الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال إبراهيمُ التيميُّ: ما من عبدٍ وهبَهُ اللَّهُ صبرًا على الأذى، وصبرًا على
البلاءِ وصبرًا على المصائبِ، إلا وقد أُوتي فضلاً، ما أوتيهِ أحدٌ بعدَ الإيمانِ
باللَّه عز وجل.
وهذا منتزعٌ من قولِه تعالى: (وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)
والمرادُ بالبأساءِ: الفقرُ ونحوُه، وبالضَّرَّاءِ. المرضُ ونحوُه.
وحينَ البأسِ: حالُ الجهادِ.
وقال عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ: ما أنعمَ اللَّه علَى عبدٍ نعمةً فانتزعَهَا منه.
فعاضَهُ مكانَ ما انتزعَ منه الصبرَ إلا كانَ ما عوضَهُ خيرًا مما انتزعَ منه، ثم
تلا: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ) .
وكان بعضُ الصالحينَ في جيبهِ ورقةٌ يفتحُهَا كلَّ ساعةٍ فينظرُ فيها، وفيها
مكتوبٌ: (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا) .
والصبرُ الجميلُ هو أن يكتمَ العبدُ المصيبةَ ولا يخبرَ بِهَا.
قالَ طائفةٌ من السلفِ في قولِهِ تعالى: (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ)، قال: لا شكوى معه.
* * *
قوله تعالى: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)
وقد أمرَ اللَّه سبحانه وتعالى عبادَهُ بشُكْر نعمةِ صيام رمضانَ بإظهارِ ذكْرِهِ.
وغيرِ ذلكَ من أنواع شكرِهِ، فقال:(وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)
فمن جملةِ شكرِ العبْدِ لربِّه على توفيقِه لصيامِ
رمضانَ وإعانتِهِ عليه ومغفرةِ ذنوبِهِ أنْ يصومَ له شكرًا عقيب ذلكَ.
كانَ بعضُ السلفِ إذا وُفِّقَ لقيام ليليةٍ من الليالي أصبَحَ في نهارِهَا صائمًا.
ويجعلُ صيامَه شكرًا للتوفيق للقيامِ.
وكان وهيبُ بنُ الوردِ يُسأل عن ثوابِ شيء من الأعمالِ، كالطوافِ
ونحوه، فيقول: تسألوا عن ثوابِهِ؟! ولكنْ سلُوا ما الذي على مَن وُفِّقَ لهذا
العملِ من الشكرِ، للتوفيقِ والإعانةِ عليهِ؟!
إذا أنْتَ لم تَزْدَدْ على كُلِّ نعْمَةٍ. . . لموليكها شكْرًا فلسْتَ بشاكرٍ
كُلُّ نعمةٍ على العبدِ منَ اللهِ في دِينٍ أو دنيا يحتاجُ إلى شكرٍ عليها، ثمَّ
التوفيقُ للشكرِ عليها نعمةٌ أخرى تحتاجُ إلى شكرٍ ثانٍ، ثم التوفيقُ للشكر
الثاني نعمةٌ أخرى يحتاج إلى شكر آخر، وهكذا أبدًا فلا يقدِرُ العبادُ على
القيامِ بشكْرِ النعم.
وحقيقةُ الشُّكْرِ الاعترافُ بالعجزِ عن الشكر، كما قيل:
إذا كان شكْري نعْمةَ اللَّهِ نعْمَةً. . . عليَّ لَهُ في مِثْلِها يجبُ الشُّكْرُ
فكيفَ بُلُوغُ الشُّكْرِ إلا بفَضْلِهِ. . . وإن طالتِ الأيَّامُ واتَصَلَ العُمْرُ
قال أبو عمرٍو الشيبانيُّ: قالَ موسى عليه السلام يومَ الطُّور: يا ربّ!
إنْ أنا صليتُ فَمِن قِبَلِكَ، هان أنا تصدَّقْتُ فمن قبَلكَ، وإن بلَّغْتَ رسالاتك
فَمِنْ قِبَلِكَ، فكيف أشكرك؟
قال: يا موسى، الَآنَ شكرتَني، فأمَّا مقابلة نعمة التوفيق لصيامِ شهر رمضانَ بارتكابِ المعاصي بعده، فهو من فِعْلِ مَن بدَّلَ نِعْمةَ اللَّهِ كفرًا، فإن كان قد عَزَمَ في صيامِهِ على معاودةِ المعاصِي بعدَ انقضاءِ الصيامِ، فصيامُه عليه مردودٌ، وبابُ ألرَّحمةِ في وجههِ مسدودٌ.
قال كعبٌ: مَن صامَ رمضانَ وهو يُحدِّثُ نفسَهُ أنَّه إن أفطر رمضانَ