المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ضبط أوقاته وتقسيم أيامه وترتيب نظام مملكته وذكر رجال دولته - إتحاف أعلام الناس بجمال أخبار حاضرة مكناس - جـ ٢

[ابن زيدان السجلماسي]

فهرس الكتاب

- ‌87 - إدريس الأكبر بن عبد الله الكامل

- ‌88 - إدريس المعروف بإدريس الأنور والأزهر والتاج والمثنى

- ‌89 - إدريس بن السلطان العادل المولى سليمان بن السلطان

- ‌90 - إدريس بن العلامة السيد التهامى أجانا

- ‌91 - إدريس بن الطيب بن محمد بن حم بن إدريس

- ‌92 - إدريس بن الطيب بن اليمانى بن أحمد بو عشرين

- ‌93 - إدريس بن أحمد بن التهامى مسامح

- ‌94 - إدريس بن أحمد الخطابى الزرهونى

- ‌95 - إدريس بن أحمد بن محمد البخارى المدعو البرنوصى المكناسى النشأة والدار والأقبار

- ‌96 - إدريس بن المكى البخارى

- ‌97 - إدريس بن الحاج حفيد برادة الفاسى

- ‌98 - إدريس بن القائد محمد بن أحمد الفيضى الأصل المكناسى الدار والأقبار

- ‌99 - إدريس بن شيخ الجماعة القراء في وقته الأستاذ البركة السيد اليزيد

- ‌100 - إدريس الوزير بن محمد بن إدريس العمراوى بن محمد بن إدريس ابن محمد بن إدريس

- ‌101 - إدريس بن الحاج بوعزة الميسورى

- ‌102 - إدريس الأمرانى بن عبد السلام بن محمد فتحا بن عبد الله

- ‌103 - الأمين: العطار دفين جبل زرهون

- ‌104 - إسماعيل: أبو النصر بن الشريف بن على الينبوعى السجلماسى الحسنى السلطان

- ‌ مدينة المهدية

- ‌ مدينة العرايش:

- ‌ مدينة طَنجة

- ‌105 - أيويس:

- ‌(حرف الباء)

- ‌106 - بوسلهام بن على بن المؤذن الخلطى البوجنونى الأصل المكناسى

- ‌107 - بو عزة بن العربى بن بوعزة المدعو الفشار، السفيانى الأصل، المكناسى النشأة والدار والقرار والإقبار

- ‌108 - بلقاسم بصرى وهو ابن محمد بن بلقاسم بن محمد الطيب

- ‌109 - بو بكر المراكشى الأصل

- ‌(حرف التاء)

- ‌110 - التهامى بن عبد العزيز المرى

- ‌111 - التهامى الغياثى

- ‌112 - التهامى أبو الفتح بن المرابط البركة السيد حمادى بن عبد الواحد المطيرى الحمادى المكناسى

- ‌113 - التهامى: ابن المهدى المزوار المكناسى النشأة والدار

- ‌114 - التهامى بن الطيب أمغار المكناسى الأصل والإقبار

- ‌115 - التهامى أجانا المكناسى الأصل والدار

- ‌116 - التهامى البورى نسبا الدرعى منشأ

- ‌117 - التهامى بن عبد القادر المركشى المدعو بابن الحداد المكناسى النشأة والدار والإقبار

- ‌(حرف الجيم)

- ‌118 - الجيلانى بن الهاشمى بن محمد بن الجيلانى بن محمد -فتحا

- ‌119 - الجيلانى بن حم البخارى المكناسى النشأة والدار

- ‌120 - الجيلانى المدعو القصعة البخارى المكناسى

- ‌121 - الجيلانى بن عزوز الرحالى من ذرية الشيخ أبى محمد رحال الكوش دفين زمران

- ‌122 - الجيلانى بن الباشا حَمُّ بن الجيلانى البخارى المكناسى الأصل والنشأة، والدار والإقبار

- ‌حرف الحاء

- ‌123 - الحسن السلطان أبو على بن السلطان سيدى محمد بن السلطان مولاى عبد الرحمن بن السلطان

- ‌الكلام على بقية علائقه السياسية

- ‌مع فرنسا

- ‌مع إسبانيا

- ‌مع إيطاليا

- ‌مع إنجلترا:

- ‌مع ألمانيا:

- ‌مع الدولة العثمانية:

- ‌مع البرتقال

- ‌مع أميريكا:

- ‌مع البلجيك

- ‌مع البابا

- ‌مؤتمر مدريد ووفقه

- ‌ضربه السكة الحسنية

- ‌اهتمامه بالمعادن وخوضه فيها

- ‌سعيه لإدخال الفنون العصرية للمملكة المغربية وإرساله وفود الطلبة للديار الأوربية

- ‌قيامه بصيانة حصون الثغور المغربية وجلب ما تحتاج إليه من المقومات الحربية واستخدام المتخرجين في الهندسة من البعثة المغربية

- ‌استعداده البحرى

- ‌ضبط أوقاته وتقسيم أيامه وترتيب نظام مملكته وذكر رجال دولته

- ‌كيفية ترتيب الملاقاة

- ‌كيفية تعمير المشور

- ‌الهيئة الرسمية وما تتألف منه

- ‌قواد الجيش العامل

- ‌قواد الحناطى البرانيين

- ‌قواد الحناطى الداخليين

- ‌ركوب السلطان للألعاب الرياضية على الخيل بنفسه

- ‌اللباس الرسمى

- ‌كيفية إجراء الأحكام المخزنية بدار المخزن

- ‌كيفية ورود سفراء الدول على السلطان

- ‌كيفيه دخول ممثلى الدول من السفر

- ‌كيفية تقديم هديته للسلطان

- ‌زيارة السلطان للأولياء

- ‌حركة السلطان من بلد إلى أخرى

- ‌كيفية نصب الافراك ومراكز المستخدمين والجيوش

- ‌كيفية خروج السلطان يوم السفر

- ‌كيفية نهوض السلطان من المحلة

- ‌كيفية مسير السلطان في السفر

- ‌كيفية دخول السلطان للمحلة

- ‌خروجه للأحكام في السفر

- ‌كيفية تموين المحلة

- ‌كيفية تفريق المؤنة اليومية على المحلة

- ‌كيفية وصول الجناب السلطانى إلى المحل المقصود

- ‌العادة في الولائم السلطانية

- ‌كيفية العقيقة

- ‌نزهة شعبانة

- ‌العادة في الجنائز

- ‌مشيخته:

- ‌بناءاته:

- ‌ما خلفه من الأولاد رحمه الله

- ‌الشريفات من نسائه

- ‌الحرائر منهن

- ‌المطلقات منهن

- ‌وفاته:

الفصل: ‌ضبط أوقاته وتقسيم أيامه وترتيب نظام مملكته وذكر رجال دولته

‌ضبط أوقاته وتقسيم أيامه وترتيب نظام مملكته وذكر رجال دولته

كان قدس الله روحه مقسما أوقاته النهارية والليلية تقسيما عجيبا بحيث لم يضع له وقت، فكان له جماعة مكلفون بالتوقيت وضبط الأوقات لا يبرحون من أعتابه حضرا وسفرا ولهم رئيس من علية رءوس أهل الفن وفى كل يوم يجعلون له حصة بمعرفة الأوقات تدخل إليه كل صباح، وكان له عبد من عبيد داره (الطواشيين) مكلف كذلك بضبط الأوقات ورصدها وإعلام السلطان بها.

كان إذا بقى للفجر ساعتان أعلم الموقت الوصيف المذكور بواسطة العساس من أصحاب الوضوء فيعلم ذلك العساس الطواشى ويعلم الطواشى إحدى الإماء المعينات للقيام بذلك فتعلم المترجم، وقلما تجده في ذلك الوقت غير مصل أو ذاكر، ولم يزل يتهجد إلى أن يطلع الفجر فيصلى ركعتى الفجر ويخرج، وبمجرد وصوله لباب المسجد يقوم المؤقت لإقامة الصلاة ويتقدم الإمام فيصلى في جماعة من حاشيته الداخلية كأنجاله وبنى عمه المستخدمين في حنطة السجادة.

وهذه الحنطة عبارة عن جماعة مخصوصة ذوى هيئة جميلة تحمل سجادته للصلاة كما سيأتى، ولم يترك المترجم الصلاة في الجماعة سائر أيامه إلا لعذر، فإذا صلى الصبح جلس في مصلاه إلى أن يفرغ من الباقيات الصالحات، ثم يفتح الحزب ويقرأ فيه مع الحزابين بعض آيات نحو الثمن.

ثم يقوم ويدخل قصره العامر، فيجد الفطور مهيئا فيفطر ثم يتناول أشغال الوزراء ويوقع على المكاتب ثم يدفعها لوصيف الدار فيوصلها للحاجب -وهو في صدر مملكته حاجب والده أبو عمران موسى بن أحمد، ثم بعد وفاته ولى مكانه ولده أبو العباس أحمد مار الترجمة، ووظيفته الرسمية القيام بشئون السلطان

ص: 590

الداخلية وأموره الخاصة به، وأموره دوره وعائلته وطبع المكاتب المولوية، وبيده مفاتيح الخزائن، وإليه النظر في أصحاب الوضوء والفراش والسجادة والماء والأتاى وصاحب السكين والجزار وصاحب الأروى والمحفة، وهؤلاء المذكورون هم الحناطى الداخليون -ثم الحاجب يوجه بواسطة صاحب الوضوء لكل وزير شغله المتعلق به، وذلك بعد أن يضمن تلك المكاتب جميعها بدفتر خاص كما يقيد التواقيع السلطانية بدفتر خاص يحفظان عنده كما يقيد كل وزير ما ذكر بدفتره الخاص ثم تختم تلك المكاتب وتسلم لقائد المشور ليوجه بها لأربابها.

ثم يخرج المترجم ويجلس على أريكة ملكه بالمحل المعد لمقابلة الوزراء، لابسا كساء بدون برنوس وعمامة متقنة التصفيف محكمة اللّيّ، فيمر أولا بحنطة الشويردات (الأطفال الصغار من أبناء الجيش) فيجدهم مصطفين فيؤدون له التحية الملوكية بأصوات عالية جدا، ثم يمر بحنطة أصحاب الوضوء وهم جماعة من الوصفان يبلغون عنه أوامره إلى الوزراء مشافهة وكتابة فيؤدون له التحية كذلك، ثم بحنطة أصحاب الأتاى، ثم بحنطة الجزارة ثم بحنطة أصحاب الفراش، ثم يجلس على أريكة ملكه، فإذا جلس خرج أحد الفرايجية وهم جماعة من العبيد مكلفون بحراسة أبواب داره وبناء قببه في سفره، فيتطوف على بنائق الوزراء قائلا سيدى قعد فيقول الوزير مجيبا له جلوس عز وسلامة إلى أن يعلم الجميع بذلك.

ثم ينادى أحد أصحاب الوضوء قائد المشور قائلا كلم سيدى يا فلان باسمه من غير سيادة، فيدخل قائد المشور ويدفع للسلطان المكاتب والأجوبة الواردة من النواحى مختومة، وتقييد الوفود الطالبين مقابلته وما بأيديهم من الهدايا، فيوقع بالإذن في مقابلة من اقتضى نظره مقابلته ويرجع له التقييد فيخرج لمباشرة أشغاله.

ووظيفة قائد المشور هذا قبض سائر المكاتب الصادرة والواردة ممن كانت ولمن كانت، فيقيد المكاتيب الواردة للجلالة السلطانية ويبين عددها والمحل الذى وردت منه، ثم يقدمها مع التقييد للجلالة المولوية مختومة.

ص: 591

والسلطان هو الذى يتولى فض ختامها بنفسه ويستوعبها قراءة ثم يوقع عليها، ثم لما مرض عام 1304 وصار يشق عليه الفض والاستيعاب أمر الحاجب بفض ختامها واستدعاء كاتبين من مكتب الصدارة لمكتبه بقصد تقييد مضمن المكاتيب الواردة لجلالته الكريمة، ثم بعد تقييد المضمن على ظهر نفس الكتاب يقدم الحاجب ذلك للجلالة الشريفة فيستوعب المضمن، وربما استوعب الكتاب إن كان ذا أهمية ثم يوقع على تلك المكاتيب ويردها للحاجب ليوزعها على الوزراء كل وما يرجع إليه.

ثم يستدعى السلطان الوزير الصدر بواسطة قائد أصحاب الوضوء تمييزا له بذلك فيدخل عليه ويباشر أشغال مأموريته، ثم يخرج ثم يستدعى وزير المالية فيباشر أشغال مأموريته، ثم يستدعى وزير الخارجية فيباشر أشغال مأموريته، ثم يدخل قائد المشور بمن أذن لهم في مقابلة الجلالة السلطانية.

فإذا فرغ من ذلك دخل داره وأزال الكساء والعمامة ولبس جلابة وقلنسوة، ثم يتغدى ثم يتطوف على البنائين والخياطين والنساخين والذميين السكاكين، فإذا حان وقت الظهر تهيأ للصلاة، فإذا أدى المكتوبة رجع لقصره العامر للاستراحة وربما نام.

ثم إذا حان وقت العصر تهيأ لصلاته فإذا أداها جلس على أريكة ملكه، فيكون شأنه مساء كشأنه صباحا، ثم إذا حان وقت المغرب دخل المسجد فصلاها، ثم صلى بعدها ست ركعات، ثم رجع لداره فتعشى، ثم خرج للمسجد فصلى به العشاء، ثم يرجع لداره فيستدعى بأشغال الوزراء فيستوعبها مطالعة ثم يوقع على كل شغل بما اقتضاه نظره، ثم يطالع من كتب السير والسياسة وتاريخ الأمم السالفة ما شاء الله، ثم ينام إلى نصف الليل الآخر، ثم يستيقظ ويتبتل ما شاء الله ويصلى ركعتى التهجد اللتين هما من شروط ورده الكنتى.

ص: 592

وكان في كل جمعة يستدعى أعمامه وإخوانه وأصهاره وأعيان الشرفاء للغداء بجامع الصلاة من قصره العامر، ويفرق الطعام في ذلك اليوم على سائر الوزراء وأعيان الجيش حضرا وسفرا، وذلك بعد الفراغ من صلاة الجمعة.

وكان له ولوع بحليب النوق، وكان يفرقه على ذوى الخصوصيات لديه، وكان في كل عيد مولد يفرق الكسى على الأقاريب والأباعد كل وما يناسبه.

وكانت ذخائره وآلاته الملوكية التي زادت أضعافًا على ذخائر أسلافه الكرام مضبوطة مصونة مرتبة في أماكن خاصة مقيدة بكناش صغير لا يفارقه غالبا، ولا يمكن اختلاس شئ منها، وكذلك أمواله الخاصة به ذهبية وفضية، وعدد جيوشه القديمة والجديدة النظام، وعدد خيله وجماله وبهائمه وآلاته الحربية من مدافع ومكاحل وبارود وقرطوس مثبتة بذلك الكناش اللطيف الجرم الرقيق الورق.

وكانت رواتب جيوشه وكتبته وخدامه ومؤن عسكره مياومة ومشاهرة مضبوطة، وكذلك صوائره اليومية، وكانت صوائر أبنيته لا يدخل فيها شئ من بيت المال، وإنما كانت من المستفادات وغلل الأملاك المخزنية.

وكان محافظا على العوائد في إنعاماته وحفلاته الرسمية وسائر تصرفاته، بحيث كان خرق عادة من العوائد عنده من الخطأ العظيم، حتى إن بعض الوزراء سها فنفذ لأولاد البقال الكسوة والصلة معا، وكانت عادتهم قبض الصلة فقط، فلما اطلع السلطان على ورقة الصائر وجد فيها ثمن الكسوة المذكورة فلم يسلمه وألزم بأدائه من خاص ماله عقوبة له على خرق العادة.

وكان النظر في أمور داخليته ومباشرة أشغاله مسندا إلى وزراء وأمناء كل واحد منهم مكلف بأشغال لا يتعداها، ولا يدخل معه غيره فيها:

فالوزير الصدر -وهو في أول إمارته وزير أبيه الفقيه السيد إدريس بوعشرين، ثم استعفى فأعفى وتصدر مكانه الحاجب أبو عمران موسى بن أحمد،

ص: 593

ثم توفى وولى بعده الفقيه السيد محمد بن العربى الجامعى، ثم مرض مرضه المزمن فولى بعده بحكم النيابة الفقيه السيد محمد الصنهاجى، ثم توفى السلطان المترجم وحل به ما تلى عليك -مكلف بالنظر في أمور الولاة من قضاة ونظار ونقباء وباشوات وعمال وبتنفيذ الإنعامات والصوائر وكتابة الظهائر السلطانية كيفما كانت، وإقطاعات وولايات وعزل وغير ذلك، وإبلاغ الأوامر لقائد المشور بما اقتضاه النظر السلطانى في الحركات، وتسيير الجيوش من الجهات وتقدير المؤن والنفقات وله المراقبة في الجملة على أعمال غيره من الوزراء.

ووزير الشكايات (العدلية) -وهو في أول إمارته الفقيه السيد محمد بن عبد الله الصفار، ثم بعد وفاته ولى الفقيه السيد على المسفيوى ولم يزل على وظيفة إلى أن توفى المترجم- وظيفة النظر في الشكايات بأنواعها وإصدار الأوامر فيها بما اقتضاه النظر السلطانى مع موافقة حكم الشرع فيها.

والعلاف الكبير (وزير الحرب) -وهو في أول إمارته الفقيه السيد عبد الله ابن أحمد ثم أعفى وولى مكانه الحاج المعطى الجامعى المذكور ثم لما ولى الصدارة ولى مكانه أخوه السيد المدعو الصغير إلى أن توفى المترجم وحل بالجامعيين ما حل مما مر شرحه- وظيفة النظر في أمر العسكر ومؤنته ومؤن الجيش المخزنى كلها تخرج على يده وهو المكلف بمباشرتها مع السلطان، وعليه العهدة في السلاح والذخائر الحربية واختيار من يوجه من فرقه وقواده إلى ما اقتضاه النظر السلطانى لنواحى مملكته واختيار أعداده وتقييدها بقائمة يومية تدفع للجلالة السلطانية بعد إشراف الوزير الصدر عليها وإمضائها باسمه.

ووزير الخارجية -وأول من وليها استقلالا الفقيه السيد محمد المفضل غريط- مكلف بالنظر في أمور المحميين والوساطة بين السلطان وبين سفراء الدول، وعقد الشروط والمعاهدات بينه وبينهم، وكتابة الرسائل إليهم وإصدار الأوامر

ص: 594

للعمال فيما يتعلق بإيالاتهم من دعاوى أهل الحماية ومباشرة أمر كل وافد أجنبى للإيالة المغربية.

وأمين الأمناء (وزير المالية) وهو لأول إمارته السيد محمد التازى الرباطى، ثم بعد وفاته ولى أخوه السيد عبد السلام، ووظيفة النظر في تعيين أمناء المراسى والأملاك المخزنية والمستفادات.

وأمين الحسابات العام وهو السيد العربى الزبيدي، ووظيفة مراجعات الحسابات الواردة من المراسى والأملاك المخزنية والمستفادات وأمناء الرباع والنظار ووكلاء الغياب وإجراء القوانين المؤسسة لذلك طبق المعاهدات والخرص، ومحاسبة قواد القبائل على ما يترتب على إيالتهم من الجبايات المخزنية وعلى العذائر وجميع ما فيها من الماشية المدفوعة في الخرص والبهائم والأفراس، وتبيين العوائد في الإنعامات السلطانية ومراقبة الداخل والخارج في جميع ما تملكه الدولة، وجميع دفاتر الدولة تكون تحت يده، وفى كل سنة يجعل لما راج فيها من الدفاتر برنامج بعد ختمها ثم تجعل في صناديق ويشرع في أخر وهكذا.

وكان يحمل في الظعن مع الركاب السلطانى نحو الأربعين وقرأ من الدفاتر لإيقاع الحساب مع العمال فيما يترتب بذممهم من الزكوات والأعشار، فيقيد المقبوض والباقى في الذمم، ويختم العمال على ذلك بأختامهم ويحوز ذلك أمين الحسابات المذكور.

وأمين الصائر -وهو اللبادى ثم السيد أحمد بن شقرون، ثم الحاج عبد السلام الحلو، ثم السيد الطاهر التازى، ثم الحاج بناصر التويمى- مكلف بدفع ما ينفذه الوزير الصدر عن الأمر السلطانى غالبا وغيره نادرا، والإنعامات والصوائر والرواتب المخزنية والعسكرية بعد مصادقة أمين الأمناء عليها.

ص: 595

وأمين الداخل -وهو الحاج على بن الحاج التطوانى- مكلف بتنفيذ كل داخل من الهدايا والجبايات والمغارم وحيازة خطوط أيدى العمال بما يبقى في ذممهم من الأموال.

وسيأتى ذكر ما لهؤلاء الوزراء والرؤساء والأمناء من الخلفاء النواب والكتاب عند ذكر الهيئة الرسمية وما تتألف منه قريبا.

وأمين الفرقوش -وهو أولا الحاج محمد جنون الفاسى، ثم السيد محمد بن موسى الرباطى، ثم ولده المصطفى- مكلف بالنظر في شئون خيل المخزن وجماله وبغاله وضبط أعدادها وتخليف ما نقص منها والنظر في الأمور الراجعة لصيانتها من صفائح وأكف (1) ورباطات وما شاكل ذلك.

وأمين العتبة الشريفة -وهو أولا في عهد المترجم السيد بوعزة الفشار مار الترجمة، ثم ولى بعد وفاته ولده السيد محمد، ثم بعد وفاته أخوه الأستاذ السيد عبد السلام الفشار- ووظيفته تنفيذ ما يحدث من الزيادة والنقصان في المؤن الشهرية للدور السلطانية، وتقييد ضحية عيد النحر الموجهة لها والوقوف عليها حتى تصل محلها، والخليع اللازم لها وما يلزم من ضرورياته ودفعه في إبّانه، وتنفيذ ما عهد لها من عوائد مواسم الليالى الكبار ولمن في حسابها من الشرفاء والشريفات خارج الدور وغير ذلك من متعلقاتها، ومطالعة الأمناء له على قائمة صائر الدور وإمضاؤه لها باسمه، ويأخذ نسخة منها قبل توجيه الأمناء إياها لشريف الأعتاب وحيازة مفاتيح الخزائن السلطانية، والإشراف على ما يجعل فيها، وحيازة ما يفرض على البرابر من حطب وفحم وخزنه على يده وتنفيذ الزيادة والنقص في رواتب الجيش البخارى ومن في حكمه ومؤنته كذلك، والنظر في أمور البوابين وما أشبه ذلك مما هو راجع للدور السلطانية أو مضاف إليها.

(1) الوِكاف: برذعة الحمار.

ص: 596

هذا وعادة المترجم في تقسيم أيام الأسبوع أنه كان قدس الله روحه يقابل أصحاب المظالم وأرباب الشكايات بنفسه يوم الأحد، يقدم له الوزير المكلف بسماع المظالم وتقييد دعاويهم زمام المشتكين كل باسمه ونسبه ومحل استيطانه وتقرير دعواه، فيأخذ المترجم الزمام وينادى المقيدين به واحدا بعد واحد، ويبحث كلا على حدته بحثا مدققا حتى يأتى على جميعهم، فمن وافق مقاله ما هو مقيد عنه وقع بما يراه نظره الأسد في إنصافه ممن ظلمه، ومن وقعت منه أدنى مخالفة يتتبع قضيته ويحلل كلامه أدق تحليل حتى يتضح له وجه الحق فيها، فيقضى بما يراه هذا كله ووزير الشكاية واقف بإزاء المترجم وبيده تقييده مثل التي بيد صاحب الترجمة.

وفى يوم الاثنين يخرج للرماية بالمدافع ويباشر الرمى بنفسه.

ويوم الثلاثاء يعود فيه لسماع المظالم على نحو ما وصف لك في يوم الأحد.

ويوم الأربعاء لاستعراض الجيوش أمامه، وكيفية ذلك أنه يصدر أوامره المطاعة لقائد المشور والعلاف يعنى وزير الحرب بتعيين اليوم والساعة والمحل، فيقع الإعلام لكافة الجيش بالحضور فيحضر ويقف كل فريق على حدته، هذا وراء هذا إلى آخره مرتبًا وفق ما بالكناش المخزنى، ومع كل فريق عون من أعوان قائد المشور مكلف بإحصاء عدده، وعندما يخرج السلطان يكون راكبا جواده بهيئته الرسمية إلى المحل المعد لجلوسه، فيترجل ويجلس على عرشه، وبعد هنيئة يستدعى وزير الحرب بواسطة صاحب الوضوء ويستلم منه قوائم عدد رواتب الجيش فيطالعها ويأمر قائد المشور بالاستعراض، فينادى قائد المشور بأعلى صوته بهاتين اللفظتين: زيدوا اتسرطوا قال لكم سيدى، فيجيب أصحاب الفريق الأول كلهم بصوت واحد: نعم سيدى.

ص: 597

ويتقدمون إلى أمام السلطان فيعرفه قائد المشور بهم بقوله هذه الفرقة الفلانية نعم سيدى فيطالبه السلطان بالعدد فينادى: العدد قال لكم سيدى فيتقدم الشرطى المكلف لدى قائد المشور، ويقول له: عدد الخيل كذا والرماة كذا فيبلغ ذلك السلطان، فإذا وجده مطابقا للقائمة يدعو لهم ويأمرهم بالانصراف، ويتبعهم من خلفهم طبق ما سطر وإن وجد خلاف ذلك يتباحث مع الوزير المذكور فيه، فإن استدل أو اعتذر بما يقبل فذاك، وإلا فالملامة على رئيس الفرقة، وعند الانتهاء يركب السلطان جواده راجعا إلى قصره.

ويوم الخميس يخرج المترجم لبعض أجنته المتصلة بداره مع حرمه الكريم، فإذا كان بالعاصمة المكناسية يخرج لجنان ابن حليمة الذى صار جنانا عموميا وتضرب القباب بأجدال المتصل به الشهير، ويظل السلطان مع سائر حرمه وحرم العائلة اليوم كله، والناس ما بين راكب وراجل، فإذا كان الغروب رجع الكل للقصور المولوية وربما بات السلطان هنالك مع الخاصة من حرمه.

وفى يوم الجمعة قبل بزوغ الشمس يأتى لباب القصر الفاخر الطبال (المعروف بالكومى) بمزاميره فيضرب إلى أن تطلع الشمس، ثم تعقبه الموسيقى بألحانها العربية الشجية وتدوم نحو ساعة ويذهب الجميع.

وفى الساعة الحادية عشرة تجتمع الهيئة المخزنية بدار المخزن وتصطف العساكر والموسيقى، وعند خروج السلطان يقف كل من الوزراء تحت رياسة الصدر والمسخرون كل فريق على حدته والباشوات والحناطى البرانيون منهم أصحاب المظلة والمزارق والمكاحل يقفون على الباب الذى يخرج منه ليؤدوا التحية، ويأتوا خلفه وأمامه على عادتهم، وكبير المشور وأتباعه يقفون على الباب الذى يدخل منه لأداء التحية، ثم يخرج السلطان من داره العالية لابسا أجمل الثياب بكساء وبرنوس وعمامة متقنة التصفيف كأنما كساؤه وبرنوسه خيطا عليه من إتقانه

ص: 598

لبسهما، متقلدا تحت برنوسه سيفا قصيرا، فإذا وصل إلى الباب الأول من الدار أدى له التحية الملوكية وصفان الدار الخصيان وأتباعهم من الصبيان المسمون بالشويردات، ثم يجد الحناطى مصطفين وأمامهم رئيسهم الحاجب، وخيل القادة بأيدى خدمتها فيؤدى له الحاجب والحناطى التحية الملوكية.

فيجلس في محل المقابلة ويستدعى الوزير الصدر أو وزير الخارجية فيحادثونه ريثما ترتب الصفوف، ثم يركب في بعض الأحيان فرسا من تلك الأفراس السبعة ذات السروج الملونة والأسقاط المذهبة، وفى بعض الأحيان يركب عربة في غاية الزخرفة والزينة يجرها فرس أو فرسان عتيقان، ثم تقاد خيل القادة الستة أمامه، ثم قائد المشور جاعلا مكحلته على عاتقه، ثم الجناب الشريف ثم العربة، ثم الحاجب وراءه الحناطى إلى الباب الأوسط، فيجد الوزراء والكتبة والأمناء مصطفين صفا واحدا عن يمين الباب، فإذا حاذى الوزراء ومن معهم سلم عليهم بواسطة قائد الأروى فيردون عليه بخفض أعناقهم وهم ساكتون، ثم يحاذى أصحاب المكحلة فيؤدون له التحية الملوكية ثم يصدح أصحاب الموسيقى بما يكون فألا حسنا كقوله:

لك الهنا والسرور دائم

يا أيها الطالع السعيد

ثم يؤدى له الباشوات التحية الملوكية، وتكون صفوف العسكر المنظم وراء الجميع ثم يدخل المسجد من باب المقصورة فيصلى تحية المسجد، فإذا أذن المؤذن وخطب الخطيب وقضيت الصلاة رجع راكبا على فرس من تلك الأفراس منشورة مظلته على رأسه، ويصدح أصحاب الموسيقى بالألحان المطربة ويقرع أصحاب الكومى طبولهم وينفخون في مزاميرهم.

ويكون ترتيب التحية معكوسا بحيث يكون الوصفان الخصيان اللذين كانوا في التحية أولا هم الآخرون فيها، وبعد دخوله لقصره العامر يقف كبير المشور

ص: 599

ليجيب نيابة عن السلطان كل الجيوش الحاضرين ووزير الحرب يقف لاستعراض العساكر، فإذا كان السلطان بمكناس جلس وزير الحرب لاستعراض العساكر حذاء الباشا بباب منصور العلج والموسيقى أمامه تصدح بألحانها، ثم بعد انتهاء الاستعراض تنفض حفلة الجمعة.

ومن العوائد المقررة في الأعياد وفود الوفود على الأعتاب الشريفة قبل العيد بنحو العشرة أيام فأريد لمنافسة العمال في المحصول على ملاقاة الجلالة السلطانية، كل يود سبقية غيره، إذ العادة جارية بتقديم أول قادم على غيره فيتلاقى ساعة وصوله أو يومه على الأقل، ويقدم أيضا أول قادم على دار المخزن، ولو جاء عدد عديد في اليوم ومن جاء ليلة العيد فلا حظ له في ملاقاة القدوم.

والعادة جارية إذا كان السلطان بالحوز تفد على أعتابه من قواد أهل الحوز من وادى أم الربيع إلى أقصى سوس.

وأما أهل الغرب فلا يوجهون غير الخلائف، وكذلك إذا كان في الغرب يأتى القواد من أم الربيع إلى وجدة، ويأتى من الحوز الخلائف، فإن رام أحد من عمال الحوز القدوم على السلطان للغرب بنفسه لابد له من الاستئذان، فإن أذن له أتى، وإلا فلا، وكذا بالنسبة لأهل الغرب ومن كانت له دار نزل بها وإلا أنزله السلطان على يد الوزير الصدر، أو قائد المشور، أو باشا البلد كل على قدر مكانته، وما قدمه من الهدايا فيعين لكل محلا مناسبا لمقامه.

فإذا كان العيد عيد فطر يصدر الأمر للشرفاء والقضاة والعلماء بواسطة بطائق ممضاة من الصدارة العظمى وللأمناء والنظار والأعيان والعمال الكبار بواسطة قائد المشور بالحضور لإحياء ليلة السابع والعشرين من رمضان مع الجلالة السلطانية بالمسجد المعد لصلاة الخمس من القصر الملوكى، وذلك قبيل العشاء، وعند خروج السلطان يصدر الأمر بدخول المستدعين للمسجد بواسطة قائد المشور والحاجب،

ص: 600

فيتولى إدخال المشفعين للمحراب والإخراج منه في وقت الصلاة، فإذا قرئت عشرة أحزاب دخل السلطان لداره وخرج من بالمسجد للبنائق ثم تفاض عليهم أنواع الأطعمة الفاخرة والأتاى والحلوى على يد أصحاب الأتاى، وخليفة قائد المشور، وخليفة وزير الحرب وقائد الجزارة، وقائد أفراك، فإذا تسحروا وبقى لوقت الصبح نحو ساعة رجع الناس للمسجد فيخرج السلطان وتختم السلكة إذ تكون وقفت على سورة قل أوحى أو سورة عم.

فإذا ختمت وأديت فريضة الصبح فتح الأمير الحزب وقرأ ما شاء الله ثم يقوم ويدخل لداره، وبعد الفراغ من الحزب يخرج الناس أفواجا طبقات كل جنس ينادى على حدته، فيجدون الحاجب وقائد المشور أمام باب المسجد يدفع الحاجب أو نائبه لكل فرد ريالا واحدا، ثم يقع الإعلام بالبروز للمصلى على ما سيبين في عيد المولد، فإذا وصل السلطان للمصلى وقف كل من بها وتقام الصلاة، وإذا تمت الصلاة وصعد الخطيب المنبر لتشنيف المسامع بالخطبة خرج خليفة قائد المشور لترتيب القبائل لأداء التحية للجلالة السلطانية.

فإذا كان عيد الأضحى تقدم السلطان بعد الفراغ من الخطبة لذبح أضحيته بيده، ثم يذبح الخطيب أضحيته.

أما ليلة المولد فإنها تزيد بتوزيع الكساوى في صبيحتها على العائلة وقواد الجيش وكبراء العمال وبعض الأعيان، كما تزيد هذه الليلة بإحضار المنشدين ذوى الأصوات الحسنة من سائر مدن الإيالة الشريفة ومراسيها، فإذا وصل وقت العشاء خرج السلطان لأداء فريضتها ثم بعد الفراغ منها يصدر الإذن بدخول المذكورين للمسجد بواسطة قائد المشور.

ثم يجلس السلطان يمين المحراب ويجلس خاصة العائلة الكريمة عن يساره والقضاة والعلماء عن يمينه، ثم يستدعى المنشدين فيجلسهم أمام الجلالة، ثم

ص: 601

يستدعى بقية الشرفاء من غير العائلة الملوكية فيجلسون وراء العائلة، ثم يجلس الأعيان والكتاب ومن ذكر معهم وراء الجميع، ويجلس الوزراء وراء الكل، ويجلس الباشوات والعمال ورؤساء الجيش بصحن المسجد.

ثم يجئ الحاجب بمبخرة يضعها قريبا من السلطان بينه وبين المنشدين، ثم يضع فيها قطعة من العنبر، ولا يزال يجدد البخور ما دام الإنشاد ويتناول السلطان مجموعا مزخرفا مشتملا على البردة والهمزية وغيرهما من الأمداح النبوية فينشد المنشدون البردة والهمزية وغيرهما من الأمداح النبوية بأطيب نغمة وأحسن تخليل، فإذا حان وقوفه على قول البوصيرى الأمان الأمان نهض السلطان فتقدمه قائد المشور والفرايجية وقائدهم إلى الباب وأدوا له التحية الملوكية ودخل داره.

ثم خرج الناس من المسجد إلى المشور فجلس الشرفاء من العائلة الملوكية بمحل يناسبهم، ثم أخرج لهم الحلويات والأتاى والأطعمة ويخص الشرفاء الأقربون بطعام من طعام السلطان الخاص بعد تناوله منه تناولا لطيفا فإذا شربوا وطعموا وكان الليل طويلا، خرج من كان محله قريبا فرقد به هنيئة ثم يرجع ومن كان محله بعيدا نام بموضعه، فإذا بقى للفجر نحو الساعة ونصف رجع كل إلى محله من المسجد، ثم يخرج السلطان فيجلس يسار المحراب، ثم يأخذ مجموع المديح ويبتدئ المنشدون من حيث انتهوا إلى أن يختموا الهمزية والبردة، ثم يقرءون بانت سعاد، ثم يسردون ما تيسر من مختار القصائد المولوية التي قدمت للجلالة السلطانية من فحول شعرائه بمناسبة تلك الليلة، فإذا طلع الفجر أطلق العسكر عدة طلقات بارودية، ثم يصلى السلطان والحاضرون الفجر.

وبعد الفراغ من أداء فريضة الصبح يفتح السلطان الحزب ويقرأ مع الطلبة ما شاء الله أن يقرأ ثم يدخل داره الكريمة على الهيئة المتقدمة، ثم يخرج الشرفاء

ص: 602

فيجدون الحاجب بالباب فيناول كل واحد منهم ريالا مختوما عليه باللَّك (1) يكون عمله كذلك مع كل فرد من تلك الجماهير إلى أن يخرج جميع من المسجد.

ويصدر الأمر الشريف لقائد المشور بالإعلام للبروز إلى المصلى، فيعلم بواسطة المشاورية كافة رجال المخزن الشريف وبقية الموظفين وكافة القبائل والعمال، ثم يخرج خليفة قائد المشور في لفيف من أصحابه لترتيب هيئة المصلى فيجد كافة القبائل واقفة فيجعلها صفا واحدا من الباب الذى يكون منه خرج السلطان للمصلى عن اليمين، ويجعل المكلف بالعسكر صفا آخر مقابلا للأول من رماة العسكر وخيلها، تكون منهم قلعة مربعة خالية الوسط في آخر صف الخيل خارجة عن المصلى، ثم بعد ذلك يعلم الخليفة المذكور رئيسه بإتمام تنظيم هيئة المصلى، فيعلم هو السلطان بذلك فيخرج لمحل الاقتبال ويستدعى الصدر الأعظم فيحادثه هنيئة، ثم ينصرف الوزير ويركب بغلته كسائر الوزراء والموظفين وذوى الحيثيات.

فإذا أخذوا مراكزهم ركب السلطان فرسه وقدمت أمامه القادة وتبعه الحاجب والحناطى الداخلية وأصحاب المكاحل والمشاورين والقضاة والذكارة، ثم إذا بلغ باب البلد الذى يخرج منه لبطحاء المصلى وجد على اليمين الوزراء والكتاب والشرفاء والكبراء وذوى الحيثيات راكبين صافناتهم الجياد وبغالهم الفارهة وبزتهم الرسمية البهية التي تسر الناظرين وتخرس المناظرين، فيحييهم السلطان بالسلام بواسطة قائد الأروى، ثم يردون التحية بانحناء الرءوس، ثم تصدع الموسيقى بألحانها المطربة ونغماتها المرقصة، فيسير الأمير وأمامه قائد المشور راكبا جواده متقلدا سيفه لابسا برنوسا واضعا بندقته على عاتقه الأيمن، وأمامه فرقة من الجيش يسمون الأربعاويات في ثياب حمر وخضر وقلانس بدون برنوس مصطفين أربعا أربعا وقائد الأروى بدون برنوس أمامه وباقى أتباعه من أهل حنطته محتفون بالجلالة يمينا وشمالا مسامتون لركابه الشريف.

(1) اللك: صِبْغ أحمر.

ص: 603

ويصطف المذكورون وراءه وصفوف العسكر خيلا ورماة عن اليمين والشمال، وتكون الرماة العسكريون مما يلى الجلالة ووراء الصفوف العسكرية صفوف خيول القبائل ورماتها، ووراء الجميع خيول (الطبجية) أصحاب المدافع يجرون مدافعهم في كراسيها، وتبقى الجهة الرابعة فارغة يدخل المترجم منها للمصلى إن كانت صلاة، وتتقدم منها القبائل والوفود لتهنئة جنابه الكريم إن لم تكن صلاة كعيد المولد، فتحييه القبائل قبيلة قبيلة وكل قبيلة تقدمت أمام جلالته يسميها قائد المشور باسمها أو اسم عاملها، فإذا أدت تحيتها كما يجب رفع السلطان أكفه بالدعاء لهم بالرشاد والصلاح، وقائد المشور يبلغ ذلك لهم عنه بأرفع صوت، ثم تذهب تلك القبيلة لأخذ مركزها الذى كانت فيه عند خروج الأمير، وتتقدم أخرى لأداء التحية كما ذكرنا وهكذا إلى أن يأتى على تلك الوفود الضافية العدد.

فإذا رام الرجوع تقدمت أمامه أعلام مسخرى البخارى وما أضيف إليهم لأداء التحية اللازمة، ومن العوائد أن يكون في مقدمتهم أحد أعمام الأمير أو أنجاله يرأسهم، جاعلا مكحلته على عاتقه الأيمن، وبعد أداء التحية يرجعون خلفه، وتكون أمامهم المحفة، ونقيب آل وزان إن كان، ورئيس الزاوية الناصرية، ثم الوزراء والكتاب والشرفاء في صف خلف أعلام البخارى، ووراءهم بقية الجيش، ثم تتقدم أعلام شراكة، وبعد أدائهم واجب التحية يتقدمون أمام الأمير فإن كان السلطان بالناحية الحوزية تتقدم الرحامنة على من عداها من القبائل لأداء التحية الملوكية، وإذا كان في الناحية الغربية تتقدم قبيلتا الغرب وبنى حسن.

ثم بعد الفراغ من استقبال السلطان للقبائل تضرب المدافع وتصدح الموسيقى والطبول والمزامير والولاول، ثم ينقلب في موكبه الرائق إلى قصره العامر والخيل والرماة من عساكر وقبائل مصطفة عن اليمين والشمال كأنها بنيان مرصوص على

ص: 604

نحو ما وصفنا في الخروج والهتاف بالدعاء للجلالة المولوية بالنصر والتمكين حيثما مر، إلى أن يحل ركابه الشريف بداره العالية، فإذا دخل الباب الأول وجد الشرفاء مصطفين على اليمين فيزدلفون لتقبيل ركابه الشريف، ويهنئونه بالعيد المنيف، فإذا فرغ منهم وجد الوزراء والكتاب مصطفين أمامه فيحييهم بواسطة قائد الأروى ثم يتقدمون واحدا بعد واحد لتقبيل ركابه، ثم إذا دخل الباب الثانى وجد الجزارين مستقبلين له بأوانى الحليب وطيافير التمر فيتناول من ذلك، ثم يوجه به للشرفاء الذين يرأسون العلامات من أعمام وأصناء وقواد الجيش والأعيان والباشوات، وبمجرد دخول السلطان لداره يخرج صلة للذكارة والشرفاء، وتلك عادة جارية كانت لا تتخلف في كل عيد، ثم يودع قائد المشور الباشوات والقواد والجيوش المخزنية ويدعو لهم نيابة عن السلطان وهم يخفضون رءوسهم ويرفعونها.

ثم تنفض الحفلة ويذهب كل لحال سبيله فرحا مسرورا إلى أن يبقى للعصر نحو ساعة، فترجع الهيئة المخزنية لشريف الأعتاب ويطلع أهل البلد التي بها السلطان لتهنئته بالعيد متأبطين لهداياهم المعتادة، فإذا صلى السلطان العصر استقبلهم.

وقد كانت العادة جارية في هدية أهل مراكش بتقديم أربعين سرجا، أما الذميون فهديتهم الملف والأثواب القطنية والحرير، ثم يعمر المشور وتقدم تلك الهدايا بصفة رسمية، أما العائلة السلطانية كالأنجال والأصناء والأعمام وبنى العم فمنهم من يتلاقى مع الجلالة عشية يوم العيد نفسه، ومنهم من يتلاقى صبيحة الغد.

* * *

ص: 605