المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المُدْرَجُ (1) قولُهُ: 213 - المُدْرَجُ: المُلْحَقُ آخِرَ الخَبَرْ … مِنْ قَوْلِ - النكت الوفية بما في شرح الألفية - جـ ١

[برهان الدين البقاعي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة التحقيق

- ‌البقاعي وكتابه النكت

- ‌طلبه للعلم

- ‌شيوخه:

- ‌تلامذته:

- ‌مصنفاته

- ‌ثناء العلماء عليه:

- ‌نقد العلماء له والكلام عليه:

- ‌وفاته:

- ‌دراسة كتاب " النكت الوفية بما في شرح الألفية

- ‌نشأة علم مصطلح الحديث وتطوره حتى زمن البقاعي

- ‌وصف النسخ المعتمدة فِي التحقيق

- ‌منهج التحقيق

- ‌صور المخطوطات

- ‌أَقْسَامُ الْحَدِيْثِ

- ‌أَصَحُّ كُتُبِ الْحَدِيْثِ

- ‌الْمُسْتَخْرَجَاتُ

- ‌مَرَاتِبُ الصَّحِيْحِ

- ‌ نَقْلُ الْحَدِيْثِ مِنَ الكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ

- ‌القِسْمُ الثَّانِي: الْحَسَنُ

- ‌(القِسْمُ الثَّالِثُ: الضَّعِيْفُ)

- ‌ المرفوع

- ‌المسند

- ‌المتصل والموصول

- ‌الموقوف

- ‌المقطوع

- ‌المرسل

- ‌الْعَنْعَنَةُ

- ‌تَعَارُضُ الْوَصْلِ وَالإِرْسَالِ، أَو الرَّفْعِ وَالوَقْفِ

- ‌التدليس

- ‌الشَّاذُّ

- ‌المنكر

- ‌الاعتبار والمتابعات والشواهد

- ‌زيادات الثقات

- ‌الأفراد

- ‌المعلل

- ‌المضطرب

- ‌المُدْرَجُ

- ‌الموضوع

- ‌المقلوب

- ‌تنبيهات

- ‌معرفة صفة من تقبل روايته ومن ترد

الفصل: ‌ ‌المُدْرَجُ (1) قولُهُ: 213 - المُدْرَجُ: المُلْحَقُ آخِرَ الخَبَرْ … مِنْ قَوْلِ

‌المُدْرَجُ

(1)

قولُهُ:

213 -

المُدْرَجُ: المُلْحَقُ آخِرَ الخَبَرْ

مِنْ قَوْلِ راوٍ مَا، بلا فَصْلٍ ظَهَرْ

214 -

نَحْوُ (إذَا قُلْتَ: التَّشَهُّدَ) وَصَلْ

ذَاكَ (زُهَيْرٌ) وَ (ابنُ ثَوْبَانَ) فَصَلْ

215 -

قُلْتُ: وَمِنْهُ مُدْرَجٌ قَبْلُ قُلِبْ

(كأسْبِغُوا الوُضُوْءَ وَيْلٌ لِلعَقِبْ)

المدرجُ قسمانِ (2): مدرجُ المتنِ (3)، ومدرجُ الإسنادِ (4). فالأولُ: هوَ ما أُضيفَ

(1) انظر في المدرج:

معرفة علوم الحديث: 39، ومعرفة أنواع علم الحديث: 194، والإرشاد 1/ 254 - 257، والتقريب: 79 - 80، والاقتراح: 224، ورسوم التحديث: 90، والمنهل الروي: 53، والخلاصة: 53، والموقظة: 53، واختصار علوم الحديث 1/ 224 وبتحقيقي: 152، والمقنع 1/ 227، والشذا الفياح 1/ 216، ومحاسن الاصطلاح: 107، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 294، وتنقيح الأنظار: 167، ونزهة النظر: 72، والمختصر: 145، وألفية السيوطي: 73 - 79، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 110، وفتح الباقي 1/ 275، وتوضيح الأفكار 2/ 50، وظفر الأماني: 248، وشرح شرح نخبة الفكر: 462، واليواقيت والدرر 2/ 68، وقواعد التحديث: 124، ولمحات في أصول الحديث: 294، وأثر اختلاف الأسانيد والمتون في اختلاف الفقهاء:474.

(2)

قال ابن حجر رحمه الله في " نكته " 2/ 811 وبتحقيقي: 571: ((وقد قسمه الخطيب الذي صنف فيه إلى سبعة أقسام، وقد لخصته ورتبته على الأبواب والمسانيد، وزدت على ما ذكره الخطيب، أكثر من القدر الذي ذكره)).

(3)

قال ابن حجر رحمه الله في " نكته " 2/ 811، وبتحقيقي: 571 - 572: ((وهو على ثلاث مراتب: أحدها: أن يكون ذلك في أول المتن وهو نادرٌ جداً. ثانيها: أن يكون في آخره وهو الأكثر. ثالثها: أن يكون في الوسط وهو القليل)).

(4)

وهو على خمسة أقسام، كما قال ابن حجر. انظر: النكت 2/ 832 وبتحقيقي: 586.

ص: 535

إلى الخبرِ، من غيرِ كلامِ صاحبهِ بلا تمييزٍ (1)، فيدخلُ فيهِ المرفوعُ، والموقوفُ، ونحوهُ، بخلافِ قولِ الشيخِ (2):((ويتوهمُ أنَّ الجميعَ مرفوعٌ (3))). وكذا قولُ ابنِ الصَلاحِ: ((ما أدرجَ في حديث /172 أ/ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم منْ كلامِ بعضِ رواتهِ)) (4)، فإنَّهُ يُوهِمُ أنَّ التسميةَ خاصةٌ بالمرفوعِ وليسَ كذلكَ، فليسَ المرفوعُ شرطاً فيها. وتارةً يكونُ سببُ الإدراجِ، استنباطَ الراوي حكماً مِنَ الأحكامِ، مثل ما ذكرهُ منْ حديثِ ابنِ مسعودٍ في التشهدِ (5)، فإنَّهُ استنبطَ منَ الخبرِ أنَّهُ إذا فرغَ منَ التشهدِ فقدْ خرجَ منَ الصَلاةِ، وهكذا حديث عروةَ، عنْ بسرةَ (6) بنتِ صفوانَ:((مَنْ مَسَّ ذَكرَهُ أو أنثييه أو رفغهُ فليتوضأ)) (7). فَهِمَ عروةُ منَ الخبرِ أنَّ سببَ نقضِ الوضوءِ مظنَّةُ الشهوةِ، فجعلَ حُكمَ ما قربَ منَ الذَّكرِ كذلكَ؛ لأنَّ ما قاربَ الشيءَ أُعطيَ حكمُهُ، فقالَ كلٌّ منهما ذَلِكَ، فظنَّ بعضُ الرواةِ أنَّهُ منْ صُلبِ الخبرِ فنَقلهُ مُدرجاً فيهِ، وفهمَ الآخرونَ حقيقةَ الحالِ، فَفصّلوا.

وتارةً يكونُ سَببُهُ غرابةَ بعضِ الألفاظِ، فيفسرها، كحديثِ الزُهريِّ، عَنْ عائشةَ رضي الله عنها: ((كانَ النَبيُّ صلى الله عليه وسلم يتحنّثُ في غارِ حراءِ، -وَهوَ التعبُّد- اللياليَ ذواتِ العددِ

)) (8). فقوله: ((وَهوَ التعبّد)) تفسير للتَحنّث المضمّن ليتَحنّث.

(1) انظر: نزهة النظر: 73.

(2)

جاء في حاشية (أ): ((فإنه قال: آخر الخبر)).

(3)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 294.

(4)

معرفة أنواع علم الحديث: 195.

(5)

معرفة أنواع علم الحديث: 195 وهناك تفصيل تخريج الروايات.

(6)

لم ترد في (ب).

(7)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 299، وهناك تفصيل تخريجه.

(8)

صحيح البخاري 1/ 3 (3) و9/ 37 (6982)، وسيأتي قريباً.

ص: 536

قلتُ: قولُهُ: (مثلَ حديثِ الأعمشِ)(1) الذِي في نسختي منْ أبي داود: فَعلمه التشهّدَ في الصلاةِ، فذكرَ مثلَ دعاءِ حديثِ الأعمشِ، ولفظه بحديثِ الأعمشِ الذِي أحال عليهِ: حدثنا مسددٌ، قالَ: حدثنا يحيى (2)، عنْ سليمانَ الأعمشِ، حدثني شقيقُ بنُ سلمةَ، عنْ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ، قالَ: كنا إذا جلسنَا / 172 ب / معَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في الصلاةِ، قلنا: السلامُ على اللهِ قبلَ عبادِهِ، السلامُ على فلانٍ وفلانٍ، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:((لا تقولوا السلامُ على اللهِ؛ فإنَّ اللهَ عز وجل هوَ السلامُ، ولكن إذا جلسَ أحدُكم فليقلْ: التحياتُ للهِ والصلواتُ والطيباتُ، السلامُ عليكَ أيها النبيُّ ورحمةُ اللهِ وبركاتهُ، السلامُ علينا وعلى عبادِ اللهِ الصالحينَ - فإنَّكم إذا قلتُم ذَلِكَ أصابَ، وفي روايةِ ابنِ داسةَ: أصبتُم، كلَّ عبدٍ صالحٍ في السماءِ والأرضِ - أشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسولهُ، ثُمَّ ليتخيَّرْ أحدُكم منَ الدعاءِ أعجَبَهُ إليهِ فيدعوَ بهِ)) (3). قالَ شيخُنا: ((ويعرفُ هَذا المدرجُ بتفصيلِ بعضِ الرواةِ، بأنْ ينسبَ كلَّ مقالةِ إلى قائلها، كحديثِ عبدِ الله بنِ مسعودٍ رضي الله عنه رَفَعَهُ: ((منْ ماتَ لا يُشرِكُ باللهِ شيئاً دَخَلَ الجَنَّةَ، ومنْ ماتَ يشركُ باللهِ شَيئاً دَخَلَ النارَ)). وجاء في روايةٍ أُخرى: قالَ النَبيُّ صلى الله عليه وسلم: كلمةً، وقلت أَنا أُخرى:((منْ ماتَ لا يشركُ باللهِ شَيئاً دَخَلَ الجنةَ، ومنْ ماتَ يشركُ باللهِ شيئاً دَخَلَ النارَ))، فأفادَ هَذا أنَّ إحدى الكلمتينِ منْ قولِ ابنِ مسعودٍ، لكنْ لَم يعينْها، فجاءتْ روايةٌ ثالثةٌ: قالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم كلمةً وقلت أنا أُخرى: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم

: ((منْ ماتَ لا يُشركُ باللهِ شيئاً دخَلَ الجَنةَ، ومنْ ماتَ يشرِكُ

(1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 295.

(2)

أي: القطان.

(3)

سنن أبي داود (968)، وأخرجه أيضاً: البخاري 1/ 211 (831) و1/ 212

(835)

و8/ 63 (6230)، ومسلم 2/ 14 (402)(58).

ص: 537

باللهِ شيئاً دخلَ النّارَ)) / 173 أ / فعلمنا أنَّ الثانيةَ منْ قولِ ابنِ مسعودٍ، وأكّدَ ذَلِكَ روايةٌ رابعةٌ، اقتصرَ فيها على الكلمةِ الأولى، مضافةً إلى النبي صلى الله عليه وسلم (1). ولا بدَّ أن تأتيَ روايةٌ غيرُ مفصّلةٍ، ثُمَّ تأتيَ أخرى مُصرّحة، فيُكتفَى بها في معرفة الإدراجِ، وتارةً يُقتصرُ عليها، وتارةً تؤكدُ بمجيءِ الحديثِ منْ طريقٍ أخرى محذوفاً منهُ القدر المدرجُ.

قولُهُ: (ومالكُ بنُ إسماعيلَ النهديُّ عَنهُ)(2) أي: عَن زهيرٍ.

قولُهُ: (ثُمَّ رواه - أي: الدارقطنيُّ - منْ روايةِ غسان)(3).

قلت: قولُهُ: (فَرّقَهما)(4) أي: ذكرَ لكلٍ منهما إسناداً إلى شُعبةَ على حدتِهِ، ولم يقلْ مثلاً: حدثنا أبو قطن وشبابةُ، عنْ شعبةَ.

قولُهُ: (أو رفغهُ)(5) الرفغُ: بالمهملةِ وآخرُهُ معجمةٌ. قالَ في " القاموسِ "(6): ((بضمٍ أو بفتحٍ: المغابنُ، وأصلهُ (7) الفخذُ، وكلُ مجتَمعِ وسخٍ منَ الجسدِ، والجمعُ: أرفاغٌ، ورفوغٌ، وبالضمِ: الإبطُ، وما حولَ فرجِ المرأةِ)). وقالَ الزبيديُّ في " مختصر العين ":((الرفغُ باطنُ الفخذِ، والرفغُ وسخُ الظفرِ)) (8). وقالَ ابنُ فارسٍ في " المجمل "(9): ((الرُفْغُ: أصلُ الفخذينِ (10) وسائِرُ المغابنِ: أرفاغٌ، وكلُّ موضعٍ

(1) تفصيل الروايات والطرق في كتابي: "أثر اختلاف الأسانيد والمتون في اختلاف الفقهاء": 508 - 510.

(2)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 296.

(3)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 297.

(4)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 298.

(5)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 299.

(6)

القاموس المحيط مادة (رفغ).

(7)

في القاموس: ((أصل)).

(8)

انظر: غريب الحديث للحربي 1/ 30، والفائق في غريب الحديث 2/ 72، وأساس البلاغة:356.

(9)

مجمل اللغة لابن فارس مادة (رفغ).

(10)

في المجمل: (الفخذ).

ص: 538

اجتمعَ فيهِ الوسخُ: رُفغٌ، وفي الحديثِ: كيفَ لا أُوهِمُ ورفغ أحدِكم بين ظفرهِ وأنمُلَتهِ)). وقالَ الإمامُ عبدُ الحقِ: ((والرَّفغُ والرُّفغ: أصلُ الفخذينِ، و (1) الفتحُ لتميمٍ، والضمُّ لأهلِ العاليةِ، والأرفاغُ: أصولُ المغابنِ كلها. وفي الحديث: ورفغ أحدكم بينَ ظفرهِ وأنمُلتهِ)). قالَ الليثُ: ((الرفغُ وسخُ الظفرِ)).

/ 173 ب / كأنهُ أرادَ: ووسخ رُفغ أحدِكم، فاختصرَ الكلامَ. وأرادَ صلى الله عليه وسلم: لا تقلمونَ أظفاركم ثُمَّ تَحكّونَ بِها أرفاغَكم، فيتعلّقَ بها ما في الأرفاغِ. وفي الحديثِ:((إذا التقى الرُفغانِ فقَد وَجبَ الغُسلُ)) (2).

والرفغانُ: أصلا الفخذينِ كَما تقدّمَ، يُريدُ: إذا التقى ذَلِكَ منَ الرجلِ والمرأةِ، ولا يكونُ ذَلِكَ إلا بعدَ التقاءِ الختانينِ (3)، انتهى. والمادةُ تدورُ على اللينِ والقَذَرَ المجتمعينِ في المغابنِ، فَمِنَ القذَرِ ما تقدّمَ، ومنهُ أيضاً: الرفْغُ الذِي هوَ: أَلأَمُ الوادي، وشرُّهُ تراباً، ومن اللينِ: رفَاغَة العيشِ ورفاغيتُهُ، أي: رفاهيتهُ (4).

قولُهُ: (على يزيدَ بنِ زُريعٍ)(5) أي: فأدرجهُ أبو كاملٍ الجَحْدريُّ كَما ترى، وفَصَلهُ عَنهُ أبو الأشعثِ، وأحمدُ بنُ عبدِ اللهِ الغَنوي، وغيرُهما (6).

قولُهُ: (الطريق إلى الحُكْمِ)(7) هوَ بضمِ المهملةِ، وسكونِ الكافِ، أي: أنَّ الحكمَ على أول شيءٍ في الخبرِ بالإدراجِ، حُكمٌ ضعيفٌ ليسَ إليهِ طريقٌ قويٌ، وذلكَ

(1) لم ترد الواو في (ف).

(2)

ذكره ابن الجوزي في " غريب الحديث " 1/ 406، وابن الأثير في " النهاية " 2/ 244 من حديث عمر رضي الله عنه.

(3)

انظر: النهاية 2/ 244.

(4)

انظر: القاموس المحيط مادة (رفغ).

(5)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 300.

(6)

انظر: النكت لابن حجر 2/ 830 وبتحقيقي: 584.

(7)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 300.

ص: 539

لصراحةِ قولِ الراوي في كونهِ منْ قولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ لكونهِ أولَ مَعْمُولٍ لقالَ مثلاً، كأَنْ يُقالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم كذا، أو غيرهُ منَ العواملِ كَما سيأتي في مسَّ.

وقوله: (مما يَضعُفُ فيهِ)(1) هوَ - واللهُ أعلمُ - خبرٌ مقدمٌ وفاعلُ ((يضعفُ)) محذوفٌ، و ((أنْ يكونَ)) هوَ المبتدأُ، تقديرهُ: ومما يضعُفُ فيهِ الحكمُ بالإدراجِ، أنْ يكونَ المحكومُ عليهِ، مُدرجاً في أثناءِ اللفظِ المتفقِ عَلى أنَّهُ لفظُ رسولِ اللهِ / 174 أ / صلى الله عليه وسلم، أو في أولهِ.

وقوله: (لما فيهِ مِن اتصال هَذهِ اللفظةِ بالعاملِ)(2) أي: وَهوَ قولُهُ: ((مسّ)) وقد فُرضَ أنَّهُ منْ قولهِ صلى الله عليه وسلم.

قلتُ: وهَذا الكَلامُ (3) ضعيفٌ؛ فإنَّ مَنْ رواهُ كذلكَ يمكنُ أَنْ يكونَ رواهُ بالمعنى فَقَدَّمَ وأخَّرَ، ظناً منهُ أنَّ ذلكَ كُلَّهُ منْ قولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولو أدَّى لفظَ مَنْ نَقَلَهُ عَنهُ كما قالهُ؛ لكانَ المدرجُ آخرَ الخَبرِ، وأمَّا مَنْ فَصّل فإنهُ فَهِمَ الأمرَ على ما هوَ عليهِ بقرينةٍ أو تصريحٍ. قالَ شيخُنا:((ووقعَ كثيرٌ منَ الإدراجِ في الوسطِ، كحديثِ عائشةَ في بدءِ الوَحي، فإنَّ قولَهُ: ((والتحنثُ: التعبّدُ)) مدرجٌ منْ قولِ الزهريِّ (4)، وحديث فَضَالةَ بنِ عُبيدٍ: أنا زعيمٌ - والزعيمُ: الحميلُ - ببْيتٍ في رَبَضِ الجنّةِ

الحديثَ (5).

(1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 300.

(2)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 300.

(3)

جاء في حاشية (أ): ((أي كلام ابن دقيق العيد)).

(4)

انظر: فتح الباري 1/ 23، والديباج للسيوطي 1/ 141.

والحديث: أخرجه: عبد الرزاق (9719)، وأحمد 2/ 232، والبخاري 1/ 3 (3) و9/ 37 (6982)، ومسلم 1/ 97 (160)(252) و1/ 98 (160)(253).

(5)

أخرجه: النسائي 6/ 21 وفي "الكبرى"، له (4341)، وابن حبان (4619)، والطبراني 18/ (801)، والحاكم 2/ 61 و71، والبيهقي 6/ 72 من طريق ابن وهب، عن أبي هانىء الخولاني، عن عمرو بن مالك، عن فضالة بن عبيد الأنصاري، به.

وأخرجه: أبو داود (4800)، ومن طريقه البيهقي 10/ 249 من حديث أبي أمامة الباهلي، به.

ص: 540

فقولُهُ: ((والزعيمُ الحميلُ)) مدرجٌ منْ تفسيرِ ابنِ وهبٍ. وحديث أزهرَ بنِ عليٍّ التَميميِّ، عنْ مالكٍ، عنِ الزهريِّ، عنْ أنسٍ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم دَخَلَ مكةَ، وعلى رأسهِ المغْفَرُ وَهوَ غيرُ مُحْرمٍ

الحديثَ. (1)

فقولهُ: ((وَهوَ غيرُ مُحرِمٍ)) كلامُ الزهريِّ، أُدرجَ في هَذا الموصولِ، وقَدْ ذكرتُ أمثلةً غير هَذا في كِتابِ "المدرج"، واللهُ أعلم)).

قولُهُ: (ولا يُعرفُ في طرقِ الحديثِ تقديمُ الأنثيين على الذَكرِ)(2) ليسَ كذلكَ، فقدْ وقَعَ في كتابِ " الأبوابِ " لابنِ شاهينَ منْ روايةِ محمدِ بنِ دينارٍ، عنْ هشامِ بنِ عروةَ، بهِ (3): مَنْ مسَّ أُنثييْهِ أو ذكَرَهُ. فقدّم الأُنثيينِ، والله أعلم.

قلت: قولُهُ:

216 -

وَمِنْهُ جَمْعُ مَا أتَى كُلُّ طَرَفْ

مِنْهُ بِإسْنَادٍ بِوَاحِدٍ سَلَفْ

217 -

كـ (وَائِلٍ) في صِفَةِ الصَّلَاةِ قَدْ

أُدْرِجَ (ثُمَّ جِئْتُهُمْ) وَمَا اتَّحَدْ

/ 174 ب / هَذا مدرجُ الإسنادِ؛ لأنهُ لما رَوَى القطعتينِ بسندِ أحدِهما، كانَ كأنهُ أدرجَ أحدَ السندينِ في الآخرِ، حتى ساغَ لَهُ أنْ يركّبَ عليهِ القطعتينِ، ولو قالَ الشيخُ:

ومنهُ جَمعُ طرفي حديث

بسندِ الواحِدِ في التحديثِ

كانَ أبينَ وأسلمَ مِنَ الحشوِ.

قولُهُ: (أُدرجَ)(4) هوَ مبنيٌّ للمفعولِ، أي: أَدرجَ بعضُ رواةِ هَذا الحديثِ هَذا اللفظَ فيهِ، وَهوَ: ثُمَّ جئتهم

إلى آخرهِ، وَصيَّرهُ معَ ما قبله شيئاً واحداً، والحالُ أنَّهُ

(1) تقدم تخريجه.

(2)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 300.

(3)

جاء في حاشية (أ): ((أي بالسند)).

(4)

التبصرة والتذكرة (217).

ص: 541

ما اتحدَ معَ ما (1) قبلهُ في السندِ، وإن اتحَّدَا في الصحابيِّ، بل كلٌّ منهما بسندٍ.

قولُهُ: (فرقهما)(2) أي: لَم يقلْ في سَندٍ واحدٍ: عَنْ زائدةَ وشريكٍ، عَن عاصمٍ، بل قالَ في تفريعِ أبوابِ الاستفتاحِ: حدثنا الحسنُ بنُ عليٍّ، حدثنا أبو الوليدِ، حدثنا زائدةُ، عنْ عاصمِ بنِ كليبٍ

فذكرَ الحديثَ، ثُمَّ قالَ: حدثنا عثمانُ بنُ أبي شيبةَ، حدثنا شريكٌ، عنْ عاصمِ بنِ كُليَبٍ

، فَذَكرهُ (3).

قولُهُ: (الحمال)(4) بالمهملةِ، صفةٌ لوالدِ موسى بنِ (5) هارون بنِ عبدِ اللهِ البغداديِّ، الثقةِ الحافِظِ الكبيرِ، ماتَ سَنةَ أربعٍ وتسعينَ ومئتينِ، وكانَ حافظَ بغدادَ في وقتهِ، قالَ الذهبيُّ في "الدُوَلِ" (6): قالَ الصِّبغيُّ (7): ((ما رأيتُ في حفّاظِ (8) الحديث أهْيَبَ منهُ، ولا أورَعَ (9))). وماتَ أبوه هارونُ الحمالُ، سنةَ أربعٍ وأربعينَ ومئتينِ (10).

قولُهُ: (ومنهُ أنْ يُدرَجَ)(11) هوَ مبنيٌّ للمفعولِ.

(1) لم ترد في (ف).

(2)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 301.

(3)

تفصيل تخريج الروايات في تحقيقنا لشرح التبصرة والتذكرة 1/ 406.

(4)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 301.

(5)

كلمة: ((بن)) لم ترد في (أ) و (ب)، والمثبت من (ف).

(6)

دول الإسلام 1/ 178.

(7)

في (ف): ((الضبعي)).

(8)

في (ب): ((حفظ)).

(9)

انظر: تاريخ بغداد 13/ 51، وسير أعلام النبلاء 12/ 117.

(10)

وقيل: سنة ثلاث وأربعين ومئتين، وقال الذهبي:((وأخطأ من قال: سنة تسع وأربعين)). انظر: سير أعلام النبلاء 12/ 116.

(11)

التبصرة والتذكرة (218).

ص: 542

قولُهُ: (ولاتَنَافسُوا)(1) هوَ مِن النفيسِ، وَهوَ ما يُرغَبُ فيهِ ويُبخَلُ بهِ لِعزّتهِ، وَهوَ مضارعُ تنافسَ فلانٌ وفلانٌ، مثلُ: تقاتلا. وهكذا بقيةُ ألفاظِ الحديثِ، كلها أفعالٌ مضارعةٌ، حُذِفَ منها حرفُ المضارعةِ تخفيفاً.

ومعنى ((تنافسُوا)): تقاسَموا النفاسةَ، بأنْ يَعُدَّ كُلٌّ مِنهُم الشيءَ نَفيساً، فيتجاذبوهُ، فيؤديَ ذَلِكَ إلى فسادٍ عريضٍ (2). والتجسسُ - بالجيمِ -: التفحّصُ منَ الجاسوسِ لصاحِبِ سِرِ الشرِّ. (3) قالَ في "القاموسِ"(4): ((أي: خُذوا ما ظَهرَ، ودَعوا ما سَترَ اللهُ عز وجل، ولا تَفْحصوا عنْ بواطنِ الأمورِ، ولا تبحثوا عنِ العوراتِ)). والتَحسسُ: بالحاءِ المهملةِ.

قالَ في "القاموس"(5): ((الاستماعُ لحديثِ القومِ، وطلبُ خبرِهِم في الخيرِ، والحاسوسُ: الجاسوسُ، أو هوَ في الخير، وبالجيمِ في الشر)) انتهى. والمادةُ تَدورُ على تأثّرِ النفسِ بِما تدركُهُ بإحدى حواسِّها.

قولُهُ:

221 -

وَمِنْهُ مَتْنٌ عَنْ جَمَاعَةٍ وَرَدْ

وَبَعْضُهُمْ خَالَفَ بَعْضاً في السَّنَدْ

222 -

فَيَجْمَعُ الكُلَّ بإسْنَادٍ ذَكَرْ

كَمَتْنِ (أيُّ الذَّنْبِ أعْظَمُ) الخَبَرْ

223 -

فَإنَّ (عَمْراً) عِنْدَ (وَاصِلٍ) فَقَطْ

بَيْنَ (شَقيْقٍ) وَ (ابْنِ مَسْعُوْدٍ) سَقَطْ

224 -

وَزَادَ (الاعْمَشُ) كَذَا (مَنْصُوْرُ)

وَعَمْدُ الادْرَاجِ لَهَا مَحْظُوْرُ

قولُهُ: (وبعضُهُم

) (6) إلى آخرهِ، جُملةٌ في موضعِ الحالِ.

(1) التبصرة والتذكرة (219).

(2)

انظر: القاموس المحيط مادة (نفس).

(3)

انظر: لسان العرب مادة (جسس).

(4)

القاموس المحيط مادة (جسس).

(5)

القاموس المحيط مادة (حسس).

(6)

التبصرة والتذكرة (221).

ص: 543

قولُهُ: (فيجمع)(1) أي الراوي، وكذا ((ذكرَ)) الضمير (2) للراوي؛ لأنّهُ حاضرٌ في الذهنِ، وإنْ لَم يكُنْ مذكوراً باللفظِ.

قولُهُ: (وزادَ الأعمش)(3) المفعولُ وَهوَ عمرٌو محذوفٌ لضيقِ النَّظمِ عَنهُ، فالتقديرُ: وزادهُ الأعمشُ، فلو أنَّهُ قالَ:

وزادهُ الأعمشُ أو منصورٌ

...

...

...

لكانَ أحسنَ منْ أجلِ ذكرِ المفعولِ، ولا يضرُّ الإتيانُ بأو، بل ربّما يكونُ متعيناً؛ لأنهُ سيذكرُ أنَّهُ اختلفَ على الأعمشِ في زيادةِ ((عمرو))، فلم يغلبْ على الظنِّ حينئذٍ أنَّهُ زَادهُ.

قولُهُ: (وعَمدُ الإدراجِ لها)(4) الظاهرُ أنَّ اللامَ بمعنى في، أي: تعمّدُ الإدراج في جميعِ الأقسامِ ممنوعٌ منه.

قولُهُ: (عنْ أبي وائل، عَنْ عبدِ اللهِ)(5) / 175 ب / أي: لأنَّ أبا وائلٍ - هوَ شقيقُ بنُ سَلَمَة الأسديُّ الكوفيُّ- أدركَ النَبيَّ صلى الله عليه وسلم ولم يَرهُ، ورَوَى عنِ الخلفاءِ الأربعةِ وغيرِهم منَ الأكابرِ، كابنِ مسعودٍ، ورَوَى أيضاً عَن أبي مَيسرةَ عمرِو بنِ شُرحَبيلَ الهمْدانيِّ الكوفيِّ التابعيِّ الكبيرِ الراوي أيضاً، عَن الأكابرِ منَ الصحابةِ، منهُمُ: ابنُ مسعودٍ (6)، فإدخالُ عَمرٍو، بينَ أبي وَائِل، وبينَ ابنِ مسعودٍ ((منَ المزيدِ في متصّلِ الأسانيدِ))؛ لأنَّ أبا وائِلٍ رَوَى عنهُ، وعن ابنِ مسعودٍ.

(1) التبصرة والتذكرة (222).

(2)

بعد هذا في (ب): ((فيه)).

(3)

التبصرة والتذكرة (224).

(4)

التبصرة والتذكرة (224).

(5)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 304.

(6)

انظر ترجمته في: تهذيب التهذيب 4/ 329.

ص: 544

قولُهُ: (دعْهُ دَعْهُ (1)) (2) أي: اتركهُ كَما حدثتُكَ بهِ، ولا تلتفتْ إلى مخالفٍ، ويحتملُ أنْ يكونَ مرادُهُ: اتركْ ما حدثتُكَ بهِ منْ إثباتِ عمرٍو، فإني تذكرتُ أنّ أبا وائِلٍ رَوَى عَن ابنِ مسعودٍ نفسهِ؛ فيكونُ مرادُهُ الأمرَ بحذفِ عمرٍو مِن السندِ.

قولُهُ: (لكنْ رواهُ النسائيُّ)(3) استدراكٌ منَ الحَكمِ بكونِ واصلٍ، أسقطَ عَمراً في روايتهِ.

قولُهُ: (وسيأتي التنبيهُ على ذَلِكَ في (4) موضعهِ) (5) يعني: في اختلافِ ألفاظِ الشيوخِ.

قلتُ: قولُهُ: (أو الخمسةِ)(6) القسمُ الخامسُ: ما في روايةِ النسائيّ منْ إدراجِ عمرٍو مِنْ روايةِ منصورٍ، والأعمشِ في روايةِ واصلٍ منْ غيرِ ذكرٍ لهما، وكذا ما شابههُ مِنَ الاقتصارِ في روايةِ حديثٍ عَلَى بعضِ الشيوخِ المجموعينَ في سندٍ واحدٍ بلفظٍ إنما رواهُ غيرُهُ من الذينَ أُسقطوا، واللهُ أعلمُ.

قولُهُ: (وهذا النوعُ)(7) أي: المدرجُ بأقسامهِ، قَد صنفَ فيهِ. عبارةُ ابنِ الصلاحِ:((وهذا النوعُ قَد صَنّفَ فيهِ الخطيبُ أبو بكرٍ كتابَهُ /176 أ/ الموسوم: " بالفصلِ للوصلِ المدرج في النقلِ " فشَفَى وكَفَى)) (8).

(1) في (ب): ((دع دع)).

(2)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 304.

(3)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 304.

(4)

لم ترد في (ف).

(5)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 304.

(6)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 305.

(7)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 305.

(8)

معرفة أنواع علم الحديث: 200.

ص: 545