الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكُنَى
189-
أبو حاتم العطّار [1] .
الْبَصْرِيّ العارف، أحد مشايخ الطّريق بالبصرة.
قَالَ ابنُ الَأعرابي: لم يبلغنا أنّه كان في عصره أحد يُقَدَّم عليه فِي العلم بهذه المذاهب، وكان مع ذلك ملازمًا لسوقه وتجارته. يركب الحمار ويدلّل فِي العطّارين غير متمكن من الدُّنيا منحلّ، غير أنّه يرِد فِي هَذِهِ المذاهب حَتَّى ناب عن غيره، وتَلْمَذَ له من كان بالبصرة ممّن هُوَ أحسن منه.
وكان البغداديون يدخلون البصرة يقصدون كلٌّ منهم محمد بن وهب، ويعقوب الزَّيَّات، ورزيق النّفّاط، وغيرهم.
وكان ظاهره مظاهر التّجار والعامّة منبسطًا معهم، فإذا تكلم كان غير ذلك.
أخبرني محمد بْن عليّ: سمع أَبَا حَمْزَةَ الْبَغْدَادِيّ: ربّما ذكر أبو حاتم، وكان يتكلم يوم الجمعة، فيقول فِي كلامه: لا تسألوني عن حالي، واعْفوا لي عن نفسي. حسابي على غيركم. اجعلوني كالفتيل أحرق نفسي وأُضيء لكم.
وكان لا يظهر عليه خشوع ولا تنكيس رأس ولا لباس. وكان من أَهْل السنة والإتقان، يُزْري على الغسّانيّة وأهل الأوراد وأخْذِ المعلوم، كما يذمّ أَهْل الدُّنيا ومن يأوى إِلَى الأسباب.
يقول: من لم يعبد الله الغالب على قلبه، فإنّما يعبد هواه ونفسه.
وكان يقول: من ذكر الله نسي نفسه. ومن ذكر نعمة الله نسي عمله.
وكان عامّة فِي المعاني. ويقول: الأبطال فِي النُّجوم، والسّرائر فِي القلوب.
وتحتاج تتوب من توبتك وتعبد الله له لا لك.
ويْحَك كم تبكي وتصيح، صحّح واسترح.
[1] انظر عن (أبي حاتم العطار) في:
طبقات الصوفية 146 في ترجمة أبي تراب النخشبي.
السيّاحة بالقلوب، وسَيْر الشّواتي سفر لا يقضي.
دع الإحصاء والعَدَد، وصُمِ الدُّنيا وأفطِر الآخرة.
وكان يقول، إذا رَأَى عليهم الفُوَط والّأبْراد والصوف، وهم يُصَلّون: قد نشرتم أعلامكم وضربتم طُبُولكم، فليت شعري فِي اللّقاء أيّ رجال أنتم؟
قَالَ رُزَيق النّفّاط، أو غيره: رَأَيْت أَبَا حاتم بيده عطْر يعرضه للبيع، فسألته عن مسألة، فقال: لكلّ مقامٍ مقال، ولكن اصْبِر حَتَّى أفرغ. وكان إذا فرغ جلس يوم الجمعة، اجتمع إليه الصُّوفية وأصحاب الحديث والغُرَباء، وعامّة، مسجد البصرة، وجميع الطبقات.
وكان الّذين يلزمون حلقته: ابنُ الشُّوَيْطيّ. وأبو سَعِيد الغَنَويّ، والمَرْزُوقيّ. وكان الغَنَويّ يميل إِلَى شيءٍ من الكلام ويعرفه.
وكان فِي المسجد طائفة من النّاس يُنْكِرون على أَهْل المحبّةِ لمّا يبلغهم من التّخليط، وكانوا أهل حديث، وكلّهم يستملي أَبَا حاتم ويُعْجبه كلامه لِرِقَّته، ولقَوْله بالسنة ومخالفته الغسّانيّة.
وكانوا يميلون إليه هُوَ وعبد الجبار السُّلَمّي، والحسن بْن المُثَنَّى، وأحمد بن أبي عُمَر، وابن أبي عاصم، والْجُذُوعيّ. كلّ هَؤُلَاء صوفيّة المسجد من أَهْل السنة والحديث يتحلّون النُّسُك والأمر بالمعروف والنَّهْي عن المُنْكَر.
وكان لهم بالبلد قدْرٌ وهَيْبة.
وقَالَ السُّلَمّي: كان أبو حاتم العطّار أستاذ الْجُنَيْد، وأبي سَعِيد الخرّاز.
وكان من جِلّة مشايخهم، مِن أقران أبي تراب النَّخْشبيّ. وهو أول من تكلّم بالعراق فِي علوم الإشارات.
وعن محمد بْن وهْب قَالَ: دخلت البصرة أَنَا ويعقوب الزَّيَّات، فأتينا أَبَا حاتم العطّار، فدقَقْنا الباب، فقال: من هَذَا؟
قلت: رَجُل يقول الله.
فخرج ووضع خدّه على الأرض، وقَالَ: بقي مَن يُحْسِن يقول الله! 190- أبو حَمْزَةَ البغداديّ الصوفيّ [1] .
[1] انظر عن (أبي حمزة البغدادي) في:
أحد الكبار، اسمه محمد بْن إِبْرَاهِيم.
تُوُفيّ سنة تسعٍ وستّين [1] . قاله أبو سَعِيد بْن الأعرابيّ.
تحوَّل ترجمته إِلَى هنا من بعد الثمانين.
ومن أخباره: قَالَ أَبُو سَعِيدِ بْنُ الأَعْرَابِيِّ فِي كِتَابِ «طبقات النُّسَّاك» : قدم أبو حَمْزَةَ من طَرَسُوس إِلَى بغداد، فجلس واجتمع إليه النّاس. وما زال مقبولًا حَسَن الظّاهر والمنزلة إِلَى أن تُوُفيّ. وحضر جنازته أَهْل العلم والنُّسُك. وصلّى عليه بعض بنيه، وغسّله جماعة من بني هاشم.
وقُدِّم عليه الْجُنَيْد، يعني فِي الصّلاة، فامتنع، فتقدَّم ولده. وقام المكبرِّون يسمعون النّاس [2] .
وصعد الخطيب المعروف بالكاهليّ على سطح ليبلّغ النّاس.
قال ابن الأعرابيّ: وكنت أَنَا وأبو بَكْر غلام بُلْبل، ومحمد الدِّينَوريّ، بائتين فِي مسجد أبي حَمْزَةَ ليلة موته، فمات فِي السَّحَرِ. وأُخبرتُ أنَه كان يقرأ حزبه من القرآن حَتَّى ختم فِي تلك اللّيلة. وكان صاحب ليل، مقدَّمًا فِي علم القرآن وحِفْظه. خاصّة قراءة أبي عَمْرو. وقد حملها عَنْهُ جماعة. وأخذ عَنْهُ كتاب اليزيديّ [3] . وأخبرني مَرْدَويْه أبو عَبْد الرَّحْمَن المقرئ أنّه لم يَرَ أحدًا يقدّمه فِي قراءة أبي عَمْرو، والقيام بها على أبي حَمْزَةَ.
وقد قرأ ابنُ مجاهد على مَرْدَويْه.
وكان سبب عِلّته أنّ النّاس كثُروا، فأُتي أبو حَمْزَةَ بكُرسيّ، فجلس عليه، ثُمَّ مرّ فِي كلامه بشيءٍ أعجبه، فردّده وأُغمي عليه حَتَّى سقط عن الكرسيّ [4] .
[ () ] طبقات الصوفية للسلمي 295- 298 رقم 10، وحلية الأولياء 10/ 320- 322 رقم 590، والرسالة القشيرية 432، والفهرست لابن النديم، المقالة 5، الفن 5، وتاريخ بغداد 1/ 390- 394 رقم 364، وطبقات الحنابلة 1/ 268، 269 رقم 380، والمنتظم 5/ 68، 69 رقم 155، وسير أعلام النبلاء 13/ 165- 168 رقم 99، والوافي بالوفيات 1/ 344، 345 رقم 229، والطبقات الكبرى للشعراني 1/ 116، ونتائج الأفكار القدسية 1/ 177، وكشف المحجوب 194 وقد تقدم في المحمّدين برقم (126) .
[1]
في طبقات الصوفية 296: توفي سنة تسع وثمانين ومائتين. قال ابن الجوزي: والأول أصح.
(المنتظم 5/ 69) .
[2]
انظر: سير أعلام النبلاء 13/ 168.
[3]
سير أعلام النبلاء 13/ 168.
[4]
طبقات الصوفية 295.
وقد كان هَذَا يصيبه كثيرًا، فانصرف من المجلس بين اثنين يوم الجمعة، فتعلّل ودُفِن فِي الجمعة الثانية بعد الصّلاة.
وكان أستاذ البغداديّين، وهو أوّل من تكلّم ببغداد فِي هَذِهِ المذاهب من صفاء الذِّكْر وجمع الهمّة والمحبّة والشَّوْق والقُرب والُأنس [1] ، لم يسبقه بها على رءوس النّاس ببغداد أحد [2] .
وكان قد طاف البلاد، وصحِب النُّسَاك بالبصرة، وغيرهما.
وسافر مع أبي تراب وأشكاله طالبًا الحقائق.
وجالس أَبَا نصر التّمّار، وأحمد بن حنبل، وسَرِيّ السَّقَطيّ، وهو مَوْلَى لعيسى بْن أبان القاضي [3] .
وقد سمعت أَبَا حَمْزَةَ غير مرّة يقول: قَالَ لي أَحْمَد بْن حنبل: يا صوفيّ ما نقول فِي هَذِهِ المسألة [4] ؟
191-
أبو السّاج [5] .
كان من كبار قُوّاد المعتمد على الله، وإليه تُنْسب الأجناد السّاجيّة ببغداد [6] .
مات بجُنْدَيْسابُور فِي ربيع الأول سنة ستٍّ وستّين ومائتين، وخلّف أموالا عظيمة.
[1] حلية الأولياء 10/ 320.
[2]
تاريخ بغداد 1/ 393، المنتظم 5/ 69.
[3]
حلية الأولياء 10/ 320، تاريخ بغداد 1/ 390.
[4]
طبقات الصوفية 295، تاريخ بغداد 1/ 390، طبقات الحنابلة 1/ 268، المنتظم 5/ 69.
[5]
انظر عن (أبي الساج) في:
تاريخ الطبري 9/ 47، 51، 85، 206، 293، 314، 315، 317، 321، 327، 330، 332، 333، 335، 353، 370، 371، 513، 515، 516، 549، ومروج الذهب 3093، 4104، والمنتظم 5/ 56، والكامل في التاريخ 7/ 85، 151، 152، 157، 168، 176، 276، 278، 290، 292، 333، 362، 372، 396، ووفيات الأعيان 2/ 250، 251، وزبدة الحلب 1/ 74، وشفاء الغرام (بتحقيقنا) ج 2/ 299.
واسمه ديوداد بن ديودست.
[6]
وفيات الأعيان 2/ 251.
(بعون الله وتوفيقه تمّ إنجاز تحقيق هذا الجزء من «تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام» لمؤرّخ الإسلام الحافظ «شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي» رحمه الله على يد الفقير إليه تعالى، طالب العلم وخادمه «أبو غازي» ، عمر عبد السلام تدمري، الحاج الأستاذ الدكتور، أستاذ التاريخ الإسلامي في الجامعة اللبنانية، الطرابلسيّ مولدا وموطنا، وقد قام بتصحيحه، وضبط نصّه، وتخريج أحاديثه وأشعاره، والإحالة إلى مصادره، فكان الفراغ منه قبيل غروب شمس يوم الخميس الرابع من شهر شوّال 1411 هـ. الموافق للثامن عشر من شهر نيسان (أبريل 1991 م.) والرجاء من الله تعالى أن يفتح علينا فتوح العارفين ويوفّقنا لإنجاز هذا السّفر الجليل، ويجعل عملنا هذا خالصا لوجهه، وخدمة لتراث الأمّة، وهو المستعان والموفّق) .