الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن عبدِ الرحمانِ بن يزيدَ بنِ جابرٍ بإسنادهِ)) (1). انتهى.
ففي هذا بيانُ اتصالهِ (2) من جهةِ غيرِ هشامٍ.
/ 57أ /
نَقْلُ الْحَدِيْثِ مِنَ الكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ
(3)
قولهُ: (نقلُ الحديثِ منَ الكتبِ المعتمدةِ)(4) الألفُ واللامُ في قولهِ:
((المعتمدة)) لما عهدَ من اشتراطهِ في الحكمِ بالصحةِ، أنْ ينصَّ عليها الأئمةُ المعتمدونَ في مصنفاتهم المعتمدةِ، أي: المقطوعِ بصحةِ نسبتها إلى قائليها، ويدلُّ على ذلكَ قولهُ:((وأخذُ حديث من كتابٍ منَ الكتبِ المعتمَدةِ، شرطه أنْ يكونَ ذلكَ الكتابُ مقابلاً)) (5) فجعلَ شرطَ المقابلةِ، بعدَ كونهِ معتمَداً، فعلمَ أنَّ مرادَهُ بالاعتمادِ غيرُ ما ينشأُ عن المقابلةِ، وهو اشتهارُ النسبةِ إلى مَن صنَّفهُ.
ويوضحُ لكَ ذلكَ أنَّ ابنَ الصلاحِ لا (6) يسوغُ تصحيحَ مالم يصححْهُ الأئمةُ المعتمَدونَ في كتبِهم المعتمَدةِ، ولا شكَّ أنَّهُ لا يجيزُ العملَ والاحتجاجَ إلا بما صحَّ، أو حسنَ، ومتى لم تُحملِ اللامُ على هذا العهدِ، لزمَ منهُ جوازُ تصحيحِ مالم يصححوهُ، فتأملهُ جداً.
ثمَّ راجعتُ كلامَ ابنِ الصلاحِ، فرأيتُهُ يكادُ يكونُ صريحاً في ذلكَ، فإنَّه قالَ في الثامنةِ منَ الفوائدِ المتعلقةِ بالصحيحِ (7): ((إذا ظهرَ ما قدمناهُ: انحصار طريقِ معرفةِ الصحيحِ، والحسنِ الآنَ في مراجعةِ الصحيحينِ، وغيرِهما من الكتبِ
(1) التقييد والإيضاح: 92.
(2)
في (ف): ((إيصاله)).
(3)
من قوله: ((قوله: لا يصحبها خلل الانقطاع .... )) إلى هنا لم يرد في (ك).
(4)
شرح التبصرة والتذكرة 1/ 146.
(5)
شرح التبصرة والتذكرة 1/ 147 بتصرف يسير.
(6)
لم ترد في (ك).
(7)
عبارة: ((في الثامنة من الفوائد المتعلقة بالصحيح)) لم ترد في (ك).
المعتمَدةِ، فسبيلُ مَن أرادَ العملَ، أو الاحتجاجَ بذلكَ
…
)) (1) إلى آخرهِ.
قولهُ: (إنْ كانَ ممن يسوغُ له العملُ بالحديثِ)(2)، أي: من غيرِ مراجعةِ غيرهِ بأنْ يكونَ عالماً بمعنى ذلكَ الحديثِ، له ملكةٌ يَقوَى بها على معرفةِ المطلوبِ منهُ في ذلكَ، ولا يقالُ: إنَّ مفهومَ هذا أنَّ مَن أخذَ حديثاً لغيرِ عملٍ، ولا احتجاجٍ، يجوزُ له أخذهُ من غيرِ مقابلةٍ، لأنّا نقولُ: أخذهُ حينئذٍ يكونُ للروايةِ، وسيأتي اشتراطُ المقابلةِ لذلكَ.
قوله: (بمقابلةِ ثقةٍ)(3)، أي: يحصل / 57ب / للناقلِ الوثوقُ بهِ، فإنَّ عبارةَ ابنِ الصلاحِ بعدَ قولهِ:((إذا كانَ ممن يسوغُ لهُ العملُ بالحديثِ، أو الاحتجاجُ بهِ لذي (4) مذهبٍ أنْ يرجعَ إلى أصلٍ قد قابلهُ هوَ، أو ثقةٌ غيرهُ بأصولٍ صحيحةٍ (5)
…
)) إلى آخره. وعبارتهُ غيرُ صريحةٍ في أنَّه يشترطُ ذلكَ، بل هي محمولةٌ -كما قال النوويُّ في "شرحِ مقدمةِ مسلمٍ" - (6) على الاستحبابِ، والاستظهارِ (7).
قوله: (أصولٌ صحيحةٌ متعددةٌ مرويةٌ برواياتٍ متنوعةٍ)(8)، أي: مِثلَ البخاريِّ مثلاً، فإنَّه إذا أرادَ نقلَ حديثٍ من روايةِ أبي الوقتِ منهُ، اشترطَ عند ابنِ
(1) معرفة أنواع علم الحديث: 98.
(2)
شرح التبصرة والتذكرة 1/ 146.
(3)
شرح التبصرة والتذكرة 1/ 147.
(4)
جاء في حاشية (أ): ((أي: صاحب)).
(5)
معرفة أنواع علم الحديث: 98.
(6)
مقدمة شرح صحيح مسلم 1/ 15.
(7)
من قوله: ((قوله: بمقابلة ثقة
…
)) إلى هنا لم يرد في (ك).
(8)
شرح التبصرة والتذكرة 1/ 147، وانظر: معرفة أنواع علم الحديث: 98.
وقد عقب النووي في الإرشاد 1/ 136على قول ابن الصلاح فقال: ((وهذا محمول على الاستحباب، ولا يشترط تعداد النسخ، وتنوع الروايات؛ فإن الأصل الصحيح تحصل به الثقة)).
الصلاحِ أنْ يحضرَ ثلاثةَ أصولٍ، فأكثرَ تكونُ رواياتُها متنوعةً، كأنْ يكونَ أحدُها مروياً عن كريمةَ، والآخرُ عن أبي ذرٍّ، والآخرُ بروايةِ الأصيلي، ثمَّ يقابله عليها،
فما اجتمعتْ عليهِ، تحققَ أنَّ البخاريَّ قالهُ، فيسوغُ له حينئذٍ نقله، وما اختلفَ فيهِ توقفَ فيهِ؛ لأنَّ في بعضِها زيادةً على بعضٍ ونقصاً، ولو كانتِ الأصولُ جميعها بروايةِ أبي الوقتِ لم يكتفِ بها، إلا إذا كانتْ مرويةً عن أبي الوقتِ بطرقٍ متنوعةٍ. هذا ما يظهرُ من كلامهِ، ويوضحهُ تمامهُ بقولهِ:((ليحصلَ له بذلكَ - مع اشتهارِ هذهِ الكتبِ، وبُعْدِها عن أنْ تقصدَ بالتبديلِ والتحريفِ - الثقة بصحةِ ما اتفقت عليهِ تلكَ الأصولُ، واللهُ أعلمُ)) (1). انتهى.
فإنها إذا كانتْ روايةُ رجلٍ واحدٍ قلَّ الوثوقُ، وأمكنَ أنْ يكونَ دخلَ عليهِ لبسٌ في كتابتهِ، أو سماعه (2)، لكنْ بقيَ وراءَ ذلكَ أنَّ مفهومَ كلامهِ أنَّ الذي لم تتفقْ عليهِ الرواياتُ المتنوعةُ / 58أ / لايسوغُ له العملُ بهِ، ولا الاحتجاجُ بهِ، وإذا كان كذلكَ، فليتَ شعري ما الذي يعملُ عندهُ، هل يقولُ: إنَّه ينتقلُ إلى
القياسِ؟ إنْ قالَ بهِ فقد أجازهُ معَ وجودِ نصٍّ صحيحٍ، ومَعاذَ اللهِ من ذلكَ، وإنْ قالَ غير ذلكَ، فما هو؟ ثمَّ (3) إنْ كانَ مرادُهُ باتفاق النسخِ الاتفاقَ في اللفظِ، كَثُرَ المختلفُ فيهِ جداً، وإنْ كانَ المرادُ في المعنى، فقد سَهُلَ الأمرُ قليلاً، فإنْ (4) لم يكنْ لذلكَ الكتابِ إلا طريقٌ واحدٌ، اكتفى فيهِ بأصولٍ منْ غيرِ قيدٍ زائدٍ، وإلا ضاعتْ أكثرُ الأحاديثِ.
(1) معرفة أنواع علم الحديث: 98.
(2)
في (ف): ((أو إسماعه)).
(3)
لم ترد في (أ).
(4)
في (ك): ((قال)).
قوله: (بأصلٍ معتمدٍ)(1)، أي: مظنونٌ اعتمادهُ محققٌ، أي: غالبٌ على الظنِّ اعتمادهُ كأنْ يرى نسخاً (2) بخطِّ شخصٍ من أهلِ العلمِ فيظنَّ أنها معتمدةٌ، وهو مع ذلكَ يجوزُ فيها الغلطُ، ثمَّ يقابلها، فيصحّ ظنهُ، فيترجح ذلكَ الظنُّ حتى يقاربَ التحققَ باعتمادِها.
قولهُ: (فينبغي)(3) يحتملُ استعمالَ ((ينبغي)) في الوجوبِ (4)، ولا تعارضَ حينئذٍ بينَ كلاميهِ، سَلّمنا أنَّ المرادَ بها هنا الاستحباب، لكنْ فرقٌ بينَ أصلِ الحكمِ ووصفهِ، فالاختلافُ في متنِ الحديثِ راجعٌ إلى أصلِ الحكمِ، بحيثُ يوجبُ تغييرَ الحكمِ بسببِ المخالفةِ، بخلافِ وصفِ الحديثِ بكونهِ صحيحاً، أو حسناً، فإنَّ ذلكَ لا يقتضي إسقاطَ ما وقعَ فيهِ هذا الاختلافُ، فإنَّه إنْ كانَ حسناً جزماً ساغَ العملُ بهِ، وإنْ كانَ صحيحاً جزماً فأولى، وإنْ جُمِعَ اللفظانِ، وكانَ ذلكَ باعتبارِ إسنادينِ فكذلكَ، أو باعتبارِ سندٍ واحدٍ للترددِ، فلا ينخفضُ عن درجةِ الحسنِ، وهوَ المرادُ، فهوَ محتجٌّ بهِ على كلِّ حالٍ. وأخصرُ من هذهِ العبارةِ أنْ يُقالَ: يفرقُ بينَ المخالفةِ في حديثِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فيحتاطُ في مقابلته، وبينَ المخالفةِ / 58ب / في كلامِ غيرهِ، فالأمرُ فيهِ أسهلُ.
قوله:
49 -
قُلْتُ: (وَلابْنِ خَيْرٍ) امْتِنَاعُ
…
جَزْمٍ سِوَى مَرْوِيِّهِ إجْمَاعُ
قال شيخُنا: ((لو قالَ:
(1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 147.
(2)
في (ف): ((نسخة)).
(3)
شرح التبصرة والتذكرة 1/ 147، وهو كلام ابن الصلاح في معرفة أنواع علم الحديث:105.
(4)
انظر: نكت ابن حجر 1/ 384، وبتحقيقي:183.
قلتُ:
حَكَى ابنُ خير امتناعاً
…
نقل سوى مرويه إجماعاً
كانَ أحسنَ)).
ثم إنَّ قولَ الناظمِ: ((إنَّ ((امتناع جزمِ)) مبتدأ، و ((إجماعُ)) خبره)) يحتاجُ إلى تتمةٍ، وهوَ أنَّ هذا المبتدأَ والخبرَ في محلِ رفعٍ بالابتداءِ، وخبرُ ذلكَ لابنِ خير، ويكونُ حينئذٍ الحكمُ على لفظِ الجملةِ، أي: هذا الكلامُ لابنِ خير (1)، وإلا تخيلَ أنَّ ((لابنِ خير)) أجنبيٌّ (2)، وأنَّه فَصَلَ بهِ (3) بينَ المعطوفِ، وهوَ ((امتناعُ))، وبينَ (4) حرفِ العطفِ وهوَ الواوُ (5)، وأمّا على هذا التقديرِ فيصيرُ العاطفُ داخلاً على الخبرِ المتقدمِ (6)، أو يقالُ: لابنِ خير متعلقٌ بقولهِ:
((إجماعُ))، واللامُ للاختصاصِ، أي: إجماعٌ مختصٌ، نقلهُ بابنِ خير، فهوَ من تعلّقِ الخبرِ، فلم يَفصلْ بينَ المعطوفِ - الذي هوَ ((امتناعٌ)) - وحرفِ العطفِ أجنبي، أو يقالُ: إنَّهُ متعلّقٌ بوصفِ الخبرِ، ويكونُ (7) تقديرُ الكلامِ: وامتناعُ نقلٍ سوى مرويهِ إجماعٌ منقولٌ لابنِ خير، وكانت أولاً ((نقل)) ثمَّ غيرها الناظمُ بقولهِ
((جزم)).
هذا ما يتعلّقُ بلفظهِ، وأمّا معناه، فإنَّهُ مشكلٌ جداً، منطوقاً ومفهوماً، وقد نقلهُ الشّيخُ ساكتاً عنهُ، وكأنَّهُ ارتضاهُ (8).
(1) من قوله: ((ويكون حينئذٍ الحكم
…
)) إلى هنا لم يرد في (ك).
(2)
عبارة: ((أنّ لابن خير أجنبي و)) لم ترد في (ك).
(3)
لم ترد في (ك).
(4)
((بين)) لم ترد في (ك).
(5)
زاد بعدها في (ك): ((وبقوله: لابن خير)) وأراها مقحمة.
(6)
في (ك): ((المقدم)).
(7)
من قوله: ((أو يقال لابن خير متعلق .... )) إلى هنا لم يرد في (ك).
(8)
عبارة: ((وقد نقله الشيخ ساكتاً عنه وكأنه ارتضاه)) لم ترد في (ك).
أما منطوقاً؛ فإنَّهُ صرّحَ في أنَّهُ لا يسوغُ لأحدٍ الجزمُ بما وجدهُ منَ الأحاديثِ الصحيحةِ التي ليسَ له بها روايةٌ أصلاً.
وأمّا مفهوماً؛ فإنَّهُ يقتضي أنَّه (1) إذا وَجَدَ حديثاً لهُ بهِ روايةٌ ساغَ له الجزمُ بهِ، سواءٌ كانَ ضعيفاً، أو غيرَ ضعيفٍ، وهذا لا يوافقُ عليهِ أحدٌ، ولكنَّ تعليلهُ بحديثِ:((مَن كَذبَ عليَّ)) (2) يرشدُ إلى أنَّ كلامَهُ ليسَ على ظاهرهِ،
(1) لم ترد في (أ).
(2)
الحديث صحيح متواتر، ورد عن عدة من الصحابة رضي الله عنهم منهم:
1 -
جابر بن عبد الله، عند أحمد 3/ 280، والدارمي (237)، وابن ماجه (33).
2 -
وخالد بن عرفطة، عند أحمد 5/ 292.
3 -
وزيد بن أرقم، عند أحمد 4/ 366.
4 -
أبو سعيد الخدري، عند أحمد 3/ 12 و21 و39 و44 و46 و56، ومسلم 8/ 229 عقب (3004).
5 -
وسلمة بن الأكوع، عند أحمد 4/ 47 و50، والبخاري 1/ 38 عقب (109).
6 -
وابن عباس، عند أحمد 1/ 233 و269، والدارمي (238)، والترمذي (2950) و (2951).
7 -
وعبد الله بن عمرو، عند أحمد 2/ 171.
8 -
وابن مسعود، عند أحمد 1/ 402 و405 و454، والترمذي (2659).
9 -
وعقبة بن عامر، عند أحمد 4/ 156.
10 -
وعلي بن أبي طالب، عند أحمد 1/ 130.
11 -
ومعاوية بن أبي سفيان، عند أحمد 4/ 100.
12 -
ويعلى بن مرة، عند الدارمي (240).
13 -
والمغيرة بن شعبة، عند البخاري 2/ 102 (1291)، ومسلم 1/ 10 عقب (4).
14 -
وأبو هريرة، عند أحمد 2/ 413، والدارمي (599)، والبخاري 1/ 38 (110) و8/ 54 (6197)، ومسلم 1/ 8 (3).
قلت: وألف في ذلك الطبراني جزءاً شمل طرق هذا الحديث، وقد رواها جميعها ابن الجوزي في تقدمة الموضوعات 1/ 55 - 93، وبسط الكلام في تخريجها اللكنوي في الآثار المرفوعة: 21 - 36.
وأنَّ (1) مرادَهُ الزجرُ / 59أ / عن الجزمِ بما لم يعرف كونهُ محتجاً بهِ، وسكتَ عن بيانِ حالهِ، أما إذا نقلهُ بصيغةِ التمريضِ، أوغيرها، ثمَّ بيَّنَ حالَهُ من صحةٍ وسقمٍ، فإنَّه لا يمنعُ من ذلكَ، وكأنَّ ابنَ خير أرادَ هذا المعنى، فانقلبَ عليهِ التعبيرُ عنهُ.
ولو قالَ: ((حتى يكونَ عندهُ محتجاً بهِ (2))) بدلَ قوله: ((مروياً
…
)) إلى آخره لكانَ حسناً، وكانَ النظمُ حينئذٍ يكونُ: جزمٍ بغير ثابت إجماعاً (3).
واعلمْ أنَّ شهرةَ الكتابِ، كموطأ مالكٍ مثلاً -ولو لم تصل نسبتُهُ إلى مصنفهِ إلى حدِّ التواترِ - أقوى من وجودهِ له مروياً بطريقٍ واحدٍ، أو بطريقِ الإجازةِ، أو الوجادةِ مثلاً؛ إذ المقصودُ الوثوقُ بكونهِ محتجاً بهِ (4).
(1) عبارة: ((كلامه ليس على ظاهره، وأنّ)) لم ترد في (ك).
(2)
لم ترد في (ف).
(3)
من قوله: ((وسكت عن بيان حاله
…
)) إلى هنا لم يرد في (ك).
(4)
لم ترد في (ك).