الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإيمان بالرسل
حقيقة الرسول
وأول ما يقرره القرآن، ان الملائكة والجن والرسل، خلق من خلق الله، كلهم عباده، وهو أوجدهم وهو المتصرف فيهم، وأنهم لا يملكون لأنفسهم (فضلا عن غيرهم) نفعا ولا ضراً إلا بإذن الله.
الرسل جميعا بشر، يولدون كما يولد البشر، ويموتون كما يموتون، ويمرضون مثلهم ويصحون (1)، لا يختلفون عنهم في تكوين أجسادهم، ولا في تصوير أعضائهم، ولا في جريان دمائهم وحركات قلوبهم، يأكلون ويشربون، كما يأكل الناس ويشربون.
ليس فيهم شيء من الألوهية، لأن الألوهية لله وحده، ولكنهم بشر يوحى اليهم، وقد عجبت الأمم الأولى من الوحي، فقال لهم الله عز وجل راداً عليهم مبينا انه لا مكان لعجبهم:{أكان للناس عجباً أن أوحينا إلى رجلٍ منهم أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا} .
وعجبوا أن يكون الرسول من البشر ومنعهم من الايمان.
{أن قالوا أبعث الله بشراً رسولا} .
فرد الله عليهم، بأن الرسول انما يكون من جنس من أرسل اليهم، فالبشر يرسل اليهم رسول من البشر.
(1) الرسل جميعاً بشر: يشبهون البشر في كل شيء، الا ما كان من ذلك منافيا لاصطفائهم للرسالة، كالأمراض المشوهة المنفرة، او المانعة من القيام بالدعوة.
{لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزّلنا عليهم من السماء ملكاً رسولا} .
وناقشوا رسلهم {قالوا إن أنتم الا بشرٌ مثلنا} ، {قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم}. كما قلتم:{ولكن الله يمُنُّ على من يشاء من عباده} .
وقد منَّ علنا فأوحى إلينا الشريعة، وأمرنا بتبليغها:
{وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيراً} .
فرد الله عليهم، مخاطبا رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم:
{وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا أنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق} .
وقال لهم رداً عليهم:
حقيقة الرسول:
الرسول بشر يمتاز بالوحي، وقد قال تعالى لمحمد:{قل إنما أنا بشرٌ مثلكم يوحى إليّ} .
وقد أكد بشريته باستعمال (إنما) وهي تفيد الحصر والقصر، وتنفي عنه ما ينافي البشرية، ثم أكدها مرة ثانية بقوله:{مثلكم} .
هو مثلنا في تكوين جسده، وطبيعة خلقه، ولكنا لسنا جميعا مثله، في خلقه ولا في مزاياه ولا في عظمته، ولو لم يكن (محمد) خاتم الأنبياء، لكان - بلا جدال - أعظم العظماء وبطل الأبطال.
فاذا كان بشرا مثلنا، يجوز عليه ما يجوز علينا، فهل يخطئ كما نخطئ؟ والجواب:
1 -
ان الخطأ إما أن يكون في مجال التبليغ عن الله، وفي بيان الشريعة، وهذا النوع من الخطأ يستحيل وقوعه من الرسل جميعا، لأن الرسول (لا ينطق) اذا بلغ عن الله أو بين شريعته:{عن الهوى إن هو الا وحيٌ يوحى} .
والله يقول: {يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم} .
ويستحيل أن نقع من الرسول (بعد رسالته) معصية، أو يأتي ما يجرح العدالة أو يحل بالمروءة أو ينافي الكمال، لأن الله جعله قدوة، وأمر المسلمين أن يتأسوا به، وان يتبعوه في فعله:{لقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنةٌ} .
وهذه الأسوة ثابتة للرسل جميعا: {لقد كان لكم فيهم أسوةٌ حسنة} .
وذلك يقتضي العصمة من ارتكاب المعاصي واتيان النقائض.
2 -
وإما أن يكون الخطأ في أمر شرعي اجتهد فيه الرسول، ولم ينزل عليه فيه شيء من ربه: وهذا النوع من الخطأ ممكن وقوعه من الرسل، ولكن الله لا يقرهم على الخطأ بل يبين لهم وجه الصواب فيه، كما وقع من الرسول في قصة الأعمى، وفي قصة أسرى بدر، اجتهد فبين الله له أنه لم يصب في اجتهاده.
وقد فكرت في موقف الرسول صلى الله عليه وسلم يوم جاءه الأعمى، وقلت لنفسي: لو لم ينزل الله هذه الآيات من سورة (عبس وتولى)، وعرض موقفه على عقلاء الدنيا وساستها وعلمائها، هل كان فيهم أحد يقول بأن في موقف الرسول صلى الله عليه وسلم ما ينتقد أم يقرر الجميع ان الذي فعله هو عين الصواب؟
رجال من كبار القوم يتألفهم ويحاول أن يكسبهم لنصرة الدعوة، فيأتي واحد من أتباعه يسأله عن مسألة ليست مستعجلة، ولا ينشأ عن تأخيرها ضرر،
وهو يستطيع أن يسأل عنها في كل وقت، فيرجئ جوابه حتى ينتهي مما هو فيه. هل يفعل أحد من الناس غير هذا؟ هل في الدنيا من لا يقول بأن عمل الرسول هو الذي يرونه الصواب؟
انه هو الصواب في مقياس المنطق البشري، ولكن لما نزل الوحي بمقياس آخر، تبين ان ميزان الله أقوم من موازين الناس، وان حكم من خلق العقل أصح من حكم العقل، بل هو الحكم القويم، وحكم العقل هو المعوج المنحرف. ومثل هذا يقال في موقفه صلى الله عليه وسلم يوم (أسرى بدر)، أي ان ما وقع منه صلى الله عليه وسلم، انما كان خطأ بالنسبة لحكم الله، ولو لم ينزل الوحي بتخطئته لكان عند أعقل الناس صوابا، فليس في ذلك خطأ (بالمعنى المعروف) وقع من محمد، بوصفه عظيماً من عظماء البشر، بل ان فيه الدليل على ان وحي السماء فوق حكمة الأرض.
3 -
واما أن يكون الخطأ في أمر من الأمور الادارية والحربية، وهذا أيضاً ممكن وقوعه لأن الرسول بشر، يفكر في هذه الأمور تفكيرا بشريا، وقد كان الصحابة يسألونه في مثل هذه الأحوال: هل القرار الذي قرره بأمر من الله ووحي، او باجتهاد منه؟ فان خبرهم بأنه ليس لديه فيه أمر من الله، وأنه رأي شخصي، عرضوا عليه أراءهم فأخذ بها أو ردها.
كما وقع في حادثة اختيار المعسكر يوم بدر، اذ قالوا له:"يا رسول الله، أهذا منزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدم عنه أو نتأخر، أم هو الرأي والمكيدة؟ " فلما بين لهم أنه رأيه الشخصي، عرضوا عليه رأيا غيره فأخذ به وعدل عن رأيه. ووقع مثل ذلك في حفر الخندق، وفي حادثة الصلح مع غطفان في تلك المعركة.
4 -
أما الأمور الدنيوية الخالصة، فكان الرسول يتكلم فيها برأيه الشخصي، وقد يخطئ في الأمور الصناعية والزراعية والطبيّة التي لا يعرفها