الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
437 - القرمادي (1354 - 1402 هـ)(1933 - 1982 م)
.
صالح بن الهادي القرمادي (بالقاف المعقدة المفتوحة والراء المهملة الساكنة) الباحث الممتاز والعالم بالألسنية، والأديب والأستاذ بالجامعة التونسية كلية الآداب والعلوم الإنسانية.
ولد بتونس في 12 أفريل سنة 1933.
ويبدو أن دراسته الابتدائية لم تخل من تقلبات عديدة بدأها في المدرسة العمومية بساحة الحلفاوين ثم واصلها بعد فترة قصيرة في مدرسة من مدارس حي باب الجزيرة قبل أن ينتقل إلى مدرسة أبي عثمان القيطوني القرآنية الكائنة بنهج القنطرة القريبة من منزله، وقرأ فيها على السيد الباهي الأدغم الذي أظهر منذ البداية اهتماما خاصا بهذا التلميذ ذي الموهبة الخاصة، وقد ظل المترجم طول حياته يكن لهذا المعلم احتراما جليلا لأنه قاد خطواته الأولى على درب المعرفة.
وإلى جانب دراسته فقد أودع - حسب التقاليد التربوية في ذلك العهد - عند أحد نجاري الحي ليتدرب على تعلم صناعة، ثم أودع لدى أحد باعة الفخار بنهج سيدي محرز. وفي أوقات فراغه كان يعيش حياة كل أطفال الحي، فكان يلهو مع أترابه معاكسا المارة، وكان كذلك يقوم بدور المؤذن أو المقرئ في الجامع الصغير المجاور، وهو ما يفسر حبه الذي لازمه للتراتيل القرآنية ومدائح السلامية.
ويمكن القول بأنه سواء تعلق الأمر بمحيطه العائلي أو بمحيطه الاجتماعي الذي نشأ فيه فإنه قد تربى حسب التقاليد الشعبية التي ظل
وفيا لها حتى النهاية وإن أصبح - فيما بعد - أحد المثقفين الكبار، ذلك العالم مادة لحكايته المعروفة «سعيد أو بذرة الحلفاوين» ولما كتب الشعر غنى مرابع صباه وخاصة في قصيدته «شارعنا» .
وفي سنة 1946 نجح في مناظرة الدخول للمدرسة الصادقية، وبعد سبع سنوات تخرج منها محرزا على شهادة البكالوريا، واختار قسم الآداب الكلاسيكية شعبة (أ) فأصبح من التونسيين القلائل الذين درسوا اليونانية واللاتينية، علاوة عن لغته الوطنية والفرنسية والإنكليزية. ولعل معرفته المبكرة لهذه اللغات كلها هيئته فيما بعد للتخصص في الألسنية، ومن بين أساتذة العربية بالمعهد الصادقي الذين تركوا فيه أثرا كان يحب ذكر أحمد الغربي، وعبد الوهاب باكير، والشاذلي بو يحيى.
وعند ما كان طالبا بالمدرسة الصادقية لم يكن تلميذا نابها فقط بل شارك في الإضرابات العديدة التي نظمت احتجاجا على سياسة المستعمر، وطرد لأيام عديدة من المدرسة مع جماعة ممن كانوا يدرسون معه، وفي خضم المعركة الوطنية من أجل الاستقلال اكتشف الماركسية، فكان ذلك بمثابة العلامة الكبيرة على مسار التحولات الفكرية والميول السياسية له إذ حاول منذ ذلك التاريخ أن يوفق في سلوكه السياسي وطريقته في التفكير بين المكاسب الكونية للنظرية الجدلية، وبين الإرث الغني الذي أفرزته الحركة الوطنية التونسية.
وفي سنة 1954 عمل قيما بمدرسة خزندار فرع المدرسة الصادقية، وفي نفس المدة أعد بنجاح الدراسة التمهيدية لشهادة الإجازة بجامعة بوردو الفرنسية، ثم التحق بهذه المدينة حيث تحصل في ما بين سنتي 1955 و 1957 على ست شهادات عليا في العربية والإنكليزية، وإلى جانب هذه الحصيلة الهامة تحصل أيضا سنة 1957 على شهادات دراسات عليا حول ابن رشد، وعلى شهادة مماثلة في تاريخ الفلسفة العربية
والاثنتان أعدهما تحت إشراف روجي أرنلديز ويبدو أنه في نفس السنة قام بتربص لغوي في الإنكليزية في مدينة كارديف من بلاد الغال، وخلال إقامته ببوردو نمى شغفه بالألسنية إذ إلى جانب الحظوة التي كان يلقاها هذا العلم عند البعض من رفاقه مثل خير الدين بن عثمان، فقد ساعده على طرق أبواب هذا التخصص دراسته لعلم الأصوات في اللغتين العربية والإنكليزية.
ثم بعد أن انتقل من بوردو إلى باريس قبل بنجاح في مناظرة التبريز للغة العربية في جوان 1958 وكان له نشاط سياسي في صلب المنظمات الطلابية المغربية، واتصال بالحركات التقدمية الفرنسية المتركزة أولا على الدفاع عن القضية التونسية، وقد كان هذا النشاط متجها في بدايته نحو الدفاع عن القضية التونسية لينتقل بعد عام 1956 نحو العمل على دعم التضامن مع الشعب الجزائري في نضاله من أجل الانعتاق والحرية.
ورجع إلى تونس في صائفة 1958 بصحبة زوجته جوليات وابنه فوزي الذي ما يزال رضيعا وهو يحمل في جرابه العديد من الشهائد ومزود بتجربة ثرية.
كان أحد العناصر البارزة التي تحملت عبء إقامة النواة الأولى للدراسات الأدبية واللغوية بالجامعة التونسية، وهو مثال الأستاذ الواسع الاطّلاع، وخاصة في الميدان اللغوي بما كان يتمتع به من تضلع في لغة الضاد، وإتقان للغات أجنبية متعددة.
وهو أستاذ محاضر في الألسنية بكلية الآداب وباحث بمركز الدراسات والبحوث الاقتصادية، وساهم في بعث مركز الدراسات والأبحاث الاجتماعية، ومؤسس قسم الألسنية به.
اختفى عن الوجود لعدة أيام وفي يوم الخميس 29 جمادى الأولى 1402/ 25 مارس 1982 وقع العثور على جثته في منطقة تاكلسة بالوطن