المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

/ 127 ب / والثاني: أنْ يكونَ مما تجوزُ نسبتُه - النكت الوفية بما في شرح الألفية - جـ ١

[برهان الدين البقاعي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة التحقيق

- ‌البقاعي وكتابه النكت

- ‌طلبه للعلم

- ‌شيوخه:

- ‌تلامذته:

- ‌مصنفاته

- ‌ثناء العلماء عليه:

- ‌نقد العلماء له والكلام عليه:

- ‌وفاته:

- ‌دراسة كتاب " النكت الوفية بما في شرح الألفية

- ‌نشأة علم مصطلح الحديث وتطوره حتى زمن البقاعي

- ‌وصف النسخ المعتمدة فِي التحقيق

- ‌منهج التحقيق

- ‌صور المخطوطات

- ‌أَقْسَامُ الْحَدِيْثِ

- ‌أَصَحُّ كُتُبِ الْحَدِيْثِ

- ‌الْمُسْتَخْرَجَاتُ

- ‌مَرَاتِبُ الصَّحِيْحِ

- ‌ نَقْلُ الْحَدِيْثِ مِنَ الكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ

- ‌القِسْمُ الثَّانِي: الْحَسَنُ

- ‌(القِسْمُ الثَّالِثُ: الضَّعِيْفُ)

- ‌ المرفوع

- ‌المسند

- ‌المتصل والموصول

- ‌الموقوف

- ‌المقطوع

- ‌المرسل

- ‌الْعَنْعَنَةُ

- ‌تَعَارُضُ الْوَصْلِ وَالإِرْسَالِ، أَو الرَّفْعِ وَالوَقْفِ

- ‌التدليس

- ‌الشَّاذُّ

- ‌المنكر

- ‌الاعتبار والمتابعات والشواهد

- ‌زيادات الثقات

- ‌الأفراد

- ‌المعلل

- ‌المضطرب

- ‌المُدْرَجُ

- ‌الموضوع

- ‌المقلوب

- ‌تنبيهات

- ‌معرفة صفة من تقبل روايته ومن ترد

الفصل: / 127 ب / والثاني: أنْ يكونَ مما تجوزُ نسبتُه

/ 127 ب / والثاني: أنْ يكونَ مما تجوزُ نسبتُه إلى غيرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، مثلُ أنْ يكونَ للرأي فيهِ مجالٌ، أو يكونَ مما يمكنُ أخذهُ عنِ الكتابيينِ. فإنْ لم يأتِ مسنداً من طريقِ ذلكَ الرجلِ من وجهٍ من الوجوهِ؛ فإنَّه لا يكونُ معضلاً؛ لأنَّهُ يحتمل أنْ يكونَ قالهُ من عندِ نفسهِ، فلم يتحققْ أنَّهُ سقطَ منهُ اثنانِ، ففاتَ شرطُ التسميةِ، وإنْ كانَ مما لا تجوزُ نسبتهُ إلى غيرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم كأنْ يقولَ التابعيُّ:((أُسرِيَ بي، ورأيتُ (1) ربي)) ونحو ذلكَ مما يعلمُ أنَّهُ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ فهوَ مرفوعٌ حكماً، وهو معضلٌ بالنظرِ إلى صورتهِ الظاهرةِ في سقوطِ اثنينِ منهُ، ومرسلٌ نظراً إلى أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم مذكورٌ فيهِ حكماً، وإنْ لم يصرحِ بهِ.

قولهُ: (باستحقاقِ اسمِ الإعضالِ أولى)(2)، أي: من اسمِ القطعِ والإرسالِ نظراً إلى الصورةِ.

‌الْعَنْعَنَةُ

(3)

قولهُ:

136 -

وَصَحَّحُوا وَصْلَ مُعَنْعَنٍ سَلِمْ

مِنْ دُلْسَةٍ رَاويْهِ، واللِّقَا عُلِمْ

137 -

وَبَعْضُهُمْ حَكَى بِذَا إجمَاعَا

و (مُسْلِمٌ) لَمْ يَشْرِطِ اجتِمَاعَا

138 -

لكِنْ تَعَاصُراً، وَقِيلَ: يُشْتَرَطْ

طُوْلُ صَحَابَةٍ، وَبَعْضُهُمْ شَرَطْ

139 -

مَعْرِفَةَ الرَّاوِي بِالاخْذِ عَنْهُ،

وَقيْلَ: كُلُّ مَا أَتَانَا مِنْهُ

140 -

مُنْقَطِعٌ، حَتَّى يَبِينَ الوَصْلُ،

وَحُكْمُ (أَنَّ) حُكمُ (عَنْ) فَالجُلُّ

(1) في (ف): ((أو رأيت)).

(2)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 218.

(3)

ينظر في العنعنة:

المحدّث الفاصل: 450، والتمهيد 1/ 12، وإكمال المعلم 1/ 164، والاقتراح: 206، ومحاسن الاصطلاح: 155، والنكت على كتاب ابن الصلاح 2/ 583 وبتحقيقي:355.

ص: 408

141 -

سَوَّوْا، وَللقَطْعِ نَحَا (البَرْدِيْجِيْ)

حَتَّى يَبِينَ الوَصْلُ في التَّخْرِيجِ

قالَ شيخُنا: ((مَن حَكَمَ بالانقطاعِ دائماً شددَ (1)، ويليهِ مَن شرطَ طولَ الصحبةِ (2)، ومنِ اكتفى بالمعاصرةِ سهَّلَ (3)، والمذهبُ الوسطُ الذي ما بعدهُ إلا التعنتُ مذهبُ علي بنِ المديني والبخاري من أنَّهُ يشترطُ اللقاء فقط (4).

وما أوردهُ مسلمٌ عليهم من أنَّهُ يلزمهم ردُّ المعنعنِ دائماً لاحتمالِ عدمِ السماعِ ليسَ بواردٍ؛ لأنَّ المسألةَ مفروضةٌ في غيرِ المدلسِ، ومتى فرضَ أنَّهُ لم يسمع ما عنعنهُ كانَ مدلساً، فتنتفي المسألةُ من أصلها)).

وقوله: (معرفةُ الراوي بالأخذِ عنهُ)(5) لا يطابقُ قوله / 128 أ / في الشرحِ: ((أنْ يكونَ معروفاً بالروايةِ عنهُ)) فإنَّ الأخذَ أخصُّ منَ الروايةِ، فالأخذُ عنِ الشخصِ التلقي منهُ بلا واسطةٍ، والروايةُ عنه النقلُ عنهُ، سواءٌ كانَ بواسطةٍ أم لا؛ فالعبارةُ المساويةُ لما في الشرحِ أنْ يقالَ (6): معرفةُ الراوي بنقلٍ عنهُ.

(1) قال العلائي في " جامع التحصيل ": 116: ((وهذا القول حكاه ابن الصلاح ولم يسم قائله ونقله قبله القاضي أبو محمد الرامهرمزي في كتابه " المحدث الفاصل ": 450 عن بعض المتأخرين من الفقهاء.

(2)

وهو قول الإمام أبي المظفر بن السمعاني. انظر: قواطع الأدلة 1/ 374، وإرشاد طلاب الحقائق 1/ 187، وجامع التحصيل:116.

(3)

وهو قول الإمام مسلم رحمه الله، وقد ادعى الإجماع عليه كما قال النووي. انظر: شرح النووي على صحيح مسلم 1/ 33.

(4)

قال النووي: ((وهو مذهب علي بن المديني والبخاري وأبي بكر الصيرفي الشافعي والمحققين، وهو الصحيح)). وسيأتي كلام النووي لاحقاً. انظر: شرح النووي على صحيح مسلم 1/ 33. وقال العلائي: ((وهذا هو الذي عليه رأي الحذاق كابن المديني والإمام البخاري وأكثر الأئمة)). جامع التحصيل: 116.

(5)

التبصرة والتذكرة (139).

(6)

جاء في حاشية (أ): ((أي: في النظم)).

ص: 409

قوله: (وللقطعِ نحا البرديجي)(1)، أي: وللقطعِ في الخبرِ الذي رواهُ الراوي بـ ((أنَّ)) ونحوها منَ الصيغِ المشبهةِ بـ ((عن)) في كونها تحتملُ عدمَ السماعِ مطلقاً، أي: سواءٌ كانَ قائلُها مدلساً أو لا، لقيَ مَن رَوَى بها عنه أم لا.

قوله: (من أئمةِ الحديثِ وغيرهم)(2) قال ابنُ الصلاحِ عقبهُ: ((وأودعهُ المشترطونَ للصحيحِ في تصانيفهم فيهِ وقبلوهُ)) (3).

قوله: (بشرطِ سلامةِ الراوي الذي رواهُ بالعنعنةِ منَ التدليسِ)(4)، أي: فإنْ كانَ مدلساً لم تقبلْ عنعنتُهُ حتى يتبيَّنَ سماعُه لذلكَ الحديثِ ممن عنعنهُ عنهُ، قالَ الشافعي في بابِ تثبيتِ خبرِ الواحدِ:((وأقبلُ في الحديثِ حدثني فلانٌ، عن فلانٍ إذا لم يكن مدلساً، ولا أقبلُ في الشهادةِ إلا سمعتُ، أو رأيتُ، أو أشهدني)) (5).

قالَ الإمامُ أبو بكرٍ الصيرفي في شرحهِ (6): ((لأنَّ فلاناً، عن فلانٍ إذا لقيهُ فهوَ على السماعِ حتى يُعرفَ خلافهُ، وليسَ الناسُ على أنَّ عليهم ديوناً حتى يُعلمَ خلافه، فالشهادةُ تختصُ بأنْ يحتاطَ فيها من هذا الوجهِ)). وقالَ الشافعيُّ: ((فقالَ - يعني: شخصاً ناظرهُ (7) - فما بالكَ قبلتَ مَن لم تعرفهُ بالتدليسِ أنْ يقولَ: عن، ويمكنُ (8)

(1) التبصرة والتذكرة (141).

(2)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 219.

(3)

معرفة أنواع علم الحديث: 139.

(4)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 219.

(5)

الرسالة فقرة (1011).

(6)

جاء في حاشية (أ): ((أي على الرسالة)).

(7)

هذه الجملة من البقاعي للتوضيح، وقد ذكرت عند تحقيقنا للرسالة بأن ليس هناك مناظرة حقيقية، وإنما هو تمثيل للإمام الشافعي، حتى يشمل القول ونقيضه، فيكون أثبت للحجة والقوة.

(8)

في الرسالة: ((وقد يمكن)).

ص: 410

فيهِ أنْ يكونَ لم يسمعهُ؟ فقلتُ لهُ: المسلمونَ / 128 ب / العدولُ عدولٌ أصحاءُ الأمرِ في أنفسهم)) (1).

وقالَ الصيرفي: ((المعنى: أني إذا عرفتُ العدلَ فهو على العدالةِ حتى أعلمَ الجرحَ، وكذلكَ إذا علمتُ السماعَ فهوَ على السماعِ حتى أعلمَ التدليسَ؛ فإذا علمته وقفته، وما لم نجدْ لهُ فهوَ موقوفٌ على الاختبارِ (2))).

قولهُ: (وبشرطِ ثبوتِ ملاقاتهِ)(3)، أي: فإنْ لم تثبتْ ملاقاتهُ لمن عنعنَ عنهُ وقفَ الحديث حتى يثبتَ اللقيُّ، فقد عنعنَ أناسٌ عن من لم يلقوه، مثل حديثِ:((كانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يستفتحُ الصلاةَ بالتكبيرِ، والقراءة بالحمد للهِ ربِ العالمينَ، وكانَ إذا ركعَ لم يشخص رأسهُ ولم يصوبهُ، ولكن بينَ ذلكَ، وكانَ إذا رفعَ رأسهُ من الركوعِ لم يسجدْ حتى يستويَ قائماً، وكانَ إذا رفعَ رأسهُ منَ السجدةِ لم يسجدْ حتى يستويَ جالساً، وكانَ يقولُ في كلِّ ركعتينِ التحيةَ، وكانَ يفرشُ رجله اليسرى، وينصبُ رجله اليمنى، وكانَ ينهى عن عقبة --وفي روايةٍ: عقب - الشيطانِ، وينهى أنْ يفترشَ الرجلُ ذراعيهِ افتراشَ السبعِ، وكانَ يختمُ الصلاةَ بالتسليمِ)).

أوردهُ صاحبُ "العمدةِ"(4) فيها ظاناً أنَّهُ مما اتفقَ عليهِ الشيخانِ، وإنما رواهُ مسلمٌ (5) فقط، عن أبي الجوزاءِ أوسِ بنِ عبدِ اللهِ الربعي، عن عائشةَ رضي الله عنها، ولم يلقَها.

قالَ شيخُنا في " تهذيبِ التهذيبِ"(6) عنِ ابنِ عديٍ: ((وأبو الجوزاءِ رَوَى عن

(1) الرسالة فقرة (1028) و (1029).

(2)

في (ف): ((الاختيار)).

(3)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 219.

(4)

جاء في حاشية (أ): ((الحافظ عبد الغني المقدسي))، وانظر: عمدة الأحكام: 72.

(5)

صحيح مسلم 2/ 54 (240)(498).

(6)

1/ 384.

ص: 411

الصحابةِ، وأرجو أنَّه لا بأسَ بهِ، ولا تصحُّ روايته عنهم أنَّهُ قد سمعَ منهم، وقولُ البخاري:((في إسنادهِ نظرٌ)) يعني: أنهُ لم يسمع من مثلِ ابنِ مسعودٍ، وعائشةَ وغيرِهما، لا أنَّه / 129 أ / ضعيفٌ عندهُ)).

قالَ شيخُنا (1): ((وذكرَ ابنُ عبدِ البرِ في "التمهيدِ" أيضاً أنَّهُ لم يسمعْ منها (2). وقالَ جعفرُ الفريابي في " كتابِ الصلاةِ ": حدثنا مزاحمُ بنُ سعيدٍ (3)، حدثنا ابنُ المباركِ، حدثنا إبراهيمُ بنُ طهمانَ، حدثنا بديلُ العقيليُّ، عن أبي الجوزاءِ، قالَ: أرسلتُ رسولاً إلى عائشةَ رضي الله عنها يسألها

فذكرَ الحديثَ - يعني: ((كانَ يستفتحُ الصلاةَ بالتكبيرِ

)) إلى آخرهِ - (4) فهذا ظاهرهُ أنَّه لم يشافهها، لكنْ لا مانعَ من جوازِ كونهِ توجهَ (5) بعدَ ذلكَ، فشافهها على مذهبِ مسلمٍ في إمكانِ اللقاءِ، واللهُ أعلمُ)) (6).

قولهُ: (فقدِ ادعاهُ)(7) فيهِ نظرٌ، فإنَّ ابن عبدِ البرِ لم يصرّحْ بذلكَ، إنما ادّعى الإجماعَ على قبولهِ كما في " التمهيدِ "(8)، لكن يلزمُ من ذلكَ أنْ يكونَ متصلاً، وعبارته - كما نقلها (9) الشيخُ في "النكتِ" (10) -: ((اعلمْ وفقكَ اللهُ، أني تأملتُ

(1) القائل هو البقاعي.

(2)

التمهيد 20/ 205.

(3)

في جميع النسخ الخطية: ((شعبة)) وهو تحريف، لأنه جاء مخالفاً لما في التهذيب، ويؤيد ما أثبت ما جاء في سير أعلام النبلاء 14/ 104 في ترجمة الفريابي، إذ ذكره ضمن شيوخه بهذا الاسم، والله أعلم.

(4)

ما بين الشارحتين جملة توضيحية من البقاعي.

(5)

بعد هذا في التهذيب: ((إليها)).

(6)

جاء في حاشية (أ): ((بلغ))، وهو دليل على بلوغ المقابلة أو السماع.

(7)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 220.

(8)

التمهيد 1/ 13.

(9)

في (أ) و (ب): ((نقل)).

(10)

التقييد والإيضاح: 83 - 84، وانظر: التمهيد 1/ 12 - 13.

ص: 412

أقاويلَ أئمةِ الحديثِ، ونظرتُ في كتبِ مَنِ اشترطَ الصحيحَ في النقلِ منهم، ومن لم يشترطهُ، فوجدتهم أجمعوا على قبولِ الإسنادِ المعنعنِ، لا خلافَ بينهم في ذلكَ إذا جمعَ شروطاً ثلاثةً، وهي: عدالةُ المحدثينَ، ولقاءُ بعضهم بعضاً مجالسةً ومشاهدةً، وأنْ يكونوا بُرَآءً من التدليسِ - ثم قالَ -: وهو قولُ مالكٍ، وعامةِ أهلِ العلمِ)). انتهى.

لكنْ نقل عن شيخِنا الحافظِ (1) برهانِ الدينِ الحلبي أنَّ ابنَ عبدِ البرِّ قال في مقدمةِ " التمهيدِ "(2): ((لا خلافَ في ذلكَ)) - أي: في كونهِ متصلاً - بين أئمةِ الحديثِ.

قوله: (وادعى أبو عمرٍو الداني

) (3) إلى آخره، يُنظرُ كلامُ أبي عمرٍو في كتابه في " القراءاتِ "، هل الشرطُ داخلٌ في الإجماعِ، أو هوَ قَيَّدَ الإجماع من عنده؟

قوله - مستدركاً على أبي عمرٍو -: (لكنْ قد يظهر عدمُ / 129 ب / اتصاله)(4)، أي: لا يلزمُ من كونهِ معروفاً بالروايةِ عنهُ أنْ يكونَ متصلاً؛ فإنَّ الشخصَ قد يُكثِرُ النقلَ عن شخصٍ، فيُعرفُ بالروايةِ عنهُ، ولا يكونُ اجتمعَ بهِ أصلاً، أو يكونُ اجتمعَ بهِ، ولم يسمعْ منهُ شيئاً.

قلتُ: والمسألةُ مفروضةٌ فيمن ثبتَ لقاؤهُ، وهو معَ ذلكَ غيرُ مدلسٍ، فمن رَوَى عمن لم يجتمعْ بهِ فقَدْ فَقَدَ الشرطَ الأولَ، فلم يردْ عليهِ الشقُّ الأولُ منَ الاعتراضِ، ومَن رَوَى عن مَن اجتمعَ بهِ، ولم يسمعْ منهُ شيئاً بلفظِ ((عن)) ونحوها كان مدلساً، ففاتهُ الشرطُ الثاني؛ فسلمَ منَ الشقِ الثاني، وليسَ طولُ الصحبةِ شرطاً

(1) لم ترد في (ف).

(2)

التمهيد 1/ 12.

(3)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 220.

(4)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 220.

ص: 413

لمعرفةِ الراوي بالأخذِ عن الشخصِ، فقد يلقاهُ بعضَ يومٍ ويحملُ عنهُ أحاديثَ، ثم ينشرُها، فيشيعُ أنَّهُ يرويها عنهُ، فيقبلُ الرواةُ إليهِ، ويشتهرُ ذلكَ، وإنما كانَ اجتماعهُ بهِ بعضَ يومٍ، واللهُ أعلمُ.

قولهُ: (والبخاريُّ وغيرهما)(1) منهم: أبو بكرٍ الصيرفي الشافعي، والمحققونَ. قالهُ النوويُّ (2) فيما نقل عنهُ (3).

قولهُ: (لم يسبقْ قائله إليهِ)(4) قال ابنُ كثيرٍ - فيما نقل عنهُ -: ((قيلَ: إنَّهُ يريدُ البخاريَّ، والظاهرُ أنَّهُ يريدُ عليَّ بنَ المديني، فإنَّهُ يشترطُ ذلكَ في أصلِ صحةِ الحديثِ، وأما البخاريُّ فإنَّهُ لا يشترطهُ في أصل الصحةِ، ولكن التزمَ ذلكَ في كتابهِ " الصحيحِ")) (5).

قولهُ: (أو تشافها)(6) وقد التزمَ مسلمٌ منِ اشترطَ اللقاء؛ لاحتمالِ الإرسالِ أنْ يردَ المعنعنَ دائماً، فقالَ: ((فإنْ كانتِ العلةُ في تضعيفِكَ الخبرَ / 130 أ / وتركِكَ الاحتجاجَ بهِ إمكانُ الإرسالِ فيهِ، لزمكَ أنْ لا تثبتَ إسناداً معنعناً حتى ترى فيهِ

(1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 220.

(2)

عزاه الإمام النووي في "التقريب": 60 إلى المحققين، وقال في شرحه لصحيح مسلم 1/ 33: ((والصحيح الذي عليه العمل وقاله الجماهير من أصحاب الحديث، والفقه والأصول: أنه متصل

)).

وقال ابن حجر في "النكت" 2/ 595، وبتحقيقي: 366: ((وهذا المذهب هو مقتضى كلام الشافعي)). وبه قال ابن عبد البر كما في "التمهيد" 1/ 26، وانظر:"الرسالة" للإمام الشافعي فقرة (1032).

(3)

جاء في حاشية (أ): ((بلغ الشيخ شهاب الدين ابن الحمصي، قراءة على صاحبه بلغ الله به أعلى المنازل، وحلاه بأحلى الفضائل قراءة في البحث، وسمع الجماعة، وكتبه مصنفه إبراهيم ابن عمر البقاعي الشافعي لطف الله به، آمين)).

(4)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 221.

(5)

اختصار علوم الحديث 1/ 169، وبتحقيقي:126.

(6)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 221.

ص: 414

السماعَ من أولهِ إلى آخرهِ)). (1) انتهى. وهذا ليسَ بلازمٍ؛ لأنَّ المُعَنْعِنَ لو كانَ بينهُ وبينَ مَن رَوَى عنهُ بعن واسطةٌ كانَ مدلساً، والمسألةُ مفروضةٌ في غيرِ المدلسِ، كما قالَ شيخنا في " شرحهِ لنخبتهِ "(2).

وقال ابنُ الصلاحِ في تفريعاتِ هذا الباب: ((الثالث: قد ذكرنا ما حكاهُ ابنُ عبدِ البرِّ من تعميمِ الحكمِ بالاتصالِ فيما يذكرهُ الراوي عن مَن لقيهُ بأي لفظٍ كانَ، وهكذا أطلقَ أبو بكرٍ الشافعي الصيرفي (3) ذلِكَ فقالَ: ((كلُّ مَن عُلمَ له سماعٌ من إنسانٍ فحدّثَ عنهُ، فهوَ على السماعِ حتى يعلمَ أَنَّهُ لم يسمع منهُ ما

حكاهُ، وكل مَن عُلمَ له لقاءُ إنسانٍ فحدّثَ عنهُ، فحكمهُ هذا الحكم)) (4)، وإنما قالَ هذا فيمن لم يظهرْ تدليسُه.

ومن الحجةِ في ذلِكَ وفي سائرِ البابِ أَنَّهُ لو لم يكن قد سمعهُ منهُ لكانَ بإطلاقهِ الروايةَ عنهُ من غيرِ ذكرِ الواسطةِ بينهُ وبينهُ مدلساً، والظاهرُ السلامةُ من وصمةِ التدليسِ، والكلامُ فيمن لم يُعرفْ بالتدليسِ.

ومن أمثلةِ ذلِكَ، قوله: قالَ فلانٌ كذا وكذا، مثلُ أنْ يقولَ نافعٌ: قالَ ابنُ عمرَ. وكذلكَ لو قالَ عنهُ: ذكرَ، أو فعلَ، أو حدّثَ، أو كانَ يقولُ كذا وكذا، وما جانسَ ذلِكَ، فكلُ ذلِكَ محمولٌ ظاهراً على الاتصالِ، وأنَّه تلقى ذلِكَ منهُ من غيرِ واسطةٍ بينهما، مهما ثبتَ لقاؤهُ له على الجملةِ)) (5).

(1) مقدمة صحيح مسلم 1/ 23 - 24.

(2)

نزهة النظر: 66 طبعة عتر.

(3)

هو الإمام الأصولي أبو بكر محمد بن عبد الله الصيرفي (ت 330 هـ).

انظر: تاريخ بغداد 5/ 449، وطبقات الفقهاء: 120، وطبقات الشافعية الكبرى 3/ 186.

(4)

قال الزركشيُّ في "نكته" 2/ 38: ((رأيته مصرحاً به في كتابه المسمى بـ (الدلائل والإعلام في أصول الأحكام))).

(5)

معرفة أنواع علم الحديث: 144.

ص: 415

قوله: (وفيما قالهُ مسلمٌ نظرٌ)(1)، أي: لأنهم كثيراً / 130 ب / ما يرسلونَ عن من عاصروهُ، ولم يلقوهُ.

قولهُ: (قالَ: وهذا الحكمُ)(2)، أي: المسألةُ من أصلها وهي العنعنةُ، أي: لأنَّ المتأخرينَ ليسَ لهم اعتناءٌ بأمرِ الروايةِ في الكتبِ العلميةِ، إنما جلُّ مقصودِهم إبداءُ الفوائدِ من غيرِ نظرٍ إلى إسنادٍ.

قوله: (أبو الحسنِ القابسي)(3) قيلَ: وهو حسنٌ لو رتبَ (4) هذهِ الأمورَ المزيدةَ كما فعلَ النوويُّ كانَ أحسنَ، فإنَّهُ قالَ (5) - بعدَ ذكر مذهبِ البخاريِّ وغيرهِ -: ((وقد زادَ جماعةٌ من المتأخرينَ على هذا، فاشترطَ أبو الحسنِ

القابسيُّ

فذكرهُ، وزادَ أبو المظفرِ السمعاني فاشترطَ طولَ الصحبةِ بينهما، وزادَ أبو عمرٍو الداني

)) (6) إلى آخرهِ.

قوله: (إدراكاً بيناً)(7)، أي: إدراكاً يمكنهُ فيهِ لقاؤه والسماعُ منهُ، وإلاّ فلا فائدةَ في كونهِ أدركهُ (8) بالسن، ثم ماتَ المرويُّ عنهُ قبلَ تمييزهِ، وهذا

مرادُ مسلمٍ في اكتفائهِ بالمعاصرةِ، ولأجلِ هذا قالَ الشيخُ:((وهذا داخلٌ فيما تقدّمَ)) (9).

(1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 221.

(2)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 221.

(3)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 221.

(4)

جاء في حاشية (أ): ((ابن الصلاح)).

(5)

انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 144.

(6)

شرح النووي على صحيح مسلم 1/ 124.

(7)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 222.

(8)

في (ف): ((إدراكه)).

(9)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 222.

ص: 416

وكذا مرادُ مَنِ اشترطَ اللقاءَ أنْ يقترنَ باللقاءِ إمكانُ السماعِ، وإلاّ فلو وردَ في القصةِ التي ثبتَ بها اللقاءُ ما يدلُ على عدمِ السماعِ (1) لم يعتدَّ بذلكَ اللقاءِ، وإنما تركوا الاحترازَ عن ذلِكَ؛ لأنَّ المقامَ يدلُ عليهِ، والمتقدمونَ كانوا يكتفونَ في عباراتهم بالإشاراتِ والتلويحاتِ، وما يدلُّ عليهِ المقامُ، ونحو ذلِكَ، وعلى هذا مبنى كلامِ العربِ، وإنما جاءَ الاحترازُ في الألفاظِ، وشدةِ التَّقيُّدِ بها من حينِ ظهورِ المنطقِ في الملةِ الإسلاميةِ؛ لأنَّ مبناهُ على حقائقِ / 131 أ / الأشياءِ، وذلكَ لأنَّ الذي اخترعهُ كانَ يونانياً، فإذا رأى كلاماً أمسكَ حروفه وبحثَ فيما تدلُّ عليهِ، من غيرِ اعتبارٍ لشيء زائدٍ على تلكَ الألفاظِ. هكذا قالَ شيخُنا، وفيهِ نظرٌ؛ فإنَّ المناطقةَ تارةً يحملونَ الكلامَ على القوةِ، وتارةً على الفعلِ، وهذا تارةً يكونُ بالضرورةِ، وتارةً بالإمكانِ. إلى غيرِ ذلكَ مما هو مشهورٌ.

قالَ شيخُنا: ((ووجدتُ في بعض الأخبارِ ورودَ ((عن)) فيما لا يمكنُ أنْ يكونَ الراوي سمعهُ ممن رواهُ عنهُ، وإنْ كانَ لقيهُ وسمعَ منهُ الكثيرَ، أخرجَ (2) عن أبي إسحاقَ عمرِو بنِ عبدِ اللهِ السبيعي، عن عبدِ اللهِ بنِ خبابِ بنِ الأرّت: أنَّهُ خرجَ عليهِ الحروريةُ فقتلوهُ حتى جرى دمه في النهرِ (3). فهذا كما تراهُ لا يمكنُ أنْ يكونَ

(1) من قوله: ((وإلا فلو ورد)) إلى هنا لم يرد في (ف).

(2)

جاء في نسخة (أ) و (ب) فراغ بعد هذا بمقدار كلمتين أو ثلاثة، وكتب فيه ((كذا))، وهذا دليل على صحة الفراغ، وهو أنَّ البقاعي ترك فراغاً ليذكر فيه من أخرج الرواية، فكتب ناسخ (أ) و (ب):((كذا)) من أجل التدليل أن البياض صحيح في الأصل، وفي نسخة (ف) جاء في الحاشية:((هنا بياض نحو ربع سطر)).

(3)

ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله نحو هذه القصة في كتابه " النكت " 2/ 586، وبتحقيقي: 358، غير أنه قال: ((حدثنا أبو إسحاق، عن أبي الأحوص: أنه خرج عليه خوارج

فقتلوه)).

وقد أخرج الدارقطني في " سننه " 3/ 132 نحوها أيضاً: عن حميد بن هلال العدوي، عن أبي =

ص: 417

أبو إسحاقَ سمعهُ منِ ابنِ خبابٍ، كما هو ظاهرُ العبارةِ؛ لأنَّهُ هو المقتولُ، فهذا لا يوصفُ بالتدليسِ، وإنْ كانَ أبو إسحاقَ مدلساً لظهورهِ، فهوَ غيرُ داخلٍ في تعريفِ التدليسِ، فإنَّهُ: أنْ يرويَ الشخصُ عن من لقيهُ شيئاً لم يسمعْهُ منهُ بصيغةٍ محتملةٍ)). واللهُ أعلمُ.

قوله: (من قبيلِ المرسلِ والمنقطعِ)(1)، أي: حتى لا يحتج بهِ، نقلَ عنِ النووي أنَّهُ قالَ:((هذا المذهبُ مردودٌ بإجماعِ السلف)) (2)(3).

قولهُ: (لإجماعهم على أنَّ الإسنادَ المتصلَ بالصحابي .. )(4) إلى آخرهِ، قياسٌ لحالِ غيرِ الصحابي في إتيانهِ بـ ((أنَّ)) ونحوها على حالِ الصحابي معَ وجودِ الفارقِ، بوجودِ مانعٍ في الفرعِ، وهوَ احتمالُ / 131 ب / كونِ من ليسَ بصحابيٍّ غير ثقةٍ، ووجود شرطٍ في الأصلِ، وهو ثبوتُ عدالةِ جميعِ الصحابةِ، وفقدهِ في الفرعِ، فإنما قبلوا منَ الصحابي مطلقاً، حتى بالصيغةِ المحتملة؛ لأنَّ أمرَهُ دائرٌ بينَ أنْ يكونَ سمعهُ منَ النبي صلى الله عليه وسلم، أو من صحابي آخر، والصحابةُ كلهم عدولٌ، فلا يضرُّ الجهلُ بالساقطِ منهم، واحتمالُ كونهِ سمعهُ من بعضِ التابعينَ بعيدٌ جداً، لا سيما إنْ كانَ في ذلكَ الخبرِ حكمٌ، والحكمُ دائرٌ على غلبةِ الظنِّ فلا يؤثرُ فيهِ هذا الاحتمالُ.

=الأحوص، فذكر قصة، ثم قال: ((فقدموه إلى النهر فذبحوه، كما تذبح الشاة

))، والطبراني في " الكبير " (3629) و (3630): عن رجل من عبد القيس، وذكر قصة، ثمّ قال: ((فقربوه إلى شط النهر فذبحوه

)).

(1)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 222.

(2)

شرح النووي على صحيح مسلم 1/ 124.

(3)

كتب ناسخ (أ) في الحاشية: ((بلغ على المؤلف)).

(4)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 222.

ص: 418

وأما غيرُ الصحابي وإنْ كانَ تابعياً فإنَّهُ يحتملُ احتمالاً قوياً أنْ يكونَ سمعَ معَنعِنهُ أو مُؤنئِنه من غيرِ صحابيٍّ، وأنْ يكونَ ذلكَ المسموعُ منهُ غيرَ ثقةٍ.

قوله:

142 -

قَالَ: وَمِثْلَهُ رَأى (ابْنُ شَيْبَهْ)(1)

كَذا لَهُ، وَلَمْ يُصَوِّبْ صَوْبَهْ

143 -

قُلتُ: الصَّوَابُ أنَّ مَنْ أدْرَكَ مَا

رَوَاهُ بالشَّرْطِ الَّذي تَقَدَّمَا

144 -

يُحْكَمْ لَهُ بالوَصْلِ كَيفَمَا رَوَى

بـ (قَالَ) أو (عَنْ) أو بـ (أنَّ) فَسَوَا

145 -

وَمَا حَكَى عَنْ (أحمَدَ بنِ حَنْبَل)

وَقَولِ (يَعْقُوبٍ) عَلَى ذا نَزِّلِ

قوله: (ومثلهُ)(2)، أي: ومثلُ ما نحا إليهِ البرديجي.

قوله: (ووجدتُ مثل ما حكاه)(3)، أي: ابنُ عبد البرِّ.

قولهُ: (الفحلُ)(4) ابنُ الصلاحِ يصفُ هذا الرجلَ بأنَّه فحلٌ (5)، إشارةً إلى أنَّهُ قد بلغَ الغايةَ من معرفةِ هذا الفنِّ، ويصفُ مسندَهُ بالفحولةِ أيضاً إشارة إلى أنَّهُ في غايةِ التحريرِ.

قوله: (عن محمدِ بنِ الحنفيةِ)(6) نُسبتْ كذلكَ؛ لأنها من سبي بني حنيفةَ، واسمها خولةُ، قال شيخنا:((وقد بشَّر النبي صلى الله عليه وسلم علياً رضي الله عنه بابنهِ محمدٍ منها، ففي جزء أحمدَ بنِ كاملٍ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم رأى الحنفيةَ في بيتِ فاطمةَ رضي الله عنهما فقال لعليٍّ: ((إنَّكَ ستتزوجُ هذهِ، ويولدُ لكَ ولدٌ منها، فسمِّهِ محمداً)) (7).

(1) في (ف): ((ابن أبي شيبة)).

(2)

التبصرة والتذكرة (142).

(3)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 223.

(4)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 223.

(5)

جاء في حاشية (أ): ((قال شيخنا: كان عندهُ ثمانون فراشاً للمحدثين يحررون معه السند)).

(6)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 223.

(7)

أخرجه: أبو الحسن أحمد بن عثمان الأدمي في "فوائده"(كما في الإصابة) 4/ 289.

ص: 419

قوله: (فكانَ نقله لذلكَ مرسلاً)(1)، أي: من حيثُ / 132 أ / اللفظُ، وإلاّ فالتحريرُ: أنَّ ما أتى بمثلِ هذهِ الصيغةِ إنْ كانَ لم يأتِ إلا كذلكَ فهو مرسلٌ، وإنْ أتى موصولاً من طريقٍ أخرى بعن أو غيرِها منَ الصيغِ؛ فإنَّ الحكمَ للوصلِ، فيحكمُ على تلكَ الطريقِ المرسلةِ بأنها موصولةٌ نظراً إلى ما بانَ بتلكَ الطريقِ

الأخرى، وهنا قد وصلَ منَ الطريقِ الأولى؛ فيعقوبُ إنما حكمَ على ظاهرِ لفظِ الطريقِ الثانيةِ ليعلمَ منهُ ما شابههُ.

قوله: (فهوَ مرسل صحابي)(2) من هذا ما ذكرهُ ابنُ الصلاحِ عقبَ قصةِ عمارٍ التي ذكرها ابنُ شيبةَ فقالَ: ((ثمَّ إنَّ الخطيبَ (3) مثَّلَ هذهِ المسألةَ - أي: مسألةَ المؤنئنِ - بحديثِ نافعٍ، عنِ ابنِ عمرَ، عن عمرَ: أنَّهُ سألَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم: ((أينامُ أحدنا وهوَ جنبٌ؟

)) الحديثَ (4)، وفي روايةٍ أخرى: عَن نافعٍ، عنِ ابنِ عمرَ: أنَّ عمرَ قالَ: ((يا رسولَ اللهِ

)) الحديثَ (5). ثُمَّ قالَ -يعني: الخطيبَ-: ((ظاهرُ الروايةِ الأولى يوجبُ (6) أنْ تكونَ مِن مسندِ عمرَ، عنِ النبي صلى الله عليه وسلم، والثانيةُ ظاهرها يوجبُ أن تكونَ مِن مسندِ ابنِ عمرَ، عنِ النبي صلى الله عليه وسلم (7))).

(1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 224.

(2)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 224.

(3)

الكفاية (574 ت، 406 - 407 هـ).

(4)

أخرجه: من هذا الطريق بهذا اللفظ: عبد الرزاق (1074) و (1075) و (1077)، وأحمد 1/ 16 و35 و44، والنسائي في " الكبرى "(9059) و (9063)، وابن حبان

(1216)

.

(5)

أخرجه: من هذا الطريق بهذا اللفظ: البخاري 1/ 80 (287)، ومسلم 1/ 170 (306)، وابن حبان (1215)، والبيهقي 1/ 200 و201، والبغوي (264).

(6)

في (ب): ((وجب))، وليس بشيء.

(7)

من قوله: ((والثانية ظاهرها يوجب

)) إلى هنا لم يرد في (ب).

ص: 420

قالَ ابنُ الصلاحِ: ((ليسَ هذا المثالُ مماثلاً لما نحنُ بصددهِ؛ لأنَّ الاعتمادَ فيهِ في الحكم بالاتصالِ على مذهبِ الجمهورِ - أي: في التسويةِ بينَ ((أنْ)) و ((عن)) في أنَّ حكمهما الاتصالُ بشرطِ ثبوتِ اللقاءِ والسلامةِ منَ التدليسِ (1) - إنما هو على اللقاءِ والإدراكِ، وذلك في الحديثِ مشتركٌ مترددٌ؛ لتعلّقهِ بالنبي صلى الله عليه وسلم، وبعمرَ، وصحبةِ الراوي ابنَ عمرَ رضي الله عنهما لهما، فاقتضى / 132 ب / ذلِكَ من جهةِ كونهِ رواهُ عنِ النبي صلى الله عليه وسلم، ومن جهةٍ أخرى كونه رواهُ عن عمرَ، عنِ النبي صلى الله عليه وسلم)) (2). انتهى.

وهو يريدُ أَنَّهُ محكومٌ باتصالهِ على كلِّ حالٍ، فليسَ هو مثلُ قصةِ ابنِ الحنفيةِ؛ فإنَّ الروايةَ الثانيةَ محكومٌ بإرسالها، ولولا الروايةُ الأولى لم نعلم اتصالها. هذا ما

قالهُ، وفي فَرْقِهِ (3) بينهما نظرٌ؛ فإنهما متساويانِ، لأنَّ روايةَ ابنِ عمرَ الثانيةَ محكومٌ بإرسالها من غيرِ شكٍّ، فهي مساويةٌ لروايةِ ابنِ الحنفيةِ الثانيةِ، وإنْ كانَ لروايةِ ابنِ عمرَ (4) حكمُ الاتصالِ على كلِّ حالٍ؛ لأنَّهُ إنْ كانَ أدركَ سؤالَ أبيهِ فلا شكَّ في اتصالهِ، وإلا فهو مرسلُ صحابي، ولهُ حكمُ الاتصالِ، ويتضحُ الفرقُ بينَ الروايةِ الأولى والثانيةِ، وكذا بينَ ما يأتي نقلهُ عن أحمدَ، بأنْ يجعلَ موضعَ ((عن)) ((حدثني)) أو ((أخبرني)).

قولهُ: (فهو منقطعٌ)(5)، أي: لم يتصل؛ لأنَّهُ حكى عن فعلِ الصحابي، أو قولهِ للنبي صلى الله عليه وسلم شيئاً ما أدركهُ، ولا يقالُ: إنَّهُ مقطوعٌ؛ لأنَّ المقطوعَ ما قالهُ التابعيُّ من عندِ نفسهِ.

(1) ما بين الشارحتين جملة توضيحية من البقاعي.

(2)

معرفة أنواع علم الحديث: 142 - 143.

(3)

جاء في حاشية (أ): ((أي: ابنُ الصلاح)).

(4)

لم ترد في (ب)، وكانت في أصل (أ):((عمر))، ثمَّ حذفها وأشار إلى اللحق فكتب:((ابن عمر))، وعلّم بعلامة التصحيح.

(5)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 224.

ص: 421

قوله: (كان متصلاً)(1) قالَ في " النكتِ "(2): ((ولو لم يصرحْ بما يقتضي الاتصال إنْ سَلِمَ ذلِكَ التابعيُّ من وصمةِ التدليسِ)).

قولهُ: (وأسندها)(3)، أي: أسندَ حكايتَها إلى الصحابي، قالَ في "النكتِ" (4):((بلفظِ ((عن)) أو بلفظِ ((أنَّ فلاناً قالَ)) أو بلفظِ ((قالَ: قالَ فلان)) فهي متصلةٌ أيضاً، كروايةِ ابنِ الحنفيةِ الأولى عن عمارٍ، بشرطِ السلامةِ من التدليسِ كما تقدّمَ)).

قولهُ / 133 أ /: (ولابدَّ منِ اعتبارِ السلامةِ من التدليسِ)(5) هو معنى قوله: ((بالشرطِ الذي تقدما)).

قوله: (الحديثُ عندَ أبي داودَ مرسل)(6)، أي: لفظاً، وهوَ متصلٌ حكماً؛ لأنَّهُ وردَ من طريقٍ أخرى:((عبدُ الرحمانِ بنُ طرفةَ، عن جدهِ، أَنَّهُ قُطعَ أنفُهُ يومَ الكُلابِ)) وهو بضمِ الكافِ مخففاً: اسمُ موضعٍ كانتَ بهِ وقعةٌ من وقائعِهم. ورأيتُ عن شيخِنا البرهانِ: أَنَّهُ يومانِ من أيامِ العربِ المشهورةِ: الكلابُ الأولُ، والكلابُ (7) الثاني، واليومانِ في موضعٍ واحدٍ. وقيلَ: هو اسمُ ماءٍ بينَ البصرةِ والكوفةِ على سبعةِ أيامٍ من اليمامةِ، وكانت بهِ (8) وقعةٌ في الجاهليةِ (9).

(1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 224.

(2)

التقييد والإيضاح: 85.

(3)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 224.

(4)

التقييد والإيضاح: 85.

(5)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 224.

(6)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 225.

(7)

((والكلاب)) لم ترد في (ف).

(8)

لم ترد في (ب) وهي في (أ) ملحقة في الحاشية مع علامة التصحيح واللحق.

(9)

انظر: معجم البلدان 7/ 146.

ص: 422

قوله: (كما في هذا الحديثِ)(1) قالَ في " النكتِ "(2): ((وذكرَ - أي: ابنُ المواقِ (3) - نحوَ ذلِكَ أيضاً في حديثِ أبي قيسٍ: ((أنَّ عمرَاً بنَ العاصِ كانَ على سريةٍ

)) الحديث في التيممِ من عندِ أبي داودَ (4) أيضاً، وكذلكَ فعلَ غيرهُ فهوَ أمرٌ واضحٌ، واللهُ أعلمُ)).

قولهُ: (لم يسند ذلِكَ إلى عائشةَ)(5) هو واضحٌ في عدمِ الإسنادِ إليها.

((ولا أدركَ القصةَ)) أي: الراوي وهو عروةُ لم يدركْ زمنَ قولها ذلِكَ لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قالَ شيخُنا:((الذي أستحضرُه أنَّ الذي سُئِلَ عنه أحمدُ: عن عمرةَ، عن عائشةَ رضي الله عنها: ((أنها كانت ترجلُ رأسَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم)) (6) وفي

(1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 225.

(2)

التقييد والإيضاح: 86.

(3)

في (ب): ((ابنُ أبي المواق)) وليس بشيء.

(4)

سنن أبي داود (335).

(5)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 226.

(6)

أخرجه: مالك في " الموطأ "(866) برواية يحيى الليثي، وأحمد 6/ 104 و262 و281، ومسلم 1/ 167 (297)(6)، وأبو داود (2467)، والنسائي في "الكبرى"(3374) من طريق مالك، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، به.

وأخرجه: أحمد 6/ 81، والبخاري 3/ 63 (2029)، ومسلم 1/ 167 (297)(7)، وأبو داود (2468)، وابن ماجه (1776)، والترمذي (804) و (805)، والنسائي في " الكبرى "(3375)، وابن خزيمة (2230) و (2231)، والبيهقي 4/ 315 و320 من طريق الليث، عن الزهري، عن عروة وعمرة، عن عائشة رضي الله عنها، فذكره. قالَ الترمذي:((هذا حديث حسن صحيح هكذا رواه غير واحد، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عروة وعمرة، عن عائشة. ورواه بعضهم عن مالك، عن ابنِ شهاب، عن عروة، عن عمرة، عن عائشة. والصحيح: عن عروة وعمرة، عن عائشة)).

ص: 423

لفظٍ: عن عمرةَ أنَّ عائشةَ رضي الله عنها (1): ((كانت ترجلُ)) فعمرةُ لم تدركْ زمنَ ترجيلها له صلى الله عليه / 133 ب / وسلمَ (2)، فإنها تابعيةٌ، وهي بنتُ عبدِ الرحمان بنِ سعدِ بنِ زرارةَ، فهو مرسلٌ لفظاً؛ فإنْ (3) كانتِ الطريقُ الأولى بينتْ وصله، ولا أستحضر قصةَ عروةَ، فاللهُ أعلمُ)).

قوله: (فأسندَ ذلِكَ إليها بالعنعنةِ)(4) أي: لأنَّ التقديرَ: ((عن عائشةَ أنها قالتْ: يا (5) رسولَ اللهِ)) ويوضحُ ذلِكَ أنْ تضعَ موضعَ ((عن)) ((حدثني)) فلو قلت في اللفظِ الأولِ: حدثني عروةُ أنَّ عائشةَ رضي الله عنها قالت؛ لانتظمَ الكلامُ، وكانَ ظاهراً في أنَّ عروةَ أدركَ زمنَ قولها. ولو قلتَ: حدثني عروةُ، قالَ: حدثتني عائشةُ رضي الله عنها أنّها قالتْ: يا رسولَ اللهِ، لم يكن معناهُ أَنَّهُ أدركَ زمنَ قولها، وإنما هو ظاهرٌ في أَنَّهُ أدركَ تحديثَها (6) لهُ، وهو كذلكَ.

قولهُ (7):

146 -

وَكَثُرَ استِعْمَالُ (عَنْ) في ذَا الزَّمَنْ

إجَازَةً وَهْوَ بِوَصْلٍ مَا قَمَنْ

لما تقدّمَ الكلامُ على حكمِ اتصالِ الحديثِ وعدمهِ، إذا كانَ في سندهِ لفظةُ ((عن)) أرادَ أنْ ينبهَ على أنّا حيثُ حكمنا باتصالِ ما فيهِ ((عن)) في المتقدمينَ، فاتصاله بالسماعِ بخلافِ المتأخرينَ، فإنَّ اتصاله فيهم إنما هوَ بالإجازةِ.

(1) من قوله: ((أنها كانت ترجل

)) إلى هنا لم يرد في (ب).

(2)

لم ترد في (أ).

(3)

في (ف): ((وإن)).

(4)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 226.

(5)

((يا)) لم ترد في (ف).

(6)

في (ب): ((بحديثها)).

(7)

لم ترد في (ف).

ص: 424

قوله: (فَظُنّ بهِ أَنَّهُ رواهُ بالإجازةِ)(1) هو فعلُ أمرٍ، وإنما أمرَ بالظنِّ ولم يطلقِ الحكمَ؛ لأنَّ في زمنهِ لَم يكن تقررَ الاصطلاحُ أنَّ ذلكَ للإجازةِ، وإنما كانَ قَد فشا ذلِكَ الاستعمالُ فيهم، وأمّا في هَذا الزمانِ فمتى وجدنا محدثاً قالَ: حدثني فلانٌ - مثلاً - عَن فلانٍ، فإنا نتحققُ أنَّ ذلِكَ إجازةٌ؛ لأنَّ الاصطلاحَ تقرّرَ على ذلِكَ.

قالَ شيخُنا: ((وحكمُ ((أن)) في المتأخرينَ / 134 أ / أيضاً حكمُ ((عن)) إذا لم يُحكَ بها الإخبارُ، أو التحديثُ مسنداً إلى ضميرهِ، ونحو ذلِكَ، لكنْ استعمالهُم لها قليلٌ، فإذا قالَ المحدّثُ: أخبرني فلانٌ أنَّ فلاناً قالَ: حدثنا فلانٌ، ونحو ذلِكَ، كانَ المرادُ بـ ((أنَّ)) الإخبارَ الإجمالي، وهوَ للإجازةِ، فإنْ حُكِيَ بها الإخبارُ بأن يقولَ: حدثنا فلانٌ أن فلاناً أخبرهُ، فهوَ تصريحٌ بالسماعِ، وهذا كلُّه في المشارقةِ. وأما المغاربةُ فالأمرُ عندهم مشكلٌ جداً في ((عن)) و ((حدثنا))

و ((أخبرنا)) ونحوِها؛ فإنهم يستعملونَ كلاً من ذلِكَ في السماعِ والإجازةِ، فلا يُحملُ شيءٌ منهُ على السماعِ إلا إذا صرّحَ بأنْ يقولَ:((قراءةً مني عليهِ))، أو

((حدثنا فلانٌ من لفظهِ))، أو نحوَ ذلِكَ)).

قوله: (وقَمَن بفتح الميمِ)(2) أي: ليسلمَ من السنادِ، فإنه لو كسرَ الميمَ على اللغةِ الأخرى لكانَ من سنادِ التوجيهِ، وهوَ اختلافُ حركةِ ما قبلَ الروي المقيدِ، على أنَّ مثلَ هذا السنادِ كَثُرَ في أشعارِ العربِ كثرةً، حملت بعضَ علماءِ العروضِ، على منعِ كونهِ سناداً.

(1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 226.

(2)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 226.

ص: 425