الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فالتعريفُ أعمُّ من المعرفِ (1)، فينبغي أنْ يزادَ فيهِ بعدَ قولهِ:((نحوهما)): ما (2) للرأي فيهِ مجالٌ؛ ليصيرَ مساوياً للمعرفِ.
قولُه: (عنِ الصحابةِ)(3) قالَ ابنُ كثيرٍ فيما نُقلَ عنهُ: ((وهوَ الذي يسميهِ كثيرٌ منَ الفقهاءِ والمحدّثينَ أثراً)) (4).
المقطوع
(5)
قوله:
103 -
وَسَمِّ بِالمَقْطُوْعِ قَوْلَ التَّابِعي
…
وَفِعْلَهُ، وَقَدْ رَأى (للشَّافِعِي)
104 -
تَعْبِيرَهُ بِهِ عَنِ المُنقطِعِ
…
قُلْتُ: وَعَكسُهُ اصطِلاحُ (البَردَعِي)
(1) جاء في حاشية (أ): ((وهو الموقوف)).
(2)
في (ف): ((مما)).
(3)
شرح التبصرة والتذكرة 1/ 184.
(4)
اختصار علوم الحديث 1/ 147، وبتحقيقي:109.
(5)
انظر في المقطوع:
الجامع لأخلاق الراوي 1/ 191، ومعرفة أنواع علم الحديث: 119، وإرشاد طلاب الحقائق 1/ 166، والتقريب: 53، والاقتراح: 209، ورسوم التحديث: 68، والمنهل الروي: 42، والخلاصة: 65، واختصار علوم الحديث 1/ 149 وبتحقيقي: 110، والشذا الفياح: 1/ 141، والمقنع 1/ 116، ومحاسن الاصطلاح: 52، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 185، وتنقيح الأنظار: 112، ونزهة النظر: 94، والمختصر: 131، وفتح المغيث 1/ 105، وألفية السيوطي: 21 - 23، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 65، وفتح الباقي 1/ 178، وتوضيح الأفكار 1/ 249، وظفر الأماني: 342، وشرح شرح نخبة الفكر: 605، واليواقيت والدرر 2/ 224 - 227، وقواعد التحديث: 130، ولمحات في أصول الحديث:222.
الشّافعيُّ قالَ ذلكَ / 97 ب / قبلَ استقرارِ الاصطلاحِ، وكذا وصفُهُ لبعضِ الأحاديثِ التي على شرطِ الشيخينِ بأنّهُ حسنٌ، فإنَّ ذلكَ يقعُ في عبارتِهِ رحمه الله.
قولُه: (ووجدتهُ أيضاً في كلامِ الحُميدي)(1) كالشرحِ لقولِ ابنِ الصلاحِ: وغيرهما.
قولهُ:
105 -
قَوْلُ الصَّحَابيِّ (مِنَ السُّنَّةِ) أوْ
…
نَحْوُ (أُمِرْنَا) حُكْمُهُ الرَّفْعُ، وَلَوْ
106 -
بَعدَ النَّبِيِّ قالَهُ بِأَعْصُرِ
…
عَلى الصَّحِيْحِ، وَهْوَ قَوْلُ الأكْثَرِ
لما تقدّمَ أنَّ المرفوعَ ما أضيفَ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، والموقوفَ ما اقتُصرَ فيهِ على الصحابيِّ، أخذَ في التنبيهِ على صِيغٍ يقتصرُ بها على الصحابيِّ، فيكونُ حُكمُها حكمَ الإضافة إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم. إذا قالَ الصحابيُّ:((منَ السُنّةِ كذا)) انصرفَ إلى سنةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم (2). ويطرقهُ احتمالُ أنْ يكونَ أرادَ بهِ سُنةَ البلدِ، أو سُنةَ الخلفاءِ الراشدينَ، أو أحدِهم، فإنَّهُ يلزمُ اتباعُ ذلكَ، قالَ صلى الله عليه وسلم كما أخرجهُ أحمدُ (3)، وأبو داودَ (4)، والترمذيُّ (5)، وابنُ ماجه (6) عنِ العرباضِ بنِ ساريةَ رضي الله عنه:((عليكُم بسنتي وسُنةِ الخُلفاءِ الراشدينَ))، فإذا كانَ الصحابيُّ مجتهداً وهوَ في مقامِ الاحتجاجِ
(1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 186.
(2)
وهو قول الجمهور. انظر: الإحكام للآمدي 2/ 98، وإرشاد الفحول:233.
(3)
مسند الإمام أحمد 4/ 126.
(4)
سنن أبي داود (4607).
(5)
جامع الترمذي (2676).
(6)
سنن ابن ماجه (43) و (44).
والفتوى بعُد احتمالُ أنْ يريدَ سُنةَ غيرِ النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّهُ لا يقلدُ مجتهداً مثلَهُ، وكذا كُلما قَرُبَ عصرُ القائلِ من رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فالاحتمالُ في قولِ عمرَ مثلاً أضعفُ من الاحتمالِ في قولِ عثمانَ رضي الله عنهما، وخصَّ بعضُهم (1) الخلافَ بغيرِ أبي بكرٍ رضي الله عنه، قالَ: أمَّا إذا قالَ أبو بكرٍ رضي الله عنه: ((من السنةِ كذا))، فإنّما يريدُ النبي صلى الله عليه وسلم جزماً؛ لأنَّهُ لا / 98 أ / سُنةَ إذ ذاكَ غيرُ سنتهِ.
وضابطهُ: أنَّهُ كلّما قربَ العهدُ بَعُدَ الاحتمالُ، وكلّما بعُدَ العهدُ قرُبَ الاحتمالُ وقويَ. هذا توجيهُهُ (2). والشيخُ (3) رحمه الله لم يبيِّنْ وجهَ واحدٍ منَ القولينِ، وإنَّما رجحَ بالكثرةِ، وجزمَ الرافعيُّ في البابِ الثالثِ منَ التيممِ في قولِ ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما:((منَ السُنةِ أنْ لا يصلَّى بالتيممِ إلا مكتوبةٌ واحدةٌ)) (4) بأنَّ السُنةَ في كلامِ الصحابيِّ تنصرفُ إلى سُنةِ النبي صلى الله عليه وسلم. (5)
وقالَ الإسنوي في " المهمِّاتِ "(6): إنَّهُ رأى المسألةَ كذلكَ في " الأمِّ " في
(1) بهذا قال ابن الأثير في جامع الأصول 1/ 94، وسيأتي لاحقاً.
(2)
قال الحافظ ابن حجر في النكت 2/ 525 وبتحقيقي: 306: ((وأجيب بأن احتمال إرادة النبي صلى الله عليه وسلم أظهر لوجهين:
أحدهما: أن إسناد ذلك إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم هو المتبادر إلى الفهم، فكان الحمل عليه أولى.
الثاني: أن سنة النبي صلى الله عليه وسلم أصل، وسنة الخلفاء الراشدين تبع لسنته، والظاهر من مقصود الصحابي رضي الله عنه إنما هو بيان الشريعة ونقلها، فكان إسناد ما قصد بيانه إلى الأصل أولى من إسناده إلى التابع، والله أعلم)).
(3)
جاء في حاشية (أ): ((أي: العراقي)).
(4)
أخرجه: عبد الرزاق (830)، والدارقطني 1/ 185، والبيهقي 1/ 222.
(5)
الشرح الكبير 2/ 341.
(6)
اسم هذا الكتاب هو: المهمات على الروضة، في الفروع، وقد حصل عليه تتمات وتعقبات وتعليقات وحواش وغيرها، من عدد من العلماء. انظر: كشف الظنون 2/ 1914.
بابِ عددِ كفنِ الميتِ، قالَ: لكن رأيتُ في " شرحِ المختصرِ " للداوودي، وهو المعروفُ بالصيدلانيِّ: أنَّ هذا هو القديمُ، قالَ: والجديدُ أنَّهُ ليسَ بحجةٍ، ذكرَ ذلكَ في كتابِ الجناياتِ في بابِ أسنانِ إبلِ الخطأ، وقد بسطتُ ذلكَ في " شرح منهاج الأصولِ ". انتهى.
قلتُ: وسياقهُ في " الأمِّ "(1) يدلُّ على أنَّهُ مذهبهُ في الجديدِ، فإنَّهُ قالَ في التكبيرِ على الميتِ، وما يُفعلُ بعدَ كلِّ تكبيرةٍ:((وابنُ عباسٍ والضحاكُ بنُ قيسٍ رضي الله عنهم رجلانِ من أصحابِ النبي صلى الله عليه وسلم، لا يقولانِ: السُّنة (2) إلا لِسنَّةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إن
شاء اللهُ.
أخبرنا بعضُ أصحابنا عن ليثِ بنِ سعدٍ، عن الزُهري، عن أبي أمامةَ رضي الله عنه قالَ:((السُنةُ أنْ يُقرأَ على الجنازةِ بفاتحةِ الكتابِ)) (3)، قالَ (4) الشافعيُّ: وأصحابُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لا يقولونَ: السُنّة (5) والحق إلا لسُنةِ رسولِ اللهِ / 98 ب / صلى الله عليه وسلم إنْ شاءَ اللهُ)). هذا نصُّهُ بحروفهِ.
(1) الأم 1/ 271.
(2)
لم ترد في (ف) وجاء بدلها بياض.
(3)
أخرجه: الشافعي في " الأم " 1/ 271، والنسائي 4/ 75، وابن حزم في " المحلى " 5/ 129 و10/ 96 من طريق الليث، بهذا الإسناد.
وأخرجه: عبد الرزاق (6428)، وابن الجارود في " المنتقى "(540)، والحاكم في " المستدرك " 1/ 360 من طرق عن الزهري، به.
وأخرجه: الشافعي في " الأم " 1/ 270، والطحاوي في " شرح المعاني " 1/ 500، والبيهقي 4/ 39، بلفظ: ((عن أبي أمامة أنه أخبره رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أن السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإمام ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى
…
)).
(4)
لم ترد في (ف).
(5)
في (ف): ((بالسنة)).
قولُه: (فالأصحُّ أنّهُ مسندٌ مرفوعٌ)(1) نُقلَ عن شيخنا: أنَّ ابنَ عبدِ البرِّ حَكَى فيهِ الاتفاقَ، واستبعدهُ بأنَّ للشافعيِّ قولينِ في أصلِ المسألةِ، وذهبَ غيرُهُ أيضاً (2) إلى أنَّهُ غير مرفوع، كما سيأتي في كلامِ الشيخِ.
قولُه: (إلا سنةَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم)(3) قالَ صاحبُنا العلَاّمةُ شمسُ الدينِ بنُ حسَّانَ (4) فيما قرأتُه بخطهِ: غيرَ أنَّ اللفظَ لا يُعزى إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقَد نهى أحمدُ بنُ حنبلٍ الفريابيَّ (5)، وكذا نهى ابنُ المباركِ عيسى بنَ يونسَ الرمليَّ عن رفعِ حديثِ أبي هريرةَ المُخرّجِ عندَ أبي داودَ (6)، والترمذيِّ (7)، قالَ:((حذفُ السلامِ سنةٌ)) لفظُ الترمذيِّ، وقالَ: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وقالَ أبو داودَ: عن أبي هريرةَ، قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:((حذفُ السلامِ سنةٌ)) (8).
(1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 187.
(2)
لم ترد في (ف).
(3)
شرح التبصرة والتذكرة 1/ 188.
(4)
هو محمد بن محمد بن علي بن محمد بن حسان الشمس بن الشمس الموصلي الأصل المقدسي ثم القاهري الشافعي، لازم ابن حجر أتم ملازمة، وأخذ عنه الكثير، وقيد عنه حواش مفيدة التقطها البقاعي وغيره، توفي سنة (855) هـ. انظر: الضوء اللامع 9/ 152.
(5)
هو أبو عبد الله محمد بن يوسف بن واقد بن عثمان الفريابي الضبي، نزيل قيسارية الساحل من أرض فلسطين، كان رجلاً صالحاً، قال فيه ابن زنجويه:((ما رأيت أورع من الفريابي)) توفي سنة (212) هـ. انظر: سير أعلام النبلاء 10/ 114، وتذكرة الحفاظ 1/ 376.
(6)
في " سننه "(1004).
(7)
في " الجامع الكبير "(297).
(8)
أخرجه: أحمد 2/ 532، وابن خزيمة (734) و (735)، والحاكم 1/ 231، والبيهقي 2/ 180 من طرق عن الأوزاعي، عن قرة بن عبد الرحمان، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، مرفوعاً، وإسناده ضعيف؛ لضعف قرة بن عبدالرحمان، ورفعه منكر، والصواب في الحديث =
قالَ المؤلِفُ في " تخريجِ أحاديثِ الإحياءِ الكبيرِ"(1) بعدَ ذكرهِ الحديثَ: ((قلتُ: يعني: نهاه أنْ يعزوَ اللفظَ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وإلا فقولُ الصحابيِّ: ((السنةُ كذا)) لهُ حكمُ المرفوعِ على الصحيحِ عندَ أهلِ الحديثِ والفقهِ والأصولِ، قالَ: وقد ضعفَ أبو الحَسنِ بنُ القطانِ هذا الحديثَ بـ ((قُرَّةَ بنِ عبدِ الرحمانِ)))). انتهى.
قولُه: (وما يجبُ اتباعهُ)(2) إنْ قيلَ: ليسَ كُلُّ ما كانَ سنةَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم يجبُ فعلُهُ، قيلَ: لمْ يقلِ المصنفُ ذلكَ، وإنَّما قالَ:((يجبُ اتباعهُ)) ولا شكَّ في وجوبِ اتباعِ كلِّ ما بلغَ درجةَ الاحتجاجِ من سنةِ النبي صلى الله عليه وسلم / 99 أ / ولو باعتقادِ أنَّهُ حقٌّ، وظاهر قولهم: إنَّهُ إذا أفصحَ بالمرادِ، فقالَ: سُنةُ النبي صلى الله عليه وسلم ينتفي الاحتمالُ، وليسَ ذلكَ في كُلِّ صورةٍ، فينبغي أنْ تفقهَ (3) الكلامَ في سياقهِ، ونحو ذلكَ، فإنَّ مثلَ ما أخرجهُ الدارَقطنيُّ (4) من حديثِ عمرو بنِ العاصِ (5) رضي الله عنه أنَّهُ قالَ:((لا تلبسوا علينا سُنةَ نبينا صلى الله عليه وسلم عدةُ أمِّ الولدِ شهرانِ)) (6) يطرقهُ احتمالُ أنْ لا يكونَ عندهُ نصٌّ صريحٌ في خصوصِ عدةِ أمِّ الولدِ، بل قالَ ذلكَ قياساً على سُنةٍ مُحققةٍ عندَهُ، وأرادَ: لا تَلبسوا علينا ما لا نشكُّ فيهِ، مِن أنَّ هذهِ تُشبهُ تلكَ.
= الوقف كما نص عليه الدارقطني.
وأخرجه: ابن خزيمة عقب الحديث (735)، والحاكم 1/ 231، والبيهقي 2/ 180 من طرق عن الأوزاعي، به موقوفاً، وهو الصواب.
(1)
تخريج أحاديث إحياء علوم الدين 1/ 354 (400).
(2)
شرح التبصرة والتذكرة 1/ 188.
(3)
في (ف): ((يتفقه)).
(4)
سنن الدارقطني 3/ 309 وفيه: ((عدتها عدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشراً)).
(5)
في (ف): ((العاصي)).
(6)
أخرجه: أحمد 4/ 203، وأبو داود (2308)، وابن ماجه (2083)، وابن الجارود في " المنتقى "(769)، وأبو يعلى (7338)، وابن حبان (4300)، والحاكم 2/ 209، وابن حزم في " المحلى " 10/ 304، والبيهقي 7/ 447 - 448.
قولُه: (وغيرهما)(1) نُقلَ عن شيخنا أنَّهُ قالَ: كأبي بكرٍ الرازيِّ منَ الحنفيةِ، وابنِ حَزمٍ منَ الظاهريةِ (2).
قولُه: (فلا يُحمَل على سُنَّتهِ)(3) ينبغي أنْ يُقيدَ الاختلافَ بما إذا كانَ في غيرِ محلِ الاحتجاجِ، أمَّا إذا ساقهُ مساقَ الاحتجاجِ فَلا؛ لأنَّ المجتهدَ لا يُقلدُ مثلهُ،
فلا يُريدُ إلا سُنةَ النَبي صلى الله عليه وسلم. وكَذا قَولُهُ: ((أُمرنَا، ونُهينَا)).
قَولهُ: (مِن نوعِ المرفوعِ، والمسندِ)(4) إنَّما يَأتِي الحكمُ على ذلك بأنَّهُ مُسنَدٌ إذا قلنَا: إنَّ المسنَد مرادفٌ للمَرفوعِ.
قولهُ: (وخالفَ في ذلِكَ فَريقٌ)(5) فقَالوا: ليسَ مِن نَوعِ المرفوعِ؛ لأنَّهُ يَطرُقهُ (6) احتمالُ كونِ غَيرِ النَبي صلى الله عليه وسلم هوَ الآمِرُ، مِن خليفةٍ ونَحوِهِ.
قَولُهِ: (وَجزمَ بهِ)(7)، أي: بقولِ هَذا الفَريقِ، وهوَ أنَّهُ ليسَ مِن قبيل المرفوعِ. قالَ شَيخُنا البُرهانُ رحمه الله: هَذا الخلافُ رأيتُه في كَلامِ بَعضِ
(1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 188.
(2)
انظر: النكت لابن حجر 2/ 523 وبتحقيقي: 304.
وهو قول كثير من العلماء كأبي بكر الإسماعيلي من الشافعية والغزالي وجماعة من الأصوليين، وأكثر مالكية بغداد، وحكاه إمام الحرمين عن المحققين، وذكر الزركشي أنه قول إمام الحرمين، بل حكى ابن فورك وسليم الرازي وابن القطان والصيدلاني: أنه الجديد من مذهب الشافعي، وكذا نسبه المازري إلى قولي الشافعي. ينظر: البرهان 1/ 649، والمنخول: 278، والتبصرة في أصول الفقه: 231، وإحكام الأحكام 2/ 87، والإبهاج 2/ 328 - 329، والبحر المحيط 4/ 375.
(3)
شرح التبصرة والتذكرة 1/ 188.
(4)
شرح التبصرة والتذكرة 1/ 189.
(5)
شرح التبصرة والتذكرة 1/ 189.
(6)
في (ف): ((لا يطرقه)).
(7)
شرح التبصرة والتذكرة 1/ 189.
العُلماءِ أنَّهُ في غيرِ الصِدِّيق رضي الله عنه، وأمَّا الصدِيقُ فَمتى قالَ ذلِكَ، كَانَ مَرفوعاً بلا خِلافٍ، قالَ: وِما قالهُ ظاهِرٌ حَسَنٌ، ورأيتُ مَعناهُ بِخطِّ بَعضِ الفُضلاءِ معزوَّاً لمقدِّمةِ /99 ب/ "جامِعِ الأُصولِ" في الفَرعِ (1) الثالثِ في الكلامِ في مَراتبِ الأخبارِ (2) انتَهى. وقَد مَضَى معنَى أصلِهِ في أول الكلامِ (3).
قُلتُ: ولفظُ (4) صَاحبِ "الجامعِ": وقالَ بَعضُهم: في هذا تفصيل، وذَلِكَ أنَّهُ إنْ كانَ الراوِي الصِدِّيقَ رضي الله عنه، فَيُحمَلُ على أنَّ الآمِرَ النَبيُّ صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّ أبا بكرٍ لا يقولُ:((أُمِرنَا)) إلا والآمرُ النَبيُّ صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّ غيرَهُ لا يَأمرُهُ، ولا يَلتزمُ أَمرَ غيرِهِ، ولا تأمَّرَ عليهِ أحدٌ مِنَ الصَحابةِ (5) رضي الله عنهم.
قولهُ: (أُمِرَ بلال)(6) كانَ ينبغِي التَمثيلُ بِغيرهِ، فَقد نُقلَ أنَّهُ عندَ أَبي عوانةَ (7) بإبرازِ الفاعِل.
قولهُ: (ولا فرقَ بينَ أنْ يقولَ ذلكَ في زَمنِ النبي صلى الله عليه وسلم أو بعدهُ)(8)، أي:
(1) المثبت من (أ) وفي نسخه (ب): ((في الفصل)). وما أثبته هو الموافق لما في "جامع الأصول ".
(2)
انظر: جامع الأصول 1/ 90.
(3)
عبارة: ((وقد مضى معنى أصله في أول الكلام)) لم ترد في (ف).
(4)
كلمة ((ولفظ)) لم ترد في (ف).
(5)
جامع الأصول 1/ 94.
(6)
شرح التبصرة والتذكرة 1/ 189. وهو جزء من حديث نصه: ((أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة)) أخرجه: البخاري 1/ 157 (603) و158 (606)، ومسلم 2/ 2
(378)
، وأبو داود (508)، وابن ماجه (729)، والترمذي (193)، والنسائي 2/ 3 من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
(7)
مسند أبي عوانة 1/ 328.
(8)
شرح التبصرة والتذكرة 1/ 189، وهي عبارة ابن الصلاح في معرفة أنواع علم الحديث:123.
لأنَّ احتمالَ أنْ يكونَ النبيُ صلى الله عليه وسلم نَصبَ أميراً على سريةٍ أو غيرِهَا، فأمرُهُم يَطرقُهُ، وإنْ كانَ بَعيداً.
قولُهُ: (داودَ)(1) هو الظَاهِري.
قولُهُ: (فَلا أعلمُ فيهِ خِلافاً)(2)، أي: في كونهِ مَرفوعاً؛ فَالاستثناءُ حِينئذٍ غيرُ سائغٍ على تقديرِ كونهِ مُتصلاً، فَإنَّ المستثنى وهو كونُه حجةً، ليسَ مِن جنسِ المستثَنى مِنهُ، وهو كونُه مرفوعاً.
قولهُ: (إلا أنْ يُريدُوا بكونِهِ لا يَكونُ حُجَّة، أَي: في الوجوبِ)(3).
قالَ (4): هَذا مرادُهُم بغيرِ شكٍّ؛ لأنَّهُ يَطرقهُ احتمالُ أنْ يكونَ الأمرُ للندبِ.
قولهُ: (تعليلُهُ)(5)، أي: ابنِ الصباغِ.
قولهُ: (كانَ لهُ وَجهٌ)(6) أي في الجملةِ، لا أنَّهُ وجهٌ صحيحٌ، فإنَّ الحقَّ: أنَّ الصحابةَ رضي الله عنهم مِن أهل اللسانِ عارفونَ بمواقعِ الكلامِ العربيِّ، فلا يقولُ أحدُهُم:((أمَرَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم)) إلا وقَد عَلِمَ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم وجَّهَ الخِطابَ بصيغةِ ((افعلْ)) (7).
وَسألَ (8) سائِلٌ: هل يُستثنَى مِنَ الصحابةِ مَن لَم يكنْ عَربياً حَتى /100 أ/ لا يدلَّ قولهُ ذلكَ على الوجوبِ؟ فقالَ: نَعَم.
(1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 189.
(2)
شرح التبصرة والتذكرة 1/ 189.
(3)
شرح التبصرة والتذكرة 1/ 190.
(4)
كتب ناسخ (أ): تحتها: ((أي: ابن حجر)).
(5)
شرح التبصرة والتذكرة 1/ 190.
(6)
شرح التبصرة والتذكرة 1/ 190.
(7)
انظر: النكت لابن حجر 2/ 522 وبتحقيقي: 303.
(8)
كتب ناسخ (أ) تحتها: ((ابن حجر)).
قولهُ:
107 -
وَقَوْلُهُ (كُنَّا نَرَى) إنْ كانَ مَعْ
…
عَصْرِ النَّبِيِّ مِنْ قَبِيْلِ مَا رَفَعْ
108 -
وَقِيْلَ: لا، أوْ لا فَلا، كَذاكَ لَه
…
و (لِلخَطِيْبِ) قُلْتُ: لكِنْ جَعَلَهْ
109 -
مَرفُوعاً (الحَاكِمُ) و (الرَّازِيُّ
…
ابنُ الخَطِيْبِ)، وَهُوَ القَوِيُّ
تَضَمنت ثلاثةَ أقوالٍ: أولُها: مُفصَلٌ، والاثنانِ مطلقانِ.
القولُ الأولُ: وهو الذِي اختارهُ ابنُ الصلاحِ (1)، والخطيبُ (2) أنَّهُ إنْ أضافهُ إلى عَصرِ النَبي صلى الله عليه وسلم كانَ مَرفوعاً. ومفهومهُ: أنَّهُ إنْ لَم يضفْهُ إليهِ لَم يكن مَرفوعاً، وإنَّما صَرحَ بهذا المَفهومِ في قولِهِ:((أوْ لا فَلا)) ليرتبَ عليهِ القولَ الثالثَ.
القولُ الثانِي (3): أنَّهُ لا يكونُ مرفوعاً مُطلقاً، سَواءٌ أُضيفَ إلى عَصرِ النبي صلى الله عليه وسلم، أَو لا، والضميرُ في قولهِ:((قلتُ، لكن جَعلهْ)) لِما لَم يَكُن مضافاً إلى عَصرِ النبي صلى الله عليه وسلم، المفهومِ من قولهِ: إنْ كانَ معَ عَصر النبي صلى الله عليه وسلم، والمصرحِ بهِ في قولهِ:((أوْ لا، فَلا))، أي.
القولُ الثالثُ (4): الرَفع مطلقاً، وَلو لَم يضف إلى عَصرِ النبي صلى الله عليه وسلم، وهوَ قولُ الحَاكمِ (5) وَالرازِي (6).
(1) معرفة أنواع علم الحديث: 120.
(2)
الكفاية: 423. وهو قول النووي في مقدمة شرح صحيح مسلم 1/ 31 وقد عزاه إلى الجمهور من المحدثين، وأصحاب الفقه والأصول، واختاره أيضاً الحافظ ابن حجر، وقال:
((فالأكثر على أن ذلك مرفوع)). نزهة النظر: 89.
(3)
هذا القول حكاه ابن الصلاح بلاغاً عن الإسماعيلي. انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 120.
(4)
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((وهو الذي اعتمده الشيخان في صحيحيهما، وأكثر منه البخاري)). النكت لابن حجر 2/ 515 وبتحقيقي: 296.
(5)
انظر: معرفة علوم الحديث: 22.
(6)
انظر: المحصول 4/ 449.
وقولهُ: (وَقيلَ لا)(1) مُعترض (2)، حَقُّهُ أنْ يُؤخرَ عَن قولهِ ((أوْ لا، فَلا))، فتقديرُهُ أنْ يُقالَ: قولُ الصحابيِّ: ((كنَّا نَرى كذا وكذا)) فيهِ للعلماءِ ثلاثةُ أقوالٍ:
القولُ الأولُ: إنْ كانَ قولهُ: ((كنا نرى)) مَذكوراً معَ إضافتهِ إلى عصرِ النَّبيِّ، فهوَ من قبيلِ المرفوعِ، وإنْ لَم يَكن مُضافاً إلى عصرِ النبي صلى الله عليه وسلم، فليسَ بمرفوعٍ، هَكذا قالَ ابنُ الصَلاحِ والخطيبُ.
القولُ الثَاني: لا يكونُ مَرفوعاً مُطلقاً، سَواءٌ أُضيفَ، أو لَم يُضفْ.
القَولُ الثالثُ: أنْ يَجعلَ ما / 100 ب / لَم يُضف إلى عصرهِ صلى الله عليه وسلم مرفوعاً، كَما قالَ الحَاكمُ والرازي، فيكون ما أُضيفَ أولَى بالرَفعِ.
قالَ ابنُ الصَلاحِ: ((ومن هذا القَبيلِ -أي: قَبيلِ إضافتهِ إلى زَمانهِ صلى الله عليه وسلم (3) قولُ الصَحابِي: ((كُنَّا لا نرى بأساً بكَذا، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم فيِنا)) أو ((كانَ يُقالُ: كَذا وكَذا على عَهدهِ)) أو ((كَانوا يفعلونَ كَذا وكَذا في حياتهِ صلى الله عليه وسلم))، فَكلُ ذلِكَ وشِبهُهُ مرفوعٌ مُسندٌ، مُخرَّجٌ في كُتبِ المسانيدِ (4).
قولُهُ: (الحاكمُ وغيرهُ من أهلِ الحديثِ)(5)، أي: وَهم الجمهورُ، كَما نُقلَ عَن عبارةِ الشيخِ مُحيي الدِين النوويِّ (6).
(1) التبصرة والتذكرة (108).
(2)
جاء في حاشية (أ): ((أي: جملة اعتراضية)).
(3)
ما بين الشارحتين جملة توضيحية من البقاعي.
(4)
معرفة أنواع علم الحديث: 120 - 121.
(5)
شرح التبصرة والتذكرة 1/ 191.
(6)
عبارة الإمام النووي في " الإرشاد " 1/ 159: ((فالصحيح الذي عليه الاعتماد والعمل، أنه مرفوع، وبهذا قطع الحاكم أبو عبد الله والجماهير)).
وعبارته في شرحه لصحيح مسلم 1/ 23: ((وهو المذهب الصحيح الظاهر)).
قولهُ: (لأنَّ ظاهِرَ ذلِكَ .. )(1) إلى آخرهِ، أي: لأنَّ دواعِيَهم كانت متوفرةً على سؤالِه صلى الله عليه وسلم عَن جميعِ الأُمور التي كَانوا يفعلونَها وإنْ قَلَّتْ، إذا لم تكنْ ممَّا عَرفوا حُكمهُ، حَتى إنَّ بعضهُم كانَ يَفعلُ الشيءَ المُباح، كالتقبيلِ في الصيامِ في بعضِ الصُورِ (2)، فَلا يقدرُ أَنْ ينامَ، لا يقرُّ لهُ قرارٌ حتَّى يُرسِلَ يَسألُ عَن ذلكَ، فَيخبرهُ أزواجُ النَبي صلى الله عليه وسلم أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم يَفعلُهُ، فلا يزدهُ ذلكَ إلا قَلقاً، ويَقولُ: يُحِلُّ اللهُ تعالى (3) لِرسولهِ صلى الله عليه وسلم ما شاءَ، فَلا يَرجعُ دونَ أنْ ينصَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على أَنَّ ذلكَ لا يختصُّ بهِ صلى الله عليه وسلم، وأنَّهُ حلالٌ لغيرهِ، ولا يقالُ: إنَّهُ مرفوعٌ ولو لَم يطَّلِع عليهِ؛ لأنَّهُ لو لَم يكنْ جائِزاً لَم يُقرهُم اللهُ عليهِ، ولا أطْلعَ نبيَهُ صلى الله عليه وسلم / 101أ / على ذلكَ؛ لأنَّهُ لا يُنسبُ إليهِ إلا مَا أطْلعَ عليهِ، ولو احتمالاً، فحينئذٍ يكونُ مرفوعاً حكماً، وإنْ كانَ يحتملُ مع ما تقدّمَ أَن يُريدَ قائلهُ:((كُنَّا نرى)): إجماعَ الصحابةِ. ويُحتملُ أنْ يُريدَ نفسَهُ وَمَنْ وافقهُ، وإنْ لم يكنْ جميعَ الصحابةِ. لكن يُرجِّحُ الأولَ أَنَّ إضافتَهمْ الأشياءَ - لا سِيَّما مَا يتعلقُ بالتحليلِ والتحريمِ - إلى النبي صلى الله عليه وسلم هوَ المستعملُ الكثيرُ الفاشي بينَهم، واستنادُهم إلى إجماعِ الصحابةِ نَادرٌ جدَّاً.
وأيضاً: فإنَّ الصحابيَّ لا يَجزمُ بالإجماعِ؛ لأنَّهُ لا يَتأتَى لَه الفحصُ عَن أقوالِ جميعِ الصحابةِ مَع تشتُتِهم في البلادِ.
وأيضاً: فَإنَّ داعيتَهُ ليسَت مُتوفرةً على السُؤالِ عن أَقوالِ الصحابةِ مثلهُ، إنَّما يسألُ عَن أعلى الأمورِ، وهو ما يُضافُ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، بِخلافِ التَابعينَ، فإنَّ دواعيَهم مُتوفرةٌ على الرحلَةِ إلى الصحابةِ في جميعِ الأقطارِ، والفَحصِ عَن أقوالِهم،
(1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 191.
(2)
عبارة: ((في بعض الصور)) لم ترد في (ف).
(3)
((تعالى)) لم ترد في (ب).
وأحوالِهم، فاضمحلَّ استنادهُ إلى الإجماعِ ونحوهِ، فترجحَ الأولُ ترجُّحاً ظَاهراً. ومقابِلُهُ - وهو القولُ الثاني -شاذٌّ، كَما أَنَّ مقابلَ القولِ الثالثِ خِلافٌ كثيرٌ فَاشٍ (1).
قولهُ: (فَإنَّها - أي: السُننَ المرفوعةَ - أَقوالُهُ، وأفعالهُ، وتقريرهُ)(2) إنْ أرادَ السُننَ التي يتلقَى مِنها الأحكامَ، كَما يَقصدهُ الأصوليونَ؛ فإنَّهم لا يبحثونَ إلا عمَّا يتفرعُ عليهِ الأحكامُ، فَلا اعتراضَ عليهِ، وإنْ أَرادَ مُطلقَ الأحاديثِ المرفوعةِ، وَهوَ الظَاهر مِن كَلامهِ؛ فإنَّ وظيفةَ المحدّثِ أنْ يُبيّنَ المرفوعَ مِن غيرهِ، سَواءٌ أفادَ حُكماً، أم لا، فَيردُ / 101 ب / عليهِ مَا ليسَ كذلكَ، ممَّا ليسَ فيهِ قولٌ، ولا فعلٌ، ولا تقريرٌ، كقولِ أَبي جُحيفة رضي الله عنه:((رأيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وكانَ الحسنُ بنُ عليّ رضي الله عنهما يُشبهُهُ)) أَخرجهُ البخَاريُّ (3) في صِفةِ النبي صلى الله عليه وسلم.
وَكذا الأحاديثُ التي فيها ذِكر صِفةِ النبي صلى الله عليه وسلم مِن أنَّهُ كانَ أَزهرَ اللَّونِ (4)، أنورَ المتجردِ (5)، أشكلَ العينينِ (6)، أقنى الأنفِ (7)، ضَليعَ (8) الفَمِ (9)، ونحو ذلكَ، فإنَّ مثلَ هَذا مرفوعٌ اتفاقاً، وليسَ فيهِ وَاحدٌ منَ الثلاثةِ.
(1) من قوله: ((كما أن)) إلى هنا لم يرد في (ف).
(2)
شرح التبصرة والتذكرة 1/ 191.
(3)
صحيح البخاري 4/ 227 (3543).
(4)
أي: الأبيض المستنير: والزهر والزهرة: البياض النيِّر، وهو أحسن الألوان. النهاية 2/ 321.
(5)
جاء في حاشية (أ): ((أي التعري))، وفي النهاية 1/ 256: أي: ما جُرّد عنه الثياب من جسده وكشف، يريد أنه كان مشرق الجسد.
(6)
أي: بياضهما شيء من حمرة، وهو محمود محبوب. النهاية 2/ 495.
(7)
أي: طوله ورقّة أرنبته مع حَدَب في وسطه. النهاية 4/ 116.
(8)
جاء في حاشية (أ): ((العرب تفتخر بكبر الفم)).
(9)
انظر: شمائل النبي صلى الله عليه وسلم: 36 - 38 (7)(8)، ومعناه: عظيمه، وقيل: واسعه، والعرب تمدح عظم الفم وتذم صغره. النهاية 3/ 96.
قولهُ: (وَسكوتهُ عنِ الإنكارِ)(1) إن قِيلَ: كانَ مِن حقهِ حَذفُ الواوِ، أو يقولُ: وهو سُكوتهُ؛ لأنَّ ذلكَ هوَ التقريرُ، قِيلَ: المرادُ بالتقرير هُنا أنْ يُحسِّنَ فِعلَ الفاعلِ، أو قولَ القائلِ بأنْ يَقولَ: نِعمَ ما فعلتَ، أو قلت، أو أحسنتَ، ونحوَ ذلكَ.
قولهُ: (وبلغني عنِ البَرْقانِيِّ (2) .. ) إلى آخرهِ (3)، يَجمعُ بينهُ وبينَ كَلامِ غيرهِ بأنْ يحملَ على ما حملَ عليهِ ابنُ الصَلاحِ كَلامَ الخَطيبِ الآتي في القولةِ بعدَها مِن أنَّهُ يُريدُ ليسَ مرفوعاً لفظاً، وكذا ما تقدّمَ عنِ الإمامِ أحمدَ في قولِهم:((مِنَ السُنةِ كَذا))، فَيكون المعنى: أنَّ البَرقاني سألَ الإسماعيليَّ (4) هَل هو مرفوعٌ؟ فأنكرَ ذلكَ، أي: أنكرَ هذا الإطلاقَ، فإنَّ لَفظَ ((مرفوعٍ)) إذا أُطلقَ، انصرفَ إلى كونهِ مُضافاً إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم صريحاً، ولو سألهُ ما حُكمُ هذا؟ لقَال لهُ: حُكمُه الرفعُ، فكلامهُ حينئذٍ موافقٌ ليسَ فيهِ مخالفةٌ.
وقرأ بعضُ أصحابِنا / 102أ / السَامعينَ في حاشيةِ كتابهِ: أنَّ الشيخَ أبا إسحاقَ الشيرازيَّ فَصَّل، فقالَ:((إنْ كانَ ذلكَ الأمرُ الذي أضافهُ إلى عصرِ النَّبي صلى الله عليه وسلم منَ الأمورِ المشهورةِ، التي لا تخفَى عنهُ صلى الله عليه وسلم غالباً، كانَ حكمُهُ الرفعَ، وإلاّ فَلا)).
(1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 191.
(2)
هو أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب الخوارزمي، ثم البرقاني الشافعي، صاحب التصانيف، قال فيه الخطيب:((ما رأيت شيخاً أثبت منه))، توفي سنة (425 هـ).
انظر: تاريخ بغداد 6/ 26، وسير أعلام النبلاء 17/ 464.
(3)
شرح التبصرة والتذكرة 1/ 191.
(4)
هو أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن العباس الجرجاني الإسماعيلي الشافعي، صاحب الصحيح، وشيخ الشافعية، قال الحاكم:((كان الإسماعيلي واحد عصره، وشيخ المحدّثين والفقهاء))، توفي سنة (371) هـ.
انظر: سير أعلام النبلاء 16/ 292، وتذكرة الحفاظ 3/ 947.
فقالَ شيخُنَا: ((مَا تقدّمَ هوَ المعتمدُ لِما بينَّا منَ العللِ، لكنْ يَنفعُنا هذا التفصيلُ في الترجيحِ، فَإذا تَعارضَ حديثانِ من هذا القبيلِ، أحدُهمَا منَ الأمورِ المشهورةِ التي لا تخفَى غَالباً، والآخرُ بِخلافِهِ، رجَّحنَا الأولَ)).
قلتُ: بل يَنبغي إنْ لمْ يكن الثَاني أرجحَ أن يكونا على الاستواءِ؛ فإنَّ الأمورَ التي لا تخفى غَالباً يتَّكلونَ (1) على شِيوعِهَا، فلا يَسألونهُ عنها صلى الله عليه وسلم (2)، وقد لا يطَّلعُ عليهَا، بِخلافِ الأُمورِ الخَفيةِ، فَإنَّ دَواعيَهم تتوفرُ على سُؤالهِ صلى الله عليه وسلم عَنهَا.
قولهُ: (كقولِ ابنِ عُمرَ رضي الله عنهما: كنَّا نقولُ ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم حَيٌّ: ((أفضلُ الأمَّةِ بعدَ نبيها
…
)) الحديثَ) (3).
قلتُ: في "مُسندِ أحمدَ" من حديثِ ابنِ عُمرَ أيضاً: ((كنَّا نَقولُ في زمنِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: رسولُ الله صلى الله عليه وسلم خَيرُ النَّاسِ، ثمَّ أبو بكرٍ، ثُمَّ عُمرُ، وَلقد أُعطيَ ابنُ أبي طالبٍ ثلاثَ خِصالٍ، لأنْ تكونَ لي واحدةٌ مِنهنَّ أحَبُ إليَّ مِن حُمُر النِعم
…
))
الحديث (4)، فَساقهُ بلفظ:((ثمَّ)) لكن لَيسَ فيهِ التَصريحُ باطّلاعِهِ صلى الله عليه وسلم عليهِ.
قولُهُ: (في "المعجمِ الكَبيرِ")(5) قالَ صَاحِبُنا العلَاّمةُ / 102ب / شَمسُ الدينِ محمدُ بنُ حسَّانَ القُدسِيُّ فيما رأيتُهُ بِخطِّهِ، وهوَ عندهُ في "الأوسطِ" بلفظِ:((فَيبلغ ذلكَ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم فلا ينكرهُ عَلينَا)) (6) وعندَ أبي يَعلى بلفظ: ((فيبلغ ذلكَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فلا يُنكرهُ)) (7)، وفي فَضائِلِ عُثمانَ روايةُ عبدِ اللهِ بنِ أحمدَ بنِ حَنبلٍ بلفظِ:
(1) في (ف): ((يتكلمون)).
(2)
في نسخة (أ): ((صلى الله عليه وسلم عنها)).
(3)
شرح التبصرة والتذكرة 1/ 191.
(4)
مسند الإمام أحمد 2/ 26 (4797).
(5)
شرح التبصرة والتذكرة 1/ 192، والمعجم الكبير (13132).
(6)
المعجم الأوسط (8697).
(7)
مسند أبي يعلى (5604).
((كُنَّا نتحدثُ على عهدِ رسولِ اللهِ أَنَّ خيرَ هذهِ الأمَّةِ بعدَ نَبيِّهَا أَبو بكرٍ، ثُمَّ عمرُ، ثُمَّ عثمانُ، فَيبلغ ذلكَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فلا يُنكرهُ)) (1). انتهى.
قولهُ: (فجزما بأنَّهُ مِن قبيلِ الموقوفِ)(2)، أي: لأنَّهُ لوكانَ في عَصرِ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم لَنصَّ عليهِ، فَسكوتهُ عَنهُ دَالٌ على إسنادِهِ إلى إجماعِ الصَحابةِ، أو أهلِ بلدة مِنهُم.
قالَ المصَنّفُ في " النُكتِ ": ((وتبعَ المصَنّفُ في ذلكَ الخَطيبَ، فَإنَّهُ كذلكَ جَزمَ بهِ في " الكفايةِ " (3)، وَالخِلافُ في المسألةِ مشهورٌ، واختلفَ في (4) كَلامِ الأئمةِ أيضاً في الصحيحِ، وقد حَكى النوويُّ الخِلافَ في مقدمةِ "شَرحِ مُسلمٍ"(5) وَحكَى ما جزمَ بهِ المصنفُ (6) عنِ الجمهورِ منَ المحدّثينَ، وأصحابِ الفقهِ
والأُصولِ)) (7).
قولهُ: (الحاكم)(8)، أي: في "علومِ الحَديثِ"(9)، (والرازِيُّ)(10)، أي: في "المحصولِ"(11).
(1) فضائل الصحابة للإمام أحمد بن حنبل (857).
(2)
شرح التبصرة والتذكرة 1/ 192.
(3)
الكفاية (594 - 595 ت، 423 هـ).
(4)
هكذا في جميع النسخ الخطية، وفي التقييد بلا ((في)).
(5)
مقدمة شرح صحيح مسلم 1/ 23.
(6)
جاء في حاشية (أ): ((أي: العراقي))، وهو خطأ فالمراد هو ابن الصلاح.
(7)
التقييد والإيضاح: 67.
(8)
شرح التبصرة والتذكرة 1/ 192.
(9)
معرفة علوم الحديث: 22.
(10)
شرح التبصرة والتذكرة 1/ 192.
(11)
المحصول 2/ 221.
وقولهُ: (جَعلاهُ مِن قَبيلِ المرفوعِ)(1) لِما تَقدّمَ مِن نُدرةِ استنادهِم إلى الإجماعِ، وكثرةِ إسنادهِم الأمورَ إليهِ صلى الله عليه وسلم.
قولهُ: (ومقتضى كَلام البيضاوِي .. )(2) إلى آخرهِ، أي: فَإنَّهُ قَالَ ما معناهُ: أقوالُ الصَحابةِ -رضيَ / 103 أ / اللهُ عَنهم- سَبعةٌ، ثُمَّ قالَ: السابعةُ: ((كُنَّا نَرى في عهدهِ)) (3). والمختصرُون يُشاحونَ أنفسَهم في حَرفٍ ونَحوهِ، فلا يَزيدونَ كَلمةً إلا ولَها معنى، فلو لم يَكنْ قولهُ:((في عهدهِ)) قيداً لم يَقلْهُ، وكانَ معَ حذفهِ يفهمُ أنَّ ما أضيفَ إلى عهدهِ صلى الله عليه وسلم مرفوعٌ من بابِ الأولى.
قولهُ: (وهوَ قَويٌ مِن حيثُ المعنَى)(4)، أي: مِن حَيثُ إنَّ ظاهرَ ذلكَ يَنصرفُ إلى الصَحابةِ، وإنَّ الشارعَ صلى الله عليه وسلم اطّلعَ على ذلكَ، فأقرّهُ، أو سكتَ عليهِ؛ لأنَّ بذلكَ يَنقطعُ النِزاعُ، وينقادُ الخَصمُ المُحتج عَليهِ للحُكمِ.
وعبَارةُ النَووي في مقدمةِ "شرح المهذَبِ"(5): ((وظاهرُ استعمالِ كثيرٍ من المحدّثينَ وأصحابِنا في كتبِ الفقهِ أنَّهُ مرفوعٌ مُطلقاً، سواءٌ أضافهُ، أو لَم يُضفهُ، وهذا قوي، فَإنَّ الظاهِرَ مِن قولهِ: ((كنَّا نفعلُ)) و (6)((كانوا يَفعلونَ)) الاحتجاج بهِ على وجهٍ يُحتج بهِ، ولا يكونُ ذلكَ إلا في زَمنِ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ويُبلغهُ)).
(1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 192.
(2)
شرح التبصرة والتذكرة 1/ 192 - 193.
(3)
انظر: منهاج الأصول 2/ 258.
(4)
شرح التبصرة والتذكرة 1/ 193.
(5)
المجموع 1/ 60.
(6)
في (ب): ((أو))، وما أثبته من (أ).
وعَن " شرحِ مسلمٍ "(1) عَن آخرينَ: ((إنَّ ذلكَ الفِعلَ إنْ كانَ مِمَّا لا يخفَى غَالباً كانَ مرفوعاً، وإلا كَانَ مَوقوفاً، وبِهذا قَطعَ الشَيخُ أبو إسحاقَ الشيرازي)). انتهى.
قالَ شَيخُنا رحمه الله: ((ولم يتعرضِ الشيخُ، ولا ابنُ الصلاحِ لقولِهم: ((ما كنَّا نَرى بالأمرِ الفُلانِي بأساً)) وكذلكَ جَميعُ العِباراتِ المُصدرةِ بالنَفي، وذلكَ موجودٌ في عباراتِهِم، وحُكمُهُ حكمُ ما تقدَّمَ)).
قُلتُ: بل قَد ذَكَرَ الشيخُ لهُ مثالاً، وهوَ قولُ عائشةَ رضي الله عنها:((كانتِ اليدُ لا تُقطعُ في الشيءِ التافهِ)) (2)، وعزاهُ لابنِ الصَباغِ (3) / 103 ب /. وتقدّمَ أيضاً عنِ ابنِ الصَلاحِ:((كنَّا لا نَرى بأساً بِكَذا)) (4) وسَكتَ ابنُ الصَلاحِ عَن قولِ التابعي: ((كُنَّا نَفعلُ كَذا))، ونحوهِ، وعن قَولهِ:((أمرنا بكذا)) وقوله: ((من السُنةِ كَذا)) وذَكَرَها الشَيخُ في "النُكَتِ" قالَ: ((فأمَّا المسألةُ الأُولى: فَإذا قالَ التابعيُ: ((كنا نفعلُ)) فليسَ بمرفوعٍ قَطعاً، وهل هُو موقوفٌ؟ لا يخلُو أمَّا أَنْ يُضيفَه إلى زمنِ الصَحابةِ، أم لا. فإنْ لَم يُضفهُ إلى زَمنِهم، فَليسَ بموقوفٍ أيضاً، بل هوَ مقطوعٌ، وإنْ أضافهُ إلى زَمنهِم فَيحتملُ أنْ يُقالَ: إنَّهُ موقوفٌ؛ لأنَّ الظاهرَ اطلاعُهم على ذلكَ، وتقريرُهم، ويحتملُ أنْ يقالَ: ليسَ بموقوفٍ أيضاً؛ لأنَّ تقريرَ الصحابي قَد لا يُنسبُ إليهِ، بِخلافِ تقريرِ النَبي صلى الله عليه وسلم، فَإنَّهُ أحدُ وجوهِ السُننِ.
(1) 1/ 31.
(2)
أخرجه: ابن أبي شيبة (28105)، وابن حزم في " المحلى " 11/ 352 من طريق عبد الرحيم بن سليمان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، به.
وأخرجه عبد الرزاق (18959)، وابن أبي شيبة (28101)، والبيهقي 8/ 255 من طرق عن هشام، عن أبيه مرسلاً، وهو أرجح.
(3)
انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 192، والنكت لابن حجر 2/ 518 وبتحقيقي:298.
(4)
معرفة أنواع علم الحديث: 120.
وأمَّا إذا قالَ التابعيُّ: ((كَانوا يَفعلونَ كَذا)) فقالَ النَوويُّ في "شَرحِ مُسلِمٍ"(1): ((إنَّهُ لا يَدلُّ على فعل جَميعِ الأُمةِ، بل على البَعضِ، فَلا حُجةَ فِيهِ، إلا أنْ يُصرحَ بنقلهِ عَن أهل الإجماعِ، فيكونَ نَقلاً للإجماعِ، وفي ثُبوتهِ بخبرِ الواحدِ خِلافٌ)).
وأمَّا المسألةُ الثانيةُ: فإذا قالَ التَابعيُّ: ((أُمرنا بكَذا))، أو ((نُهينا عَن كَذا)) فَجزمَ أبو نَصرِ بنُ الصباغِ في كِتاب "العُدةِ في أُصولِ الفقهِ" أنَّهُ مُرسلٌ، وذكرَ الغزاليُّ في "المستصفَى" (2) فيهِ احتمالينِ مِن غيرِ ترجيحٍ: هل يكونُ موقوفاً، أو مرفوعاً مُرسلاً؟ وحَكى ابنُ الصباغِ في "العُدةٍ" وجهينِ فِيما إذا قالَ ذلكَ سَعيدُ
/ 104 أ / ابنُ المُسَيّبِ، هل يكونُ ذلكَ حُجةً، أَم لا (3)؟.
وأمَّا المسألةُ الثالثةُ: إذا قالَ التَابعيُّ: ((منَ السُنةِ كَذا))، كَقولِ عُبيدِ اللهِ ابنِ عَبدِ اللهِ بن عُتبةَ:((السُنةُ تكبيرُ الإمامِ يومَ الفِطرِ، ويوم الأضحَى، حينَ يَجلسُ على المنبرِ قبلَ الخُطبةِ تَسعَ تكبيراتٍ))، رواهُ البيهقيُّ في "سُننهِ"(4)، فَهل هوَ مُرسلٌ مرفوعٌ، أو موقوفٌ متصلٌ؟ فيهِ وَجهانِ لأصحابِ الشافِعي، حكاهُما النوويُّ في "شَرحِ مُسلمٍ"(5)، و"شَرح المهذَّبِ"(6)، و"شرحِ الوسيطِ"، قالَ:((والصَحيحُ أَنَّهُ موقوفٌ)). انتهى.
وحكى الدَاوودِيُّ في "شَرحِ مختَصرِ المُزني": أنَّ الشَافعيَّ كانَ يرى في القديمِ أَنَّ ذلكَ مرفوعٌ، إذا صَدرَ من الصحابي أو التابعي، ثُمَّ رجعَ عنهُ؛ لأنَّهم قَد
(1) شرح صحيح مسلم 1/ 24.
(2)
المستصفى 1/ 131.
(3)
نقله الزركشي في " البحر المحيط " 4/ 379.
(4)
السنن الكبرى 3/ 299.
(5)
1/ 31.
(6)
1/ 47.
يطلقونهُ، ويريدونَ به سُنةَ البلدِ. انتهى (1).
وما حكاهُ الداوودِيُّ مِن رجوعِ الشافعيِّ عن ذلكَ فيما إذا قالهُ الصحابيُّ لَم يوافِق عَليهِ، فَقدِ احتجَّ بهِ في مواضعَ منَ الجديدِ، فيمكنُ أنْ يحملَ قولهُ:((ثُمَّ رجعَ عَنهُ))، أي: عمّا إذا قالهُ التابعيُّ، واللهُ أعلمُ (2).
قولهُ:
110 -
لكنْ حَدِيْثُ (كانَ بَابُ المُصْطَفَى
…
يُقْرَعُ بالأَظْفَارِ) مِمَّا وُقِفَا
111 -
حُكْماً لَدَى (الحَاكِمِ) و (الخَطِيْبِ)
…
وَالرَّفْعُ عِنْدَ الشَّيخِ ذُوْ تَصْوِيْبِ
هَذا اعتراضٌ على الخطيبِ، والحَاكمِ، وإلزامٌ لَهما بالتناقضِ، فَإنَّهُ قَدْ (3) تقدّمَ عنِ الخطيبِ أَنَّهُ ممَن يَحكمُ على ما أُضيفَ إلى عصرهِ صلى الله عليه وسلم بالرفعِ. والتناقضُ في كَلامِ الحاكِمِ أظهرُ، فَإنَّهُ يَحكمُ بالرفعِ على مَالم يُضف إلى عصرِهِ صلى الله عليه وسلم أيضاً، فكيفَ مَا لا يَحتملُ عدم اطلاعهِ صلى الله عليه وسلم عليهِ إلا / 104 ب / احتمالاً واهياً، فقالَ قَائل: يحتملُ احتمالاً قوياً أنْ يكونَ إنَّما كانَ يُقرعُ بعدَ موتهِ صلى الله عليه وسلم، فقالَ:(4) الاحتمالاتُ هُنا ثلاثةٌ:
أن يكونَ في عصرهِ؛ وَهوَ في ذلكَ البيتِ ليسَ إلا، وهُوَ الظاهرُ.
وأنْ يكونَ في عصرِهِ، وليسَ هوَ في البيتِ وَهوَ مرفوعٌ على هذينِ الاحتمالينِ؛ لأنَّهُ مُضافٌ إلى عهدهِ صلى الله عليه وسلم.
وأن يكونَ بعدَ عصرهِ، فيكونَ الخَلافُ كثيراً فَاشياً في أنَّهُ ليسَ مَرفوعاً، وهَذا احتمالٌ مِن ثلاثةٍ (5)، فَضعفَ بِهذا الاعتبارِ.
(1) حكاه الزركشي في البحر المحيط 4/ 378 عن الصيدلاني.
(2)
التقييد والإيضاح: 68.
(3)
لم ترد في (أ).
(4)
جاء في حاشية (أ): ((أي: ابن حجر)).
(5)
جاء في حاشية (أ): ((أي: ثلاث احتمالات)).
وأيضاً: فإنَّهُ لو كانَ بعدَ عصرهِ صلى الله عليه وسلم لَم يطلقْ، بلَ كانَ يُقيدهُ ببيتِ عائشةَ رضي الله عنها مَثلاً، أو غيرِها مِن نِسائهِ صلى الله عليه وسلم ورضي عَنهُنَّ.
وأيضاً: فإنَّهم بعدَ موتهِ صلى الله عليه وسلم وإنْ كانوا في الأدبِ معهُ صلى الله عليه وسلم في الدرجةِ العُليا، لكنهُم لا يبلغونَ فيهِ ما كانوا يبلغونَ في الحياةِ، ألا تَرى قولَ عروة بنِ الزُبيرِ لعائشةَ رضي الله عنها مِن وراءِ الحُجرةِ: يا أُمتاهُ ألا تنظرينَ إلى ما يقولُ أبو عبدِ الرحمان -يعني: ابنَ عمَر- رضي الله عنهما. . . الحديثَ في الاعتمارِ في رجبَ، أخرجهُ مُسلمٌ (1) وغيرهُ (2). وأيضاً: فلو كانَ بعدَ عصرهِ صلى الله عليه وسلم لَم يَخصُّهُ بالصحابةِ، بل إضافةُ هَذا الأدبِ إلى التَابعينَ أَولى.
وأيضاً: فَإنَّهم أكثرُ اختلافاً إلى أمهاتِ المؤمنينَ منَ الصحابةِ، لأجلِ استفتائهنَّ رضي الله عنهن.
وقولُ الشيخِ في نظمهِ: ((حُكمَا)) ليسَ بجيدٍ، فإنَّ ذلكَ / 105 أ / ليسَ في عبارةِ الحَاكمِ، ولا ابنِ الصَلاحِ، معَ إمكانِ تأويلِهَا، كمَا قال ابنُ الصلاحِ، فالتصرفُ فيهَا بما يُقوي الاعتراضَ ويوجبُ التناقضَ غيرُ حسنٍ، فكانَ ينبغي أنْ يقالَ:((مما وقَفا لفظاً))، ويقالَ:((والرفعُ عندَ الكل)).
قولهُ: (في نظيرهِ)(3)، أي: فِي حَديثِ جابرٍ: ((كُنا نعزلُ)) كَما مرَّ آنفاً.
قولهُ: (وهذا الحَديثُ رواهُ المغيرةُ بنُ شُعبةَ رضي الله عنه)(4) قالَ شَيخُنا:
(1) صحيح مسلم 4/ 61 (1255)(219).
(2)
وأخرجه أيضاً: أحمد 2/ 72 و6/ 55 و157، والبخاري 3/ 3 (1777) مختصراً، وابن ماجه (2998)، والترمذي (936)، والنسائي في " الكبرى "(4222) من طريق عروة ابن الزبير، به.
(3)
شرح التبصرة والتذكرة 1/ 193.
(4)
شرح التبصرة والتذكرة 1/ 193.
((تَعبَ الناسُ في التفتيشِ على روايتهِ من حديثِ المغيرةِ، فلم يظفروا بها، وإنَّما هو من حديثِ أنسٍ رضي الله عنه، كذلكَ)). أخرجهُ البخاريُّ في "الأدبِ المفردِ"(1)، والشيخُ تبعَ في عزوهِ إلى المغيرةِ ابنَ الصَلاحِ (2)، وهوَ تَبعَ الحاكمَ في "علومِ الحديثِ"(3)، واللهُ أعلمُ.
قولهُ: (ثم تأولناهُ لهُ)(4) مما يؤيدُ هذا التأويلَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم مذكورٌ لَفظاً في هذا الحديثِ، فيتبادرُ إلى الذِهنِ حينئذٍ أنَّهُ مرفوعٌ لفظاً، فاحتاجَ الحَاكمُ والخطيبُ إلى استثنائهِ من ذلكَ؛ نفياً لهذا الاحتمالِ، ويبقى كونهُ مرفوعاً حُكماً داخلاً في كلامِهمَا في أشكالِ (5) ذلكَ، مُقضياً بأنَّ حكمهُ الرفعُ.
قولهُ: (وإنَّما جعلناهُ مرفوعاً من حيثُ المعنى)(6)، أي: وكذلكَ كلُّ ما تقدمَ من أقوالِ الصحابةِ: ((السنةُ كَذا، وأُمرنا بكَذا، وكنَّا نَرى كَذا)) موقوفٌ لفظاً، وهو موجودٌ في كلامِ ابنِ الصَلاحِ في هَذا الموضعِ، فَحذفُهُ ليسَ بجيدٍ.
قولهُ:
112 -
وَعَدُّ مَا فَسَّرَهُ الصَّحَابي
…
رَفْعَاً فَمَحْمُوْلٌ عَلَى الأسْبَابِ
(1) الأدب المفرد (1080)، وكذلك في التأريخ الكبير 1/ 228، وأخرجه أيضاً: أبو نعيم في "أخبار أصفهان" 2/ 110 و365.
(2)
معرفة أنواع علم الحديث: 121، وانظر تعليقنا المطول عليه.
(3)
معرفة علوم الحديث: 19 من طريق كيسان مولى هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن المغيرة، به. وكيسان هذا: مجهول الحال، لم يوثقه سوى ابن حبان في ثقاته 7/ 358 على عادته في توثيق المجاهيل.
(4)
شرح التبصرة والتذكرة 1/ 194.
(5)
جاء في حاشية (أ): ((أي: أمثال)).
(6)
شرح التبصرة والتذكرة 1/ 194.
سُئلَ (1) ما موقعُ الفاء في قولهِ: ((فمَحمولٌ))، فقالَ: الناظِم يتسامحُ فيهِ
/ 105 ب / فَقلتُ: قَد تشعر بتفصيل، فتكونُ مقصودةً لهُ، كأنَّ القائلَ:((إنَّ تفسيرَ الصحابةِ مرفوعٌ)) أجمل قولهُ، ومن حقهِ أنْ يَفصلَ فيقولَ: تفسيرُ الصحابةِ لا يخلو إمَّا أنْ يكونَ للرأي فيهِ مَجالٌ، أو لا، فالأولُ: لا يكونُ مرفوعاً، والثاني: لا يَخلُو إمَّا أنْ لا يؤخذَ عن غيرِ النَبي صلى الله عليه وسلم نَحو أسبابِ النُزولِ، أو لا.
والثاني: لا يكونُ مرفوعاً؛ لاحتمالِ أخذهِ عَن أهلِ الكتابِ، والأولُ: مرفوعٌ فلم يرتضهِ، فَليتأمل، ولو قالَ الشيخُ:((في الرفعِ محمولٌ)) لاتَّزَنَ، وإنَّما كانَ التفسيرُ المتعلقُ بأسبابِ النُزولِ مرفوعاً؛ لأنَّهم شاهدُوا النُزولَ، وتلقُوا عنهُ صلى الله عليه وسلم القرآنَ.
قولهُ: (ونحوَ ذلكَ)(2) عَطفٌ على قولهِ: ((تفسيرُ)) وشبيهُ ذلكَ هوَ ما لا يمكنُ أنْ يؤخذ إلا عنِ النَّبي صلى الله عليه وسلم مثلُ بيانِ أسماءِ من نزلتْ فيهِم الآيةُ، وكَذا كلُّ ما لا مجالَ للرأي فيهِ، إذا كان الصحابيُّ ممَّن لم يأخذْ عن أهلِ الكتابِ، فَنظمُ الشيخِ حينئذٍ غَيرُ وافٍ بكلامِ ابن الصلاحِ، حيث لم يأتِ بما يدلُّ على قولهِ:((ونحو ذلكَ))، فلو قال:
…
...
…
...
…
رافعاً إذا ما كانَ كالأسبابِ
لَوَفى.
قولهُ: (على إضافةِ شيءٍ)(3)، أي: لا حكماً، ولا قولاً.
(1) جاء في حاشية (أ): ((أي: ابن حجر)).
(2)
شرح التبصرة والتذكرة 1/ 194.
(3)
شرح التبصرة والتذكرة 1/ 195.
قولُهُ:
113 -
وَقَوْلُهُمْ (يَرْفَعُهُ)(يَبْلُغُ بِهْ)
…
روَايَةً يَنْمِيْهِ رَفْعٌ فَانْتَبِهْ
114 -
وَإنْ يَقُلْ (عَنْ تَابعٍ) فَمُرْسَلٌ
…
قُلْتُ: مِنَ السُّنَّةِ عَنْهُ نَقَلُوْا
115 -
تَصْحِيْحَ وَقْفِهِ وَذُو احْتِمَالِ
…
نَحْوُ (أُمِرْنَا) مِنْهُ (للغَزَالِيْ)
116 -
وَمَا أَتَى عَنْ صَاحِبٍ بحَيْثُ لا
…
يُقَالُ رَأياً حُكْمُهُ الرَّفْعُ عَلَى
117 -
مَا قَالَ في المَحْصُوْلِ نَحْوُ مَنْ أتَى
…
(فَالحَاكِمُ) الرَّفْعَ لِهَذَا أثْبَتَا
118 -
وَمَا رَوَاهُ عَنْ (أبِي هُرَيْرَةِ)
…
(مُحَمَّدٌ) وَعَنْهُ أهْلُ البَصْرَةِ
119 -
كَرَّرَ (قَالَ) بَعْدُ، (فَالخَطِيْبُ)
…
رَوَى بِهِ الرَّفْعَ وَذَا عَجِيْبُ
قُلتُ: إيرادهُ هَذا أولَ الفروعِ أليق، حتى يبقى قولُ الصَحابي صريحاً.
وقولهُ: ((تأويلاً في فَصلٍ واحدٍ))، قالَ شيخُنا:((ولم يذكروا رواهُ بلفظِ الماضي، وقد وقعتْ / 106 أ / في عِباراتهِم، ولا ذكروا ما حُكم هذِهِ الصِيغِ لو قِيلت عَن النبي صلى الله عليه وسلم، قالَ: وقد ظفرتُ لذلكَ بمثالٍ في "مُسندِ البزارِ" (1) عَن النبي صلى الله عليه وسلم يرويهِ، أي: عن ربهِ عز وجل فهوَ حينئذٍ منَ الأحاديثِ القُدسيةِ)) (2).
قولهُ: (قلتُ: من السُنةِ .. )(3) إلى آخرهِ، كان إيرادهُ عِند قوله:
105 -
قَوْلُ الصَّحَابيِّ (مِنَ السُّنَّةِ) أوْ
…
نَحْوَ (أُمِرْنَا) حُكْمُهُ الرَّفْعُ، وَلَوْ
106 -
بَعدَ النَّبِيِّ قالَهُ بِأَعْصُرِ
…
عَلى الصَّحِيْحِ، وهوَ قَوْلُ الأكْثَرِ
أولى، وإنْ كانَ له هنا مناسبةٌ ما، وهوَ ذِكرُ التابعيِّ.
قولهُ: (حُكمُ المرفوعِ)(4) قالَ صاحبُنا العلَاّمةُ شَمسُ الدينِ بنُ حسَّانَ فيمَا
(1) انظر: كشف الأستار الحديث (781)، وذكره.
(2)
انظر: النكت لابن حجر 2/ 539 وبتحقيقي: 315.
(3)
التبصرة والتذكرة (114).
(4)
شرح التبصرة والتذكرة 1/ 195.
وجدتهُ بخطِّهِ: قالَ النوويُّ (1): ((كلُهُ مرفوعٌ متصلٌ بلا خِلافٍ))، وأخرجَ البخاريُّ (2) عَن عليٍّ هوَ ابنُ المديني، عن سفيانَ (3)، عنِ الزُهري، عن سعيدِ بنِ المُسيبِ، عن أبي هُريرةَ روايةً:((الفطرةُ خَمسٌ، أو خَمسٌ منَ الفطرةِ: الخِتانُ، والاستحدادُ، ونتفُ الإبطِ، وتقليمُ الأظافرِ، وقصُ الشاربِ))، ووقعَ في روايةِ مسددٍ، عن سفيانَ، عن أبي داودَ (4) يَبلغُ بهِ النبيَ صلى الله عليه وسلم، وفي روايةِ أبي بكر بنِ أبي شيبةَ عن سفيانَ - عندَ مسلمٍ - (5) قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وبيَّنَ أحمدُ (6) في روايتهِ أَنَّ سفيانَ كانَ تارةً يُكني، وتارةً يُصرِحُ.
قولهُ: (الشِفاءُ في ثلاثٍ. . .) الحديث (7)، إن قيلَ: قولهُ: ((وأنهى أمتي عن الكي)) يَدلُّ على الرفعِ، فَلا يَحتاجُ إلى قولهِ:((رفعَ الحديثَ))، قيل: إنَّما يَدلُّ ذلكَ على رفعِ النَهي عَنِ الكَي، فيبقَى مَا عدا ذلكَ، ويكونُ كأنَّهُ قِيلَ: وقالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((أنهى (8) أمتي عَن الكَي)).
(1) انظر: الإرشاد 1/ 64.
(2)
في صحيحه 7/ 206 (5889).
(3)
يعني: ابن عيينة.
(4)
هكذا في جميع النسخ الخطية ولعل الصواب ((عند أبي داود))، والحديث في سننه (4198).
(5)
في صحيحه 1/ 152 (257)(49)، وهو في المصنف لابن أبي شيبة (2047) و (26460).
(6)
في مسنده 2/ 239 (7261) قال: حدثنا سفيان، عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وقال سفيان مرةً: رواية فذكره.
وأخرج هذا الحديث أيضاً: الحميدي (936)، ومسلم 1/ 152 (257)(49)، وابن ماجه (292)، والنسائي 1/ 15 وفي "الكبرى"، له (9) من طريق سفيان، به.
(7)
شرح التبصرة والتذكرة 1/ 195، والحديث في: صحيح البخاري 7/ 158 (5680) و7/ 159 (5681)، ومسند أحمد 1/ 245، وسنن ابن ماجه (3491)، ومعجم الطبراني الكبير (12241)، والسنن الكبرى للبيهقي 9/ 341.
(8)
في (ب): ((وأنهى)) بزيادة الواو.
قولهُ: (على ذراعِهِ / 106 ب / اليُسرى في الصلاةِ)(1) هذا الحُكمُ مما خالَفَ مَالكاً فيهِ أصحابُهُ، معَ كونهِ في "الموطأ"(2).
قولُهُ: (وقد رواهُ البخَاريُّ مِن طَريقِ القعنبي)(3) ليسَ بجيدٍ، فَإنَّ عادتَهم أنْ يقولوا:((مِن طريق)) فِيمن بينَ المُخرج (4) وبينهُ وَاسطةٌ، فكان ينبغي أنْ يقولَ:((عن القَعنبي)).
قولهُ: (فَصرحَ برفعهِ)(5) قالَ ابنُ الصلاحِ بعدَ إيرادهِ بعضَ هذهِ الأحاديثِ: ((فكلُ هَذا وأمثالهُ كِنايةٌ عَن رفعِ الصحابي الحديثَ إلى رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم، وحكم ذلكَ
…
)) (6) إلى آخرهِ.
قولهُ: (فهو مرسلٌ)(7) عبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((وإذا قالَ الراوي عن التابعيِّ: يرفعُ الحديثَ، أو يبلغُ بهِ، فذلكَ أيضاً مرفوعٌ، ولكنهُ مرفوعٌ مرسلٌ (8))).
قولهُ: (قلتُ: منَ السُنةِ)(9) هذهِ العبارةِ أولى بالاحتمالِ من ((أُمرنا))، وممَّا يؤيدُهُ قولُ الزُهريِّ لمن سَألهُ عن قولِ سالمٍ للحجاجِ:((إنْ كنتَ تُريدُ السُنةَ فافعل كَذا)) يُريدُ سُنةَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال:((وهل يَعنونَ بذلكَ إلا سُنتَهُ))، وكانَ ذلكَ مقررٌ عندهُم، لا يحتاجُ إلى تأملٍ، ولا توقفٍ.
(1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 196.
(2)
انظر الموطأ (437) رواية يحيى.
(3)
شرح التبصرة والتذكرة 1/ 196.
(4)
جاء في حاشية (أ): ((أي البخاري)).
(5)
شرح التبصرة والتذكرة 1/ 196.
(6)
معرفة أنواع علم الحديث: 125.
(7)
شرح التبصرة والتذكرة 1/ 197.
(8)
معرفة أنواع علم الحديث: 125، وانظر بلا بد تعليقنا عليه.
(9)
التبصرة والتذكرة (114).
قولهُ: (ثُمَّ رَجعَ عنهُ)(1) تقدّمَ في أولِ هذهِ الفروعِ عن الشافعي من كلامهِ في بابِ الجنائزِ منَ "الأمِّ" ما يدلُ على أنَّهُ مذهبهُ في الجديدِ بالنسبةِ إلى الصحابي، ولم يرجع عنهُ (2)، واللهُ أعلمُ.
قولهُ: (يمكنُ أنْ يُجابَ بأنَّ قولهُ: ((يَرفعُ الحديثَ)) تصريحٌ بالرفعِ) (3) يخدشهُ أنَّ هذهِ الألفاظَ واردةٌ قبلَ تقرير الاصطلاحِ، على أنَّ الرفعَ لِما يُضافُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم بِسندٍ يَظهرُ فيهِ الاتصالُ / 107 أ /، فقولكَ تصريحٌ بالرفعِ مُسلّمٌ، لكنْ مَا المرادُ إلا الرفعُ اللغويُّ، ويصدقُ بأنْ يرفعهُ التابعيُ إلى الصحابةِ فيرويهِ عن بعضهِم، بل وبأنْ يرويه عن تَابعي أكبر منهُ، فأينَ الصراحة في الرفعِ الاصطلاحِي؟ وهَذا بِخلافِ ما إذا قالَ التابعيُ ذلكَ عنِ الصحابيِّ؛ فإنَّهُ يكونُ مرفوعاً؛ لضعفِ الاحتمالِ ثمة؛ لأنَّهُ يرجح رُجحاناً واضحاً أنَّ الصحابيَّ لا يرفعُ إلا إلى أعلى الناسِ، وهوَ صاحبُ الشَرعِ صلى الله عليه وسلم، ويضعفُ احتمالُ غيرهِ، بِخلافِ هَذا الحالِ في حَقِّ التابعي؛ فَإنَّ الاحتمالينِ فيهِ على حَدٍّ سَواءٍ، أو مُتقاربانِ.
قولهُ: (هَل يكونُ حُجةً؟)(4) كونهُ حُجة مبنيٌّ على الحُكمِ بإرسالهِ؛ لأنَّ مراسيلَ ابنِ المسيبِ حُجةٌ، وإنما جاءَ الوجهُ الثاني؛ لأنَّ هَذا وإنْ جَزمَ بكونهِ مُرسَلاً يَطرقُهُ احتمالُ الوَقفِ، فَضَعُفَ، بِخلافِ المرفوعِ صريحاً، فَإنَّهُ مُرسلٌ قَطعاً.
قولهُ:
116 -
وَمَا أَتَى عَنْ صَاحِبٍ بحَيْثُ لا
…
يُقَالُ رَأياً حُكْمُهُ الرَّفْعُ عَلَى
117 -
مَا قَالَ في "المَحْصُوْلِ" نَحْوُ مَنْ أتَى
…
(فَالحَاكِمُ) الرَّفْعَ لِهَذَا أثْبَتَا
(1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 197.
(2)
جاء في حاشية (أ): ((إلا من جهة التابعي)).
(3)
شرح التبصرة والتذكرة 1/ 197.
(4)
شرح التبصرة والتذكرة 1/ 198.
قولهُ: (في "المحصولِ")(1) كانَ ينبغي عَزوهُ لمن هُو أقدمُ من صاحبِ "المحصول" وأجلُّ، فَإنَّهُ موجودٌ كَما هو في الشرحِ في كلامِهِم (2)، حَتَّى نُقلَ عن الإمامِ الشافعي، فَإني رأيتُ عن شَيخِنا البُرهان الحلبيِّ أنَّ الجمالَ الإسنويَّ قالَ: إن الشَافعيَّ قالَ في كتابِ "اختلافِ الحديثِ": رُوِيَ عن علي رضي الله عنه: ((أنَّهُ صَلى في ليلةٍ ستَ ركعاتٍ، في كلِّ ركعةٍ ستُ سجداتٍ)) (3)، وقالَ (4):((لو ثبتَ ذلكَ عن عليٍّ لَقلتُ بهِ، فإنَّهُ لا مجالَ للقياسِ فيهِ، والظاهرُ أنَّهُ فعلهُ (5) توقيفاً))، فنظمَ /107 ب / ذلكَ شيخُنا فقالَ:
قلتُ: (6) حكى فقيهُ مصرَ الإسنوي
…
نصاً بهِ عنِ الإمام الشافعيِّ
هكذا رأيتُ عن شيخِنا، فراجعتُ "اختلافَ الحديثِ"، فَلم أَجدْ ذلكَ فيهِ، ووجدتُ مِمَّا يُقاربهُ في ((بابِ الخِلافِ في أنَّ الغُسلَ لا يجبُ إلا بِخروجِ المَاء)): أنَّ شَخصاً ناظرهُ في ذلكَ، فقالَ لهُ: أمَّا قولُ عائشةَ رضي الله عنها (7) -: ((فعلتُهُ - أي: الغُسل - مِن مسِّ الختانِ الختان أنا ورسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فاغتسلنا)) (8) فَقد يَكونُ
(1) التبصرة والتذكرة (117).
(2)
عبارة: ((في كلامهم)) لم ترد في (ف).
(3)
أخرجه: الشافعي في " الأم " 7/ 177، والبيهقي 3/ 343.
(4)
جاء في حاشية (أ): ((أي الشافعي)).
(5)
جاء في حاشية (أ): ((أي علي رضي الله عنه)).
(6)
((قد)) من (ف) فقط.
(7)
لم ترد في (ف).
(8)
أخرجه: ابن أبي شيبة (930)، وأحمد 6/ 161، وابن ماجه (608)، والترمذي (108)، والنسائي 1/ 196، وأبو يعلى (4925)، وابن الجارود (93)، والطحاوي في " شرح المعاني " 1/ 55، وابن حبان (1175) و (1176) و (1185)، والرامهرمزي في " المحدث الفاصل ": 474، والدارقطني 1/ 111، والبيهقي 1/ 164 وفي " المعرفة "، له (253) و (254)، وابن عبد البر في " التمهيد " 23/ 104.
تطوعاً مِنهمَا بالغُسلِ.
قالَ الشافعيُ: فقلتُ لهُ: الأغلبُ (1) أنَّ عائشةَ لا تقولُ: ((إذا مسَّ الختانُ الختانَ فَقد وجبَ الغُسلُ)) إلا خَبراً، وتقولُ: ((فعلتهُ أنَا ورسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم
فاغتسلنا)) إلا خَبراً عَن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بوجوبِ الغُسلِ منهُ، قالَ: فيحتملُ أَنْ يكونَ لمَّا رأتِ النبيَ صلى الله عليه وسلم اغتسلَ اغتسلتْ رَأتهُ وَاجباً، ولم تَسمع مِن النبي صلى الله عليه وسلم إيجابَهُ، قُلتُ: نَعمْ، قالَ: فَليسَ هَذا بخبرٍ عَن النبي صلى الله عليه وسلم، فَقلتُ: الأغلبُ أنَّهُ خبرٌ عنهُ. (2) انتهى.
ومن أمثلتهِ الحَسنةِ ما قالَ الإمامُ أبو عبدِ اللهِ مُحمدُ بنُ نصرٍ المروزيُّ في كتابِ "قيام الليلِ": ((حدّثنا مُحمدُ بنُ يحيى، حدثَنا مؤملُ بنُ الفَضلِ، حدّثَنا عيسى بنُ يونسَ، عن أبي مالِكٍ - يعني: النَخعي-، حدثنا زيادُ بنُ فياضٍ، عنَ سعيدِ بنِ جُبيرٍ، عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما قالَ: ((التقى ملكانِ في صلاةِ /108 أ/ المغربِ، فقالَ أحدهُما لصاحبهِ: اصعَد بِنا، فقالَ: إنَّ صَاحبي لَم يُصلِ، قالَ: فَمِن أجل ذلِكَ يُكرهُ أن يُؤخرَ المغرب)))).
ولو قالَ شيخُنا البُرهان:
قُلتُ: وَعن فقيهِ مِصرَ البارعِ
…
نَصٌّ بهِ عن الإمامِ الشَافعيِّ
لكانَ أحلى.
قولُهُ: (نَحوَ مَن أتى)(3) هَذا المثال ليسَ بصحيحٍ؛ لأنَّهُ يُمكنُ أنْ يُقال مِن جهةِ الرَأي، فَإنَّ الحديثَ جاءَ في بعضِ طرقهِ تَقييد الكُفرِ بأن يصدقهُ، والعرَّافُ يَدّعي عِلمَ الغيبِ، فَمن صدَّقهُ في هَذهِ الدَعوى، فَقد كذبَ بقولِهِ تَعالى: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي
(1) في (ب): ((ألا علمت)).
(2)
اختلاف الحديث: 63.
(3)
التبصرة والتذكرة (117).
السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَاّ اللَّهُ} (1) وَمَن كذَّبَ بحرفٍ مِن القُرآنِ فَقد كفرَ.
وأيضاً: فَقد أخبرَ النّبيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّهم: ((لَيسُوا بشيءٍ))، وأنَّهم كَذَبَةٌ، فَمن صَدَّقهُم فَقد كفرَ بتكذيبهِ صلى الله عليه وسلم، ومن أتى السَاحِرَ مُصدِّقاً بِسحرهِ، أي: مؤمناً بأنَّهُ حَقٌّ، أو أنَّهُ يؤثرُ بطبعهِ، فَقد كَذبَ بقولِهِ تعالى:{وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَاّ بِإِذْنِ اللَّهِ .. } الآية كلها (2) ثُمَّ إنَّ القولَ السَديدَ في أصلِ المسألةِ: أنَّ ما يأتي عن الصَحابةِ مِمّا لا مجالَ للرأي فيهِ، إنْ كانَ حُكماً مِنَ الأحكامِ فهوَ مرفوعٌ؛ لأنَّ الأحكامَ لا تؤخذُ إلا بالاجتهادِ، أو بقولِ مَن لهُ الشرعُ، وقد فَرضنا أنَّهُ ممَّا لا يُجتهدُ فيهِ، فانحصر في أنَّهُ مِن قولهِ صلى الله عليه وسلم.
وإنْ لم يَكنْ مِن الأحكامِ، فَإنْ كانَ ذلِكَ الصَحابي لم يأخذ عنِ الإسرائيلياتِ فكذلك؛ لأنَّ ما لا مجالَ للرأي فيهِ، لا بدَّ للصحابي فيهِ مِن مُوقِّفٍ، فيكونُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، إذ / 108 ب / المسألةُ مفروضةٌ فيمَن لم يأخذ عن أهلِ الكِتابِ، وإلا فموقوفٌ؛ لاحتمال أنْ يكونَ سَمعهُ مِن أهلِ الكتابِ، وما يَرِد عن أهلِ الكتابِ ينحصِرُ في ثلاثةِ أقسامِ:
أنْ يكونَ شرعُنا قَد جَاءَ بتصديقهِ، فالعمل بشَرعِنا حينئذٍ، أو بتكذيبهِ، فلا يَحلُّ نقلهُ مَسكوتاً عنهُ، أو يكونَ شَرعُنا سَاكتاً عنهُ، فهذا هوَ الذِي نقلهُ بعضُ الصَحابةِ عن أهلِ الكِتابِ؛ لاحتمالِ أنْ يكونَ صِدقاً، وَيحتملُ أيضاً أنْ يكونَ قَد بدّلَ، فيكذبُ.
ففِي البخارِي: عَن معاويةَ رضي الله عنه أنَّهُ قالَ: ((أصدقُ هؤلاءِ الذينَ يحدثونَنا عَن أهلِ الكتابِ كَعبٌ (3)، ومعَ ذلِكَ فإنا لَنبلوا عَليهِ الكذب)) (4).
(1) النمل: 65.
(2)
البقرة: 102.
(3)
يعني: كعب الأحبار.
(4)
صحيح البخاري 9/ 136 (7361) معلقاً.
قالَ شيخُنا: ((يعني: إنَّ الخَبرِ الذي ينقلهُ، وفيهِ إخبارٌ ببعضِ ما يأتي، قد لا يقعُ كما في الخبرِ؛ لِكونهم قَد بدَّلوهُ، ولَم يطلعْ كَعبٌ على ذَلِكَ، لا أنَّهُ نَفسهُ يكذبُ، فإنهُ ثقةٌ مأمونٌ رحمه الله)).
قلتُ: فَإنْ قِيل: كيفَ يؤخَذُ عن بني إسرائيلَ، أو يُنقلُ مِن كتبهم، وَقد رَوَى البُخاريُّ في التفسيرِ (1) والاعتصامِ (2) مِن "صَحيحهِ" عَن أبي هُريرةَ رضي الله عنه قالَ:((كانَ أهلُ الكتابِ يَقرؤونَ التوراةَ بالعبرانيةِ، ويفسرونَها بالعربيةِ لأهلِ الإسلامِ، فقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((لا تُصَدِقوا أهلَ الكِتابِ، ولا تكذبوهُم، و {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا .. } (3) الآية)). وللبغويِّ في تفسيرِ قولهِ تَعالى: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (4) بسندٍ لا بأسَ بهِ / 109 أ / عن أبي نَملةَ الأنصاريِّ رضي الله عنه: أنَّهُ بينَا هوَ جالِسٌ عندَ النَبي صلى الله عليه وسلم جاءهُ رَجل مِن اليَهودِ، وَمُرَّ بجنازةٍ، فقالَ: يا مُحمَّدُ، هل تتكلمُ هَذهِ الجَنازةُ؟ فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم
: ((اللهُ أعلمُ))، فقالَ اليَهوديُّ: إنها تتَكلمُ، فقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:((مَا حدّثكُم بهِ أهلُ الكتابِ فلا تصدقُوهم، ولا تكذبوهُم، وقولوا: آمنَّا باللهِ وَكُتبهِ وَرسُلهِ، فإنْ كانَ باطلاً لَم تُصدقوهُ، وإنْ كانَ حَقاً لم تكذبوهُ)) (5).
(1) صحيح البخاري 6/ 25 (4485).
(2)
صحيح البخاري 9/ 136 (7362).
(3)
البقرة: 136.
(4)
العنكبوت: 46.
(5)
تفسير البغوي (1633)، وهو في "شرح السنة" كذلك (124).
والحديث في: جامع معمر (20059)، ومسند أحمد 4/ 136، وسنن أبي داود
(3644)
، وصحيح ابن حبان (6257)، ومعجم الطبراني الكبير 22/ (874) و (875) و (878) و (879)، وسنن البيهقي الكبرى 2/ 10.
ولأحمدَ (1)، والدارمي (2) والبَيهقي في "الشّعبِ" (3) عَن جابرٍ: أنَّ عمرَ رضي الله عنهما أتى النَبيَّ صلى الله عليه وسلم فقالَ: إنَّا نَسمعُ أحاديثَ مِن يهودٍ، فتعجبنا (4)، أفتَرى أن نكتبَ بعضَها؟ فقالَ:((أَمُتَهوِّكونَ أنتُم كَما تَهوَّكتِ اليهودُ والنصارى؟ لَقدِ جِئتُكم بهَا بيضاءَ نقيةً، ولَو كانَ موسى حَياً لَما وَسِعَهُ إلاّ اتباعِي)).
وَلفظُ الدَارمي: عن جابرٍ رضي الله عنه: أنَّ عمرَ بنَ الخطابِ رضي الله عنه أتى رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بنسخةٍ منَ التوراةِ فقالَ: يارسولَ اللهِ، هذهِ نُسخةٌ مِن التوراةِ، فسكتَ، فجعلَ يقرأُ، ووجهُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يتغيرُ، فقالَ أبو بكرٍ رضي الله عنه (5): ثكلتكَ الثواكلُ، ما تَرى ما بوجهِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ فنظرَ عُمرُ إلى وجهِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقالَ: أعوذُ باللهِ مِن غضبِ اللهِ، وغَضَبِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم /109 ب/، رَضينَا باللهِ رَباً، وبالإسلامِ ديناً، وبمحمَّدٍ نَبياً، فقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:((والذِي نَفسُ محمدٍ بيدهِ، لو بَدا لكُم مُوسى، فاتبعتموهُ وتركتُموني، لضللتُم عن سَواءِ السَبيلِ، ولو كانَ حيَّاً وَأدركَ نُبوتِي لاتبّعَني))، وفي سَندهِ مجالدُ بن سَعيدٍ، وَليسَ بالقوي، وَقَد تَغَيَّر في آخرِ عُمرهِ (6).
(1) مسند الإمام أحمد 3/ 387.
(2)
سنن الدارمي (435).
(3)
شعب الإيمان (177). والحديث أخرجه: أبو عبيد في "غريب الحديث" 3/ 28 - 29، وابن أبي شيبة (26412)، وابن أبي عاصم في "السنة"(50)، والبزار كما في "كشف الأستار"(124)، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" 2/ 42، والبغوي في "شرح السنة"
(126)
.
(4)
في (ب): ((تعجبنا)).
(5)
((عنه)) لم ترد في (أ).
(6)
انظر: تهذيب الكمال 7/ 35.
قولُهُ: (مُتهوكونَ) قالَ ابنُ فارسٍ: ((الهَوَكُ: الحُمقُ والتهوكُ: الوقوعُ في الأشياءِ)) (1). وقالَ ابنُ القطاعِ: ((هَوَكَ هَوَكاً: حَمُقَ، وأيضاً: تَحيَّرَ)) (2). وَقال عَبدُ الحقِ في "الواعِي": ((والهَوَكُ والتَهَوُّكُ: الحيرةُ في الأمورِ)).
وقولُهُ: (أمتهوكونَ)، أي: أمتحيرونَ، ورَجلٌ هوَّاكٌ وَمتهوكٌ، إذا كانَ يقعُ في الأُمورِ بحمقٍ، والأهوكُ: الأهوجُ، وأصلُهُ الذي يتهوكُ في الأُمورِ، أي: يتحيرُ فِيهَا (3). وللدارمي (4) أيضاً: عن يَحيى بنِ جَعدةَ مُرسلاً قالَ: أُتِيَ النَبيُّ صلى الله عليه وسلم بكتفٍ فيهِ كِتابٌ، فقالَ:((كَفى بقومٍ ضَلالاً أنْ يرغَبوا عما جاءَ بهِ نبيُهُم، إلى ما جَاءَ بهِ نبيٌ غيرُ نبيهِم، أو كتابٌ غيرُ كتابِهم)) فأنزلَ اللهُ {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ .. (} الآيةَ (5)(6). فَالجوابُ: أَنَّ هَذهِ الأحاديثَ الناهيةَ تحملُ على تَصديقِهم فيمَا لَم يكن في شَرعِنا ما يصدقُه، أو يكذبهُ، جَمعاً بينهَا وبينَ احتجاجِهِ صلى الله عليه وسلم بالتوراةِ في قِصةِ الزَاني، كَما في الصَحيحَينِ (7)، عَن ابنِ عُمرَ رضي الله عنهما.
(1) مجمل اللغة لابن فارس مادة (هوك).
(2)
الأفعال لابن القطاع 3/ 352.
(3)
انظر: لسان العرب مادة (هوك)، وتاج العروس مادة (هوك).
(4)
سنن الدارمي (484).
(5)
العنكبوت: 51.
(6)
جاء في حاشية (أ) من خطِّ البقاعي: ((بلغ الله المأمول شهاب الدين الحمصي الشافعي قراءة بحث، وسمع الجماعة، وكتبه إبراهيم البقاعي لطف الله به)).
(7)
الحديث في: صحيح البخاري 8/ 213 - 214 (6841)، وفي صحيح مسلم 5/ 121 (1699)(26) وللحديث طرق أخرى في الصحيحين وغيرهما.
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((بَلِّغوا عَني ولو آيةً / 110أ / وحَدِّثوا عَن بني إسرائيلَ ولا حرجَ)) كَما في البخارِي (1) في ((ذكرِ بَني إسرائِيلَ))، والترمذيِّ (2)، والدَارمِي (3)، عَن عَبداللهِ بنِ عَمرو رضي الله عنهما.
وقولهُ تَعالى: {قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (4)، وَقولُهُ تَعالى (5):{نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} (6) وَعلى هَذا يتنَزلُ قولُ الخَطَّابي في حديثِ أبي هريرةَ رضي الله عنه (7): ((هَذا الحديثُ أصلٌ في وجوبِ التوقفِ عمَّا يشكلُ في (8) الأمورِ، فلا يُقضَى عليهِ بصحةٍ، ولا بطلانٍ، ولا بتحليلٍ، ولا تَحريمٍ)) (9). انتهى.
وأوضَحُ دَليلٍ على ذلِكَ قولُهُ تَعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ} (10)، أي: شاهِداً وَرقيباً، فَما صَدَّقهُ صَدقناهُ، وما كذَّبهُ كَذبناهُ (11). على أنَّهُ قَد نُقل عَن كَثيرٍ مِن الصَحابةِ - رضي الله
(1) صحيح البخاري 4/ 207 (3461).
(2)
جامع الترمذي (2669).
(3)
سنن الدارمي (548). وأخرجه أيضاً: أحمد 2/ 159 و 202 و 214 جميعهم مِن طريق حسان بنِ عطية، عَن أبي كبشة، عَن عبد الله بنِ عمرو رضي الله عنه، فذكره.
(4)
آل عمران: 93.
(5)
((تعالى)) لم ترد في (ب) و (ف).
(6)
آل عمران: 3.
(7)
لم ترد في (ف).
(8)
في (ف): ((من)).
(9)
أعلام الحديث 3/ 1801.
(10)
المائدة: 48.
(11)
انظر: تفسير البغوي 2/ 57.
عنهم السَماع مِن أهلِ الكتابِ، والنقل عَنهم (1)، ولهذا فَرقَ المحدثونَ كَما ترى في هَذهِ المسألةِ بينَ ما يكونُ راويهِ مِمَّن حملَ عَن أهل الكِتابِ، فَلا يُحكمُ لهُ بالرَفعِ، وبينَ غَيرِه فَيحكَم لَهُ بهِ، فلعلهُم حَملوا النَهي فِي الحَديثِ الأَولِ والثاني على التنْزيهِ، أو أنَّ ذلِكَ الحكم كانَ قَبلَ أنْ يتمَّ نزولُ الكتابِ المُهيمنِ ويَكملَ الدينُ، فيعرفَ بهِ (2) الصِدق مِن الكَذبِ. وَقيدَوا نَهي الحَديث الثالث، وما بعدهُ على تقديرِ الصحَةِ بحياتهِ صلى الله عليه وسلم، خَوفاً مِن تَشعبِ الأَمرِ قبلَ تقررِ / 110 ب / الدِينِ باتباعِ مَا لم يأذَنْ بهِ اللهُ، أو ما نَهى الله عَنهُ، وَلفظُ الدارمِي ظاهِرٌ في ذلك، وفِراراً منْ دخولِ اللَبسِ على مِن كانَ يقولُ عِناداً: إنَّما يُعلمُهُ بشر، أو التسبب في وجدانِ المَطعنِ لَهُم بأنْ يقولُوا: إنَّهُ يتعلمُ مِن أهلِ الكِتابِ، فَلمَّا تقررَ الشَرعُ، وكَملَ الدينُ، وَتمَّ إنزالُ الكتَابِ مُهيمناً على كُلِّ كتابٍ، زالت هَذهِ الاحتمالاتُ كُلُها.
وأما غَضبُهُ وتغيرُ وَجهِه صلى الله عليه وسلم فَقد يكونُ مِن فعلِ المكروهِ، بَل ومن خِلافِ الأَولَى إذا صَدر مِن عالِي المرتبةِ، كتَطويلِ مُعاذٍ رضي الله عنه الصلاةَ، ومِنَ التَقصيرِ في فَهمِ الأَمرِ الواضِحِ، كَالذي سَألَ عَن ضَالةِ الأبلِ، بَل ولمجردِ الوعظِ، ونَحو ذلِكَ، واللهُ الهادِي.
قالَ شيخُنا شَيخُ الإسلامِ ابنُ حَجرٍ في أواخرِ شَرحهِ للبخَارِي - بعدَ أنْ ذكرَ بعضَ (3) ما ذَكرَه أصحابُ الشَافِعي في الزجرِ عَن استفتاءِ الكتابيين كَما هوَ مشهورٌ في بابِ الأحداثِ، وفي بابِ السِيرِ -: ((والأولَى في هَذهِ المسألةِ التَفرقةُ بينَ مَن لَم يتمكنْ، ويصير منَ الراسخينَ في الإيمانِ، فَلا يجوزُ لَه النَظرُ في شيء مِن ذلِكَ، بخِلافِ الراسِخِ فيجوزُ لهُ، ولا سيمَا عندَ الاحتياجِ إلى الرَدِّ على المخالِفِ،
(1) انظر: تفسير ابن كثير 2/ 68.
(2)
في (ب) و (أ): ((بها))، وأشار ناسخ (أ) إلى الصواب في الحاشية.
(3)
لم ترد في (ب).
ويَدلُ على ذلِكَ نَقلُ الأئمةِ قَديماً وَحديثاً مِن التوراةِ، والزامهمُ اليَهودَ بالتصديقِ بِمحمدٍ صلى الله عليه وسلم / 111 أ / بما يَستخرجونهُ مِن كِتابِهِم، وَلولا اعتقادُهُم جَوازَ النَظرِ فيهِ، لَما فَعلوه، وَتوارَدوا عليهِ)). (1) انتهَى.
وَإذا تُؤمِلَ كلامُ أئمتِنا وإمامِهم أرشدَ إلى ذلِكَ، قالَ الشافِعي رحمه الله في " الأمِّ " (2) في بابِ تَرجمتِهِ كتبِ الأعاجمِ مَا نصُه:((وَما وجِدَ مِن كتبهِم فَهو مَغنمٌ كُلهُ، وَينبغِي للإمامِ أنْ يدعوَ مَن يترجمهُ، فإنْ كانَ عِلماً مِن طِبٍّ أو غَيرهِ لا مكروهَ فيهِ باعَهُ، كَما يبيعُ ما سِواهُ مِنَ المغانمِ، وإنْ كانَ كتابَ شِركٍ شَقوا الكِتابَ فانتفَعوا بأوعيتِهِ وأداتهِ، فباعهَا، ولا وجهَ لتحريقهِ، ولا دفنهِ قبلَ أن يعلَمَ مَا هوَ)).
فهو كما ترى قَد عمَّ، ولَم يَخصَّ توراةً، ولا غيرَهَا، وَقيدَ ما يشقُ بكونهِ كتابَ شِركٍ، وأباحَ الانتفاعَ بمَا لا مكروهَ فيهِ، وَجعلَ مِعيارَ ذلِكَ النَظرَ، وزجرَ عَن إتلافِهِ قبلَ معرفتهِ، فَكلُّ ما صدّقَهُ كتابُنا، بَل ما لَم يكذبهُ لا مكروهَ فيهِ، وَكلُّ مَن نصَّ على التوراة والإنجيل، منَ الأصحابِ عَلَّلَ ذلِكَ بالتَبديلِ، فَيجعلُ ذلِكَ هوَ المَدار، وَادعاؤهُ في الكلِّ مكابرةٌ؛ فَيخصُّ بما بُدِّلَ مِنهَا بشهادةِ الذِكرِ الحَكيمِ.
وقالَ البغويُّ: ((إنَّهُ يجوزُ للجنبِ قراءتهمَا)) وَأوضحُ منهُ في جوازِ مطالعتهِما وَاحترامِهمَا نَقْلُ الشيخِ محيي الدِينِ النَوويِّ في " شرحِ المهذَبِ "(3) عَن المتولي: ((أنَّهُ إنْ ظنَّ أنَّ فيهمَا شيئاً غيرَ مبدلٍ، كُرِهَ مسُّهُ - أي: للمحدثِ - ولا يحرمُ)) / 111ب / وأقرّهُ عليهِ، واللهُ الموفقُ.
(1) فتح الباري 13/ 644.
(2)
4/ 263.
(3)
المجموع 2/ 87.
قولُهُ: (تَحسينَاً للظنِّ بهِ)(1)، أي: أنَّ الصحابيَّ الذِي لَم يُعرفْ أنَّهُ أخذَ عَن أهلِ الكِتابِ يُحسنُ الظنُّ بهِ، ويحملُ حالُهُ على أنَّهُ كَفَّ عَن السَماعِ مِنهُم، والروايةِ عَنهم؛ لتنفيرِ النبي صلى الله عليه وسلم عَنهُم.
قولُهُ: (فَيقول عَهِدنَاهُم)(2) يَعني: أنَّ ابنَ حزمٍ يقولُ في هَذهِ المسألةِ بالوقفِ، مشياً معَ اللفظِ، فإذا رَأى القائلينَ بالرَفعِ تَركوا حَديثاً مِن هَذهِ يُلزمهُم بذلِكَ التناقُض، فَيقولُ: عَهِدناهُم يقولونَ: ((لا يقالُ مثلُ هَذا مِن قبلِ الرَأي))، يعني: فلأي شيء لا يعمَلونَ بهَذا الحَديثِ.
قولُهُ: (ولإنكارهِ وَجهٌ)(3) إذا قيلَ بالتفصيلِ المتقدِمِ، انتَفى أنْ يكونَ لإنكارهِ وَجهٌ.
قولُهُ: (فَلعلَ بعضَ ذلِكَ سَمِعهُ ذلِكَ الصَحابيُ)(4) قَد علمت أَنَّ هَذا لا يجرِي إلا في حَقِّ مَن نُقلَ أنَّهُ أخذَ عَن أَهلِ الكِتابِ، وأمَّا مَن جُهلَ حَالهُ فَيحسن الظنُّ بهِ، كَما قالَ الإمامُ، ولا يحمَل ذلِكَ إلا على سَماعهِ لَه مِن النَّبي صلى الله عليه وسلم، فإنْ كانَ منقولاً عَنهُ التنفيرُ عَن أهلِ الكِتابِ، والزجرِ عَن السَماعِ مِنهُم، فَهوَ أحرَى بأنْ يحكُمَ عَلى ما قالَهُ بالرَفعِ.
قولُهُ: (كَما سَيأتي)(5)، أي: في روايةِ الأكابرِ عَن الأصاغِرِ (6).
(1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 198.
(2)
شرح التبصرة والتذكرة 1/ 200.
(3)
شرح التبصرة والتذكرة 1/ 200.
(4)
شرح التبصرة والتذكرة 1/ 200.
(5)
شرح التبصرة والتذكرة 1/ 200.
(6)
من قوله: ((قوله: (كما سيأتي))) إلى هنا لم يرد في (ف).
قولُهُ:
118 -
وَمَا رَوَاهُ عَنْ (أبِي هُرَيْرَةِ)(1)
…
(مُحَمَّدٌ) وَعَنْهُ أهْلُ البَصْرَةِ
119 -
كَرَّرَ (قَالَ) بَعْدُ، (فَالخَطِيْبُ)
…
رَوَى بِهِ الرَّفْعَ وَذَا عَجِيْبُ
الأحسنُ تحريكُ هَاءِ التأنيثِ، وَسكونُها قَبيحٌ؛ لأنَّهُ يَصيرُ في القَافيةِ سِنادُ الردفِ (2) فَـ ((هريرةُ)) مردفٌ، و ((البصرة)) غَيرُ مردف.
قولُهُ: (عَجيب)(3) هوَ عجيبٌ! لأنَّ ابنَ سيرينَ قَد صَرحَ - كَما فِي الشَرحِ - بأنَّ كلَّ ما يَرويهِ / 112أ / عَن أبي هُريرةَ فَهو مرفوعٌ، فانتَفى التعجبُ مِن الحُكمِ على ما كررَ فيهِ ((قالَ))، بل وَمِنَ الحُكمِ على ما لَم يكرر فيهِ، فَإنَّهُ لم يُقيد.
قالَ شيخُنا: ((فَلو قالَ: ((وَذا تجريب)) كانَ أحسن؛ لأنَّ هَذا الاصطلاحَ لم يُعرفْ إلاّ لمحمدِ بنِ سيرينَ مِن أهلِ البَصرةِ)).
وَقلتُ أَنا: لو قالَ وَ ((ذا قَريبٍ)) لكانَ (4) أحسنَ؛ لأنَّ هذا أقربُ في كونهِ مرفوعاً مِمَّا تقدّمَ، ولا سِيَّما إذا انضمَّ إلى ذلِكَ كونُه لا مجالَ للرَأيِ فيهِ، وَوراءَ هَذا أنَّهُ لا تعجبَ منَ الشَيخِ؛ فَإنَّ تصريحَ ابنِ سيرينَ بما أرادَ لا يخرجُ ذلِكَ عنِ العجبِ، فإنَّهُ أمرٌ خارِجٌ عَن أشكالِه (5)، ويَخفَى سببُهُ على مَن لَم يعرفِ
المرادَ، وهم الأكثرُ (6)، والمثالانِ اللذانِ أوردَهمَا لا يحتاجُ فيهمَا إلى شَيء مِن هَذا، فإنَّ كلاً مِنهمَا قَد وردَ مسنداً.
(1) بكسر آخره للوزن.
(2)
السِّنَاد: هو اختلاف الردفين، وقيل: هو كل عيب يلحق القافية، أي عيب كان، وقيل غير ذلك. تاج العروس مادة (سند). أما الردف: فهو حرف ساكن من حروف المَد
واللين، يقع قبل حرف الرَّوِيِّ، ليس بينهما شيء. تاج العروس مادة (ردف).
(3)
التبصرة والتذكرة (119).
(4)
في (ب): ((كانَ)).
(5)
أي: أمثاله.
(6)
من قوله: ((ووراء هذا)) إلى هنا لم يرد في (ف).