الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
استعداده البحرى
واتفق مع حكومة إيطاليا على صنع مركب حربى للدولة الشريفة بطرسخانة "الأخوات أورلانضو" الموجودة بـ "ليفورنو" من تلك البلاد وسمى هذا المركب البحرى الماخر ببشير الإسلام، بخوافق الأعلام.
ومما يتعلق بصنع هذا المركب الحربى ما جاء في كتاب وزير الخارجية الحسنية لوزير الخارجية الطليانية "إكريسبى" بتاريخ جمادى الثانية سنة 1308 أنه: وصلنا كتابكم بأن المركب الحربى الذى تصنعه دولتكم الفخيمة على يدها للحضرة الشريفة أعزها الله يكون في كفالة الله وكفالة دولتكم المحبة، ويكون استخدامه على يدها، غير أنه لا يمكن أن يبقى دائما مسافرا في البحر، ولابد من توجهه للساحل حين يكون في البحر الهيجان، وجعل مرسى حربية له يكون فيها أمان من ذلك وغيره وهذه المرسى التي تجعل له يكون يتوجه إليها المركب والمراكب الشريفة لتجديد الفحم وقوت البحرية وركوب الدائرة الشريفة منها التي تريد السفر في المركب المذكور.
وأن دولتكم صرفت همتها لهذا الغرض لما فيه من المصلحة الواضحة ولكون هذا المركب في كفالة الله وكفالتها ورياسه طليانيون واستخدامه على يدها وعهدته عليها، ولا يمكن جعل هذه المرسى البحرية على وجه حسن إلا على يد من لهم المعرفة التامة بمثل ذلك كالمهندسين الطليانيين وأن الكبير جنتينى ينوب عنكم وعن المنسطر كنطاغلى في بيان المسائل للحضرة الشريفة المتعلقة بهذا الغرض، وأشرتم بتصديقه في ذلك وقبوله منه لكونه صدوقا محبا في الجانبين.
وأطلعت بكتابكم شريف علم مولانا نصره الله فاعترف أعزه الله باعتنائكم الدال على محبتكم ومحبة دولتكم الصادقة، وقد بين الكبير جنتينى للحضرة
الشريفة المواضع التي تصلح لجعل المرسى الحربية بها التي نبهتم عليها، وأشار بأن يكون يصنع للحضرة الشريفة ما تريده من المراكب الحربية في المستقبل ببلادكم، فأمرنى مولانا نصره أن نجيبك عن ذلك بأن المصلحة الوقتية اقتضت عدم الاشتغال ببناء التحصينات الحربية كما لا يخفى على العقلاء أمثالكم حسبما شافهت به حضرته الشريفة نائبكم المذكور.
وأما المراكب الحربية فأجاب عنها سيدنا أيده الله بأن الذى يمكن سيادته ويعطيكم القول به هو أن لا يصنع مركب آخر قبل وجود هذا الذى يصنع على يدكم، وإذا كمل ووجد ولم تحصل به الكفاية يصنع ما يراد من ذلك حيث يشاء الله ويختار، إذ لا اختيار للعبد مع مولاه.
وتصلكم سكين مذهبة من عمل هذه الإيالة السعيدة على يد المحب المنسطر الكبير كنطاغلى إكراما لكم من الحضرة المولوية.
وإليك نص ظهير شريف عزيزى يتضمن الأوامر المولوية لرجال المركب المذكور بالقيام بوظائفهم الدينية والبحرية نقلا عن كناشة الفقيه السيد محمد بن المعطى بنونة الرباطى الكاتب الأول بالمالية في العهدين الحسنى والعزيزى والكاتب العام للوفد المغربى في مؤتمر الجزيرة بعد ذلك.
"يعلم من كتابنا هذا لا زالت سفائن الصلاح به في بحار السعادة جارية، وكواكب الإقبال منه للمسترشدين هادية، أننا بحول الله شامل الطول والإنعام، وجاعل الجوارى المنشآت في البحر كالأعلام، أسندنا النظر لخديمنا الأرضى النائب الحاج محمد بن العربى الطريس في أمور مركبنا الحربى السعيد. المحفوف برياح الظفر والتأييد، المسمى بشير الإسلام بخوافق الأعلام، وكلفناه برد البال لجماعة المسلمين المرتبين فيه من رؤساء وأعيان ونوتية، وعسكر وخدام وبحرية، وأمرناه أن يلزمهم القيام بما كلفوا به من العمل ورتبوا عليه، وامتثال أمر كبيرهم فيما يدعوهم
بحكم المصلحة إليه، وأن يحملهم على الواجب عليهم من إقامة شعائر الدين، والاعتصام بتقوى الله التي هى سنن المهتدين، والتحفظ على الصلوات في أوقاتها، والتمسك بطاعة الله ورسوله والتعرض لنفحاتها، وعدم التهاون بعمل من أعمال الديانة، وترك التكاسل في كل ما يقتضى النصيحة والأمانة، حتى لا يدخلهم تفريط في أمر من قواعد الإسلام ولا يشينهم اختلال عمل في طاعة وصلاة وصيام، وليبقى حزبهم بكمال الإسلام منعوتا، ويكونوا موفين بقوله تعال:{إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا (103)} [النساء: 103]. ففى الحديث الشريف: موضع الصلاة من الدين كموضع الرأس من الجسد، وعن عبادة بن الصامت قال: أوصانى خليلى صلى الله عليه وسلم بسبع خلال قال. لا تشركوا بالله شيئا وإن قطعتم أو حرقتم أو صلبتم ولا تتركوا الصلاة تعمدا فمن تركها متعمدا فقد خرج من الملة ولا تركبوا المعصية فإنها سخط الله ولا تشربوا الخمر فإنها رأس الخطايا .. الحديث.
وفى حديث البيهقى: إن من حفظ إقامة الصلاة قالت له حفظك الله كما حفظتنى وإذا لم يتم ركوعها وسجودها ولا القراءة فيها قالت له: ضيعك الله كما ضيعتنى.
وأن يحضهم على ضبط أوقات الطاعة. ليحتفظوا على سنة الأذان ويلازموا صلاة الفرائض جماعة، فقد جعل الله أوقات الصلاة مقارنة لحركة الشمس، فعند زوالها يجب الظهر وعند صيرورة ظلها مثلى القائم بعد ظل نصف النهار يجب العصر، وعند غروبها تجب المغرب، وعند ذهاب حمرة شعاعها الباقى تجب العتمة وعند ابتداء حمرة شعاعها بالمشرق يجب الصبح.
وليحتاطوا في الاستدلال على القبلة بالعلامات الراجحة، والأدلة الواضحة، وليستقبلوا القبلة في الفريضة والنافلة معا لكون الاستقبال شرطا مع الذكر والقدرة
ويدوروا مع القبلة في حال صلاتهم إن دارت بهم المركب لغير جهتها، إلا إذا تعذر عليهم الدوران ولم يمكنهم لحصول مشقة، فيتمادون على صلاتهم حيثما توجهت المركب بهم.
وإذا صلوا مرة إلى جهة اجتهادهم ثم تبين خطؤهم في القبلة فإن كان تحريهم مع ظهور العلامات أعادوا في الوقت إن استدبروا أو غربوا أو شرقوا، وإن كان مع عدم ظهورها فلا إعادة.
ولا يخالفون الجهة التي أداهم الاجتهاد إليها عمدا فإن خالفوها بطلت وأعادوا أبدا، وأن لا يتهاونوا في الفطرة الدينية من النظافة والطهارة بعدا وقربا، والتوقى من كل ما يحرم أكلا وشربا. وأن يحرضهم على حسن السيرة مع بعضهم لبعض بدوام الأخوة والائتلاف. والتعاون على الخدمة والنصيحة وتوطئة الأكناف، حتى يبقى سلك ألفتهم مأمونا، وعقدهم بحفظ الديانة والطاعة مصونا.
ومن الواجب المتعين عليهم أن يكونوا على الدوام آخذين بالحزم والحذر، والتلبس بهيئة الاستعداد الذى هو من وسائل الظفر، مع زيادة التمرن في سير البحر ومعرفة قواعده، والتمهر في كيفية مصادر المركب وموارده، وضبط أحوال سكون البحر وهيجانه، وأوقات اضطراب الموج واطمئنانه، وحفظ حصته الضابطة لمده وجزره، والساعات المناسبة لإقامة المركب أو سيره.
أخذا بالأسباب المشروعة العادية، مع اعتقاد التوكل على عناية الله المتوالية، وكذلك ممارسة علم الجهات الأربع، واستدلال عليها بالقطب وكرة الثوابت أو بالآلة التي دلالتها في ذلك تنفع، فقد قال تعالى في الكواكب الزهر {لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ
…
(97)} [الأنعام: 97] وأن يلزمهم الاشتغال بما يعنيهم في أوقات فراغهم على أن يكونوا دائما مستحضرين عناية الله ورسوله. ومعتقدين تيسير لطفه ومطمئنين على حصوله، وليعرفوا أنهم مستخدمون في آية
كان فضل الله بها على عباده جزيلا، قال تعالى:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)} [الإسراء: 70].
ولا يغفلوا عن الاستمساك بذكر الله والاعتصام بحبله، إذ هو ربكم الذى يزجى لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله، وليستروحوا في حركاتهم مواهب التوفيق التي فاز من تلقاها، تالية ألسنتهم قول الله تعالى: {بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا
…
} [هود: 41] وليشاهدوا السلامة من الله بعين الانتباه ويعترفوا بحمده امتثالا لقوله تعالى فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله، وليعلموا أن هذه تبصرة لا يسعهم إغفالها، وأوامر مؤكدة لا يمكن المؤمنين إهمالها، والله سبحانه يقضى بهم كل غرض، ويحرس الظرف والمظروف من كل آفة وعرض، إنه بالمؤمنين رءوف رحيم {
…
وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (101)} [آل عمران: 101].
كما نأمر خديمنا المذكور بالتأكيد على أهل المركب في قراءة حزب البحر مساء وصباحا لما تضمنه من أسرار الابتهال الكفيلة بنيل الإجابة سلامة ونجاحا، وعلى الواقف عليه أن يعلم منطوقه وفحواه، ويعمل بمصدوقه ومقتضاه والسلام.
صدر به أمرنا الشريف المعتز بالله تعالى في تاسع عشرى رجب الفرد الحرام عام 1317".
هذا وبالجملة فمن تأمل أعمال هذا السلطان الجليل بأن له سفه الرأى الملصق بجانبه ما لا يليق القائل بعدم قيامه بأعباء المملكة كما ينبغى، وإهماله للاستعداد، فقد رأيت أنه لما تولى لم يأل جهدا في تمهيد البلاد، وتطمين العباد، وتدارك الخلل، وإزاحة العلل، ونشر الأمن بين القبائل والحلل، وتدريب الجيش وتحصين الثغور وجلب الذخائر، وإنشاء المعامل وبعث الطلاب، وتفقد المغرب من أقصى
حدوده، والجولان في أنحاء المملكة ودواخلها وتنظيم جباية المال، ومراقبة أعمال الموظفين والعمال، ومكافأة المخلصين من الرجال، والإصغاء للشكايات والاهتمام بالعلم والعلماء واستشارتهم - وهم خلاصة الأمة - في كبار النوازل والمسائل وبعث السفارات للدول العظمى لفصل القضايا ورفع ذكر هذه المملكة في الآفاق والدعاية لها وغير ذلك من جلائل الأعمال التي صدرت عنه على قيام العقبات الداخلية والخارجية في وجهه.
فقد وجد مداخل المراسى مرهونة، والديون الأجنبية متراكمة، وبيوت الأموال فارغة، وأحوال الرعية مضطربة، وأعين الدول متطلعة مترقبة والامتيازات الأجنبية قائمة وأصوات المحتمين بالصخب مرتفعة، والثائرون في كل جهة، كلما أخمد ثورة واحد منهم اشتعلت ضده أخرى، والمجاورون من الأوروبيين ملحون في مسائل الحدود وغيرها إلى غير ذلك مما يظهر للمنصف ولا يخفى إلا على المتعسف.
* * *