المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الإيمان بالله وجود الله الايمان بالله يتضمن أربع قضايا: هي: ان الله - تعريف عام بدين الإسلام

[علي الطنطاوي]

فهرس الكتاب

- ‌قصة هذا الكتاب

- ‌بين يدي الكتاب

- ‌دين الإسلام

- ‌فما الاسلام؟ وكيف يكون الدخول فيه

- ‌تعريفات

- ‌العلم الضروري والعلم النظري:

- ‌قواعد العقائد

- ‌القاعدة الأولى:

- ‌القاعدة الثانية

- ‌القاعدة الثالثة

- ‌القاعدة الرابعة

- ‌القاعدة الخامسة

- ‌القاعدة السادسة

- ‌ضيق الألفاظ

- ‌القاعدة السابعة

- ‌القاعدة الثامنة

- ‌الإيمان بالله

- ‌الله رب العالمين

- ‌الله مالك الكون

- ‌الاله المعبود

- ‌توحيد الألوهية

- ‌فما هي العبادة

- ‌روح العبادة:

- ‌الأساس في توحيد الألوهية

- ‌التحليل والتحريم لله وحده

- ‌حب الله وخشية الله

- ‌أيات الصفات

- ‌المحكم والمتشابه

- ‌موقف المسلمين منها وكيف فهموها

- ‌مظاهر العبادة

- ‌الخلاصة

- ‌البحث العلمي

- ‌شبهة وردها

- ‌جدال في غير طائل

- ‌وجه الحق فيها

- ‌مظاهر الإيمان

- ‌الايمان والعمل

- ‌الايمان يزيد

- ‌ترك العمل لا يكفر

- ‌ثمرات الايمان

- ‌بين الخوف والرجاء

- ‌التوكل

- ‌الشكر

- ‌الصبر

- ‌الانقياد لحكم الشرع

- ‌شدة ولين

- ‌التوبة والاستغفار

- ‌الإيمان باليوم الآخر

- ‌الحياة الأخرى

- ‌الاستعداد للموت

- ‌ساعة الموت من أدلة الايمان

- ‌شبهة تافهة

- ‌يوم القيامة

- ‌موعد الساعة

- ‌ابتداء الساعة

- ‌حوادث فلكية

- ‌النفخ في الصور

- ‌البعث والحشر

- ‌الحساب

- ‌الشهود والبينات

- ‌الدفاع ثم الاقرار

- ‌اعتراض تافه

- ‌الحساب ونتائجه

- ‌ورود جهنم

- ‌الجنة وجهنم

- ‌دخول الجنة

- ‌وصف الجنة

- ‌أهل الجنة وأحوالهم

- ‌جهنم

- ‌دخول النار

- ‌جهنم سجن

- ‌محاولات للخروج

- ‌أحاديثهم واختلافهم

- ‌حوار بين أهل الجنة وأهل النار

- ‌الأعراف

- ‌الإيمان بالقدر

- ‌معنى القدر والقضاء

- ‌الثواب والعقاب

- ‌الانسان مخير

- ‌والانسان مجبر

- ‌حر مخير في حدود الطاقة البشرية

- ‌الثواب والعقاب منوط بالحرية

- ‌مقاييس العدالة

- ‌مع النصوص

- ‌بحث عقيم

- ‌الاحتجاج بالقدر

- ‌نحن والسلف أمام عقيدة القدر

- ‌سبب تقديس الاموات

- ‌خلط لا مبرر له

- ‌الإيمان بالغيب

- ‌عالم الغيب:

- ‌كيف نؤمن بالغيب

- ‌الغيب الذي يجب الإيمان به

- ‌المغيبات

- ‌شبهة وردها

- ‌أقسام الغيب

- ‌شبهة وردها

- ‌الملائكة والكتب والرسل

- ‌الوحي وامكانه ولزومه

- ‌شبهة وردها

- ‌ الملائكة

- ‌ثمرة الإيمان بالملائكة

- ‌الجن

- ‌الجن في القرآن

- ‌الشياطين

- ‌الإيمان بالرسل

- ‌حقيقة الرسول

- ‌الرسول لا يعلم الغيب

- ‌الرسل كثيرون وأصول الرسالات واحدة

- ‌سؤال وجوابه

- ‌الاسلام لا يفرق بين الرسل

- ‌الرسل في القرآن

- ‌المعجزات

- ‌الكرامات

- ‌المعجزة والسحر

- ‌معجزات محمد عليه الصلاة والسلام

- ‌الإيمان بالكتب

- ‌القرآن

- ‌باقي الكتب المنزلة

- ‌خاتمة

الفصل: ‌ ‌الإيمان بالله وجود الله الايمان بالله يتضمن أربع قضايا: هي: ان الله

‌الإيمان بالله

وجود الله

الايمان بالله يتضمن أربع قضايا: هي: ان الله موجود بلا موجد، وأنه رب العالمين وأنه مالك الكون المتصرف فيه، وانه الاله المعبود وحده، لا يعبد معه غيره.

وجود الله:

قلنا في القاعدة السادسة: ان الاعتقاد بوجود الله من الأمور البديهية التي تدرك بـ (الحدس) النفسي، قبل أن تقبل بالدليل العقلي، فهي لا تحتاج إلى دليل، وان كانت الادلة على صحتها ماثلة في كل شيء، ولست أعرض هذه الأدلة فهي أكثر من أن تستقصى، والعالم الدمشقي الشيخ جمال الدين القاسمي ذكر منها الكثير الكثير، في كتابه (دلائل التوحيد). مع انه الف من أكثر من نصف قرن. ومع انها قد جدت اليوم أدلة أظهرها العلم الحديث. الذي لم يكن معروفا قبل خمسين سنة، ومن نظر في كتاب:(الله يتجلى في عصر العلم)، وقد كتبه ثلاثون من علماء الطبيعة والفلك ممن انتهت اليهم الرياسة في هذه العلوم. ومثله كتاب:(العلم يدعو للايمان)، يجد ان العالم الحقيقي لا يكون الا مؤمنا، والعامي لا يكون الا مؤمنا، وان الالحاد والكفر انما يبدوان من أنصاف العلماء، وأرباع العلماء، ممن تعلم قليلا من العلم، فخسر بذلك (الفطرة) المؤمنة، ولم يصل إلى العلم الذي يدعو إلى الإيمان، فوقع في الكفر.

في هذين الكتابين مقالات، هي ثمرة ما وصل اليه تفكير هؤلاء

ص: 53

العلماء، من أمثال (فرنك الن) الذي أثبت أن القول بقدم العالم - كما كان يقول فلاسفة اليونان - مستحيل، وان العلم كشف ان لكل شيء عمرا، أي أن له بداية، تنفي كونه قديما. و (فرنك الن) هذا، من أكبر علماء الحياة (البيولوجيا). وأمثال (روبرت موريس بدج) مكتشف الرادار، وعالم الكيمياء (جون كليفلاند كوثران)، و (جون هربرت بلوند) استاذ الفيزياء، وأنا أرجو أن تقرأوا هذين الكتابين وأمثالهما

وأمثالهما كثير:

أنا لا أحب أن أعيد سرد الادلة القديمة على وجود الله، أدلة علماء الكلام، ولا الادلة الحديثة التي جاء بها هؤلاء العلماء، ولكن أشير إلى دليل واحد من الادلة القرآنية، وادلة القرآن: واضحة، صريحة، حاسمة. تأتي بالحجة الضخمة، في العبارة القصيرة، التي يفهمها العامي، وتمتلئ نفس العالم الذي يدرك مغزاها، اعجابا منها، وعجبا من قوتها ودقتها ووضوحها، وكلاهما (العامي والعالم) لا يملك الا أن يقول: صحيح!

نبهنا الله في القرآن بكلمة واحدة، على أن الدليل فينا، "في أنفسنا"، فكيف ننكر قضية قد سطر على جباهنا ما يشعر بصدقها، قال تعالى:{وفي أنفسكم أفلا تبصرون؟!} فنحن نشعر - من أعماق قلوبنا - بأنه موجود، نلجأ اليه في الشدائد والملمات، بفطرتنا المؤمنة، بغريزة التدين فينا، ونرى الادلة عليه فينا، وفي العالم من حولنا، فالعقل الباطن يؤمن وجوده بالحدس، والعقل الواعي يؤمن بوجوده بالدليل.

فكيف لعمري يجحد الله الجاحد، وهو - نفسه - الدليل على وجوده؟! بأنه كمن يحمل مالك بيده، ويدعي انه لم يأخذه ولم يلمسه، ومن يلبس ثيابه مبتلة يقطر منها الماء، ويدعي أنه لم يقرب الماء. هذه حقيقة الحقائق، ولكن لماذا نجد أكثر الناس لا ينتبهون اليها؟!

الجواب: لأنهم لا يفكرون في أنفسهم، {نَسُوا الله فأنساهم أنفسهم} . انهم يفرون منها، يخافون الانفراد بها، لا يستطيع أحدهم أن يبقى وحيدا، خاليا بنفسه بلا عمل، لذلك يشتغل عنها بحديث فارغ، أو

ص: 54

كتاب تافه، أو عمل يشغل نفسه، ويصرم فيه عمره، كأن نفسه عدو له يكرهه، وينفر منه. وكأن عمره - وهو رأس ماله - حمل على عاتقه، يرمي به ليتخلص منه.

أنظر إلى أكثر الناس تجدهم يأكلون ويشربون، وينامون ويستيقظون. يحرصون على اللذة، ويبتعدون عن الألم، يبتغون الخير في الدنيا لأنفسهم وأهلهم ومن يحبون. يصبح الواحد منهم فينظف جسده، ويرتدي ثيابه، ويتناول طعامه، ويغدو إلى عمله، يعمل لجمع المال ويستزيد من الربح، ثم يعود إلى داره، فيتغذى ويستريح. ثم يعود إلى العمل، أو يعمد إلى التسلية. يفتش عما يملأ به الفراغ، ويضيع به الوقت، ويقطع به العمر، حتى يعاوده الجوع فيأكل، أو يدركه النعاس فينام. ثم يستقبل يوماً جديداً، فيعيد فيه (برنامج) اليوم الذي مضى. يذكر ماضيه، وما ماضيه الا الأيام التي أحس أنه عاشها في هذه الدنيا، ويفكر في مستقبله، وما مستقبله الا الأيام التي يقدّر أنه يعيشها في هذه الدنيا.

أما المسلم، فلا يكتفي من الحياة بأن يأكل ويشرب، ويعمل ويتسلى، بل يسأل نفسه، من أين جئت؟ وإلى أين أسير؟ ما المبدأ؟ وما المصير؟ ينظر فيجد ان حياته لم تبدأ بالولادة حتى تنتهي بالموت. يرى انه كان جنينا في بطن أمه قبل أن يولد، وكان حُوَيْناً منويا في ظهر أبيه قبل أن يَسْتَجِنّ. وكان قبل ذلك دما يجري في عروق هذا الأب. وهذا الدم جاء مما تناول من الغذاء، وهذا الغذاء كان نباتا نبت من الأرض، او حيوانا تغذى من النبات .. أطوار مرّ بها قبل الولادة لا يعرف عنها شيئا، سلسلة طويلة، فيها حلقات قليلة واضحة، وباقيها يحجبه عن عيوننا الظلام، فكيف يوجد نفسه بعقله وارادته وقد كان موجودا، قبل أن يكون له عقل وارادة؟

ان الواحد منا لا يعرف نفسه قبل بلوغه الرابعة من عمره، لا يذكر أحد منها مولده. من يذكر مولده؟ من يذكر أيامه لما كان في بطن أمه؟ فاذا كان موجودا

ص: 55

قبل أن يعلم بوجوده، فهل يمكن أن يقال انه هو الذي أوجد نفسه؟ سل هذا الكافر الملحد - ان لقيته - وقل له: هل خلقت أنت نفسك بارادتك وعقلك؟ هل أنت الذي ادخلت نفسك في بطن أمك؟ وهل أنت الذي اختار هذه المرأة لتكون له أما؟ وهل أنت الذي ذهب بعد ذلك فجاء بالقابلة لتخرجه من هذا البطن؟ فهل خلق اذن من العدم بلا فاعل ولا خالق؟ هذا مستحيل.

فهل خلقته اذن هذه الموجودات التي كانت من قبله؟ الجبال والبحار والشمس والكواكب؟

(ديكارت) لما جرّب مذهب الشك الذي اشتهر به (1) وشك في كل شيء، وصل إلى نفسه. فلم يستطع أن يشك فيها؟ لأنه هو الذي يشك ولا بد في الشك من شاك، لذلك قال كلمته المشهورة (أنا أفكر فأنا موجود (2))، موجود لا شك في وجوده، فمن أوجده؟ هل أوجدته هذه الكائنات المادية؟ انها جمادات لا عقل لها، وهو عاقل، فهل يمنح العقل من ليس بعاقل؟ هل يعطي الشيء فاقده؟

وهذا هو موقف ابراهيم أبي الانبياء عليه السلام، لما رأى أباه (وكان مَثّالا) ينحت الاصنام بإزميله، يعمل من الحجر صورة، فيتخذها هو وقومه آلهة! حجر تصنعه يد الانسان ثم تعبده! اله أخلقه وأطلب منه أن يخلق لي ما أريد؟! هذا أمر لا يقبله العقل. فأين هو الاله الحق اذن؟

وذهب يبحث ويفكر، وأدركه الليل، وطلع عليه النجم براقا لامعا عاليا، لم يخرج من الأرض كالصخرة التي تصنع منها التماثيل. لم يعمله الانسان بيده ثم يعبده، وظن أنه وجد الاله الذي يبحث عنه، واذا بالقمر يطلع فيختفي النجم، ويرى القمر أكبر في النظر وأضوأ، فيؤمن بأن القمر هو الاله، ويرقبه الليل كله، فاذا بالشمس تطلع فتطفئ شعلة القمر، وتفيض النور على الأرض، فيقول هذا هو الاله. ولكن الشمس تأفل (تذهب) وتدع

(1) مذهب ديكارت في الشك: لم يكن جديداً، فهو مسبوق اليه. راجع (المنقذ من الضلال) للغزالي.

(2)

" je pense donc je suis ".

ص: 56

الأرض في الظلام، فما هذا الاله الذي يمضي، ويتخلى عن ملكه؟ .. كلا ليست الشمس إلهاً خلقني، ولا هذه الموجودات آلهة، ولا أنا الاله. أنا ما خلقت نفسي، ولا خلقت من غير شيء، فلم يبق الا احتمال واحد، هو الصحيح، هو الحق وما عداه باطل: هو ان وراء هذه الجمادات كلها، إلهاً قادراً عظيما هو الذي أوجدها وأوجدني وأوجد كل شيء.

هذا الدليل هو الذي عرض له القرآن. في جملة واحدة - هي معجزة من معجزات البيان الرباني، ضربة قاضية على من يخضع للعقل، ويحترم التفكير من الملحدين، هي قوله تعالى:

{أم خلقوا من غير شيءٍ أم هم الخالقون} ؟ ّ!

كان السخفاء من الملحدين، من أرباع المتعلمين، يقولون:(الطبيعة)، الطبيعة أوجدت الانسان، الطبيعة وهبت العقل للانسان. وكان من المعلمين من يقول لنا هذا ونحن صغار. في أيام الحرب الأولى وفي أعقابها، من المعلمين الذي شموا رائحة التمدن الجديد، من (اسطنبول) اولا (وباريس) ثانيا، فحسبوا أنهم صاروا يعدون بذلك من (المنورين)، وكانت كلمة (المنورين) في تلك الأيام، مثل كلمة (التقدميين) الآن. ولكل زمان ألفاظ يضحكون بها علينا، كما كانوا يضحكون على ذقون الهنود الحمر في اميركا بالخرز والثياب الملونة، ليأخذوا بدلا منها بلادهم.

وكبرنا بعد، وسألنا: ما (الطبيعة)؟ ان كلمة الطبيعة في اللغة على وزن (فعيلة) وهي بمعنى (مفعولة)، فاذا كانت مطبوعة فمن (طبعها)؟.

قالوا: الطبيعة هي المصادفة .. قانون الاحتمالات.

قلنا: هل تعرفون ما مثال هذا الكلام؟

مثاله: اثنان ضاعا في الصحراء، فمرا على قصر، كبير عامر فيه الجدران المزخرفة المنقوشة، والسجاد الثمين، والساعات والثريات.

قال الأول: ان رجلا بنى هذا القصر وفرشه.

ص: 57

فرد عليه الثاني وقال: أنت رجعي متأخر، هذا كله من عمل الطبيعة!!

قال: كيف كان بفعل الطبيعة؟

قال: كان هنا حجارة فجاءها السيل، والريح والعوامل الجوية فتراكمت، وبمرور القرون بالمصادفة، صارت جدارا.

قال: والسجاد.

قال: أغنام تطايرت أصوافها، وامتزجت وجاءتها معادن ملونة، فانصبغت وتداخلت فصارت سجادا!!

قال: والساعات؟

قال: حديد تآكل بتأثير العوامل الجوية، وتقطع وصار دوائر وتداخل، وبمرور القرون، صار على هذه الصورة.

ألا تقولون ان هذا مجنون؟ هل المصادفات هي التي جعلت الخلية من خلايا الكبد التي لا ترى الا بالمجهر تقوم بأعمال كيميائية تحتاج إلى آلات تملأ بهواً كبيراً، ثم لا تستطيع أن تقوم الا بجزء منها؟! هذه الخلية تحول السكر الزائد في الدم إلى مولد سكر العنب (كليكوجين)، لنستعمله عند الحاجة بعد اعادته إلى (كليكوز)، وتفرز الصفراء، وتعدل (الكولسترول) في الدم، وتصنع الكريات الحمر، ولها بعد أعمال اخرى!

والمصادفات جعلت في اللسان تسعة آلاف عقدة صغيرة كلها تصلح للتذوق، وفي كل اذن مئة ألف خلية للسمع، وفي كل عين مئة وثلاثين مليون خلية كلها تصلح لاستقبال الضوء. والأرض بما فيها من العجائب والأسرار، والهواء الذي يحيط بها، وما يحمله من أحياء لا ترى ولا تدرك، والأشكال العجيبة لذرة الثلج التي تسقط، خلقها بهذه الدقة، وأودع فيها هذا الجمال، الذي لم نره الا من عهد قريب.

انظر إلى هذه الأرض وما فيها من معادن، وما أودع فيها من أسرار، وإلى أنواع حيوانها ونباتها، وما فيها من الصحارى الشاسعة، والبحار الواسعة، والجبال السامقة، والاودية العميقة .. ثم وازنها بالشمس ترها صغيرة

ص: 58

ضئيلة إلى جنب الشمس وعظمها، والشمس التي تكبر الأرض بمليون مرة، هي بالنسبة لكوكب من هذه الكواكب حبة رمل في الصحراء الكبرى.

والشمس التي تبعد عنا بأكثر من مئة مليون كيل (كيلومتر)، اذا قدرنا بعدها بالزمن الضوئي، وسرعة الضوء ثلاث مئة ألف كيل في الثانية الواحدة، يبلغ بعدها عنا ثماني دقائق. فماذا يكون بعد النجوم التي يصل ضوؤها الينا في مليون سنة ضوئية؟ السنة الضوئية تعدل عشرة آلاف مليار كيلومتر (1)، فكم كيلومتر في مليون سنة؟

وهذه الكواكب، ومنها كوكب المجرة، التي لا يعرف علم الفلك عنها أكثر من انها بقعة مضيئة، فيها من الكواكب ما لا يعلمه الا الله، هذه الكواكب على ضخامتها التي يعجز العقل عن تصورها، تسير بسرعة هائلة، سرعة تتخطى حدود الأرقام، فكيف لا يقع فيما بينها اصطدام؟

قرأت لاحد علماء الفلك، ان احتمال اصطدامها، كاحتمال اصطدام ست نحلات لو أطلقت في الفضاء المحيط بالأرض. ان سعة فضاء الأرض بالنسبة لست نحلات، كذلك الفضاء بالنسبة لهذه الكواكب التي لا تعد ولا تحصى. وهذا الفضاء كله وسط كرة هائلة هي السماء الدنيا، كرة من جرم حقيقي ليست هواء ولا فضاء (2)، ولا خطا وهميا هو مدار الكواكب كما تصور بعض المحدثين من المفسرين، كرة محيطة بهذا الفضاء وما فيه، ومغلقة عليه وهو في داخلها. كرة محفوظة لها أبواب تفتح وتغلق، جعلها الله (سقفا محفوظا) لهذا الفضاء، وجعل هذه الكواكب فيها كالمصابيح التي تزين

(1) أذكر في معرض هذا الحديث أن ابوللو (9) التي وصلت إلى القمر، قطعت في الذهاب والاياب أربع مئة ألف كيل (كيلومتر)، أي: مدة ثانية وثلث ثانية فقط بالزمن الضوئي!

(2)

هذا الذي قلته عن السماء: شيء فهمته من ايات الكتاب، وسنن الله في الفلك التي كشفها العلماء، ولم أجد من قال به، وقد فصلت القول فيه في غير هذا الكتاب.

ص: 59