الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
455 - القليبي (1318 - 1374 هـ)(1900 - 1954 م)
.
محيي الدين ابن الشيخ محمد بن عبد القادر القليبي، السياسي والعامل في الحقل الديني، والكاتب الصحفي، ينحدر من أسرة نزحت من بلدة قليبية بالوطن القبلي، واستقرت بتونس العاصمة منذ القرن الثاني عشر/الثامن عشر ميلادي.
كان أبوه يعمل كاتبا بالدائرة السنية منذ عهد علي باي، وهو شيخ الطريقة العيساوية بضاحية المرسى، ووالدته هناني بنت الصحبي أصيلة بلد القيروان، ومن سلالة السيد الصحابي (الصحبي) أبي زمعة البلوي.
حفظ القرآن بالكتاب ثم انتقل إلى جامع الزيتونة بطريقة الانتساب الحر حتى وصل إلى المرتبة النهائية، ثم انقطع عن الدراسة لينضم إلى طليعة الرواد المصلحين والشباب المثقف الذي يتحسس طريق الخلاص من جور الحكم الاستبدادي والاستعمار.
لما أطلق سراح الشيخ عبد العزيز الثعالبي في سنة 1922 كان من بين من وفدوا للتهنئة، وألقى بين يدي الثعالبي خطابا كان له الأثر الكبير، واستحسن الثعالبي جرأة هذا الشاب الذي جاء ينصحه في هذه المناسبة، وحذره من أن يداخله الغرور نتيجة ما يشهده من توافد القوم عليه الذين غصت بهم دار الشيخ علي كاهية بنهج الباشا، ولفت نظره إلى العمل الكبير، والكفاح الشاق الذي ينتظره في المستقبل، فأعجب به الثعالبي كثيرا، ومن يومها دعاه إلى الالتحاق بالحزب الحر الدستوري والعمل في صفوفه بحيث لم تمض أشهر قلائل حتى انتخب
عضوا في اللجنة التنفيذية للحزب القديم. ثم أصبح الكاتب العام بعد عام 1925، فتحمل الأمانة، ووجد في ذلك العمل ما يشنبع طموحه فتصدى لمقاومة الاستعمار، ومقارعة دعاة الانخذال، يخطب في المجتمعات والندوات، ويحبر المقالات الجريئة للصحف، والتي كان يوقعها بأسماء مستعارة عديدة منها: مؤمن، مسلم، وطني، دستوري، عصام إلخ
…
ويعلل إمضاءاته تلك أنه لا يكتم اسمه خوفا من المسئولية ولا خشية الانتقاد، لكن في نفسه ميل إلى الانزواء، وهو لا يكتب إرضاء للناس، أو لاكتساب ما يمنّ به بعضهم على الكاتبين من فخم الألقاب لكنه يكتب ليمثل عواطفه ويصور آراءه فيما يعرض من أحداث ذات أهمية، ومن الجرائد التي حرر فيها، ومدها بحرارة إيمانه وطيب بيانه، الاتحاد، الأمة، وقد تولى رئاسة تحريرهما مدة، لسان الشعب، المشير، النذير، النديم، العصر الجديد، الصواب، الإرادة، مرشد الأمة، وفي فترة من الفترات ترأس تحرير جريدة الزهرة أقدم الصحف التونسية.
لقد كان المترجم يواجه جبهات متعددة في كفاحه: الاستعمار، مقارعة الصحف الاستعمارية والرد عليها، دعاة الانخذال المطالبين بالإصلاحات والاندماج، ويمثلهم الحزب الإصلاحي وزعيمه حسن قلاتي المحامي، المتميعين من المثقفين ودعاة التحرر الزائف، ثم الطرق الصوفية وزواياها التي أصبحت خلايا للانهزامية والتطرف في البدع التي ليست من الكتاب والسنّة في شيء إلى آخر تلك السلسلة من الضلالات والانحرافات التي قارعها المترجم بإيمان الفدائي الصابر وحيدا.
يقال إن الشيخ الثعالبي قال له عند سفره إلى المشرق «جعلت الحزب أمانة في عنقك» .
قدم للمحاكمة في 16 فيفري سنة 1924 بسبب مقال نشره في جريدة «العصر الجديد» واشتهر في ذلك الوقت بأنه مثل السرطان
للجرائد، ما اتصل بجريدة إلاّ عطلتها الحكومة، أو أوقفها صاحبها بإيعاز منها كما يذكر ذلك مازحا الشيخ سليمان الجادوي صاحب جريدة «مرشد الأمة» .
وحوكم مرة أخرى، ونفي إلى برج الوبوف (برج بورقيبة الآن) في أقصى الجنوب بالصحراء سنة 1934 لوقوفه إلى جانب زعماء الحزب الدستوري الجديد في معتقلهم. وقد أبت عليه همته أن يسكت تونسي عن المستعمر، وإن كان على خلاف في الرأي مع التونسي، فوقف يناصر المبعدين من الديوان السياسي للحزب الدستوري الجديد حتى ألحق بهم في المنفى، وفي مدة نفيه أصيب بمرض السكر، وأطلق سراحه بعد 20 شهرا.
وله مواقف مشهورة في النهضة الفكرية، والندوات العلمية التي كان محورها نادي قدماء الصادقية، وتبنّى قضية إصلاح التعليم الزيتوني، فنظم الحركة الطلابية الداعية إلى ذلك الإصلاح، أدت إلى عدة إضرابات عن الدروس، وقدم تقريرا إضافيا عن إجراءات الإصلاح المقترحة.
وأهم فترات كفاحه وهو في ريعان الشباب مواقفه المشرفة في عهد المقيم العام لوسيان سان الممتد من سنة 1922 إلى سنة 1928، تلك الفترة المليئة عملا جديا، وصراعا عنيفا، وفيها برزت شخصيته كرجل مؤمن عميق الإيمان، والمسلم وراثة وتكوينا وثقافة وسلوكا الذي يمتاز بالحكمة والحرارة والصدق فيما يقول ويكتب، وكانت الندوات التي يعقدها في ذلك الوقت بنادي شعبة الحلفاوين على أثر التضييق الذي فرضه المقيم على الصحافة العربية، واستصدار أمر يقضي بنقل القضايا السياسية والصحفية من المحاكم التونسية إلى المحاكم الفرنسية.
وحج سنة 1947 فاستقر بمصر موفدا من اللجنة التنفيذية، وواصل العمل لقضية بلاده وعاد إلى تونس سنة 1948.