الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العادة) على اختراع هذه الاخبار، ونقلها كذبا.
فالقاعدة الثانية: ان اليقين كما يحصل بالحس والمشاهدة، يحصل بالخبر الذي نعتقد صدق صاحبه.
قواعد العقائد
القاعدة الثالثة
- ما مدى العلم الذي تبلغه الحواس؟
ما مدى العلم الذي تبلغه الحواس؟ وهل تستطيع أن تصل إلى ادراك كل موجود؟
ان مثل النفس والحواس مع الموجودات، كمثل رجل سجنه الحاكم في برج القلعة، وسد عليه الأبواب والنوافذ، ولم يترك له الا شقوقا في جدار البرج، شقا يطل منه على النهر الذي يجري في الشرق، وشقا على الجبل الذي يقوم في الغرب، وشقا على القصر الذي يجثم في الشمال، وشقا على الملعب الذي يقع في الجنوب.
السجين هو النفس، والقلعة الجسد، وهذه الشقوق هي الحواس، حس النظر يشرف منه على عالم الألوان، وحس السمع على عالم الأصوات، وحس الذوق على عالم الطعوم، وحس الشم على عالم الروائح، وحس اللمس على عالم الأجسام.
1 -
والسؤال الآن: هل أدرك بكل حاسة من هذه الحواس كل ما في العالم الذي تشرف عليه؟ السجين عندما ينظر من شق النهر، لا يرى النهر كله، ولكن جزءاً منه، وكذلك العين حين تشرف على عالم الألوان، لا تراه كله بل ترى بعضه.
أنا لا أرى نملة تمشي على بعد ثلاثة أميال، مع أن النملة موجودة، ولا أرى الجراثيم والحوينات (1) في كأس الماء الصافي، مع ان في الكأس الملايين من هذه الجراثيم. ولا أرى الكهارب التي تدور وسط الذرة، دوران
(1) حوين تصغير حيوان، وهذا ما يسمى في علم الصرف (تصغير الترخيم) ويكون بعد حذف الزوائد من الاسم.
الكواكب في فضاء الأفلاك. وان لهذه النملة صوتا، ولكني لا أسمعه، لأن أذني تلتقط الهزات من خمس إلى عشرين الفا، فما نقص لا تسمعه، وما زاد ثقب طبلة الاذن فبطل بذلك السمع. وأنا لا أشم للسكر رائحة، مع أن النملة والذباب يشمه ويسرع اليه. فالحواس اذن لا تدرك من العوالم التي سلطت عليها الا جزءا منها.
2 -
ثم الا يمكن أن يكون بين عالم الألوان الذي تشرف عليه العين. وعالم الاصوات الذي تطل عليه الاذن عالم آخر، لا أدركه أصلا لأنه ليس عندي الحاسة لادراكه؟
الا يمكن أن يكون بين النهر وبين الجبل بالنسبة لسجين البرج بستان عظيم، لم يره ولم يعلم به، لأنه لا يجد شقا يطل منه عليه؟ فهل يحق له أن ينكره لأنه لا يراه؟
الاكمه (الذي ولد أعمى)، قد يستطيع بالسماع معرفة أن البحر أزرق، والمرج أخضر، ولكنه لا يستطيع أن يدرك ما هي الزرقة وما هي الخضرة، والأصم، قد يعرف بالتعلم ان في الانغام: البيات، والرصد، والسيكا. ولكنه لا يستطيع أن يدرك حقيقة النغم، فهل يحق للأعمى أن ينكر وجود الخضرة، وللأصم أن يجحد حقيقة النغم لأنه لا يدركها؟
ان الغرفة التي تبدو لك ساكنة سكونا عميقا، فيها - في جوّها - جميع الاغاني والاصوات التي تذاع الان، من جميع الاذاعات. أنت لا تحس بها لأنها ليست لوناً تراه بعينك، ولا صوتا تسمعه باذنك. انها اهتزازات من نوع آخر، فيها صوت ولكن لا تدركه الاذن، فاذا جئت بالرّاد (1) الذي يردّها عليك، سمعتها.
الضغظ الجوي لا تحس باختلافه القليل، لأنه ليس لديك حاسة تدركه بها، فاذا جئت بـ (البارومتر) أدركته به. الهزات الخفيفة لا تدركها، ولكن (الرادار) يدركها.
(1) الراد: اسم فاعل من رد وضعتها (للراديو)، لأنه يرد الصوت الذي يرسله المذياع.