الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابْنَ طولون على منابر الثَّغر، فسار أَحْمَد بْن طولون من مصر حَتَّى نزل أَذَنَةَ، وقد تحصّن بها يازمان الخادم، وفعل ذلك أَهْل طَرَسُوس، فأقام ابنُ طولون مدّة على أَذَنَة، فلم يظفْر بها بطائل، فعاد إِلَى دمشق [1] .
[أَخْذُ لؤلؤ قرقيسيا من العُقَيليّ]
وفيها افتتح لؤلؤ قرقيسيا عنوة، أخذها من ابن صفوان العقيلي، وسلمها إلى أحمد بن مالك بن طوق [2] .
[دخول الموفق مدينة صاحب الزنج]
وفيها دخل الموفَّق مدينة الخبيث عَنْوَة. وكان الخبيث عند قُتِلَ بَهْبُوذ أَخَذَ تَرِكَتَه وأمواله، وضربَ أقاربه بالسِّياط، ففسدت نيّات خواصّه لذلك، فعبر الموفَّق المدينة ونادى بالأمان فتسارع إليه أصحاب بَهْبُوذ، فأحسنَ إليهم، ثُمَّ دخل المدينة بعد حربٍ شديد، وقصدَ الدّار الّتي سماها الخبيث جامعًا، فقاتل أصحابه دونه أشدّ قتالٍ حَتَّى قُتِلَ منهم خلق، ثُمَّ هدم أصحاب الموفَّق فِي الدّار وهو يبذل الأموال فِي الْجُنْد لينصحوا، فهدموها وأتوا بالمِنْبَر الَّذِي للخبيث، ففرح وخرج إِلَى مدينته بعد أن نهب خزائن الخبيث، وأحرق الأسواق والدُّور.
وذلك فِي جمادى الأولى.
وَرُمِيَ يومئذٍ الموفَّق بسهم فجرحه، ثُمَّ أصبح على القتال، فزاد عليه الألم بالحركة، وخيف عليه، وخافوا قوّة الخبيث عليهم، وأشاروا عليه بالرحيل إِلَى بغداد، فأبى وتصبَّر حَتَّى عُوفي وعاد لحرب الخبيث، وقد رمّم الخبيث ما وَهَى من مدينته [3] .
[عزم المعتمد على اللّحاق بمصر]
وَفِي نصف جُمادى الأولى شخص المعتمد من سُرَّ من رَأَى يريد اللّحاق بابن طولون لأمر تقرّر بينهما.
[1] تاريخ دمشق 9/ 613، 614، الكامل في التاريخ 7/ 396، النجوم الزاهرة 3/ 45.
[2]
تاريخ الطبري 9/ 614.
[3]
الخبر مطوّلا في تاريخ الطبري 9/ 614- 620، العيون والحدائق ج 4 ق 1/ 101، 102، الكامل في التاريخ 7/ 374- 377، نهاية الأرب 25/ 163- 166، العبر 2/ 39، دول الإسلام 1/ 162.
قَالَ أَحْمَد بْن يوسف الكاتب: خرج أَحْمَد بْن طولون من مصر، وحمل معه ابنه الْعَبَّاس معتَقَلًا، فقدِم دمشق، وخرج المعتمد من سامُراء على وجه التّنَزُّه، وقصْدُه دمشق لاتّفاقٍ جرى بينه وبين ابنُ طولون، فَلَمَّا بلغ ذلك الموفَّق كتب إِلَى إِسْحَاق بْن كُنْداج يقول: مَتَى استولى ابنُ طولون على المعتمد لم يبق منكم مَعْشَر الموالي اثنان [1] . فاجتهد فِي ردّه.
وكان ابنُ كُنْداج فِي نصِّيبين فِي أربعة آلاف، فصار إِلَى المَوْصِل، فوجد حرّاقات المعتمد وقُوّاده بموضعٍ يُقَالُ له الدَّواليب، فوكَّل بهم هناك، وسار فلقي المعتمد بين المَوْصِل والحديثة، فخرج إليه نحرير الخادم، وسلَّم عليه واستأذن فأُذِنَ له، فدخل ابنُ كنْداج ومعه ابنه محمد وجماعة يسيرة، فسلَّم ووقف، وقَالَ: يا إِسْحَاق لِمَ منعت الحَشَم من الدّخول إِلَى المَوْصِل؟ وكان ينزلها أَحْمَد بْن خاقان وخطارمِش، فقال: يا أمير المؤمنين أخوك فِي وجه العدوّ، وأنت تخرج عن مستقرّك ودار مُلْكك، ومتى صحّ عنده هَذَا رجع عن مقاومة الخارجيّ، فيغلب عدوّك على دار آبائك. وهذا كتاب أخيك يأمرنا بردّك.
فقال: أنت غلامي أو غلامه؟
فقال: كلُّنا غلمانك ما أطعت الله، فإذا عصيته فلا طاعة لك وقد عصيت الله فيما فعلت من خروجك، وتسليط عدوّك على المسلمين. ثُمَّ خرج من المضرب ووكّل به جماعة. ثُمَّ بعث إِلَى المعتمد يطلب ابنَ خاقان وخطارمِش لِيُنَاظِرهما. فبعث بهما إليه فقال: ما جنى أحد على الْإِسْلَام والخليفة ما جنيتم، فلِمَ أخرجتموه من دار مُلْكه فِي عدةٍ يسيرة، وهارون الشّاري بإزائكم فِي جمْعٍ كبير؟ فلو حضركم وأخذ الخليفة لكان عارًا وسُبَّةً على الْإِسْلَام. ثُمَّ رسّم عليهم، وبعث إِلَى الخليفة يقول: ما هَذَا المُقام، فارجع.
فقال المعتمد: فاحلف لي أنّك تنحدر معي ولا تسلّمني.
فحلف له، وانحدر إِلَى سامراء، فتلقّاه صاعد بْن مَخْلد كاتب الموفَّق، فسلّمه إِسْحَاق إليه، فأنزله فِي دار أَحْمَد بْن الخصيب، ومنعه من نزول دار الخلافة، ووكّل به خمسمائة رجل يمنعون من الدّخول إليه [2] .
[1] في الأصل: «اثنين» .
[2]
تاريخ الطبري 9/ 620، 621، وانظر: العيون والحدائق ج 4 ق 1/ 108، 109، والكامل