الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الموظف الذي تعرض عليه الرشوة، تعدل راتبه عن ستة أشهر، فيكف يده عنها، على حاجته اليها. صبر التلميذ في الامتحان اذ يتمكن من سرقة الجواب من الكتاب، فلا يقدم عليها، وان كان نجاحه منوطا بها.
المعاصي لذيذة للنفس، فان امتنع عنها، مع تمكنه منها، كان مع الصابرين.
والثالث الصبر على الطاعات، على القيام لصلاة الفجر، وترك لذة المنام ودفء الفراش، في الغداة الباردة. على احتمال الجوع والعطش في شهر الصيام، في الصيف الملتهب. على اكراه النفس المحبة للمال، على اخراج الزكاة، وبذل الصدقة.
الصبر على التمسك بالدين في هذا الزمان الفاسد، الذي عاد فيه الدين غريبا كما بدأ غريبا، وصار القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر، وصار المتدين فيه معرضا لسخرية الناس، وايذاء الحكام، ونقص المرتب، والاخراج من الديار، فمن احتمل ذلك لله وحده قاصدا ثوابه، كان من {الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون
…
أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا
…
وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظٍ عظيم
…
}.
ثمرات الايمان
الانقياد لحكم الشرع
قلنا بان الايمان عمل من أعمال القلب، سر من الأسرار التي لا يعلم بها الا الله، وانما للناس الظواهر، لذلك ميزنا المؤمن من غير المؤمن بمقاله وأعماله. فالاسلام هو مظهر الايمان، والاسلام في اللغة هو التسليم:(اسلم) و (سلم) بمعنى واحد، فالولد يستسلم لأبيه ثقة به والمحب يستسلم لمحبوبه ميلا اليه، والمهزوم يستسلم لمن هزمه خوفا منه. أما المؤمن فيسلم لحكم ربه استسلاما مطلقا، يطيع له كل أمر، ولو لم يعرف الحكمة منه، ووجه المنفعة فيه، ويدع كل ما ينهى عنه، ولو لم يدرك سر نهيه عنه، وهذا الاستسلام له جانبان: جانب عملي، هو الامتثال بالقول والعمل، وسيأتي
الكلام عنه ان شاء الله، في الجزء المخصص للاسلام من هذا الكتاب، وجانب نفسي هو الذي نبحث عنه الآن، ونحن نتكلم عن الايمان.
هذا الجانب هو الرضا القلبي بحكم الشرع، واطمئنان النفس اليه، وأن نعمل الواجب أو نترك الحرام عن اقتناع، ليس في قلوبنا تبرم به، ولا سخط عليه، قال تعالى:{فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم} .
وهذا هو الجانب العملي.
{ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً} .
وهذا هوالجانب النفسي. فلا يكفي مجرد الاحتكام إلى الرسول، اذا لم يكن في قلوبنا اعتقاد صحة هذا الحكم، والرضا به، والاطمئنان اليه.
{إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا (بألسنتهم مقرين معترفين بقلوبهم) سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون
…
}.
ومن الناس من يسأل دائماً عن حكمة الشرع في كل أمر ونهي. كأنهم لا يطيعون الا اذا عرفوا الحكمة، وللشرع حكمة لا شك فيها، ولكنها قد تبدو لنا، بالنص أو بالاستنباط، وقد تخفى علينا، افنعصي ربنا اذا لم تظهر حكمة شرعه لنا؟!
تصور: انك كلما أمرت ولدك بأمر لم ينفذه، حتى تبين له مقصدك منه، وحكمتك فيه، ولو كان الموقف ضيقا لا يتسع للبيان، ولو كان في الأمر سر لا يجوز معه الاعلان! الا تعد هذا الولد عاصيا لك؟ اولا تنتظر منه أن يطيعك على أي حال، لأنه ولدك ولأنك أبوه؟ ولو أن ضابطا تلقى أمر القيادة فأبى أن ينفذه حتى تشرح له خطتها التي أوحت به، وغايتها من اصداره ألا يستحق العقاب؟