الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
محض مخالف للأقوال كلها، وقد نبه على غلطهما في "سلوة الأنفاس" وإن لم يستوعب ما فصلناه.
88 - إدريس المعروف بإدريس الأنور والأزهر والتاج والمثنى
.
بانى فاس ودفينها رضى الله عنه وأرضاه.
حاله: كان إماما راوية عارفا بأحكام السنة والكتاب، واقفا عند حدهما مؤتمرًا بأوامرها، منزجرًا بزواجرها، قائما بحدود الله لا تأخذه في الله لومة لائم، غضبه في الله ولله ورضاه كذلك، أمَّارًا بالمعروف نهَّاءً عن المنكر، ورعا جوادا كريما شهما صنديدا، سياسيا ماهرا مقتدرا، فصيحا بليغا، ناظما ناثرا ذا عقل راجح وحلم واسع، وإقدام في مهمات الأمور وحزم وصرامة، يباشر الحروب بنفسه، ويبلى البلاء الحسن، مع ثبات جنان ورسوخ قدم، وطلاقة وجه وبشر وارتياح عند لقاء العدو وفى ميادين القتال وخصوصا إذا حمى الوطيس.
بويع له وهو ابن إحدى عشرة سنة، وذلك يوم الجمعة غرة ربيع الأول سنة ثمانية وثمانين ومائة، وقيل سابع ربيع الأول. قيل الذى أخذ له البيعة هو راشد مولى والده وكافله ومربيه، وقيل: مات راشد قبل أخذ البيعة له، والذى أخذ له البيعة هو أبو خالد يزيد بن إلياس العبدى.
ولما بويع له صعد المنبر وخطب الناس، فقال: الحمد لله، أحمده وأستعين به وأستغفره وأتوكل عليه وأعوذ بالله من شر نفسى ومن شر كل ذى شر، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله أرسله إلى الثقلين بشيرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، صلى الله عليه وسلم وعلى آل بيته الطاهرين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا.
أيها الناس، إنا قد ولينا هذا الأمر الذى يضاعف للمحسنين فيه الأجر وللمسئ الوزر ونحن والحمد لله على قصد جميل، فلا تمدوا الأعناق إلى غيرنا،
88 - من مصادر ترجمته: جذوة الاقتباس 1/ 160.
فإن ما تطلبونه من إقامة الحق إنما تجدوه عندنا، ثم دعا الناس إلى بيعته وحضهم على التمسك بطاعته، فتعجب الناس من فصاحته ونبله وقوة جأشه وثبوت جنانه على صغر سنه، ثم نزل فسارع الناس إلى بيعته وازدحموا عليه يقبلون يديه فبايعه كافة قبائل المغرب، من زناتة وأوروبة وصنهاجة وغمارة وسائر قبائل البربر فتمت له البيعة وتوطد له الملك وقويت جنوده وعظم سلطانه وأشياعه، وصارت الوفود تنسل إليه من كل حدب، وقصد الناس إليه من كل مكان من بلاد إفريقية والأندلس، فسر بذلك سرورا زائدًا وأكرم وفادتهم واصطفاهم وقربهم إليه، وركن إليهم.
فمن الوافدين عليه: عمير بن مصعب، وعامر بن محمد بن سعيد القيسى الفقيه الورع وأبو الحسن عبد الله بن مالك الخزرجى، وداود بن القاسم بن إسحاق ابن عبد الله بن جعفر بن أبى طالب استوزر الأول واستقضى الثانى واستكتب الثالث وقرب الرابع من دسته وخالطه بنفسه واصطفاه لأنسه.
ثم لما تبحر استعمار الوافدين عليه من المشارق والمغارب وضاقت بهم مدينة وليلى اشترى مواضع أرض فاس من ملاكها بستة آلاف درهم ودفع لهم الثمن وأشهد عليهم بذلك، وشرع في بناء المدينة يوم الخميس غرة ربيع الأول عام اثنين وتسعين ومائة، قيل: كان يعمل فيها بيديه مع الصناع والفعلة والبنائين تواضعا منه لله تعالى ورجاء الأجر والثواب. أسس أولا عدوة الأندلس وسورها، وبعدها بسنة أسست عدوة القرويين، ولما فرغ من بناء المدينة انتقل إليها واستوطنها واتخذها دار ملكه ومقر كرسى إمارته.
وفى سنة سبع وتسعين ومائة خرج لتمهيد البلاد ومحو آثار دعوة الخوارج من الصفرية ومذهب الواصلية الذى كان سائدا ومنتشرا، فوصل إلى سوس واحتل مدينة نفيس ودخل في حزبه قبائل المصامدة وحارب قبائل برغواطة أهل تامسنا، ثم عقد معهم الصلح ورجع لفاس.
وفى سنة تسع وتسعين ومائة خرج لتمهيد البلاد الشرقية فدخل تلمسان، وخضع لإمامته ملوك بنى خزرج من مغراوة واعترفوا بإمامته، وأقام بتلمسان ثلاثة أعوام فنظر في أحوالها وأصلح أسوارها وجامعها وصنع فيها منبرًا، ثم رجع إلى مدينة فاس فلم يزل بها إلى أن توفى.
مشيخته: أخذ عن مولاه راشد، وعامر بن محمد بن سعيد القيسى الفقيه الصالح الورع، سمع من مالك، وسفيان الثورى، وروى عنهما كثيرا أخذ عنه موطأ مالك وأخذ عن غيرهما.
شعره: من ذلك قوله رضى الله عنه فيما رواه عنه أبو هاشم داود بن قاسم الجعفرى:
لو مد صبرى بصبر الناس كلهم
…
لكل في روعتى أو ضل في جزعى
بَانَ الأحبة فاستبدلت بعدهم
…
همًّا مقيما وشملا غير مجتمع
كأننى حين يجرى الهم ذكرهم
…
على ضميرى مجبول على الفزع
تأوى همومى إذا حركت ذكرهم
…
إلى جوانح جسم دائم الهلع
وقوله:
أبهلول (1) قد شممت نفسك خطة
…
تبدلت منها عولة (2) برشاد
أضلك إبراهيم من بعد داره
…
فأصبحت منقادا بغير قياد
كأنك لم تسمع بكيد ابن أغلب
…
غدا آخذا بالسيف كل بلاد
ومن دون ما منتك نفسك خاليا
…
ومناك إبراهيم شوك قتاد
(1) في هامش المطبوع: "بهلول هذا هو داعية الخوارج وعالمهم كان ممن بايع مولاى إدريس والد المترجم".
(2)
في هامش المطبوع: "أى جورا وميلا عن الحق".