الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في الحَجِّ كالنَّفقةِ في سبيلِ اللهِ بسبعمائةِ ضعفٍ".
وخرَّجه الطبرانيُّ من حديثِ أنسٍ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قالَ:"النفقةُ في سبيلِ اللِّهِ؛ الدِّرْهَمُ فيه بسبعمائةِ" ويُدلُّ عليه قولُهُ تعالى: (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195) وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) .
ففيه دليلٌ على أنَّ النفقةَ في الحجِّ والعمرةِ تدخلُ في جملةِ النَّفقة في سبيلِ اللَّهِ. وقد كانَ بعضُ الصحابةِ جعلَ بعيرَهُ في سبيلِ اللَّهِ، فأرادتْ امرأتُهُ أن تحجَّ عليه، فقالَ لها النبيُّ صلى الله عليه وسلم:
"حجِّي عليه؛ فإنَّ الحجَّ في سبيلِ اللَّهِ ".
وقد خرَّجه أهلُ المسانيد والسنن من وجوهٍ متعدِّدةٍ، وذكره البخاريُّ تعليقًا، وهذا يستدل به على أنَّ الحجَّ يصرف فيه من سهمِ سبيلِ اللَّهِ المذكورِ في آيةِ الزكاةِ، كما هو أحدُ قولي العلماءِ، فيعطى من الزَّكاةِ من لم يحجَّ ما يحجُّ به. وفي إعطائِهِ لحجِّ التطوعُّ اختلافٌ بينهم أيضًا.
* * *
وقال الله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ)
قالَ ابنُ عمرَ: الفسوقُ: ما أصيبَ مِنْ معاصِي اللَّهِ صيدًا كانَ أو غيرُهُ،
وعنه قالَ: الفسوقُ إتيانُ معاصِي اللَّهِ في الحرمِ.
وقال عز وجل: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) .
وكانَ جماعة من الصحابةِ يتَّقون سُكْنى الحرمِ، خشيةَ ارتكابِ الذُّنوبِ
فيه: منهمُ ابنُ عباسٍ، وعبدُ اللَّهِ بن عمرِو بنِ العاصِ، وكذلكَ كانَ عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ يفعلُ، وكانَ عبدُ اللَّهِ بنِ عمرِو بنِ العاصِ يقولُ: الخطيئةُ فيه
أعظمُ.
ورُويَ عن عمرَ بنِ الخطابِ رضي الله عنه قال: لأنْ أُخطى سبعينَ خطيئةً - يعني بغير مكةَ - أحبُّ إليَّ منْ أن أُخطئ خطيئةً واحدةً بمكةَ.
وعن مجاهدٍ قالَ: تُضاعفُ السيئاتُ بمكةَ كما تُضاعفُ الحسناتُ.
وقال ابنُ جريجِ: بلغني أن الخطيئةَ بمكةَ بمائةِ خطيئةٍ، والحسنةَ على نحو ذلكَ.
وقال إسحاقُ بنُ منصور: قلتُ لأحمدَ: في شيء من الحديثِ أنَ السيئةَ
تُكتبُ بأكثرَ منْ واحدةٍ؟ قالَ: لا، ما سمعْنا إلا بمكَّةَ لتعظيم البلدِ "ولو أنَّ
رجلاً بعَدنِ أبْيَنَ همَّ ". وقال إسحاقُ بنُ راهويه كما قالَ أحمدُ، وقولهُ: "ولو أنَّ رجلاً بعدنِ أبْينَ همَّ "، هو من قولِ ابنِ مسعود، وسنذكرُهُ فيما بعدُ إن شاءَ اللَّهُ تعالى.
وقد تضاعفُ السيِّئاتُ بشرفِ فاعلِها، وقوَّةِ معرفتهِ باللَّهِ، وقُرْبِهِ منه، فإنَّ
من عصى السُّلطانَ على بساطه أعظمُ جُرْمًا ممَّن عصاهُ على بُعدٍ، ولهذا توعَّدَ
اللَّهُ خاصَّة عبادِهِ على المعصيةِ بمضاعفةِ الجزاءِ، وإن كانَ قد عصمَهم منها.
ليبيِّنَ لهُم فضلَهُ عليهم بعصمَتِهم منْ ذلكَ، كما قالَ تعالى: