الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مشيخته: أخذ عن شيخ جماعة المقرئين السيد العربى بن شمسى، والسيد فضول السوسى، وشيخنا أبى عبد الله محمد القصرى، وغيرهم.
وفاته: توفى سنة تسع وعشرين وثلاثمائة وألف ودفن بمقبرة سيدى الحريشى من هذه الحضرة المكناسية.
102 - إدريس الأمرانى بن عبد السلام بن محمد فتحا بن عبد الله
بن الظاهر بن محمد بن عبد الواحد بن العربى بن محرز بن على بن يوسف بن على الشريف بن الحسن الصغير بن محمد بن الحسن القادم من ينبع النخيل إلى تافيلالت رحم الله الجميع بفضله وكرمه.
وأمه الدرة المصونة السيدة نفيسة بنت السلطان الأفخم مولانا عبد الرحمن بن هشام.
حاله: فقيه أديب نبيه لا تكاد تتمشى عليه الحيل في أخذ ما بيده، راوية محاضر، أريحى مهذب عالى الهمة، فخور وقور، يحب الفخر والتفرد بالمعالى ونفائس الأمور، آية في الإنشاء والترسيل، نشأ نشأة حسنة بين أبويه فتأدب وتهذب، وقرأ القرآن المجيد وجوده بحضرة مكناس وحفظ أمهات الفنون وأشعار العرب ووقائعها، وأكب على تلقى العلوم بجد واجتهاد حتى نبغ وبرع وفاق أقرانه، ثم بعد أن فتحت له النجابة بابها رحل لفاس ولازم مجالس دروس عظماء أعلامها مدة وشارك في فنون، ثم رجع لبلاده مملوء الوطاب واشتغل بالفلاحة وصرف كل وجهته إليها ولكنه لم ينس نصيبه من المطالعة.
أصله من شرفاء راوية الأمرانى بسجلماسة، تلك الزاوية المباركة الشهيرة ذات الحرمة العظيمة، خرج جد المترجم السابع وهو المولى عبد الواحد من
102 - من مصادر ترجمته: موسوعة أعلام المغرب 8/ 2945.
سجلماسة مع السلطان المولى الرشيد، زمن فراره من أخيه المولى محمد، فنزل بالزاوية الدلائية بعد ما استقل مولاى الرشيد بالملك، وأخذ العلم بها عن أهله ثم نزل بأفران من بلادزيان واستوطنها، وبها توفى، وضريحه هنالك مشهور.
وقد كان لبنيه من بعده جاه ووجاهة عند بنى عمهم الملوك العلويين، ولا زال عقبهم محل تجلة وإكرام إلى وقتنا هذا.
صاهر المترجم السلطان المولى عبد الحفيظ بأخته السيدة حفصة، ورشحه لإخماد نيران فتن البربر التي ثارت عليه، وشقت عصا الطاعة، وتمردت وعاثت في السبل، وخيمت بحللها برأس الماء قرب فاس، وقطعت المواصلة بين فاس ومكناس بل سائر الجهات، ومدت يد النهب والسلب في المارة وبالأخص بسايس.
وقد كانت فاتحة أعمالهم بنهب شيخنا العلامة السيد الحاج المختار بن عبد الله ابن عم الوزير أحمد بن موسى السابق الترجمة وخلفه في الوزارة، وستأتى ترجمته بحول الله.
وكان ترشيح السلطان المذكور لصاحب الترجمة لهذه المهمة بإشارة من بعض من له في المترجم شهوة وغرض، وأفرغ ذلك للسلطان في قالب أن القبائل البربرية خدمة للشرفاء الأمرانيين لا يرفعون أمامهم رأسا ولا يردون عليهم كلاما ولا يعصون لهم أمرًا، وأن للمترجم ووالده وجده وسلفه من الحرمة والمكانة ما يقضى عليهم بالانقياد والرضوخ للطاعة.
ولما استقر ذلك في ذهن السلطان أمر وزيره الصدر الأعظم حينه السيد المدنى بن محمد الأجلاوى بأن يأمر صاحب الترجمة بالتوجه لهذه المهمة، فوجه عليه وبلغه الأمر المولوى فتعلل واعتذر ولم يأل جهدا في التنصل، وذلك بعد أن كان السلطان وجه لهم القائد عبد المالك المتوكى أحد أعيان دولته، وكبار عمال
[صورة]
مولاى إدريس الأمرانى
والده، وصنوه السلطان مولاى عبد العزيز من قبله، وذلك بصفة كونه بربريا وله مع بعض رعمائهم يَدٌ، وَسابقية معروفة، واجتمع بذوى رأيهم قرب دار دبيبغ، وراجت بينه وبينهم المخابرة في الرجوع عن البغى والتمرد والرجوع لطاعة السلطان، وتحمل لهم بكل ما يرومونه من السلطان، ولم تحصل من تلك المخابرة أدنى نتيجة سوى تحصيل الفئة الباغية على تسريح أساراهم الذين كانوا بسجون فاس.
ولما سرحوا تمادوا، وحاولوا تشتيت محلة السلطان التي كانت مخيمة بمصلى باب الساكمة، أحد أبواب فاس الشهيرة، وعين قادوس، والاستيلاء على ذخائرها وعدتها وعددها واقتحام فاس، وصمموا على ذلك فكانوا كل يوم يهجمون على تلك المحال ذات العدة والعدد، ويشتد القتال بين الفريقين وتبقى الجثث مبعثرة طعمة للكلاب والغربان.
ولما لم تقبل من المترجم معذرة ورأى أن لا مناص أخذ على الوزير المذكور العهد والميثاق على أن لا تخفر له ولا لهم ذمة إن هم أجابوه للرجوع للطاعة، وتكفل له بذلك قنصل الدولة الفرنسية إذ ذاك بفاس المسيو كيار.
فعند ذلك وجه بعض أصحابه لمن له بهم معرفة من أعيان البرابر يستأذنهم في الخروج إليهم فأجابوه لذلك، فخرج إليهم لرأس الماء وفى معيته أخوه العدل الرضى مولاى سعيد، فتلقوه بالترحيب والإجلال، وأظهروا له من الخضوع والانقياد ما لم يخطر له ببال، وأمسكوا في ذلك اليوم عن الهجوم على المحلة احتراما له وتعظيما، وظل يومه يعظ ويذكر ويحذر وينذر ويعد ويمنى زعماء أولئك الأوباش الأنجاس كى يردهم عن طغيانهم.
فتصدى للكلام معه من رؤساء فتنتهم القائد حم الحسين المطيرى البورزونى والقائد عق المطيرى البويدمانى والقائد محمد بوزومة الأغواطى، والقائد محمد
بو كرين المطيرى وغيرهم من أركان البغى والعتو، وبعد أخذ ورد تحلموا له بتشتيت تلك الجموع وتفريق كلمتها بكيفية لطيفة معينة على نقض ما أبرموه وتحالفوا عليه، وجعلوا معه على ذلك جعلا يؤديه لهم نقدا معجلا يفرقونه على رءوس تلك القبائل وذوى الرأى منهم، فالتزم لهم بذلك، وأخذ منهم عمامة وأخذوا منهم برنوسا على العادة البربرية في التحالف على عدم التخالف.
وطير الإعلام للسلطان بالنتيجة فأجابه بواسطة وزيره المذكور بالمساعدة التامة على إمضاء ما أبرمه.
وكانت مدة مقامه بين ظهرانيهم يومين يلياليهما فما راعه إلا ورقاص متأبط لكتاب لعق وبوزمة المذكورين من بعض رؤساء المحلة من خاصة حاشية السلطان يأمرهما برفض مطالب الترجم رفضا كليا، وأن يعيراه أذنا صماء ويردانه خاسئا، وحذرهما من صدور هذه المزية على يده، فقلبوا عليه ظهر المجن، وأظهروا له من النفور والجفاء ما صيره في حيص بيص، يتوقع الإيقاع به واحتجوا عليه، ثم بعد محاججة ومراجعة، منهم من رجع إلى الانقياد ومنهم من تمادى على النفور والشرود، ومنهم من أظهر الطاعة وأصر على المخالفة والشقاق كالمكتوب لهما بالتحذير من إسعاف رغبة المترجم.
وكان آخر اتفاق وقع بينهم وبين صاحب الترجمة أنهم وقت ما أمكنهم تفريق كلمة تلك الجموع يطيرون الإعلام إليه ليأتيهم بالدراهم المتفق عليها، وبظهير سلطانى بالعفو عما جنوه والقبض على صاحب الكتاب الساعى في دوام توقد نيران الفتن وتوليته خليفة عليهم واسطة بينهم وبين السلطان.
وبعد تحمله لهم بما ذكر رجع لفاس وتلاقى مع الجلالة السلطانية وقرر له جميع ما راج من المبدأ إلى المنتهى، فأجابه بجميع ما اشترطوا إلا القبض على صاحب الكتاب، وأمر الوزير الصدر بكتب الظهير بما ذكر وتنضيد ثمانية آلاف
ريال -أربعين ألف فرنك-، وتمكين صاحب الترجمة من الجميع وإلزامه الرجوع إليهم من حينه وعدم سماع كل عذر يبديه في التخلف، فلم يسعه إلا الامتثال مع تحققه سوء المنقلب فوجه رسولا إليهم يخبرهم برجوعه لطرفهم.
ولما وصل إليهم الرسول وقص على الأصدقاء منهم القصص، أخفوه عن أعين رؤساء العتو المظهرين خلاف ما يبطنون، ورجعوه إلى مرسله المترجم، وحذروه من الخروج ولا سيما قبل القبض على من اشترط القبض عليه، وعرفوه بأنه إن خرج إليهم قبل إذنهم له ووقع في محذور فإنهم لا يغنون عنه شيئا، وربما كانوا عليه، هذا والأوامر المخزنية تتجدد وتتوارد على صاحب الترجمة بالإزعاج للخروج، حتى أتاه كاتب الصدارة الأول أبو العباس أحمد الزمورى بأمر بات، فلم يسعه إلا الامتثال فخرج في التاسعة صباحا وحمل ما يحتاج إليه من أخبية ومئونة، إذ كان في عزمه التخييم بين أظهرهم حتى تنحسم مادة البغى والعتو.
ولما وصل لنزالة فرجى الشهيرة خارج باب فاس وفى معيته أخوه المولى سعيد المذكور آنفا، وكاتبه الفقيه العدل السيد محمد بنونة ناظر الصغرى الآن بمكناس، وجدوا الوطيس أمامهم قد حمى ومدافع المحلة تصب قنابلها صبا، فتقدم المترجم إليهم وأشار للفريقين بالإمساك عن القتال فأمسكوا، ثم تقدم للفئة الباغية فحياه حملة راياتها وأظهروا له من الخضوع والانقياد ما سُر به وتيقن نجاح مقصده.
ولما لحقت به أوعيته وأثقاله بالنزالة المذكورة وجهها مع أخيه المذكور في خفارة بعض بنى مطير، ورجع هو بقصد الملاقاة مع السلطان والمفاوضة معه، فتعرضت له شرذمة من خيل الفساد وهجموا عليه وأنزلوه عن فرسه بغاية العنف والقساوة، بعد أن قطعوا حزام سرجه وجرحوه هو بمدية في رجله وجردوه من ثيابه بكيفية شنيعة كاد أن يموت بها خنقًا، ولم يتركوا عليه غير قفاز وسراويل،
ولولا أن رجلا من قبيلة مجاط رق لحاله وأركبه فرسا وألبسه برنسا على وجه العرية لهلك، ولم يأل جهدا في المدافعة عنه.
ثم قصد المترجم خِبَاءِ كَبِيرِ المحلة المخزنية، وهو إذ ذاك الطالب أحمد بن مبارك الشاوى الحاجب في ذلك الحين فلم يجده، وإنما وَجد الطالب إدريس بن منو السوسى نزيل سطات في الحين الحالى، ورد الفرس والبرنس لصاحبه شاكرًا فضله وجزيل إحسانه.
وبعد أن استراح واطمأنت نفسه دخل فاسا على حالة يرثى لها، وقص على السلطان القصص، وذهب لداره يتقلب في أليم الألم، وما قاساه من التنكيل والهوان، ولم يزل يقاسى من ذلك شدة بضعة أيام، والوزير في كل يوم يوجه له عن الأمر السلطانى مرات بترجيع الدراهم التي كان أخذ بقصد إنفاقها في سبيل الإصلاح طبق ما أوضحناه رغمًا عن نهبها له في جملة ما نهب من حوائجه وبهائمه.
وأما أخوه المولى السعيد والكاتب والأثقال، فإن البرابر التفت بهم وقصدت بهم رأس الماء، وبينما هم في أثناء الطريق إذ وجدوا الرسول الذى قدمه المترجم للمتمردين أمامه، فأشار إليهم بخسر المسعى ووخيم العقبى، فلم يجدوا مناصا لحصولهم في شبكة إخوان الشياطين المتمردين المحدقين بهم، فصاروا يضربون الأخماس في الأسداس، ولات حين مناص، وزمر البرابر تلتحق بهم رجالا وركبانا إلى أن أشرفوا على رأس الماء محل تعشيش فسادهم، فوجدوا البقية الباقية في انتظارهم حول الخيام فالتحقوا بإخوانهم المفسدين، ومدوا يد النهب والسلب والضرب، ولما استولوا على جميع ما كان معهم من مال ومتمول تركوهم حفاة عراة كيوم ولدتهم أمهاتهم، غير المولى سعيد فإنهم أبقوا عليه بعض ما يستر عورته، وتفرقوا في رأس الماء شذر مذر، بين خيام البغاة المعتدين، بعد أن
سمسروا سلبهم أمامهم وهموا بإحراقهم وجمعوا الحطب لذلك فعلا، ولكن الله سلم، وباتوا شر مبيت لم يلتق واحد منهم بصاحبه ولم يدر ما فعل به.
ومن الغد اجتمعوا ودخلوا فاسا في حالة تعساء، يقف لسان القلم عن وصفها والتعبير عن شرحها، ولما حل المترجم بفاس ومثل مولاى سعيد بين يدى السلطان، رق لحاله وأعطاه كسوة من ملبوسه.
وأما العتاة فقد ازداد عيثهم وتكلبهم على النهب والقتل، وتمادوا على الهجوم على المحال المخزنية في كل بكرة وعشى، وأجلبت بخيلها ورجلها وضيقت بالعاصمة الفاسية، وقطعت عنها السبل وحاصرتها ونازلتها بين أسوارها، حتى فنيت صناديد رجال المخزن، وعدمت أمواله، وأصبحت المدينة وأهلها في خطر عظيم، وصار الكور والرصاص ينزل أمام السلطان بقعو داره، وأحزاب العتو والفساد في هيجان حتى صارت تشترط على السلطان الشروط وتهدده وتأمره بالرجوع للجادة في زعمهم وإبعاد بطانة السوء عنه، وحصروها في أفراد من حاشية بساطه وعظماء دولته، سموهم له وإعطائه كفيلا لهم يرضونه يلتزم بالوفاء بجميع ما شرطوه.
فعند ذلك اضطر السلطان إلى الإرسال لدولة فرنسا يستنجد بها، فلبت طلبته ووصلت جنودها لفاس، ومزقت جموح أحزاب الفئة الباغية كل ممزق وانتشرت أعلام المسلم.
ثم بعد ذلك قام العسكر المنظم ضد البعثة العسكرية المكلفة بتنظيم الجندية المغربية، وامتنع من قبول النظام والقوانين حتى وقعت مذبحة إبريل المشئومة على البلاد والعباد فلقد هم الجنرال موانى قائد الجيش الفرنسى بإطلاق أفواه المدافع على فاس، وتقويض أركانه، ولولا وجود سفير الدولة الفرنسية المعروف بالرزانة والثبات والعقل والسياسة رينو، ووقوفه أمام تيار غضب الجنرال المذكور وإقناعه
بالحجة بأن أهل فاس برآء مضروب على أيديهم لا دخل لهم في الواقعة لهدت صوامع ومساجد.
ومع هذا فقد كانت النتيجة إعلان الأحكام العرفية بالبلاد، وانتزعت الأسلحة من الأهالى وقبض على كل من وقع الاشتباه فيه بمداخلة في القضية، وقتل كثير منهم صبرًا وخلد بعضهم في السجون، ولا زال البعض إلى الحين الحالى.
وقد تقدمت له خدمات مخزنية، منها الترشيح لعمالة الدار البيضاء بعد وفاة عمه الذى كان خليفة بها سيدى محمد، وذلك عام واحد وثلاثين وثلاثمائة وألف، ثم أعفى بطلب منه، ودونك نص ظهير إعفائه بعد الحمدلة والصلاة والطابع السلطانى الفخيم: "يعلم من كتابنا هذا أعلى الله قدره، وأطلع في سماء المعالى شمسه المنيرة وبدره، أنه لما كان ابن عمنا ونخبة أصهار أسلافنا الكرام، مولاى إدريس بن المرحوم مولانا عبد السلام الأمرانى مطوقا ولاية عمالة الدار البيضاء بكمال واستحقاق، وقام بالواجب في تلك الولاية قياما يشهد له بحسن السيرة على الإطلاق، وتمشى فيما أنِيط به من أمورها على النهج القويم، والصراط المستقيم، ثم حدث له الآن من شئون عائلته وعائلة والده وعميه المتفرقات بفاس ومكناس، مع عدم من يعتمد فيها عليه، ما خشى معه صدور إخلال منه بالقيام بوظيفه المذكور، ومن أجل ذلك طلب من جانبنا الشريف كفاية مشقة تلك العائلات أو إعفاءه من ذلك الوظيف، فاخترنا له الوجه الثانى وهو الإعفاء من الوظيف المذكور نظرًا لمصلحة العائلات التي هى في نفس الأمر عائلاتنا، ليتفرغ لمقابلة ضرورياتهم كالنائب في ذلك عن شريف جانبنا، وقد أعفيناه من الولاية المذكورة ملاحظة لما ذكر، راضين عنه رضاء يتكفل له بزيادة الحرمة والوقار، والتمييز والاعتبار، وينيله