الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فما لك من مصعد فى السماء
…
ولا لك فى الارض من مسلك
*
(ذكر تقديم خالد بن الوليد الطلائع امامه من البطاح)
ولما سار خالد من البطاح ووقع فى أرض بنى تميم قدّم أمامه مائتى فارس عليهم معن بن عدى العجلانى وبعث معه فرات بن حبان العجلى دليلا وقدّم عينين له أمامه مكيث بن زيد الخيل الطائى وأخاه* وذكر الواقدى أنّ خالدا لما نزل العرض قدّم مائتى فارس وقال من أصبتم من الناس فخذوه فانطلقوا حتى أخذوا مجاعة بن مرارة الحنفى فى ثلاث وعشرين رجلا من قومه قد خرجوا فى طلب رجل من بنى نمير أصاب فيهم دما فخرجوا وهم لا يشعرون بمقبل خالد فسألوهم ممن أنتم قالوا من بنى حنيفة فظنّ المسلمون أنهم رسل من مسيلمة فقال ما تقولون يا بنى حنيفة فى صاحبكم فشهدوا أنه رسول الله فقال لمجاعة ما تقول أنت فقال والله ما خرجت الا فى طلب رجل من بنى نمير أصاب فينادما وما كنت أقرب مسيلمة ولقد قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت وما غيرت ولا بدّلت فقدّم القوم فضرب أعناقهم على دم واحد حتى اذا بقى سارية بن مسيلمة بن عامر فقال يا خالد ان كنت تريد بأهل اليمامة خيرا أو شرا فاستبق هذا يعنى مجاعة فانه عون لك على حربك وسلمك وكان مجاعة شريفا فلم يقتله وأعجب بسارية وبكلامه فتركه أيضا وأمر بهما فأوثقا فى جوامع حديد وكان يدعو بمجاعة وهو كذلك فيتحدّث معه ومجاعة يظنّ أنّ خالدا يقتله ودفعه الى أم متمم امرأته التى تزوّجها لما قتل زوجها مالك بن نويرة وأمرها أن تحسن أساره وكان خالد كلما نزل منزلا واستقرّ به دعا مجاعة فأكل معه وحدّثه فقال له ذات يوم أخبرنى عن صاحبك يعنى مسيلمة ما الذى كان يقرئكم هل تحفظ منه شيئا قال نعم فذكر له شيئا من رجزه قال خالد وضرب باحدى يديه على الآخرى يا معشر المسلمين اسمعوا الى عدوّ الله كيف يعارض القرآن ثم قال هات زدنا من كذب الخبيث فقال مجاعة أخرج لكم حنطة وزوانا ورطبا وتمرانا فى رجز له قال خالد وهذا كان عندكم حقا وكنتم تصدّقونه قال مجاعة لو لم يكن عندنا حقا لما لقيتك غدا اكثر من عشرة آلاف سيف يضاربونك فيه حتى يموت الاعجل قال خالد اذا يكفيناهم الله ويعز دينه فاياه يقاتلون ودينه يريدون* وفى كتاب الاموى ثم مضى خالد حتى نزل منزلة من اليمامة ببعض أوديتها وخرج الناس مع مسيلمة وقال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة لما أشرف خالد بن الوليد وأجمع أن ينزل عقرباء دفع الطلائع أمامه فرجعوا اليه فخبروه أنّ مسيلمة ومن معه خرجوا فنزلوا عقرباء فزحف خالد بالمسلمين حتى نزلوا عقرباء وضرب عسكره وقد قيل انّ خالدا سبق عقرباء وضرب عسكره ويقال توافيا اليها جميعا قال وكان المسلمون يسألون عن الدجال بن عنفوة فاذا الدجال على مقدّمة مسيلمة فلعنوه وشتموه فلما فرغ خالد من ضرب عسكره وبنو حنيفة تسوّى صفوفها نهض خالد الى صفوفه فصفها وقدّم رايته مع زيد بن الخطاب ودفع راية الانصار الى ثابت ابن قيس بن شماس فتقدّم بها وجعل على ميمنته أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة وعلى ميسرته شجاع ابن وهب واستعمل على الخيل البراء بن مالك ثم عزله واستعمل عليها اسامة بن زيد وأمر بسرير فوضع فى فسطاطه واضطجع عليه يتحدّث مع مجاعة ومعه ام متمم وأشراف أصحاب رسول الله يتحدّث معهم وأقبلت بنو حنيفة قد سلت السيوف فلم تزل مسللة وهم يسيرون نهارا طويلا فقال خالد يا معشر المسلمين أبشروا فقد كفاكم الله عدوّكم وما سلوا السيوف من بعيد الا ليرهبونا وانّ هذا منهم لجبن وفشل فقال مجاعة ونظر اليهم كلا والله يا أبا سليمان ولكنها الهندوانية خشوا من تحطمها وهى غداة باردة فأبرزوها للشمس لان تسخن متونها فلما دنوا من المسلمين نادوا انا لنعتذر من سلنا سيوفنا حين سللناها والله ما سللناها ترهيبا لكم ولاجبنا عنكم ولكنها كانت الهندوانية وكانت غداة باردة فخشينا تحطمها فأردنا أن نسخن متونها الى أن نلقاكم فسترون قال فاقتتلوا قتالا شديدا وصبر
الفريقان جميعا صبرا طويلا حتى كثرت القتلى والجراح فى الفريقين وكان أوّل قتيل من المسلمين مالك بن أوس من بنى زعوراء قتله محكم بن الطفيل واستلحم من المسلمين حملة القرآن حتى فنوا جميعا الا قليلا وهزم كلا الفريقين حتى دخل المسلمون عسكر المشركين والمشركون عسكر المسلمين مرارا فاذا اجلى المسلمون عن عسكرهم فدخل المشركون أرادوا حمل مجاعة فلا يستطيعون لما هو فيه من الحديد ولانه لا تزال تناوثهم خيل المسلمين فاذا رجع المسلمون وثبوا على مجاعة ليقتلوه وقالوا اقتلوا عدوّ الله فانه رأسهم وانهم ان دخلوا عليه أخرجوه فاذا شهروا عليه سيوفهم ليقتلوه حنت عليه أم متمم امرأة خالد وردّت عنه وقالت انى له جار حتى أجارته منهم وكان مجاعة أيضا قد أجارها من المشركين مرارا أن يقتلوها على هذا الوجه وقد كان مجاعة قال لها لما دفعه اليها خالد لتحسن أساره يا أمّ متمم هل لك ان أحالفك ان غلب أصحابى كنت لك جارا وأنت كذلك فقالت نعم فتحالفا على ذلك وقال عكرمة حملت بنو حنيفة أوّل مرّة كانت لها الحملة وخالد على سريره حتى خلص اليه فجرّد سيفه وجعل يسوق بنى حنيفة سوقا حتى ردّهم وقتل منهم قتلى كثيرة ثم كرت بنو حنيفة حتى انتهوا الى فسطاط خالد فجعلوا يضربون الفسطاط بالسيوف قال الواقدى وبلغنا أن رجلا منهم لما دخلوا الفسطاط أراد قتل أم متمم ورفع السيف عليها فاستجارت بمجاعة فألقى عليها رداءه وقال انى جار لها فنعمت الحرة كانت وعيرهم وسبهم وقال تركتم الرجال وجئتم الى امرأة تقتلونها عليكم بالرجال فانصرفوا وجعل ثابت بن قيس يومئذ يقول وكانت معه راية الانصار بئس ما عوّدتم أنفسكم الفرار يا معشر المسلمين وقد انكشف المسلمون حتى غلب بنو حنيفة على الرجال فجعل زيد بن الخطاب ينادى وكانت عنده راية خالد امّا الرجال فلا رجال اللهم انى أعتذر اليك من فرار أصحابى وأبرأ اليك مما جاء به مسيلمة ومحكم بن الطفيل وجعل يشتد بالراية يتقدّم بها فى نحر العدوّ ثم ضارب بسيفه حتى قتل وفى الصفوة زيد بن الخطاب كان أسن من اخيه عمر ابن الخطاب وكان أسلم قبل عمر وكان طوالا أسمر فلما رجع عبد الله بن عمر قال له عمر ألا هلكت قبل زيد فقال قد كنت حريصا على ذلك ولكن الله اكرمه بالشهادة وفى رواية اخرى قال له عمر ما جاء بك وقد هلك زيد ألاواريت وجهك عنى قال فلما قتل زيد وقعت الراية فأخذها سالم مولى أبى حذيفة قال المسلمون يا سالم انا نخاف أن نؤتى من قبلك فقال بئس حامل القرآن أنا اذا اتيتم من قبلى قالوا ونادت الانصار ثابت بن قيس وهو يحمل رايتهم الزمها فانما ملاك القوم الراية فتقدّم سالم مولى أبى حذيفة فحفر لرجليه حتى بلغ أنصاف ساقيه ومعه راية المهاجرين وحفر ثابت لنفسه مثل ذلك ثم لزما رايتهما ولقد كان الناس يتفرّقون وان سالما وثابتا لقائمان ثابتان برايتيهما حتى قتل سالم وقتل أبو حذيفة مولاه فوجد رأس أبى حذيفة عند رجلى سالم ورأس سالم عند رجلى أبى حذيفة لقرب مصرع كل واحد منهما من صاحبه وفى الصفوة استشهد سالم يوم اليمامة آخذ اللواء بيمينه فقطعت ثم تناولها بشماله فقطعت ثم اعتنق اللواء وجعل يقرأ وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ الى أن قتل قال ابن عمر كان سالم يؤم المهاجرين من مكة حتى قدم المدينة لانه كان أقرأ وفيهم أبو بكر وعمر بن الخطاب وقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر سالما فقال انّ سالما شديد الحب لله عز وجل وعن شهر بن حوشب قال قال عمر بن الخطاب لو استخلفت سالما مولى أبى حذيفة فسالنى عنه ربى ما حملك على ذلك لقلت رب سمعت نبيك يقول يحب الله عز وجل حقا من قلبه وقتل يومئذ ثابت بن قيس بن شماس وكان قد ضرب فقطعت رجله فرمى بها قاتله فقتله وعن عبد الله بن عبيد الله الانصارى قال كنت فيمن دفن ثابت بن قيس بن شماس وكان قتل باليمامة فسمعناه حين أدخلناه القبر يقول محمد رسول الله أبو بكر الصدّيق عمر الشهيد عثمان البر الرحيم فنظرنا فاذا هو ميت أورده
فى الشفاء وفى الاكتفاء ولما قتل ثابت بن قيس بن شماس يوم اليمامة ومعه راية الانصار يومئذ وهو خطيبهم وسيد من ساداتهم أرى رجل من المسلمين فى منامه ثابت بن قيس يقول له انى موصيك بوصية فاياك ان تقول هذا حلم فتضيعه انى لما قتلت بالامس جاء رجل من ضاحية نجد وعلىّ درعى فأخذها واتى بها منزله فاكفأ عليها برمة وجعل على البرمة رحلا وخباؤه فى اقصى العسكر الى جنب خبائه فرس ابلق يستن فى طوله فأت خالد بن الوليد فأخبره فليبعث الى درعى فليأخذها واذا قدمت على خليفة رسول الله فأخبره انّ علىّ من الدين كذا ولى من الدين كذا وسعد ومبارك غلاماى حرّان فاياك أن تقول هذا حلم فتضيعه فلما اصبح الرجل اتى خالد بن الوليد فأخبره فبعث خالد الى الدرع فوجدها كما قال وأخبره بوصيته فأجازها ولا نعلم أحدا من المسلمين اجيزت وصيته بعد موته الا ثابت ابن قيس بن شماس* وقد روى انّ بلال بن الحارث كان صاحب الرؤيا رواه الواقدى عن عبد الله ابن جعفر بن عبد الواحد بن أبى عون قال قال بلال رأيت فى منامى سالما مولى أبى حذيفة قال لى ونحن منحدرون من اليمامة الى المدينة انّ درعى مع الرفقة الذين معهم الفرس الابلق تحت قدرهم فاذا اصبحت فخذها من تحت قدرهم فاذهب بها الى أهلى وانّ علىّ شيئا من دين فمرهم يقضونه* قال بلال فأقبلت الى تلك الرفقة وقدرهم على النار فألقيتها وأخذت الدرع وجئت أبا بكر فحدّثته الحديث فقال نصدّق قولك ونقضى دينه الذى قلت* قال فلما قتل سالم مكثت الراية ساعة لا يرفعها أحد فأقبل يزيد بن قيس وكان بدريا فحملها حتى قتل ثم حملها الحكم بن سعيد بن العاص فقاتل دونها نهارا طويلا ثم قتل* وقال وحشى اقتتلنا قتالا شديدا فهزموا المسلمين ثلاث مرّات وكرّ المسلمون فى الرابعة وتاب الله عليهم وثبت اقدامهم وصبروا لوقع السيوف واختلفت بينهم وبين بنى حنيفة السيوف حتى رأيت شهب النار تخرج من خلالها حتى سمعت أصواتا كالاجراس وانزل الله علينا نصره وهزم الله بنى حنيفة فقتل الله مسيلمة قال ولقد ضربت بسيفى يومئذ حتى غرى قائمته فى كفى من دمائهم* وقال ابن عمر لقد رأيت عمارا على صخرة قد اشرف يصيح يا معشر المسلمين أمن الجنة تفرّون أنا عمار بن ياسر هلموا الىّ وأنا انظر الى اذنه تذبذب وقد قطعت* وقال سعد القرظى لقد رأيته يومئذ يقاتل قتال عشرة* وقال شريك الفزارى لما التقينا والقوم صبر الفريقان صبرا لم أر مثله قط ما تزول الاقدام فترا واختلفت السيوف بينهم وجعل يقبل أهل السوابق والنيات فيتقدّمون فيقتلون حتى فنوا ودلفت فينا سيوفهم نهارا طويلا فانهزمنا ولقد أحصيت لنا ثلاث انهزامات وما أحصيت لبنى حنيفة الا انهزامة واحدة وهى التى الجأناهم فيها الى الحديقة يعنى حديقة لمسيلمة كانت يقال لها حديقة الرحمن وبعد ذلك سميت حديقة الموت* وقال رافع بن خديج شهدنا اليمامة سبعين من اللتب فلاقينا عدوّا صبر الوقع السلاح وجماعة الناس أربعة آلاف وبنو حنيفة مثل ذلك أو نحوه فلما التقينا أذّن الله للسيوف فينا وفيهم فجعلت السيوف فينا وفيهم تجتلى هام الرجال واكفهم وجراحا لم أر جراحا قط أبعد غورا منها فينا وفيهم انى لا نظر الى عباد بن بشر قد ضرب بسيفه حتى انحنى كأنه منجل فيقيمه على ركبتيه فعرض له رجل من بنى حنيفة فلما اختلفا ضربات ضربه عباد بن بشر على العاتق مستمكنا فو الله لرأيت سحره باديا ومضى عنه عباد ومررت بالحنفى وبه رمق فأجهزت عليه وأنظر بعد الى عباد وقد اختلفت السيوف عليه وهو يبضع بها ويبعج بها بطنه فوقع وما أعلم به مصحا وكانوا حنقوا عليه لانه اكثر القتل فيهم قال وحرصت على قتلته فناديت أصحابنا من اللتب فقمنا عليه وقتلنا قتلته فرأيتهم حوله مقتلين فقلت بعدا لكم* وقال ضمرة بن سعيد المازنى وذكر ردّة بنى حنيفة لم يلق المسلمون عدوّا أشدّ لهم نكاية منهم لقوهم بالموت الناقع وبالسيوف قد أصلتوها قبل
النبل وقبل الرماح وقد صبر المسلمون لهم فكان المعول يومئذ على أهل السوابق ونادى عباد بن بشر يومئذ وهو يضرب بالسيف قد قطع من الجراح وما هو الا كالنمر الجرب فيلقى رجلا من بنى حنيفة كأنه جمل صؤل فقال هلم يا أخا الخزرج اتحسب قتالنا مثل من لاقيت فيعمد له عباد ويبدره الحنفى ويضربه ضربة بالسيف فانكسر سيفه ولم يصنع شيئا وضربه عباد فقطع رجليه وجاوزه وتركه ينوء على ركبتيه فناداه يا ابن الاكارم أجهز علىّ فكرّ عليه عباد فضرب عنقه ثم قام آخر فى ذلك المقام فاختلفا ضربات وتجاولا وعباد على ذلك كثير الجراح فضربه عباد ضربة أبدى سحره وقال خذها وأنا ابن وقش ثم جاوزه يفرى فى بنى حنيفة ضربا فريا فكان يقال قتل عباد يومئذ من بنى حنيفة بالسيف اكثر من عشرين رجلا واكثر فيهم الجراح قال ضمرة فحدّثنى رجل من بنى حنيفة قديم قال انّ بنى حنيفة لتذكر عباد بن بشر فاذا رأت الجراح بالرجل منهم تقول هذا ضرب محرب القوم عباد بن بشر وفى بعض الروايات عن حديث رافع بن خديج قال خرجنا من المدينة ونحن أربعة آلاف وأصحابنا من الانصار ما بين خمسمائة الى اربعمائة وعلى الانصار ثابت بن قيس ويحمل رايتنا أبو لبابة فانتهينا الى اليمامة فننتهى الى قوم هم الذين قال الله تعالى ستدعون الى قوم أولى بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون فلما صففنا صفوفنا ووضعنا الرايات مواضعها لم يلبثوا أن حملوا علينا فهزمونا مرارا فنعود الى مصافنا وفيها خلل وذلك انّ صفوفنا كانت مختلطة فيها حشو كثير من الاعراب فى خلال صفوفنا فينهزم أولئك بالناس فيستخفون أهل البصائر والنيات حتى كثر ذلك منهم ثم انّ الله بمنه وكرمه وفضله رزقنا عليهم الظفر وذلك انّ ثابت بن قيس نادى خالد بن الوليد أخلصنا فقال ذلك اليك فناد فى أصحابك قال فأخذ الراية ونادى يا للانصار فتسللت اليه رجلا رجلا فنادى خالديا للمهاجرين فأحدقوا به ونادى عدى بن حاتم ومكنف بن زيد الخيل بطى فثابت اليهما طىّ وكانوا أهل بلاء حسن وعزلت الاعراب عنا ناحية فقاموا من ورائنا غلوة أو اكثر وانما كنا نؤتى من الاعراب قال رافع وأجهضهم أهل السوابق والبصائر فهم فى نحورهم ما يجد أحد مدخلا الا أن يقتل رجلا منهم أو يخرج فيقع فيخلف مقامه آخر حتى أوجعنا فيهم وبان خلل صفوفهم وضجوا من السيف ثم اقتحمنا الحديقة فضاربوا فيها وغلقنا الحديقة وأقمنا على بابها رجلا لئلا يهرب منهم أحد فلما رأوا ذلك عرفوا أنه الموت فجدّوا فى القتال ودكت السيوف بيننا وبينهم ما فيها رمى بسهم ولا حجر ولا طعن برمح حتى قتلنا عدوّ الله مسيلمة* قيل لرافع يا أبا عبد الله أى القتلى كان اكثر قتلاكم أو قتلاهم قال قتلاهم اكثر من قتلانا أحسبنا قتلنا منهم ضعف ما قتلوا منا مرّتين فقد قتل من الانصار يومئذ زيادة على السبعين وجرح منهم مائتان ولقد لاقينا بنى سليم بالجواء وانهم لمجروحون فأبلوا بلاء حسنا قالت نسيبة أم عمارة لقد رأيت عديا يومئذ يصيح بطىّ صبرا فداكم أبى وأمى لوقع الاسل وانّ ابنى زيد الخيل ليقاتلان يومئذ قتالا شديدا وكان أبو خيثمة النجارى يقول لما انكشف المسلمون يوم اليمامة تنحيت ناحية وكأنى أنظر الى أبى دجانة يومئذ ما يولى ظهره منهزما وما هو الا فى نحور القوم حتى قتل وكان يختال فى مشيته عند الحرب شجية ما يستطيع غير ذلك قال وكرّت عليه طائفة من بنى حنيفة فما زال يضرب بالسيف أمامه وعن يمينه وعن شماله فحمل على رجل فصرعه وما ينبس بكلمة حتى انفرجوا عنه ونكصوا على أعقابهم والمسلمون مولون وقد ابيض ما بينهم وبينه فما ترى الا المهاجرين والانصار لا والله ما أرى أحدا يخالطهم فقاموا ناحية وتلاحق الناس فدفعوا بنى حنيفة دفعة واحدة فانتهينا بهم الى الحديقة فأقحمناهم اياها* قال أبو دجانة ألقونى على الترسة حتى أشغلهم وكانوا قد أغلقوا الحديقة فأخذوه فألقوه على الترسة ورفعوها على رؤس الرماح حتى وقع فى الحديقة وهو يقول لا ينجيكم منا الفرار
فضاربهم حتى فتحها ودخلنا عليه مقتولا وقد روى انّ البراء بن مالك هو المرمى به فى الحديقة والاوّل أثبت قال ثابت بن قيس يومئذ يا معشر الانصار الله الله ودينكم علمنا هؤلاء أمر اما كنا نحسنه ثم أقبل على المسلمين فقال أف لكم ولما تعملون ثم قال خلوا بيننا وبينهم أخلصونا فأخلصت الانصار فلم تكن لهم ناهية حتى انتهوا الى محكم بن الطفيل فقتلوه ثم انتهوا الى الحديقة فدخلوها فقاتلوا أشدّ القتال حتى اختلطوا فيها فما يعرف بعضهم بعضا الا بالشعار وشعارهم أمت أمت ثم صاح ثابت صيحة يستجلب بها المسلمين يا أصحاب سورة البقرة يقول رجل من طى والله ما معى منها آية وانما يريد ثابت يا أهل القرآن* قال واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ لما ازحف المسلمون انكشفوا أقبح الانكشاف حتى ظنّ ظانهم أن لا تكون لهم فئة فى ذلك اليوم والناس أوزاع قد هدأ حسهم وأشرت بنو حنيفة وأظهروا البغى وأو فى عباد بن بشر على نشز من الارض ثم صاح بأعلى صوته أنا عباد بن بشريا للانصار يا للانصار ألا الىّ ألا الىّ فأقبلوا اليه جميعا وأجابوه لبيك لبيك حتى توافوا عنده فقال فداكم أبى وأمى حطموا جفون السيوف ثم حطم جفن سيفه فألقاه وحطمت الانصار جفون سيوفهم ثم قال حملة صادقة اتبعونى فخرج أمامهم حتى ساقوا بنى حنيفة منهزمين حتى انتهوا بهم الى الحديقة فأغلقوا عليهم فأوفى عباد بن بشر على الحديقة وهم فيها فقال للرماة ارموا فرموا أهل الحديقة بالنبل حتى ألجأوهم أن اجتمعوا فى ناحية منها لا يطلع النبل عليهم ثم انّ الله فتح الحديقة فاقتحم عليهم المسلمون فضاربوهم ساعة ثم أغلق عباد باب الحديقة لما كل اصحابه وكره أن يفرّ بنو حنيفة وجعل يقول اللهم انى أبرأ اليك مما جاءت به بنو حنيفة* قال واقد بن عمرو فحدّثنى من رأى عباد بن بشر ألقى درعه على باب الحديقة ثم دخل بالسيف صلتا فجالدهم حتى قتل* وقال أبو سعيد الخدرى سمعت عباد بن بشر يقول حين فرغنا من بزاخة يا أبا سعيد رأيت الليلة كأنّ السماء فرجت ثم أطبقت علىّ فهى ان شاء الله الشهادة قال قلت خيرا والله قال أبو سعيد فأنظر اليه يوم اليمامة وانه ليصيح بالانصار يقول أخلصونا أخلصونا فأخلصوا أربعمائة رجل لا يخالطهم أحد يقدمهم البراء بن مالك وأبو دجانة سماك بن خرشة وعباد بن بشر حتى انتهوا الى باب الحديقة* قال أبو سعيد فرأيت بوجه عباد يعنى بعد قتله ضربا كثيرا وما عرفته الا بعلامة كانت فى جسده وكان أبو بكر الصدّيق لما انصرف اليه أسامة بن زيد من بعثه الى الشام بعثه فى اربعمائة مدد الخالد بن الوليد فأدرك خالدا قبل أن يدخل اليمامة بثلاث فاستعمله خالد على الخيل مكان البراء بن مالك وأمر البراء أن يقاتل راجلا فاقتحم عن فرسه وكان راجلا لا راحلة له فلما انكشف الناس يوم اليمامة وانكشف أسامة بأصحاب الخيل صاح المسلمون يا خالد ولّ البراء بن مالك فعزل أسامة وردّ الخيل الى البراء فقال له اركب فى الخيل فقال البراء وهل لنا من خيل قد عزلتنى وفرّقت الناس عنى فقال له خالد ليس حين عتاب اركب أيها الرجل فى خيلك ألا ترى ما لحم من الامر فركب البراء فرسه وان الخيل لاوزاع فى كل ناحية وما هى الا الهزيمة فجعل يليح بسيفه وينادى بأصحابه يا للانصار يا خيلاه يا خيلاه أنا البراء بن مالك فثابت اليه الخيل من كل ناحية وثابت اليه الانصار فارسها وراجلها* قال أبو سعيد الخدرى فقال لنا احملوا عليهم فداكم أبى وأمى حملة صادقة تريدون فيها الموت ثم أظهر التكبير وكبرنا معه فما كان لنا ناهية الا باب الحديقة وقد غلقت دوننا وازدحمنا عليهم فلم نزل حتى فتح الله وظفرنا وله الحمد* وقال عبد الله بن أبى بكر بن حزم كان البراء فارسا وكان اذا حضرته الحرب أخذته رعدة وانتفض حتى يضبطه الرجال مليا ثم يفيق فيبول بولا أحمر كأنه نقاعة الحناء فلما رأى ما يصنع الناس يومئذ من الهزيمة أخذه ما كان يأخذه فانتفض وضبطه أصحابه وجعل يقول طدونى الى الارض فلمّا أفاق سرى عنه مثل
الاسد وهو يقول
أسعدنى ربى على الانصار
…
كانوا يدا طرّا على الكفار
فى كل يوم ساطع الغبار
…
فاستبدلوا النجاة بالفرار
قال وضرب بسيفه قدما حتى انفرجوا له وخاض غمرتهم وثابت اليه الانصار كأنها النحل تأوى الى يعسوبها وتلاومت الانصار فيما صنعت وحدث عن خالد بن الوليد من سمعه يقول شهدت عشرين زحفا فلم أرقو ما أصبر لوقع السيوف ولا أضرب بها ولا أثبت أقداما من بنى حنيفة يوم اليمامة انا لما فرغنا من طليحة الكذاب ولم تكن له شوكة قلت كلمة والبلاء موكل بالقول وما بنو حنيفة ما هى الاكمن لقينا فلقينا قوما ليسوا يشبهون أحدا ولقد صبروا لنا من حين طلعت الشمس الى صلاة العصر حتى قتل عدوّ الله فما ضرب أحد من بنى حنيفة بعده بسيف ولقد رأيتنى فى الحديقة وعانقنى رجل منهم وأنا فارس وهو فارس فوقعنا عن فرسينا ثم تعانقنا بالارض فأجأه بخنجر فى سيفى وجعل يجأنى بمعول فى سيفه فجرحنى سبع جراحات وقد جرحته جرحا أثبته فاسترخى فى يدى وما بى حركة من الجراح وقد نزفت من الدم الا أنه سبقنى بالاجل فالحمد لله على ذلك* وحدّث ضمرة بن سعيد انه خلص يومئذ الى محكم بن الطفيل وهو يقول يا بنى حنيفة قاتلوا قبل أن تستحقب الكرائم غير راضيات وينكحن غير حظيات وما كان عندكم من حسب فأخرجوه فقد لحم الامر واحتيج الى ذلك منكم وجعل يقول يا بنى حنيفة ادخلوا الحديقة سأمنع دابركم وجعل يرتجز
لبئسما أوردنا مسيلمه
…
أورثنا من بعده أغيلمه
فدخلوا الحديقة وغلقوها عليهم ورمى عبد الرحمن بن أبى بكر محكما بسهم فقتله فقام مقامه المعترض ابن عمه فقاتل ساعة حتى قتله الله* وفى غير حديث ضمرة انّ خالد بن الوليد هو الذى قتل محكما حدّث الحارث بن الفضيل قال لما رأى محكم بن الطفيل من قتل قومه ما رأى جعل يصيح ادن يا أبا سليمان فقد جاءك الموت الناقع قد جاءك قوم لا يحسنون الفرار فبلغت خالدا كلمته وهو فى مؤخر الناس فأقبل وهو يقول ها أنا ذا أبو سليمان وكشف المغفر عن وجهه ثم حمل على ناحية محكم يخوض بنى حنيفة فاقحم عليه خالد فضربه ضربة أرعش منها ثم ثنى له باخرى وهو يقول خذها وأنا أبو سليمان فوقع ميتا وكان عبد الرحمن بن أبى بكر قدر ماه بسهم قبل ذلك ومنهم من يقول رماه عبد الرحمن بعد ضربة خالد ومنهم من يقول لم يكن من سهم عبد الرحمن شئ وقاتلت بنو حنيفة بعد قتل محكم بن الطفيل أشدّ القتال وهم يقولون لا بقاء بعد قتل محكم* وقال قائل لمسيلمة يا ابا ثمامة أين ما كنت وعدتنا قال أما الدين فلا دين ولكن قاتلوا عن أحسابكم فاستيقن القوم أنهم على غير شئ* وقال وحشى لما اختلط الناس فى الحديقة وأخذت السيوف بعضها بعضا نظرت الى مسيلمة وما أعرفه ورجل من الانصار يريده وأنا من ناحية اخرى أريده فهززت من حربتى حتى رضيت منها ثم دفعتها عليه وضربه الانصارى فربكم أعلم أينا قتله الا أنى سمعت امرأة فوق الدير تقول قتله العبد الحبشى* وفى البخارى قال وحشى خرجت مع الناس فاذا رجل قائم فى ثلمة جدار كأنه جمل أورق ثائر الرأس فرميته بحربتى فوضعتها بين ثدييه حتى خرجت من بين كتفيه ووثب اليه رجل من الانصار فضربه بالسيف على هامته فقالت جارية على ظهر بيت وا أمير المؤمنين قتله العبد الاسود* وفى المنتقى وأما الانصارى فلا يشك انه أبو دجانة سماك بن خرشة وكان وحشى يقول قتلت خير الناس فى الجاهلية وشرّ الناس فى الاسلام يعنى حمزة ومسيلمة قيل قتل مسيلمة بحربة قتل بها حمزة وكان معاوية بن أبى سفيان يقول أنا قتلته وقال أبو الحويرث ما رأيت أحدا قط يشك انّ عبد الله بن زيد الانصارى ضرب مسيلمة وزرقه
وحشىّ فقاتلاه جميعا وذكر عمر بن يحيى المازنى عن عبد الله بن زيد انه كان يقول أنا قتلته وكانت أم عبد الله بن زيد وهى أم عمارة نسيبة بنت كعب تقول انّ ابنها عبد الله هو الذى قتله وكانت ممن شهد ذلك اليوم وقطعت فيه يدها وذلك انّ ابنها حبيب بن زيد كان مع عمرو بن العاص بعمان عند ما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما بلغ ذلك عمروا أقبل من عمان يريد المدينة فسمع به مسيلمة فاعترض له فسبقه عمرو وكان حبيب بن زيد وعبد الله بن وهب الاسلمى فى الساقة فأصابهما مسيلمة فقال لهما أتشهد ان انى رسول الله فقال له الاسلمى نعم فأمر به فحبس فى حديد وقال له حبيب لا أسمع فقال اتشهد ان محمدا رسول الله قال نعم فأمر به فقطع وكلما قال له اتشهد انى رسول الله قال لا اسمع فاذا قال أتشهد ان محمدا رسول الله قال نعم حتى قطعه عضوا عضوا حتى قطع يديه من المنكبين ورجليه من الوركين ثم أحرقه بالنار وهو فى كل ذلك لا ينزع عن قوله ولا يرجع عما بدأ به حتى مات فى النار* فلما تهيأ بعث خالد ابن الوليد الى اليمامة جاءت أم عمارة الى أبى بكر الصديق فاستأذنته فى الخروج فقال لها أبو بكر ما مثلك يحال بينه وبين الخروج قد عرفناك وعرفنا جراءتك فى الحرب فاخرجى على اسم الله قالت فلما انتهوا الى اليمامة واقتتلوا تداعت الانصار أخلصونا فأخلصوا قالت فلما انتهينا الى الحديقة ازدحمنا على الباب وأهل النجدة من عدوّنا فى الحديقة قد انحازوا يكونون فئة لمسلمة فاقتحمنا فضاربناهم ساعة والله ما رأيت أبذل لمهج أنفسهم منهم وجعلث أقصد عدوّ الله مسيلمة لان أراه ولقد عاهدت الله لئن رأيته لا أكذب عنه أو اقتل دونه وجعلت الرجال تختلط والسيوف بينهم تختلف وخرس القوم فلا صوت الا وقع السيوف حتى بصرت بعدوّ الله فشددت عليه وعرض لى منهم رجل فضرب يدى فقطعها فو الله ما عرّجت عليها حتى انتهيت الى الخبيث وهو صريع وأجدا بنى عبد الله قد قتله* وفى رواية وابنى يمسح سيفه بثيابه فقلت أقتلته قال نعم يا أمه فسجدت لله شكرا وقطع الله دابرهم فلما انقطعت الحرب ورجعت الى منزلى جاءنى خالد بن الوليد بطبيب من العرب فداوانى بالزيت المغلى وكان والله أشدّ علىّ من القطع وكان خالد كثير التعاهد لى حسن الصحبة لنا يعرف لنا حقنا ويحفظ فينا وصية نبينا* قال عباد قلت يا جدّة كثرت الجراح فى المسلمين فقالت يا بنى لقد نحاجز الناس وقتل عدوّ الله وانّ المسلمين لجرحى كلهم لقد رأيت ابنى أبى مجروحين ما بهم حركة ولقد رأيت بنى مالك بن النجار بضعة عشر رجلا لهم أنين يكمدون ليلتهم بالنار ولقد أقام الناس باليمامة خمس عشرة ليلة وقد وضعت الحرب أوزارها وما يصلى مع خالد بن الوليد من المهاجرين والانصار الانفر يسير* وعن محمد بن يحيى بن حبان قال جرحت أم عمارة يوم اليمامة أحد عشر جرحابين ضربة بسيف أورمية بسهم أو طعنة برمح وقطعت يدها سوى ذلك وكان أبو بكر يأتيها ويسأل عنها وهو يومئذ خليفة وقتل يوم اليمامة حاجب بن زيد بن تميم الاشهلى وأبو عقيل الازرقى وبشر بن عبد الله وعامر بن ثابت العجلانى* وعن محمد بن محمود بن لبيد قال لما قتل خالد بن الوليد من أهل اليمامة من قتل كانت لهم فى المسلمين أيضا مقتلة عظيمة حتى أبيح أكثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل لا تغمد السيوف بيننا وبينهم مادام عين تطرف وكان فيمن بقى من المسلمين جراحات كثيرة فلما امسى مجاعة بن مرارة ارسل الى قومه ليلا أن ألبسوا السلاح النساء والذرية والعبيد ثم اذا أصبحتم فقوموا مستقبلى الشمس على حصونكم حتى يأتيكم أمرى وبات خالد والمسلمون يدفنون قتلاهم فلما فرغوا رجعوا الى منازلهم وباتوا يتكمدون بالنار من الجراح فلما أصبح خالد أمر بمجاعة فسيق معه فى الحديد فجعل يسبر القتلى وهو يريد مسيلمة فمرّ برجل وسيم فقال يا مجاعة أهو هذا قال لا هذا والله أكرم منه هذا محكم بن الطفيل ثم قال مجاعة انّ الذى تبتغون رجل ضخم أشعر البطن والظهر أبجر بجرته مثل القدح مطرف احدى
العينين ويقال هو اريحل اصيغرا خينس قال وامر خالد بالقتلى فكشفوا حتى وجد الخبيث فوقف عليه خالد فحمد الله كثيرا وأمر به فألقى فى البئر التى كان يشرب منها قالوا ولما أمسينا أخذنا شغل السعف ثم جعلنا نحفر لقتلانا حتى دفناهم جميعا بدمائهم وثيابهم وما صلينا عليهم وتركنا قتلى بنى حنيفة فلما صالحوا خالدا طرحوهم فى الابار وكان خالد يرى انه لم يبق من بنى حنيفة احد الا من لا ذكر له ولا قتال عنده فقال خالد لما وقف على مسيلمة مقتولا يا مجاعة هذا صاحبكم الذى فعل بكم الافاعيل ما رأيت عقولا أضعف من عقول اصحابكم مثل هذا فعل بكم ما فعل فقال مجاعة قد كان ذلك يا خالد ولا تظنّ انّ الحرب انقطعت بينك وبين بنى حنيفة وان قتلت صاحبهم انه والله ما جاءك الاسرعان الناس وانّ جماعة الناس واهل البيوتات لفى الحصون فانظر فرفع خالد بن الوليد رأسه وهو يقول قاتلك الله ما تقول قال أقول والله الحق فنظر خالد فاذا السلاح واذا الخلق على الحصون فرأى امرا غمه ثم تشدّد ساعتئذ وأدركته الرجولية فقال لاصحابه يا خيل الله اركبوا وجعل يدعو بسلاحه ويقول يا صاحب الراية قدّمها والمسلمون كارهون لقتالهم قدملوا الحرب وقتل من قتل وعامة من بقى جريح* وقال مجاعة أيها الرجل انى لك ناصح انّ السيف قد أفناك وأفنى غيرك فتعال أصالحك عن قومى وقد أخل بخالد مصاب اهل السابقة ومن كان يعرف عند العناء فرق وأحب الموادعة مع عجف الكراع واصطلحا على الصفراء والبيضاء والحلقة والكراع ونصف السبى ثم قال مجاعة آتى القوم فأعرض عليهم ما صنعت قال فانطلق فذهب ثم رجع فأخبره انهم قد أجازوه فلما بان لخالد أنه انما هو نصف السبى قال ويلك يا مجاعة خدعتنى فى يوم مرتين قال مجاعة قومى فما أصنع وما وجدت من ذلك بدّا* وقال أسيد بن حضير وأبو نائلة لخالد لما صالح يا خالد اتق الله ولا تقبل الصلح قال خالد والله قد أفناكم السيف قال أسيد وانه قد أفنى غيرنا أيضا قال فمن بقى منكم جريح قال وكذلك من بقى من القوم جرحى لا ندخل فى الصلح أبدا أغدبنا عليهم حتى يظفرنا الله بهم أو نبيد عن آخرنا احملنا على كتاب أبى بكر ان أظفرك الله ببنى حنيفة فلا تبق عليهم فقد أظفرنا الله وقتلنا رأسهم فمن بقى منهم أكل شوكه فبيناهم على ذلك اذ جاء كتاب أبى بكر يقطر الدم ويقال انهم لم يمسوا حتى قدم مسلمة بن سلامة بن وقش من عند أبى بكر بكتابين فى أحدهما* بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فاذا جاءك كتابى فانظر فان أظفرك الله ببنى حنيفة فلا تستبق منهم رجلا جرت عليه الموسى فتكلمت الانصار فى ذلك وقالوا أمر أبى بكر فوق أمرك فلا تستبق منهم فقال خالد انى والله ما صالحت القوم الا لما رأيت من رقتكم ولما نهكت الحرب منكم وقوم قد صالحتهم ومضى الصلح فيما بينى وبينهم والله لو لم يعطونا شيئا ما قاتلتهم وقد أسلموا* قال أسيد بن حضير قد قتلت مالك بن نويرة وهو مسلم فسكت عنه خالد فلم يجبه وكان خالد قد خطب الى مجاعة ابنته وكانت اجمل أهل اليمامة فقال له مجاعة مهلا انك قاطع ظهرى وظهرك عند صاحبك انّ القالة عليك كثيرة وما أقول هذا رغبة عنك فقال له خالد زوّجنى أيها الرجل فانه ان كان أمرى عند صاحبى على ما أحب فلن يفسده ما تخاف علىّ وان كان على ما أكره فليس هذا بأعظم الامور فقال له مجاعة قد نصحتك ولعل هذا الامر لا يكون عيبه الا عليك ثم زوّجه فلما بلغ ذلك أبا بكر غضب وقال لعمر بن الخطاب انّ خالدا لحريص على النساء حين يصاهر عدوّه وينسى مصيبته فوقع عمر فى خالد وعظم الامر ما استطاع فكتب أبو بكر الى خالد مع مسلمة بن سلامة يا خالد بن أم خالد انك لفارغ تنكح النساء وتعرّس بهنّ وببابك دماء ألف ومائتين من المسلمين لم تجف بعد ثم خدعك مجاعة عن رأيك فصالحك عن قومه وقد أمكنك الله منهم* فلما نظر خالد فى الكتاب قال هذا عمل عمر وكتب الى أبى بكر جواب كتابه مع أبى برزة الاسلمى أما بعد
فلعمرى ما تزوّجت النساء حتى تم لى السرور وقرّت بى الدار وما تزوّجت الا الى امرئ
لو عملت اليه من المدينة خاطبا لم ابل دع انى استثرت خطبتى اليه من تحت قدمىّ فان كنت قد كرهت لى ذلك لدين أو دنيا أعتبتك وأما حسن عزائى على قتلى المسلمين فو الله لو كان الحزن يبقى حيا أو يردّ ميتا لأبقى حزنى الحى وردّ الميت ولقد اقتحمت فى طلب الشهادة حتى أيست من الحياة وأيقنت بالموت وأما خدعة مجاعة اياى عن رأيى فانى لم أخطئ رأى يومى ولم يكن لى علم بالغيب وقد صنع الله للمسلمين خيرا أورثهم الارض وجعل لهم عاقبة المتقين* فلما قدم الكتاب على أبى بكر رق بعض الرقة وتم عمر على رأيه الاوّل فى عيب خالد بما صنع ووافقه على ذلك رهط من قريش فقام أبو برزة الاسلمى فعذر خالدا وقال يا خليفة رسول الله مايؤ بن خالد بجبن ولا خيانة ولقد اقتحم حتى أعذر وصبر حتى ظفر وما صالح القوم الاعلى رضاه وما أخطأ رأيه بصلح القوم اذ لا يرى النساء فى الحصون الا رجالا فقال أبو بكر صدقت لكلامك هذا أولى بعذر خالد من كتابه الىّ* ولما فرغ خالد من الصلح أمر بالحصون فألزمها الرجال وحلف مجاعة بالله لا يغيب عنه شيئا مما صالحه عليه ولا يعلم أحدا غيبه الا رفعه الى خالد ثم فتحت الحصون فأخرج سلاحا كثيرا فجمعه خالد على حدة وأخرج ما وجد فيها من دنانير ودراهم فجمعه على حدة وجمع كراعهم وترك الخف ولم يحرّكه ولا الرثة ثم أخرج السبى فقسمه قسمين ثم أقرع على القسمين فخرج سهمه على أحدهما وفيه مكتوب لله ثم جزأ الذى صار له من السبى على خمسة أجزاء ثم كتب على سهم منها لله وجزأ الكراع والحلقة هكذا ووزن الذهب والفضة فعزل الخمس وقسم على الناس الاربعة الاخماس وأسهم للفرس سهمين ولصاحبه سهما وعزل الخمس من ذلك كله حتى قدم به على أبى بكر ولما انقطعت الحرب بين خالد وبين أهل اليمامة تحوّل من منزله الذى كان فيه الى منزل آخر ينتظر كتاب أبى بكر يأمره ان ينصرف اليه بالمدينة* وحدث زيد بن أسلم عن أبيه قال كان أبو بكر حين وجه خالدا الى اليمامة رأى فى النوم كأنه أتى بتمر من هجر فأكل منها تمرة واحدة وجدها نواة على خلقة التمرة فلاكها ساعة ثم رمى بها فتأوّلها فقال ليلقين خالد من أهل اليمامة شدّة وليفتحن الله على يديه ان شاء الله فكان أبو بكر يستروح الخبر من اليمامة بقدر ما يجئ رسول خالد فخرج أبو بكر يوما بالعشى الى ظهر الحرّة يريد أن يبلغ صرارا ومعه عمر بن الخطاب وسعيد بن زيد وطلحة بن عبيد الله ونفر من المهاجرين والانصار فلقى أبا خيثمة النجارى قد أرسله خالد فلما رآه أبو بكر قال له ما وراءك يا أبا خيثمة قال خيرا يا خليفة رسول الله قد فتح الله علينا اليمامة قال فسجد أبو بكر قال أبو خيثمة وهذا كتاب خالد اليك فحمد الله أبو بكر وأصحابه ثم قال أخبرنى عن الوقعة كيف كانت فجعل أبو خيثمة يخبره كيف صنع خالد وكيف صف أصحابه وكيف انهزم المسلمون ومن قتل منهم فجعل أبو بكر يسترجع ويترحم عليهم وجعل أبو خيثمة يقول يا خليفة رسول الله أتينا من قبل الاعراب انهزموا بنا وعوّدونا ما لم نكن نحسن حتى أظفرنا الله بعد ثم قال أبو بكر كرهت رؤيا رأيتها كراهية شديدة ووقع فى نفسى انّ خالدا سيلقى مهم شدّة وليت خالدا لم يصالحهم وانه حملهم على السيف فما بعد هؤلاء المقتولين يستبقى أهل اليمامة ولن يزالوا من كذابهم فى بلية الى يوم القيامة الا أن يعصمهم الله ثم قدم بعد ذلك وفد اليمامة مع خالد على أبى بكر* وقال أبو بكر لخالد سم لى أهل البلاء فقال يا خليفة رسول الله كان البلاء للبراء بن مالك والناس له تبع ولما قدم خالد المدينة لم يبق بها دار الا وفيها باكية لكثرة من قتل معه من الناس فبكى أبو بكر لما رأى ذلك وكانت وقعة اليمامة فى ربيع الاوّل من سنة ثنتى عشرة واختلف فى عدد من استشهد فيها من المسلمين فأكثر ما فى ذلك ما وقع فى كتاب أبى بكر الى خالد انّ يبايك دماء ألف ومائتين من المسلمين* وقال سالم بن عبد الله
بن عمر قتل يوم اليمامة ستمائة من المهاجرين والانصار وغير ذلك* وقال زيد بن طلحة قتل يوم اليمامة من قريش سبعون ومن الانصار سبعون ومن سائر الناس خمسمائة* وعن أبى سعيد