الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
493 - اللّلياني (000 - 650 هـ)(0000 - 1260 م)
.
أحمد بن إبراهيم القيسي اللّلياني (1)، أبو العباس، الفقيه الأديب الشاعر من كبار المتوظفين في الدولة الحفصية، كان أبوه مشتغلا بأعمال المهدية، ونشأ ابنه نشأة علمية أدبية ولازم بالمهدية الإمام أبا زكرياء يحيى البرقي، وتخرج به في الفقه، ثم طالع مذاهب الفلاسفة، ثم انتقل إلى تونس، وساعده الحظ فتولى الوظائف العالية كرئاسة ديوان البحر وغيره، وولي أعمال الجباية، ثم صودر في ولايته على مال أعطاه، وتخلص من نكبته، فنهض في الولايات حتى شارك كل عامل في عمله بما ظهر من كفاءته وتنمية للأموال حتى قصر بهم وأديل منهم، وكان الكثير منهم متعلقا بابن أبي الحسين كبير الدولة بذمة خدمة، فأسفه ذلك، وأغرى به بطانة السلطان ومواليه حتى سعوا به إلى السلطان وأنه يروم الثورة بالمهدية حتى خشن له باطن السلطان.
ويبدو أنه كان ناقما على الأوضاع في عصره، وربما كان يبيت في نفسه الإعداد لانقلاب أو ثورة إذ نقل عنه أنه قال أو أن الوشاة زوروا عليه هذه الأبيات:
في أم رأسي حديث
…
لسامع ليس يذكر
فإن تطاول عمري
…
وساعد الجد يظهر
أرى جموعا صحاحا
…
ومذهبي إن تكسر
(1) بضم اللام الأولى المشددة وكسر الثانية كما ضبطه التجاني في رحلته وابن خلدون في تاريخه نسبة إلى لليانة من قرى المهدية.
وشاع على ألسنة العامة: «ويل للأمة من سبع جمة» (1).
وطرق سمع السلطان المستنصر الحفصي هذه الأقوال، وملوك الإطلاق يسارعون إلى تصديق الوشايات ضد كبار متوظفيهم، فاهتبل هذه الفرصة خصومه للإسراع بالتخلص منه، ووشى به ابن أبي الحسين وغيره لدى المستنصر بأنه اختزن لنفسه مالا جليلا وأنه عازم على القيام بثورة في المهدية، وأتت الوشايات بثمارها المرجوة، فأذن المستنصر قائدين من العلوج لمباغتته في داره والاستيلاء على ما يجدان من مال، فأخذا صندوقا فيه الياقوت والزمرد واللؤلؤ، فقيل له: ما هذا؟ وأنت تزعم الأمانة؟
- فقال: إنما اخترتها لمولانا السلطان.
- فقيل له: حسن قد وصل إليه.
ثم ألقي عليه القبض، وطولب بمال كثير فأحضره وأطلق سراحه بعد أيام، وتوقع مصيره الأقتم ففكر في الفرار إلى صقلية في مركب له، فبلغ الخبر إلى المستنصر، فاختفى مدة، ثم ظهر، فلما كان غرة محرم فاتح سنة 659/ 1261 دخل أبو العباس أحمد بن إبراهيم الغساني على الملك المستنصر الجالس في قبة الجلوس الكبيرة بالقصبة التي بناها هو والمعروفة بقبة أساراك، ومعناها باللسان البربري المصمودي، القوراء الفسيحة، فنزل المطر، فقال المستنصر مستدعيا الإجازة «اليوم يوم المطر» اجز يا أحمد.
فقال الغساني: «واليوم رفع الضرر» .
فتنبه الملك لما سمع وقال له: إيه فما بعد هذا؟
فقال الغساني:
والعام عام تسعة
…
كمثل عام الجوهري
(1) جمة اسم موضع المهدية.
وكان القبض على الجوهري (1) وقتله سنة 639/ 1242، ووقع البيت في نفس الملك موقعا حسنا وحرك عزمه على التخلص من الللياني، فأحضر أشياخ الراي وقال: اسمعوا ما قال الغساني، وأخذ يردد البيت، ثم قال: ينبغي ألا يرجع عن هذا، اقبضوا على الللياني لنرضي به الله والخاصة والعامة، فقبض عليه ومن الغد قبض على ابن العطار الذي كان متوليا إشراف (2) تونس ثم إشراف بجاية ثم ولي مختص الحضرة، وأودعا في مكان واحد بالقصبة، وتولى ضربهما وطلب المال منهما أبو زيد المحتسب ابن يغمور الهنتاتي، يركب كل واحد منهما وهو مكبل بقيوده حمارا، ويخرجان من الباب الكبير بالقصبة، فيحمل الللياني إلى دار الأشراف وابن العطار إلى دار المختص وكل يوم تؤخذ الأموال من الللياني، واستمر عليه العذاب والسلب لماله من محرم إلى رجب حتى أخذ منه - على ما قيل - نحو ثلاثمائة ألف دينار.
ولما شعر المستنصر بأن مال الضحية نفد أمر بحمله إلى دار السكة وبموالاة العذاب عليه إلى أن مات، ودفع إلى هلال كبير الموالي من العلوج فضربه إلى أن قتله، وقذفت جثته إلى الصبيان يجرونها حتى رموها في البحيرة، ثم تتبع أقاربه وذويه بالنكال وشهوة الانتقام والتنكيل لا حد لها عند النفوس الشريرة المريضة من شكل الطاغية المستنصر.
وبعد وفاته طلب التجار الفرنسيون الملك المستنصر بأداء ثلاثمائة ألف دينار مقدار ما اقترضه منهم الللياني، ولم يدلوا بأي مستند فامتنع المستنصر من الدفع، فاشتكوا إلى ملكهم القديس لويس التاسع، وأغروه
(1) هو محمد الجوهري صاحب الأشغال (وزارة المالية) بتونس، وهو أول من تولى النظر في دار الأشغال من غير الموحدين، ولاّه أبو زكرياء الأول الحفصي ثم دارت عليه الدوائر فأودع بالقصبة، وعذب لاستخراج الأموال منه فلم يظهر منها شيئا، وللتخلص من العذاب مات منتحرا مختنقا بعمامته. يراجع مثلا تاريخ الدولتين 22.
(2)
الإشراف هو وظيفة مدير القمارق في العصر الحفصي، والمتولي لهذه الخطة يسمى المشرف.