الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهو موضع نزاع بين العلماء طويل. والحق ان هذه الآيات نزلت من عند الله، من أنكر شيئاً منها كفر. وان من عطلها تماما، فجعلها لفظا بلا معنى كفر. ومن فهمها بالمعنى البشري، وطبقه على الله فجعل الخالق كالمخلوق كفر والمسلك خطر، والمفازة مهلكة، والنجاة منها باجتناب الخوض فيها، واتباع سنن السلف، والوقوف عند حد النص، وهذا ما أدين الله به، وما أعقتده.
مظاهر العبادة
غاية العبادة
القلب الذي يؤمن بأن النفع والضرر كله من الله، وان التحليل والتحريم لله، وان الحب المطلق والخوف المطلق والطاعة المطلقة لله، يمتلئ بتعظيم الله، ويستعشر معنى (الله أكبر)، فيصغر معه كل شيء في جنب الله.
ولما كان في أعمال الانسان ما يدل على التعظيم المطلق، كالدعاء والصلاة، والركوع والسجود، والنذر والذبح، والتسبيح والتهليل. فان المؤمن لا يصنعها الا الله، فلا يصلي لسواه، ولا يركع ولا يسجد الا له، ولا يقول لأحد غيره: سبحانك، ولا يطلب غفران الذنوب إلا منه، لأن هذه كلها من مظاهر التعظيم المطلق، الذي هو سرّ العبادة.
ومن أعظم مظاهره الدعاء، والدعاء في اللغة النداء، والشرع لا يمنع أن تدعو (أي تنادي) انسانا حيا يسمع صوتك، ليعينك بعلمه أو قوته، على جلب النفع لك، وليس هذا هو الدعاء الذي نتكلم عنه، بل الدعاء الذي نقصده هنا، والذي هو مخّ العبادة، هو طلب جلب النفع ودفع الضرر بلا سبب مادي ظاهر، وهذا الذي لا يوجّه الا الله وحده، رأسا بلا واسطة، فلا يطلب الشفاء نفسه من الطبيب ولو كان حيا، لأن الطبيب يصف الدواء والشفاء من الله، فأولى الاّ يطلبه - أو يطلب ما يشابهه - من ميت أو من جماد، لأنه لا يمنح النفع بلا سبب ظاهر الا الله.
فالمؤمن يتخذ الأسباب، ثم يطلب المسبب من الله، وما لا يعرف الناس له سببا يطلبه من الله وحده، يدعوه ويقول:"يا الله"، ويعتقد ان بابه مفتوح، وان اجابته حاصلة لا يدعو غيره بدله، ولا يدعو غيره معه، وال يتخذ غيره وسيطا في الدعاء بينه وبينه. هذا هو الدعاء الذي هو مخّ العبادة.
غاية العبادة:
قلت ان للعبادة جسدا هو الألفاظ التي ينطق بها اللسان، والأعمال التي تقوم بها الأعضاء، ولها روح وروحها العقيدة التي دفعت اليها، والغاية التي عملت من أجلها، أي النتائج التي قصدها من عملها وقد شرحت جانبا من هذه العقيدة، وسألمّ الآن بطرف من هذه المقاصد.
المقصد الصحيح للعبادة: أن يكون الباعث عليها، والمقصود بها رضا الله، فلا نعملها للمال، ولا للجاه، ولا لنيل اعجاب الناس، ولا نتخذها سلما إلى متع الدنيا، ولا نريد بها الشهرة بالصلاح، وهذا المقصد الصحيح يسمى (الاخلاص)، وما يداخله من المقاصد الاخرى يدعى (الرياء)، والذي يحدّد المقصد من العمل هو (النية). والله لا يسألنا يوم القيامة عن الأعمال فقط بل يسألنا لماذا عملناها، وقد يكون العمل صالحا في ذاته ولكن لم يصح المقصد منه، ولم تسلم النية، ولم تكن خالصة لله، فيتحول صلاحه إلى فساد، وحسنه إلى قبح.
الصلاة مثلا عمل صالح، ولكن اذا كانت نية المصلي أن يراه الناس، فيعتقدوا صلاحه فيعطوه الأموال، ويهدوا إليه الهدايا. ولم يصل امتثالا لأمر الله، وطلبا لرضاه، كانت صلاته هذه عملا سيئا، وان كانت الصلاة في الأصل من الأعمال الحسنة.
لذلك تفاوتت هجرة المهاجرين، فكان منها الحسن والسيء، وان كان ظاهرها واحدا، وكانوا جميعا قد اشتركوا في السفر والارتحال، ومشوا في وقت واحد، في طريق واحد. فمن كان يقصد الفرار بدينه، ورضا ربه، كانت سفرته هجرة لله، يثاب عليها ثواب المهاجرين، ومن كان خاطبا امرأة في