الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس
…
}.
مظاهر الإيمان
الايمان يزيد
من العلماء من نظروا إلى الايمان، باعتباره عقيدة، لا تقبل التجزئة، فلا يكون المرء إلا واحداً من اثنين: مؤمنا، أو كافراً، ولا توسط بينهما، فذهبوا إلى ان الايمان لا يزيد ولا ينقص.
ولكن الجمهور نظر اليه، مقرونا بالعمل الصالح، فرأوه يزيد بازديادها، وهذا هو الحق الذي وردت به النصوص القاطعة، قال تعالى: {واذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا
…
فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا
…
وما زادهم الا إيماناً وتسليماً}.
مظاهر الإيمان
ترك العمل لا يكفر
والعلماء من أهل السنة متفقون على أن مجرد ارتكاب المحرم من غير انكار لحرمته، وترك الواجب من غير انكار لوجوبه، ولا استخفاف به، يعرّض صاحبه لعذاب الآخرة لكنه لا يكفر صاحبه، ولا يخلده في النار.
وما ورد في الحديث، من ان الزاني لا يزني حين يزني وهو مؤمن، معناه أنه لا يكون ساعة الزنا ذكرا ان الله مطلع عليه، ولو ذكر ذلك لمنعه منه حياؤه من الله، ولو ان فاسقا أعد عدة الزنا، وهم، فرأى أباه يطل عليه ويراه - هل يستطيع أن يمضي فيه، أم يمنعه منه الحياء من أبيه؟ فكيف لا يمنعه الحياء من الله، وهو ذاكر انه يراه؟.
ثمرات الايمان
الذكر
وثمراته هي هذه الأعمال القلبية، التي لخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم، في
الحديث الصحيح، بهذه الكلمة الجامعة المانعة، التي تعدّ من جوامع الكلم، ومن دلائل البيان النبوي، الذي لا يدانيه ولا يقاربه بيان بشري، هي قوله في تعريف الاحسان:"ان تعبد الله كأنك تراه، فان لم تكن تراه فإنه يراك".
الذكر:
وأول هذه الثمرات الذكر، ولقد قرأت عن أحد الصالحين (ونسيت (1) اسمه)، ان ابتداء أمره أنه كان له خال متعبد، وكان يلازمه، فقال له:"يا خالي ماذا أعمل لأكون مثلك". فقال له خاله: قل كل يوم ثلاث مرات "ان الله ناظر اليّ، ان الله مطلع عليّ". فقالها، واستمر عليها اسبوعا، فأمره أن يقولها ثلاث مرات في عقب كل صلاة، فقالها، وتركه اسبوعا، وأمره أن يقولها بقلبه بدلا من أن يحرك بها لسانه، فتعود بذلك على أن يكون دائماً ذاكراً مراقباً.
وما أمر الله بشيء في القرآن ما أمر بالذكر، ولا أثنى على أحد ما أثنى على الذاكرين. والذكر في لسان العرب الذي نزل به القرآن ذكران: ذكر القلب، وذكر اللسان، وكلاهما ورد في القرآن. فمن ذكر القلب قوله:{إني نسيت الحوت وما أنسانيه الا الشيطان أن أذكره} .
أي: ان اتذكره ويخطر على بالي. ومنه: {اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك
…
يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم}. ومن ذكر اللسان قوله: {واذكر في الكتاب ابراهيم
…
واذكر في الكتاب مريم
…
اذكرني عند ربك
…
واذكروا اسم الله عليه}.
(1) وليس تحت يدي وأنا أكتب هذا الكتاب، شيء من المراجع لأرجع اليه في تذكر ما نسيت، ما عندي الا كتاب الله وكفى به مرجعا.
فاذا أردت أن تتحقق لك صفة الذاكر، فتذكر بقلبك (1) (أي: بعقلك) وأنت وحدك، وأنت في الملأ، وأنت في السوق، وأنت في الطريق. وتذكر في كل وقت، وعلى كل حال، ان الله يراك، فلا تعمل الا ما يرضيه، فإن أديت واجبا فاذكر انك تؤديه امتثالا لأمره، وان تركت محرما فاتباعا لنهيه، وان عملت مباحا فاقصد به وجها تستحق به الثواب، وان عرض لك طريقان، فاختر منهما ما يدنيك من الجنة ويباعدك عن النار. وان نسيت فاذنبت ذنبا، ثم تذكرت فتب منه، واطلب العفو عنه.
{إن الذين اتقوا إذا مسهم طائفٌ من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} .
واذكر بلسانك، فان أفضل الذكر ذكر اللسان مع حضور القلب، فان كان الفكر غائبا لا يعي ما يقول اللسان، كان ذكره كلاما بال معنى، كذكر بياع الكعك في الشام ينادي:(الله كريم) لا يقصد ذكر الله، ولكن يبيع الكعك، وذكر بياع الخس ينادي:(الله دايم). وربما كان ذكر اللسان معصية، كمن يسمّي الله على شرب الخمر، ومن يذكر الله في أغاني الفسوق التي تغنيها المغنيات، فان قصد بذلك الهزء، او دلت عليه دلالة ظاهرة، كان ذكره هذا كفراً. وأفضل الذكر تلاوة القرآن، الا في المواضع التي عيّن لها الشارع ذكرا خاصا، كالتسبيح في الركوع والسجود مثلا. والذكر المأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما ما يسمى في أيامنا بحفلات الذكر، وكان يعرف عند علمائنا بالرقص لما فيه من القيام والركوع، والانحناء والاستواء، بحركات موزونة، ونغمات معروفة، ولا ينطق فيه بتهليل ولا تحميد، بل بأصوات مبهمة مثل:(آه) و (أح)، ففي حاشية ابن عابدين (2)(وهي عمدة المذهب الحنفي) أنه
(1) وليس المراد القلب المادي الذي يضخ الدم لأنحاء الجسم، بل المراد مكان الفكر والمشاعر من الانسان.
(2)
الجزء الثالث - صفحة (307) من الطبعة الاميرية.