المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌87 - إدريس الأكبر بن عبد الله الكامل - إتحاف أعلام الناس بجمال أخبار حاضرة مكناس - جـ ٢

[ابن زيدان السجلماسي]

فهرس الكتاب

- ‌87 - إدريس الأكبر بن عبد الله الكامل

- ‌88 - إدريس المعروف بإدريس الأنور والأزهر والتاج والمثنى

- ‌89 - إدريس بن السلطان العادل المولى سليمان بن السلطان

- ‌90 - إدريس بن العلامة السيد التهامى أجانا

- ‌91 - إدريس بن الطيب بن محمد بن حم بن إدريس

- ‌92 - إدريس بن الطيب بن اليمانى بن أحمد بو عشرين

- ‌93 - إدريس بن أحمد بن التهامى مسامح

- ‌94 - إدريس بن أحمد الخطابى الزرهونى

- ‌95 - إدريس بن أحمد بن محمد البخارى المدعو البرنوصى المكناسى النشأة والدار والأقبار

- ‌96 - إدريس بن المكى البخارى

- ‌97 - إدريس بن الحاج حفيد برادة الفاسى

- ‌98 - إدريس بن القائد محمد بن أحمد الفيضى الأصل المكناسى الدار والأقبار

- ‌99 - إدريس بن شيخ الجماعة القراء في وقته الأستاذ البركة السيد اليزيد

- ‌100 - إدريس الوزير بن محمد بن إدريس العمراوى بن محمد بن إدريس ابن محمد بن إدريس

- ‌101 - إدريس بن الحاج بوعزة الميسورى

- ‌102 - إدريس الأمرانى بن عبد السلام بن محمد فتحا بن عبد الله

- ‌103 - الأمين: العطار دفين جبل زرهون

- ‌104 - إسماعيل: أبو النصر بن الشريف بن على الينبوعى السجلماسى الحسنى السلطان

- ‌ مدينة المهدية

- ‌ مدينة العرايش:

- ‌ مدينة طَنجة

- ‌105 - أيويس:

- ‌(حرف الباء)

- ‌106 - بوسلهام بن على بن المؤذن الخلطى البوجنونى الأصل المكناسى

- ‌107 - بو عزة بن العربى بن بوعزة المدعو الفشار، السفيانى الأصل، المكناسى النشأة والدار والقرار والإقبار

- ‌108 - بلقاسم بصرى وهو ابن محمد بن بلقاسم بن محمد الطيب

- ‌109 - بو بكر المراكشى الأصل

- ‌(حرف التاء)

- ‌110 - التهامى بن عبد العزيز المرى

- ‌111 - التهامى الغياثى

- ‌112 - التهامى أبو الفتح بن المرابط البركة السيد حمادى بن عبد الواحد المطيرى الحمادى المكناسى

- ‌113 - التهامى: ابن المهدى المزوار المكناسى النشأة والدار

- ‌114 - التهامى بن الطيب أمغار المكناسى الأصل والإقبار

- ‌115 - التهامى أجانا المكناسى الأصل والدار

- ‌116 - التهامى البورى نسبا الدرعى منشأ

- ‌117 - التهامى بن عبد القادر المركشى المدعو بابن الحداد المكناسى النشأة والدار والإقبار

- ‌(حرف الجيم)

- ‌118 - الجيلانى بن الهاشمى بن محمد بن الجيلانى بن محمد -فتحا

- ‌119 - الجيلانى بن حم البخارى المكناسى النشأة والدار

- ‌120 - الجيلانى المدعو القصعة البخارى المكناسى

- ‌121 - الجيلانى بن عزوز الرحالى من ذرية الشيخ أبى محمد رحال الكوش دفين زمران

- ‌122 - الجيلانى بن الباشا حَمُّ بن الجيلانى البخارى المكناسى الأصل والنشأة، والدار والإقبار

- ‌حرف الحاء

- ‌123 - الحسن السلطان أبو على بن السلطان سيدى محمد بن السلطان مولاى عبد الرحمن بن السلطان

- ‌الكلام على بقية علائقه السياسية

- ‌مع فرنسا

- ‌مع إسبانيا

- ‌مع إيطاليا

- ‌مع إنجلترا:

- ‌مع ألمانيا:

- ‌مع الدولة العثمانية:

- ‌مع البرتقال

- ‌مع أميريكا:

- ‌مع البلجيك

- ‌مع البابا

- ‌مؤتمر مدريد ووفقه

- ‌ضربه السكة الحسنية

- ‌اهتمامه بالمعادن وخوضه فيها

- ‌سعيه لإدخال الفنون العصرية للمملكة المغربية وإرساله وفود الطلبة للديار الأوربية

- ‌قيامه بصيانة حصون الثغور المغربية وجلب ما تحتاج إليه من المقومات الحربية واستخدام المتخرجين في الهندسة من البعثة المغربية

- ‌استعداده البحرى

- ‌ضبط أوقاته وتقسيم أيامه وترتيب نظام مملكته وذكر رجال دولته

- ‌كيفية ترتيب الملاقاة

- ‌كيفية تعمير المشور

- ‌الهيئة الرسمية وما تتألف منه

- ‌قواد الجيش العامل

- ‌قواد الحناطى البرانيين

- ‌قواد الحناطى الداخليين

- ‌ركوب السلطان للألعاب الرياضية على الخيل بنفسه

- ‌اللباس الرسمى

- ‌كيفية إجراء الأحكام المخزنية بدار المخزن

- ‌كيفية ورود سفراء الدول على السلطان

- ‌كيفيه دخول ممثلى الدول من السفر

- ‌كيفية تقديم هديته للسلطان

- ‌زيارة السلطان للأولياء

- ‌حركة السلطان من بلد إلى أخرى

- ‌كيفية نصب الافراك ومراكز المستخدمين والجيوش

- ‌كيفية خروج السلطان يوم السفر

- ‌كيفية نهوض السلطان من المحلة

- ‌كيفية مسير السلطان في السفر

- ‌كيفية دخول السلطان للمحلة

- ‌خروجه للأحكام في السفر

- ‌كيفية تموين المحلة

- ‌كيفية تفريق المؤنة اليومية على المحلة

- ‌كيفية وصول الجناب السلطانى إلى المحل المقصود

- ‌العادة في الولائم السلطانية

- ‌كيفية العقيقة

- ‌نزهة شعبانة

- ‌العادة في الجنائز

- ‌مشيخته:

- ‌بناءاته:

- ‌ما خلفه من الأولاد رحمه الله

- ‌الشريفات من نسائه

- ‌الحرائر منهن

- ‌المطلقات منهن

- ‌وفاته:

الفصل: ‌87 - إدريس الأكبر بن عبد الله الكامل

‌87 - إدريس الأكبر بن عبد الله الكامل

(1)

أحد رجال صحيح البخارى ذكره في سنده مرة واحدة في أواخره -ابن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن على بن أبى طالب، ومولاتنا فاطمة الزهراء البتول. بنت أجل نبى وأفضل رسول صلى الله عليه وعلى آله وحزبه.

حاله: ماذا عسى أن أقول فيمن كان جبريل لجده خديما، والله صلى عليه وملائكته، وأمرنا أن نصلى عليه ونسلم تسليما، واختاره على وحيه أمينا، وقرن طاعته بطاعته وجعل حبه ذخرا ثمينا. وماذا عسى يحبر اليراع. في محامد من طبقت مفاخره البقاع. ولو حاول المثنى عليه أقصى ما يحاول. فأين الثريا من يد المتناول. وبأى لسان أعرب. عن فضائل من محا آية الشرك من لوح المغرب. وأزاح ظلام الكفر والطغيان. بنور الهدى والإيمان. . ورضع عباب العلم غضا طريا. وجعل إمامه الكتاب والسنة ولم يأت شيئا فريا. وجاهد في الله حق جهاده. وصير كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله العليا وذلك أقصى مراده.

وأبوه دنية ديباجة بنى هاشم ورءوس قريش على سيادته فيهم شدت منهم الحيازم. وجده الحسن روى عنه إمامنا مالك. طائر الصيت في سائر المسالك. وقال: إنه ممن يقتدى بفعله. اعترافا منه بورعه وفضله. وأخرج له البخارى في الصحيح. ووثقه الأئمة المرجوع إليهم في التعديل والتجريح. ورث ولده المترجم المجد لا عن كلالة. وتردى برداء الوقار والجلالة. تهيأت له الخلافة العظمى. إذ رأت مكانته أفخم وأسمى. فأمهرها القبول. ونهج فيها نهج جده خير رسول.

كان في علم الكتاب والسنة من البحور الزواخر. لا تكدره المواخر بلغ مرتبة أهل الاجتهاد. وعلم جلالته ومكانته في العلم كل من ساد في أقطار البلاد.

(1) من مصادر ترجمته: الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى 1/ 208 وما بعدها.

ص: 11

حاضرها والباد. كان لا يتقيد بمذهب شأن السلف الصالح ذوى السعى الرابح. عاصر مالكا وغيره من صدور الأمة. المهتدى بهديهم في كل مدلهمة.

فر بنفسه في وقعة فَخّ التي كانت في أيام موسى الهادى بن محمد المهدى العباسى على ما قاله غير واحد من أعلام هذا الشأن، وصححه الحلبى في دره. وفَخّ بفتح الفاء وتشديد الخاء-وقد وهم من أبدل الخاء جيما، وكانت هذه الوقعة الشنعاء يوم السبت وصادفت يوم التروية سنة تسع وستين ومائة، وكان هذا الإمام العظيم المقدار ممن حضرها هو وشقيقاه سليمان ويحيى في جملة أبناء عمه وغيرهم.

ولما قتل فيها من قتل منهم ومن جملتهم شقيقه سليمان كما في "تاريخ ابن جرير" و"مروج الذهب" للمسعودى و"الدر السنى" للقادرى وفر من فر، كان صاحب الترجمة ممن فر ناجيا بنفسه وفى معيته مولاه راشد فتوجها من مكة شرفها الله إلى مصر ثم إلى إفريقية فأقاما بالقيروان مدة ثم سارا إلى تلمسان واستراحا بها أياما، ثم ارتحلا عنها قاصدين طنجة فعبرا في طريقهما وادى ملوية، ودخلا بلاد السوس الأدنى والسوس الأقصى وتجولا في جبل درن إلى أن وصلا مدينة طنجة، ثم رحلا عنها إلى مدينة وَلِيلى، ونزلا على أميرها الأوْرَبِى إسحاق بن محمد بن عبد المجيد، وذلك غرة ربيع الأول سنة اثنتين وسبعين ومائة باتفاق. قال علامة الآفاق ابن غازى في رجزه الذى ذكره في "تكميله":

وعقدت راياته في القصب

وجاءنا إدريس عام [قعب]

إلى وليلى المغرب القصى

إذ قام صنوه على المهدى

وبعد ما سم سما النجل الأبى

واختلط فاسنا لعام [قضب]

وما وقع في "الدرر البهية" من أن ذلك كان سنة سبعين وهم.

ص: 12

وقد كان الأوْربى على مذهب الاعتزال، فرغب عنه رغبة في التمذهب بمذهب هذا الإمام العظيم الشأن الذى هو مذهب أهل السنة والجماعة، فتمذهب به، قال الحلبى: صرح بذلك جمع من المؤرخين.

ثم جمع إخوانه وقبائل البربر فعرفهم بحسب ونسب هذا البضعة النبوية الطرية وما حوته من الأوصاف الحميدة وقرابتها من رسول الله، وأشار عليهم ببيعته فأجابوا بالسمع والطاعة، وكان ممن أسرع لبيعته غمارة وزواغة ولواتة وصدراتة ومكناسة ونفزة وغياثة وفى مقدمتهم قبائل أوْرَبَة أهل القوة والشوكة لذلك العهد، وكافة البرابر المخالفين لبرغواطة، فبايعوه على السمع والطاعة ولم يتخلف أحد منهم عن بيعته.

وقد اتفقوا على أن بيعته كانت سنة قدومه وهى سنة اثنتين وسبعين ومائة، واختلفوا في شهر ويوم بيعته منها.

فقيل فاتح ربيع الأول، وعليه جرى ابن أبى زرع في "الأنيس" وابن القاضى في "الجذوة" كلاهما في ترجمة الحسن ابن قاسم آخر ملوك الأدراسة.

وقيل عند دخول رمضان وعليه اقتصر البكرى، والجزنائى، والحلبى.

وقيل رابع عشر منه، وعليه جرى أولا ابن أبى زرع، وابن القاضى.

ثم بعد مبايعة الناس له قام خطيبا فقال: أيها الناس، لا تمدوا الأعناق إلى غيرنا، فإن الذى تجدون من الحق عندنا لا تجدونه عند غيرنا (1).

ثم بعد ذلك أتته قبائل زناتة وأصناف قبائل البربر وبايعوه على المنشط والمكره، فتمكن سلطانه وقوى أمره، ووفدت عليه الوفود من سائر الجهات وقصد إليه الناس من كل صوب وصقع.

ثم حشد الجيوش وخرج غازيا إلى بلاد تامسنا، ففتح أولا مدينة شالة ثم بعد سائر بلاد تامسنا، ثم سار إلى بلاد تادلا، وقد كان أكثر أهلها على دين

(1) الاستقصا 1/ 211.

ص: 13

النصرانية واليهودية والمجوسية، وكان قد بقى منهم بقية متحصنون بالمعاقل والجبال والحصون المنيعة، فلم يزل يستنزلهم ويقفو أثرهم حتى اعتنقوا الإسلام بالطوع والكره، وأباد من بقى منهم متعصبا بعد أن فتح مدائنهم ومعاقلهم.

ولما امتد نفوذه بتلك الأصقاع رجع لمدينة وليلى فدخلها في النصف الآخر من جمادى الثانية سنة ثلاث وسبعين ومائة، فأقام بقية الشهر بها، والنصف الأول من رجب.

ثم ظعن برسم غزو تلمسان، ولما وصل إليها أقام بظاهرها حتى أتاه أميرها محمد بن خزر بن صولات المغراوى الخزرى وطلب منه الأمان فأمنه وبايعه هو ومن معه بتلمسان من قبائل زناتة وغيرهم، فدخل المدينة صلحا، وأمن أهلها وبنى مسجدها وأتقنه وصنع فيه منبرًا، وكتب عليه: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هذا ما أمر به إدريس بن عبد الله بن حسن بن الحسن بن على بن أبى طالب رضى الله عنهم وعنا به.

فتم له الأمر ودانت له رقاب أهل المغرب، ونشر الإسلام فيه على يده، ولم يتفق هذا الفتح الباهر الباهض قبله لأحد حتى لعظماء القياصرة ذوى العدة والعدد والقوة والبأس الشديد، ورجع إلى وليلى وقد امتدت إمارته ما بين نهر شلف إلى وادى نفيس. وقد وفد هذا الإمام للقطر الإفريقى الوافر العمران المتعدد الشعوب والقبائل واختلاف ألسنتها وأديانها وأهوائها وآرائها وتمنعها وعصبيتها، وهم أكثر من أن يحصوا، قال ابن خلدون: وكلهم بادية وأهل عصائب وعشائر، وكلما هلكت قبيلة عادت الأخرى مكانها وإلى دينها من الخلاف والردة.

والحال أن مولانا إدريس في هذا الوطن غريب (ناء عن الأهل صفر الكف منفردا) لا زاد ولا مال، ولا استعداد ولا عشيرة، ولا تقدم له معرفة بأحوال البلاد ولا يعلم لهم لسانا، ولا يعرف منهم إنسانا، ودولة بنى العباس في عنفوان شبابها ذات سطوة قاهرة، وأساطيل متكاثرة وجيوش ذات قوة وبأس شديد، وكلمة نافذة

ص: 14

مسموعة، سوت بين الأحرار والعبيد، ولم تأل جهدا في اقتفاء أثره والرغبة في إلقاء القبض عليه، والبطش به حيثما وجد، وبالغت طاقتها في الإغراء حتى سموه في مشموم مسموم كما هو معلوم، فلم تقدر عليه، حماية وعناية من الله له، وأتاح له سبحانه من النصر والتمكين ما لم يعهد نظيره لأحد في غابر الأزمان، فاستولى على كثير من بقاع المغرب، وبدّل لغة أهلها من البربرية إلى العربية ودياناتهم العديدة إلى التوحيد الحق، فأشرقت أنوار الإيمان بأرجاء قلوبهم، وفتح به في أقرب مدة أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا، وهدى به الملايين من الخلق وأنقذهم من ظلام الإلحاد والإشراك، إلى ضياء الحق، وآثروه على أنفسهم وآبائهم وأبنائهم وإخوانهم وعشائرهم.

وقد غزاهم قبله من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا فلم يأخذهم رواؤه، ولا نجح فبهم دواؤه، إذ قد عاد وأبعده للثورة والردة حتى قال ابن خلدون نقلا عن ابن أبى زيد: ارتدت البرابر بالمغرب اثنتى عشر مرة ولم تستقر كلمة الإسلام فيهم إلا لعهد ولاية موسى بن نصير فما بعده.

ويعجبنى هنا قول صديقنا العلامة الحافظ الشريف السيد المدنى بن الحسنى الرباطى من قصيدة (1) في عظماء المغرب مما أملى في حفلة مدرسية عام 1341 هـ.

(1) في هامش المطبوع مطلعها.

بنى قومى أفيقوا من منام

وجدوا في المعالى باهتمام

فما نيل المعالى بالتوانى

ولكن بالعزيمة والنظام

لقد كنا وكان العرب قدما

هداة الخلق من سام وحام

أناروا الكون والأقطار طرا

بهدى لاح فجرا في ظلام

وكنا حائزى قصبات سبق

بميدان المكارم في الزحام

لقد سادوا وساسوا الملك دهرا

بمصر والعراق مع الشام

وأندلس ومغربنا وصين

وسودان وهند باعتزام

فسل فاسا وقرطبة ومصرا

تنبيك أو فسل دار السلام

وسل غرناطة الحمرا وشاما

وتونس حيث تونس بالمرام وفاز الغرب. . إلخ.

ص: 15

وفاز (الغرب) بالقدح المعلى

إذا استبق الجميع إلى السهام

فـ (طارق) قد بدا علما تسامى

بحد سنانه وظبا الحسام

قد اعترفت شعوب الأرض طرا

بفضل من مآثره الجسام

وحاز لسان صدق في البرايا

تضوع نشره بعد الرجام

ألست تراه يعرض كل حين

أساطيل العباد على الدوام.

و (موسى) قد تسامى في سماء

بنشر العدل فينا والسلام

وأحيا دارسا (إدريس) لما

بدا فينا كتاج فوق هام

له فضل عظيم ليس يحصى

على أبناء مغربنا العظام

به الإسلام قر في قراه

وأعطته البرابر بالزمام

وأتباع الهداة على هداهم

بميزان لهم بعد الحمام

وسل سليله (إدريس) سيفا

لإرغام العداة على الرغام

بنى (فاسا) فكان العلم فيها

ينير لنا دياجير الظلام

فكم حبر وكم بحر تسامى

ومد عبابه كالبحر طام

وإن (الجامع القروى) فينا

كنبراس يضئ لذى اعتصام

به للمغربى على سواه

فخار لا كفخر بالوسام

جميع مدارس الدنيا تبدت

متابعة كتلو للإمام

وقد ضربت له آباط إبل

لشيخ أو لكهل أو غلام

ومن آفاق (أوروبا) خصوصا

بنى التاميز من فرط الغرام

وراهب (رومة) قد رام فيه

علوم الكون من دون انتقام

ص: 16

أقر بذا الجحود وليس يخفى

(هلال)(1) الأفق من تحت القتام

وإن الحق ما شهدت عداه

أقر الخصم من بعد الخصام (2)

انتهى الغرض.

(1) في هامش المطبوع: "جاء في مجلة (الهلال) المصرية منذ ثلث قرن بتاريخ عام 1315 آخر المجلد الأول (508) أن "أقدم مدرسة كلية في العالم أُنشئت ليست في أوروبا كما كان يظن بل في إفريقيا في مدينة (فاس) عاصمة بلاد المغرب سابقا إذ تحققت بالشواهد التاريخية أن هذه المدرسة كانت تدعى (كلية قيروان) وأسست في الجيل التاسع للميلاد وعليه فهى ليست فقط أقدم كليات العالم بل هى الكلية الوحيدة التي كانت تتلقى فيها الطلبة العلوم السامية في تلك الأزمنة حيث لم يكن سكان باريز وأكسفورد وبارو وبولونيا يعرفون من الكليات إلا الاسم ولذلك كانت الطلبة تتوارد إلى كلية قيروان من أنحاء أوروبا وإنكليز فضلا عن بلاد الغرب الواسعة للانخراط في سلك طلابها وتلقى العلوم السامية باللغة العربية مع الطلبة الطرابلسيين والتونسيين والمصريين والأندلسيين وغيرهم. ومن جملة من تلقى علومه في هذه الكلية من الأوروبيين (غربرنا) والبابا (سلفستر) وهو أول من أدخل إلى أوروبا الأعداد العربية وطريقة الأعداد المألوفة بعد أن أتقنها جيدا في الكلية المذكورة كما يظهر من رسالته إلى الإمبراطور أتون مساعده التي أتى فيها على ذكر الصفر بقوله إنى أشبهك بالرقم الأخير من الأعداد البسيطة العشرة التي يزداد قيمة بوضع أعداد أخرى عن يساره ثم أبدى أسفه على حالتها الحاضرة ووصفه لما هى عليه الآن. أما قول العلامة الأستاذ فريد وجدى في كنز العلوم واللغة (532) أن "الأزهر هو أقدم مدرسة في العالم، بعد مدرسة بولونيا بإيطاليا" فهو خلاف الواقع كما ترى من الكلام السابق. وهو مجد سامق (والفضل للمتقدم) فإن القرويين بفاس بنته القانتة الصالحة أم البنين السيد فاطمة بنت محمد الفهرى القيروانى يوم السبت فاتح رمضان سنة (245) لما قدمت مع أبيها وإخوتها في وفد القيروان على مولانا إدريس بانى فاس وأن الأزهر بمصر بناه القائد جوهر يوم السبت 24 جمادى الأولى سنة 359 فالقروين أقدم من الأزهر بمائة سنة وأربعة عشر سنة.

(2)

تمامها:

و (يوسف) صاحب الحمرا تبدى

بأندلس إلى رعى الذمام

أجاز إلى الجزيرة إذ دعته

طوائفها فأحيا كالغمام

و (يعقوب) ذو رباط الفتح لها

تمادى المعتدون في الانتقام=

ص: 17

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= فكان جوابه ما قد رأوه

من البطش القوى المستدام

وقد سالت بطاح الأرض طرا

بنبال وسياف ورام

وصب على الأعادى في البادى

سياطا من عذاب كالضرام

ومد (أبو عنان) عنان عزم

إلى العلياء مرفوع المقام

وفى وادى المخازن قد تراءى

لنا (المنصور) يزأر كالهمام

و (إسماعيل) كم أبدى وأسدى

وأهدى من مفاخره الفخام

فطنجة والعرائش في ثغور

بدت تفتر منه بابتسام

وما علماؤنا إلا معين

معين نافع لكل ظامى

ففى الحمراء عياض حفيد

سهيليهم بدور في تمام

كذا القاضى أبو بكر بفاس

تراءى لنا بعيدا عن ملام

وعباس بن فرناس تسامى

وحلق في الفضاء بلا مسامى

وإن الجوهرى سما بريش

إلى العلياء معتدل القوام

فكونوا خلفهم خلفا حميدا

يجدد ما تناثر من نظام

وكونوا مثلهم فضلا ومجدا

فينجو الكل من موت زُؤَام

"فليس تزال طائفة بغرب"

بفضل الله قائمة السنام

كما جاء الحديث بذا صريحا

عن المختار مولانا التهامى

فمسلم في الصحيح روى فأضحى

صحيحا عندنا دون اتهام

وكونوا في خلائفكم كروض

تأرج من غرار أو بشام

وقد بعث النبى لنا إماما

لتتميم المكارم بالتمام

وفى شعب الإيمان غناء

لمن يغنى بحل عن حرام

وإن حياءَنا منها فكونوا

كعذراء الخدور من احتشام

وإن قواعد الإسلام منها

كأركان البنا دون انهدام

فكونوا حافظين لها دواما

وإلا فالجميع إلى انعدام

تحلوا من خصال الخير طرا

بأخلاق حسان كالوئام

وإنصاف وحلم ثم صفح

ونصح خالص بذل السلام

وإغضاء وصبر مع وفاء

وإقلال الشراب مع الطعام

محبة كل ذى دين وعلم

ومعرفة وهجران الطغام

ص: 18

ولا يعزب عن علمك أن مولانا إدريس ممن جاء بعد ابن نصير وأنه وجد قبائله أى المغرب ذات عقائد زائغة، وبدع فاشية، وأن استقرار الإسلام فيهم إلى الحين الحالى إنما هو على يد هذا الفاتح الأعظم، الذى هو أول قادم من آل البيت المطهرين من الرجس تطهيرا لقطرنا المغربى، وذلك فضل عظيم يعظم به مجده، ويطول به باعه، والمرء في ميزانه اتباعه.

وهو من تابعى التابعين على الصحيح وقيل من التابعين وعليه جرى بعض قدماء العلماء الذين مدحوه حيث قال:

زرهون أشرف ما في الأرض من بقع

إذ فيه قبر عظيم من ذوى الكرم

وذاك قبر الإمام التابعى الذى

من آل بيت الرسول سيد الأمم

إدريس أفضل خلق الله فيه إذا

وهو الإمام لهم في الحشر والعلم

وضرب السكة بتدغة عام أربعة وسبعين ومائة نقش في وسط وجه منها لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وبدائرته باسم الله ضرب هذا الدرهم بتدغة سنة

= وبر الوالدين لكم أكيد

لتربية لنا قبل الفطام

ذروا كل القبائح والدنايا

وأخلاق قباح من لئام

ككبر أو كعجب أو ككذب

وبهتان وإكثار كلام

وحقد غيبة حسد وهجر

وتطبيع الزمان من المنام

فإن الوقت فينا سيف قطع

فإن لم تقطع جاء بالفصام

دعوا فخرا بما يفنى ويبلى

ولا يبقى جديدا كل عام

فليس الفخر إلا لذى علوم

فقيمته به بين الأنام

فجدوا في العلوم بلا توان

ولا ضجر كفعل المستهام

وليس العلم سهلا دون كد

وليس ينال إلا لذى دوام

وإنا نسأل المولى حظوظا

توافينا على طرف الثمام

ونسأله السلامة كل حين

وتوفيقا إلى حسن الختام

ص: 19

174، ونقش في وجه صورة هلال، ثم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتحت ذلك على ثم مما أمر به إدريس بن عبد الله: جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا انتهى.

رأيت هذه السكة من فضة وزنها أكرمان اثنان وتسع وستون 2، 69 - وعلى ذكر هذه السكة الإدريسية أذكر كلاما لصاحب "الدوحة المستكة في أحكام دار السكة" ونص الغرض منه:

الفصل الأول في أول من ضرب الدينار والدرهم قبل الإسلام وبعده وأول خليفة كتب اسم الله تبارك وتعالى وعين الأماكن لضربها وشدد في تخليصها. قال القاضى أبو الحسن بن لبال في شرحه "لمقامات الحريرى": إن الناس في أول الزمان كانوا يتبايعون بالعروض فيما بينهم كالحنطة والشعير والحبوب والفواكه وما أشبه ذلك، فشكوا إلى ملكهم ما ساءهم من ذلك وما يخافون من إتلاف أموالهم إن بقوا على هذه الحالة، فأمرهم أن يختاروا ما لا يفسد على مكث الزمان، فاختاروا حجر الذهب الذى هو أبقى جواهر الأرض، وكلما بقى تحت الأرض صلح وطاب، وكلما دخل النار تخلص وحسن، وأمر بضرب الدنانير وطبعها بطابع الملك، ونهى أن تفسد وأن يكسر طابعها، وأن من فعل ذلك تقطع. يده يريد على سنّتهم، وأخبروه أيضا أنهم يحتاجون إلى ما لا يفى ثمنه بقيمة الدينار بأقل منه أو من أجزائه مما لا بد لهم من مصلحة أنفسهم من شراء الحوائج، فأمرهم باختيار حجر آخر دون الذهب يكون قيمة الدينار منه عشرة دراهم، فاختاروا الفضة وضرب منها الدرهم، وطبعه بطابع الملك فكانت قيمة العشرين دينارا مائتى درهم.

ولم تزل الروم تستعمل الدنانير والفرس تستعمل الدراهم حتى جاء الإسلام فكان الناس يستعملون ذلك إلى زمن عبد الملك بن مروان، فضرب الدنانير والدراهم وكتب على الدنانير: الله أحد، وكانت قبل ذلك لا كتب عليها، وكتب على الدراهم كذلك.

ص: 20

وكانت الدراهم في أيام الفرس مختلفة على ثلاثة أوزان، منها درهم على وزن المثقال عشرون قيراطا، ودرهم على وزن عشرة قراريط، فلما جاء الإسلام واحتيج إلى تقدير الزكاة أخذ الأوسط من جميع الأوزان الثلاثة وهى اثنان وأربعون قيراطا، فاتفقوا على أن يكون الدرهم على وزن أربعة عشر قيراطا من قراريط المثقال، والمثقال أربعة وعشرون قيراطا كل قيراط من ثلاث حبات، وأربعة وعشرون في ثلاثة، اثنان وسبعون فهو من اثنين وسبعين حبة.

ومن البرى لوتيمة بسنده عن ابن عباس، قال: إن أول سكة وضعت في الأرض الدنانير والدراهم وضعها ثمود بن كنعان، وكان الناس يتبايعون قبل ذلك بالتبر من الذهب والفضة، فلما ضربت الدراهم والدنانير نخر إبليس نخرة وقبض عليها في يده وقبلها، وقال: استمسكت من بنى آدم، بكما يقطعون الأرحام ويسفكون الدماء ويظلم بعضهم بعضا.

وقيل: إن عمر بن الخطاب رضى الله عنه لما رأى اختلاف الدراهم نظر إلى أغلب ما يتعامل الناس فيه من أعلاها وأدناها، فجعل منها اثنى عشر دانقا، وأخذ نصفها فكانت ستة دوانق، فمتى زدت على الدرهم ثلاثة أسباعه كان مثقالا، ومتى نقصت من المثقال ثلاثة أسباعه كان درهمًا.

وكان الفرس عند فساد أمورهم قد فسدت نقودهم، والنقد هو الخالص من الذهب والفضة، فاتسع فيه حين جعل المعجل من كل مدفوع نقدًا من كل شئ فميز المغشوش من الخالص.

وقد اختلف في أول من ضربها في الإسلام، فقيل: عبد الملك بن مروان وكانت حينئذ الدنانير من ضرب الروم، والدراهم من ضرب الفرس كسرى وحمير، وكانت قليلة فأمر عبدُ الملك بن مروان الحَجَّاجَ بضربها سنة أربع وسبعين من الهجرة، وقيل خمس وسبعين، وكتب عليها: الله أحد الله الصمد.

ص: 21

ثم ولى ابن هبيرة في أيام يزيد بن عبد الملك فضربها أجود مما كانت، وشدد في تجويدها، ثم ضربها بعده يوسف بن عمر فأفرط في تجويدها فكانت الهبيرية والخالدية واليوسفية أجود دراهم بنى أمية، وكان المنصور لا يأخذ في الخراج غيرها.

وقيل: إن أول من ضربها مصعب بن الزبير عن أمر عبد الله بن الزبير سنة سبعين على ضرب الأكاسرة، وعليها بركة من جانب والله من جانب، ثم غيرها الحَجّاج وكتب عليها بسم الله في وجه، وفى وجه الحَجّاج. انتهى.

وقال: أول من ضرب السكة المركنة أبو عبد الله المهدى القائم بأمر الموحدين، وكانت الدراهم قبل ظهور الدولة الموحدية كلها مدورة، فأمر المهدى وعهد إلى خليفته عبد المؤمن أن تكون دراهمه مركنة فكانت كذلك إلى أن قال: وكان بمدينتى فاس القرويين والأندلسيين دار سكة فنقلهما الخليفة أبو عبد الله الناصر بن المنصور الموحدى إلى دار أعدها بقصبتها حين بناها سنة ستمائة، وأعد بها مودعا للأموال المندفعة بها ولطوابع سكتها وغالبا ما كان يسبك به الذهب.

تنبيه: ما قدمته من أن مولانا إدريس هو أول آل البيت دخولا للمغرب به صرح غير واحد وأطلق، ولا إشكال في كونه كذلك بالنسبة للمغرب الأقصى، وأما غيره فقد وقع في "حجة المنذرين" أنه سبقه إلى دخول المغرب الأدنى أخوه سليمان هـ.

أقول: ويرده قول ابن خلدون: وأما سليمان أخو إدريس الأكبر فإنه فر إلى المغرب أيام العباسيين فلحق بجهات تاهرت بعد مهلك أخيه إدريس. انتهى.

وقال قبل هذا ولحق به -يعنى الإمام إدريس الأكبر- من إخوته سليمان، ونزل بأرض زناتة من تلمسان ونواحيها، ونذكر خبره فيما بعد. انتهى.

ص: 22

يشير إلى ما قدمنا بعضه عنه آنفا ونحوه لابن أبى زرع، وهو صريح في أن دخول مولاى سليمان للمغرب متأخر عن دخول شقيقه المترجم، لكن ينافى ذلك ما أسلفناه عن ابن جرير والمسعودى وغيرهما من كون المولى سليمان كان من جملة قتلى فَخّ، ومثله نقله الحلبى عن سبط ابن الجوزى، ويوافقه ما نقله الحلبى أيضا عن ابن حزم ومصعب، من أن الذى أتى تلمسان هو ابن سليمان محمد لا أبوه سليمان، وكذا ما نقله عن "بحر الأنساب" من أن محمد بن سليمان هو الذى خرج مع عمه المترجم إلى تلمسان. فدخول سليمان إلى المغرب مختلف فيه، قال الحلبى: والصحيح دخوله إياه لاتفاق مؤرخى المغرب عليه كالتنسى، وابن خلدون، وابن أبى زرع، وصاحب المسالك، ونقل عن النوفلى ذلك أيضا وهو محقق في التاريخ. انتهى.

قلت: أما ابن خلدون وابن أبى زرع فكلاهما صريح في أن دخول سليمان للمغرب متأخر عن دخول أخيه الإمام إدريس، فلا شاهد فيه لمن ادعى الأولية لسليمان وإن كان شاهدًا لأصل الدخول، وأما كلام المسالك فقد وقفنا عليه في أصله فوجدناه صريحا فيما قصده الحلبى من أصل الدخول محتملا للتأخر والتقدم، وهو في الأول أظهر واعتماده في ذلك على كلام النوفلى لنفله له واقتصاره عليه في ترجمة مدينة فاس، ومن جملة ما اقتصر عليه في هذه الترجمة أن سليمان نزل مدينة تلمسان مع أنه فيما قدمه في ترجمة تلمسان اقتصر على قوله: نزلها محمد بن سليمان بن عبد الله بن حسن. انتهى. فاقتصر على أن النازل بها هو ولده محمد وبه يسقط احتجاج "الدر النفيس" بما في المسالك.

وفى "العرف العاطر" لأبى محمد عبد السلام القادرى جد صاحب "النشر" ما نصه: بويع له -أى لسليمان- بتلمسان فيما قيل، ثم قال: وقال مصعب: إن سليمان المذكور قتل بفخّ، قال: وكان ولده محمد خرج إلى المغرب، ومصعب أعرف بهذا الشأن من غيره إذ كان معاصرًا له ومن أهل أرضه وبلاده ونحوه لابن حزم والأزورقانى. انتهى.

ص: 23

وبطرته بخط صاحب النشر ما صورته ما حكاه بقيل من أن سليمان بن عبد الله دخل المغرب ونزل بتلمسان هو الذى عند التنسى في نظم الدر والعقيان، وابن خلدون في كتاب العبر، وابن أبى زرع في الأنيس وأبى عبيد البكرى في المسالك.

قلت: التنسى تابع لابن خلدون، فإن كل ما في كتابه مأخوذ منه إلا أنه لا يسميه، وابن خلدون تابع لصاحب الأنيس فكثيرا ما ينقل عنه ويصرح به ويعتْمده، وصاحب الأنيس تابع لصاحب المسالك فكثيرًا أيضا ما يعتمده وينقل عنه، وصاحب المسالك نقله عن النوفلى عن عيسى بن حيون قاضى أرشقول ولم نعثر على من قال إن هذا كان من الحفاظ فالصحيح المعتمد أن الداخل للمغرب هو محمد بن سليمان كما قاله الحفاظ الثلاثة النسابون: مصعب الزبيرى، وابن حزم، والأزورقانى. انتهى، من خط عم والدنا. انتهى، ما وجدته بخط صاحب النشر طرة المحل المذكور من كتابه المذكور.

وقد رام في "حجة المنذرين" الجمع بين الخلاف في هذا المقام فقال: إن دخول مولاى سليمان المغرب كان صدر القرن الثانى فرارًا من أبى جعفر المنصور، ثم استخلف ولده في عين الحوت ورجع للحجار لأخذ الثأر زمن الهادى العباسى فاستشهد في وقعة فخ، ومن قال: إن مولانا إدريس أول داخل للمغرب يعنى المغرب الداخلى الأوسط فلا ينافى تقدم دخول عمه إلى المغرب الأدنى. انتهى.

وعليه ملاحظات:

الأولى: أن هذا الجمع لا يتأتى على قول ابن خلدون ومن وافقه إن دخوله للمغرب متأخر عن دخول شقيقه الإمام إدريس، ولا على قول مصعب وابن حزم، وابن جرير، والمسعودى ومن وافقهم أنه لم يدخله أصلا.

الثانية: أن قوله تقدم دخول عمه سهو وصوابه أخيه.

ص: 24

الثالثة: أن جعله تلمسان وما حوله من المغرب الأدنى خطأ بل ذلك عندهم من المغرب الأوسط، بل تلمسان هى قاعدته كما في "جنى زهر الآس" و" الدر النفيس" وأصله لابن خلدون وغيره، وقد قدمنا ما بين ابن خلدون وغيره من الخلاف في تفسير المغارب.

وفاته: اختلفوا في سنة وفاته، فقيل: سنة خمس وسبعين ومائة، وعليه جرى النوفلى، وابن خلدون، والبكرى، والتنسى، والجزنائى، وابن قنفذ وهو المرقوم في المشهد الإدريسى، وقيل: سنة ست وسبعين ومَائة وبه صدر في "الجذوة" ولم نره لغيره، وقيل سنة سبع وسبعين ومائة وعليه اقتصر ابن أبى زرع والحلبى وغيرهما.

واختلفوا أيضا في شهر ويوم وفاته فقيل: فاتح ربيع الأول وعليه اقتصر في "الدر النفيس" ولم نره لغيره، وقيل: منسلخه وعليه اقتصر في "الجذوة" وقيل مفتتح ربيع الثانى وعليه اقتصر ابن أبى زرع ونحوه للكلبى في "الأنور" وقيل منسلخه وعليه اقتصر البكرى والجزنائى.

وعلى ذلك انبنى قدر مدة الخلافة لهذا الإمام فعلى أن البيعة في سابع ربيع الأول والوفاة في منسلخ ربيع الثانى من عام سبعة وسبعين، وهذا أقصى الأقاويل المتقدمة تكون مدة الخلافة خمس سنين وأربعا وخمسين يوما.

وعلى أن البيعة في أول رمضان، والوفاة في منسلخ ربيع الثانى سنة سبع وسبعين، تكون المدة أربع سنين وثمانية أشهر.

وعلى أن البيعة رابع عشر رمضان والوفاة منسلخ ربيع الثانى سنة سبع وسبعين، تكون المدة أربع سنين وسبعة أشهر وسبعة أو ستة عشر يوما، فالأول على كمال شهر البيعة، والثانى على نقصانه.

ص: 25

وعلى أن البيعة سابع ربيع الأول والوفاة منسلخ ربيع الثانى سنة خمس وسبعين تكون المدة ثلاث سنين وشهرين اثنين عدا ستة أيام.

وعلى أن الوفاة في متم ربيع الأول من سنة خمس وسبعين والبيعة سابع ربيع الأول، تكون المدة ثلاث سنين عدا خمسة أو ستة أيام.

وعلى أن البيعة فاتح رمضان والوفاة منسلخ ربيع الثانى عام خمسة وسبعين، تكون المدة سنتين اثنين وثمانية أشهر.

وعلى أن البيعة فيما ذكر والوفاة فاتح ربيع الثانى سنة خمس وسبعين، تكون المدة سنتين اثنتين وسبعة أشهر ويوما واحدًا، وإن كانت البيعة فاتح رمضان والوفاة منسلخ ربيع الأول سنة خمس وسبعين، تكون المدة سنتين اثنتين وسبعة أشهر لا غير.

وعلى أن البيعة فيما ذكر والوفاة فاتح ربيع الأول سنة خمس وسبعين، تكون المدة سنتين اثنتين وستة أشهر ويوما واحدا.

وعلى أن البيعة في رابع عشر رمضان والوفاة في منسلخ ربيع الثانى سنة خمس وسبعين، تكون المدة سنتين وسبعة أشهر، وستة أو سبعة عشر يوما.

فإن كانت الوفاة فاتح ربيع الثانى والموضوع بحاله كانت المدة سنتين اثنتين وستة أشهر وسبعة أو وثمانية عشر يوما.

فإن كانت الوفاة في منسلخ ربيع الأول والموضوع بحاله، كانت المدة سنتين اثنتين وستة أشهر وستة أو سبعة عشر يوما.

فإن كانت الوفاة فاتح ربيع الأول والموضوع بحاله، كانت المدة سنتين اثنتين وخمسة أشهر وثمانية أو سبعة عشر يوما.

فهذه تفاصيل المدة التي انبنت على الخلاف في تاريخى البيعة والوفاة وقد علمت أن أقصاها خمس سنين وأربعة وخمسون يوما، ومنه يعلم أن ما وقع في "الجذوة" و"الدر النفيس" من أن المدة خمس سنين وسبعة أشهر، إنما هو غلط

ص: 26