المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

قُلتُ: وكأن يقولَ فِي البيت: يقولُ معلولٌ صحيحٌ مثل مَا … - النكت الوفية بما في شرح الألفية - جـ ١

[برهان الدين البقاعي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة التحقيق

- ‌البقاعي وكتابه النكت

- ‌طلبه للعلم

- ‌شيوخه:

- ‌تلامذته:

- ‌مصنفاته

- ‌ثناء العلماء عليه:

- ‌نقد العلماء له والكلام عليه:

- ‌وفاته:

- ‌دراسة كتاب " النكت الوفية بما في شرح الألفية

- ‌نشأة علم مصطلح الحديث وتطوره حتى زمن البقاعي

- ‌وصف النسخ المعتمدة فِي التحقيق

- ‌منهج التحقيق

- ‌صور المخطوطات

- ‌أَقْسَامُ الْحَدِيْثِ

- ‌أَصَحُّ كُتُبِ الْحَدِيْثِ

- ‌الْمُسْتَخْرَجَاتُ

- ‌مَرَاتِبُ الصَّحِيْحِ

- ‌ نَقْلُ الْحَدِيْثِ مِنَ الكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ

- ‌القِسْمُ الثَّانِي: الْحَسَنُ

- ‌(القِسْمُ الثَّالِثُ: الضَّعِيْفُ)

- ‌ المرفوع

- ‌المسند

- ‌المتصل والموصول

- ‌الموقوف

- ‌المقطوع

- ‌المرسل

- ‌الْعَنْعَنَةُ

- ‌تَعَارُضُ الْوَصْلِ وَالإِرْسَالِ، أَو الرَّفْعِ وَالوَقْفِ

- ‌التدليس

- ‌الشَّاذُّ

- ‌المنكر

- ‌الاعتبار والمتابعات والشواهد

- ‌زيادات الثقات

- ‌الأفراد

- ‌المعلل

- ‌المضطرب

- ‌المُدْرَجُ

- ‌الموضوع

- ‌المقلوب

- ‌تنبيهات

- ‌معرفة صفة من تقبل روايته ومن ترد

الفصل: قُلتُ: وكأن يقولَ فِي البيت: يقولُ معلولٌ صحيحٌ مثل مَا …

قُلتُ: وكأن يقولَ فِي البيت:

يقولُ معلولٌ صحيحٌ مثل مَا

قَالَ: صحيح بشذوذٍ وُسما

قولُهُ: (لأنَّ فِي الصحيحِ أحاديثَ كثيرةً)(1) مرادهُ صحيحُ البخاريِّ ومسلمٍ، واللهُ أعلمُ.

‌المضطرب

(2)

قولُهُ:

209 -

مُضْطَرِبُ الحَدِيثِ: مَا قَدْ وَرَدَا

مُخْتَلِفاً مِنْ وَاحِدٍ فَأزْيَدَا

210 -

في مَتْنٍ اوْ (3) في سَنَدٍ إنِ اتَّضَحْ

فِيْهِ تَسَاوِي الخُلْفِ، أَمَّا إِنْ رَجَحْ

211 -

بَعْضُ الوُجُوْهِ لَمْ يَكُنْ مُضْطَرِبَا

وَالحُكْمُ للرَّاجِحِ مِنْهَا وَجَبَا

212 -

كَالخَطِّ للسُّتْرَةِ جَمُّ الخُلْفِ

والاضْطِرَابُ مُوْجِبٌ للضَّعْفِ

(1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 290.

(2)

انظر في المضطرب:

معرفة أنواع علم الحديث: 192، والإرشاد 1/ 249 - 253، والتقريب: 77 - 78، والاقتراح: 222، ورسوم التحديث: 85، والمنهل الروي: 52، والخلاصة: 76، والموقظة: 51، واختصار علوم الحديث 1/ 221 وبتحقيقي: 151، والمقنع: 1/ 221، والشذا الفياح 1/ 212، ومحاسن الاصطلاح: 106، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 290، وتنقيح الأنظار: 165، ونزهة النظر: 76، والمختصر: 104، وفتح المغيث 1/ 221، وألفية السيوطي: 67 - 68، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 105، وفتح الباقي 1/ 271، وتوضيح الأفكار 2/ 34، وظفر الأماني: 392، وشرح شرح نخبة الفكر: 481، واليواقيت والدرر 2/ 95، وقواعد التحديث: 132، ولمحات في أصول الحديث: 244، وأثر اختلاف الأسانيد والمتون في اختلاف الفقهاء:251.

(3)

باعتبار همزة (أو) همزة وصل ضرورةً؛ ليستقيم الوزن.

ص: 524

قولُهُ: (كالخطِّ للسترةِ)(1) راجعٌ إِلَى أصلِ المسألةِ، فهوَ مثالٌ للمضطربِ لا للراجحِ فِي قولهِ:(والحكم للراجح)(2).

قُلتُ (3): قولهُ: (جمُّ الخلف)(4) أي: كثيرُ الاختلافِ، أي: كَثُرَ اختلافُ العلماءِ فِي روايتهِ، فإنَّ ((الجَمَّ)) - بفتحِ الجيمِ، وتشديدِ الميمِ - الكثيرُِ، وأمّا: تنْزيلُ ((الخُلفِ)) - بضمِ الخاءِ - عَلَى الاختلافِ عَلَى قواعدِ اللغةِ فعَسِرٌ، وقد سهلهُ اللهُ لِي / 168 ب / فله الحمدُ. قَالَ الزبيديُّ فِي "مختصرِ العينِ":((والخُلفُ - أي: بالضم - إخلافُ الوعدِ)) (5) انتهى.

وإخلافُ الوعدِ: هُوَ أنْ لا يقعَ الوفاءُ بِهِ - كما سيأتي - ومنْ لازمه أنْ يفعلَ مَا يخالفهُ. وقالَ ابنُ فارسٍ فِي "المجملِ"(6): ((وفي خُلُقِ فلانٍ خُلْفَة (7)(8) -يعني: بكسرٍ، ثُمَّ فتحٍ، ثُمَّ سكونٍ- أي: خِلافٌ، من الخُلفِ فِي الوَعدِ)) قَالَ:((والقومُ خِلفَهٌ - أي: بالكسرِ - مُختَلِفونَ)). وَقَالَ ابنُ القطاعِ فِي " الأفعالِ"(9): ((وخَلَفَ الرجلُ عَن خُلُقِ أبيهِ خلوفاً، وخلافةً: تغيّر)). وَقَالَ أبو إبراهيمَ الفارابي فِي "ديوانِ الأدبِ"(10) فِي بَابِ الأفعالِ: ((وأخلفَهُ: مَا وعدَهُ، وَهُوَ أنْ يقولَ شيئاً، ولا

(1) التبصرة والتذكرة (212).

(2)

التبصرة والتذكرة (211).

(3)

لم ترد في (ب)، والصواب إثباتها، وقد ختم البقاعي المسألة بقوله:((والله أعلم)).

(4)

التبصرة والتذكرة (212).

(5)

انظر: القاموس المحيط مادة (خلف).

(6)

مجمل اللغة لابن فارس مادة (خلف).

(7)

في (ف): ((خلَفْنَةً)).

(8)

في مجمل اللغة: ((خُلْفَة)) بضم ثم سكون ثم فتح.

(9)

الأفعال 1/ 280.

(10)

2/ 314.

ص: 525

يفعلَهُ عَلَى الاستقبالِ، وأخلَفَهُ: أي: وافقَ موعَدَهُ، وهذا الحرفُ من الأضدادِ))، وَقَالَ فِي بَاب المفاعلةِ:((خالفهُ نقيضُ وافقهُ)) (1)، وقالَ فِي آخرِ الباب:((ومصدر هَذَا الباب عَلَى مُفاعلةٍ وفِعالٍ)) (2). فتبيّنَ منْ هَذَا أنَّ الخلفَ، والمخالفةَ، والخلافَ، يرجعُ إِلَى معنى واحدٍ، وذلكَ منْ قولِ ابنِ فارسٍ فِي الخلفِ:((أنَّ الخلافَ من الخلف فِي الوعدِ))، ومنْ قولِ الفارابي:((أنَّ المخالفةَ والخلافَ واحدٌ))، فصارَ الخلفُ، والمخالفةُ، والخلافُ واحداً، وكأنهُ اسمٌ لذلك، كما أنهُ اسمٌ للإخلاف.

قَالَ فِي "القاموسِ"(3): ((والخُلْفُ - بالضمِ - الاسمُ منَ الإخلافِ، وَهُوَ فِي المستقبلِ كالكذبِ فِي الماضي، أو هُوَ أنْ يعدَّ عدةً ولا ينجزها)) انتهى. وأيضاً: فكأنَّ العالمَ إذا قَالَ قولاً، فكأنهُ قَدْ عهدهُ إِلَى الناسِ، وتقدّم إليهم فِيهِ، فمنْ لَمْ يوافقهُ عَليهِ فقدْ أخلفَ / 169 ب/ مَا عهدهُ إليهِ، فمنْ هنا يرجعُ الاختلافُ في الأقوال إِلَى الخلفِ الَّذِي هُوَ اسمٌ لإخلافِ الوعد، ثمَّ إنَّ المادةَ عَلَى طولها تدورُ عَلَى ((خَلْف)) الَّذِي هُوَ ضدُ ((قُدَّام))، فكلُّ قَوْلٍ يخالفُكَ، فكأنه كائنٌ خلفَكَ؛ لأنهُ لَوْ لائمك لكان مواجهاً لَكَ. وترجيع مَا قالَ الفارابيُّ في أخلف: أنهُ بمعنى خالفَ، وبمعنى وافقَ إِلَى الخلف، بأنْ نقولَ: الظاهرُ أنهُ مِمَّا قَالَ ابنُ القطاعِ إنهُ يقالُ: خلف الرجلُ إذا فسد. فإذا قيلَ: أخلف الوعدَ وأريد خالفَ، فالمعنى: أدخل عَليهِ الفسادَ الَّذِي هُوَ الخلفُ الراجعُ إِلَى خلافِ المواجهة، والملامةِ الراجعِ إِلَى الفسادِ، وإذا أريدَ وافق، فالمعنى: أزالَ عنهُ هَذَا (4) الفسادَ؛ لأنَّ ((أفعلَ)) للتصيير والإزالةِ، وَقَالَ ابنُ القطاع:((حيٌّ خلوفٌ، أي: غيبٌ، وحضورٌ، وَهُوَ من الأضدادِ)) (5) انتهى.

(1) ديوان الأدب 2/ 288.

(2)

المصدر السابق 2/ 393.

(3)

القاموس المحيط مادة (خلف).

(4)

لم ترد في (ف).

(5)

الأفعال 1/ 277.

ص: 526

فترجيعهُ إِلَى الخلفِ بأنْ يقالَ: إذا كانوا غيباً فالمعنى: أنهم أهلٌ لأن تُغزَى أهلُهم؛ لأنهم يكونونَ خلفَ غازيهم، ويكونُ هُوَ خلفَهم، فيتمكنُ مِمَّا يريدُ منهم، وإذا كانوا حضوراً، فالمعنى: أنهم أهلٌ لأنْ يتنكبَ غازيهم أهلَهم، أي: يعرضَ عنهم ويوجهَ إِلَى جهةٍ غيرِ جهتِهم؛ ليكونوا خلفَهُ، أي: خلوفاً لَهُ كما كانوا خلوفاً لَهُ، لما كانوا بحيث تُغزَى أهلهم، وهم غيبٌ، واللهُ أعلم.

قولُهُ: (والاضطرابُ موجبٌ للضعف)(1) راجعٌ إِلَى أصلها أيضاً، أي: متى وُجِدَ الاضطرابُ، وُجِدَ الضعفُ، وليسَ كذلكَ كما سيأتي البحثُ فِيهِ فِي المثالِ.

قولُهُ: / 169 ب / (بكون راويها أحفظَ وأكثرَ صحبةً للمروي عنهُ)(2) لا يقالُ: هذهِ العلةُ إنما تأتي (3) فِي أكثرَ منْ راوٍ واحدٍ، فإنهُ يمكن أن يكونَ الراوي الواحدُ في بعضِ الأزمان أحفظَ منهُ في بعضِها، ويكون أكثرَ صحبةً لأحدِ الشيوخِ الذين رَوَى عَنهُم ذَلِكَ الحديثَ الذِي اضطربَ فيهِ.

قلتُ (4): قولُهُ: (مثال الاضطرابِ في السندِ: ما رواهُ أبو داودَ (5) وابنُ ماجه (6)) (7) ورواهُ أحمدُ (8) وابنُ حبّانَ (9)، قالَ ابنُ عبد الهادي: ((هوَ حديثٌ

(1) التبصرة والتذكرة (212).

(2)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 291.

(3)

في (ف): ((تتأتى)).

(4)

لم ترد في (ب).

(5)

سنن أبي داود (689) و (690).

(6)

سنن ابن ماجه (943).

(7)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 291.

(8)

المسند 2/ 249 و254 و266.

(9)

صحيح ابن حبان (2361) و (2376).

ص: 527

مضطربُ الإسنادِ)). وكذلكَ ضعّفهُ الشافعيُّ (1) وغيرُه (2)، أي: كالبيهقيِّ (3) كَما حكاه عنهما في " النكت "(4) وصححه ابن المديني وغيره. وقالَ ابنُ عُيينَةَ - كَما قالَ في " الشرح "(5) -: ((لَم نجدْ شيئاً نشدُّ بهِ هَذا الحديثَ)) كَما حكاهُ عَنهُ أبو داود في " سننهِ "(6). وذكرهُ النوويُّ في " الخلاصةِ " في فصلِ الضعيفِ، وقالَ:((قالَ الحفّاظُ هوَ ضعيفٌ؛ لاضطرابهِ)). وقال البيهقيُّ: ((لا بأسَ بهذا الحديثِ في هَذا الحكمِ)) (7) واللهُ أعلم.

قالَ شيخُنا: ((وأتقنُ هَذهِ الرواياتِ روايةُ بشرٍ، وروحٍ، وأجمعُها رواية حميدِ بنِ الأسودِ، ومنْ قالَ: ((أبو عُمرِو بنُ محمد)) أرجحُ ممنْ قالَ: ((أبو محمدِ بنُ عمرٍو))؛ فإنَّ رواةَ الأولِ أكثرُ، وقد اضطربَ منْ قالَ:((أبو محمدٍ))، فوافقَ مرةً رواية الأكثرينَ، فقالَ:((أبو عمرِو بنُ محمدٍ)) فتلاشَى الخلافُ)).

قلت: وقالَ الشيخُ في " النكت "(8): ((وقولهُم - أي الأكثرينَ -: عَن جدهِ أرجحُ - أي ممنْ قالَ عَن أبيهِ - وإن كانَ أحفظَ لوجهينِ: أحدُهما: الكثرة، والثاني: أنَّ إسماعيلَ بنَ أُميةَ مكيٌّ، وابنَ عُيينةَ / 170 أ / كانَ مقيماً بمكةَ))، واللهُ أعلم.

(1) السنن الكبرى 2/ 271، والمعرفة 3/ 191.

(2)

انظر: التمهيد 4/ 200، والمحلى 4/ 187، وتهذيب التهذيب 2/ 236.

(3)

السنن الكبرى 2/ 271، والمعرفة 3/ 191.

(4)

التقييد والإيضاح: 126.

(5)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 292.

(6)

سنن أبي داود (690).

(7)

السنن الكبرى 2/ 271.

(8)

التقييد والإيضاح: 126.

ص: 528

قال شيخُنا: ((والمضطربُ من الرواياتِ فيهِ: التي لا يمكنُ الجمعُ بينَها، روايةُ من قالَ: ((أبو عمرٍو بنُ حريثٍ)) مع روايةِ من قالَ: ((أبو محمدِ بنَ عمرِو ابنِ حريثٍ))، وروايةُ من قالَ:((حريثُ بنُ عمّار))، وباقي الرواياتِ يمكنُ الجمعُ بينهما (1)، فروايةُ من قالَ:((عن جدّهِ)) بمعنى روايةِ من قالَ: ((عن أبيهِ))؛ فإنَّ الجدَّ أبٌ، وغايته: أن من قالَ: ((عن أبيهِ)) أسقطَ الأبَ، فصارَ سياقُهُ موهماً، لكن بروايةِ غيرهِ يتبيّنُ المرادُ، وروايةُ من قالَ:((عن أبي عمرِو بنِ محمدِ بنِ عمرِو ابنِ حُريثٍ)) فأدخلَ في الأثناءِ عَمراً لا ينافي روايةَ من أسقطَهُ، فإنَّهم يكثرونَ نسبةَ الشخصِ إلى جدِّهِ المشهورِ، ويسقطونَ الواسطةَ بينَهما، ومَنْ قالَ:((سليم)) يمكنُ أنْ يكونَ اختصرَهُ منْ سليمانَ كالترخيمِ.

قلتُ: تنبيهٌ: قالَ ابنُ الصلاحِ: ((ورواهُ حميدُ بنُ الأسودِ، عن إسماعيلَ، عَن أبي عمرِو بنِ محمدِ بنِ حُريثٍ بنِ سليمٍ، عَن أبيهِ، عَن أبي هرَيرَةَ)) (2) فَذكرَ الناظمُ في " النكتِ "(3) عليهِ أنَّ قولَهُ في هَذهِ الروايةِ ((عَن أبيهِ)) فيهِ نظرٌ؛ لأنّ ابنَ ماجه ساقَه عنْ حُميدٍ، بلفظ:((عَنْ إسماعيلَ بنِ أميّةَ، عَن أبي عمرِو بنِ محمدِ بنِ عمرو بنِ حُريثٍ، عنْ جدّهِ حريثِ بنِ سُليمٍ، عَن أبي هريرةَ))، ثُمَّ اعتذرَ عَن ابنِ الصلاحِ بأنهُ:((اعتمدَ على روايةِ البيهقيِّ؛ فإنَّ فيها: منْ روايةِ حميدٍ، عَن إسماعيلَ، عنْ أبي عمرِو بنِ محمدِ بنِ حريثٍ، عَن أبيهِ، عَن أبي هريرةَ))، قالَ:((فأمّا أنْ يكونَ قَد اختُلفَ فيهِ، على حميدِ بنِ الأسودِ في قولهِ: ((عَن أبيهِ))، أو ((عنْ جَدهِ))، أو يكونَ ابنُ ماجه قَدْ حمَل / 170 ب / روايةَ حميدِ بنِ الأسود، على روايةِ سفيانَ بنِ عُيينةَ، ولم يُبينِ الاختلافَ الذِي بينهما كَما يقعُ في الأسانيدِ، على أنَّهُ قَد اختلفَ فيهِ أيضاً

(1) في (ف): ((بينها)).

(2)

معرفة أنواع علم الحديث: 193.

(3)

التقييد والإيضاح: 126.

ص: 529

على ابنِ عيينةَ)) انتهى. وقالَ ابنُ الصلاحِ: ((وقالَ عبدُ الرزاقِ (1)، عَن ابنِ جريجٍ: سمعَ إسماعيل، عَن حريثِ بنِ عمارٍ، عَن أبي هريرةَ. وفيهِ منَ الاضطرابِ أكثرُ مما ذكرناهُ)) (2).

قولُهُ (ذوّاد)(3) -بفتحِ المعجمةِ وتشديدِ الواوِ، وبعدَ الألفِ مُهملةٌ - منَ الذَودِ، بمعنى الطّردِ. و (عُلبةَ) - بضم المهملةِ وسكونِ اللامِ وفتحِ الموحدةِ - (4)، والله أعلمُ.

وقولُ: أبي زرعةَ ((لا نعلمُ أحداً .. )) إلى آخرهِ، إنما نَفَى علمَهُ، وقد وُجدَ مَنْ نَسبه غيرُ ذاودٍ، ولا يضرُ خَفَاؤهُ على أبي زرعةَ.

قولُهُ: (وَهوَ المرادُ بقولي)(5) أي: والاضطرابُ في السندِ هوَ المرادُ بقولي: ((كالخطِّ)) أي كسندِ حديثِ الخطِّ للسترةِ. قالَ شيخُنا: ((والحقُّ أنَّ التمثيلَ لا يليقُ إلا بحديثٍ لولا الاضطرابُ لَم يضعُفْ، وهذا الذِي ذَكرَهُ ليسَ كذلكَ، فلا يصلحُ مثالاً لمضطربِ السندِ الذِي يوجبُ ضعفَ المتنِ؛ فإنهم اختلفوا في ذاتٍ واحدةٍ؛ فلا يخلو إمَّا أن يكونَ ثقةً أولا؛ فإنْ كانَ ثقةً، فلا يضرّ هَذا الاختلافُ في اسمهِ، أو نسبهِ، وقد وَجدَ مِثلُ ذَلِكَ في الصحيحِ، ويُفزَعُ إلى الترجيحِ، ولهذا صححهُ ابنُ حبّانَ؛ لأنهُ عِندَه ثقةٌ، وَرجّحَ أحدَ الأقوالِ في اسمهِ، واسمِ أبيهِ، وإنْ لم يكن ثقةً، فالضعفُ غيرُ حاصلٍ بجهةِ الاضطرابِ، بل بجهةِ كونهِ مجهولاً مثلاً، أو غيرِ ذَلِكَ منْ أنواعِ الضعفِ)) (6).

(1) المصنف (2286).

(2)

معرفة أنواع علم الحديث: 193، وانظر بلا بد تعليقنا هناك.

(3)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 292.

(4)

انظر: المؤتلف والمختلف 2/ 966 و3/ 1586، والإكمال 3/ 337 و6/ 254، وتبصير المنتبه 2/ 556.

(5)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 294.

(6)

انظر: النكت لابن حجر 2/ 772 وبتحقيقي: 538.

ص: 530

نَعَمْ، يزدادُ بالاختلافِ ضعفاً فمثلُ هَذا داخلٌ في المضطربِ؛ لكونِ راويهِ (1) اختلفوا فيهِ، ولا مرجّحَ، وَهوَ واردٌ على قولِهم: الاضطرابُ / 171 أ / يُوجبُ الضعفَ.

قلتُ: والواقعُ في هَذا المثالِ أنَّ الراويَ مجهولٌ. قالَ شيخُنا في " تقريبِ التهذيبِ "(2): ((أبو عمرِو بنُ محمدِ بنِ حُريثٍ، أو ابن محمدِ بنِ عمرِو بنِ حُريثٍ، وقيل: أبو محمدِ عَمْرُو بنُ حريثٍ: مجهولٌ)). قالَ المصنفُ في " النكت "(3): ((فإنهُ لَم يروِ عَنهُ في ما علمتُ، غير إسماعيلَ بنِ أميّةَ، معَ هَذا الاختلافِ في اسمهِ، واسمِ أبيهِ، وهل يرويهِ عَن أبيهِ (4)، أو عنْ جدِهِ، أو هوَ نَفسُهُ، عَن أبي هُريرةَ؟))، واللهُ أعلم.

قولُهُ: (ومثالُ الاضطرابِ في المتنِ .. )(5) إلى آخرهِ، لا يصلحُ هَذا أيضاً أنْ يكونَ مثالاً لمضطربِ المتنِ، أمَّا أولاً: فلأنَّ أبا حمزةَ شيخَ شريكٍ ضعيفٌ، فَهوَ مردودٌ منْ قبلِ ضعفِ راويهِ، لا مِن قَبل اضطرابهِ. وأمّا ثانياً: فإنهُ يمكنُ تأويلُه بأنَّهُما رويا (6) كلاً مِنَ اللفظينِ، عَن النَبيِّ صلى الله عليه وسلم، ويكونُ الحقُّ المثبتُ في اللفظِ الأولِ المرادِ بهِ الحق المستحب الذِي لَم يجبْ، كالصدقةِ النفلِ، وإكرامِ الضيفِ، ونحوِ ذَلِكَ، كَما يُقال: حَقُّكَ واجبٌ عليَّ، والحقُّ المنفيُّ في قولهِ: ليسَ في المالِ حقٌّ سوى الزكاةِ هوَ الفرْضُ. فلمْ يسلمْ لَهُ واحِدٌ منْ مثاليهِ.

وأمّا المثالُ الصحيحُ لمضطربِ الإسنادِ، فحديثُ أبي بكرٍ الصديقِ رضي الله

(1) في (ف): ((رواته)).

(2)

تقريب التهذيب (8272).

(3)

التقييد والإيضاح: 126.

(4)

من قوله: ((مع هذا الاختلاف

)) إلى هنا لم يرد في (ف).

(5)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 293.

(6)

في (ف): ((بأنها روت)).

ص: 531

عنه، قالَ: يا رسولَ اللهِ، أراكَ شِبتَ؟ قالَ:((شَيبتني هُوُدٌ وأخواتُها (1))). قالَ الدارقطني: ((هَذا مضطربٌ؛ فإنهُ لَم يُروَ إلَاّ من طريقِ أبي إسحاقَ، وقد اختُلِفَ عليهِ فيهِ على نَحوِ عشرةِ أوجهٍ، فمنهم مَن رواهُ عَنهُ مرسلاً، ومنهم منْ رواهُ موصولاً، ومنهم من جَعَلهُ منْ مسندِ أبي بكرٍ، ومنهم من جَعَلهُ منْ مسندِ سعدٍ، ومنهم من رَواه منْ مسندِ عائشةَ، وغيرُ ذَلِكَ. ورواتُهُ ثقاتٌ، لا يُمكنُ ترجيحُ بعضِهِم على / 171ب / بعضٍ، والجمعُ متعذرٌ)) (2)، والمرادُ بقولهِ:((شَيَّبتني هودٌ)) بعضُها، وَهوَ قولُهُ تعالى:{فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} (3) كَما وَرد مُفسراً في بعضِ طرقِ الحديثِ، وكذا أخواتها.

(1) أخرجه: ابن سعد في "الطبقات" 1/ 435، والترمذي في "الجامع الكبير"(3297)، وفي "الشمائل"، له (41) بتحقيقي، وفي "العلل الكبير"، له أيضاً (664)، والدارقطني في "العلل" 1/ 200 و201 و202 و203، والحاكم في "المستدرك" 2/ 343 و476، وأبو نعيم في "الحلية" 4/ 350، والبيهقي في "دلائل النبوة" 1/ 357، والبغوي في "شرحِ السنة"

(4175)

من طريق عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال أبو بكر: يارسول الله، قد شبت

، فذكره، وأخرجه: أبو يعلى (107) و (108)، والدارقطني في "العلل" 4/ 203 و204 و205 و206 من طريق عكرمة، قال: قال أبو بكر: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شيبك، فذكره ولم يذكر بينهما (عبد الله بن عباس).

وأخرجه: الدارقطني في "العلل" 1/ 209 من طريق أبي إسحاق، عن عامر بن سعد، عن أبيه. قال الدارقطني:((ووهم. وقال مرة: عن عامر بن سعد، عن أبي بكر الصديق، وعامر بن سعد هذا هو البجلي، وليس بابن أبي وقاص، وليس هذا من حديث سعد بن أبي وقاص، وإنما هو من حديث أبي بكر الصديق)). العلل للدارقطني 4/ 347 وقد فصل الدارقطني طرق هذا الحديث في " العلل " 1/ 193 - 211.

(2)

لم أقف على كلام الدارقطني بهذا السياق في المطبوع من "العلل"، ولكن قد سرد الدارقطني طرق هذا الحديث وتفريعاته كما مر توضيحه سابقاً. انظر: العلل للدارقطني 1/ 193 - 208.

(3)

هود: 112.

ص: 532

ومثالُ الاضطرابِ في المتنِ: حديثُ الواهبةِ نفسَها، ففيهِ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم صوَّبَ النظرَ فيها وَصعّده، ثُمَّ طأطأ رأسهُ، فقالَ رجلٌ: يا رسولَ اللهِ، زوّجْنيها إنْ لَم يكنْ لك بها حاجةٌ، فقالَ:((هل معَكَ شيءٌ؟)) قالَ: ما معيَ إلا إزاري، فذكرَ القصةَ، وفيها:((التمسْ ولو خاتماً منْ حديدٍ)) فلم يجدْ شيئاً، وفيها: فقالَ: ((زوجتُكَها (1) بما معكَ منَ القرآنِ))، فقالَ بعضُهم كذلك، وقال بعضُهم:((زوجناكَها)) (2)، وقال بعضُهم:

(1) هذا اللفظ عند مالك في "الموطأ"[(411) برواية عبد الرحمان بن القاسم، وفي (318) برواية سويد بن سعيد، وفي (1477) برواية أبي مصعب الزهري]، ومن طريقه أخرجه: الشافعي في "مسنده"(1117) بتحقيقي، وأحمد 5/ 336، والبخاري 9/ 151

(7417)

، وأبو داود (2111)، والترمذي (1114)، والنسائي 6/ 123، في "الكبرى"، له (5524) وغيرهم.

وتفرد الليثي برواية الحديث عن مالك بلفظ: ((أنكحتكها)) (1498) وقد خالف أصحاب مالك في ذلك. وأخرجه: الدارمي (2207)، والبخاري 6/ 236 (5029) من طريق عمرو بن عون، عن حماد بن زيد. وأخرجه أيضاً: البخاري 7/ 21 (5132)، والطبراني في "الكبير"(5951) من طريق الفضيل بن سليمان، وأخرجه: مسلم 4/ 144 (1425)(77) من طريق زائدة بن قدامة، وأخرجه: ابن ماجه (1889) من طريق عبد الرحمان بن مهدي، عن سفيان الثوري، وأخرجه: الحميدي (928)، والطبراني (5915)، والدارقطني 3/ 248، والبيهقي 7/ 236 من طريق سفيان بن عيينة. وأخرجه: الطبراني

في "الكبير"(5750) من طريق الليث عن هشام بن سعد، وأخرجه: الدارقطني 3/ 247 من طريق الفضل بن موسى.

جميعهم (مالك، وحماد بن زيد، والفضيل بن سليمان، وزائدة بن قدامة، وسفيان الثوري، وابن عيينة وهشام، والفضل بن موسى) عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، به بلفظ

: ((زوجتكها)).

(2)

وبهذا اللفظ عند البخاري 3/ 132 (2310) و7/ 22 (5135) من طريق عبد الله بن يوسف، عن مالك، وقد خالف بذلك أصحاب مالك في هذا اللفظ.

ص: 533

((أملكناكَها (1))) (2)، وقال غيره:((ملكتُكَها)) (3)، وقالَ بعضٌ غير ذَلِكَ (4) فهذهِ الألفاظُ لا يمكنُ الاحتجاجُ بواحدةٍ منها، حتى لو احتجَّ حنفيٌّ مثلاً على أنَّ التمليكَ من ألفاظِ النكاحِ لَم يسغْ لَهُ ذَلِكَ (5)؛ لأنَّ اللفظةَ التي قالها النبيُّ صلى الله عليه وسلم، مشكوكٌ فيها، لَم تعْرَفْ عينُها؛ بسببِ أنَّ الواقعةَ واحِدةٌ لَم تتعددْ، وأمّا بقيةُ الأحكام التي في القصةِ: كتخفيفِ الصداق، وعدمِ تَحديده بحدٍ معينٍ، ونحوِ ذَلِكَ فَهوَ كذلكَ لا مريةَ فيهِ، والله أعلم.

(1) في (ف): ((أمكنَّاكها)).

(2)

بهذا اللفظ عند البخاري 7/ 17 (5121) من طريق أبي غسان، عن أبي حازم، عن سهل ابن سعد، به.

(3)

بهذا اللفظ عند البخاري 7/ 24 (5141)، والطبراني (5934) من طريق حماد بن زيد، وأخرجه: البخاري 7/ 8 (5087) و7/ 201 (5871)، والطبراني (5907) من طريق عبد العزيز بنِ أبي حازم، وأخرجه: الطبراني (5961) مِن طريق معمر والثوري أربعتهم: (حماد بن زيد، وعبد العزيز بن أبي حازم، ومعمر، والثوري) عن أبي حازم، عن سهل ابن سعد، به.

(4)

ومن تلك الألفاظ الأخرى ما أخرجه: مسلم 4/ 143 (1425)(77) من طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن أبي حازم، عن سهل بلفظ:((ملكتها)). ولمزيد مِن تفصيل طرق هذا الحديث وألفاظه، راجع كتابنا: أثر اختلاف الأسانيد والمتون في اختلاف الفقهاء: 334 - 336.

(5)

انظر في مذهب الحنفية لهذه المسألة: المبسوط 5/ 59، وبدائع الصنائع 2/ 229، والهداية 1/ 189 - 190، وشرح فتح القدير 2/ 346، والاختيار 3/ 83، وتبيين الحقائق 2/ 96، وحاشية ابن عابدين 3/ 17.

ص: 534