الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قولهُ:
تَعَارُضُ الْوَصْلِ وَالإِرْسَالِ، أَو الرَّفْعِ وَالوَقْفِ
(1)
147 -
وَاحْكُمْ لِوَصْلِ ثِقَةٍ في الأظْهَرِ
…
وَقِيْلَ: بَلْ إرْسَالُهُ لِلأكْثَرِ
148 -
وَنَسبَ الأوَّلَ لِلْنُّظَّارِ
…
أنْ صَحَّحُوْهُ، وَقَضَى (البُخَارِيْ)
149 -
بِوَصْلِ ((لَا نِكَاحَ إلَاّ بِوَلِيْ))
…
مَعْ كَوْنِ مَنْ أَرْسَلَهُ كَالْجَبَلِ
150 -
وَقِيْلَ الاكْثَرُ، وَقِيْلَ: الاحْفَظُ
…
ثُمَّ فَمَا إرْسَالُ عَدْلٍ يَحْفَظُ
151 -
يَقْدَحُ فِي أَهْليَّةِ الوَاصِلِ، أوْ
…
مُسْنَدِهِ عَلَى الأَصَحِّ، وَرَأَوْا
152 -
أَنَّ الأصَحَّ: الْحُكْمُ لِلرَّفْعِ وَلَوْ
…
مِنْ وَاحِدٍ في ذَا وَذَا، كَما حَكَوْا
كانَ الأليقُ ذكرَ هذا ضمنَ زياداتِ الثقاتِ؛ فإنهُ من جملتها؛ فإنَّ الوصلَ يستلزمُ الزيادةَ على الإرسالِ، لكنَّ الرفعَ قد لا يزيدُ على الوقفِ، مثلَ أنْ يرويَ مالكٌ، عن نافعٍ، عنِ ابنِ عمرَ، عن عمرَ حديثاً موقوفاً عليهِ، فيرويهِ غيرُ مالكٍ، عن نافعٍ، عنِ ابنِ عمرَ، عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم / 134ب / فيرفعَهُ، ولا يذكرُ عمرَ رضي الله عنه، فهذا كما ترى ليسَ فيهِ زيادةٌ في العددِ على الموقوفِ، بل ربما يقضي للموقوفِ هنا ويقالُ: إنَّ مَن رفعَهُ مشى على الجادةِ، فالذي خالفها معهُ زيادةُ علمٍ، لكنَّ الأغلبَ الزيادةُ، فدمجها بمسألةِ ((زياداتِ الثقاتِ)) كانَ أنسبَ، ولم يحكِ هنا إلا أربعةَ أقوالٍ، ويمكنُ أنْ تُزَادَ من زياداتِ الثقاتِ، ثم إنَّ ابنَ الصلاحِ خلطَ هنا طريقةَ المحدّثينَ بطريقةِ الأصوليينَ، على أنَّ لحذاقِ (2) المحدّثينَ في هذهِ المسألةِ نظراً آخرَ لم يحكهِ، وهوَ الذي لا ينبغي أنْ يُعدلَ عنهُ، وذلكَ أنهم لا يحكمونَ فيها بحكمٍ مطّردٍ، وإنما يدورونَ في ذلِكَ معَ القرائنِ؛ ولذلكَ حكمَ البخاريُّ بوصلِ حديثِ:
(1) انظر في ذلك: أثر علل الحديث في اختلاف الفقهاء: 199 - 246، وأثر اختلاف الأسانيد والمتون في اختلاف الفقهاء: 264 وما بعدها.
(2)
في (ف): ((الحذاق)).
((لا نكاحَ إلابولي)) (1) لا لأنَّهُ زيادةُ ثقةٍ، ولا لأنَّ سفيانَ وشعبةَ اختلفَ عليهما، فروياهُ مرةً مرسلاً، ومرةً متصلاً، والطريقُ التي رُويَ منها مرسلاً إليهما ضعيفةٌ، بل لأنهما وإنْ كانا جبلينِ في الحفظِ فالذينَ (2) وصلوهُ سبعةٌ، منهم: إسرائيلُ بنُ يونسَ بنِ أبي إسحاقَ السبيعيُّ، عن جدهِ أبي إسحاق، فإذا جعلنا كلاً من شعبةَ وسفيانَ برجلينِ، أو بثلاثةٍ، كانَ الواصلونَ أكثرَ على كلِ حالٍ، وأيضاً فإنَّ يونسَ ابنَ أبي إسحاقَ سمعهُ مع (3) أبيهِ، من أبي بردةَ، ورواهُ متصلاً، وإسرائيلُ أثبتُ منهما في حديثِ جدهِ؛ لكثرةِ ممارستهِ له، فهذا وجهٌ مرجحٌ، فإذا تأيَّدَ بروايةِ أبيهِ يونسَ، عن أبي بردةَ صارَ / 135 أ / بمنْزلةِ روايةِ شعبةَ وسفيانَ، فيتعارضانِ ويترجحُ الوصلُ بروايةِ الستةِ الباقينَ، وأيضاً فإن شعبةَ وسفيانَ، سمعاه في مجلسٍ واحدٍ، بدليلِ روايةِ أبي داودَ الطيالسيِّ في "مسندهِ"(4)، قالَ: حدثنا شعبةُ، قالَ: سمعتُ سفيانَ الثوريَّ يقولُ لأبي إسحاقَ السبيعيِّ: أحدَّثَكَ أبو بردةَ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم؟
…
فذكرَ الحديثَ. فرجعا كأنهما واحدٌ، فإنّ (5) شعبةَ إنما رواهُ بالسماعِ على أبي إسحاقَ بقراءةِ سفيانَ، وحَكَمَ الترمذيُّ في "جامعهِ"(6) بأنَّ روايةَ الذينَ وصلوهُ أصحُّ، قالَ:((لأنَّ سماعَهم من أبي إسحاقَ في أوقاتٍ مختلفةٍ، وإنْ كانَ شعبةُ والثوريُّ أحفظَ وأثبتَ من جميعِ هؤلاءِ، الذينَ رووا عن أبي إسحاقَ هذا الحديثَ؛ لأنَّ شعبةَ والثوريَّ سمعا هذا الحديثَ من أبي إسحاقَ (7) في مجلسٍ واحدٍ))، ثم استدلَّ بما تقدّمَ عنِ الطيالسي.
(1) تفصيل تخريجه وطرقه في تحقيقنا لشرح التبصرة والتذكرة 1/ 228 وما بعدها.
(2)
في (ب): ((فالذي)) أما في (أ) فهي: ((الذين))، وكتب تحتها علامة ((صح)).
(3)
في (ب): ((من)).
(4)
لم أقف عليه في المطبوع من المسند.
(5)
في (ب): ((قال))، أما في (أ) فهي ((فإن)) مجودة الضبط.
(6)
جامع الترمذي عقب (1102).
(7)
من قوله: ((هذا الحديث
…
)) إلى هنا لم يرد في (ف).
وأيضاً فسفيانُ لم يقلْ لأبي إسحاقَ: ولم يحدثك بهِ أبو بردةَ إلا مرسلاً، فهو حدثهُ بهِ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لكن بواسطةٍ، ولو أبرزَ له الواسطةَ لقالَ له (1): نعم، وهذا كما لو قلت لشيخٍ: أسمعتَ البخاريَّ على (2) فلانٍ من روايةِ الفربري؟ فقالَ: نعم، فجاءَ آخرُ فقالَ للشيخِ: أسمعتَ البخاريَّ على فلانٍ (3)، حدثنا فلانّ
…
إلى أنْ يقولَ: حدثنا الفربري، حدثنا البخاري؟ فلا يكونُ بينَ الكلامينِ تعارضٌ، وكأنَّ سفيانَ قالَ لهُ: أسمعتَ الحديثَ من أبي بردةَ؟ فقصدهُ إنما هوَ السؤالُ عن سماعه الحديثَ، / 135 ب / لا عن كيفيةِ روايتهِ له، واللهُ أعلمُ (4).
ويؤيدُ ما قالهُ شيخنا: ترجيحُ الدارقطني لإرسالِ حديثِ: ((كفى بالمرءِ إثماً (5) أنْ يحدّثَ بكلِ ما سمعَ)) (6)، فإنَّهُ اختلفَ فيهِ على شعبةَ: فرواهُ معاذُ بنُ معاذٍ، وابنُ مهديٍّ، وغندرُ، وحفصُ بنُ عمرَ النميري عنهُ، عن خبيبِ بنِ عبدِ الرحمان، عن حفصِ بنِ عاصمٍ، عنِ النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً. ورواهُ عليُ بنُ حفصٍ، عن شعبةَ بهِ، فوصلهُ عن أبي هريرة رضي الله عنه، فصارَ المرسِلونَ أربعةً والواصلُ واحداً، فلذلك قالَ الدارقطني:((الصوابُ المرسل عن شعبةَ)) انتهى.
فهذا ما عليهِ حذاقُ المحدّثينَ، وإنْ كانَ النوويُّ رجَّحَ الوصلَ (7) عملاً بما عليهِ الفقهاءُ، والأصوليونَ، وبعضُ أهلِ الحديثِ.
(1) لم ترد في (ب) و (ف) وهي في (أ) في الحاشية مع علامة اللحق والتصحيح.
(2)
في (ب): ((عن)).
(3)
من قوله: ((من رواية الفربري
…
)) إلى هنا لم يرد في (ف).
(4)
انظر نحو هذا الكلام في: النكت لابن حجر 2/ 606، وبتحقيقي:378.
(5)
لم ترد في (ف).
(6)
أخرجه: مسلم في مقدمة كتابه 1/ 8 (5)، وأبو داود (4992) عن أبي هريرة متصلاً.
وأخرجه: مسلم في مقدمة كتابه 1/ 8 (5)، وأبو داود (4992) عن حفص بن عاصم فذكره مرسلاً.
(7)
انظر: شرح النووي على صحيح مسلم 1/ 34.
قولهُ: (كما صححهُ الخطيب)(1)، قالَ ابنُ الصلاحِ:((وإنْ خالفهُ غيرهُ، سواءٌ كانَ المخالفُ لهُ واحداً أو جماعةً)) (2).
قوله: (في الفقهِ وأصولهِ)(3)، نُقلَ عن النوويِّ أَنَّهُ عزاهُ للمحققينَ أيضاً من أصحابِ الحديثِ (4).
قوله: (الحكمُ لمن أرسلَ)(5)، وكذا لمن وقفَ. قيلَ: إنَّ النوويَّ قالَ: إنَّ الخطيبَ حكاهُ أيضاً عن أكثرِ أصحابِ الحديثِ (6).
قوله: (إنَّ الحكمَ للأكثرِ)(7) عن "سؤالاتِ الحاكمِ لأبي الحسنِ الدارقطني"(8): ((قلتُ (9): فخلادُ بنُ يحيى؟ قالَ: خلادٌ ثقةٌ، إنما أخطأ في حديثٍ واحدٍ: حديثِ الثوري، عن إسماعيل، عن عمرِو بنِ حريثٍ، عن عمرَ فرفعهُ، وأوقفهُ الناسُ)) وفيها (10):((قلتُ: فسعيدُ بنُ عبيدِ اللهِ (11) الثقفي؟ قالَ: هذا ابنُ عبيدِ اللهِ بن جبيرِ بنِ حيةَ، وليسَ بالقوي، يحدّثُ / 136 أ / بأحاديثَ يسندها، ويقفها غيره)) انتهى.
(1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 227، والكفاية (580 ت، 441 هـ).
(2)
معرفة أنواع علم الحديث: 155.
(3)
شرح التبصرة والتذكرة 1/ 227.
(4)
شرح النووي على صحيح مسلم 1/ 34.
(5)
شرح التبصرة والتذكرة 1/ 232.
(6)
انظر: شرح النووي على صحيح مسلم 1/ 34.
(7)
شرح التبصرة والتذكرة 1/ 232.
(8)
سؤالات الحاكم للدارقطني: 202.
(9)
كتب ناسخ (أ) تحتها: ((أي الحاكم)).
(10)
كتب ناسخ (أ) تحتها: ((أي الأسئلة)).
(11)
في (ب): ((عبد الله)) والمثبت هو الصواب. انظر: ميزان الاعتدال 2/ 150 (3234).
قالَ بعضُ أصحابنا: فقد ضعفهُ بذلكَ. انتهى.
قلتُ: ولا يظنُّ أَنَّهُ إنما ضعفهُ؛ لأنَّ القاعدةَ أنَّ مَن لَم يوثقْ، وخالفَ الثقاتِ ضعفَ بذلكَ، فإنَّ سعيداً (1) هَذا قَد وثقهُ مِن قبل الدارقطني، فنقلَ شيخُنا في "تهذيبهِ" (2):((أنَّ أحمدَ، وابنَ معينٍ، وأبا زرعةَ قالوا: ثقة. قالَ: وقالَ النسائيُّ: ليسَ بهِ بأسٌ. ثمَّ ساقَ ما (3) عَن الدارقطني، وقالَ: واستنكرَ البخاريُّ لَهُ حديثاً (4) في "تاريخهِ"(5))). فلم يبقَ إلا أنَّ الدارقطني قضى للأكثرِ.
قوله: (في مسندهِ وفي عدالتهِ وفي أهليتهِ)(6) زيادةُ بيانٍ، وإلا فالقدحُ في العدالةِ مستلزمٌ للقدحِ في المسندِ، والأهليةُ هي العدالةُ، وإنما لم يقدح ذلِكَ فيهِ على الأصحِّ، لأنّا لم نردهُ إلا احتياطاً، معَ أَنَّهُ يمكنُ إمكاناً قوياً أن يكونَ الصوابُ معهُ، وأن يكونَ الأحفظُ وَهِمَ.
قولهُ: (لأنَّهُ علمَ ما خفي عليهِ)(7)، قال (8) عَقِبَهُ:((ولهذا الفصلِ تعلّقٌ بفصلِ زيادةِ الثقةِ في الحديثِ، وسيأتي)) (9).
قولهُ: (هكذا صححهُ ابنُ الصلاحِ)(10) قالَ الشيخُ في " النكتِ "(11): ((وما
(1) لم ترد في (ب) أما في (أ) فهي في الحاشية مع علامة اللحق والتصحيح.
(2)
تهذيب التهذيب 4/ 61.
(3)
هكذا في (أ) و (ب) و (ف)، ولعل بعدها ثمة سقط.
(4)
في (ب) و (ف): ((حديثين)).
(5)
التاريخ الكبير 3/ 406.
(6)
شرح التبصرة والتذكرة 1/ 232.
(7)
شرح التبصرة والتذكرة 1/ 233.
(8)
جاء في حاشية (أ): ((أي: ابن الصلاح)).
(9)
معرفة أنواع علم الحديث: 156.
(10)
شرح التبصرة والتذكرة 1/ 233.
(11)
التقييد والإيضاح: 95.
صححهُ هو الذي رجحه أهلُ الحديثِ))، وعن تخريجهِ لأحاديثِ "الإحياءِ" أَنَّهُ قالَ بعدَ أن أوردَ حديثاً اختلفَ على راويهِ في رفعهِ ووقفهِ:((فالصحيحُ (1) الذي عليهِ الجمهورُ أنَّ الراويَ إذا روى الحديثَ موقوفاً ومرفوعاً، فالحكمُ للرفعِ؛ لأنَّ معهُ في حالةِ الرفعِ زيادةً، وهذا هوَ المرجحُ عندَ أهلِ الحديثِ)) ثم ساقَ كلامَ الأصوليينَ. وهذا التفصيلُ عنهم قد يخالفُ ما تقدّمَ / 136 ب / من حكايتهِ عنهم أنَّ الحكمَ للوصلِ، إلا أنْ يفرقَ بينَ اختلافِ الرواةِ، واختلافِ الراوي الواحدِ.
قولهُ: (وأما الأصوليونَ فصححوا أنَّ الاعتبارَ بما وقعَ منهُ أكثر)(2) ربما ناقضَ قبولَ الوصلِ، ولو كانَ مَن أرسلَ أكثرَ، وتبيّنا بذلكَ ملاحظتهم القرينة، فقويَ نظرُ المحدّثينَ في دورانِهم معها، واللهُ أعلمُ.
(1) من قوله: ((وعن تخريجه .... )) إلى هنا لم يرد في (ف).
(2)
شرح التبصرة والتذكرة 1/ 233.