المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المعلل (1) قولُهُ: (المعلل) (2) قالَ ابنُ كثيرٍ: ((هُوَ فنٌ خفيٌّ - النكت الوفية بما في شرح الألفية - جـ ١

[برهان الدين البقاعي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة التحقيق

- ‌البقاعي وكتابه النكت

- ‌طلبه للعلم

- ‌شيوخه:

- ‌تلامذته:

- ‌مصنفاته

- ‌ثناء العلماء عليه:

- ‌نقد العلماء له والكلام عليه:

- ‌وفاته:

- ‌دراسة كتاب " النكت الوفية بما في شرح الألفية

- ‌نشأة علم مصطلح الحديث وتطوره حتى زمن البقاعي

- ‌وصف النسخ المعتمدة فِي التحقيق

- ‌منهج التحقيق

- ‌صور المخطوطات

- ‌أَقْسَامُ الْحَدِيْثِ

- ‌أَصَحُّ كُتُبِ الْحَدِيْثِ

- ‌الْمُسْتَخْرَجَاتُ

- ‌مَرَاتِبُ الصَّحِيْحِ

- ‌ نَقْلُ الْحَدِيْثِ مِنَ الكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ

- ‌القِسْمُ الثَّانِي: الْحَسَنُ

- ‌(القِسْمُ الثَّالِثُ: الضَّعِيْفُ)

- ‌ المرفوع

- ‌المسند

- ‌المتصل والموصول

- ‌الموقوف

- ‌المقطوع

- ‌المرسل

- ‌الْعَنْعَنَةُ

- ‌تَعَارُضُ الْوَصْلِ وَالإِرْسَالِ، أَو الرَّفْعِ وَالوَقْفِ

- ‌التدليس

- ‌الشَّاذُّ

- ‌المنكر

- ‌الاعتبار والمتابعات والشواهد

- ‌زيادات الثقات

- ‌الأفراد

- ‌المعلل

- ‌المضطرب

- ‌المُدْرَجُ

- ‌الموضوع

- ‌المقلوب

- ‌تنبيهات

- ‌معرفة صفة من تقبل روايته ومن ترد

الفصل: ‌ ‌المعلل (1) قولُهُ: (المعلل) (2) قالَ ابنُ كثيرٍ: ((هُوَ فنٌ خفيٌّ

‌المعلل

(1)

قولُهُ: (المعلل)(2) قالَ ابنُ كثيرٍ: ((هُوَ فنٌ خفيٌّ عَلَى كثيرٍ منْ علماءِ الحديثِ، حَتَّى قالَ بعضُ حُفّاظهم: معرفتُنا بهذا كهانةٌ عندَ الجاهلِ)) (3) انتهى.

وقالَ ابنُ الصلاحِ: ((اعلمْ أنَّ معرفةَ عللِ الحَدِيْثِ منْ أجلِّ علومِ الحديثِ، وأدقِّها، وأشرفِها، وإنما يضطلعُ (4) بذلك أهلُ الحفظِ والخبرةِ، والفهمِ الثاقبِ)) (5).

قولُهُ: (وذلك موجودٌ فِي كلامِ الترمذيِّ

) (6) إِلَى آخره. قَالَ شيخُنا: ((وفي كلامِ البخاريِّ)) كما سيأتي آخرَ شرحِ هَذِهِ الأبيات.

(1) انظر في الحديث المعلل:

معرفة علوم الحديث: 112، ومعرفة أنواع علم الحديث: 186، وإرشاد طلاب الحقائق 1/ 234 - 248، والتقريب: 75 - 77، ورسوم التحديث: 77، والمنهل الروي: 52، والخلاصة: 70، والموقظة: 51، واختصار علوم الحديث 1/ 196 وبتحقيقي: 149، والشذا الفياح 1/ 202، ومحاسن الاصطلاح: 97، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 272، وتنقيح الأنظار: 162، ونزهة النظر: 72، والمختصر: 134، وفتح المغيث 1/ 209، وألفية السيوطي: 55 - 66، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 100، وفتح الباقي 1/ 260، وتوضيح الأفكار 2/ 25، وظفر الأماني: 363، وشرح شرح نخبة الفكر: 458، واليواقيت والدرر 2/ 64، وقواعد التحديث: 131، ولمحات في أصول الحديث: 262، وراجع كتاب: أثر علل الحديث في اختلاف الفقهاء.

(2)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 272.

(3)

اختصار علوم الحديث 1/ 196 وبتحقيقي: 149.

(4)

تضلع: امتلأ رياً حتى بلغ أضلاعه، والمراد هنا: الامتلاء من العلم، انظر: لسان العرب مادة (ضلع).

(5)

معرفة أنواع علم الحديث: 187.

(6)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 272.

ص: 498

قُلتُ: وَقَالَ المصنفُ فِي " نكتهِ عَلَى ابْنِ الصلاحِ "(1): ((وحكاهُ جماعةٌ منْ أهلِ اللغةِ منهم: قطربُ فيما حكاهُ اللّبليُّ، والجوهريُّ فِي " الصحاحِ " (2)، والمطرزيُّ فِي "المغرب")) (3). قَالَ شيخُنا:((والأولى عندي أنْ يقالَ: معلولٌ؛ لأنها وقعتْ فِي عباراتِ أهلِ الفنِّ كما تقدّمَ، وهي لغةٌ، كما فِي كلامِ أَبِي إسحاقَ، وعلى مَا خرّجهُ سيبويهُ، وقد فَرّ ابنُ الصلاحِ منِ استعمالِ لغةٍ، هِيَ عَلَى زعمهِ رديئةٌ، فوقعَ بقوله: ((معلل)) فِي أشدِّ منْ ذلكَ باستعمالِ ما ليسَ منْ هذَا البابِ أصلاً، بلْ منْ بابِ التعللِ، الذِي هُوَ التشاغلُ والتلهي)).

قولُهُ: (قُلتُ: والأجود)(4) يُفهمُ أنَّ فِي استعمالِ ((معللٍ)) جودةً مَا، وليسَ كذلكَ؛ فإنهُ لا يجوزُ أصلاً، فيحمل عَلَى أنَّ مرادَ الشيخِ أَنَّهُ أجودُ منَ ((المعلولِ)).

قولُهُ: (واستعمل أبو إسحاق)(5) هُوَ الزجاجُ (6)، إن شاءَ اللهُ تعالى (7).

قُلتُ: قولُهُ: (ثُمَّ قَالَ: والمتكلمون)(8) الضميرُ / 159 أ / فِي ((قالَ)) لصاحبِ "المحكم" وكذا فِي (قَالَ: وبالجملة).

قولُهُ: (ولا ثلج)(9)، وَقَالَ صاحبُ "القاموس" (10): ((والعِلّة -بالكسرِ-

(1) التقييد والإيضاح: 116.

(2)

الصحاح مادة (علل).

(3)

المغرب في ترتيب المعرب: 326.

(4)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 273.

(5)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 273.

(6)

انظر ترجمته في: تأريخ بغداد 6/ 89، ومعجم الأدباء 1/ 130.

(7)

((تعالى)) لم ترد في (ب).

(8)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 273.

(9)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 273.

(10)

القاموس المحيط مادة (علل).

ص: 499

المرضُ، علّ يَعِلُّ، واعْتلَّ، وأعلَّه اللهُ، فهو مُعَلٌّ، وعليلٌ، ولا تقل: معلولٌ، والمتكلمون يستعملونها، ولستُ منهُ عَلَى ثلجٍ)). والثلجُ - بالمثلثةِ والجيمِ محرّكاً -: الطمأنينةُ، قَالَ فِي مادةِ ((ثلج)):((وثلجَتْ نفسي كنَصَرَ وفَرحَ ثلوجاً وثلجاً: اطمأنت)) (1).

قولُهُ: (قالوا: وإذا قالوا)(2) كذا هُوَ فِي جميعِ النُّسخِ الَّتِيْ وقفتُ عَلَيْهَا من هَذَا الشرحِ بلفظِ: ((قالوا))، وكذا هُوَ فِي " نكتهِ عَلَى ابنِ الصلاحِ"(3)، والظاهرُ أَنَّهُ سَبقُ قلمٍ، وأنهُ ((قَالَ)) والضميرُ فيهِ إما لسيبويهِ، أو لصاحبِ " المحكم ".

قولُهُ: (كما قالوا: حُرِقَ وفُسِلَ)(4) أي: مبنيينِ للمفعولِ، والقاعدةُ أنَّ مثلَ هَذَا البناءِ لا يكونُ إلا منْ معدّىً، ولا تعديةَ هنا. قَالَ فِي " القاموس " (5):((الفَسْلُ الرَّذْلُ الذِي لا مروءةَ لهُ، كالمفسولِ، فَسُل كَكَرُمَ وعلمَ وعنِيَ فَسالةً وفُسولةً)). وَقَالَ ابْنُ القطاعِ: ((وحَرِقَ الرجلُ - أي: كغنيَ -: زالَ حقُّ وركهِ)). وَقَالَ الزبيديُّ فِي " مختصر العين ": ((والحارقةُ عصبةٌ متصلةٌ بَيْنَ وابلةِ الفخذِ والعضدِ، وإذا انقطعتِ الحارقةُ لَمْ تلتئمْ)). وقيلَ: ((رجلٌ محروقٌ، وقد حرقَ)) وكذا قَالَ عَبْدُ الحقِّ في "الواعي" إلا أَنَّهُ قَالَ: ((بَيْنَ وابلة الفخذِ والوركِ)) وَقَالَ: ((فإذا انقطعتِ الحارقةُ، قيلَ: حَرِقَ الرجلُ فهو محروقٌ، ويقالُ ذَلِكَ إذا زالَ حقُ وركهِ. وحرَّقتُ الرجلَ (6) تحريقاً: إذا فعلت بهِ ذلكَ)). انتهى. والوابلةُ - بالموحدةِ - طرفُ رأسِ

(1) القاموس المحيط مادة (ثلج).

(2)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 274.

(3)

التقييد والإيضاح: 116.

(4)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 274، وانظر بلابد تعليقنا هناك.

(5)

القاموس المحيط مادة (فسل).

(6)

من قوله: ((فهو محروق

)) إلى هنا لم يرد في (ب).

ص: 500

العضدِ والفخذِ، أو طرفُ الكتفِ، أو عظمٌ فِي مفصلِ الركبةِ، أو مَا التفَّ منْ لحمِ الفخذِ، قاله فِي " القاموس ". (1) فثبتَ أنَّ هذين الفعلينِ لم يستعملا إلا لما لَمْ يسمَّ فاعلهُ، بمعنى جعلَ مِنْهُ (2) الحرقُ والفسلُ استغناءاً عَن / 159 ب / معداهما الَّذِي هُوَ حَرَقهُ وفَسَلهُ منْ غيرِ همزةٍ، ولا تضعيفٍ بأفعلتُ أو فعَّلتُ بهمزةِ النقلِ، أو التضعيفِ، والله أعلم.

قولُهُ: (والعلةُ: عبارةٌ .. )(3) إِلَى آخرهِ.

قُلتُ: فإذا أردتَ تعريفَ المعلولِ منْ هَذَا التعريفِ، قلتَ: هُوَ الخبرُ الَّذِي فيهِ أسبابٌ خفيةٌ طرأتْ عليهِ، فأثّرتْ فِيهِ. قَالَ شيخُنا:((وأحسنُ من هَذَا أنْ يقالَ: هُوَ خبرٌ ظاهرهُ السلامةُ اطلعَ فيهِ بعدَ التفتيشِ عَلَى قادحِ)). فَقُلت لَهُ: فحينئذٍ يكفي أنْ يقالَ: مَا اطلعَ فيهِ بعدَ التفتيشِ عَلَى قادحٍ (4). ويفهمُ منَ التقييدِ بالتفتيش أنَّ ظاهرَهُ السلامةُ، فقالَ:((لا يلزمُ ذلكَ، بل قَدْ يطلعُ فِي الخبرِ الَّذِي ضعفُهُ ظاهرٌ عَلَى علةٍ خفيةٍ أيضاً، وهذهِ لا يمكنُ أنْ تكونَ قادحةً، فإنها صادفتْهُ ضعيفاً مقدوحاً فيهِ)). فَقُلْت: فحينئذٍ يخرجُ هَذَا (5) منْ هَذَا الحدِّ بالتقييدِ بقادحٍ، فلا يكونُ معلولاً إلاّ إذا قدحتْ فِيهِ العلةُ الخفيةُ.

ويقال أيضاً فِي حدّه: هُوَ خبرٌ ظاهرهُ السلامةُ اطلعَ فيهِ عَلَى قادحٍ. ولا حاجة إِلَى ذكرِ التفتيشِ، فإنهُ يفهمُ منَ العبارةِ، والتقييدِ بظهورِ السلامةِ يخرجُ ما علّتهُ

(1) القاموس المحيط مادة (وبل).

(2)

في (ف): ((فيه)).

(3)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 274.

(4)

من قوله: ((فقلت له:

)) إلى هنا لم يرد في (ب).

(5)

أي: الحديث الذي ضعفه ظاهر.

ص: 501

ظاهرةٌ، وجَعلُ الشَّيْخِ ما ذكرهُ تفسيراً للعلةِ، يُفهمُ أنها لا تسمَّى علةً إلا إذا كانتْ موصوفةً بما ذَكَرَ. قَالَ شيخنا:((وفيه نظرٌ، وإنما هذا تفسيرٌ للمعلولِ، وهذا الوصفُ غيرُ لازمٍ للعلةِ؛ فالعلةُ أعمُّ منْ أنْ تكونَ بهَذَا الوصف أم لا)). وعبارةُ ابْن الصلاحِ: ((فالحديث المعلول (1): هُوَ الَّذِي اطلعَ فيهِ عَلَى علةٍ تقدحُ فِي صحتهِ، معَ أنَّ ظاهرَهُ السلامةُ مِنْهَا. ويتطرقُ ذَلِكَ إِلَى الإسنادِ الَّذِي رجالهُ ثقاتٌ، الجامعِ شروطَ الصحةِ منْ حيثُ الظاهرُ (2). ويستعانُ / 160 أ / عَلَى إدراكها بتفرّدِ الرَّاوي .. )) (3) إِلَى آخر مَا فِي الشرحِ. وقالَ الحَاكِمُ:((إنما يعلُّ الحديثُ منْ أوجهٍ ليسَ للجرحِ فيها مدخلٌ، فإنَّ حديثَ المجروحِ ساقطٌ - أي: ظاهرُ السقوطِ والمعلولُ يوجدُ فِي حديثِ الثقاتِ؛ لأنهم يحدثونَ بالحديثِ فيخفَى عليهم، والحجةُ فيهِ العلمُ والفهمُ)) (4). قَالَ شيخُنا: ((فعلى هَذَا لا يُسمَّى المنقطعُ، ولا المعضلُ، ولا الضعيفُ معلولاً، وإنما يُسمَّى بذلكَ إذا آلَ أمرُهُ إِلَى شيءٍ منْ ذلكَ مَعَ كونِ ظاهرهِ السلامةَ)) (5).

وهذا الفنُّ أغمضُ الأنواعِ وأدقُّها مسلكاً، ولا ينهض بهِ إلا أئمةُ هَذَا الشأنِ وحذاقُهمُ، ولهذا لم يتكلمْ فيهِ إلَاّ أفرادٌ منهم (6)، وقد تقصرُ عبارةُ الواحدِ منهم، فلا

(1) الذي في معرفة أنواع علم الحديث: ((المعلل)).

(2)

جاء في حاشية نسخة (أ): ((بلغ قراءة الشيخ شهاب الدين الشافعي نفع الله به قراءة بحث وسمع الجماعة، قاله مؤلفه إبراهيم البقاعي)).

(3)

معرفة أنواع علم الحديث: 187.

(4)

معرفة علوم الحديث 112 - 113.

(5)

ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله نحو هذا الكلام في نكته 2/ 710 وبتحقيقي: 484، ثم قال:((وفي هذا رد على من زعم أن المعلول يشمل كل مردود)).

(6)

مثل: علي بن المديني، وأحمد، والبخاري، ويعقوب بن شيبة، وأبي حاتم، وأبي زرعة، والدارقطني. انظر: فتح المغيث 1/ 255.

ص: 502

يفصحُ بما قامَ فِي نفسهِ من الترجيحِ، ومن ثمةَ يحيلُ الشافعيُّ مَعَ إمامتهِ عَلَى أئمةِ الحديثِ فِي كتبهِ. فعلى هَذَا فما جَزَمَ الواحدُ منهم بكونهِ معلولاً، ولم يخالفْ، فالأصل أن يُتبعَ، فإن خُولفَ نظرَ في الترجيح بَيْنَهُمَا، ووجوهُ الترجيح كثيرةٌ لا ضابطَ لها بالنسبةِ إِلَى جميعِ الأَحَادِيث، بلْ كلُّ حَدِيْثٍ يقومُ بهِ ترجيحٌ خاصٌّ.

قولُهُ: (وأنشد الأخفش)(1) الشاهدُ فِي قولهِ: ((وأومتْ))، أصلهُ: وأومأتْ.

قولُهُ: (وإنْ لَمْ يغلبْ عَلَى ظنهِ صحةُ التعليل .. )(2) إِلَى آخره، قَالَ ابنُ الصلاحِ:((وكلُ ذلكَ مانعٌ منَ الحكمِ بصحة مَا وجدَ ذلكَ فيهِ)) (3). أي: لا يقالُ كَيْفَ يتوقفُ الجهبذ عنِ الحكمِ بصحتهِ، والحالُ أنَّ ظاهرَهُ السلامةُ، ولم يظهرْ لَهُ فيهِ قادحٌ، بل يتوقفُ عنِ الحكمِ بالصحةِ، ولو لَمْ يغلبْ عَلَى ظنهِ صحةُ كونهِ معلولاً، ويكفي فِي الإعلالِ والإيقافِ عَن الجزمِ بالصحةِ وجودُ الشكِّ، بأنْ تظهرَ قرينةٌ واهيةٌ مانعةٌ من الحكمِ بالصحةِ، وإنْ لَمْ يقدرْ عَلَى التعبير / 160 ب / عَنْهَا.

وقولُهُ: (التعليل)(4) عُرفَ مِمَّا مضى أنَّ صوابَهُ: الإعلالُ، ومنْ أمثلةِ المعلولِ أحاديثُ رواها أهلُ الكوفةِ عنْ عبدِ الرَّحْمَانِ بنِ يزيدَ، وذلكَ أَنَّهُ كَانَ فِي الشامِ رجلانِ كلٌّ منهما يُسمَّى عَبْدَ الرَّحْمَانِ بنَ يزيدَ، وأحدُهما اسمُ جدّهِ جابرٌ وَهُوَ أزديٌّ دارانيٌّ (5)، ثقةٌ مشهورٌ، رَوَى عَنْهُ الستة (6)، والآخرُ اسم جدهِ تميمٌ وَهُوَ سلميٌّ

(1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 274.

(2)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 275.

(3)

معرفة أنواع علم الحديث: 188.

(4)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 275.

(5)

عبارة: ((أزدي داراني)) لم ترد في (ب) و (ف).

(6)

عبارة: ((روى عنه الستة)) لم ترد في (ب) و (ف).

ص: 503

دمشقيٌّ (1) ضعيفٌ، لَيْسَ لَهُ شهرةٌ رَوَى عَنْهُ النسائي، وابنُ ماجه، وليسَ لَهُ في النسائي سوى حديثٍ واحدٍ (2) فاتفقَ أَنَّهُ قَدِمَ الكوفةَ فحدّثَ بِهَا، فسألوهُ: مَن أنتَ؟ فَقَالَ: عَبْد الرَّحْمَان بن يزيدَ، فظنوهُ ابنَ جابرٍ الثقةَ المشهورَ، فكانَ بعضُهم (3) إذا رَوَى عنهُ زادَ فِي نسبهِ، فقالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بنُ يزيدَ بْنِ جابرٍ الدمشقيُّ، ويسوقُ الأحاديثَ الَّتِيْ سمعها من ابن تميمٍ، وهي ضعيفةٌ، فيجيءُ الحفَّاظُ فيروونَ تلكَ الأحاديثَ، فيضعفونَ بسببها الراوي لها عن (4) عَبْدِ الرَّحْمَانِ؛ لأنَّهُ ثقةٌ مشهورٌ. وأمَّا الناقدُ منهم فيعرفُ أنَّ ابنَ جابرٍ لَمْ يرحلْ منْ دمشقَ، فيتحققُ أنَّ المرويَّ عَنْهُ ابنُ تميمٍ، فينسُبُ الضعفَ إليه، ويعلمُ أنَّ الراوي عَنْهُ (5) غلطَ فِي نسبتهِ إِلَى ابنِ جابرٍ. وعنْ خطِّ شيخِنا، أَنَّهُ قَالَ:((ومنَ الأمثلةِ اللطيفةِ ما ذكرهُ ابنُ أَبِي حاتمٍ فِي حَدِيْثِ حمادِ بنِ سَلَمَةَ، عَن عكرمةَ بنِ خالدٍ، عَن ابنِ عُمَرَ رفعه: ((من باعَ عبداً .. )) (6) الحَدِيْث، فَقَالَ: كنتُ أستحسنهُ حَتَّى رأيتَهُ فِي حَدِيْثِ بعضِ الثقاتِ: عنْ عكرمةَ بنِ خالدٍ، عَن الزهريِّ، فعادَ الحديثُ إِلَى الزهريِّ، والزهريُّ إنما رواهُ عنْ سالم، عن أبيه، وَهُوَ معلولٌ؛ لأنَّ نافعاً رواهُ عَن ابْن عُمَرَ منْ قولهِ، وهذا غايةٌ فِي الدقةِ؛ فإنَّ هذهِ الروايةَ فِي الظاهرِ كانتْ متابعةً قويةً لحديث سالمٍ، لكنّها بالتفتيشِ رجعتْ إليهِ (7))).

(1) عبارة: ((سلمي دمشقي)) لم ترد في (ب) و (ف).

(2)

من قوله: ((روى عنه النسائي

)) إلى هنا لم يرد في (ب) و (ف).

(3)

وهؤلاء البعض هم: أبو أسامة ((حماد بن أسامة))، وحسين الجعفي. انظر: تهذيب التهذيب 6/ 261.

(4)

لم ترد في (ف).

(5)

لم ترد في (ب).

(6)

كلام ابن أبي حاتم الآتي، ورد عقب حديث:((من باع نخلاً قد أبرت فثمرتها للبائع، إلا أن يشترط المبتاع)). العلل 1/ 377 (1122).

(7)

انظر: النكت لابن حجر 2/ 712 - 713 وبتحقيقي: 487.

ص: 504

قولُهُ: (ويعتبر بمكانهم)(1)، أي: ويعتبرُ / 161 أ / الخطأُ والصوابُ بمكانِهم منَ الحفظِ.

قولُهُ: (فكثرَ فيهِ لغطهُ

) (2) الحَدِيْث. تمامُهُ: ((فقالَ: سبحانكَ اللهمَّ وبحمدكَ، أستغفرُكَ، وأتوبُ إليكَ، قبلَ أنْ يقومَ منْ مقامهِ، غُفِرَ لَهُ مَا وقعَ فِي ذلكَ المجلسِ)) (3).

قولُهُ: (حدَّثنا بِهِ موسى بنَ إسماعيلَ)(4) هُوَ أبو سلمةَ المنقريُّ. (حَدَّثَنَا وهيبٌ) هُوَ ابنُ خالدٍ الباهليُّ أبو بكرٍ البصريُّ، وشيخهُ سهيل بن أَبِي صالحٍ،

و (عونُ بنُ عَبْد الله) هُوَ ابنُ عتبةَ بن مسعودٍ. قَالَ البخاريُّ: ((سمعَ أبا هريرةَ، وابنَ عمرَ، ويقالُ: إنَّ روايتَهُ عَن الصحابةِ مرسلةٌ)). ذكرهُ البخاريُّ فيمنْ ماتَ مَا بينَ عشرةَ إِلَى عشرينَ ومئةٍ (5).

قولُهُ: (وغالبُ ظني أنَّ هذهِ الحكايةَ ليست بصحيحةٍ)(6) قَالَ شيخُنا: ((بل هِيَ صحيحةٌ، وأحمدُ بن حمدونَ القصارُ ثقةٌ حافظٌ كبيرٌ، تُكلِّمَ فيهَ بكلامٍ غيرِ قادحٍ، وَهُوَ المعروفُ: بأبي حامدٍ الأعمشيِّ، نسبة إِلَى الأعمشِ؛ لاعتنائهِ بحديثهِ)) (7).

(1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 275.

(2)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 276.

(3)

أخرجه: أحمد 2/ 369 و494، والترمذي (3433)، والنسائي في "الكبرى"

(10230)

، وفي "عمل اليوم والليلة"، له (397)، والطحاوي في "شرح المعاني" 4/ 289، وابن حبان (593)، والطبراني في "الأوسط"(77) و (6580)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة"(447)، والبغوي (1340).

(4)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 276.

(5)

انظر: التاريخ الصغير 1/ 308.

(6)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 276.

(7)

انظر: النكت لابن حجر 2/ 715 وبتحقيقي: 490.

ص: 505

قَالَ الحَاكِمُ: ((كَانَ من الحفّاظِ، وكانَ مزَّاحاً، وكانَ أبو عَلِيّ النيسابوريُّ، يقولُ: حدثنا أحمدُ بنُ حمدونَ إنْ حلَّتِ الروايةُ عنهُ)) قَالَ الحَاكِمُ: ((فقلتُ لَهُ: أهَذَا (1) الَّذِي تذكرُهُ فيهِ من جهةِ المُجُونِ، أو لشيءٍ أنكرتهُ؟ فقالَ: لشيءٍ أنكرتُهُ. فقلتُ لَهُ: مثلُ ماذا؟ فذكرَ أحاديثَ، فقلتُ لَهُ: أبو حامدٍ مظلومٌ فيما ذكرتَ كلَّهُ، وحكيتُ للحافظِ أَبِي الحسينِ الحجّاجي ذَلِكَ، فصوّبَ قولي، وَقَالَ: أحاديثُهُ كلُّها مستقيمةٌ))، وذكر أنَّ ابنَ خزيمةَ كَانَ يرجعُ إليهِ فِي حديثِ الأعمشِ، ثُمَّ ساقَ الحاكمُ عدةَ أحاديثَ مِمَّا كانَ يمزحُ بهِ، ثمَ قَالَ: وإنما سقتُ هَذَا لتعرفَ أنَّ الَّذِي أُنكِرَ عليهِ إنما سببهُ المزحُ الَّذِي كانَ فيهِ، فأمّا الانحرافُ عنِ اسمِ أهلِ / 161 ب / الصدقِ فلا. (2) قَالَ شيخنا:((والحاملُ لشيخنا عَلَى تهمةِ أَبِي حامدٍ استبعادهُ أنْ يكونَ البخاريُّ قَالَ: ((لا أعرفُ فِي البابِ إلاّ هَذَا الحديثَ)) معَ أنَّ فِي البابِ جملةَ أحاديثَ عنْ جماعةٍ من الصحابةِ غيرِ (3) أَبِي هريرةَ)).

قُلتُ: قَالَ فِي " النكت "(4): ((وهم: أبو برزةَ الأسلميُّ (5)، ورافعُ بنُ خديجٍ (6)، وجبيرُ بن مطعم (7)، والزبيرُ بن العوامِ (8)، وعبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ (9)،

(1) في (ف): ((هذا)).

(2)

انظر: سير أعلام النبلاء 14/ 553 - 554.

(3)

في (أ) و (ب): ((عن)).

(4)

التقييد والإيضاح: 118.

(5)

أخرجه: أبو داود (4859)، وأبو يعلى (7426)، والحاكم 1/ 537.

(6)

أخرجه: الطبراني في "الكبير" 4/ 287 (4445) وفي "الصغير"، له 1/ 222، والحاكم 1/ 537، وجود إسناده المنذري في "الترغيب والترهيب" 2/ 412.

(7)

عزاه العراقي في "تخاريج الإحياء" 3/ 1141 إلى ابن النجار، وهو عند الطبراني في "الكبير" 2/ 138 - 139 (1586) و (1587)، والحاكم في "المستدرك" 1/ 537.

(8)

عزاه الهيثمي في "المجمع" 10/ 141 للطبراني في الصغير والأوسط.

(9)

عزاه الهيثمي في "المجمع" 10/ 141 للطبراني في والأوسط.

ص: 506

وعبدُ اللهِ بنُ عمرٍو، وأنسُ بنُ مالكٍ، والسائبُ بن يزيدَ، وعائشةُ، وقد بيّنتُ هذهِ الطرقَ كلَّها فِي "تخريجِ أحاديثِ الإحياءِ"(1) للغزالي)). انتهى. رجع إِلَى كلامِ شيخِنا، قَالَ:((والحقُّ أنَّ هذهِ اللفظةَ - وهي قولهُ: ((فِي البابِ)) - وردتْ عَلَى سبيلِ الخطأ، والآفةُ فيها من الحَاكِمِ حال كتابتهِ فِي " علوم الحَدِيْثِ "(2)، وقد رواها خارجَ الكتابِ المذكورِ عَلَى الصوابِ، أوردَها عَنْهُ البيهقيُّ في "المدخلِ" (3) والخطيبُ (4) وغيرُهما بلفظِ:((لا أعرفُ فِي الدنيا لهذا الإسنادِ إلا هَذَا الحديثَ))، وكذا رواها الخليليُّ في "الإرشاد"(5)، منْ غيرِ طريقِ الحاكمِ بهذا اللفظِ، موضعَ قوله:((فِي هَذَا الباب))، وهذا هُوَ الصوابُ، وهي عبارةٌ صحيحةٌ غيرُ مدخولةٍ، فلعلَّ الحاكمَ اعتَمدَ فيما نقلهُ فِي " علومِ الحَدِيْثِ " عَلَى حفظهِ فَوَهِمَ)).

قوله:

199 -

وَهْيَ تَجِيءُ غَالِباً في السَّنَدِ

تَقْدَحُ في المتْنِ بِقَطْعِ مُسْنَدِ

200 -

أوْ وَقْفِ مَرْفُوْعٍ، وَقَدْ لَا يَقْدَحُ

(كَالبَيِّعَانِ بالخِيَار) صَرَّحُوا

201 -

بِوَهْمِ (يَعْلَى بنِ عُبَيدٍ): أبْدَلا

(عَمْراً) بـ (عَبْدِ اللهِ) حِيْنَ نَقَلا

202 -

وَعِلَّةِ المتْنِ كَنَفْي البَسْمَلَهْ

إذْ ظَنَّ رَاوٍ نَفْيَها فَنَقَلَهْ

203 -

وَصَحَّ أنَّ أَنَساً يَقُوْلُ:

(لا أحْفَظُ شَيْئاً فِيهِ) حِيْنَ سُئِلَا

(1) تخاريج الإحياء 2/ 818 و819 و3/ 1140.

(2)

معرفة علوم الحديث: 113 فقد قال: ((هذا حديث من تأمله لم يشك أنه من شرط الصحيح، وله علة فاحشة)). هكذا قال مع أنه أخرج الحديث في "المستدرك" 1/ 536 - 537 وقال: ((هذا الإسناد صحيح على شرط مسلم إلا أن البخاري قد علله بحديث وهيب عن موسى بن عقبة

)).

(3)

في الجزء المفقود من هذا الكتاب، وهو الخاص بالمصطلح.

(4)

تأريخ بغداد 2/ 29 و13/ 102 - 103.

(5)

الإرشاد 3/ 960 - 961 (249).

ص: 507

الضميرُ فِي ((وهي)) يعودُ عَلَى العلة القادحةِ الخفيةِ.

قولهُ: (قَدْ تقدحُ فِي صحةِ المَتْن

) (1) إِلَى آخرهِ، كلامٌ لا يضبطُ المرادَ، والكلامُ الضابطُ لهُ أنْ يقالَ: الحديثُ لا يخلو إما أنْ يكونَ فرداً، أو لهُ أكثرُ منْ إسنادٍ، فالأولُ: يلزمُ منَ القدحِ في سندهِ، القدحُ فِي متنهِ، وبالعكسِ. / 162أ / والثاني: لا يلزمُ منَ القدحِ فِي أحدهما القدحُ فِي الآخرِ (2).

قوله: (فكالتعليلِ بالإرسالِ والوقفِ)(3) أي: بشرطِ أنْ يَقوَى ذَلِكَ عَلَى الاتصال والرفعِ، أو يستويا، وأمّا إذا كَانَ الاتصالُ مثلاً أقوى فلا عبرةَ بمخالفهِ. هَذَا مرادُ الشيخِ، وإنْ لَمْ يؤدّهِ كلامُهُ.

قوله: (وأمّا علةُ الإسنادِ الَّتِيْ لا تقدحُ فِي صحةِ المتنِ فكحديثِ

) (4) إِلَى آخره، إنما لم تقدحْ فِيهِ؛ لأنهُ رُوِيَ من غيرِ هَذِهِ الطريقِ، من روايةِ من هو أحفظُ من يعلى بن عُبيدٍ بما يخالفُ روايتَهُ، فرجّحَ قولَهم عَلَى قوله، فكانتْ روايتُهُ شاذةً، وعلمَ بالتأمّلِ أنَّ سببَ وَهْمِ يعلى أَنَّهُ سلكَ الجادّةَ فِي عَمْرِو بنِ دينارٍ، فَوَهِمَ. قَالَ شيخُنا:((وعبدُ اللهِ ليسَ أخا عَمْرِو)).

قولهُ: (هكذا رواه الأئمة منْ أصحابِ سفيانَ)(5) أفردَ لهُ أبو نعيمٍ جزءاً منْ طريقِ عبدِ اللهِ بنِ دينارٍ، فبلغَ نحوَ الخمسينَ نفساً. قَالَ ابنُ الصلاحِ: ((وكلاهما -

(1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 279.

(2)

انظر: النكت لابن حجر 2/ 746 - 748 وبتحقيقي: 515 - 516.

(3)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 279.

(4)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 279.

(5)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 279.

ص: 508

أي: عَمْرٌو وعبد اللهِ- ثقةٌ)) (1) أي: فلهذا لَمْ يقدحْ الخلفُ فيها فِي المتنِ.

قُلتُ: قوله (أبدل عَمراً

) (2) إِلَى آخرهِ، ليْسَ الأمرُ فِي هَذَا كما ذَكر، وإنما تدخلُ الباءُ هنا عَلَى المأخوذِ، وكأنك قُلتَ: ((غيرّ عَمراً، وأخذ عَبْدَ اللهِ

بدلَهُ))، وهذهِ المادةُ يفترقُ الحالُ فيها بَيْن الإبدالِ والتبديلِ، والاستبدالِ والتبدُّلِ، وغيرِ ذَلِكَ، وهي كثيرةُ الدورِ مشتبهةُ الأمرِ، وقد حقّقها شيخُنا محققُ زمانهِ قاضي الشافعيةِ بالديارِ المصريةِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيّ القاياتيُّ رحمه الله فقالَ - فيما علّقتهُ عنهُ، وذَكَرَ أكثرَهُ فِي شرحهِ لخطبةِ "منهاجِ" النوويِّ -: اعلمْ أنَّ هَذِهِ المادةَ - أعني: الباءَ والدالَ واللامَ مَعَ / 162 ب / هَذَا الترتيب -: قدْ يذكرُ معها المتقابلانِ (3) فقطْ، وقد يذكرُ معهما غيرُهما، وقدْ لا يكونُ كذلكَ. فإنْ اقتصرَ عَلَيْهِمَا: فقدْ يذكرانِ مَعَ التبدل والاستبدالِ، مصحوباً أحدهما بالباءِ، كما فِي قوله تعالى:{أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} (4) وفي قولهِ تعالى: {وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإيمَانِ

} الآية (5). فتكون الباءُ داخلةً عَلَى المتروكِ، ويتعدَّى الفعلُ بنفسهِ للمقابلِ المتخذِ. وقد يذكرانِ مَعَ التبديلِ والإبدالِ، وأحدُهما مقرونٌ بالباءِ، فالباءُ داخلةٌ عَلَى الحاصلِ، ويتعدَّ الفعلُ بنفسهِ إِلَى المتروكِ. نقلَ الأزهريُّ، عَن ثعلبَ: بدّلتُ الخاتمَ بالحلقةِ: إذا أذبتُهُ وسويتُهُ حلقةً، وبدّلتُ الحلقةَ بالخاتمِ: إذا أذبتُها وجعلتُها خاتماً، وأبدلتَ الخاتمَ بالحلقةِ: إذا نحيتَ هَذَا، وجعلتَ هَذِهِ مكانَهُ.

(1) معرفة أنواع علم الحديث: 189.

(2)

التبصرة والتذكرة (201).

(3)

جاء في حاشية (أ): ((مثل: عَمْرو وعبد الله)).

(4)

البقرة: 61.

(5)

البقرة: 108.

ص: 509

وحَكَى الهرويُّ فِي "الغريبين"(1): عَن ابنِ عرفةَ - يعني: نفطويهِ -: أَنَّهُ قَالَ: ((التبديلُ: تغييرُ الشيء عنْ حالهِ، والإبدالُ: جعلُ الشيءِ مكانَ آخرَ)).

وتحقيقهُ: أنَّ معنى التبديلِ: التغييرُ وإنْ لَمْ يؤتَ ببدلٍ، كما ذكر فِي "الصحاحِ"(2)، وكما هُوَ مقتضَى كلامِ ابنِ عرفةَ. فحيثُ ذكر المتقابلانِ، وقيل: بدَّلتُ هَذَا بذاك رجع حاصل ذَلِكَ: أنك أخذت ذاك وأعطيت هَذَا، فإذا قيلَ: بدّلَ الشيءَ بغيرهِ، فمعناه: غيّر الشيء بغيرهِ، أي: تركَ الأول وأخذ الثاني، فكانت الباءُ داخلةً عَلَى المأخوذ لا المنحى، ومعنى إبدال الشيء بغيرهِ يرجعُ إِلَى تنحية الشيء / 163 أ / وجعل غيره مكانهُ، فكانت الباءُ داخلةً عَلَى المتخذ مكان المنحى.

وللتبديلِ - ولو مَعَ الاقتصارِ عَلَى المتقابلينِ - استعمالٌ آخرُ يتعدَّى إِلَى المفعولينِ بنفسهِ، كقولهِ تعالى:{فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} (3)،

{فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِنْهُ .. } (4) الآية، بمعنى: يجعلُ الحسناتِ بدلَ السيئاتِ، ويعطيهما بدلَ مَا كَانَ لهما خيراً، وقد لا يَذكرُ المذهوبَ، كما فِي قوله تعالى:{بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا} (5)، ومعنى التبدّلِ (6) والاستبدالِ: أخذُ الشيءِ مكانَ غيرهِ، فإذا قُلتَ: استبدلتُ هَذَا بذاكَ، أو تبدّلتُ هَذَا بذاكَ، رجعَ حاصلُ ذَلِكَ: أنك أخذتَ هَذَا، وتركتَ ذاكَ.

(1) أي: غريب القرآن والحديث.

(2)

الصحاح مادة (بدل).

(3)

الفرقان: 70.

(4)

الكهف: 81.

(5)

النساء: 56.

(6)

في (ب): ((التبديل)).

ص: 510

وإنْ لَمْ يقتصرْ عَلَيْهِمَا، بل ذكرَ معهما غيرَهما، وأحدُهما مصحوبٌ بالجارِّ، وذَكرَ التبديلَ، كما فِي قولهِ تعالى:{وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ} (1) تعدَّى الفعلُ بنفسهِ إِلَى المفعولينِ، يعني: إلى المفعولِ ذَلِكَ لأجلهِ، وإلى المأخوذِ بنفسهِ، وإلى المذهوبِ المبدلِ منهُ بالباء، كما في:((بدّلهُ بخوفهِ أمناً)) معناهُ (2): أزالَ (3) خوفَهُ إلى الأمنِ.

وقد يتعدَّى إِلَى المذهوبِ - والحالةُ هذهِ - بمِنْ، كما فِي ((بدّلهُ منْ خوفِهِ أمناً)) وللتبديلِ استعمالٌ آخرُ يتعدَّى إِلَى مفعولٍ واحدٍ، مثل: بدلتُ الشيءَ، أي: غيرّتَهُ، قَالَ تعالى:{فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ} (4) عَلَى أنَّ هاهنا مَا يجبُ التنبهُ له، وَهُوَ أنَّ الشيء يكون مأخوذاً بالقياسِ والإضافةِ إِلَى شيءٍ، متروكاً بالقياسِ والإضافةِ إِلَى آخرَ، كما إذا أعطى شخصٌ شخصاً شيئاً، وأخذَ بدلَهُ مِنْهُ، فالشيءُ الأولُ مأخوذٌ للشخصِ / 163 أ / الثاني، ومتروكٌ للأولِ، والمقابلُ بالعكسِ، فيصحُّ أنْ يعبّر بالتبدّلِ والتبديلِ، ويعتبرَ فِي كلٍّ منهما مَا يناسبهُ، ولإشكالِ المقامِ قَصَدنا إِلَى بعضِ الإطنابِ. انتهى.

فلو قَالَ: ((بعمرو وعبد الله)) غير مصروفٍ لاستقامَ وزناً ومعنى.

قوله (5): (قَالَ ابْن عَبْد البر: وَهُوَ عندهم خطأ)(6) يعني: زيادةَ ذكرِ ((رسولِ الله صلى الله عليه وسلم)) وإنما الصوابُ المحفوظ: ((وراءَ أَبِي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ)).

(1) سبأ: 16.

(2)

في (ف): ((ومعناه)).

(3)

في (ب): ((زال)).

(4)

البقرة: 181.

(5)

لم ترد في (ب).

(6)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 281.

ص: 511

قوله: (وحديثُ أنسٍ قَدْ أعلهُ الشّافعيُّ)(1) يعني: هَذَا الَّذِي فيهِ التصريحُ بنفيِ البسملةِ.

قوله: (فإنْ قَالَ قائلٌ)(2) هَذِهِ كيفيةُ التعبير بالسؤالِ الَّذِي أوردهُ الشافعيُّ، ثُمَّ أجابَ عَنْهُ بقوله:((قيل لَهُ)).

وقوله: (فذكرهُ)(3) أي: الحديثَ الَّذِي رواهُ الوليدُ، عن مالكٍ، ذَكرَهُ الشافعيُّ، واختصرَهُ الشيخُ هنا لذكرهِ لَهُ قَبْلُ. والفزاريُّ: هُوَ مروانُ بنُ معاويةَ، والثقفيُّ: هُوَ عبدُ الوهابِ بن عَبْدِ المجيدِ.

قوله: (مؤتفقين)(4) يعني: فِي روايتِهم لهُ عنْ حُميدٍ، وهذهِ لغةُ الشافعيِّ (5) رحمه الله فِي مثلِ هَذِهِ اللفظةِ من كلِّ معتلٍ الفاء أتى بصيغةِ ((مُفتعِلٍ)) أنْ يفكَّ الإدغامَ، ويعوضَ من فاءِ الكلمةِ الَّتِيْ هِيَ التاءُ الأولى همزةً، رداً إِلَى الأصلِ، فإنَّ المصدرَ:((الوفاقُ))، وكذا متصل، يَقُول فِيهِ: مؤتصل، إذ مصدرهُ ((الوصلُ)) والواو قَدْ يبدلونها همزةً، مثل:((وُقّتَتْ))، هُوَ من الوقتِ، وقُرِىءَ:((أُقتتْ)) (6).

(1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 281.

(2)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 281.

(3)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 281.

(4)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 281.

(5)

انظر: الرسالة مع تعليقات أحمد شاكر فقرة 31 و211 و213 و238 و464، ونكت الحافظ ابن حجر 1/ 510 وبتحقيقي:291.

(6)

الآية من سورة المرسلات: 11، وهي في المصحف:((أقتت))، وقرأ أبو عمرو وحده:((وقتت))، قال الثعالبي:((الواو هي الأصل؛ لأنها من الوقت)). تفسير الثعالبي 5/ 537، وأحال المحقق فقال:((ينظر: "السبعة" (666)، و"الحجة" 6/ 364، و"إعراب القراءات" 2/ 428، و"معاني القراءات" 3/ 112، و"شرح الطيبة" 6/ 92، و"العنوان"(202)، و"حجة القراءات"(742)، و"شرح شعلة"(617)، و"إتحاف" 2/ 580.

ص: 512

قُلتُ: قوله: (هَذَا هُوَ المحفوظُ)(1) أي: مَا أَوَّلَهُ بهِ الشافعيُّ هُوَ الروايةُ المحفوظةُ، كما سيأتي عندَ الدارقطنيِّ.

قوله: (وكذلكَ / 164 أ / رواهُ أكثرُ أصحابِ قتادةَ)(2) يعني: مقتصرينَ عَلَى قوله: ((يفتتحونَ القراءةَ بالحمد للهِ ربِ العالمينَ))، ولم يذكروا ما بعدَهُ، فغَلبَ عَلَى الظنِّ أنَّ منْ زادَ تلكَ الزياداتِ (3)، إنما زادها لفهمِه أنَّ المرادَ الافتتاحُ بهَذَا اللفظِ دونَ البسملةِ، كما سيأتي.

قوله: (وهكذا رواه إسحاق بن عَبد الله بن أَبِي طلحة)(4) أي: فظهرَ أنَّ قَوْلَ مسلمٍ منْ طريقه: ((أَنَّهُ سمعَ أنسَ بنَ مالكٍ يذكرُ ذَلِكَ)) (5)، إنما المرادُ مِنْهُ أصلُ الحديثِ، لا اللفظُ السابقُ. قَالَ الشيخُ فِي " النكت عَلَى ابْن الصلاح " (6):((وعلى هَذَا فما فعلهُ مسلمٌ هنا ليسَ بجيدٍ؛ لأنهُ أحالَ بحديثٍ عَلَى آخرَ، وَهُوَ مخالفٌ لَهُ بلفظ: ((يذكرُ ذَلِكَ))، لَمْ يقلْ:((نحو ذَلِكَ)) ولا غيرهُ))، انتهى. وسيأتي فِي آخر شرح هَذِهِ المقولةِ سياقُ ابْنِ عَبْد البرّ لها.

قولهُ: (قال ابن عبد البر: فهؤلاء)(7) قَالَ فِي " النكت ": ((إنَّهُ قَالَ ذَلِكَ فِي كِتَاب " الإنصاف " (8) فِي البسملةِ، واللهُ أعلم)) (9).

(1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 282.

(2)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 282.

(3)

في (ف): ((الزيادة)).

(4)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 282.

(5)

انظر: صحيح مسلم 2/ 12 (399)(52).

(6)

التقييد والإيضاح: 121.

(7)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 283.

(8)

الإنصاف: 174.

(9)

التقييد والإيضاح: 121.

ص: 513

قوله: (وهذا اضطرابٌ لا تقومُ مَعَهُ حجةٌ)(1) لَيْسَ كذلكَ؛ فإنَّ الاضطرابَ الَّذِي لا تقومُ مَعَهُ حجة شرطُهُ عدمُ إمكانِ الجمعِ، وتساوي الطرقِ قوةً وضعفاً (2)، وهذا ليس كذلك، فإنَّ أصحَّ مَا فيهِ روايةُ:((يفتتحونَ القراءةَ بالحمد لله ربّ العالمين))، ويليهِ:((كانوا لا يجهرونَ ببسم الله الرحمن الرحيم))، ويليه:((كانوا لا يذكرونَ بسم الله الرحمن الرحيم فِي أول قراءةٍ، ولا آخرها)) مَعَ أنَّ الجمعَ ممكنٌ، بحمل نفي قراءةِ البسملةِ عَلَى نفيِ الجهرِ بها، وكذا القراءةُ بالحمد لله رب العالمين، أي: / 164 ب / الفاتحة، وإنْ أريدَ اللفظُ حملَ عَلَى الجهرِ. وأمّا:((فكانوا يجهرونَ ببسمِ الله الرحمن الرحيم)) فضعيفٌ. وأمّا: ((كانوا يسرّونَ ببسم الله الرحمن الرحيم)) فقدْ رواها ابْنُ خزيمةَ (3)، وفِي سندهِ راوٍ ضَعِيفٌ (4)، فلا يسمَّى الصحيحُ الَّذِي هُوَ فِي أعلى الدرجاتِ مضطرباً بما لا يقاويه (5).

قوله: (إذ ظنَّ راوٍ

) (6) إِلَى آخرهِ، أي: الَّذِي قالَ: ((يستفتحونَ بالحمد للهِ ربِ العالمين))، ظنَّ أنَّ المرادَ منْ هَذَا انتفاء البسملةِ، يعني: أنهم يفتتحونَ بهَذَا اللفظِ فزادَ فِيهِ (7): ((لا يذكرونَ ((بسمِ الله الرحمن الرحيم)) فِي أولِ قراءةٍ، ولا

(1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 284.

(2)

انظر: النكت لابن حجر 2/ 752 وبتحقيقي: 520.

(3)

مختصر المختصر (498).

(4)

هو سويد بن عبد العزيز. انظر: التقريب (2692). زيادة على أن فيه الحسن البصري وقد عنعن.

(5)

هكذا في (أ) و (ب) و (ف)، وقال صاحب القاموس المحيط مادة (قوي):((وقاويته فقويته: غلبته)).

(6)

التبصرة والتذكرة (202).

(7)

في (ب): ((فيها)).

ص: 514

آخرِها))، قَالَ ابنُ الصلاحِ:((فعلل (1) قومٌ (2) رِوَايَةَ اللفظِ المذكورِ- يعني: فيما انفردَ بِهِ مسلمٌ. بنفيِ البسملةِ (3) - لما رأوا الأكثرينَ إنما قالوا فِيهِ

: ((فكانوا يستفتحونَ القراءةَ بالحمد لله رب العالمين)) منْ غيرِ تعرُّضٍ لذكرِ البسملةِ، وَهُوَ الَّذِي اتفقَ البخاريُّ (4) ومُسلمٌ (5) عَلَى إخراجهِ فِي الصحيحِ،

ورأوا أنَّ مَنْ رواهُ باللفظِ المذكورِ رواهُ بالمعنَى الَّذِي وقعَ لهُ (6)، ففَهِمَ منْ قولهِ: ((كانوا: يستفتحونَ بالحمد

)) أنهمَّ كانوا لا يبسملونَ، فرواهُ عَلَى مَا

فَهِم وأخطأَ؛ لأنَّ معناهُ: أنَّ السورةَ التي كانوا يفتتحونَ بِهَا من السورِ هِيَ الفاتحةُ، وليسَ فِيهِ تعرّض لذكرِ التسميةِ، وانضمَّ إِلَى ذَلِكَ أمورٌ، مِنْهَا: أَنَّهُ ثبتَ عنْ أنس أَنَّهُ سُئِلَ عنِ الافتتتاحِ بالتسميةِ، فَذَكرَ أَنَّهُ لا يحفظُ فيهُ شيئاً عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم (7).

قولُ / 165 أ / أنسٍ: ((إنكَ لتسألُني عنْ شيءٍ مَا أحفظُهُ، وما سألَني عنهُ أحدٌ قبلَكَ)) يحتملُ أنْ يكونَ المعنى مَا سألني عنْ مجموعِ هذهِ المسألةِ، ويحتملُ أن يكونَ سُئِلَ ونَسِيَ، ويحتملُ أنْ يكونَ كانَ ناسياً، ثُمَّ تذكّرَ.

(1) في (ب): ((فعل))، خطأ.

(2)

أراد به الدارقطني. انظر: سننه 1/ 316، ونكت ابن حجر 2/ 766 وبتحقيقي:532.

(3)

صحيح مسلم 2/ 12 (399)(50) و (52).

(4)

صحيح البخاري 1/ 189 (743).

(5)

صحيح مسلم 2/ 12 (399) كلاهما: (البخاري ومسلم) من طريق شعبة، عن قتادة، عن أنس، به.

(6)

في (ب): ((لهم)).

(7)

رواه الإمام أحمد في "المسند" 3/ 166، وابن خزيمة (1010) إلا أنه اختصره، وحذف منه موطن الشاهد، بدلالة رواية الدارقطني فِي "السنن" 1/ 316، قال الدارقطني:((هَذَا إسناد صحيح))، وقال الهيثمي 2/ 108:((رجاله ثقات)).

ص: 515

قولُ البيهقيِّ: ((فِي هَذَا دلالةٌ عَلَى أنَّ مقصودَ أنسٍ مَا ذَكَرهُ الشافعيُّ)) (1)، يعني: أنَّ هَذَا السؤالَ لهُ شقّانِ:

أحدهما: السؤالُ عنِ الافتتاحِ بالبسملةِ.

والثاني: الافتتاحُ بأمِّ القرآنِ، وَهُوَ المرادُ بقولهِ:((الحمد لله رب العالمين)) فنفيهُ إنما يتسلطُ عَلَى الشقِّ الأولِ، لأنَّ الافتتاحَ بأمِّ القرآنِ قَدْ أثبتَهُ فِي غيرِ هذهِ الروايةِ. هكذا فهمتُ منْ تقديرِ شيخِنا. والذي يظهر لِي أنَّ هَذَا لا يدلُّ عَلَى مَا قالَ الشافعيُّ؛ لأنهُ لا يخلو إمّا أنْ تكونَ البسملةُ من الفاتحةِ، فيكونَ الابتداءُ بِهَا، أو لا تكونُ مِنْهَا، فيكون الابتداءُ، بقوله:((الحمد لله رب العالمينَ)). فلا يصحُّ نفيُّ السؤالِ عنِ البسملةِ، وإثباتهُ لأمِّ القرآنِ؛ لأنَّ ذلكَ يؤدي إِلَى أنْ يكونَ جزءُ الشيء قسيماً لهُ.

قولُ أَبِي شامةَ: ((قَالَ: نحنُ سألناهُ عنهُ)) (2) تلبيسٌ، فإنَّهُ يُفهِمُ أنَّ سؤالَ قتادةَ عنِ الاستفتاحِ بأيّ سورةٍ، وإنما سؤالهُ عنِ الجهر؛ فإنَّ مسلماً (3) قالَ: حَدَّثَنَا ابنُ المثنى وابنُ بشارٍ، كلاهما عنْ غندرٍ (4)، حَدَّثَنَا شعبةُ، سمعتُ قتادةَ يحدّثُ، عنْ أنسٍ قَالَ:((صلّيتُ مَعَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وأبي بكرٍ، وعمرَ، وعثمانَ رضي الله عنهم فَلَمْ أسمع أحداً منهم يقرأُ: بسم الله الرحمن الرحيم)) حَدَّثَنَا / 165ب/ محمدُ ابنُ المثنى، قَالَ: حَدَّثَنَا أبو داود، قَالَ: حَدَّثَنَا شعبةُ في هَذَا الإسنادِ، وزادَ: قَالَ شعبةُ فقلتُ لقتادةَ: أسمعتَهُ منْ أنسٍ؟ قَالَ: ((نحنُ سألناهُ عَنْهُ)). قَالَ شيخُنا: ((فهذا

(1) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 284.

(2)

انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 285.

(3)

صحيح مسلم 2/ 12 (399)(50) و (51).

(4)

في صحيح مسلم بعد ذلك: ((قال ابن المثنى، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة

)).

ص: 516

صريحٌ فِي أنَّ السؤالَ كَانَ عنْ عدمِ سماعِ القراءةِ، لا عَن الاستفتاحِ بأيِّ سورةٍ)).

قلتُ: قولُهُ: (غير سؤالِ أَبِي مسلمةَ)(1) أفادَ بعضُ أصحابِنا: أنَّ شيخَنا نقلَ عنْ جزءٍ للخطيبِ فِي الجهرِ بالبسملةِ: أنَّ قتادةَ سألهُ، كما سألهُ أبو مسلمةَ، فأجابهُ:((بالحمد لله رب العالمين)).

قولُهُ: (ففيه نظرٌ)(2) قَالَ المصنفُ فِي " النكت "(3) مَا حاصلُه: ((إنَّهُ إنْ كَانَ مرادُهُ أَنَّهُ لَيْسَ صحيحاً فليسَ كذلكَ، وإنْ كانَ مرادُهُ أَنَّهُ ليسَ فِي واحدٍ من صحيحي البخاريِّ ومسلمٍ فلا يلزمُ من (4) ذَلِكَ كونهُ غيرَ صحيحٍ، وإنْ كَانَ مرادُهُ أَنَّهُ وإنْ كَانَ صحيحاً لا يكونُ فِيهِ قوةُ المعارضةِ لما فِي أحدِهما؛ لأنَّهُ يرجّحُ عِنْدَ التعارضِ بالأصحيةِ. فالجوابُ من وجهينِ: أحدهما: إنَّ هَذَا إذا لَمْ يمكنِ الجمعُ، وقدْ تقدّمَ الجمعُ بأنَّ المرادَ بحديثِ "الصحيحينِ" الابتداءُ بالفاتحةِ لا نفي البسملةِ.

والثاني: أنهُ إنما يرجّحُ مَا فِي أحدِهما حيثُ كَانَ مِمَّا لَمْ يضعفْهُ الأئمةُ، فأمّا ماضعَّفوهُ - كهذا الحديثِ - فلا)).

قولُهُ: (والبيهقيُّ لا يقولونَ بصحةِ حديثِ أنسٍ)(5) زادَ المصنفُ فِي "تخريجهِ لأحاديثِ الإحياء"، فَقَالَ:((وابن عَبْد البرّ))، ولعلهُ أخذهُ مِمَّا تقدّمَ فِي قوله:((وقد اعترضَ ابْن عَبْد البر))، وكذا قولُهُ:((وهذا اضطرابٌ .. )) إِلَى آخرهِ. والله أعلمُ.

(1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 285.

(2)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 285.

(3)

التقييد والإيضاح: 124.

(4)

لم ترد فِي (ب).

(5)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 285.

ص: 517

قولُهُ: (وفيه دلالةٌ عَلَى الجهرِ مطلقاً .. )(1) إِلَى آخرهِ، ليسَ كذلكَ، فإنهُ يحتملُ أنْ يكونَ فهمَ منهُ قرينةً تدلُ عَلَى أنَّ سؤالَهُ عنْ بعضِ الأحوالِ دونَ بعضٍ، ولا يدلُّ عَلَى إثباتِ ((بسم / 166 أ / الله الرحمن الرحيم)) فإنهُ إنما سألهُ عَن الكيفيةِ، فذكرَ لهُ كلاماً، لَوْ قرأَهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم لقرأَهُ كذلك، ولم يسأْلهُ عَن المقروءِ مَا هُوَ.

وقولُ أَبِي شامةَ: ((ولنا أنْ نقولَ: الظاهرُ أنَّ السؤالَ لَمْ يكنْ إلا عنْ قراءتهِ فِي الصلاةِ، حَتَّى قَالَ: نحنُ سألناهُ عَنْهُ)). ليس كذلكَ؛ فإنَّ قتادةَ إنما قَالَ: نحن سألناهُ عنهُ، فِي الروايةِ الَّتِيْ فيها نفيُ الجهرِ، كما تقدّمَ.

قولُهُ: (والخلافُ فِي الكتابةِ معروفٌ كما سيأتي)(2) وسيأتي أنَّ الصحيحَ العملُ بِهَا، غيرَ أنها لا تكونُ كالتحديثِ، فيقدّمُ عَلَيْهَا عندَ التعارضِ، لكنَّ هَذَا إذا كانَ الكاتبُ هُوَ الرَّاوي، وأمّا هنا فالأمرُ عَلَى غيرِ ذلكَ، فإنْ قتادةَ وُلِدَ أكمهَ، فمن الأمر المحققِ أَنَّهُ لمْ يكتبِ الكتابَ، إنما كتبهُ غيرُهُ، ولم يعرفْ ذلكَ الغيرَ مَنْ هُوَ.

قَالَ شيخُنا: ((ولا ينبغي أنْ يعرجَ فِي إعلالِ هَذَا الحَدِيْث، عَلَى سوى هذهِ العلةِ، فإنَّ أمرَها راجعٌ (3) إِلَى أنَّ فِي السندِ مجهولاً، وكأنَّ الأوزاعيَّ، قَالَ: كتبَ إليَّ كاتبٌ عَن قتادةَ

)) إِلَى آخرهِ. وأمّا أمرُ البسملةِ فِي إثباتها فِي الصلاةِ أولَ الفاتحة ونفيِها، فالذي تعيّنَ (4) - كما حرّرهُ شيخُنا -: أن يقالَ بهِ ولا يلتفتُ إِلَى سواهُ: أنْ ينظرَ إليها نَظرَ (5) الفقهاءِ والقراءِ، وَهُوَ أنَّ الشافعيَّ إنما أثبتَها؛ لأنهُ صرّحَ أنَّ قراءتَهُ قراءةُ عَبْدِ اللهِ بنِ كثيرٍ، وهي ثابتةٌ فِي روايتهِ قرآناً متواتراً، مَنْ جَحَدَها من

(1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 286.

(2)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 286.

(3)

في (ف): ((رجع)).

(4)

في (ف): ((يتعين)).

(5)

لم ترد في (ف).

ص: 518

روايتهِ بعد علمهِ بتواترِها كَفَرَ، كما لَوْ جحدَ مثلاً كلمة ((مِنْ)) فِي قولهِ تعالى:{تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} فِي سورةِ براءةَ (1)، ونحو ذَلِكَ، وإنما نفاها مالكٌ -- مثلاً-؛ لأنّ قراءتَهُ قراءةُ المدنيينَ، ولم تثبتْ فِي روايتِهم. فالذي يتحرّرُ أنَّ الشخصَ - شافعياً كانَ، أو غيرَهُ- إذا قرأَ فِي صلاةٍ أو غيرها بروايةِ مَنْ يَرى البسملةَ / 166 ب / آيةً وأَسقطَها، فَقَدْ أساءَ لمخالفتهِ للروايةِ، وإنْ قرأَ لغيرهِ وأسقطَها، فهوَ محسنٌ. وهذا واضحٌ لا غبارَ عَلِيهِ، وَهُوَ موافقٌ لما قالَ شيخُنا، إمامُ أهلِ القراءاتِ فِي عصرهِ شمسُ الدينِ أبو الخيرِ مُحَمَّدُ بنُ الجزرِيِّ فِي كتابهِ

" النشرِ " الَّذِي تلقّتهُ الأمةُ بالقبولِ وأقرّ لهُ الفحولُ أَنَّهُ لَمْ تسمعِ (2) الأعصارُ بمثلهِ، بعدَ أنْ حَكَى الأقوالَ فِي أنها آيةٌ من الفاتحةِ أو غيرها، أو ليست بآيةٍ فإنهُ قَالَ (3):((وهذه الأقوالُ ترجعُ إِلَى النفي والإثباتِ، والذي نعتقدُهُ أنَّ كليهما صحيحٌ، وأنَّ ذَلِكَ حقٌّ؛ فيكونُ الاختلافُ فيهما كاختلافِ القراءاتِ)). قَالَ السخاويُّ (4): ((واتفقَ القرّاءُ عَلَيْهَا فِي أولِ الفاتحةِ، فابنُ كثيرٍ، وعاصمٌ، والكسائيُّ، يعتقدونها آيةً منها ومنْ كلِّ سورةٍ، ووافقهم حَمْزَةُ عَلَى الفاتحة خاصةً، وأبو عَمْرٍو، وقالونُ، ومَنْ تابعَهُ من قرّاءِ المدينةِ لا يعتقدونَها آيةً من الفاتحةِ)). انتهى.

ويحتاج إِلَى تعقّبٍ، فلو قَالَ:((يعتقدونها من القرآنِ أول سورةٍ)) ليعمَّ كونها

(1) وهي جزء من الآيتين 72، و89 من سورة التوبة.

(2)

في (ف): ((تسمح)).

(3)

لم ترد في (ف).

(4)

هو أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الصمد الهمداني المصري السخاوي الشافعي، نزيل دمشق، وشيخ القراء والأدباء، له مؤلفات منها: جمال القراء، ومنير الدياجي في الآداب، توفي سنة (643 هـ).

انظر: سير أعلام النبلاء 23/ 122، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 8/ 297 - 298.

ص: 519

آيةً مِنْهَا أو فيها، أو بعضَ آيةٍ، لكانَ أسدَّ؛ لأنّا لا نعلمُ أحداً منهم عدَّها آيةً منْ سورةٍ سوى الفاتحة نصاً.

وقولُهُ: ((إنَّ قالونَ ومَنْ تابعهُ منْ قرّاءِ المدينةِ لا يعتقدُونَها آيةً من الفاتحةِ)). فِيهِ نظرٌ، إذْ قَدْ صحَّ نصاً، أنَّ إسحاقَ (1) بنَ مُحَمَّدٍ المسيبيَّ، أوثقُ أصْحَابِ نافعٍ وأجلُّهم، قَالَ: سألتُ نافعاً عنْ قراءةِ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) فأمرني بِهَا، وَقَالَ:((أشهدُ أنها من السبعِ المثاني، وأنَّ اللهَ أنزلها)) رَوَى ذَلِكَ الحافظُ أبو عَمْرِو الدانيُّ بإسنادٍ صحيحٍ، وكذلك / 167 أ / أبو بَكْر بنُ مجاهدٍ، عنْ شيخهِ موسى بنِ إِسْحَاقَ القاضي، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ المسيبيِّ، عنْ أبيهِ، ورويا أيضاً عَن ابن المسيبيِّ، قَالَ:((كنا نقرأُ بسم الله الرحمن الرحيم أول فاتحةِ الكتابِ، وفي أولِ سورةِ البقرةِ، وبينَ السورتينِ فِي العرضِ والصلاةِ (2)))، هَذَا كانَ مذهبَ القرّاءِ بالمدينةِ. قَالَ (3):((وفقهاءُ المدينةِ لا يفعلونَ ذَلِكَ)).

قُلتُ: حَكَى أبو الْقَاسِمِ الهذليُّ، عنْ مَالِكٍ: أَنَّهُ سألَ نافعاً عَن البسملةِ، فقالَ:((السُنّةُ الجهرُ بِهَا)) فسلمَ إليه، وَقَالَ:((كلُ عِلمٍ يُسألُ عنهُ أهلُهُ)) (4) انتهى. فإنْ كَانَ ماذَكرَهُ شيخُنا عنْ قالونَ صحيحاً؛ فَقَد اضطربَ النقلُ عنْ نافعٍ. والظاهرُ أنَّ أولَ من حرّرَ هذهِ المسألةَ، أبو محمدِ بنُ حزمٍ فِي كتابه "المحلى" (5) فَقَالَ فِي كِتَاب الصلاةِ: ((مَن كانَ يقرأُ بروايةِ مَنْ عَدَّ من القرّاءِ البسملةَ آيةً مِنْ أمّ القرآنِ، لمْ تجزئهُ الصلاةُ إلا بالبسملةِ، وهم: عاصمٌ، وحمزةُ،

(1) في (ب): ((إبراهيم)).

(2)

في (ف): ((وللصلاة)).

(3)

أي: ابن المسيبي.

(4)

انظر: النشر في القراءات العشر 1/ 269.

(5)

المحلى 3/ 251.

ص: 520

والكسائيُّ، وابنُ كثيرٍ، وغيرُهم من الصحابةِ والتابعينَ، ومَنْ كَانَ يقرأُ بروايةِ مَنْ لا يعدُّها آيةً مِنْ أمِّ القرآنِ، فهو مُخيرٌ بَيْنَ أنْ يبسملَ، وبين أنْ لا يبسملَ، وهم: ابنُ عامرٍ، وأبو عَمْرٍو، ويعقوبُ، وفي بعضِ الرواياتِ عَن نافعٍ)) انتهى (1).

قولُهُ: (مدلس كما تقدمَ)(2) أي: فِي فنِّ التدليسِ. وأفادَ شيخُنا أنَّ روايةَ الوليدِ هذهِ فِي " جزءِ القراءةِ خلفَ الإمامِ "(3) للبخاري، وفيها التصريحُ بالتحديثِ، لكنْ قَالَ الشيخُ فِي " النكت " (4):((وإنْ كانَ قَدْ صرّحَ بسماعهِ من الأوزاعيّ، فإنهُ يدلّسُ تدليسَ التسويةِ، أي: يسقط [شيخَ] (5) شيخهِ الضعيفَ كما تقدّمَ نقُلهُ عَنْهُ)).

قولُهُ: (وكثرَ التعليلُ بالإرسالِ)(6) تقدّمَ مَا فِي قولهِ: ((التعليلُ)) فلوْ / 167 ب / قال (7): ((الإعلالُ)) لكانَ أولى، والإرسالُ مرادُهُ بِهِ هنا ((المرسلُ))، وكذا الوصلُ مرادهُ بِهِ ((الموصولُ)) أي: وكثر إعلالُ الموصولِ بالمرسلِ.

قولُهُ: (ونوع جرح)(8) أي: ويعلّونَهُ بأي نوعٍ كانَ منْ أنواعِ الجرحِ، لا يقالُ: لَوْ قَالَ: ((كلُ جرح)) كَانَ أحسنَ؛ لأنهُ لَوْ قَالَ كذلكَ؛ لفُهِم منهُ أَنَّهُ لا يحكمُ بالعلةِ فِي حَدِيْثٍ، إلاّ إن اجتمعَ فِيهِ كلُّ جرحٍ.

(1) لم ترد فِي (ب).

(2)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 287.

(3)

جزء القراءة (130).

(4)

التقييد والإيضاح: 121.

(5)

ما بين المعكوفتين لم يرد في جميع النسخ وهو من التقييد.

(6)

التبصرة والتذكرة (204).

(7)

جاء في حاشية (أ): ((أي فِي النظم)).

(8)

التبصرة والتذكرة (205).

ص: 521

قولُهُ: (وكثيراً مَا يعللونَ)(1) تقدّمَ أنَّ صوابَهُ: ((يعلّونَ))، منْ أعلّ.

قولُهُ: (ولهذا)(2) أي: لمعرفة العللِ جليِّها وخفيِّها. (اشتملتْ كتبُ عللِ الحديثِ)، أي: فإنهم إذا جمعوا طرقَ الحَدِيْثِ تبينتْ عللُهُ.

قولُهُ: (وقد يعلّونَ الحَدِيْثَ بأنواع الجرح)(3) أي: من الأشياءِ الَّتِيْ ليستْ بخفيةٍ، وذلكَ مِنْ قائلهِ إما تجوّزاً عنِ الاصطلاحِ، ونظراً إِلَى معناها اللغويِّ فَقَطْ، وإمّا أنْ يكونَ قالهَ قَبْلَ تقرّرِ الاصطلاحِ (4).

قُلتُ: قولُهُ: (وأرسلهُ غيره)(5) أي: بشرط أنْ يكونَ مثلَهُ فِي الثقةِ، ولا مرجحَ، أو دونهُ، وأمّا إذا كَانَ فوقَهُ فإنهُ يكونُ الحكمُ لَهُ فيقدحُ، والله أعلمُ.

قولُهُ: (صحيحٍ متفقٍ عليهِ)(6) ليسَ مرادُهُ بالمتفقِ عليهِ المخرجَ فِي "الصحيحينِ"، إنما مرادُهُ الَّذِي اتفق عَلَى وصفِ راويهِ بالثقةِ أهلُ الحديثِ، ولم يذكرْ أحدٌ لَهُ علةً.

قولُهُ: (وصحيح معلول)(7) أي: كأنْ يظهر أنَّ فِيهِ علّةً، فيتبينُ بعدَ ذلكَ بالفحصِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ علةٌ، كحديثِ أَبِي هريرةَ الآتي، فيسميه معلولاً باعتبارِ مَا كانَ عَليهِ، وصحيحاً باعتبارِ ما آلَ بهِ النظرُ إليه (8).

(1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 287.

(2)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 287.

(3)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 288.

(4)

إن إطلاق العلة على الأمر الخفي القادح: قيد أغلبي؛ لأنا وجدنا كثيراً من الأقوال عند العلماء الجهابذة الفهماء أطلق لفظ العلة على غير الخفي.

ولمزيد من الفائدة انظر تعليقنا على شرح التبصرة والتذكرة 1/ 288.

(5)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 288.

(6)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 289.

(7)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 289.

(8)

جاء في حاشية (أ): ((بلغ صاحبه الفاضل شهاب الدين أحمد الحمصي أدام الله النفع به قراءة في البحث وسمع الجماعة كتبه جامعه إبراهيم البقاعي)).

ص: 522

قولُهُ: (وصحيح مختلف فِيهِ)(1) أي: بعضهم يَقُولُ: إنَّ راويَهُ ثقةٌ، وبعضُهم يَقُولُ: إنهُ لَيْسَ بثقةٍ، فاختلفوا / 168 أ / فِي علّتهِ، فمنهم مَنْ أثبتَها، ومنهم مَن نفاها.

قولُهُ: (ثُمَّ مثل الصحيحَ المعلَّ

) (2) إلى آخرهِ، هَذَا عكسُ المعلولِ سواءً، فإنَّ المعلولَ (3) مَا كانَ ظاهرُهُ السلامةُ، فاطّلعَ فِيهِ بعدَ الفحصِ عَلَى عوارٍ، وهذا لما اتفق أصْحَابُ مالكٍ عَلَى روايتهِ معضلاً، كَانَ ظاهرُهُ الإعلالُ، فلما فتشَ؛ وُجِدتِ الطريقُ الموصلةُ، فتبيّنَ بِهَا صحتهُ.

قُلتُ: قولُهُ: (فقدْ صار الحديثُ بتبين الإسناد صحيحاً)(4) أي: بالاتفاقِ، وإلا فهو قَدْ كَانَ صحيحاً عِنْدَ مَن يحتجُ بالمنقطع، ومنهم مالكٌ، واللهُ أعلم.

قولُهُ: (وكانَ مالكٌ يرسلُ أحاديث)(5) إنما كَانَ (6) يفعلُ ذَلِكَ؛ لأنَّ المرسلَ ونحوَهُ عندَهُ حجةٌ (7)، فسواءٌ عندَهُ روايتهُ موصولاً، وغير موصولٍ.

قولُهُ: (كما قالَ بعضهم: من الصحيح مَا هُوَ صحيحٌ شاذٌ)(8) قائلُ ذَلِكَ هُوَ الخليليُّ أيضاً (9)، فلو أسقطَ كلمةَ ((بعضهم)) (10) من البيتينِ لانتظمَ

الكلامُ.

(1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 289.

(2)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 289.

(3)

عبارة: ((سواء فإن المعلول)) لم ترد في (ف).

(4)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 289.

(5)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 289.

(6)

لم ترد فِي (ب).

(7)

زاد بعدها في (ف): ((فسواء عنده حجة)).

(8)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 289.

(9)

انظر: الإرشاد للخليلي 1/ 157.

(10)

بعد هذا في (أ) و (ف): ((وما يدل عليها)).

ص: 523