الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأخضَرِ، وجعلَ ذلك من أدلةِ القُدرةِ على البَعْثِ، وذكر الطبائعيونَ: أنَّ الماءَ بانحدارِه يصيرُ بُخارًا، والبخارُ ينقلبُ هواءً، والهواءُ ينقلبُ نارًا، والله
أعلم.
* * *
قوله تعالى: (أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (8)
قالَ تعالى: (أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ)، والمرادُ: وقتُ
مجيءِ العذابِ، وقد يكونُ ليلاً ويكونُ نهارًا، وقد يستمرُ وقد لا يستمرُ.
ويقال: يومُ الجَمَلِ، ويوم صِفِّين، وكل منهما كان عدةَ أيامٍ.
* * *
قوله تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15)
أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (16)
وخرَّج مسلمٌ من حديثِ أبي هريرةَ رضي الله عنه، سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقولُ:
"إنَّ أوَّلَ الناسِ يُقضى يومَ القيامةِ عليه رجل استُشْهِدَ، فأتِي به، فعرَّفه نِعَمَهُ، فعرفَهَا، قال: فما عمِلتَ فيها؟
قال: قاتلتُ فيكَ حتَى استُشْهِدتُ، قال: كذبتَ، ولكنَكَ قاتلتَ، لأنْ
يُقالَ: جرِيء، فقد قيل، ثم أُمِرَ به، فسُحِبَ على وجهِهِ، حتى أُلقِيَ في النَّارِ، ورجل تعلَّمَ العلمَ وعلَمَهُ، وقرأ القُرآنَ، فأتِي به، فعرَّفَهُ نِعمَهُ فعرَفَها، قال: فما عملتَ فيها؟
قال: تعلَّمتُ العِلمَ وعلَّمتُه، وقرأتُ فيك القرآنَ، قال: كذبتَ، ولكنَك تعلَّمتَ العلمَ،
ليُقالَ: عالمٌ، وقرأتَ القرآنَ ليُقالَ: قارئ، فقدْ قيلَ، ثمَّ أُمِرَ به، فسُحِبَ على وجهِهِ حتى أُلقيَ في النارِ، ورجلٌ وسَّع اللَّهُ عليه، وأعطاهُ من أصنافِ المالِ كلِّه، فأُتِي به، فعرَّفهَ نِعَمَهُ، فعرَفَها، قالَ: فما عمِلتَ فيها؟
قال: ما تركتُ من سبيلٍ تحبُّ أن يُنفقَ فيها إلا أنفقتُ فِيهَا لك، قالَ: كذبتَ، ولكنَّكَ فعلتَ، ليُقالَ: هو جَواد، فقدْ قيل، ثمَّ أُمِرَ به.
فسُحبِ على وجهِهِ حتَّى أُلقيَ في النَّارِ".
وفي الحديثِ: أنَّ معاويةَ لما بَلَغَهُ هذا الحديثُ، بكَى حتى غُشي عليه.
فلمَّا أفاقَ، قال: صدقَ اللَهُ ورسولُهُ، قال اللَّهُ عز وجل:(مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ) .
وقد وردَ الوعيدُ على تعلُّم العلم لغيرِ وجهِ اللَّهِ، كما خرَّجه الإمامُ أحمدُ
وأبو داودَ وابنُ ماجةَ، من حديثِ أبي هريرةَ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:
"منْ تعلَّمَ عِلمًا ممَّا يُبتَغَى به وجْهُ اللَّهِ، لا يتعلَّمُه إلا ليُصيبَ به عرَضًا من الدنيا، لم يَجِدْ عَرْفَ الجنَّةِ يومَ القيامةِ"
يعني: ريحَها َ.
وخرَّج الترمذيُّ من حديثِ كعبِ بنِ مالكٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:
"منْ طلَبَ العلمَ ليُمارِي به السُّفهاءَ، أو يُجارِي به العُلمَاءَ، أو يَصرِفَ به وجُوهَ الناسِ إليه، أدخلَهُ اللَّهُ النارَ".
وخرَّجه ابنُ ماجهَ بمعناهُ من حديثِ ابنِ عمرَ، وحذيفةَ، وجابرٍ، عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم -
ولفظُ حديثِ جابرٍ: "لا تعلَّموا العِلمَ لتُباهُوا به العُلَماءَ، ولا لتُمارُوا به
السُّفهاءَ، ولا تخيَّروا به المجالسَ، فمنْ فعلَ ذلك، فالنَّارَ النَّارَ".
وقال ابنُ مسعودٍ: لا تعلَّموا العلمَ لثلاثٍ: لتمارُوا به السفهاءَ، أو
لتُجادِلوا به الفُقهاءَ، أو لتصرفُوا له وجُوهَ الناس إليكم، وابتعوا بقولِكُم
وفعلِكم ما عندَ اللهِ، فإنَّه يبقى ويذهبُ ما سواهُ.
وقد وردَ الوعيدُ على العملِ لغيرِ اللَهِ عمومًا، كما خرَّج الإمام أحمدُ من
حديثِ أُبيّ بنِ كعبٍ، عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:
"بَشِّرْ هذه الأمَّةَ بالسَّناءِ والرِّفْعَةِ والدِّينِ والتمكين في الأرض، فمن عمِلَ منهم عملَ الآخرةِ للدّنيا، لم يكنْ له في الآخرةِ من نصيب ".
* * *
قوله تعالى: (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106)
قال اللَّهُ تعالى: (لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لا يَسْمَعُونَ) .
وقال تعالى: (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ) .
قال الربيعُ بنُ أنسٍ: الزفيرُ في الحلقِ، والشهيقُ في الصدرِ، وقال معمر
عن قتادةَ: صوتُ الكافرِ في النارِ مثل صوتِ الحمارِ، أوَلهُ زفير وآخرُهُ
شهيقٌ، وقال تعالى:(وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا) .
وفي حديثِ حارثةَ: "وكأنِّي أنظر إلى أهلِ النَّارِ، يتعاوونَ فيها".
وروى معاويةُ بنُ صالح عن سليم بنِ عامرِ عن أبي أمامةَ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:"رأيتُ رُؤْيا" فذكرَ حديثًا طويلاً وفيه قال:
"ثم انطلقْنَا فإذا نحن نَرى دُخانًا ونسمعُ عواء، قلتُ: ما هذا؟
قال: هذه جهنَّمُ " خرَّجه الطبرانيُّ وغيرُه.
وروى الأعمشُ عن يزيدَ الرقاشي، عن أنسٍس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"يُلقى البُكاءُ على أهلِ النارِ فيبكونَ حتى تنقطعَ الدموعُ، ثم يبكونَ الدمَ حتى يصيرَ في وجوهِهِم كهيئةِ الأخدودِ، ولو أرسلت فيه السفنُ لجرتْ " خرَّجه ابنُ ماجةَ.
ورُويَ عن الأعْمش عن عمرِو بنِ مرَّةَ ويزيدَ الرقاشيِّ، عن أنسٍ موقوفًا من قولِهِ.
ورواه سعيدُ بنُ سلمةَ عن يزيدَ الرقاشيِّ، قالَ: بلغَنا هذا الكلامُ ولم يسندْهُ
ولم يرفعْهُ.
وروى سلامُ بنُ مسكينٍ عن قتادةَ عن أبي بردةَ بنِ أبي مُوسى عن أبيه.
قالَ: إنَّ أهلَ النَّارِ ليبكونَ الدموعَ في النَارِ حتَّى لو أجريتْ السفنُ في
دموعِهِم لجرتْ، ثم إنهم ليبكون بالدمِ بعد الدموع ولمثلِ ما هُم فيه فليُبْكَ.
وقال صالحُ المرِّيُّ: بلغنِي أْنهم يصرخونَ في النَّارِ حتى تنقطعَ أصواتُهم
فلا يبقى منهم إلا كهيئة الأنينِْ من المدنفِ.
وقال ابنُ أبي إسحاقَ عن محمد بنِ كعب: زفرُوا في جهنَّم فزفرتِ النارُ.
وشهقوا فشهقتِ النارُ بما استحلوا من محارِمِ اللهِ.
قال: والزفير من النفسِ والشهيقُ من البكاءِ.
وقال عليٌّ بنُ أبي طلحةَ عن ابنِ عباسٍ في قولِهِ تعالى:
(لَهم فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ) قال: صوت شديد وصوت ضعيفٌ.
وروى مالكٌ عن زيدِ بنِ أسلمَ في قولِهِ عز وجل: (سَوَاءٌ عَلَينَا أَجَزِعْنَا أَمْ
صَبَرْنَا ما لَنَا مِن مَحِيصٍ) : قال زيد: صبرُوا مائة عامٍ ثم بكَوا مائة
عام ثم قالُوا: (سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَحِيصٍ) .
وروى الوليدُ بنُ مسلم عن أبي سلمةَ الدوسي - واسمه ثابتُ بنُ شريح -
عن سالم بنِ عبدِ اللَّهِ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعُو: "اللَّهُمَّ ارزْقني عينينِ هطالتينِ يشفيانِ القلبَ بذروفِ الدموع من خشيتِكَ قبلَ أن يكونَ الدمعُ دمًا والأضراسُ جمرا".
سالم بن عبدِ اللهِ هو المحاربي وحديثه مرسل، وظن بعضهم أنه
سالمُ بنُ عبد اللَّه بنِ عمرَ، وزادَ بعضُهم في الإسناد: عن أبيه، ولا يصحُّ
ذلكَ كلُّه.
وروى الوليدُ بنُ مسلم أيضًا عن عبدِ الرحمنِ بنِ يزيدَ بنِ جابرٍ، عن
إسماعيلَ بنِ عبيدِ اللَّهِ، قال: إن داودَ عليه السلام، قالَ: ربِّ ارزقني
عينين هطالتينِ يبكيانِ بذروفِ الدموع ويشفياني من خشيتِكَ قبلَ أن يعودَ
الدمعُ دمًا والأضراسُ جمرًا، قال: وكان داودُ عليه السلام يعاتَبُ في
كثرةِ البكاءِ، فيقولُ: دعُوني أبْكِي قبلَ يوم البكاءِ، قبل تحريقِ العظامِ واشتعالِ اللِّحى، وقبل أن يأمر بي ملائكةً غلاظا شدادًا لا يعصونَ اللَّهَ ما أمرَهُم ويفعلونَ ما يؤمرونَ.
وروى يونسُ بنُ ميسرةَ عن أبي إدريس الخولانيِّ، قالَ: إنَّ داودَ - عليه
السلامُ -،
قال: أبكي نفسي قبل يوم البكاءِ، أبكي نفسِي قبلَ أن لا ينفعَ
البكاءُ، ثم دعا بجمرٍ فوضًع عليه حتى إذا حرَّهُ رفعها، وقال: أوه
لعذابِ اللَّهِ، أوه أوه قبل أن لا ينفع أوه.
وروى ثابتُ البناني عنْ صفوانَ بنِ محرزٍ قالَ: كان لداودَ عليه السلام
يومٌ يتأؤَهُ فيه يقول: أوَّه أوَّه من عذابِ اللَّهِ عز وجل قبل أن لا ينفعَ أوَّه، قال: فذكرَها صفوانُ ذاتِ يومٍْ في جلسٍ فبكى حتى غلبَهُ البكاءُ، فقامَ.
وقال عبدُ اللَّهِ بنُ رياح الأنصاريُّ، سمعتُ كعبًا، يقولُ: (إِنَّ إِبْرَاهيمَ
لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ) ، قال: كان إذا ذكر النارَ قال: أوَّاه من النارِ أوَّاه من
النارِ.
وعن أبي الجوزاءِ وعبيدِ بن عميرٍ نحوُ ذلك.
وروى ابنُ أبي الدنيا بإسنادٍ له عن رياح القيسى: أنه مرَّ بصبيٍّ يبكي
فوقفَ عليه يسأله: ما يبكيك يا بني، وجعلَ الصبيُّ لا يحسنُ يجيبُهُ ولا يردّ
عليه شيئًا، فبكى رياحٌ ثم قال ليس لأهلِ النارِ راحةً ولا معول إلا البكاءُ.
وجعل يبكي.
وبإسنادٍ له آخرَ: أنَّ رياحاً القيسي زارَ قومًا، فبكى صبيٌّ لهم من الليل.
فبكى رياحٌ لبكائِهِ حتى أصبح، فسئلَ بعد ذلك عن بكائه، فقال: ذَكر ببكاءِ الصبي بكاءَ أهلِ النارِ في النارِ ليس لهم نصيرٌ، ثم بكى.
* * *