الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لامر الله وبايعوه* وفى سنة احدى وثلاثين وخمسمائة تزوّج الخليفة بالخاتون فاطمة بنت محمد ابن ملك شاه على صداق مائة ألف دينار وفيها صام أهل بغداد ثلاثين يوما ولم يروا الهلال ليلة احدى وثلاثين مع كون السماء مصحية* قال ابن الجوزى وهذا شئ لم يقع مثله وفيها ظهر بالشام سحاب أسود أظلمت له الدنيا ثم سحاب أحمر كأنه نار أضاءت له الدنيا ثم جاءت ريح عاصفة فألقت أشجارا كثيرة ثم وقع مطر شديد وسقط برد كبار* وفى سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة كسا الكعبة رجل من التجار يقال له ابن امشت الفارسى وجعل فيها أربعة قناديل من الذهب وزنها عشرة ارطال بثمانية عشر ألف دينار وذلك لانه لم يأتها كسوة فى هذا العام لاجل اختلاف الملوك* وفى سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة زلزل أهل حلب فى ليلة واحدة ثمانين مرّة وكانت زلازل بمصر والشام أقامت تعاود الناس أياما كثيرة حتى خربت اكثر البلاد* حكى أنها جاءت فى يوم وليلة احدى وتسعين مرّة* وفى دول الاسلام فيها كانت الزلزلة العظمى التى دكت مدينة الحيرة ومات تحت الردم أزيد من مائة ألف وقيل خسف بها وبقى مكانها ماء أسود* وفى سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة مات محدّث بغداد الحافظ عبد الوهاب بن المبارك الانماطى وله ست وسبعون سنة* وعلامة خوارزم أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشرى النحوى المفسر المعتزلى وله احدى وسبعون سنة* وفى سنة أربع وأربعين وخمسمائة مات عالم المغرب القاضى أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض السبتى وله ثمان وستون سنة* وفى سنة ثمان وأربعين وخمسمائة مات الافضل أبو الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستانى المتكلم صاحب الملل والنحل وتوفى المقتفى لامر الله يوم الاحد ثانى شهر ربيع الاوّل* وفى سيرة مغلطاى توفى المقتفى ليلة السبت مستهل ربيع الاوّل سنة خمس وخمسين وخمسمائة ودفن بداره بعد أن صلى عليه ولده المستنجد يوسف وكانت خلافته أربعا وعشرين سنة وثلاثة أشهر واحدا وعشرين يوما وعاش ستا وستين سنة وفى أيامه مات السلطان مسعود بهمدان وقتل أتابك زنكى وهو نائم ومطرت اليمن دما ووقع على ثياب الناس والارض شبه الدم كذا فى سيرة مغلطاى*
(خلافة المستنجد بالله أبى المظفر يوسف بن المقتفى محمد بن المستظهر بن أحمد الهاشمى العباسى البغدادى أمير المؤمنين)
* أمه أم ولد كرجية تسمى طاوس أدركت خلافته ومولده فى سنة ثمان وخمسمائة* صفته* كان المستنجد أسمر طويل اللحية معتدل القامة شجاعا مهابا عادلا فى الرعية أديبا فصيحا فطنا أزال المظالم والمكوس فى خلافته بويع بالخلافة بعد موت أبيه المقتفى فى سنة خمس وخمسين وخمسمائة فبايعه أولاد عمه أبو طالب ثم أخوه أبو جعفر ثم ابن هبيرة وقاضى القضاة ابن الدامغانى قيل انّ المستنجد رأى فى منامه فى حياة أبيه كأن ملكا نزل من السماء فكتب فى كفه أربع خاآت معجمات فلما أصبح أوّله له بعض المعبرين بأنه يلى الخلافة فى سنة خمس وخمسين وخمسمائة وكان كذلك وكان نقش خاتم المستنجد من أحب نفسه عمل لها*
سبب حفر الخندق حول الحجرة النبوية
وفى سنة سبع وخمسين وخمسمائة عمل الملك نور الدين الشهيد محمود بن زنكى بن أقسنقر خندقا حول الحجرة النبوية مملوآ بالرصاص على ما ذكر فى الوفاء وسبب ذلك أن النصارى خذلهم الله دعتهم أنفسهم فى سلطنة الملك المذكور الى أمر عظيم ظنوا أنه يتم لهم ويأبى الله الا أن يتم نوره ولو كره الكافرون وذلك ان السلطان المذكور كان له تهجد يأتى به فى الليل وأوراد يأتى بها فنام عقب تهجده فرأى النبى صلى الله عليه وسلم فى نومه وهو يشير الى رجلين أشقرين ويقول أنجدنى أنقذنى من هذين فاستيقظ فزعا ثم توضأ وصلى ونام فرأى المنام بعينه فاستيقظ وصلى ونام فرآه أيضا مرّة ثالثة فاستيقظ وقال لم يبق نوم وكان له وزير من الصالحين يقال له جمال الدين الموصلى فأرسل اليه ليلا وحكى له جميع ما اتفق
له فقال له وما قعودك اخرج الان الى المدينة النبوية واكتم ما رأيت فتجهز فى بقية ليلته وخرج على رواحل خفيفة فى عشرين نفرا وفى صحبته الوزير المذكور ومال كثير فقدم المدينة فى ستة عشر يوما فاغتسل خارجها ودخل فصلى فى الروضة وزار ثم جلس لا يدرى ماذا يصنع فقال الوزير وقد اجتمع أهل المدينة فى المسجد ان السلطان قصد زيارة النبى صلى الله عليه وسلم وأحضر معه أموالا للصدقة فاكتبوا من عندكم فكتبوا أهل المدينة كلهم وأمر السلطان بحضورهم وكل من حضر ليأخذ يتأمله ليجد فيه الصفة التى أراها له النبىّ صلى الله عليه وسلم فلا يجد تلك الصفة فيعطيه ويأمره بالانصراف الى أن انفضت الناس فقال السلطان هل بقى أحد لم يأخذ شيئا من الصدقة قالوا لا فقال تفكروا وتأمّلوا فقالوا لم يبق أحد الا رجلين مغربيين لا يتناولان لاحد شيئا وهما صالحان غنيان يكثران الصدقة على المحاويج فلما سمعه السلطان انشرح صدره وقال علىّ بهما فأتى بهما فرآهما والرجلين اللذين أشار النبىّ صلى الله عليه وسلم اليهما بقوله أنجدنى أنقذنى من هذين فقال لهما من أين أنتما فقالا من بلاد المغرب جئنا حاجين فاخترنا المجاورة فى هذا العام عند رسول الله فقال أصدقانى فصمما على ذلك فقال أين منزلهما فأخبر بأنهما فى رباط بقرب الحجرة الشريفة فأمسكهما وحضر الى منزلهما فرأى فيه مالا كثيرا وختمتين وكتبا فى الرقائق ولم ير فيه شيئا غير ذلك فأثنى عليهما أهل المدينة بخير كثير وقالوا انهما صائمان الدهر ملازمان الصلوات فى الروضة الشريفة وزيارة النبىّ صلى الله عليه وسلم وزيارة البقيع كل بكرة وزيارة قباء كل سبت ولا يردّان سائلا قط بحيث سدّا خلة أهل المدينة فى هذا العام المجدب فقال السلطان سبحان الله ولم يظهر شيئا مما رآه وبقى السلطان يطوف فى البيت بنفسه فرفع حصيرا فى البيت فرأى سردا بالمحفورا ينتهى الى صوب الحجرة الشريفة فارتاعت الناس لذلك وقال السلطان عند ذلك أصدقانى حالكما وضربهما ضربا شديدا فاعترفا بأنهما نصرانيان بعثهما النصارى فى زى حجاج المغاربة وأمدّوهما بأموال عظيمة وامروهما بالتحيل فى شئ عظيم خيلته لهم أنفسهم وتوهموا أن يمكنهم الله منه وهو الوصول الى الجناب الشريف ويفعلوا به مازينه لهم ابليس فى النقل وما يترتب عليه فنزلا فى أقرب رباط الى الحجرة الشريفة وهو الرباط المعروف برباط المراغة وفعلا ما تقدّم وصارا يحفران ليلا ولكل منهما محفظة جلد على زىّ المغاربة والذى يجتمع من التراب يجعله كل منهما فى محفظته ويخرجان لاظهار زيارة قبور البقيع فيلقيانه بين القبور وأقاما على ذلك مدّة فلما قربا من الحجرة الشريفة أرعدت السماء وأبرقت وحصل رجيف عظيم بحيث خيل انقلاع تلك الجبال فقدم السلطان صبيحة تلك الليلة واتفق مسكهما واعترافهما فلما اعترفا وظهر حالهما على يديه ورأى تأهيل الله له لذلك دون غيره بكى بكاء شديدا وأمر بضرب رقابهما فقاتلا تحت الشباك الذى يلى الحجرة الشريفة وهو مما يلى البقيع ثم أمر باحضار رصاص عظيم وحفر خندقا عظيما الى الماء حول الحجرة كلها وأذيب ذلك الرصاص وملئ به الخندق فصار حول الحجرة سورا رصاصا الى الماء ثم عاد الى ملكه وأمر باضعاف النصارى وأمر أن لا يستعمل كافر فى عمل من الاعمال وأمر مع ذلك بقطع المكوس جميعها وقد أشار الى ذلك الجمال المطرى باختصار ولم يذكر عمل الخندق حول الحجرة وسبك الرصاص به وقال ان السلطان محمود المذكور رأى النبى صلى الله عليه وسلم ثلاث مرّات فى ليلة واحدة وهو يقول فى كل واحدة يا محمود أنقذنى من هذين الشخصين الاشقرين تجاهه فاستحضر وزيره قبل الصبح فذكر له ذلك فقال له هذا أمر حدث فى مدينة النبى صلى الله عليه وسلم ليس له غيرك فتجهز وخرج على عجل بمقدار ألف راحلة وما يتبعها من خيل وغير ذلك حتى دخل المدينة على غفلة من أهلها والوزير معه وزار وجلس
فى المسجد لا يدرى ما يصنع وقال له الوزير أتعرف الشخصين اذا رأيتهما قال نعم فطلب الناس عامّة للصدقة وفرّق عليهم ذهبا كثيرا وفضة وقال لا يبقين أحد بالمدينة الاجاء فلم يبق الارجلان مجاوران من أهل الاندلس نازلان فى الناحية التى قبلة حجرة النبىّ صلى الله عليه وسلم من خارج المسجد عند دار آل عمر بن الخطاب التى تعرف اليوم بدار العشرة فطلبهما للصدقة فامتنعا وقالا نحن على كفاية لا نقبل شيئا فجدّ فى طلبهما فجىء بهما فلما رآهما قال للوزير هما هذان فسألهما عن حالهما وما جاء بهما فقالا لمجاورة النبى صلى الله عليه وسلم فقال أصدقانى وتكرّر السؤال حتى أفضى الى معاقبتهما فأقرّا انهما من النصارى وانهما وصلا لكى ينقلا من فى هذه الحجرة الشريفة باتفاق من ملوكهم ووجدهما قد حفرا نقبا تحت الارض من تحت حائط المسجد القبلى وهما قاصدان الى جهة الحجرة الشريفة يجعلان التراب فى بئر عندهما فى البيت الذى هما فيه هكذا حدّثنى عمن حدّثه فضرب أعناقهما عند الشباك الذى فى شرقى حجرة النبىّ صلى الله عليه وسلم خارج المسجد ثم أحرقا بالنار آخر النهار وركب متوجها الى الشام* وذكر الامام اليافعى فى ترجمته أن بعض العارفين من الشيوخ ذكر أنه كان فى الاولياء معدودا من الاربعين وصلاح الدين نائبه من الثلثمائة* ويناسب ذلك ما ذكره المحب الطبرى فى الرياض النضرة فى فضائل العشرة قال أخبرنى هارون بن الشيخ عمر ابن الزغب وهو ثقة صدوق مشهور بالخير والصلاح والعبادة عن أبيه وكان من الرجال الكبار قال كنت مجاورا بالمدينة وشيخ خدّام النبى صلى الله عليه وسلم اذ ذاك شمس الدين صواب اللمطى وكان رجلا صالحا كثير البرّ بالفقراء والشفقة عليهم وكان بينى وبينه أنس فقال لى يوما أخبرك بعجيبة كان لى صاحب يجلس عند الامير ويأتينى من خبره بما تمس حاجتى اليه فبينا أنا ذات يوم اذ جاءنى فقال أمر عظيم حدث اليوم قلت وما هو قال جاء قوم من أهل حلب وبذلوا للامير بذلا كثيرا وسألوه أن يمكنهم من فتح الحجرة واخراج أبى بكر وعمر منها فأجابهم الى ذلك قال صواب فاهتممت لذلك هما عظيما فلم أنشب أن جاء رسول الامير يدعونى اليه فأجبته فقال لى يا صواب يدق عليك الليلة أقوام المسجد فافتح لهم ومكنهم مما أرادوا ولا تعارضهم ولا تعترض عليهم قال فقلت سمعا وطاعة قال فخرجت ولم أزل يومى أجمع خلف الحجرة أبكى لا ترقأ لى دمعة ولا يشعر أحد ما بى حتى اذا كان الليل وصلينا العشاء الاخرة وخرج الناس من المسجد وغلقت الابواب فلم ننشب أن دق الباب الذى حذاء باب الامير أى باب السلام فان الامير كان مسكنه حينئذ بالحصن العتيق قال ففتحت الباب فدخل أربعون رجلا أعدّهم واحدا بعد واحد ومعهم المساحى والمكاتل والشموع وآلات الهدم والحفر قال وقصدوا الحجرة الشريفة فو الله ما وصلوا المنبر حتى ابتلعتهم الارض جميعهم بجميع ما كان معهم من الالات ولم يبق لهم أثر قال فاستبطأ الامير خبرهم فدعانى وقال يا صواب ألم يأتك القوم قلت بلى ولكن اتفق لهم كيت وكيت قال انظر ما تقول قلت هو ذاك وقم فانظر هل ترى لهم من باقية أولهم أثر فقال هذا موضع هذا الحديث وان ظهر منك كان بقطع رأسك ثم خرجت عنه* قال المحب الطبرى فلما وعيت هذه الحكاية عن هارون حكيتها لجماعة من الاصحاب فيهم من أثق بحديثه قال وأنا كنت حاضرا فى بعض الايام عند الشيخ أبى عبد الله القرطبى بالمدينة والشيخ شمس الدين صواب يحكى هذه الحكاية سمعتها بأذنى انتهى ما ذكره الطبرى وقد ذكر أبو محمد عبد الله بن أبى عبد الله بن أبى محمد المرجانى هذه الواقعة باختصار فى تاريخ المدينة له وقال سمعتها من والدى يعنى الامام الجليل أبا عبد الله المرجانى قال وقال لى سمعتها من والدى أبى محمد المرجانى سمعها من خادم الحجرة قال أبو عبد الله المرجانى ثم سمعتها أنا من خادم الحجرة الشريفة وذكر نحو ما تقدّم الا أنه قال فدخل خمسة عشر أو قال عشرون رجلا بالمساحى