الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
516 - المرزوقي (1336 - 1402 هـ)(1916 - 1981 م)
.
محمد (بالفتح) بن مصطفى بن علي المرزوقي، ذو الشخصية الخصبة المواهب المتعددة الجوانب، الأديب الشاعر، الصحفي، الباحث القصاص، والمناضل الوطني.
ولد في 22 سبتمبر 1916 بقرية العوينة مركز دوز من أرض نفزاوة في ولاية قبلي بالجنوب التونسي حيث مضارب قبيلة المرازيق المنحدرة من بني سليم، وهذه القبيلة تعيش في جو شاعري حيث واحات النخيل، وخرير المياه، وزقزقة العصافير، وظهر منها عدة شعراء في الشعر الملحون الشعبي، والشعر يدور على ألسنة أفراد القبيلة رواية وحفظا. في هذا المناخ الشاعري عاش المترجم صدرا من حياته، وسمع الشعر، وهوت نفسه إليه.
دخل الكتاب فحفظ القرآن، ثم رحل إلى تونس العاصمة، فدخل المدرسة الابتدائية بنهج الكنز سنة 1927، وغادرها في عام 1930 قبل التحصيل على شهادتها فالتحق بجامع الزيتونة، وتابع الدروس الليلية بالمدرسة الخلدونية، وتحصل منها على ديبلوم العلوم العملية في سنة 1933، ثم أحرز على الشهادة الأهلية من جامع الزيتونة في سنة 1935، وزجّ به في السجن المدني بالعاصمة في 15 أفريل 1938 وأفرج عنه في 13 أوت من نفس السنة، على أنه وضع تحت الرقابة لمدة ستة أشهر كان يتردد أثناءها على مشيخة المدينة للإمضاء على الحضور كل خمسة عشر يوما.
وعاد إلى الدراسة بجامع الزيتونة بعد الخروج من السجن، وكوّن هو وجماعة من زملائه الطلبة المثقفين في المشرب السياسي جريدة «الهلال» وفتحوا واجهتين واجهة ضد السياسة الاستعمارية وواجهة ضد أنصارها من الشيوخ الجامدين، وكان هو شخصيا يرى الاقتصار على الواجهة الأولى حتى لا تتحد القوتان ضدهم.
ولم ترق هذه الحركة الطالبية الكتابة العامة للحكومة (وهي مصلحة فرنسية استعمارية) وطلبت من شيخ جامع الزيتونة في أوائل أفريل 1939 القضاء على هذه الحركة الخطيرة بالزيتونة، وطرد القائمين بها، ومنعهم من مواصلة تعلمهم، وكان شيخ الجامع في ذلك العهد هو الشيخ صالح المالقي آلة طيعة في يد الفرنسيين، ينفذ رغباتهم خوفا منهم، فجمع مجلس التأديب لمحاكمة الجماعة الذين سموهم «بالشياطين العشرة» بتهمة النيل من كرامة الجامع وشيوخه، وقدم للمجلس أعدادا من جريدة «الهلال» وطلب من أعضائه الأربعة الحكم بسرعة على الطلبة المقدمة أسماؤهم لهم بالطرد من الجامع، ولما اعترض أحد الأعضاء بأن هذه المحاكمة غير قانونية لأن قانون الجامع ينص على حضور المتهم والترخيص له في الدفاع عن نفسه أو اختيار من يدافع عنه، غضب شيخ الجامع وأفهمه بأن المطلوب منه الإمضاء على الحكم المطلوب بدون مناقشة وإلاّ اعتبر من (إخوان الشياطين) الذين لا يسلمون من العقوبة، وأوضح أن حضور المتهمين لا فائدة منه لأنه لا حجة لدى إدارة المشيخة عليهم ما داموا يمضون بأسماء مستعارة، وصدر الحكم بطردهم من جامع الزيتونة وطلب شيخ الجامع من الكتابة العامة إبعادهم عن العاصمة (ومن بينهم المترجم) لأن وجودهم فيها سيحدث تشويشا في الطلبة، ولم يتفطن هؤلاء الطلبة المنكودون المظلومون إلاّ وقائمة أسمائهم منشورة على عرصات جامع الزيتونة، واتصلوا بإنذار من إدارة الأمن في وجوب مغادرة العاصمة كل إلى مسقط رأسه، وهذه الحادثة الظالمة أثارت
انفعاله، وأهاجت شجونه فقال فيها قصيدة بقيت منها هذه الأبيات، ووجهها من مسقط رأسه بالجنوب التونسي إلى الشيخ صالح المالقي شيخ جامع الزيتونة وهذه هي الأبيات:
قولوا (لشيخ) الجامع المتعامي
…
مهلا فإنك صائر لحمام
ماذا تقول أمام ربك عن أذى
…
ألحقته بالشعب والإسلام؟
أتخون شعبك في أعز شبابه
…
لتنال منزلة لدى الظلام
يا خائنا للعلم خلفك شاعر
…
سيحط رأسك في أحط رغام
وفي جويلية 1939 رجع إلى العاصمة بصفة سرية، وفي أول ماي 1940 ألقت عليه الجندرمة القبض بالعاصمة، وركب قطار الليل تحت الحراسة إلى قابس، وهناك مكث بسجن الجندرمة إلى عشية 3 ماي، ثم نقل في سيارة خاصة إلى قبلي حيث فرضت عليه الإقامة الجبرية هناك، وفرض عليه عامل (والي) المكان رحومة بن الهيبة المبيت ليلا بالسجن من الخامسة مساء إلى الخامسة صباحا ومقابلة حراس مكتب الأمور الأهلية والإمضاء في دفتر خاص بإدارة العمل (الولاية) كل صباح. وقد أثر المبيت في السجن على صحته تأثيرا سيئا أدى إلى مرض خطير نقل من أجله إلى المستشفى وأصيب أيضا بمرض الملاريا الذي تسرب إليه من ماء البلد. والذي عانى منه ما عانى مدة سنة كاملة ولما غادر المستشفى تدخّل الطبيب الفرنسي فأنقذه من المبيت بالسجن، ولما جاء إلى قبلي السيد علي بن أبي الضياف عاملا (واليا) أراحه من مراقبة الفرنسيين، ومن الإمضاءات اليومية وأطلق له حرية التنقل في الأماكن القريبة، ثم تدخّل لدى السلطة العليا حتى وافقت على نقله إلى مسقط رأسه.
وألقى في المؤتمر الدستوري المنعقد بالعاصمة في أواخر أكتوبر وأوائل نوفمبر 1937 قصيدا رائعا كان له دوي لدى المؤتمرين، وأعيد إلقاؤه مرارا بطلب من الجمهور، ونشر بجريدة «العمل» لسان حال الحزب، أما بقية الجرائد فلم تتجرأ واحدة منها على نشره. وهذا القصيد
من أعظم الأسباب التي كونت له ملفا أسود في دوائر الشرطة الاستعمارية، وأشير له في ملفاتهم بالشاعر الثوري، وهذه مقتطفات من القصيد:
مهلا فؤادي ففي الأيام أيام
…
بها تحقق آمال وأحلام
الدهر يعبث حينا ثم تعقبه
…
من المسرة والأفراح أعوام
إن كان في حكمه نقض بآونة
…
فإنما به ذاك النقض إبرام
هذا التقلب قد مارت به زمنا
…
ألباب أهل الحجا منا وأفهام
لذا كلي أمل أني أرى زمنا
…
به توارى عن الأنظار آلام
ولست ممن يزور اليأس معقله
…
لأنني من حياة الذل سئّام
قلبي يتوق إلى حرية قربت
…
وإنه للقاها اليوم بسّام
سيخدم السعد شعبا ظل محتملا
…
كل الأذى وهو ممراح ومقدام
ويرجع الملك رب الملك بعد مدى
…
وإن تقاسمه سود وأروام
من بعد معركة حمراء طاحنة
…
فيها تحطم أرأس وأقلام
النصر فيها حليف الحق لا عدد
…
تفوز فيها ولا جند وأرقام
الحق يحسم فيها كل مشكلة
…
والحق في سائر الآباد حسّام
هناك بعد ما طأطأت يا وطني
…
دهرا إلى الأجنبي تعلو لك الهام
هناك أعلامهم تضحى منكسة
…
إليك تخفق فوق الرأس أعلام
لا ترتضي قول من يدعوك يا وطني
…
إلى الرضا فهو تضليل وإبهام
الحق يؤخذ قسرا لا مسالمة
…
صرح وجاهر فما في الحق إيهام
طالب وجاهد جهاد المستميت
…
يتول عنك إذا أقدمت إحجام
وقل لمن يدعي فيك القصور ألا
…
يا قوم هذي ضلالات وأوهام
بلغت رشدي فأعطوا الدار مالكها
…
فإنما ملك مال الغير إجرام
جئتم تريدون خبزا فانثنيتم على
…
ملكي ورزقي ورب الناس علام
وكنت إذ ذاك طفلا لا نصير له
…
واليوم كل من الأشبال ضرغام
لذاك آمركم أن تتركوا وطنا
…
أنتم به اليوم سادات وحكام
فإن رضيتم بسلم مرحبا بكم
…
وإن أبيتم فذا للحرب إعلام
كفاكم زمنا كنتم جبابرة
…
فيه وأنتم إلى الأبناء ظلاّم
عهد به صار أبنائي عبيدكم
…
تبدلت فيه عادات وأحكام
وما تنبهت والأخطار محدقة
…
لما يدبره في السر أقوام
وهل تظنون أن الدهر غيّرني
…
كلا! فظنكم يا قوم أحلام
أصلي العروبة، أما الضاد هي لغتي
…
بالرغم منكم وإن الدين إسلام
* * *
واليوم قد بان نور الشمس واتسعت
…
لشمس نهضتنا سهل وآكام
بفضل من أرجعوا للشعب عزته
…
من بعد ما قد قضى عنه الألى ناموا
وبعد قضاء نحو خمس سنوات بين السجن والنفي سمح له بأداء امتحان شهادة التحصيل في أواخر مدة مشيخة الشيخ محمد العزيز جعيط، فاجتاز الامتحان بتفوق وأحرز على هذه الشهادة سنة 1944.
ثم اشتغل بالصحافة من عام 1944 إلى 1953، وكان يكتب في جريدة «النهضة» ويمضي بإمضاء «زورق اليم» وهو اسم منحوت من لقبه، غلى أن مشاركته في الإنتاج الصحفي من مقالات وشعر وقصص ظهرت وهو ما يزال طالبا وذلك في الصحف والمجلات الصادرة في عصر شبابه.
واشترك في البرامج الإذاعية بإلقاء المحاضرات وتأليف القصص والمسرحيات منذ عام 1945 إلى قبيل وفاته.
في أوائل سنة 1938 عن له أن يجمع مختارات من شعره في كراس خاص، وأن يقدمه للطبع فجمع من ذلك نحو 2500 بيت، وجاءت حوادث معركة 9 أفريل 1938 الشهيرة فأودت به إلى السجن حيث قضى به نحو الخمسة أشهر، ثم غادره ليجد محل سكناه قد نهب أثناء سجنه نهبا تاما، ولم يبق منه شيء من الفراش والغطاء والكتب والمخطوطات، وقد حزّ في نفسه أنه وجد السارق الناهب هو ناظر المدرسة التي يسكن بها