المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

صحيحاً لغيرهِ، فالتفرّدُ هوَ الذِي قَصَرَ بهِ عَن درجةِ الصحيحِ. قلتُ: - النكت الوفية بما في شرح الألفية - جـ ١

[برهان الدين البقاعي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة التحقيق

- ‌البقاعي وكتابه النكت

- ‌طلبه للعلم

- ‌شيوخه:

- ‌تلامذته:

- ‌مصنفاته

- ‌ثناء العلماء عليه:

- ‌نقد العلماء له والكلام عليه:

- ‌وفاته:

- ‌دراسة كتاب " النكت الوفية بما في شرح الألفية

- ‌نشأة علم مصطلح الحديث وتطوره حتى زمن البقاعي

- ‌وصف النسخ المعتمدة فِي التحقيق

- ‌منهج التحقيق

- ‌صور المخطوطات

- ‌أَقْسَامُ الْحَدِيْثِ

- ‌أَصَحُّ كُتُبِ الْحَدِيْثِ

- ‌الْمُسْتَخْرَجَاتُ

- ‌مَرَاتِبُ الصَّحِيْحِ

- ‌ نَقْلُ الْحَدِيْثِ مِنَ الكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ

- ‌القِسْمُ الثَّانِي: الْحَسَنُ

- ‌(القِسْمُ الثَّالِثُ: الضَّعِيْفُ)

- ‌ المرفوع

- ‌المسند

- ‌المتصل والموصول

- ‌الموقوف

- ‌المقطوع

- ‌المرسل

- ‌الْعَنْعَنَةُ

- ‌تَعَارُضُ الْوَصْلِ وَالإِرْسَالِ، أَو الرَّفْعِ وَالوَقْفِ

- ‌التدليس

- ‌الشَّاذُّ

- ‌المنكر

- ‌الاعتبار والمتابعات والشواهد

- ‌زيادات الثقات

- ‌الأفراد

- ‌المعلل

- ‌المضطرب

- ‌المُدْرَجُ

- ‌الموضوع

- ‌المقلوب

- ‌تنبيهات

- ‌معرفة صفة من تقبل روايته ومن ترد

الفصل: صحيحاً لغيرهِ، فالتفرّدُ هوَ الذِي قَصَرَ بهِ عَن درجةِ الصحيحِ. قلتُ:

صحيحاً لغيرهِ، فالتفرّدُ هوَ الذِي قَصَرَ بهِ عَن درجةِ الصحيحِ.

قلتُ: قولُهُ: (فينظرُ في هَذا الراوي

) (1) إلى آخرهِ، قولٌ منهُ بإمكانِ التصحيحِ في هَذا الزمانِ، وقد تقدّمَ نفيُهُ لَهُ في شرح قوله:(وعنده التصحيحُ ليسَ يمكنُ)(2) فكأنهُ نسيَ ما قالَ هناكَ، ولا يقالُ: إنهُ عَنَى قبولَ الخبرِ مِن جهة أنهُ حسنٌ، لا مِن جهةِ الصحةِ؛ لأنهُ لا يكونُ حينئذٍ بينهُ وبينَ منِ استحسنَ حديثهُ فرقٌ، فيتهافتُ الكلامُ، واللهُ أعلمُ.

‌المنكر

(3)

قولهُ:

167 -

وَالْمُنكَرُ: الفَرْدُ كَذَا البَرْدِيجِيْ

أَطْلَقَ، وَالصَّوَابُ فِي التَّخْرِيْجِ

168 -

إِجْرَاءُ تَفْصِيْلٍ لَدَى الشُّذُوْذِ مَرْ

فَهْوَ بِمَعْناهُ كَذَا الشَّيْخُ ذَكَرْ

169 -

نَحْوَ ((كُلُوا البَلَحَ بالتَّمْرِ)) الخَبَرْ

وَمَالِكٍ سَمَّى ابْنَ عُثْمَانَ: عُمَرْ

170 -

قُلْتُ: فَمَاذَا؟ بَلْ حَدِيْثُ ((نَزْعِهْ

خَاتَمَهُ عِنْدَ الخَلَا وَوَضْعِهْ))

(1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 248.

(2)

التبصرة والتذكرة (39).

(3)

انظر في المنكر:

معرفة أنواع علم الحديث: 169، والإرشاد 1/ 219، والتقريب: 69، والاقتراح: 212، والمنهل الروي: 51، ورسوم التحديث: 77، والخلاصة: 70، والموقظة: 42، واختصار علوم الحديث 1/ 183، وبتحقيقي: 142، والشذا الفياح 1/ 185، والمقنع 1/ 179، ومحاسن الاصطلاح: 87، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 251، وتنقيح الأنظار: 155، ونزهة النظر: 52، والمختصر: 125، وفتح المغيث 1/ 190، وألفية السيوطي: 39، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 89، وفتح الباقي 1/ 237، وتوضيح الأفكار 2/ 3، وظفر الأماني: 356، وشرح شرح نخبة الفكر: 454، واليواقيت والدرر 2/ 62، وقواعد التحديث: 131، والحديث المعلول قواعد وضوابط: 66 - 77، ولمحات في أصول الحديث: 258، وأثر اختلاف الأسانيد والمتون في اختلاف الفقهاء:465.

ص: 466

قوله (1): (كذا البرديجي)(2) ما أطلقهُ البرديجيُّ موجودٌ في كلامِ أحمدَ، فإنهُ يصفُ بعضَ ما تفرّدَ بهِ بعضُ الثقاتِ بالمنكرِ، ويحكمُ على بعضِ رجالِ الصحيحينِ أنَّ لَهُم مناكيرَ، لكن يعلمُ مِن استقراءِ كلامهِ أنهُ لابدَّ معَ التفرّدِ مِن أنْ ينقدحَ في النفسِ أنَّ لَهُ علةً / 149أ /، ولا يقومُ عليها دليلٌ على نحوِ ما تقدّمَ عَن الحاكمِ في الشاذَ، ويؤيدُه قولُ مسلمٍ:((إنَّ المنكرَ أن يَعمدَ الرجلُ إلى مثلِ الزهريِّ في كثرةِ الأصحابِ، فينفردَ مِن بينهم عَنهُ بروايةِ حرفٍ لا يوجدُ عندَ أحدٍ منهم، فمثلُ هَذا يقومُ في النفسِ فيهِ ريبةٌ لمجردِ التفرّدِ، وقد لا يقدرُ على التعبيرِ عنها)) (3).

قولُهُ: (فهوَ بمعناهُ)(4) أي: فالمنكرُ بمعنى الشاذِّ، ليسَ كذلكَ، بل كلٌّ منهما اسمٌ لشيءٍ مخصوص (5)، فالشاذُّ: اسمٌ لما خالفَ فيهِ الثقةُ مَن هوَ أوثقُ منهُ، أو تفرّدَ بهِ الخفيفُ الضبطِ. والمنكرُ: اسمٌ لما خالفَ فيهِ الضعيفُ، أي الذِي ينجبرُ إذا تُوبعَ، أو تفرّدَ بهِ الأضعفُ، أي: الذِي لا ينجبرُ وَهيُهُ بمتابعةِ مثلهِ.

قولُهُ: (ومالك)(6) عطفٌ على ((كلوا))، أي: نحوَ كلوا، ونحوَ مالكٍ في تسميةِ ابنِ عثمانَ عمرَ، وهوَ على حذفِ مضافٍ، أي: ونحو تسميةِ مالكٍ، فكأنهُ قيلَ: ما سَمَّى؟ قالَ: سَمَّى ابنَ عثمانَ عمرَ، أو يكونُ التقديرُ: ونحو مالكٍ في أن سَمَّى .. (7) فالحاصلُ أنَّ مرادَهُ: نحو هَذا الحديثِ، ونحو هَذا السندِ.

(1) كلمة: ((قوله)) لم ترد في (أ) و (ب).

(2)

التبصرة والتذكرة (167).

(3)

انظر: مقدمة صحيح مسلم 1/ 7.

(4)

التبصرة والتذكرة (168).

(5)

جاء في حاشية (أ): ((المنكر يقابله المعروف، والشاذ يقابله المحفوظ)).

(6)

التبصرة والتذكرة (169).

(7)

جملة: ((أو يكون التقدير ونحو مالك في أن سمى)) لم ترد في (ب) و (ف).

ص: 467

قولهُ: (لا مِن الوجهِ الذِي رواهُ منهُ .. )(1) إلى آخرهِ، أي: لا يعرفُ إلا عَنهُ، لا بمتابعةٍ تامةٍ، ولا بمتابعةٍ قاصرةٍ، وإلى ذلِكَ أشارَ ((بالوجهِ الذِي رواهُ منهُ)) ولا بشاهدٍ، وإلى ذلِكَ أشارَ ((بالوجهِ الآخرِ)).

قولُهُ: (في كلامِ كثيرٍ مِن أهل الحديثِ)(2) أي: كَما تقدّمَ عَن أحمدَ، ومسلمٍ، ويأتي عَن أبي داودَ.

قولُهُ: (نحو كلوا البلحَ بالتمرِ، فإنَّ ابنَ آدمَ إذا أكلهُ غضبَ الشيطانُ)(3) وقالَ: ((عاشَ (4) ابنُ آدمَ حتى أكلَ الجديدَ بالخَلقِ)) (5) فيهِ (6) مِن النكارةِ / 149 ب / وجهانِ: الأول: تفرّدُ أبي زكيرٍ، وَهوَ غيرُ ضابطٍ، فإنهُ صدوقٌ يخطىءُ (7) كثيراً، وَهوَ وإن كانَ في عدادِ مَن ينجبرُ، لكنهُ لما أتى بهذا المتنِ الركيكِ الألفاظِ، البعيدِ مِن القواعدِ، كانَ كأنهُ خالفَ مَن هوَ أقوى

منهُ.

(1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 251.

(2)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 251.

(3)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 252.

(4)

تكررت في (ف) عبارة: ((وقال: عاش)).

(5)

أخرجه: ابن ماجه (3330)، والنسائي في "الكبرى"(6724)، وابن حبان في "المجروحين" 3/ 120، والعقيلي في "الضعفاء" 4/ 427، وأبو يعلى (4399)، وابن عدي في "الكامل" 7/ 2698، والحاكم في "المستدرك" 4/ 21، وفي "معرفة علوم الحديث": 100 - 101، والخطيب في "تاريخه" 5/ 353 من حديث عائشة رضي الله عنها. قال أبو حاتم والذهبي:((منكر)) وكذا استنكره العقيلي وابن عدي، وقال ابن حبان:((وهذا الكلام لا أصل له من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم)) وساقه ابن الجوزي في "الموضوعات" 3/ 25 - 26، والسيوطي في "اللآليء المصنوعة" 2/ 243 - 244، وذكر أن البلية فيه من أبي زكير.

(6)

لم ترد في (ف).

(7)

انظر: تهذيب الكمال 8/ 84 - 85، وميزان الاعتدال 4/ 405 (9616).

ص: 468

وقوله فيهِ: (شيخٌ صالحٌ)(1) أخذهُ مِن الحافظِ أبي يعلى الخليليِّ القزوينيِّ في كتابهِ " الإرشادِ ". (2) قالهُ الشيخُ في " النكتِ "(3). قالَ شيخُنا: ((والمرادُ أنهُ صالحٌ في دينهِ، وليسَ مرادُهُ ما يتبادرُ إلى الذهنِ مِن أنهُ صالحُ الحديثِ (4)))، ويؤيدُ ذلِكَ قولهُ:((غير أنَّهُ لَم يبلغْ مبلغَ مَن يحتملُ تفرّدهُ)) (5).

وقوله: (أخرجَ عَنهُ مسلمٌ في كتابهِ)(6) أي: غيرَ هَذا الحديثِ في موضعٍ واحدٍ، وإنما ساقه متابعةً، كَما قالَ الشارحُ. قالَ الشيخُ في "النكتِ" (7):((وقد أطلقَ الأئمةُ عليهِ القولَ بالتضعيفِ، فقالَ يحيى بنُ معينٍ - في ما رواهُ عَنه (8) إسحاقُ الكوسجُ -: ((ضعيفٌ)) (9). وقالَ أبو حاتمِ بنُ حبانَ: ((لا يحتجُّ

بهِ)) (10). وقالَ العقيليُّ: ((لا يتابعُ على حديثهِ)) (11) وأوردَ لَهُ ابنُ عدي أربعةَ أحاديثَ مناكيرَ)) (12) انتهى.

(1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 252.

(2)

هو في الإرشاد 1/ 173. وعبارة الخليلي فسرها الحافظ ابن حجر في النكت 2/ 680 بقوله: ((وقول الخليلي: إنه شيخ صالح: أراد به في دينه لا في حديثه؛ لأن عادتهم إذا أرادوا وصف الراوي بالصلاحية في الحديث قيدوا ذلك، فقالوا: صالح الحديث، فإذا أطلقوا الصلاح فإنما يريدون به الديانة، واللهُ أعلم)).

(3)

التقييد والإيضاح: 108.

(4)

انظر: النكت لابن حجر 2/ 680 وبتحقيقي: 457.

(5)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 252.

(6)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 252.

(7)

التقييد والإيضاح: 109.

(8)

في (أ) و (ب) و (ف): ((عن)) والصواب ما أثبت.

(9)

انظر: الجرح والتعديل 9/ 226.

(10)

المجروحين 3/ 119 - 120.

(11)

الضعفاء 4/ 427.

(12)

الكامل 9/ 104 - 106.

ص: 469

الوجهُ الثاني مِن نكارتهِ (1): ركاكةُ معناهُ، وعدمُ انطباقهِ على محاسنِ الشريعةِ؛ لأنَّ الشيطانَ لا يغضبُ مِن مطلقِ حياةِ ابنِ آدمَ، بل من حياتِهِ مسلماً مطيعاً، بل ولا يغضبُ مِن حياتِهِ كذلكَ لطمعهِ في إغوائهِ، بل ولا نظرَ لَهُ في غضبهِ إلى الحياةِ أصلاً، إنما نظرُهُ إلى بقائهِ على الطاعةِ، ولو ماتَ عليها لأغضبهُ ذلِكَ، ولو كانَ الأمرُ إليهِ في حياتهِ لسرَّهُ أنْ يمدَ في عمرهِ رجاء استدراجهِ أيضاً (2)، وأيضاً (3) فإنهُ علّلَ غضبَهُ / 150 أ / بجمعِ الجديدِ والعتيقِ، ومجردُ دخولِ زمانِ هَذا على الآخرِ كافٍ مِن غير احتياجٍ إلى أكلهِ لهُ، أو رؤيتهِ، واللهُ أعلمُ.

وتمثيلُ ابنِ الصلاحِ بحديثِ: ((لا يرثُ المسلمُ الكافرَ)) (4)، والشيخ بحديثِ:((وضع الخاتمَ عند دخولِ الخلاءِ)) (5)، إنما يصحُّ على طريقتِهما في جعلِ المنكرِ بمعنى الشاذِّ؛ فإنَّ المثالينِ لَم تقع فيهما المخالفةُ إلا بينَ مالكٍ وهمامٍ، ومالكٌ في غايةِ الضبطِ والإتقانِ، وهمامٌ ثقةٌ احتجَّ بهِ الجماعةُ؛ فهما مِن قبيلِ الشاذِّ لا المنكرِ على الرَأي الأسدِّ، ومن الغرائبِ أنَّ مالكاً رحمه الله رَوَى حديثاً مِن طريقِ معاويةَ بنِ الحكمِ السلمي رضي الله عنه، عنِ النبي صلى الله عليه وسلم فخالفَ الحفّاظَ في تسميتهِ، فقالَ عُمرُ بنُ الحكمِ - بضمِ العينِ - كَما وقعَ لَهُ في عمرو بنِ عثمانَ سواءً، ووقعَ لشعبةَ مِن هَذا القبيلِ أنهُ رَوَى عَن شخصٍ آخرَ يُسمَّى عَمرُو بنُ عثمانَ،

(1) في (ف): ((نكاره)).

(2)

لم ترد في (ف).

(3)

جاء في حاشية (أ): ((بلغ صاحبه الشيخ شهاب الدين الشافعي الحمصي قراءة في البحث وسمع الجماعة كتبه مؤلفه إبراهيم بن عمر البقاعي الشافعي)).

(4)

الحديث في موطأ مالك (1475) رواية الليثي، وتفصيل تخريجه في تحقيقنا لمعرفة أنواع علم الحديث: 170 - 171.

(5)

تفصيل تخريجه وطرقه في كتابي: ((أثر اختلاف الأسانيد والمتون في اختلاف الفقهاء)): 89 وما بعدها.

ص: 470

فخالفَ الناسَ فيهِ، وقالَ: عَن محمدِ بنِ عثمانَ.

قولُهُ: (وذكرَ مسلمٌ في "التمييزِ")(1) هوَ كتابٌ وضعهُ مسلمٌ في العللِ.

قولُهُ: (وفيهِ نظر مِن حيثُ إنَّ هَذا الحديث ليسَ بمنكرٍ)(2) إلى آخرهِ، اعتراضٌ واهٍ جداً؛ فإنَّ ابنَ الصلاحِ لَم يدّعِ أنَّ الحديثَ شاذٌ، وإنما قالَ ما نصُّهُ:

((المنكرُ على قسمينِ (3): مثالُ الأولِ - وهوَ المنفردُ المخالفُ لما رواهُ الثقاتُ - روايةُ مالكٍ .. )) (4) إلى آخرهِ، ولا شكَّ أنَّ المنكرَ بهذا المعنى كَما يُطلقُ على المتنِ يُطلقُ على السندِ، وعلى (5) موضعٍ منهُ، وهذا منهُ، وَهوَ دَعوَى ابنِ الصلاحِ، وربما أوقعَ صنيعَ الشيخِ في محذورٍ آخرَ، وهوَ أنهُ / 150 ب / ربما أفهمَ أَنَّهُ يشترطُ الشذوذَ فِي السندِ والمتنِ معاً، حَتَّى يُسمَّى شاذاً، وكذا النكارةُ فيهما حَتَّى يستحقَ اسمَ النكارةِ، وليسَ كذلكَ، بل يكفي شذوذُ أحدهما أو نكارتُهُ، عَلَى أنّ هُشَيماً قَدْ شذَّ فِي متنهِ أيضاً، فرواهُ عَن الزهريِّ، عَن عُمَرَ بْنِ عُثْمَانَ، عَن أسامةَ، فَقَالَ:((لا يتوارثُ أهلُ ملتينِ)) (6) فخالفَ الناسَ بهذا اللفظِ. ومنَ الغريبِ فِي حديثِ مالكٍ، أنَّ

(1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 254.

(2)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 254.

(3)

قال ابن حجر في النزهة: 99: ((وقد غفل من سوى بينهما)).

(4)

معرفة أنواع علم الحديث: 172.

(5)

في (ف): ((وهو)).

(6)

كذا فِي جميع النسخ، والصواب ما ورد في مصادر التخريج: عَن هشيم، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عَلِيّ بْن حسين، عَن عَمْرِو بْن عُثْمَان، عَن أسامة، بِهِ. أخرجه: سَعِيد بْن منصور

(136)

، وأحمد فِي "العلل" 1/ 341، والترمذي (2107)، والنسائي فِي "الكبرى"

(6382)

، والطحاوي 3/ 266، والطبراني فِي "المعجم الكبير"(391)، وابن عَبْد البر فِي "التمهيد" 9/ 171 وجميعهم ذكروه بهذا اللفظ عدا رِوَايَة الترمذي فَقَدْ قرن مَعَهُ طريق سُفْيَان بْن عُيَيْنَة، وأثبت لفظ سُفْيَان عَلَى الصواب.

وأخرجه: النسائي فِي "الكبرى"(6381) من طريق هشيم، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عَلِيّ بْن حسين =

ص: 471

الرواةَ عنهُ لَمْ يتفقوا، بل رواهُ بعضُهم عنهُ فقالَ: عمرو بنُ عُثْمَانَ - أي: بفتحِ العينِ - فوافقَ الجماعةَ، لكنهُ شذَّ عَن أصْحَابِ مَالِكٍ. قَالَ ابْنُ عَبْد البرّ:

((المحفوظُ عَن مَالِكٍ عُمَرُ بضمِّ العينِ)) (1). وَقَالَ الشَّيْخُ فِي " النكت "(2): ((رواهُ النسائيُّ فِي "سُننهِ" (3) من رِوَايَةِ عَبْدِ اللهِ بنِ المباركِ، وزيدِ بنِ الحبابِ، ومعاويةَ بنِ هِشَامٍ؛ ثلاثتهم عَن مَالِكٍ، فقالوا فِي روايتِهم: عمَرو بن عُثْمَان، كرواية بقيةِ أصْحَابِ الزُّهْرِيّ، لكن قَالَ النسائيُّ بعدَهُ (4): والصواب من حَدِيْثِ مَالِكٍ: عَن عُمرَ ابْنِ عُثْمَانَ، قَالَ: ولا نعلمُ أحداً تابعَ مالكاً عَلَى قولهِ: عُمَرَ بن عُثْمَان، انتهى.

وَقَالَ ابْنُ عَبْد البر فِي "التمهيدِ"(5): ((إنّ يَحْيَى بن بكير، رواهُ عَن مَالِك عَلَى الشكِّ فقالَ فيهِ: عَن عَمْرِو بن عُثْمَانَ، أو عُمَرَ بنِ عُثْمَانَ)) قَالَ: ((والثابت عَن مالكٍ عُمَرُ بنُ عُثْمَان كما رَوَى يَحْيَى (6)، وتابَعَهُ القعنبيُّ (7)، وأكثرُ الرواةِ)) (8) انتهى.

= وأبان بْن عُثْمَان، كذا قَالَ: عَن أسامة بْن زيد، فذكره. قَالَ النسائي:((هَذَا خطأ))، وَقَالَ عقب (6382) كما فِي التحفة:((وهذا هُوَ الصواب من حَدِيْث هشيم، وهشيم لَمْ يتابع عَلَى قوله: ((لا يتوارث أهل ملتين)))). وانظر: تحفة الأشراف 1/ 177 (113).

(1)

التمهيد 9/ 161.

(2)

التقييد والإيضاح: 107 - 108.

(3)

" السنن الكبرى "(6373) من طريق عبد الله بن المبارك وفي (6374) من طريق زيد بن الحباب، وفي (6375) من طريق معاوية بْن هشام. وأخرجه: الشافعي فِي "الأم" 4/ 72، وعبد الرحمان بن القاسم عند النسائي في "الكبرى"(6372) كلاهما، عن مالك، وذكرا

(عمرو بن عثمان) أيضاً.

(4)

" السنن الكبرى " 4/ 81 عقب (6375) بتصرف، وانظر: تحفة الأشراف 1/ 176

(113)

.

(5)

التمهيد 9/ 160.

(6)

في الموطأ بروايته (1475).

(7)

عند المزي في " تهذيب الكمال " 5/ 444.

(8)

ومنهم: أبو مصعب الزهري في روايته للموطأ (3061)، ومحمد بن الحسن الشيباني فِي روايته =

ص: 472

وقد خالفَ مالكاً فِي ذَلِكَ: ابنُ جريجٍ (1)، وسفيانُ بن عيينةَ (2)، وهُشَيمُ ابنُ بَشيرٍ (3)، ويونسُ بنُ يزيدَ (4)، ومعمرُ / 151 أ / بنُ راشدٍ (5)، وابنُ الهادِ (6)، ومحمدُ بنُ أَبِي حفصةَ (7)، وغيرُهم (8)، فقالوا: عمرو، وهو الصوابُ، وقد رواهُ سفيانُ الثوريُّ، وشعبةُ (9)، عَن عَبْدِ اللهِ بنِ عيسى، عَن الزُّهْرِيِّ. فخالفا فِيهِ الفريقينِ معاً،

= للموطأ (728)، وعبد الله بن وهب عند الطحاوي 3/ 265، ومصعب بن عبد الله الزبيري عند ابن عبد البر في "التمهيد" 9/ 162، وعمر بن مرزوق عند ابن عبد البر في "التمهيد" 9/ 171 - 172.

(1)

عِنْدَ عَبْد الرزاق (9852) و (19304)، وأحمد 5/ 208، والبخاري 8/ 194 (6764)، والبزار (2585)، والبيهقي 6/ 217 - 218.

(2)

عِنْدَ الشَّافِعِيّ فِي "المسند"(1346) بتحقيقي، وفي "الرسالة" فقرة (472)، والحميدي (541)، وأحمد 5/ 200، والدارمي (3005)، ومسلم 5/ 59 (1614)(1)، وأبي داود (2909)، وابن ماجه (2729)، والترمذي (2107) و (2107م)، وابن أبي عاصم فِي "الآحاد والمثاني"(454)، والبزار (2581) و (2583)، والمروزي في "السنة"(386)، والنسائي فِي "الكبرى"(6376)، وابن الجارود (954)، وغيرهم.

(3)

تقدم تخريج طريق هشيم بْن بشير.

(4)

عند ابْن ماجه (2730)، والنسائي فِي "الكبرى"(6380)، والطحاوي 3/ 265، والطبراني (412) وغيرهم.

(5)

عند أحمد 5/ 208، والدارمي (3002)، والنسائي (6379).

(6)

عند النسائي في "الكبرى"(6377)، والطبراني (412).

(7)

عند أحمد 5/ 201، والبخاري 5/ 187 (4282)، والطبراني (412).

(8)

ومنهم: عقيل بن خالد، عند النسائي (6378)، والطبراني (412)، وعبد الله بن البديل عند الطيالسي (631)، وصالح بن كيسان عند الطبراني (412) ولمزيد من التخاريج راجع تعليقاتنا على مسند الشافعِي، والرسالة له، وتعليقنا على معرفة أنواع علم الحديث لابن الصلاح: 170 - 171.

(9)

أخرجه: النسائي في "الكبرى"(6371)، والطبراني في "الأوسط"(5009) من طريق سفيان الثوري، وأخرجه: النسائي أيضاً (6370) من طريق شعبة؛ كلاهما: (سفيان، وشعبة)، عن عبد الله بن عيسى.

ص: 473

فأسقطا منهُ ذِكرَ عَمْرِو بن عثمانَ، وجعلاهُ من رِوَايَة عَلِيّ بن حسينٍ، عَن أسامة، والصوابُ روايةُ الجمهورِ، واللهُ أعلم)).

قُلتُ: وهذا يتصورُ مِنْهُ لغز، وَهُوَ أنْ يقالَ لنا: محفوظ يوصف بالشذوذِ، فإنَّ المحفوظَ عَمْرو - بفتحِ العينِ -، ومنْ رواهُ كذلكَ عنْ مالكٍ فقد شَذَّ، واللهُ أعلمُ.

وَقَالَ الشيخُ فِي "النكتِ"(1): ((فالمتنُ عَلَى كلِ حالٍ صحيحٌ؛ لأنَّ عُمَرَ وعَمراً؛ كلاهما ثقةٌ)).

قولُهُ: (فهذا إسنادٌ معللٌ)(2) عبارةُ ابْن الصلاحِ: ((فهذا إسنادٌ متصلٌ بنقل العدلِ، عنِ العدلِ، وَهُوَ معللٌ غيرُ صحيحٍ)) (3).

قولُهُ: (يعلى بن عُبَيْد فِيهِ)(4) أي: فِي الإسنادِ المتقدمِ فِي قولهِ: ((فهذا إسنادٌ معللٌ)) لا فِي المَتْن. قَوْل أَبِي داود فِي حديثِ همامٍ: ((منكرٌ)) جارٍ عَلَى قاعدتهِ فِي أَنَّهُ لا يميز بَيْن المنكرِ والشاذِّ تبعاً للإمامِ أحمدَ.

قولُهُ: (ثُمَّ ألقاه)(5) نقل عَن ابنِ سعدٍ أَنَّهُ أخرجَ فِي "الطبقاتِ"(6) بهذا السندِ أنَّ أنسَ بنَ مالكٍ نَقَشَ فِي خاتمهِ: ((مُحَمدٌ رسولُ اللهِ))، فكان إذا أرادَ الخلاءَ وضعهُ. وقولُ النسائي:((غيرُ محفوظٍ (7))) يعني: أَنَّهُ شاذٌّ، وهذا هُوَ المعتمدُ فِي وصفِ هَذَا الحديثِ.

(1) التقييد والإيضاح: 107.

(2)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 255.

(3)

معرفة أنواع علم الحديث: 189.

(4)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 255.

(5)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 256.

(6)

الطبقات 7/ 22 - 23.

(7)

" السنن الكبرى " 5/ 456 عقب (9542).

ص: 474

قولُهُ: (وإنما رَوَى الناسُ عَن ابْن جُرَيْجٍ الحَدِيْثَ الَّذِي أشارَ إليه أبو داودَ .. )(1) إِلَى آخرهِ، يوهمُ أنَّ هماماً تفرّدَ بِهِ، وليسَ كذلكَ، فقدْ وَجدنا لهُ متابعاً عنِ ابنِ جريجٍ أخرجهُ الحَاكِمُ (2) منْ طريق أَبِي / 151 ب / عَقيلٍ - بفتحِ العينِ - صاحبِ بُهَيةَ - بموحدةٍ وتحتانيةٍ مصغر - واسمهُ: يَحْيَى بن المتوكلِ، [عن ابن جريجٍ](3)، عنِ الزهريِّ، بِهِ. ولو كانَ أبو عقيلٍ ثقةً أزالَ عنهُ اسمَ النكارةِ، لكنَّهُ ضعيفٌ، وإنما أخرجهُ الحاكمُ متابعاً لهمامٍ، والذي عَلَى شرطِهما عندَ الحاكمِ حديثُ همامٍ، وليسَ كما ظنَّ، وإنما أُتيَ عليهِ منْ حيثُ إنَّ الشيخينِ أخرجا لجميعِ رواةِ السندِ انفراداً، وفاتَهُ أَنَّهُ لا يلزمُ أنْ يكونَ عَلَى شرطِهما إلا إذا كَانَ السندُ مركباً بالهيئةِ الَّتِيْ أخرجاهُ بِهَا، فإنَّ الرجلَ قَدْ يكونُ مَعَ ثقتهِ وجلالتهِ ضعيفاً فِي بعضِ الناسِ، كما مضى تحريرهُ فِي مراتبِ الصحيحِ، وهذا السندُ منْ ذلكَ، فإنَّ هماماً لَقِيَ ابنَ جريجٍ بالبصرةِ، وابن جريجٍ وقعَ لهُ الخطأُ فيما حدّثَ بهِ فِي البصرةِ، فليسَ لهُ حكمُ بقيةِ حديثهِ، وهذهِ فائدةٌ نفيسةٌ. وقولُ الترمذيِّ فيهِ:((حسن)) (4)، أي: بالنظرِ إِلَى كونهِ منْ حديثِ ابنِ جريجٍ بالبصرةِ ((صحيحٌ)) بالنظرِ إِلَى ابنِ جريجٍ فِي حدِّ ذاتهِ ((غريبٌ)) أي: لَمْ يردْ إلا منْ هَذَا الوجهِ، وكأنهُ لَمْ يعتدَّ بمتابعةِ أَبِي عقيلٍ.

وَقَالَ الشَّيْخُ فِي "النكتِ"(5): ((إنَّ الترمذيَّ فِي تصحيحهِ أَجرَى الأمرَ عَلَى ظاهرِ الإسنادِ)) قَالَ: ((وقولُ أَبِي داودَ والنسائيِّ أولَى بالصوابِ، إلا أَنَّهُ قَدْ (6) وردَ منْ

(1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 256.

(2)

" المستدرك " 1/ 187.

(3)

ما بين المعكوفتين، لم يرد في (أ) و (ب) و (ف)، وأثبته من المستدرك؛ لأن السياق يقتضيه.

(4)

" جامع الترمذي " 3/ 355 عقب (1746)، وعبارته:((حسن صحيح غريب)).

(5)

التقييد والإيضاح: 108.

(6)

لم ترد في (ب)، وهي موجودة في (أ) و (ف) والتقييد.

ص: 475

غيرِ روايةِ همامٍ، رواهُ الحاكمُ فِي "المستدركِ"(1)، والبيهقيُّ فِي " سُننهِ "(2)، من رِوَايَة يَحْيَى بنِ المتوكل، عَن ابن جريجٍ. وصححهُ الحاكمُ عَلَى شرطِ الشيخينِ، وضَعَّفَهُ البيهقيُّ فَقَالَ: هَذَا شاهدٌ ضعيفٌ، وكأنّ البيهقيَّ ظنَّ أن يَحْيَى بْنَ المتوكلِ هُوَ أبو عقيلٍ صاحبُ بُهيةَ، وَهُوَ / 152 أ / ضعيفٌ عندَهم، وليس هُوَ بهِ، وإنما هُوَ باهليٌّ يُكنىَ: أَبَا بكرٍ، ذَكَرهُ ابنُ حبانَ فِي " الثقاتِ "(3)، ولا يَقدحُ فيهِ قولُ ابنِ معينٍ: لا أعرفهُ، فَقَدْ عرفهُ غيره، ورَوَى عنهُ نحوٌ من عشرينَ نفساً، إلا أَنَّهُ اشتهرَ تفرُّد همامٍ بهِ عَن ابن جريجٍ، واللهُ أعلم))، انتهى. وقالَ المنذريُّ فِي " مختصرِ السننِ " (4):((وهمامٌ هَذَا هُوَ: أبو عبدِ اللهِ همامُ بنُ يَحْيَى بنِ دينارٍ الأزديُّ العوذيُّ، مولاهم البصريُّ، وإنْ كانَ قدْ تكلّمَ فيهِ بعضُهم فقدْ اتفقَ الشيخانِ عَلَى الاحتجاجِ بحديثهِ، وقالَ أحمدُ بنُ حنبلٍ: همامٌ ثبتٌ فِي كلِ المشايخِ، وقالَ ابْنُ عديٍّ الجرجانيُّ: وهمامٌ أشهرُ وأصدقُ منْ أنْ يذكرَ لهُ حديثٌ منكرٌ، وأحاديثهُ مستقيمةٌ عنْ قتادةَ، وَهُوَ مقدّمٌ أيضاً فِي يَحْيَى بنِ أَبِي كثيرٍ، وعامةُ مَا يرويهِ مستقيمٌ، هَذَا آخرُ كلامهِ. وإذا كانَ حالُ همامٍ كذلكَ فيترجحُ مَا قالهُ الترمذيُّ (5) وتفرّدهُ بهِ لا يوهنُ الحديثَ وإنما يكونُ غريباً، والله أعلم)).

(1)" المستدرك " 1/ 187.

(2)

" السنن الكبرى " 1/ 95.

(3)

" الثقات " 7/ 612.

(4)

" مختصر السنن للمنذري " 1/ 26.

(5)

جاء في حاشية (أ): ((من أنه حسن صحيح)).

ص: 476