الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لحواسنا نعتمد عليها وحدها، ولعقولنا نحكم بها على ما جاء من طريق الحواس فقط، لبقينا على جهلنا بما وراء المادة، فكان من حكمة الله، ومن رحمته بنا، انه لم يترك العقل في عجزه عن ادراكها، بل أخبره بما يحتاج اليه من خبرها.
وهذا الاخبار لا يأتي من داخل النفس بل من خارجها، وليس من قبيل الحدس النفسي، ولا الإلهام الروحي، ولا الوميض الذهني، ولا الاستنتاج العقلي. ليس صادراً عن الطاقة الانسانية، ولكنه آت من خارجها بطريق من الطرق الثلاثة:
الأول- أن يضع الله هذه الاخبار في الانسان، بالهام أو بمنام، أو بنوع من التلقي الذي لا عمل فيه للانسان، ولا يستطيع الوصول اليه باجتهاد، فيحس بها، ويعبر عنها.
الثاني- بأن يسمعها من غير أن يرى قائلها الحقيقي، فتصل إلى اذنه ويدركها ويعيها.
الثالث- (وهو الأعم الأكثر) أن يرسل الله واحدا من مخلوقاته الخيرة، المطيعة المغيبة عنا، التي تسمى الملائكة، إلى واحد من البشر، يختاره الله ويصطفيه، فيبلغه رسالة الله، ويأمره أن يبلغها الناس.
فهذه ثلاثة طرق ليس لها رابع.
{وما كان لبشرٍ أن يكلمه الله الا وحياً أو من وراء حجابٍ أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء} .
الإيمان بالغيب
الغيب الذي يجب الإيمان به
والغيب الذي هو ركن الإيمان، والذي يكفر منكره ويخرج من ملة الاسلام، هو ما جاء في القرآن. أما الغيب الذي ورد في السنة الصحيحة، فلا يكفر منكره ويخرج من الملة، بل يفسق.
وهذا الفرق بين الكتاب والسنة يحتاج إلى شيء من البيان، ذلك أن ما
أبلغه الرسول صلى الله عليه وسلم من الوحي، وما نطق به من الحديث، هما في الأصل درجة واحدة من الحجية (1)، فالقرآن وحي من الله بلفظه ومعناه، والحديث وحي من الله بالمعنى، واللفظ لفظ الرسول، قال تعالى:{وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحى} .
والصحابة الذين سمعوا من الرسول صلى الله عليه وسلم الآية يبلغها، والحديث ينطق به، لم يكونوا يفرقون بينهما، في وجوب العمل، وفي الحجية.
ولكن الفرق نشأ من الرواية والنقل، فالقرآن نقل نقلا متواترا، بحيث نجزم بأن النص الذي في المصحف، هو الذي نزل به جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم، وهوالذي بلغه محمد أصحابه، ما نقص منه شيء (2) ولا زيد فيه شيء، ولا أبدل منه شيء. أما الحديث فنقل جله (ان لم نقل كله) آحاد عن آحاد، ولقد بذل علماء الحديث في تمحيص روايته، والفحص عن رجاله، أقصى ما تصل اليه الطاقة البشرية، ولكنا لا نقطع مع ذلك بأن الحديث الذي رواه (البخاري) و (مسلم) وأصحاب السنن، قد قاله صلى الله عليه وسلم، وأنه نقل بلفظه، كما نقطع بأن ما في المصحف هو القرآن المنزل.
ولما كانت العقيدة أساس الدين، ويترتب على الاخلال بها الكفر والردة، وكان لا يحكم على مسلم بالردة ما دام في الأمر احتمال الا يكون كفر. لذلك قلنا ان من أنكر عقيدة جاءت بصريح القرآن يكفر، ومن أنكر عقيدة وردت في صحيح السنة يفسق ولا يكفر، هذا ان ردها عنادا وخلافا، أما اذا كان من أهل الحديث، العارفين بعلله، ورد الحديث لعلة في سنده أو متنه، فلا شيء عليه.
(1) أي في قوة الاحتجاج بهما.
(2)
ومن اعتقد من اتباع الفرق المنسوبة إلى الإسلام، ان الذي في المصاحف ليس القرآن كله، وان من القرآن ما ليس في المصحف التي يتداولها المسلمون، كفر وخرج من ملة الإسلام، الا ما كان من الآيات التي قال قوم أنها منسوخة التلاوة، ولم يثبت ذلك بخبر متواتر.