الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مع الدولة العثمانية:
وإليك نص ما كتبه وزير خارجية الدولة العثمانية لوزير الخارجية الحسنية طالبا إنشاء سفارة عثمانية بطنجة بلفظه:
باب عالى
دائرة خارجية
مكتوبى قلمى
عدد
من ناظر خارجية الدولة العلية العثمانية لجانب الأجل الأكمل الأفضل ناظر خارجية حكومة فاس الفخيمة المحترم.
إنه لما كان تأييد وتزييد الحب والوداد، وتأييد المخالصة والاتحاد الجاريين بالطبع فيما بين الدولة العلية وحكومة فاس الفخيمة، ووقاية منافع الطرفين هو قصارى مرغوب السلطنة السنية وجل مبتغاها، وكان المحصول على هذا المقصد موقوفا على أن يكون لكل من الحكومتين الفخيمتين ونواياهما الخالصة.
ولا مراء بأن شهامة حكمدار فاس الأفخم سيتكرم بالاشتراك مع الدولة العلية بما عندها من خالص الفكر والنية بتشييد أُس المخادنة والمصافاة، وتأييد بنيان المخالصة والمناسبات، وبما أن السلطنة السنية ترغب في تشكيل هيئة سفارة في طنجة مركز الحكمدارية الفخيمة الفاسية، فالمتمنى إذا صرف جل الهمم العلية باستحصال موافقة حضرة الحكمدار المشار إليه بحصول هذا المطلب المؤدى لتأييد دعامة المصافاة وتشييد أركان الصِّلاتِ فيما بين الحكومتين والتكرم بإفادة عاجزكم عما يحسن بهذا الباب هذا مع إبراز شعائر الإخلاص لمكارمكم وأدام الله بقاءكم أفندم.
في 15 ربيع الآخر سنة 1304 وزير الخارجية للدولة العلية العثمانية
(ختم) محمد سعيد"
وكان جواب الخارجية الحسنية عن أمرها أنها رأت من ملاحظة حق الأخوة في الدين أن لا تفتقر لأحداث وسيلة في جانب الوداد، ورأت من اعتبار مراحم الإسلام في الوصلة إجراءها مجرى الاتحاد يقينا بأن نعمة هذه الأخوة لا يقبل حكمها التشكيك، ولا يطرق مركبه تفكيك، فلا داعى لتنزيل جانبها منزلة ملل الاختلاف، حتى تحتاج لنصب وسائط تمهيد الائتلاف، ولتفهيم القواعد والقوانين والأعراف، لأن من المقرر المعلوم أن المقتضى لذلك هو ضرورة المعاملات، المتوقفة على المفاوضة بين الأجناس المحتاجة لبيان الاصطلاحات واللغات، وذلك منتف في أهل الملة الإسلامية، والأخوة الإيمانية، لاتحاد جميعهم في أصول الأحكام والأعراف الشرعية واتفاقهم في سلوك المساعى الصالحة على متابعة السيرة السنية.
وبأن أسلافه وأسلافكم رحم الله الجميع وقدس أرواحهم كان بينهم ما هو مشهور عند الخاص والعام، من المحبة والمودة والاتصال التام حسبما تضمنته مكاتيبهم المظنونة الوجود في ذخائر الدولة العثمانية السنية، وأنه أيده الله مع الدولة المعظمة على آثار أسلافه الأكرمين.
وكان شيخ الإسلام بالدولة العثمانية قد خاطب قبل هذا أبا عمران موسى ابن أحمد بإذن السلطان عبد الحميد راغبا فيما يؤدى للتواصل والاتحاد ومجددا عهود الآباء والأجداد ونص كتابه:
"بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وأصلى وأسلم على نبيه الهادى إلى سواء السبيل المستقيم، أما والذى أولاك الرأى المستقيم، والفكر المصيب القويم، وولاك الوزارة التي إذا حملق النجيد، وصلصل الحديد، وبلغت الأنفس الوريد، اعتصم بحقوها في الممالك المغربية من الأبطال الصارخة، اعتصام الوعول بذرى القلل
الشامخة، وذدت عنهم كماة الرجال ذود العوزم عن الأشوال، وصرت بها عصمة الهوالك، إذا شبهت الأعجاز بالحوارك، وأفريت أديم كل كمى احتقارا له بالأزميل، وخبطت إليهم خبط السرحان نقد الغنم الذليل، وحفظت كلام العجاج، وأطفأت نار الهياج، إذا غصت الأفواه، وذبلت الشفاه.
فما استللت سيفك مذ حزتها إلا أغمدته في جثمان بطل، أو شوامت جمل، فكنت للشانئين الزعاف الممقر والليث
…
رر قد انقطع لسان قلمى عن تحرير مزاياك، وقصر فكرى عن النظر إلى صور فضائلك المصورة من مراياك، فلويت زمام يراعى إلى المطلوب عجزا عن ذلك الوصف المرغوب.
أما بعد إهداء السلام المقرون بالتكريم والتبجيل، والتحية المحفوفة بالتجليل: فالذى أعلم به الوزير الأعظم، والمشير الأفخم، صاحب السيف والقلم المشهور بالرأى الأتم، الذى طرر بساط السلطنة المغربية بطراز تدابيره المصيبة، وأظهر عدل مولاه بحسن سيرته الخالصة عن كل معيبة، أعنى به حضرة السيد موسى نجل المرحوم السيد أحمد وفقه الله تعالى إلى ما يكون موجبا في الدارين لأن يحمد، هو أنه من المفهوم بديهة لدى كل ذى رأى صحيح ومن المعلوم ضرورة بحيث لا يحتاج إلى نظر لى التوضيح، أن مدار قوة الأمة المحمدية وصولتها على سائر الملل الردية، إنما هو اتحاد جميع أفرادها الموجودة في كرة الأرض وتشابك الأيدى منها بالقبض ولاسيما عند تعاضد المشركين، وقوة أعداء الدين، كما نشاهد وتسمعونه ممن لهم في هذا الزمان من الصولة الباهرة، والجولة والشدة القاهرة، المؤدية بحسب المآل إلى الفتك بجميع ما للأمة المحمدية من الأفراد، وإن كانوا في أقصى البلاد.
فبناء على هذا قد تجاسرت على الاستئذان من المولى العارف بالله، والمتوجه بكله إلى طاعة مولاه، السلطان الأعظم والخاقان الأجل المحترم، وارث الخلافة الكبرى، عن آبائه الخلفاء بالاستحقاق أمير المؤمنين بالاتفاق، مولانا وإمامنا إمام
المسلمين السلطان عبد الحميد خان ابن المرحوم المبرور الغازى السلطان عبد المجيد خان نصره الرحمن وأيد جنوده وحزبه أينما كان، آمين.
بتحريرى إلى حضرتكم ما يورث التواصل بيننا وبينكم، ويقتضى الاتحاد الحقيقى معكم كما كان التواصل بين جد سلطاننا المشار إليه بالقلم والبنان، وبين والد سلطانكم الشريف المعظم الشأن، اقتداء بجنابه العالى، الذى هو عن شوائب النقص خالى، حيث أرسل مالكة الوداد إلى سلطانكم المعظم الموجبة للاتحاد.
هذا والمأمول من شيمكم الدينية، وغيرتكم المقرونة بصلابة الحمية، بعد وصول ألوكة الإخلاص، ومأْلكة المحبة والاختصاص، أن تعرضوا مضمونها إلى أسْكُفَّة (1) السلطان الشريف المعظم، صاحب المفاخر الهاشمية والشرف المكرم، الذى ورث المجد والسلطنة والمعالى عن آبائه السلاطين العظام، وحار علو الشأن والمقام، سلطان الممالك المغربية، صانها الله تعالى عن كل مصيبة وبلية، سيدنا السلطان حسن، وفقه الله تعالى إلى كل أمر حسن، وأدام سلطنته وخلد ملكه آمين.
هذا ولاعتمادنا على العالم الفاضل السيد إبراهيم السنوسى المعلوم لديكم، حملناه هذه الرسالة ليبلغها إليكم وليبلغ ما يقتضى التبليغ شفاها باللسان وعليكم السلام في المبدإ والختام، في غرة شهر ربيع الأول الأنور سنة أربع وتسعين ومائتين وألف.
شيخ الإسلام ومفتى الأنام بممالك الدولة
العالية العثمانية حميت عن الآفات والبلية
السيد حسن خير الله عفا عنه مولاه"
(1) في الوسيط: الأسكفة: عتبة الباب. ومن العين: جفنها الأسفل.