإنَّهُ قال:((قال البغويُّ: لا ينعقدُ بمنْ لا تعرفُ عدالتُهُ ظاهراً، وهذا كأنهُ تصويرٌ بما لايعرفُ إسلامُهُ وإلاّ فالظاهرُ أنّ (2) حالَ المسلمِ الاحترازُ منْ أسبابِ الفسقِ.

قلتُ: الحقُ هو قولُ البغويِّ وأنَّ مرادَهُ منْ لا يعرفُ ظاهرُهُ بالعدالةِ وقد صرّحَ البغويُّ بهذا، وقالهُ شيخُهُ القاضي حسينٌ، ونقلهُ إبراهيمُ المروذيُّ (3) عن القاضي، ولم يذكر غيرهُ، واللهُ أعلم)). (4) انتهى كلامُ "الروضةِ". وقد بَانَ من أنَّ خفاءَ العدالةِ في الظاهرِ سَوَّغَ إطلاقَ السترِ فكذلك خفاؤها في الباطنِ (5).

قولهُ: (والخلفُ في مبتدعٍ ما كفرا)(6) قالَ شيخُنا: منَ المعلومِ أنَّ كلَّ فرقةٍ ترّدُ قولَ مخالِفها، وربما كَفَّرتهُ، فينبغي التحري في ذلكَ، والذي يظهرُ أنَّ الذي يُحكمُ عليهِ بالكفرِ منْ كانَ الكفرُ صريحَ قولهِ، وكذا منْ كانَ لازمَ قوله، وعرضَ عليهِ فالتزمهُ، أمّا منْ لم يلتزمهُ (7)، وناضلَ عنهُ، فإنَّهُ لا يكونُ / 216ب / كافراً ولو

(1) روضة الطالبين 7/ 46.

(2)

في (ب) و (ف): ((في)).

(3)

أبو إسحاق، إبراهيم بن أحمد بن محمد، صارت إليه الرحلة بمرو لتعلم المذهب، ولد سنة

(453 هـ)، وتوفي (536 هـ).

انظر: الأنساب 4/ 276.

(4)

روضة الطالبين 7/ 46 - 47.

(5)

من قوله: ((وقد بان)) إلى هنا لم يرد في (ب) و (ف).

(6)

التبصرة والتذكرة (294).

(7)

في (ب): ((يلزمه)).

ص: 646

كانَ اللازمُ كفراً. انتهى. وهو قولٌ حسنٌ، لكنْ لا بدَ أنْ يعرفَ الأمرَ الذي يكفرُ مَنْ يعتقدُهُ، ويعرفَ ما هو الصريحُ منْ ذلكَ، وحينئذٍ يعرفُ الكافرَ منْ غيرهِ، فكلُّ مَنْ جَحَدَ مُجمَعاً عليهِ، معلوماً منَ الدينِ بالضرورةِ، كفرَ، سواء كانَ فيهِ نصٌ أو لا، ومعنى العلمِ بالضرورةِ: أنْ يكونَ ذلكَ المعلومُ (1) منْ أمور الإسلامِ الظاهرةِ التي يشتركُ في معرفتها الخواصُ والعوامُ، كالصلاةِ، والزكاةِ، والحجِ، وتحريمِ الخمرِ، والزنا. هذا حاصلُ ما قال (2) شيخُ الإسلامِ النوويُّ في " الروضةِ "(3) في بابي الردة وتاركِ الصلاةِ، وعلّلوهُ بأنهُ لم يصدِّق الرسولَ صلى الله عليه وسلم فيما عُلمَ بالضرورةِ أنهُ منْ دينهِ فتصديقهُ في ذلكَ داخلٌ في حقيقةِ الإيمانِ.

قال الأصفهانيُّ (4) في أولِ تفسيرِ البقرةِ: وتحقيقُ القولِ فيهِ - أي: الكفر - أنَّ (5) ما نُقلَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنهُ ذهبَ إليه وقالَ بهِ، فأمّا أنْ تعرفَ (6) صحةَ ذلك النقلِ بالضرورةِ أو بالاستدلالِ أو بخبرِ الواحدِ.

أمّا القسمُ الأولُ: فمن صدّقهُ في جميعهِ (7) فهوَ مؤمنٌ، ومنْ لمْ يصدّقهُ في جميعِ ذلكَ سواءٌ كانَ مصدقاً في البعضِ أو لَم يصدقهُ في شيءٍ منهُ فهو كافرٌ، ثمَّ (8)

(1) في (ف): ((من المعلوم)).

(2)

في (ب): ((قوله)).

(3)

روضة الطالبين 2/ 146 و10/ 65.

(4)

شمس الدين، أبو الثناء، محمود بن عبد الرحمان بن أحمد بن محمد الشافعي، ولد سنة

(674)

هـ، كان بارعاً في العقليات، صحيح الاعتقاد، محباً لأهل الصلاح، صنف تفسيراً كبيراً، توفي سنة (749) هـ.

انظر: شذرات الذهب 6/ 165.

(5)

في (ف): ((أن الكفران)).

(6)

في (ف): ((يعرف)).

(7)

((في جميعه)): لم ترد في (ف).

(8)

لم ترد في (ب).

ص: 647

قالَ: وأمّا الذي عُلمَ بالدليلِ أنَّهُ منْ دينهِ مثلَ كونهِ سبحانهُ عالماً بالعلمِ، أو بذاتهِ - إلى أن قال - / 217أ / فلم يكن إنكارهُ والإقرارُ بهِ داخلاً في حقيقةِ الإيمانِ فلا يكونُ كفراً، والدليلُ عليهِ أنهُ لو كانَ داخلاً في حقيقةِ الإيمانِ لم يحكمِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بإيمانِ أحد حتى يعرفَ (1) الحقَ في تلكَ المسائلِ كلِّها، ولو كانَ الأمر كذلكَ لاشتهرَ، وهو يرجعُ إلى ما قالهُ الإمام حجةُ الإسلامِ أبو حامدٍ الغزاليُّ في كتابِ " التفرقةِ بينَ الإسلامِ والزندقةِ ":((الكفرُ هو تكذيبُ الرسولِ صلى الله عليه وسلم في شيءٍ مما جاءَ بهِ، والإيمانُ تصديقُهُ في جميعِ ما جاءَ بهِ، وذلكَ لأنَّ جاحدَ ما ذُكِرَ ما كفرَ إلا لتضمّنِ قوله تكذيبُ الرسولِ صلى الله عليه وسلم للعلمِ الضروري أنه قال ذلك، فإنَّ ظاهرَهُ مرادٌ فكلُّ ما كانَ تكذيباً لنبيٍّ منَ الأنبياءِ فهو كذلكَ)).

بقي عليكَ أنْ تعرفَ ما الجَحدُ الذي يصيرُ فاعلُهُ كافراً، لأنَّ كلَّ فرقةٍ تنسبُ مخالفتها (2) إلى التكذيبِ، قال حجةُ الإسلامِ ما ملخصُهُ: فالحنبليُّ يكفّرُ الأشعريَّ زاعماً أنَّهُ كذّبَ الرسولَ في إثباتِ الفوقِ للهِ تعالى في الاستواءِ على العرشِ، والأشعريُّ يكفّرهُ زاعماً أنّهُ شبه وكذّب الرسولَ في أنّهُ ليسَ كمثلهِ شيءٌ، والأشعريُّ يكفّرُ المعتزليَّ زاعماً أنهُ كذّبَ الرسولَ صلى الله عليه وسلم في جوازِ رؤيةِ اللهِ / 217ب / عز وجل وفي إثباتِ العلمِ والقدرةِ والصفاتِ لهُ، والمعتزليُّ يكفرُ الأشعريَّ زاعماً أنَّ إثباتَ الصفاتِ تكثيرٌ للقديمِ وتكذيبٌ للرسولِ صلى الله عليه وسلم في التوحيدِ، ولا ينجيكَ من هذه الورطةِ إلاّ أنْ تعرفَ حدّ التكذيبِ والتصديقِ فأقولُ: التصديقُ إنما يتطرقُ إلى الخبرِ، وحقيقتهُ: الاعترافُ بوجودِ ما أخبرَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم عنْ (3) وجودهِ، إلا أنَّ

(1) في (ف): ((حتى يعرف أنه يعرف)).

(2)

في (ب): ((مخالفيها)).

(3)

لم ترد في (ب).

ص: 648

للوجودِ خمسَ مراتبَ، فإنَّ الوجودَ ذاتيٌّ وحسيٌّ وخياليٌّ وعقليٌّ وشبهيٌّ، وقد نظمتُ أنا ذلك لِيهونَ حفظُهُ فقلتُ:

مراتبُ الوجودِ ذاتُ حسٍ

ثمَّ الخيالُ العقلُ شبهُ خمسٍ

فمن اعترفَ بوجودِ ما أخبرَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم بوجودهِ بوجهٍ منْ هذه الوجوهِ الخمسةِ فليس بمكذِّبٍ على الإطلاقِ.

فالذاتيُّ هو الوجود الحقيقي الثابتُ خارجَ الحسِ والعقلِ، ولكنْ يأخذ الحسُ والعقلُ صورتهُ، فيسمى أخذهُ إدراكاً، وهذا كوجودِ السماء والأرضِ والحيوانِ والنباتِ، وهو ظاهرٌ.

والحسيُّ: ما يتمثلُ في القوةِ الباصرةِ منَ العينِ مما لا وجودَ لهُ خارجَ العينِ فيكون موجوداً في الحسِ، ويختصُ به الحاسُّ، ولا يشاركهُ فيهِ غيرهُ، وذلكَ كما يشاهدهُ النائمُ (1)، بل كما يشاهدُهُ المريضُ المتيقظُ، إذ قد / 217أ / تتمثلُ لهُ صوراً لا وجودَ لها خارجَ حسهِ، كما تأخذُ قبساً منْ نارٍ كأنه نقطةٌ، ثم تُحرّكهُ بسرعةٍ حركةً مستقيمةً فتراهُ خطاً منْ نارٍ، وتحركهُ حركةً مستديرةً فتراهُ دائرةً منْ نارٍ، ولكنَّ ذلكَ في أوقاتٍ متعاقبةٍ فلا يكونُ موجوداً في حالةٍ واحدةٍ، وهو ثابتٌ في مشاهدتِكَ في حالةٍ واحدةٍ، ومن الحسيِّ رؤيةُ جبريلَ عليه السلام في صورةٍ غير صورتهِ التي خَلَقهُ اللهُ عليها كصورةِ دحيةَ مثلاً؛ فإن الصورةَ المخلوقَ عليها هي الذاتيةُ الموجودةُ في الخارجِ وتلك حسيةٌ.

والخياليُّ: هو صورةُ المحسوساتِ إذا غابتْ عنْ حسِّكَ فتكونُ موجودةً في خيالكَ، وذلكَ الذي في خيالِكَ (2) ليسَ هو الذي في الخارجِ، فإنَّ خزانةَ خيالِكَ لا تسعُ السماواتِ والأرضينَ.

(1) في (ب): ((القائم)).

(2)

عبارة: ((في خيالك)) في (ف) فقط.

ص: 649

والعقليُّ: هو أنْ يكون للشيءِ روحٌ ومعنى، فيتلقى العقلُ مجرّدَ معناهُ دون (1) أن يُثبتَ صورتهُ في خيالٍ أو حسٍ أو خارجٍ، كاليدِ، فإنَّ لها صورةً محسوسةً ومتخيلةً، ولها معنى هو حقيقةُ اليد وهو القدرة على البطشِ وذلك هو اليدُ العقلي، ومعنى القلم (2) ماتنتقشُ بهِ العلومِ.

والشبهيُّ: هو أن لا يكونَ نفسُ الشيءِ موجوداً لا بصورتهِ الحقيقيةِ لا في الخارجِ ولا في الحسِ ولا في الخيالِ ولا في العقلِ، ولكنْ يكونُ الموجودُ شيئاً آخر يشبهه في خاصيةٍ منْ خواصهِ وصفةٍ منْ صفاتهِ / 218 ب / مثل جَعلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم الحجرَ الأسودَ يمينَ اللهِ (3)؛ لكونهِ مثلَ اليمينِ لا في ذاتهِ ولا في صفاتِ ذاتهِ بل في عارضٍ منْ عوارضهِ؛ وذلكَ أنهُ يُقَبَّلُ تقرّباً إلى ربهِ كما أنَّ اليمينَ تقبّلُ تقرّباً إلى ربها، أي: صاحبِها، فمن نزل قولاً منْ أقوالِ صاحبِ الشرعِ صلى الله عليه وسلم (4) على درجةٍ منْ هذه الدرجاتِ فهوَ منَ المصدقينَ، والتكذيبُ أنْ ينفيَ جميعَ هذه المعاني ويزعمَ أنَّ ما قالهُ صلى الله عليه وسلم لا معنى لهُ وإنما هوَ كذبٌ محضٌ، وغرضهُ فيما قالهُ: التلبيسُ أو مصلحةٌ دنيويةٌ، وذلكَ هوَ الكفرُ المحضُ، والزندقةُ، ولا يلزم الكفرُ للمتأولينَ ماداموا يُلازمونَ قانونَ التأويلِ، وهو أن يقومَ البرهانُ على استحالةِ الظاهر، فالظاهرُ الأولُ

(1) لم ترد في (ف).

(2)

في (ب): ((العلم)).

(3)

فيما روي عن جابر رضي الله عنه، قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: ((الحجر الأسود يمين الله في الأرض يصافح بها عباده)). أخرجه: ابن عدي في " الكامل " 1/ 557، والخطيب في " تاريخ بغداد " 6/ 328 بأسانيد كلها واهية، وانظر: السلسلة الضعيفة 1/ 257 (223).

وأخرجه: أحمد 2/ 211، وابن خزيمة (2737)، والحاكم 1/ 457، وابن الجوزي في " العلل المتناهية "(945) من طريق عبد الله بن المؤمل، قال: سمعت عطاء يحدث عن عبد الله بن عمرو، به، وهو ضعيف أيضاً لضعف عبد الله بن المؤمل.

(4)

لم ترد في (ب).

ص: 650

الوجودُ الذاتيُّ فإنَّهُ إذا ثبتَ تضمّنَ الجميعَ، وإنْ تعذّرَ فالحسيُّ، فإنَّهُ إذا ثبتَ تضمّنَ ما بعدهُ، فإن تعذّرَ فالخياليُّ أو العقليُّ، فإن تعذرا فالوجودُ الشبهيُّ المجازيُّ، ولا رخصةَ في العدولِ عنْ درجةٍ إلى ما دونها إلا بضرورةِ البرهانِ فيرجعُ الاختلافُ على التحقيقِ إلى البرهانِ، إذ يقولُ الحنبليُّ: لا برهانَ على استحالةِ اختصاصِ الباري تعالى (1) بجهةِ فوق، ويقولُ الأشعريُّ - أي: للمعتزليِّ -: لا برهانَ على استحالةِ الرؤيةِ وكانَ كلُّ واحدٍ لا يرتضي ما ينكرُهُ (2) / 219أ / الخصمُ ولا يراهُ دليلاً قاطعاً، وكيفَ ما كانَ فلا ينبغي أنْ يكفرَ كلُّ فريقٍ خصمَهُ بأنْ يراهُ غالطاً في البرهانِ، نَعَمْ، يجوزُ أنْ يسميهِ ضالاً أو مبتدعاً، أمّا ضالاً فمن حيثُ إنّهُ ضلَّ عن الطريقِ عندَهُ، وأمّا مبتدعاً فمنْ حيثُ إنهُ أبدعَ قولاً (3) لم يُعهدْ منَ السلفِ التصريحُ بهِ، إذ منَ المشهورِ فيما بينَ السلفِ أنَّ اللهَ تعالى يرى، فقولُ القائلِ: لا يرى بدعةٌ، وتصريحهُ بتأويلِ الرؤيةِ بدعةٌ، ويقولُ الحنبليُّ: إثباتُ الفوقِ للهِ تعالى مشهورٌ عندَ السلفِ ولم يذكر أحدٌ (4) منهم أنَّ خالقَ العالَمِ ليسَ متصلاً بالعالمِ ولا منفصلاً، وأنَّ جهةَ فوق إليه كنسبةِ جهةِ تحت، وهذا قولٌ مبتدعٌ.

ثم قالَ: منَ الناسِ منْ يُبادرُ إلى التأويلِ بغلباتِ الظنونِ منْ غيرِ برهانٍ قاطعٍ، فأمّا ما يتعلقُ منْ هذا الجنسِ بأصولِ العقائدِ المهمةِ فيجبُ تكفيرُ مَنْ يغيّرُ الظاهرَ بغيرِ برهانٍ قاطعٍ، كالذي يُنكرُ حشرَ الأجسادِ وينكرُ العقوباتِ الحسيةَ في الآخرةِ بظنونٍ وأوهامٍ.

ثم قالَ: اعلمْ أنْ شرحَ ما يُكفَّرُ بهِ، وما لا يُكفَّر بهِ يستدعي تفصيلاً طويلاً، فاقنعِ الآنَ بوصيةٍ وقانونٍ، أمّا الوصيةُ فأن تكفَّ لسانَكَ عنْ أهلِ الملةِ ما أمكنكَ ما

(1) لم ترد في (ب).

(2)

في (ف): ((يذكره)).

(3)

لم ترد في (ف).

(4)

لم ترد في (ف).

ص: 651

داموا قائلينَ لا إلهَ إلا الله غيرَ مناقضينَ لها، والمناقضةُ / 219ب / تجويزُهمُ الكذبَ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بعذرٍ أو بغيرِ عذرٍ، فإنّ التكفيرَ فيهِ خطرٌ والسكوتُ لا خطرَ فيهِ، وأمّا القانونُ فهو أن تعلمَ أنَّ النظرياتِ قسمان:

قسمٌ يتعلّق بأصولِ العقائدِ، وقسمٌ يتعلّقُ بالفروعِ.

وأصولُ الإيمانِ ثلاثةٌ: الإيمانُ باللهِ، ورسولهِ، واليومِ الآخرِ، وما عداهُ فرعٌ.

ثم قالَ: ومهما كانَ التكذيبُ، وجبَ التكفيرُ، ولو كانَ في الفروعِ، فلو قالَ قائلٌ مثلاً: البيتُ الذي بمكةَ ليسَ هو الكعبةُ التي أمرَ اللهُ بحجِّها، فهذا كفرٌ، إذْ ثبتَ تواتراً عنْ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم خلافُهُ.

وقالَ شيخُنا في " شرحِ نخبتهِ ": ((فالمعتمَدُ: أنَّ الذي ترّدُ روايتُهُ، مَنْ أنكرَ أمراً متواتراً منَ الشرعِ، معلوماً منَ الدينِ بالضرورةِ (1)، وكذا من اعتقدَ عكسَهُ، فأمّا مَنْ لم يكنْ بهذه الصفةِ، وانضمَّ إلى ذلكَ ضبطهُ لما يرويهِ مع ورعهِ وتقواهُ، فلا مانعَ منْ قبولهِ)) (2)، ثم قالَ:((نَعَمْ، الأكثرُ على قبولِ غيرِ الداعيةِ إلا أنْ يرويَ ما يقوي بدعتَهُ فيرد على المذهبِ المختار)) (3).

وكلامهُ (4) أيضاً يقتضي: أنَّ الداعيةَ إذا رَوَى ما لا تعلّقَ لهُ ببدعتهِ قُبِلَ لكنِ الأكثر لا يقبلونَ الداعيةَ مطلقاً؛ لأنَّهُ قدْ يستهينُ تسويةَ كلمةٍ لترويجِ بدعتهِ يرى أنَّ ذلك معناها (5) / 220أ /، وحبكَ للشيءِ يعمي ويصمُ (6)، وقد تكونُ تلك الكلمةُ

(1) انظر: مرقاة المفاتيح 1/ 147 وما بعدها.

(2)

نزهة النظر: 138 (طبعة الحلبي).

(3)

نزهة النظر: 138.

(4)

جاء في حاشية (أ): ((أي ابن حجر)).

(5)

جاء في حاشية (أ): ((بلغ صاحبه الشيخ شهاب الدين الحمصي الشافعي نفع الله به في البحث وسمع الجماعة، وكتبه مؤلفه إبراهيم البقاعي الشافعي)).

(6)

إشارة إلى حديث أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم:((حبك للشيءِ يعمي ويصم)).

أخرجه: أحمد 5/ 194 و6/ 450، وعبد بن حميد (205)، وأبو داود (5130).

ص: 652

مما يخفى، فيعسر أمرُها بعدَ خروجِها عنهُ مع أنّ في الروايةِ عنهُ ترويجاً لأمرهِ وتحسيناً للظنِّ به، فَسُدّتِ الذريعةُ وحُسِمتِ المادةُ.

ويؤيدُ قبولَ غيرِ الخطابيةِ مطلقاً ما قال الشيخُ محيي الدينِ النوويُّ في " الروضةِ " في شروطِ الأئمةِ منْ كتابِ الصلاةِ: ((وأطلقَ القفّالُ وكثيرونَ منَ الأصحابِ القولَ بجوازِ الاقتداءِ بأهلِ البدعِ، وأنهم لا يكفّرونَ، قالَ صاحبُ " العدةِ ": ((وهو ظاهرُ مذهبِ الشافعيّ)). قلتُ: هذا الذي قالهُ القفّالُ وصاحبُ " العدةِ " هو الصحيحُ، أو الصوابُ، فقد قالَ الشافعيُّ: أقبلُ شهادةَ أهلِ الأهواءِ إلا الخطابيةَ؛ لأنَّهُم يرونَ الشهادةَ بالزورِ لموافقيهم (1)، ولم يزلِ السلفُ والخلفُ على الصلاةِ خلفَ المعتزلةِ وغيرِهم ومناكحتِهم وموارثتِهم وإجراءِ أحكامِ الإسلامِ عليهمْ، وقد تأوّلَ الإمامُ الحافظُ الفقيهُ أبو بكرٍ البيهقيُّ وغيرهُ منْ أصحابِنا المحققينَ ما جاءَ عنِ الشافعيّ وغيرهِ منَ العلماءِ منْ تكفيرِ القائلِ بخلقِ القرآنِ على كفرانِ النعمِ لا كفر الخروجِ عن الملةِ، وحَملَهُم على هذا التأويلِ ما ذكرتهُ منْ إجراءِ أحكامِ الإسلامِ عليهمْ، واللهُ أعلم)). (2) انتهى كلامهُ.

وهو يدلُّ على قبولِ كلِّ مبتدعٍ / 220ب / مستكملٍ للشروطِ لا يكفرُ بالقانونِ الذي تقدّمَ مطلقاً إلاّ الخطابيُّ، لكنْ ألحقوا بالخطابيةِ الداعيةَ مطلقاً وغيرَهُ إذا رَوَى ما يقوي بدعتَهُ احتياطاً لما تقدّمَ.

ثمَ ذكرَ الشيخُ محيي الدينِ النوويُّ في كتابِ الشهاداتِ من كتابِ القضاءِ منَ " الروضةِ "(3) نحو هذا فقالَ: ((جمهورُ الفقهاءِ منْ أصحابنا وغيرِهم لا يُكفِّرونَ أحداً

(1) قول الشافعيّ هذا في الأم 6/ 206، وانظر تعليقنا على كتاب: معرفة أنواع علم الحديث: 230.

(2)

روضة الطالبين 1/ 355.

(3)

روضة الطالبين 11/ 239 - 241.

ص: 653

منْ أهلِ القبلةِ، لكن اشتهر عن الشافعيّ رحمه الله تكفيرُ الذينَ ينفونَ علمَ اللهِ تعالى بالمعدومِ، ويقولونَ: ما يعلمُ الأشياءَ حتى يخلقَها ونَقلَ العراقيونَ عنهُ (1) في (2) تكفيرِ النافينَ للرؤيةِ، والقائلينَ بخلقِ القرآنِ، وتأولّهُ الإمامُ فقالَ: ظنّي أنهُ نَاظَرَ بعضَهمْ فألزمَهم الكفرَ في الحجاج، فقيلَ: إنَّهُ كفَّرَهمْ، ثمَ قالَ: وهذا حسنٌ.

وقد تأوّلهُ الإمامُ الحافظُ الفقيهُ الأصوليُّ أبو بكرٍ البيهقيُّ، وآخرونَ تأويلاتٍ متعاضدةً على أنّهُ ليسَ المرادُ بالكفرِ الإخراجَ منَ الملة وتحتمَّ الخلودِ في النارِ وهكذا تأوّلوا ما جاءَ عن جماعةٍ منَ السلفِ منْ إطلاقِ هذا اللفظِ واستدلّوا بأنهم لم يلحقوهمْ بالكفارِ بالإرثِ والأنكحةِ ووجوبِ قتلهمْ وقتالهمْ وغيرِ ذلكَ، وقالَ: أمّا تكفيرُ منكرِ العلمِ بالمعدومِ أو بالجزئياتِ فلا شكَّ فيهِ، ومنْ كفّرناهُ لم نقبلْ شهادتَهُ وأمّا منْ لم / 221 أ / نكفّرهُ فقد نصَّ في " الأم " (3) و" المختصرِ " (4) على قبولِ شهادتِهمْ إلَاّ الخطابيةَ؛ لأنَّهُمْ يرونَ شهادةَ أحدهِم لصاحبهِ إذا سمعهُ يقولُ: لي على فلانٍ كذا فيصدقهُ بيمينهِ أو غيرِها، ويشهدُ له اعتماداً على أنّه لا يكذبُ، هذا نصهُ.

والأصحابُ فيهِ ثلاثُ فرقٍ: فرقةٌ جرت على ظاهرِ نصّهِ وقبلت شهادةَ جميعِهم وهذه طريقةُ الجمهورِ، منهم: ابنُ القاصِّ، وابنُ أبي هريرةَ، والقضاةُ: ابن كَج (5) وأبو الطيبِ (6) والروياني، واستدلّوا بأنهم مصيبونَ في زعمِهم ولم يظهرْ

(1) جاء في حاشية (أ): ((أي: الشافعيّ)).

(2)

لم ترد في (ف).

(3)

الأم 6/ 205.

(4)

مختصر المزني: 311.

(5)

شيخ الشافعية، أبو القاسم، يوسف بن أحمد بن كَج الدِّينوري، كان يضرب به المثل في حفظ المذهب، توفي سنة (405) هـ.

انظر: سير أعلام النبلاء 17/ 183 - 184.

(6)

جاء في حاشية (أ): ((هو الطبري)).

ص: 654

منهم ما يسقطُ الثقةَ بقولهم.

وقَبِلَ هؤلاءِ شهادةَ مَنْ سبَّ الصحابةَ والسلفَ رضي الله عنهم؛ لأنَّهُ يقدِمُ عليهِ عن اعتقادٍ لا عنْ عداوةِ عنادٍ، قالوا: ولو شهدَ خَطّابيٌّ وذَكرَ في شهادتهِ ما يقطعُ احتمالَ الاعتمادِ على قولِ المدّعي بأنْ قالَ: سمعتُ فلاناً يقرُّ بكذا لفلانٍ أو رأيتُهُ أقرضهُ قُبلتْ شهادتُهُ ثمَ صوّبَ ما قالتْ هذه الفرقةُ الأولى من قبولِ شهادةِ الجميعِ، قالَ: فقد قالَ الشافعيّ في " الأم "(1): ذهب الناس في تأويل القرآنِ والأحاديثِ إلى أمورٍ تباينوا فيها تبايناً شديداً، واستحلَّ بعضُهم منْ بعضٍ ما تطولُ حكايتُهُ وكانَ ذلكَ متقادماً منهِ، ما كانَ في عهدِ السلفِ وإلى اليومِ، فلم نعلم أحداً منْ سلف الأمةِ يُقتدَى بهِ، ولا مَنْ بعدَهم مِنَ التابعينَ ردَّ شهادةَ أحدٍ بتأويلٍ، وإن خطّأهُ وضلّلهُ، ورآهُ استحلَّ ما حرّمَ اللهُ عليهِ، فلا تُرّدُ شهادةُ أحدٍ بشيءٍ من التأويلِ كانَ لهُ وجهٌ يحتملُ وإنْ بلغ فيهِ استحلالَ المالِ والدمِ)). هذا نصّهُ بحروفهِ، وفيهِ التصريحُ بما ذكرناهُ وبيانُ ما ذكرناهُ في تأويلِ تكفيرِ القائلِ بخلقِ القرآنِ، ولكنَّ قاذفَ عائشةَ رضي الله عنها كافرٌ لا تُقبلُ شهادتُهُ، ولنا وجهٌ أنَّ الخطابيَّ لا تُقبلُ شهادتُهُ وإن بيَّنَ ما يقطعُ الاحتمالَ؛ لاحتمالِ اعتمادهِ فيهِ على قولِ صاحبهِ. انتهى. وفيهِ اختصارٌ، وهو وما قبلَهُ يتنزلُ على ما ذَكرَهُ الغزاليُّ من ذلك القانونِ، وكلُّ ذلك يدلُّ على تصويبِ فعلِ الشيخينِ البخاريِّ ومسلمٍ في الاحتجاجِ بأخبارِهم، ولو كانوا دعاةً إلى بدعِهم، والله أعلم.

قولهُ: (يردُّ مطلقاً)(2)، أي: سواءٌ كان داعيةً أو لا، خطابياً أو لا.

قولهُ: (نُصرةَ مذهبٍ)(3) هو مفعولٌ له، والعاملُ فيهِ ((استحلَّ))، أي:

(1) الأم 6/ 205.

(2)

التبصرة والتذكرة (294)، والذي في نسخة (ف):((ومطلقاً)).

(3)

التبصرة والتذكرة (295).

ص: 655

استحلَّ الكذبَ لنصرةِ مذهبهِ، ومِن (1) نصرتهِ له شهادتهُ لأهلهِ؛ لاعتقادهِ صدقَهم لكونهم على ذلكَ المذهبِ.

قولهُ: (منْ غيرِ خطابيةٍ)(2) همْ صنفٌ منَ الرافضةِ، وينبغي: أنْ يُحملَ كلامُ الشافعيّ على جميعِ الرافضةِ لقوله: ((ما في أهل الأهواءِ أشهدُ بالزور منَ الرافضةِ)) (3) كما سيأتي عنهُ / 222أ / ويكونُ حينئذٍ إنما عبّر عنهم بالخطابيةِ تعبيراً باسمِ الجزءِ عن (4) الكلِّ؛ لأنَّ ذلكَ الجزءَ هو المقصودُ الأعظمُ منْ ذلكَ الكلِّ، مثل إطلاقِ العينِ على الربيئةِ (5)، ويكونُ ذلكَ لأنَّ الخطابيةَ أعظمُهم كذباً، ويحتملُ أنْ يكونوا هُمُ الذينَ سنّوا لهمُ الكذبَ، وفتحوا لهمْ بابَهُ فولجوهُ، ويجوزُ أنْ يكونَ الأمرُ بالعكسِ، أطلقَ الرافضةَ على الخطابيةِ ولم يردْ غيرَهم، والله أعلمُ.

والاسمُ الجامعُ لفرقِهم: الشيعةُ، ادّعوا مُشايعةَ عليٍّ رضي الله عنه، وقالوا: إنَّهُ الإمامُ بعدَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، واعتقدوا أنَّ الإمامةَ لا تخرجُ عنهُ، ولا عنْ أولادهِ، فإنْ خرجتْ فإمّا بظلمٍ فيكونُ منْ غيرهم، وإمّا بتقيةٍ منهُ أو منْ أولادهِ، وهم اثنانِ وعشرونَ فرقةً، يكفّرُ بعضُهمْ بعضَاً. أصولُهم ثلاثٌ: غلاةٌ، وزيديةٌ، وإماميةٌ.

أمّا الغلاةُ: فثمانيةَ عشرَ، منهم: السبائيةُ: أتباعُ عبدِ اللهِ بنِ سبأ، كانَ على زمنِ عليٍّ رضي الله عنه، فقال له: أنتَ إلهٌ فنفاهُ عليٌّ رضي الله عنه، والخطّابيةُ: ويستحلّونَ شهادةَ الزور لموافقِيهم على مخالفِيهم. ومنهم: النصيريةُ، والإسماعيليةُ،

(1) في (ب): ((وفي)).

(2)

التبصرة والتذكرة (296).

(3)

سنن البيهقي الكبرى 10/ 208، وسير أعلام النبلاء 10/ 89.

(4)

في (ب): ((على)).

(5)

هو العين والطليعة الذي ينظر للقوم؛ لئلا يدهمهم عدو، ولا يكون إلا على جبل، أو شَرَف ينظر منه. النهاية 2/ 179.

ص: 656

ولهم سبعةُ ألقابٍ، وغالبُ هؤلاءِ الغلاةِ يقولونَ بإلاهية الأئمةِ، وأضرُّهم على أهلِ الإسلامِ الإسماعيليةُ؛ فإنّ جلَّ قصدِهم نقضُ الشريعةِ ولهم في ذلكَ / 222ب /طرقٌ عظيمةٌ، وأصلهم مجوسٌ عجزوا عنْ ردِّ ما كانَ منْ دينهم بالسيفِ فسعوا في استغواءِ ضعفاءِ المسلمينَ بأنواعِ الخداعِ.

والزيديةُ: نُسبوا إلى زيدِ بنِ عليٍّ زينِ العابدينَ بنِ الحسينِ، وهمْ ثلاثُ فرقٍ، وسُمّيَ منْ رفضَ زيداً هذا رافضةً.

والإماميةُ: وهم الاثنى عشرية.

قولهُ: (عن أهل بدع)(1) إنْ كانَ بالفتحِ فهو مصدرُ بَدَعَ، قالَ ابنُ القطاعِ في " الأفعالِ ":((بَدَعَ الركيَّ بَدعاً، إذا استنبطَها، ومنْ ذلكَ ركيٌّ بديعٌ حديثةُ الحفرِ، وبَدعتُ الشيءَ، أنشأتُهُ، وأبدعَ الرجلُ، أتى ببديعٍ منْ قولٍ أو فعلٍ، وأبدعَ اللهُ تعالى الأشياءَ، ابتدأَ خلقَها بلا مثالٍ)) (2)، وقالَ أبو عبدِ اللهِ القزازُ:

((بدعتُ الشيءَ، أنشأتهُ ولمْ أُسبقْ إليهِ، ولا احتذيتُ فيهِ أحداً، واللهُ بديعُ السماواتِ والأرضِ لابتداعهما، وما بينهما على غير مثالٍ، وبدعتُ الركيَّ إذا انشأتها فهي بديعٌ، أي: حديثةُ الحفرِ)).

والبدعةُ في الدينِ منْ هذا، وهي كلّ حدثٍ بعدَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم لم تتقدّم بهِ سنةٌ قيلَ لهُ: بدعةٌ؛ لحدوثهِ، وقيلَ: سُميَ بدعةً؛ لأنَّهُ مُبتدعٌ، والابتداعُ المصدر، والبدعةُ الاسمُ لما ابتُدِعَ، فالتقديرُ: عنْ أهل إنشاءٍ لقولٍ مُخترعٍ منْ عندِ أنفسهم من غير سلفٍ سبقَ لهم فيهِ، وإنْ كانَ / 223أ / بالكسرِ فهو منْ قولهِ تعالى:{مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُل} (3)، قال الزبيديُّ في " مختصرِ العينِ ": ((البِدعُ: الشيءُ الذي

(1) التبصرة والتذكرة (298).

(2)

الأفعال 1/ 92.

(3)

الأحقاف: 9.

ص: 657

يكونُ أولاً في كلِ أمرٍ)) فهو على حذفِ مضافٍ تقديرهُ عن أهل أمرٍ بدعٍ، أو قولٍ بدعٍ.

قولهُ: (ما دعوا)(1)، أي: لم يكونوا دعاةً.

قولهُ: (وأما الثانية)(2)، أي: وأما الصورةُ الثانيةُ فحكيتها أنا بسببِ أنَّهُ قالَ: كذا.

قولهُ: (والمتكلمينَ)(3) كانَ ينبغي أنْ يقولَ بعدهُ: ((وقولي: والخلفُ في مبتدعٍ ما كفرا)) (4) إلى آخرهِ، فإنَّ ذلكَ كلّهُ من تتمةِ القولِ الرابعِ، وكأنّه قالَ: تُقبلُ أخبارُهم بخلافٍ فيهِ.

قولهُ: (كعمران بن حطان)(5) رأيتُ بخطِّ بعضِ أصحابِنا أنَّ البخاريَّ أخرجَ لهُ موضعاً واحداً في لبسِ الحريرِ متابعةً (6)، وقالَ شيخُنا في " التهذيب " (7):((كانَ عمرانُ داعيةً إلى مذهبِ الخوارجِ فانتقضَ قولُ منِ ادّعى أنَّ الداعيةَ يردُ بالاتفاقِ))، وقالَ في ترجمتهِ منْ " تهذيبِ التهذيب ":((ذكر زكريا الموصليّ في " تاريخِ الموصلِ " عنْ محمدِ بنِ بشرٍ العبديِّ الموصليِّ، قالَ: لمْ يمتْ عمرانُ بنُ حطانَ حتى رجعَ عنْ رأي الخوارجِ)). انتهى. قال شيخنا: ((هذا أحسنُ ما يعتذرُ بهِ عنْ تخريجِ البخاريِّ لهُ)) (8)، ونُقلَ عنْ أبي داود أنه قالَ: ((ليسَ في أهلِ الأهواءِ أصحُّ

(1) التبصرة والتذكرة (298).

(2)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 358 - 359.

(3)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 359.

(4)

التبصرة والتذكرة (294).

(5)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 359.

(6)

صحيح البخاري 7/ 194 (5835)، وأخرج له حديثاً آخر 7/ 215 (5952).

(7)

((في التهذيب)) لم ترد في (ب).

(8)

تهذيب التهذيب 8/ 128.

ص: 658

حديثاً منَ الخوارجِ، ثم ذكرَ عمرانَ بنَ حطانَ وغيرهُ)) (1) ثم قالَ:((إنَّ ذلك ليسَ على إطلاقهِ فقد حَكَى ابنُ أبي حاتمٍ عنِ القاضي / 223ب /عبدِ اللهِ بنِ عقبةَ المصريِّ، وهو ابنُ لهيعة، عنْ بعضِ الخوارجِ ممنْ تابَ أنهمْ كانوا إذا هووا أمراً صيّروهُ حديثاً)) (2).

وذكرَ عنْ صاحب " الأغانيِّ " أنَّه ساقَ بسندٍ صحيحٍ إلى ابن سيرين قالَ: تزوجَ عمرانُ امرأةً من الخوارجِ ليردّها عنْ مذهبها فذهبت بهِ، وسماها في روايةٍ أخرى خمرة (3) وإنَّ عمرانَ كانَ مشهوراً بطلبِ العلمِ والحديثِ ومَدَحَ ابنَ ملجمٍ (4) لعنهُ (5) اللهُ في قتلهِ علياً رضي الله عنه بقصيدةٍ منها:

ياضربةً منْ تقيٍّ (6) ما أرادَ بها

إلاّ ليبلغ منْ ذي العرشِ رضواناً (7)

وكانَ الخبيثُ مُفتيَ الخوارجَ وزاهدَهم، وقالَ الشيخُ في " النكتِ على ابنِ الصلاحِ":((وقد اعتُرضَ عليهِ بأنهما احتجّا أيضاً بالدعاةِ، فاحتجَّ البخاريُّ بعمرانَ ابنِ حطانَ، وهو منْ دُعاةِ الشراةِ (8)، واحتجَّ الشيخانِ بعبدِ الحميدِ بنِ عبدِ الرحمانِ الحمانيِّ، وكانَ داعيةً إلى الإرجاءِ كما قالَ أبو داودَ (9)، ثمّ قالَ: قلتُ: قالَ أبو داودَ:

(1) الكفاية: 130.

(2)

تهذيب التهذيب 8/ 128، ولمعرفة العلاقة بين الخوارج ووضع الحديث انظر: السنة النبوية ومطاعن المبتدعة فيها: 327 - 331.

(3)

الذي في تهذيب التهذيب 8/ 129: ((حمنة)).

(4)

جاء في حاشية (أ): ((اسمه عبد الرحمان)).

(5)

في (أ): ((لعنها)).

(6)

جاء في حاشية (أ): ((أنْ يقال شقي)).

(7)

الكامل للمبرد 3/ 169.

(8)

كذا قال ابن حبان في " ثقاته " 5/ 222، وانظر: تهذيب الكمال 5/ 282 (5076).

(9)

سؤالات الآجري 3/ 177، وانظر: تهذيب الكمال 4/ 355 (3713).

ص: 659

وليس في أهلِ الأهواءِ أصحُّ حديثاً منَ الخوارجِ، ثم ذكرَ عمرانَ بنَ حطانَ وأبا حسانَ الأعرج (1) ولم يحتجَّ مسلمٌ بعبدِ الحميدِ الحمانيِّ، إنّما أخرجَ لَهُ في المقدمةِ، وقدْ وثّقهُ ابنُ معينٍ)). (2) انتهى كلامُ " النكتِ ".

وما اعتذرَ بهِ لا يفيدُ سلامةَ القولِ بأنَّ الداعيةَ يردُّ فإنَّ توثيقَهُ لايخرجُهُ عن كونهِ داعيةً، وقولُ الشراةِ وهو جمعُ شارٍ، قالَ / 224أ / أهل اللغةِ: والشاري: واحدُ الشراةِ، وهمُ الخوارجُ، وإنما سمّوا بذلكَ لأنَّهُم زعموا أنهم شروا أنفسَهم منَ اللهِ، وقيلَ: لأنَّهُم ألجُّ الناسِ في مذهبِهم مِنْ شَرِيَ الرجلُ - بالكسرِ - في الشرِّ، إذا لجَّ فيهِ (3).

قولهُ: (وداود بن الحصين)(4)، أي: الأمويُّ مولاهم، أبو سليمانَ المدنيُّ، رَوَى عنهُ مالكٌ، وأخرجَ حديثهُ الجماعةُ قالُ ابنُ معينٍ:((ثقةٌ))، وقالَ أبو

حاتم (5): ((ليسَ بالقويِّ، ولولا أنَّ مالكاً رَوَى عنهُ لتُرِكَ حديثُهُ))، وذكرهُ ابنُ حبانَ في " الثقاتِ "(6)، وقالَ:((كانَ يذهبُ مذهبَ الشراةِ - يعني: طائفةً من الخوارجِ، قالَ - وكلُّ منْ تَركَ حديثَهُ على الإطلاقِ وَهِمَ؛ لأنَّهُ لم يكنْ بداعية)) وقالَ الساجيُّ (7): ((منكرُ الحديثِ، متهمٌ برأي الخوارجِ)) (8).

(1) تهذيب الكمال 5/ 482 (5076).

(2)

التقييد والإيضاح: 150، وانظر: الثقات لابن حبان 7/ 121، والجرح والتعديل 6/ 16.

(3)

العين مادة ((شري))، والصحاح مادة ((شري)).

(4)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 359.

(5)

في جميع النسخ الخطية: ((أبو زرعة))، والمثبت من الجرح والتعديل 3/ 388، وتهذيب التهذيب 3/ 163 - 164، والذي قاله أبو زرعة عنه:((لين)).

(6)

الثقات 6/ 284.

(7)

في جميع النسخ الخطية: ((النسائي))، والمثبت من تهذيب التهذيب 3/ 164، والذي قاله النسائي عنه:((ليس به بأس)).

(8)

انظر: تهذيب الكمال 2/ 412 (1737).

ص: 660

قولهُ: (ابن الأخرم)(1) قالَ الشيخُ في أوائلِ ما وُجِدَ منْ شرحهِ الكبيرِ: ((هو الحافظُ أبو عبد اللهِ محمدُ بنُ يعقوبَ بنِ يوسفَ بنِ الأخرم الشيبانيُّ النيسابوريُّ شيخُ الحاكمِ، ذكرهُ في " التاريخِ " فقالَ: ((صدرُ أهلِ الحديثِ ببلادِنا بعدَ أبي حامدِ بنِ الشرقي وكانَ يحفظُ ويفهمُ، وصنّفَ على الكتابينِ الصحيحينِ البخاريِّ ومسلمٍ، وصنّفَ "المسندَ الكبيرَ" وكانَ أبو بكرِ بنُ خزيمةَ يرجعُ إلى فهمهِ، وقالَ محمدُ بنُ صالحٍ بنِ هانئ: ((كانَ ابنُ خزيمةَ يقدّمُهُ على كافةِ أقرانهِ وكانَ يرجعُ إليهِ، ويعتمدُ قولهُ فيما يرد عليهِ، وإذا شكَّ في /224 ب/ شيءٍ عَرَضهُ عليهِ، وتوفي في جمادى الآخرةِ سنةَ أربعٍ وأربعينَ وثلاثِ مئةٍ وهو ابنُ أربعٍ وتسعينَ سنةً)) (2).

قولهُ: (كالمجسمة)(3) هذا المثالُ منْ عندِ الشيخِ لم يذكرهُ ابنُ الصلاحِ.

وقولهُ: (إن قلنا بتكفيرهم)(4) لم أرَ ما أشارَ إليهِ منَ الخلافِ، وإنما رأيتُ في " شرحِ المهذبِ " في صفةِ الأئمةِ:((فرعٌ: قد ذَكَرنا أنَّ مَن يُكفَّرُ ببدعتهِ لا تصحُّ الصلاةُ وراءَهُ، ومن لايُكفَّرُ تصحُّ، فمِمَّنْ يكفّرُ: مَنْ يجسّمُ تجسيماً صريحاً، ومنْ ينكرُ العلمَ بالجزئياتِ، وأمّا منْ يقولُ بخلقِ القرآنِ فهو مُبتدعٌ، واختلفَ أصحابُنا في تكفيرِهِ)) (5) فلعل الشيخَ سمّى التفصيلَ وما ينشأُ عنهُ من تكفيرِ المصرحِ دونَ غيرهِ خلافاً.

(1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 359.

(2)

ترجمته في سير أعلام النبلاء 15/ 466.

(3)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 359.

(4)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 359.

(5)

المجموع 4/ 222.

ص: 661

قولهُ: (فإنَّ ابن الصلاحِ)(1) تَسبّبَ عن قولهِ ((احترازٌ)) لم يحكِ فيهِ، أي: في المبتدع الذي يُكفَّرُ ببدعتهِ أعمُّ منَ المجسمِ وغيرهِ.

قولهُ: (ردِّ روايتهِ مُطلقاً)(2) أي: المبتدعِ سواءٌ كُفِّرَ ببدعتهِ، أو لا، سواءٌ اعتقدَ حرمةَ الكذبِ، أو لا.

قولهُ: (وللحميدي والإمام أحمدا)(3) لو قالَ بعده: إنَّ الذي لِكَذبٍ تعمدا، لكانَ أحسنَ، وأبو بكرٍ الحميديُّ هذا هو صاحبُ الشافعيّ، وهو شيخُ البخاريِّ، وأبو بكر الصيرفيُّ منْ أصحابِ الوجوهِ عند الشافعيّةِ.

قولهُ: (أما الكذب في حديثِ الناسِ)(4) /225أ/ إلى آخرهِ، قالَ الشيخُ محيي الدين في أواخر شرحِ مقدمةِ " صحيحِ مسلمٍ ": ((قالَ القاضي - يعني: عياضاً - والضرب الثاني - أي: من الكاذبينَ - من لا يَستجيزُ شيئاً منْ هذا كلّهِ في الحديثِ، ولكنهُ يكذبُ في حديث الناسِ قدْ عُرفَ بذلكَ، فهذا أيضاً لا تقبلُ روايتُهُ ولا شهادتُهُ، وتنفعُهُ التوبةُ ويرجعُ إلى القبولِ.

فأمّا منْ يندر منهُ القليلُ (5) من الكذبِ ولم يعرفْ بهِ فلا يقطعُ بجرحهِ بمثلهِ؛ لاحتمال الغلطِ عليهِ والوهمِ، وإن (6) اعترفَ بتعمّدِ ذلك المرةَ الواحدةَ ما لم يضرَّ بهِ مسلماً، فلا يجرحُ بهذا، وإن كانت معصيةً لندورِها؛ ولأنَّها لا تلحقُ بالكبائرِ الموبقاتِ؛ ولأن أكثرَ الناسِ قَلَّ ما يَسلمونَ منْ مواقعاتِ بعضِ الهناتِ (7)، وكذلكَ لا

(1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 359.

(2)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 359.

(3)

التبصرة والتذكرة (299).

(4)

شرح التبصرة والتذكرة1/ 360.

(5)

عبارة: ((فأما من يندر منه القليل)) لم ترد في (ف).

(6)

في (ف): ((فإن)).

(7)

الهنات: الأخطاء اليسيرة البسيطة.

ص: 662

يسقطُها كذبهُ فيما هوَ من بابِ التعريضِ أو الغلو في القولِ، إذ ليسَ بكذبٍ في الحقيقةِ وإن كانَ في صورةِ الكذبِ؛ لأنَّهُ لا يدخلُ تحتَ حدِّ الكذبِ - يعني: لأنّ حدّ (1) الكذب هوَ الإخبارُ عن الشيءِ على خلافِ ما هوَ عمداً كانَ أو سهواً قالَ الشيخُ (2) - ولا يريدُ المتكلمُ بهِ الإخبارَ عنْ ظاهرِ لفظهِ، وقد قالَ صلى الله عليه وسلم:((أمّا أبو الجهمِ فلا يضعُ العصا (3) عن عاتقِهِ (4)))، وقد قالَ الخليلُ إبراهيمُ (5) عليهِ الصلاةُ (6) والسلامُ:((هذه أختي)) (7)(8).

قولهُ: (افترقت فيهِ /225ب/ الروايةُ والشهادةُ)(9)، أي: لأنَّ كذبَهُ ذلك انعطفَ على جميعِ رواياتهِ في ما قبلَ ذلكَ، فَهدمَها وأسقطَها؛ لأنَّها نوعٌ واحدٌ والغرضُ فيها لا يشتدُّ اختلافهُ، فكما عَمَّ الماضي فكذلكَ يَعمُّ المستقبلَ احتياطاً للروايةِ.

وأمّا الشهادةُ فإنَّهُا وإنْ كانَ أمرُها أضيقَ منَ الروايةِ، أنواعُها متباينةٌ، والغرضُ

(1) لم ترد في (أ) و (ف).

(2)

مابين الشارحتين جملة اعتراضية تفسيرية من البقاعي.

(3)

في (ب): ((عصاه)).

(4)

صحيح مسلم 4/ 195 (1480)، والحديث مخرج بتفصيل في تعليقنا على مسند الشافعيّ

(1131)

و (1132).

(5)

في " شرح النووي ": ((إبراهيم الخليل)).

(6)

لم ترد في (ب) و (ف).

(7)

إشارة إلى ما قاله إبراهيم عليه السلام للملك الظالم عندما سأله عن زوجته سارة، وهذا الحديث أخرجه: أحمد 2/ 403، والبخاري 3/ 105 (2217)، ومسلم 7/ 98 (2371)، والترمذي (3166) عن أبي هريرة، به.

(8)

شرح صحيح مسلم 1/ 107 - 108.

(9)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 360.

ص: 663

فيها يختلفُ (1) اختلافاً كثيراً، فلم يبطلْ ما مَضَى منها وانبرمَ الحكمُ بهِ.

وأمّا ما يكونُ منها بعد التوبةِ فيقعُ عندَ الحكامِ وفي حقوقٍ لها أهلٌ يُشاححونَ (2) ويبحثونَ عن الخفايا، وذلك يوجبُ تحرّزَ الشاهدِ في نفسهِ، والحذرَ منهُ، والعثورَ على زَلَلِهِ وإن اجتهدَ في إخفائهِ بخلافِ الروايةِ. وإنما خفّفنا أمرَها في الابتداءِ؛ لبعدِ تعلّق الغرضِ بالكذبِ في الأمورِ العامةِ ونحوِها، ولا سيّما ممن اشتهرَ بالخيرِ، فلما وُجِدَ كذبُهُ صارَ أصلاً فيهِ، فوجبَ الاحتياطُ بعد ذلكَ بالاحترازِ منه استصحاباً لما جعلناهُ أصلاً، واللهُ أعلمُ (3).

ورأيتُ بخطِّ بعضِ أصحابنا ما نصّهُ: قال الشيخُ محيي الدين النوويُّ رحمه الله: ولم أرَ دليلاً لمذهبِ هؤلاءِ، ويجوزُ أنْ يوجهَ بأنَّ ذلكَ جُعلَ تغليظاً وزجراً بليغاً عن الكذبِ عليهِ صلى الله عليه وسلم /226أ /؛ لعظمِ مفسدتهِ؛ فإنَّهُ يَصيرُ شرعاً مُستمراً إلى يومِ القيامةِ، بخلافِ الكذبِ على غيرهِ والشهادةِ؛ فإنَّ مفسدتهما قاصرةٌ ليستْ عامةً.

قالَ - أي: النوويّ -: وهذا الذي ذَكرهُ (4) هؤلاءِ الأئمةُ ضعيفٌ مخالفٌ للقواعدِ الشرعيةِ، والمختارُ القطع بصحةِ توبتهِ (5) في هذا، وقبولُ رواياتهِ بعدَها إذا صحّتْ توبتُهُ بشروطها المعروفةِ، قالَ: فهذا هو الجاري على قواعدِ الشرعِ، وقدْ أجمعوا على صحةِ روايةِ منْ كانَ كافراً فأسلمَ، قال: وأجمعوا على قبولِ شهادتهِ، ولا فرقَ بينَ الشهادةِ والروايةِ في هذا. انتهى.

وهو في الكلامِ على حديثِ: ((مَنْ كذبَ عليَّ متعمداً

)) في " شرحِ

(1) في (ب) و (ف): ((مختلف)).

(2)

أي: يخاصمون.

(3)

انظر: إكمال المعلم 1/ 107، والفروق 1/ 5.

(4)

في (ب): ((ذكر)).

(5)

في (ب): ((ثبوته)).

ص: 664

صحيحِ مسلمٍ " في المقدمةِ (1).

قولهُ: (فهو كاذبٌ في الأول)(2)، أي: الخبرِ الأولِ، أي: نجعلُهُ صادقاً في إخبارهِ عنْ نفسهِ بالكذبِ في قولهِ: عمدتُ الكذبَ، فيردُّ ذلك الخبرَ الذي قالَ: إنَّهُ كذبَ فيهِ، ثمَ نردُّ بعد ذلكَ كلَّ شيءٍ يُحدثُ بهِ، ونحملُهُ على الكذبِ ولو قالَ: إنّي صدقتُ في هذا.

واستدلالُ الشيخِ على أنَّهُ أرادَ الكذبَ في حديثِ النبي صلى الله عليه وسلم بما قالَ ضعيفٌ، والظاهرُ ما قالَ ابنُ الصلاحِ، ويدلُّ عليهِ قولهُ:((ومن ضعفنا نقلهُ)) (3) إلى آخرهِ، فإنَّهُ أعمُّ من أنْ يكونَ يكذبُ في الحديثِ /226ب/، أو في حديثِ الناسِ، أو بِوَهمٍ أو فسقٍ، لكنَّ موافقتَهُ على إدامةِ الإهدار بعد التوبةِ منْ غيرِ الكذبِ بعيدةٌ، والله أعلمُ.

قولهُ: (يضاهي منْ حيث المعنى)(4)، أي: من أجلِ أنَّ ردَّنا لحديثهِ بعدَ الاطّلاعِ على كذبهِ إنَّما هو لاحتمالِ أنْ يكونَ كَذَبَ فيهِ كما كَذَبَ في الذي (5) اطّلعنا على كذبهِ فيهِ، وهذا الاحتمالُ بعينهِ سارٍ فيما تقدّمَ على ذلكَ.

نهاية الجزء الأول ويليه الجزء الثاني وأوله البيت رقم (304)

(1) انظر: شرح صحيح مسلم 1/ 57.

(2)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 361.

(3)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 360.

(4)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 361.

(5)

في (ف): ((في ذلك)).

ص: 665