الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حديثا*
(ذكر ما نقم على عثمان مفصلا والاعتذار عنه بحسب الامكان)
* وذلك أمور (الاوّل) ما نقموا عليه من عزله جمعا من الصحابة منهم أبو موسى عزله عن البصرة وولاها عبد الله بن عامر ومنهم عمرو بن العاص عزله عن مصر وولى عبد الله بن أبى سرح وكان قد ارتدّ فى زمن النبىّ صلى الله عليه وسلم ولحق بالمشركين فأهدر النبىّ صلى الله عليه وسلم دمه بعد الفتح الى ان أخذ له عثمان الامان ثم أسلم ومنهم عمار بن ياسر عزله عن الكوفة ومنهم المغيرة بن شعبة عزله عن الكوفة أيضا وأشخصه الى المدينة* جوابه أمّا عزل أبى موسى فكان عذره فى عزله أوضح من أن يذكر فانه لو لم يعزله لاضطربت البصرة والكوفة وأعمالهما للاختلاف الواقع بين جند البلدين* وقصته انه كتب الى عمر فى أيامه يسأله المدد فامدّه بجند الكوفة فأمرهم أبو موسى حين قدومهم عليه برامهرمز فذهبوا اليها ففتحوها وسبوا نساءها وذراريها فحمدهم على ذلك وكره نسبة الفتح الى جند الكوفة دون جند البصرة فقال لهم انى كنت أعطيتهم الامان وأجلتهم ستة أشهر فردّوا عليهم فوقع الخلاف فى ذلك بين الجندين وكتبوا الى عمر فكتب عمر الى صالحاء جند أبى موسى مثل البراء بن عازب وحذيفة بن اليمان وعمر ان بن حصين وأنس بن مالك وسعيد بن عمرو الانصارى وأمثالهم وأمرهم أن يستحلفوا أبا موسى فان حلف انه أعطاهم الامان وأجلهم ردّوا عليهم فاستحلفوه فحلف وردّ السبى عليهم وانتظر بهم أجلهم وبقيت قلوب الجند حنقة على أبى موسى ثم رفع على أبى موسى الى عمر وقيل له لو أعطاهم الامان لعلم ذلك فاستحضره عمر وسأله عن يمينه فقال ما حلفت الا على حق قال فلم أمرت الجند اليهم حتى فعلوا ما فعلوا وقد وكلنا أمرك فى يمينك الى الله تعالى فارجع الى عملك فليس نجد الان من يقوم مقامك ولعلنا ان وجدنا من يكفينا عملك وليناه فلما مضى عمر لسبيله وولى عثمان شكا جند البصرة الشيخ أبا موسى وشكا جند الكوفة ما نقموا عليه فخشى عثمان ممالأة الفريقين على أبى موسى فعزله عن البصرة وولاها أكرم الفتيان عبد الله بن عامر بن كريز وكان من سادات قريش وهو الذى سقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ريقه حين حمل اليه طفلا فى مهده* وأمّا عمرو بن العاص فانما عزله لانّ أهل مصر أكثروا شكايته وكان عمر قبل ذلك عزله لشئ بلغه عنه ولما أظهر توبته ردّه لذلك ثم عزله عثمان لشكاية رعيته كيف والروافض يزعمون انّ عمروا كان منافقا بالاسلام فقد أصاب عثمان فى عزله فكيف يعترض على عثمان بما هو مصيب عندهم وأمّا توليته عبد الله بن أبى سرح فمن حسن النظر عنده لانه تاب وأصلح عمله وكان له فيما ولاه آثار محمودة فانه فتح من تلك النواحى طائفة كثيرة حتى انتهى فى اغارته الى الجزائر التى فى بحر بلاد المغرب وحصل فى فتوحه ألف ألف دينار وخمسمائة ألف دينار سوى ما غنمه من صنوف الاموال وبعث بالخمس منها الى عثمان وفرّق الباقى فى جنده وكان فى جنده جماعة من الصحابة ومن أولادهم كعقبة بن عامر الجهنى وعبد الرحمن بن أبى بكر وعبد الله بن عمرو بن العاص قاتلوا تحت رايته وأدّوا طاعته ووجدوه أقوم بسياسة الامر من عمرو بن العاص ثم أبان عن حسن رأى فى نفسه عند وقوع الفتنة حين قتل عثمان فانه اعتزل الفريقين ولم يشهد مشهدا ولم يقاتل أحدا بعد قتال المشركين وأمّا عمار بن ياسر والمغيرة بن شعبة فأخطاؤا فى ظنّ عزل عمار فانه لم يعزله وانما عزله عمر كان أهل الكوفة قد شكوه فقال عمر من يعذرنى من أهل الكوفة ان استعملت عليهم تقيا استضعفوه وان استعملت عليهم قويا فجروه ثم عزله وولى المغيرة بن شعبة فلما ولى عثمان شكوا المغيرة اليه وذكروا انه ارتشى فى بعض أموره فلما رأى ما وقر عندهم منه استصوب عزله عنهم ولو كانوا مفترين عليه والعجب من هؤلاء الرافضة كيف ينقمون على عثمان عزل المغيرة وهم يكفرون المغيرة على انا نقول ما زال ولاة الامر قبله وبعده يعزلون من عمالهم مارأوا عزله ويولون ما رأوا توليته
بحسب ما تقتضيه أنظارهم عزل عمر بن الخطاب خالد بن الوليد عن الشأم وولى أبا عبيدة وعزل عمار عن الكوفة وولاها المغيرة بن شعبة وعزل علىّ قيس بن سعد عن مصر وولاها الاشتر النخعى ألا ترى الى معاوية وكان ممن ولاه عمر لما ضبط الجزيرة وفتح البلاد الى حدود الروم وفتح جزيرة قبرس وغنم منها مائة ألف رأس سوى ما غنم من البياض وأصناف المال وحمدت سيرته وسراياه أقرّه على ولايته وأمّا ابن مسعود فسيأتى الاعتذار عنه فيما بعد* (الثانى) * ما ادّعوه عليه من الاسراف فى بيت المال وذلك مأمور منها انّ الحكم بن العاص لما ردّه من الطائف الى المدينة وقد كان طرده النبىّ صلى الله عليه وسلم وصله من بيت المال بمائة ألف درهم وجعل لابنه الحارث سوق المدينة يأخذ منها عشور ما يباع فيها* ومنها انه وهب لمروان خمس افريقية* ومنها انّ عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبى العيص قدم عليه فوصله بثلثمائة ألف درهم* ومنها ما رواه أبو موسى قال كنت اذا أتيت عمر بالمال والحلية من الذهب والفضة لم يلبث أن يقسمه بين المسلمين حتى لا يبقى منه شئ فلما ولى عثمان أتيته به فكان يبعث به الى نسائه وبناته فلما رأيت ذلك أرسلت دمعى وبكيت فقال ما يبكيك فذكرت له صنيعه وصنيع عمر فقال رحمه الله كان حسنة وانا حسنة ولكل ما اكتسب* قال أبو موسى انّ عمر كان ينزع الدرهم الفرد من الصبىّ من أولاده فيردّه فى مال الله ويقسم بين المسلمين فأراك أعطيت بناتك مجمرا من ذهب مكللا باللؤلؤ والياقوت وأعطيت الآخرى درّتين لا يعرف قيمتهما فقال انّ عمر عمل برأيه ولا يألو عن الخير وأنا أعمل برأيى ولا آلو عن الخير وقد أوصانى الله بذوى قراباتى وأنا مستوص بهم أبرّهم* ومنها انه أنفق أكثر بيت المال فى ضياعه ودوره التى اتخذها لنفسه ولا ولاده وكان عبد الله بن أرقم ومعيقيب على بيت المال فى زمان عمر فلما رأيا ذلك استعفيا فعزلهما وولى زيد بن ثابت وجعل المفاتيح بيده فقال له يوما وقد فضل فى بيت المال فضلة فقال خذها فهى لك فأخذها زيد وكانت أكثر من مائة ألف درهم* جوابه أمّا ما ادّعوه عليه من اسرافه فى بيت المال فأكثر ما نقلوه عنه مفترى عليه مختلق وما صح منه فعذره فيه واضح وأمّا ردّه الحكم الى المدينة فقد روى انه كان استأذن النبىّ صلى الله عليه وسلم فى ردّه الى المدينة فوعده بذلك فلما ولى أبو بكر سأله عثمان ذلك فقال كيف أردّه اليها وقد نفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له عثمان ذلك قال انى لم أسمعه يقول لك ذلك ولم يكن مع عثمان بينة على ذلك فلما ولى عمر سأله ذلك فأبى ولم يريا الحكم بقول واحد فلما ولى عثمان قضى بعلمه وهو قول أكثر الفقهاء وهو مذهب عثمان وهذا بعد أن تاب وأصلح عما كان طرد لاجله واعانة التائب مما يحمد وأمّا صلته من بيت المال بمائة ألف فلم يصح وانما الذى صح انه زوّج ابنته من ابن الحارث بن الحكم وبذل لهما من مال نفسه مائة ألف درهم وكان ذاثروة فى الجاهلية والاسلام وكذلك ابنته أمّ أبان بن الحكم وجهزها من خاص ماله بمائة ألف لا من بيت المال وهذه صلة رحم يحمد عليها* وأمّا طعنهم على عثمان انه وهب خمس افريقية من مروان بن الحكم فهو غلط منهم وانما المشهور فى القصة انّ عثمان كان جهز ابن أبى السرح أميرا على الالف من الجند وحضر القتال بافريقية فلما غنمه المسلمون أخرج ابن أبى السرح الخمس من الذهب وهو خمسمائة ألف دينار فأنفذها الى عثمان وبقى من الخمس أصناف من الاثاث والمواشى مما يشق حمله الى المدينة فاشتراها مروان بمائة ألف درهم ونقد أكثرها وبقيت منه بقية ووصل الى عثمان مبشرا بفتح افريقية وكانت قلوب المسلمين مشغولة خائفة أن يصيب المسلمين من أمر افريقية نكبة فوهب له عثمان ما بقى جزاء ببشارته وللامام أن يصل المبشر من بيت المال بما يرى على قدر مراتب البشارة* وأمّا ما ذكروه من صلة عبد الله ابن خالد بن أسيد بثلثمائة
ألف درهم فانّ أهل مصر عاتبوه على ذلك لما حاصروه فأجابهم بانه استقرض
له ذلك من بيت المال وكان يحتسب لبيت المال ذلك من مال نفسه حتى وفاه وأما دعواهم انه جعل للحارث بن الحكم سوق المدينة يأخذ عشر ما يباع فيه فغير صحيح وانما جعل اليه سوق المدينة ليراعى أمر المثاقيل والموازين فتسلط يومين أو ثلاثة على باعة النوى واشتراه لنفسه فلما رفع ذلك الى عثمان أنكر عليه وعزله وقال لاهل المدينة انى لم آمره بذلك ولا عتب على السلطان فى جور بعض العمال اذا استدرك بعد علمه وقد روى انه جعله على سوق المدينة وجعل له كل يوم درهمين وقال لاهل المدينة اذا رأيتموه سرق شيئا فخذوه منه وهذا غاية الانصاف* وأما قصة أبى موسى فلا يصح شئ منها فانه رواه ابن اسحاق عن من حدّثه عن أبى موسى ولا يصح الاستدلال برواية المجهول وكيف يصح ذلك وأبو موسى ما ولى لعثمان عملا الا فى آخر السنة التى قتل فيها ولم يرجع اليه فانه لما عزله عن البصرة بعبد الله بن عامر لم يتول شيئا من أعماله الى ارسال أهل الكوفة اليه فى السنة التى قتل فيها أن يوليه الكوفة فولاه اياها ولم يرجع اليه ثم يقال للخوارج والروافض انكم تكفرون أبا موسى وعثمان فلا حجة فى دعوى بعضهم على بعض* وأمّا عزل ابن أرقم ومعيقيب عن ولاية بيت المال فانهما أسنا وضعفا عن القيام بحفظ بيت المال وقد روى انّ عثمان لما عزلهما خطب الناس وقال ألا انّ عبد الله بن أرقم لم يزل على جرايتكم من زمن أبى بكر وعمر الى اليوم وانه كبر وضعف وقد ولينا عمله زيد بن ثابت وأمّا ما نسبوه اليه من صرف بيت المال فى عمارة دوره وضياعه المختصة به فبهتان افتروه عليه وكيف وهو من أكثر الصحابة مالا وكيف يمكنه ذلك بين أظهر الصحابة مع انه الموصوف بكثرة الحياء وان الملائكة تستحيى منه لفرط حيائه أعاذنا الله من فرطات الجهل وموبقات الهوى آمين* وأما قولهم انه دفع الى زيد ما فضل من بيت المال فافتراء واختلاق بل الصحيح انه أمر بتفرقة المال على أصحابه ففضل فى بيت المال ألف درهم فأمر بانفاقها فيما يراه أصلح للمسلمين فأنفقها زيد على عمارة مسجد النبىّ صلى الله عليه وسلم بعد ما زاد عثمان فى المسجد زيادة وكل واحد منهما مشكور محمود على فعله* (الثالث) * انهم قالوا حبس عن عبد الله بن مسعود وأبى ذرّ عطاءهما وأخرج أبا ذرّ الى الربذة وكان بها الى ان مات وأوصى الى الزبير وأوصاه ان يصلى عليه ولا يستأذن عثمان لئلا يصلى عليه فلما دفن وصل عثمان ورثته بعطاء أبيهم خمس سنين* جوابه أما ما ادّعوه من حبس عطاء ابن مسعود فكان ذلك فى مقابلة ما بلغه عنه ولم تزل الائمة على مثل ذلك وكل منهما مجتهد فاما مصيبان أو مخطىء ومصيب ولم يكن قصد عثمان حرمانه البتة وأمّا التأخير الى غاية اقتضى نظره التأخير اليها أدبا فلما قضى عليه امّا مع حصول تلك الغاية أو دونها وصل به ورثته ولعله كان انفع لهم* (الرابع) * ما روى انه حمى نقيع المدينة ومنع الناس وزاد فى الحمى أضعاف النقيع* جوابه أمّا قصة الحمى فهذا ما كان اعترض به أهل مصر عليه فأجابهم بأنه انما حمى لابل الصدقة كما حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا انك زدت قال زدت لانّ ابل الصدقة زادت وليس هذا مما ينقم على الامام* (الخامس) * قالوا انه حمى سوق المدينة فى بعض ما يباع ويشترى فقال لا يشترى منه أحد النوى حتى يشترى وكيله حتى يفرغ من شراء ما يحتاج اليه عثمان لعلف ابله* جوابه أمّا انه حمى سوق المدينة الى آخر ما قرّر فهذا مما تقوّل عليه واختلق ولا أصل له ولم يصح الا ما تقدّم من حديث الحارث بن الحكم ولعله لما فعل ذلك نسبوه الى عثمان وعلى تقدير صحة ذلك يحمل على انه فعله لابل الصدقة وألحقه بحمى المرعى لها لانه فى معناه* (السادس) * زعموا انه حمى البحر من أن تخرج فيه سفينة الا فى تجارته* جوابه أما حمى البحر فعلى تقدير صحة نقل فيها يحمل على انها كانت ملكا له لانه كان منبسطا فى التجارات متسع المال فى الجاهلية والاسلام فما حمى البحر وانما حمى سفنه أن
يحمل فيها متاع غير متاعه* (السابع) * انه أقطع أصحابه
اقطاعات كثيرة من بلاد الاسلام مما لم يكن له فعله* جوابه امّا اقطاعه كثيرا من أصحابه الى آخره فعنه جوابان* الاوّل انّ ذلك كان اذنا منه فى الاحياء فأحيا كل ما قدر عليه من موات أرض العراق ومن أحيا أرضا ميتة فهى له* والثانى انّ أصحاب السير ذكروا انّ الاشراف من أهل اليمن قدموا المدينة وهجروا بلادهم وأموالهم وأحبوا أن يقيموا تجاه الاعداء وسألوه أن يعوّضهم عما تركوه من أراضيهم وأموالهم مثلها فأعطى طلحة موضعا وأخذ منه ماله بحضر موت وأعطى الاشعث بن قيس ضيعة وأخذ ماله بكندة وهكذا كل من أعطى شيئا فانما هو بشىء صار للمسلمين وفعل ذلك لما رأى من المصلحة اما اجارة ان قلنا أن أراضى السواد وقف أو تمليكا ان قلنا انها ملك* (الثامن) * انه نفى جماعة من أعلام الصحابة عن أوطانهم منهم أبو ذرّ الغفارى جندب بن جنادة وقصته فيما نقلوه انه كان بالشأم فلما بلغه ما أحدث عثمان ذكر عيوبه للناس فكتب معاوية الى عثمان أن أبا ذرّ يفسد عليك الناس فكتب اليه عثمان أن أشخصه الىّ على مركب وعروسائق عنيف فأشخصه معاوية على تلك الصورة فلما وصل الى عثمان قال له تفسد علىّ قال له أبو ذرّ أشهد لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اذا بلغ بنو أبى العاص ثلاثين رجلا جعلوا مال الله دولا وعباد الله خولا ودين الله دغلا ثم يريح الله العباد منهم فقال عثمان لمن بحضرته من المسلمين أسمعتم هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا لا فدعا عثمان عليا فسأله عن الحديث فقال لم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبى ذرّ فاغتاظ عثمان وقال لابى ذرّ اخرج من هذه البلدة فخرج منها الى الربذة فكان بها الى أن مات رحمه الله* جوابه أما ما ادّعوه من نفى جماعة من الصحابة فأما أبو ذرّ فروى انه كان يتجاسر عليه ويجيبه بالكلام الخشن ويفسد عليه ويثير الفتنة وكان يؤدّى ذلك التجاسر عليه الى اذهاب هيبته وتقليل حرمته ففعل ما فعل به صيانة لمنصب الشريعة واصانة لحرمة الدين وكان عذر أبى ذرّ فيما كان يفعله انه كان يدعوه الى ما كان عليه صاحباه من التجرّد عن الدنيا والزهد فيها فيخالفه الى أمور مباحة من اقتنائه الاموال وجمعه الغلمان الذين يستعان بهم على الحروب وكل منهما على هدى من الله ولم يزل أبو ذرّ ملازما طاعة عثمان بعد خروجه الى الربذة حتى توفى ولما قدم اليها كان لعثمان غلام يصلى بالناس فقدّم أبا ذرّ للصلاة فقال له أنت الوالى والوالى أحق* هذا كله على تقدير صحة ما نقله الروافض فى قصة أبى ذرّ مع عثمان والا فقد روى محمد بن سيرين خلاف ذلك فقال لما قدم أبو ذرّ من الشأم استأذن عثمان فى لحوقه بالربذة فقال أقم عندى تغدى عليك اللقاح وتروح فقال لا حاجة لى فى الدنيا فأذن له فى الخروج الى الربذة* وروى قتادة انّ النبىّ صلى الله عليه وسلم قال لابى ذرّ اذا رأيت المدينة بلغ بناؤها سلعا فاخرج منها وأشار الى الشأم فلما كان فى ولاية عثمان بلغ بناؤها سلعا فخرج الى الشأم وأنكر على معاوية أشياء فشكا الى عثمان فكتب عثمان الى أبى ذرّ أقبل الينا فنحن أرعى لحقك وأحسن جوارا من معاوية فقال أبو ذرّ سمعا وطاعة فقدم على عثمان ثم استاذن فى الخروج الى الربذة فاذن له فمات ورواية هذين الامامين العالمين من التابعين وأهل السنة هذه القصة أشبه بأبى ذرّ وعثمان من رواية غيرهما من أهل البدعة* (التاسع) * ان عبادة بن الصامت كان بالشأم فى جند فمر عليه قطار جمال تحمل خمرا فقيل له انها خمر تباع لمعاوية فأخذ شفرة وقام اليها فما ترك منها راوية الاشقها ثم ذكر لاهل الشأم سوء سيرة عثمان ومعاوية فكتب معاوية الى عثمان يشكوه وسأل اشخاصه الى المدينة فبعث اليه فاستدعاه فلما دخل عليه قال مالك يا عبادة تنكر علينا وتخرج من طاعتنا فقال عبادة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا طاعة لمن عصى الله
تعالى* جوابه أما قصة عبادة بن الصامت فهى دعوى باطلة وكذب مختلق وما شكا معاوية عبادة ولا أشخصه عثمان والامر على خلاف ذلك فيما رواه الثقات من اتفاقهم ورجوع بعضهم الى بعض فى الحق ويشهد لذلك ما روى انّ معاوية لما غزا جزيرة قبرس كان معه عبادة بن الصامت فلما فتح الجزيرة وأخذوا غنائمها أخرج معاوية خمسها وبعثه الى عثمان وجلس يقسم الباقى بين جنده وجلس جماعة من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم ناحية منهم عبادة بن الصامت وأبو الدرداء وشدّاد بن أوس وواثلة بن الاسقع وأبو امامة الباهلى وعبد الله بن بشر المازنى فمرّ بهم رجلان يسوقان حمارين فقال لهما عبادة ما هذان الحماران فقالا انّ معاوية أعطاناهما من المغنم وانا نرجو أن نحج عليهما فقال لهما عبادة لا يحل لكما ذلك ولا لمعاوية أن يعطيكما فردّ الرجلان الحمارين على معاوية وسأل معاوية عبادة بن الصامت عن ذلك فقال عبادة شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غزوة حنين والناس يكلمونه فى الغنائم فأخذو برة من بعير وقال مالى مما أفاء الله عليكم من الغنائم الا الخمس والخمس مردود عليكم فاتق الله يا معاوية واقسم الغنائم على وجهها ولا تعط أحدا منها اكثر من حقه فقال معاوية قد وليتك قسمة الغنائم ليس أحد بالشأم أفضل منك ولا أعلم فاقسمها بين أهلها واتق الله فيها فقسمها عبادة بين أهلها وأعانه أبو الدرداء وأبو امامة وما زالوا على ذلك الى آخر زمن عثمان فهذه قصة عبادة فى التزامه طاعة عثمان وطاعة عامله بالشأم بضدّ ما رووه قاتلهم الله* (العاشر) * هجره لعبد الله بن مسعود وذلك انه لما عزله عن الكوفة وأشخصه الى المدينة هجره أربع سنين الى أن مات مهجورا وسبب ذلك فيما زعموا انّ ابن مسعود لما عزله عثمان عن الكوفة وولى الوليد بن عقبة ورأى صنيع الوليد فى جوره وظلمه فعاب ذلك وجمع الناس بمسجد الكوفة وذكر لهم احداث عثمان ثم قال أيها الناس لتأمرنّ بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليسلطنّ الله عليكم شراركم ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لكم وبلغه خبر نفى أبى ذر الى الربذة فقال فى خطبته بمحفل من أهل الكوفة هل سمعتم قول الله تعالى ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم وعرض بذلك لعثمان فكتب الوليد بذلك الى عثمان فأشخصه من الكوفة فلما دخل مسجد النبى صلى الله عليه وسلم أمر عثمان غلاما له أسود فدفع ابن مسعود وأخرجه من المسجد ورمى به الى الارض وأمر باحراق مصحفه وجعل منزله محبسه وحبس عنه عطاء أربع سنين الى أن مات وأوصى الزبير بأن لا يترك عثمان يصلى عليه وزعموا أن عثمان دخل على ابن مسعود يعوده وقال استغفر الله لى فقال اللهم انك عظيم العفو كثير التجاوز فلا تتجاوز عن عثمان حتى تقيد لى منه* جوابه اما ما رووه مما جرى على عبد الله بن مسعود من عثمان وأمره غلامه بضربه الى آخر ما قرّروه فكله بهتان واختلاق لا يصح منه شئ وهؤلاء الجهلة لا يتحامون الكذب فيما يروونه موافقا لا غراضهم اذ لا ديانة تردّهم لذلك ثم نقول على تقدير صحة ذلك من الغلام فيكون قد فعله من نفسه غضبا لمولاه فانّ ابن مسعود كان يجبه عثمان بالكلام ويلقاه بما يكرهه ولو صح ذلك عنه لكان محمولا على الادب فانّ منصب الخلافة لا يحتمل ذلك ويضع ذلك منه بين العامّة وليس هذا بأعظم من ضرب عمر سعد بن أبى وقاص بالدرة على رأسه حين لم يقم له وقال له انك لم تهب الخلافة فأردت أن تعرف انّ الخلافة لا تهابك ولم يغير ذلك سعد اولا رآه عيبا وكذلك ضربه لابىّ بن كعب حين رآه يمشى وخلفه قوم فعلاه بالدرّة وقال انّ هذا مذلة للتابع وفتنة للمتبوع ولم يطعن أبىّ بذلك على عمر بل رآه أدبا منه نفعه الله به ولم يزل دأب الخلفاء والامراء تأديب من رأوا منه الخلاف على أنه قد روى انّ عثمان اعتذر لابن مسعود وأتاه فى منزله حين بلغه مرضه وسأله أن يستغفر له وقال يا أبا عبد الرحمن هذا عطاؤك فخذه فقال له ابن مسعود وما أتيتنى به اذ كان ينفعنى
وجئتنى به عند الموت لا أقبله فمضى عثمان الى أم حبيبة فسألها أن تطلب من ابن مسعود ليرضى عنه فكلمته أم حبيبة ثم أتاه عثمان فقال يا أبا عبد الرحمن ألا تقول كما قال يوسف لاخوته لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم فلم يتكلم ابن مسعود واذا ثبت هذا فقد فعل عثمان ما هو الممكن من حقه اللائق بمنصبه أوّلا وآخرا ولو فرض خطاؤه فقد أظهر التوبة والتمس الاستغفار واعتذر بالذنب لمن لم يقبله حينئذ فان الله أخبر أنه يقبل التوبة عن عباده وفى ذلك حثهم على الاقتداء به على أنه قد نقل ان ابن مسعود رضى عنه واستغفر له قال سلمة بن سعيد دخلت على ابن مسعود فى مرضه الذى توفى فيه وعنده قوم يذكرون عثمان فقال لهم مهلا فانكم ان قتلتموه لا تصيبون مثله وأما عزله عن الكوفة واشخاصه الى المدينة وهجره له وجفاؤه اياه فلم تزل هذه شيمة الخلفاء قبله وبعده على ما تقدّم تحريره وليس هجره اياه أعظم من هجر علىّ أخاه عقيلا بن أبى طالب وأبا أيوب الانصارى حين فارقاه بعد انصرافه من صفين وذهبا الى معاوية ولم يوجب ذلك طعنا عليه ولا عيبا فيه* وقد روى ان اعرابيا من همدان دخل المسجد فرأى ابن مسعود وحذيفة وأبا موسى يذكرون عثمان طاعنين عليه فقال أنشدكم الله لو أن عثمان ردّكم الى أعمالكم وردّ اليكم عطاياكم أكنتم ترضون قالوا اللهم نعم فقال الهمدانى اتقوا الله يا أصحاب محمد ولا تطعنوا على أئمتكم وفى هذا بيان أن من طعن على عثمان انما كان لعزله اياه وتولية غيره وقطع عطاياه وذلك سائغ للامام اذا أدّى اجتهاده اليه* (الحادى عشر) * نقلوا انه قال لعبد الرحمن بن عوف انه منافق وذلك ان الصحابة لما نقموا على عثمان ما أحدثه وعاتبوا عبد الرحمن فى توليته اياه فى اختياره فندم على ذلك وقال انى لا أعلم ما يكون وأن الامر اليكم فبلغ قوله عثمان وقال ان عبد الرحمن منافق وأنه لا يبالى ما قال فحلف ابن عوف لا يكلمه ما عاش ومات على هجرته وقالوا فان كان ابن عوف منافقا كما قال فما صحت بيعته ولا اختياره له وان لم يكن منافقا فقد فسق بهذا القول وخرج عن أهلية الامارة* جوابه أما قولهم ان عبد الرحمن ندم على تولية عثمان فكذب صريح ولو كان كذلك لصرح بخلعه اذ لا مانع له فان أعيان الصحابة على زعمهم منكرون عليه ناقمون احداثه والناس تبع لهم فلا مانع لهم من خلعه وكيف يصح ما وصفوا به كل واحد منهما فى حق الاخر وقد آخى صلى الله عليه وسلم بينهما فثبت لكل واحد منهما على الاخر حق الاخوة والاشتراك فى صحبة النبوّة وشهادة النبىّ صلى الله عليه وسلم لكل منهما بالجنة ونزل التنزيل مخبرا بالرضا عنهم وتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهما راض ويبعد مع هذا كله صدور ما ذكروه عن كل واحد منهما وانما الذى صح فى قصته ان عثمان استوحش منه فان عبد الرحمن كان ينبسط اليه فى القول ولا يبالى بما يقول له* وروى أنه قال له انى أخاف يا ابن عوف أن تنبسط فى دمى* (الثانى عشر) * ما رووا أنه ضرب عمار بن ياسر وذلك ان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتمع منهم خمسون رجلا من المهاجرين والانصار فكتبوا احداث عثمان وما نقموا عليه فى كتاب وقالوا العمار أوصل هذا الكتاب الى عثمان ليقرأه فلعله أن يرجع عن هذا الذى ننكره وخوّفوه فيه بأنه ان لم يرجع خلعوه واستبدلوا غيره قالوا فلما قرأ عثمان الكتاب طرحه فقال عمار لا ترم بالكتاب وانظر فيه فانه كتاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا والله ناصح لك وخائف عليك فقال كذبت يا ابن سمية وأمر غلمانه فضربوه حتى وقع لجنبه وأغمى عليه وزعموا انه قام بنفسه فوطئ بطنه ومذاكيره حتى أصابه الفتق وأغمى عليه أربع صلوات فقضاها بعد الافاقة واتخذ لنفسه ثيابا تحت ثيابه وهو أول من لبس الثياب لاجل الفتق فغضب لذلك بنو مخزوم وقالوا والله لئن مات عمار من هذا لنقتلنّ من بنى أمية شيخا عظيما يعنون عثمان ثم
ان عمارا لزم بيته الى أن كان من أمر الفتنة ما كان
* جوابه أمّا ضرب عمار فسياق هذه القصة لا يصح على هذا النحو الذى رووه بل الصحيح منها انّ غلمانه ضربوا عمارا وقد حلف انه لم يكن على أمره لانهم عاتبوه فى ذلك فاعتذر اليهم بان قال جاء هو وسعد الى المسجد وأرسلا الىّ أن ائتنا فانا نريد أن نذاكرك أشياء فعلتها فأرسلت اليهما انى عنكما اليوم مشغول فانصرفا وموعدكما يوم كذا وكذا فانصرف سعد وأبى هو أن ينصرف فأعدت اليه الرسول فأبى ثم أعدت اليه فأبى فتناوله رسولى بغير أمرى والله ما أمرته ولا رضيت بضربه وهذه يدى لعمار فليقتص منى ان شاء وهذا أبلغ ما يكون من الانصاف* ومما يؤيد ذلك ويوهى ما رووا انه روى أبو الزناد عن أبى هريرة انّ عثمان لما حوصر ومنع الماء قال لهم عمار سبحان الله قد اشترى بئر رومة وتمنعونه ماءها خلوا سبيل الماء ثم جاء الى علىّ وسأله انفاذ الماء اليه فأمر براوية ماء وهذا يدل على رضاه وقد روى رضاه عنه لما أنصفه بحسن الاعتذار فما بال أهل البدعة لا يرضون وما مثلهم فيه الا كما يقال رضى الخصمان ولم يرض القاضى* (الثالث عشر) * قالوا انه انتهك حرمة كعب بن عبدة البهزى وذلك انّ جماعة من أهل الكوفة اجتمعوا وكتبوا الى عثمان كتابا يذكرون فيه احداثه ويقولون ان أنت أقلعت عنها فانا سامعون مطيعون والا فانا منا بذوك ولا طاعة لك علينا وقد أعذر من أنذر ودفعوا الكتاب الى رجل من عنزة ليحمله الى عثمان وكتب اليه كعب بن عبدة كتابا أغلظ منه مع كتابهم فغضب عثمان وكتب الى سعيد بن العاص أن يسرع الى كعب بن عبدة ويبعث به من الكوفة الى بعض الجبال فدخل عليه وجرّده من ثيابه وضربه عشرين سوطا ونفاه الى بعض الجبال* جوابه أمّا قولهم انه انتهك حرمة كعب فيقال لهم ما أنصفتم اذ ذكرتم بعض القصة وتركتم تمامها وذلك انّ عثمان استدرك ذلك بما أرضاه وكتب الى سعيد بن العاص أن ابعثه الىّ مكرّما فبعثه اليه فلما دخل عليه قال له يا كعب انك كتبت الىّ كتابا غليظا ولو كتبت الىّ ببعض اللين لقبلت مشورتك ولكنك حدّدتنى وأغصبتنى حتى نلت ما نلت ثم نزع قميصه ودعا بسوط فدفعه اليه ثم قال قم فاقتص منى ما ضربته فقال كعب أمّا اذا فعلت ذلك فأنا أدعه الى الله تعالى ولا أكون أوّل من اقتص من الائمة ثم صار كعب بعد ذلك من خاصة عثمان وعذره فى مبادرته الامر بضربه ونفيه وذلك سبيل أولى الامر فى تأديب من رأوا خروجه على امامه* (الرابع عشر) * قالوا وانتهك حرمة الاشتر النخعى وذلك انّ سعيد بن العاص لما ولى الكوفة من قبل عثمان دخل المسجد فاجتمع اليه أشراف الكوفة فذكروا الكوفة وسوادها فقال عبد الرحمن بن حنين صاحب شرطة سعيد وددت أنّ السواد كله للامير فقال الاشتر النخعى لا يكون للامير ما أفاء الله علينا بأسيافنا فقال عبد الرحمن اسكت يا اشتر فو الله لو أراد الامير لكان السواد كله له فقال الاشتر كذبت يا عبد الرحمن لو رام ذلك لما قدر عليه وقامت العامّة على ابن حنين فضربوه حتى وقع لجنبه وكتب سعيد الى عثمان ليأمره باخراج الاشتر من الكوفة الى الشام مع أتباعه الذين أعانوه فأجابه الى ذلك فأشخصه مع عشرين نفرا من صالحاء الكوفة الى الشام فلم يزالوا محبوسين بها الى ان كانت فتنة عثمان ثم انّ سعيد الحق بالمدينة واضطربت الكوفة على عمال عثمان وكتب أشراف الكوفة الى الاشتر أمّا بعد فقد اجتمع الملأ من اخوانك فتذاكروا احداث عثمان وما أتاه عليك ورأوا ان لا طاعة عليهم فى معصية الله وقد خرج سعيد عنا وقد أعطينا عهودنا أن لا يدخل علينا سعيد بعد هذا واليا فالحق بنا ان كنت تريد أن تشهد معنا أمرنا فسار اليهم واجتمع معهم وأخرجوا ثابت بن قيس صاحب شرطة سعيد بن العاص وعزم عسكر الاشتر وأهل الكوفة على منع عمال عثمان على الكوفة واتصل الخبر بعثمان فأرسل اليهم سعيد بن العاص فلما بلغ العذيب استقبله جند الكوفة وقالوا ارجع يا عدوّ الله فانك لا تذوق فيها بعد صنيعك ماء الفرات وقاتلوه
وهزموه فرجع الى عثمان خائبا وكتب عثمان الى الاشتر كتابا توعده على مخالفة الامام فكتب اليه الاشتر* من مالك بن الحويرث الى الخليفة الخارج عن سنة نبيه النابذ حكم القرآن وراء ظهره أمّا بعد فانّ الطعن على الخليفة انما يكون وبالا اذا كان الخليفة عادلا وبالحق قاضيا واذا لم يكن كذلك ففراقه قربة الى الله ووسيلة اليه وأنفذ الكتاب مع كميل بن زياد فلما وصل الى عثمان سلم ولم يسمه بأمير المؤمنين فقيل له لم لا تسلم بالخلافة على أمير المؤمنين فقال ان تاب عن أفعاله وأعطانا ما نريد فهو أمير المؤمنين والا فلا فقال عثمان انى أعطيكم الرضا فمن تريدون أن أوليه عليكم فاقترحوا عليه أبا موسى الاشعرى فولاه عليهم* جوابه أمّا قصة الاشتر النخعى فبقول ظلمة البدعة والحمية الناشئة عن محض العصبية تحول دون رؤية الحق وهل آثار الفتنة فى هذه القصة الافعل الاشتر بالكوفة من هتك حرمة السلطان وتسليط العامّة على ضرب عامله فلا يعتذر عن عثمان فى الامر بنفيه بل ذلك أقلّ ما يستوجبه ثم لم يقنعه ذلك حتى سار من الشام الى الكوفة وأضرم نار الفتنة على ما تقدّم تقريره ثم لم يتمكن عثمان معهم من شئ الاسلوك سبيل السياسة واجابتهم الى ما أرادوا فولى عليهم أبا موسى وبعث حذيفة بن اليمان على خراجهم ثم لم يقنعهم ذلك حتى خرج اليهم الاشتر مع رعاع الكوفة وانضم اليه جماعة من أهل مصر وساروا الى عثمان فقتلوه وباشر الاشتر قتله على ما فى بعض الروايات وصار قتله سببا للفتنة الى ان تقوم الساعة فعميت أبصارهم وبصائرهم عن ذمّ الاشتر وأنظاره وتعرّضوا لذمّ من شهد له لسان النبوّة انه على الحق وأمر بالكون معه وأخبر بانه يقتل مظلوما يشهد لذلك الحديث الصحيح كما تقدّم* (الخامس عشر) * قالوا انّ عثمان أحرق مصحف ابن مسعود ومصحف أبى وجمع الناس على مصحف زيد ثابت ولما بلغ ابن مسعود انه أحرق مصحفه وكان له نسخة عند أصحاب له بالكوفة أمرهم بحفظها وقال لهم قرأت سبعين سورة وانّ زيد بن ثابت لصبى من الصبيان* جوابه أمّا احراق مصحف ابن مسعود فليس ذلك مما يعتذر عنه بل هو من أكبر المصالح فانه لو بقى فى أيدى الناس أدّى ذلك الى فتنة كبيرة فى الدين لكثرة ما فيه من الشذوذ المنكرة عند أهل العلم بالقرآن ولحذفه المعوّذتين من مصحفه مع الشهرة عند الصحابة انهما من القرآن قال عثمان لما عوتب فى ذلك خشيت الفتنة فى القرآن وكان الاختلاف بينهم واقعا حتى كان الرجل يقول لصاحبه قراءتى خير من قراءتك فقال له حذيفة أدرك الناس فجمع الناس على مصحف واحد لتزول الفتنة فى القرآن وكان الذى اجتمعوا عليه مصحف عثمان ثم يقال لاهل الاهواء والبدعة ان لم يكن مصحف عثمان حقا فلم رضى علىّ وأهل الشام بالتحكم اليه حين رفع أهل الشام المصاحف وكانت مكتوبة على نسخة مصحف عثمان* (السادس عشر) * قالوا انّ عثمان ترك اقامة حدود الله تعالى فى عبيد الله بن عمر لما قتل الهرمز ان وقتل جفينة وبنتا صغيرة لابى لؤلؤة قاتل عمر فاجتمعت الصحابة عند عثمان وأمروه بقتل عبيد الله بن عمر قصاصا بمن قتل وأشار علىّ بذلك فلم يقتله ولذلك صار عبيد الله بعد قتل عثمان الى معاوية خوفا من علىّ أن يقتله بالهرمزان* جوابه أمّا قولهم ترك اقامة حدود الله فى عبيد الله بن عمر فنقول أمّا ابنة أبى لؤلؤة فلا قود فيها لانّ ابنة المجوسى صغيرة لا قود فيها تابعة له وكذلك جفينة فانه نصرانى من أهل الحيرة وأمّا الهرمز ان فعنه جوابان* الاوّل انه شارك أبا لؤلؤة فى ذلك ومالأه وان كان المباشر أبا لؤلؤة وحده ولكن المعين على قتل الامام العادل يباح قتله عند جماعة من الائمة وفد أوجب كثير من الفقهاء القود على الامر والمأمور وبهذا اعتذر عبيد الله بن عمرو قال انّ عبد الرحمن بن أبى بكر أخبره انه رأى أبا لؤلؤة والهرمزان وجفينة يدخلون فى مكان يتشاورون وبينهم خنجر له رأسان مقبضه فى وسطه فقتل عمر فى صبيحة تلك الليلة فاستدعى عثمان عبد الرحمن فسأله فى ذلك فقال انظروا الى السكين فان كان ذا طرفين فلا أرى القوم