الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعدمِ الاستحياءِ من علَاّمِ الغيوبِ.
وما أحسنَ قولَ بعضِهِم:
تعصي الإلهَ وأنتَ تزعُمُ حُبَّه. . . هذا لَعمري في القياسِ شنيعُ
لو كان حُبُّكَ صادقًا لأطعتَهُ. . . إنَّ المحبَّ لمن يُحِبُّ مطيعُ
* * *
قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (2
8)
[قالَ البخاريُّ] : "بابُ: دخولِ المشْرِكِ المسْجِدَ":
حدثنا كَتيبةُ: ثنا الليثُ، عن سعيدِ بنِ أبي سعيدٍ، أنَّه سمعَ أبا هريرةَ يقولُ: بعثَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بخيْلٍ قِبَلَ نَجْدٍ، فجاءتْ برجُل من بني حنيفةَ، يُقالُ له؛ ثُمامَة بنُ أُثالٍ، فربطوه بسارية من سوارِي المسجدِ.
قد سبقَ هذا الحديثُ بأتمَّ من هذا السياقِ في "بابِ: الأسير يُربطُ في
المسجدِ"، وفيه: أنَّ ثمامةَ حين رُبط كان مشركًا، وأنه إنما أسلمَ بعد
إطلاقهِ.
وفي هذا دليل على جوازِ إدخالِ المشركِ إلى المسجدِ، لكن بإذنِ المسلمينَ.
وقد أنزلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وفدَ ثقيفٍ في المسجدِ، ليكونَ أرقَّ لقلوبِهم.
خرَّجه أبو داود من روايةِ الحسنِ، عن عثمانَ بنِ أبي العاصِ.
وروى وَكِيعٌ، عن سفيانَ، عن يونسَ، عن الحسنِ، قالَ: إنَّ وفدًا قدِمُوا
على النبيِّ صلى الله عليه وسلم منْ ثقيفٍ، فدخلُوا عليه المسجدَ، فقيلَ له: إنَّهم مُشْركون؟
قالَ: "الأرضُ لا ينجسها شيءٌ".
وخرَّجه أبو داودَ في "المراسيلِ " من روايةِ أشْعَث، عن الحسن، أنَّ وفْدَ
ثقيفٍ قدِمُوا على رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فضرَبَ لهم قُبَّةً في مُؤخَّرِ المسجدِ، لينظرُوا إلى صلاةِ المسلمينَ، إلى ركُوعِهِم، وسجودِهِم، فقيلَ: يا رسولَ اللَّهِ، أتنزِلُهُمُ المسجدَ وهم مُشرِكُون؟
قالَ: "إنَّ الأرضَ لا تنْجُسُ، إنَّما ينجُسُ ابنُ آدمَ ".
وكذلك سائر وفودِ العربِ ونصارى نجرانِ، كلُّهم كانُوا يدخلونَ المسجدَ
إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم ويجلسونَ فيه عندَه.
ولما قدِمَ مشركُو قريشٍ في فداءِ أُسارى بدرٍ كانوا يبيتون في المسجدِ
وقد روى ذلك الشافعيُّ بإسنادٍ له.
وقد خرَّج البخاريُّ حديثَ جبيرِ بنِ مُطْعِمٍ - وكان ممن قدِمَ في فداءِ
الأسارى - أنه سمعَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقرأُ في المغربِ بـ: "الطُّورِ"؛ قالَ: وكان ذلك أولَ ما وقرَ الإيمانُ في قلبِي.
وخرَّج البخاريُّ فيما سبقَ في "كتابِ: العلم " حديثَ دخول ضِمامِ بنِ
ثعلبةَ المسجدَ، وعقلِهِ بعيرَهُ فيه، وسؤالِهِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن الإسلامِ، ثم أسلْمَ عقبَ ذلكَ.
وروى أبو داود في "المراسيلِ " بإسنادِهِ عن الزهريِّ، قالَ: أخبرني سعيدُ
ابنُ المسيَّبِ، أنَّ أبا سفيانَ كان يدْخُلُ المسجدَ بالمدينةِ وهو كافر، غيرَ أنَّ ذلك لا يصلُحُ في المسجدِ الحرامِ، لما قال اللَّهُ عز وجل:(إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) .
وقد اختلفَ أهلُ العلم في ذلكَ:
فرَخَّصَ طائفةٌ منهم في دخولِ الكافرِ المسجد، وهو قولُ أبي حنيفةَ
والشافعيِّ، وحُكيَ روايةً عن أحمدَ، رجَّحها طائفة من أصحابِنا.
قال أصحابُ الشافعيِّ: وليسَ له أن يدخلَ المسجدَ إلا بإذنِ المسلمِ ووافقَهُم
طائفة من أصحابِنا على ذلكَ.
وقال بعضُهم: لا يجوزُ للمسلم أن يأذنَ فيه إلا لمصلحةٍ من سماع قرآنٍ.
أو رجاء إسلامٍ، أو إصلاح شيءٍ ونحوِ ذلك، فأمَّا لمجردِ الأكلِ واللُّبْثِ
والاستراحةِ فلا.
ومن أصحابِنا: من أطلقَ الجوازَ، ولم يقيدْهُ بإذنِ المسلم.
وهذا كلُّه في مساجدِ الحلِّ، فأمَّا المسجدُ الحرامُ فلا يجوزُ للمسلمينَ الإذنَ
في دخولِهِ للكافرِ، بل لا يمكَّنُ الكافرُ من دخولِ الحرمِ بالكليَّة عند الشافعيِّ
وأحمدَ وأصحابِهِما.
واستدلُّوا بقولِ اللَّه تعالى: (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا)، وكانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أمرَ منادِيًا يُنادِي:"لا يحُجُ بعْدَ العام مُشْرِك".
وأجازَه أبو حنيفةَ وأصحابُهُ.
فأمَّا مسجدُ المدينةِ، فالمشهورُ عندنا وعند الشافعية أن حُكْمَهُ حكم مساجد
الحِلِّ.
ولأصحابِنا وَجْه: أنه مُلْحَقٌ بالمسجدِ الحرامِ؛ لأنَّ المدينةَ حَرَم، وحُكي عن
ابنِ حامدٍ، وقاله القاضي أبو يعْلى في بعضِ كتبِهِ.
وهذا بعيدٌ، فإنَّ الأحاديث الدالةُ على الجوازِ إنما وردت في مسجدِ المدينةِ
بخصوصِهِ، فكيفَ يمنع منه ويخصُّ الجوازُ بغيره؟
وقالتْ طائفةٌ: لا يجوزُ تمكينُ الكافرِ من دخولِ المساجدِ بحالٍ، وهذا هو
المرويُّ عن الصحابةِ، منهم: عمرُ، وعليٌّ، وأبو موسى الأشعريُّ، وعن عمرَ ابنِ عبدِ العزيزِ، وهو قولُ مالكٍ، والمنصوصُ عن أحمدَ، قال: لا يدخلونَ المسجدَ ولا ينبغي لهم أن يدخلُوهُم.
واستدلُّوا بقولِ اللَّهِ تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ) .
وظاهرُهُ: يدلُّ على أنَّ الكفارَ لا يُمكنونَ من دخولِ المساجدِ، فإنْ دخلوا
أُخيفُوا وعُوقِبوا، فيكونونَ في حالِ دخولِهِم خائفينَ من عقوبةِ المسلمينَ لَهُم.
وقد رُوي عن عليٍّ، أنَه كان على المنبرِ فبَصُرَ بمجوسي، فنزل وضربَه
وأخرَّجَه.
خرَّجه الأثْرَمُ.
وعلى هذا القولِ، فأحاديثُ الرخصةِ قد تُحمَلُ على أنَّ ذلك قبلَ
النهي عنه، أو أنَّ ذلك كانَ جائزًا حيث كان يحتاجُ إلى تألفِ قلوبِهِم،
وقد زالَ ذلكَ.
وفرَّقتْ طائفةٌ بين أهلِ الذِّمةِ وأهلِ الحربِ، فقالُوا: يجوزُ إدخالُ أهلِ
الذِّمَّةِ دونَ أهلِ الحربِ، ورُوي عن جابرِ بنِ عبدِ اللَّهِ وقتادةَ.
وروى عبدُ الرزاقِ، عن ابنِ جُريج: أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابرَ
بنَ عبدِ اللَّه يقولُ في قولِه تعالى: (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْربوا الْمَسْجِدَ
الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) ، قال: إلا أن يكون عبْدًا أو أحدًا من أهلِ
الذَّمَّة.
وقَد رُويَ مرفوعًا من روايةِ شريكٍ: ثنا أشعثُ بن سوَّار، عن الحسن، عن
جابرٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ:
"لا يدخلْ مسجدَنا هذا مشركٌ بعدَّ عَامِنَا هذا، غَّيَر أهلِ الكتابِ وخدمِهِم ".
خرَّجه الإمامُ أحمد.
وفي روايةٍ له: "غيرَ أهلِ العهدِ وخدمِهِم ".
وأشعثُ بنُ سوَّار، ضعيفُ الحديثِ.
وقد خصَّ بعضُ أصحابِنا حكايةَ الخلافِ المحكي عن أحمدَ فى المسألة
بأهلِ الذِّمَّةِ.
* * *